التهذيب في اختصار المدونة

 (كتاب الحج الثالث)
920 -[قال مالك] وأحب لكل من فاته الحج أن ينفذ لوجهه في عمل العمرة على إهلاله الأول، ولا يهل بالعمرة إهلالاً مستقبلاً، ويقطع التلبية أوائل الحرم، ويحل من إحرامه ذلك، ولا ينتظر قابلاً، وإنما له أن يثبت على إحرامه ذلك إلى قابل ما لم يدخل مكة، فإن دخلها فليطف بالبيت ويسعى ويحل من إحرامه ولا يثبت عليه، فإذا كان قابلاً قضى الحجة التي فاتته وأهراق دماً.
قيل: فإن أراد أن يطوف ويسعى قبل أشهر الحج من قابل، ويجعل ذلك لحجة قابل؟.
قال: أخاف أن لا يجزيه.
ولا ينبغي لمن فاته الحج فأقام على إحرامه إلى أشهر حج قابل أن يحل فيها بعمرة، فإن فعل أجزأه، ثم إن حج من عامه لم يكن متمتعاً، لأنه لم يبتد عمرته وإنما كان إحرامه للحج، فإحلاله منه في عمرة رخصة له، كذلك جاء في

(1/589)


[حديث] هبار بن الأسود وصاحبه حين فاتهما الحج فقال لهما عمر: طوفا وأحلا، وعليكم الحج من قابل والهدي. (1)
وقد قال ابن القاسم: إن فسخ ذلك في أشهر الحج في عمرة كان فعله باطلاً. وقال أيضاً: إن جهل ففسخ حجه في أشهر الحج في عمرة ثم حج من عامه كان متمتعاً، ولو ثبت على أول إحرامه بعدما دخل مكة حتى حج بإحرامه ذلك قابلاً أجزأه من حجة الإسلام.
921 - وليس لمن فاته الحج أن يحرم بحجة أخرى، فإن فعل لم يلزمه، وهو على إحرامه الأول، وإنما له أن يحل بعمرة، أو يقيم على إحرامه إلى حج قابل فيجزيه حجه.
922 - ومن فاته الحج فأصاب النساء والطيب والصيد، فعليه في ذلك ما على الصحيح الحج، إلا أنه يهريق دم الفساد، ودم الفوات في حجة القضاء، وما أصاب من
_________
(1) رواه مالك فيالموطأ (1/383) .

(1/590)


الصيد وتطيب ولبس فليهرق له الدم متى شاء.
والهدي عن جماعه قبل أن يفوته الحج أو بعد أن فاته هدي واحد، وليس عليه عمرة أخرى، وطئ بعد أن فاته الحج أو قبل.
923 - ومن فاته الحج فلا يقدم هدي الفوات، وإن خاف الموت، ولا ينحره إلا في حجة القضاء بمنى، فإن اعتمر بعد أن فاته الحج فنحر هدي الفوات في عمرته أجزأه، وقد كان مالك يخففه ثم استثقله.
قال ابن قاسم: ولا أحب له أن يفعل إلا بعد [القضاء] ، فإن فعل وحج أجزأ عنه، لأنه لو هلك قبل أن يحج أهدي عنه لمكان ذلك، ولو كان [ذلك] لا يجزيه إلا بعد القضاء ما أهدي عنه بعد الموت.
قال: فإن فاته أن ينحره بمنى ساقه إلى الحل، ثم قلده وأشعره إن كان مما يقلد، ثم أدخله مكة فنحره بها وأجزأه.
[ومن أفرد الحج ففاته فلا يقضي قارناً وليقض مفرداً، وكذلك لو أفرد الحج ثم

(1/591)


جامع فيه فلا يقضي قارناً فإن فعل لم يجزه، إلا أن يفرد كما أفسد، لأن القارن ليس حجه تاماً كتمام حج المفرد، إلا بما أضاف إليه من الدي، ومن قرن ثم فاته الحج، فلا يفرق القضاء، فيقضي الحج وحده والعمرة وحدها، ولكن يقضي قارناً] ، ولا يقضي قارناً عن إفراد، ولا فرداً عن قران، [فإن فعل لم يجزه] .
924 - ومن جامع زوجته [في الحج] فليفترقا، إذا أحرما بحجة القضاء، ولا يجتمعا حتى يحلا، ويحرم في قضاء الحج أو العمرة من حيث أحرم في الأول، إلا أن يكون إحرامه الأول أبعد من الميقات فليس عليه أن يحرم الثانية إلا من الميقات، فإن تعداه في القضاء أجزأه وكان عليه دم، لأن من أفطر فيقضاء رمضان متعمداً إنما يقضي يوماً بلا كفارة.

(1/592)


925 - وإذا طاف القارن أول ما دخل مكة وسعى ثم جامع فليقض قارناً، لأن طوافه وسعيه إنما كان للعمرة والحج جميعاً، ألا ترى أنه لو لم يجامع ومضى على القران صحيحاً لم يلزمه إذا رع من عرفات أن يسعى لحجته، وأجزأه السعي الأول. (1)
926 - ومن أفسد حجه بالوطء ولم يتمه حتى أحرم بحجة القضاء، لم يلزمه ذلك ولا قضاؤه، وهو على إحرامه الأول، ولا يكون ما جدد من إحرامه نقضاً لحجته الفاسدة.
927 - ولو جامع في عمرته ثم أحرم بالحج لم يكن قارناًن ولا يردف الحج على العمرة الفاسدة.
928 - وإذا جامع القارن لزمه الآن دم لقرانه ويقضي قابلاً قارناً، وعليه مع
_________
(1) انظر: التقييد (2/98) .

(1/593)


حجة القضاء هدي لقرانه الثاني وهدي لفساده الأول، ولا يجزيه أن يفرق القضاء فيقضي العمرة وحدها والحج وحده، فإن فعل أعاد قارناً، ويهدي إذا قرن هديين كما ذكرنا.
929 - ومن تمتع ثم أفسد حجه فعليه الآن دم المتعة وهدي الفساد عند [حجة] القضاء.
930 - ومن جامع في حجه فأفسده ثم أصاب صيداً أو حلق من أذى، أو تطيب، فإن تأول أو جهل أن ليس عليه إتمام ما أفسد لما لزمه من القضاء فتطيب ولبس وقتل الصيد مراراً عامداً لفعله يرى أن الإحرام سقط عنه فليس عليه إلا فدية واحدة إلا في الصيد فعليه لكل صيد قتله جزاء.
وإن لم يتأول ذلك فعليه لكل مرة فدية مثل ما يلزم الصحيح الحج.
وأما وطؤه مرة واحدة أو مراراً امرأة واحدة، أو عدداً من النساء فليس عليه

(1/594)


في ذلك إلا هدي واحد، لأنه بالوطء فسد حجه، ولزمه القضاء.
931 - وإن أكره نساءه وهن محرمات أحجهن، وكفر عن كل واحدة [كفارة] ، وإن بِنّ منه ونكحن غيره، فإن طاوعنه فذلك عليهن دونه.
932 - وإذا أدام المحرم التذكر للذة حتى أنزل، أو عبث بذكره فأنزل، أو كان راكباً فهزته الدابة فاستدام ذلك حتى أنزل، أو لمس أو قبل أو باشر فأنزل، أو أدام النظر للذة حتى أنزل فسد حجه، وعليه الحج من قابل والهدي، [وكذلك المحرمة إذا فعلت ما يفعل شرار النساء من العبث بنفسها حتى أنزلت] .
فأما إن نظر المحرم فأنزل، ولم يتابع النظر ولا أدامه، أو قبّل أو غمز أو جسّ أو باشر أو تلذذ بشيء من أهله فلم ينزل، ولم تغب الحشفة [منه] في ذلك منها، فعليه لذلك الدم وحجه تام.

(1/595)


933 - وإذا طرح المحرم عن نفسه الحلمة أو القراد أو الحمنان أو البرغوث أو طرح العلقة عن بعيره أو دابته أو دابة غيره أو عن نفسه فلا شيء عليه، وأما إن طرح الحمنان أو الحلم أو القراد عن بعيره فليطعم.
934 - وكره مالك أن يغسل المحرم رأسه بخطمي، فإن فعل افتدى أي الفداء شاء، وله أن يفعل ذلك إذا حل له الحلاق وهو الشأن، وإن أصابته جنابة صب على رأسه الماء وحركه بيديه، وجائز أن يصب الماء على رأسه وبدنه لحر بجده أو لغير حر.
935 - قال مالك: وأكره له غمس رأسه في الماء، خيفة قتل الدواب، فإن فعل

(1/596)


أطعم شيئاً، وأكره للصائم الحلال غمس رأسه في الماء، فإن فعل لم يقض، إلا أن يدخل الماء حلقه.
936 - وأكره للمحرم دخول الحمام، لأنه ينقي وسخه، فإن دخله افتدى إذا تدلك وأنقى الوسخ، وأكره أن يغسل ثوبه أو ثوب غيره خيفة قتل الدواب، إلا أن يصيب ثوبه نجاسة فيغسله بالماء وحده، لا بالحرض.
وجائز [له] أن يبدل ثوبه الذي أحرم فيه أو يبيعه. (1)
940 - وأكره أن يدخل منكبيه في القباء، وإن لم يدخل يديه في كميه ولا زره عليه، لأن ذلك دخول فيه ولباس له.
941 - وجائز أن يطرح قميصه على ظهره يرتدي به من غير أن يدخل فيه، وجائز
_________
(1) انظر: التقييد (2/98) .

(1/597)


أن يحتبي، ولا يزرر الطيلسان على نفسه ولا يخلل عليه كساء، وجائز أن يتوشح بثوبه ما لم يعقد ذلك، فإن عقده على نفسه أو خلل كساه أو لبس قميصه، فإن طال ذلك حتى انتفع به افتدى، وإن نزعه مكانه أو حل الثوب الذي عقده مكانه فلا شيء عليه.
942 - وجائز للمحرمة [وغير المحرمة] لباس الخز والحرير والعصب والحلي والسراويل [والخف] ، ويكره لهن لباس القباء في الإحرام وغيره لحرة أو أمة لأنه يصفهن.
943 - ويكره للمحرم لبس الجوربين، فإذا لم يجد نعلين ووجد خفين قطعهما من أسفل

(1/598)


الكعبين ولا شيء عليه، فإن لبسهما لضرورة بقدميه وهو يجد نعلين افتدى، لأنه متداوٍ بخلاف الأول.
944 - وإحرام الرجل في وجهه ورأسه، و [إحرام] المرأة في وجهها [وكفيها] ، والذقن هما فيه سواء، لا بأس بتغطيته [لهما] ، وإن غطى المحرم رأسه ووجهه ناسياً أو جاهلاً، فإن نزعه مكانه فلا شيء عليه، وإن تركه حتى انتفع به افتدى، وكذلك المحرمة إن غطت وجهها مثل الرجل.
945 - ووسع لها مالك أن تسدل رداءها من فوق رأسها [على وجهها] إذا أرادت ستراً، وإن لم ترد ستراً فلا تسدل.
قال ابن القاسم: وما علمت أن مالكاً كان يأمرها إذا أسدلت رداءها أن تجافيه عن وجهها، ولا علمت أنه كان [ينهاها] عن أن يصيب الرداء وجهها إذا أسدلته، فإن رفعته من أسفل وجهها افتدت، لأنه لا يثبت حتى تعقده بخلاف السدل.

(1/599)


946 - ويكره لها أن تتبرقع وإن جافته عن وجهها، أو تلبس القفازين، فإن فعلت افتدت كفدية الرجل.
947 - وما جره المحرم على وجهه من لحافه وهو نائم فانتبه فنزعه فلا شيء عليه، وإن طال، بخلاف المستيقظ.
948 - ولو نام فغطى رجل رأسه ووجهه أو طيبه أو حلق رأسه، ثم انتبه فلينزع ذلك ويغسل الطيب [عنه] ، ولا شيء عليه، والفدية على من فعل ذلك به.
949 - ولو تقلب في نومه على جراد أو فراخ حمام أو ذباب أو غيره من الصيد فقتله، فعليه الكفارة.
950 - وجائز أن يحمل على رأسه إذا كان راجلاً ما لا بد له منه، مثل خرجه

(1/600)


فيه زاده، أو جرابه، ولا يحمل ذلك لغيره طوعاً ولا بإجارة، فإن فعل افتدى، ولا أحب له أن يحمل على رأسه تجارة لنفسه من بزّ أو سقط ولا يتجر فيما يغطي به رأسه في إحرامه.
951 - وجائز أن يشد منطقته التي فيها نفقته على وسطه ويدخل السيور في الثقب ويربطها من تحت إزاره، فإن ربطها من فوقه افتدى، لأنه احتزم من فوق إزاره، والمحرم لا يحتزم بحبل ولا بخيط إذا لم يرد العمل، فإن فعل افتدى، وإن أراد العمل فجائز أن يحتزم، ولم يوسع له أن يشدّها إلا في وسطه، ويكره أن يجعلها في عضده أو فخذه أو ساقه، فإن فعل فأرجو أن يكون خفيفاً، ولا فدية عليه.
ولا يحمل نفقة غيره فيها ويشدها على بطنه، فإن فعل افتدى، وإنما أرخص له في حمل نفقته للضرورة، ولو ربطها أولاً لنفقته ثم أودعه رجل نفقة فجعلها فيها فلا شيء عليه، لأن أصل ما شدها لنفسه. وإن ألجئ المحرم إلى تقليد السيف فلا بأس به.

(1/601)


952 - وجائز أن يعصب على جراحه خرقاً ويفتدي، وإن عصب رأسه من صداع أو عصّب رأسه أو جسده من خراج [أو جرح] أو عصب على بعض جسده من غير علّة، أو ربط الجبائر علىكسر أصابه أو ألصق على صدغيه مثل ما يصنع الناس، افتدى، فإن شاء صام أو أطعم أو نسك، ولو ألصق على قروح به خرقاً صغاراً فلا شيء عليه، وإن كانت خرقاً كباراً افتدى.
953 - وإن خضب رأسه ولحيته بحناء أو بوسمة أو خضبت المرأة المحرمة يديها أو رجليها أو رأسها أو طرّفت أصابعها بحناء فليفتديا، وإن خضب الرجل أصبعه بحناء لجرح أصابه، فإن كانت رقعة كبيرة افتدى، وإن كانت صغيرة فلا شيء عليه.

(1/602)


954 - وإن داوى جرحه بما فيه طيب برقعة صغيرة أوكبيرة فليفتد، بخلاف الحناء، لأن الحناء هي طيب مثل الريحان، وليس بمنزلة المؤنث من الطيب.
955 - ويكره له شم الطيب، وإن لم يمسه بيده أو بمنخريه، إذا كان قريباً منه يمسه أو يشمه أو يمر في موضع العطارين، أو يشم الريحان والياسمين والورد والخيريّ والبنفسج، وشبهه، فإن تعمد شم شيء من ذلك فلا فدية عليه. وإن مسّ الطيب بيده افتدى، لصق بيده أم لا.
956 - ولا شيء عليه فيما لصق بيده من خلوق الكعبة، إذ لا يكاد يسلم منه. ولا

(1/603)


تخلق الكعبة أيام الحج، ويقام العطارون [من] بين الصفا والمروة أيام الحج.
957 - ويكره له أن يتوضأ [أو يغسل يديه] بالريحان أو يغسل يديه بالأُشّنان المطيبة بالريحان، فإن فعل فلا فدية عليه، وإن كان طيب الأشنان بالطيب افتدى.
وجائز أن يتوضأ بالحرض أو يغسل يديه بأشنان غير مطيب أو بغاسول وشبهه.
958 - وإن دهن قدميه وعقبيه من شقوق فلا شيء عليه، وإن دهنهما لغير علّة، أو دهن ذراعيه أو ساقيه ليحسنهما لا من علة افتدى، وإن دهن شقوقاً في [يديه أو] رجليه بزيت أو شحم أو ودك فلا شيء عليه، وإن دهن ذلك بطيب افتدى.
959 - وما فعله القارن من إماطة أذى، أو طيب، أو نقص من حجه، فكفارة واحدة تجزيه لا كفارتين.

(1/604)


960 - وإن جعل المحرم في أذنيه قطناً لشيء وجده فيهما افتدى، كان في القطنة طيب أم لا.
961 - ويكره للمحرم والحلال شرب الماء فيه الكافور لناحية السرف، وإن شرب المحرم دواء فيه طيب افتدى، ويكره له أن يشرب شراباً فيه كافور، وأن يأكل مرقة مزعفرة فإن فعل افتدى، وإن أكل طعاماً مسته النار فيه [كافور أو] ورس أو زعفران فلا شيء عليه، وإن لم تمسه النار فلا خير فيه.
962 - وإن دهن رأسه بزيت أو زنبق أو بان أو بنفسج أو بشيرج الجلجلان أو بزيت الفجل وشبه ذلك افتدى، كان شيء من ذلك مطيباً أم لا.

(1/605)


963 - وجائز أن يأتدم بدهن الجلجلان وهو كالسمن، ويكره أن يأتدم [بدهن] الزنبق والبنفسج وشبهه، أو يستسعط بذلك، وجائز أن يستسعط بالزيت والسمن ويأكله.
964 - وله أن يكحل عينيه لحر يجده بالإثمد وغيره، إلا أن يكون فيه طيب فليفتد، ويكره [له] أن يكتحل لزينة، فإن فعل افتدى، ولا تكتحل المرأة لزينة، ولا بالإثمد لغير زينة، لأنه زينة لها، فإن اكتحلت بالإثمد لزينة افتدت، وإن كان لضرورة فلا فدية عليها، لأن الإثمد ليس بطيب وكذلك الرجل.
965 - ولا يحلق المحرم رأس حلال فإن فعل قال مالك: يفتدي. قال ابن القاسم: يتصدق بشيء من طعام.
966 - ولو حجمه فحلق موضع المحاجم، فإن أيقن أنه لم يقتل دواب فلا شيء عليه، ولو اضطر محرم إلى الحجامة جاز لمحرم [و] غيره أن يحلق [له] موضع المحاجم

(1/606)


ويحجمه إذا أيقن أنه لا يقل دواب، والفدية على المفعول به ذلك، وإن لم يضطر إلى ذلك فلا يفعله، وإن دعا محرماً غيره إلى أن يفعل [به] ذلك فلا يعينه عليه، وإن أيقن أنه لا يقتل دواب، فإن فعل فلا شيء على الحجام والفدية على المحرم.
967 - وإن قلم محرم أظفار حلال فلا بأس به، ولا ينبغي لمحرم أن يقلم أظفاره، فإن فعل ناسياً أو جاهلاً افتدى، وإن قلمت له بأمره فعليه الفدية، وإن كان مكرهاً أو نائماً فالفدية على الفاعل به ذلك من حلال أو حرام، وإن قلم ظفراً واحداً لإماطة أذى افتدى، وإن لم يمط به] عنه أذى أطعم شيئاً من طعام، فإن انكسر ظفره فليقلمه ولا شيء عليه، وإن أصابت أصابعه قروح فاحتاج أن يداويها ولم يصل إلى ذلك إلا بقص أظفاره افتدى كفدية من أماط الشعر من الأذى.
قيل [له] : فإن أخذ من شاربه؟.
قال: قال مالك: من نتف شعره أو شعرات يسيرة أطعم شيئاً من طعام كان جاهلاً أو ناسياً، وإن نتف ما أماط به عنه أذى افتدى.

(1/607)


968 - ولم يجد مالك فيما دون إماطة الأذى أكثر من حفنة في شيء من الأشياء، وقال في قملة أو قملات حفنة من طعام، والحفنة ملء يد واحدة.
ولا شيء عليه فيما انقلع عند وضوئه من لحيته أو رأسه أو أنفه إذا امتخط أو ما حلق الإكاف والسرج في الركوب من ساقيه، وهذا خفيف لا بد للناس منه.
969 - وإذا لبس قلنسوة أو عمامة لوجع في رأسه ثم نزعها فعاد إليه ذلك المرض فلبسها، قال مالك: الشأن فيه إن كان [أعاد] نزعها على البرء وتركها فعليه فديتان، وإن كان نوى حين نزعها إن عاد إليه وجعه أعادها ففدية واحدة.
970 - وإن وطئ مرة بعد مرة، أو لبس الثياب لوجع [به] مرة بعد مرة ونوى أن يلبسها إلى برئه يخلعها بالليل ويلبسها بالنهار، فمضى لذلك عشرة أيام، أو لم يكن به أذى ونوى أن يلبسها كذلك عشرة أيام حمقاً أو جهلاً [أو جرأة] أو نسياناً، فإنما عليه كفارة واحدة في كل ما لبس أو وطئ، لأنه على نيته في لبسها، وكذلك

(1/608)


المعتمر الذي طاف على غير وضوء فلبس الثياب إنما عليه فدية واحدة، لأنه إنما أراد بذلك لباساً واحداً.
971 - وما أصاب هذا المحرم من صيد مرة بعد مرة، أو طيب مرة بعد مرة، فعليه لكل صيد جزاء، وكذلك الطيب لكل مرة فدية [إلا أن يكون به جرح أو قرحة فنوى أن يتعالج بدواء فيه طيب حتى يبرأ فإنما عليه كفارة واحدة، وإن لم ينو ذلك فلكل مرة فدية] وإن ظهرت به قرحة أخرى فداواها بذلك الدواء الذي فيه طيب فعليه كفارة أخرى، وإن أصابه رمد فداواه [بدواء فيه طيب مراراً، فعليه كفارة واحدة، فإن انقطع رمده ذلك ثم رمد بعد ذلك] فداواه فعليه فدية أخرى، لأن هذا وجع غير الأول.
972 - وإن احتاج في فور واحد إلى لباس أصناف لضرورة فلبس خفين [وقلنسوة] وقميصاً وسراويل ونحوه فعليه في ذلك كفارة واحدة، وإن احتاج إلى خفين فلبسهما ثم احتاج بعد ذلك إلى قميص فلبسه فعليه كفارتان.
973 - وإن قلم اليوم أظفار يده، وفي غد أظفار يده الأخرى، فعليه فديتان.

(1/609)


وإن لبس الثياب وتطيب وحلق شعره وقلم أظفاره في فور واحد لم تلزمه [في ذلك] إلا فدية واحدة، وإن فعل ذلك شيئاً بعد شيء ففي كل وجه فدية.
وكذلك قال مالك في محرمة أصابتها حمى فتعالجت بأدوية مختلفة فيها طيب فقال: إن كان ذلك في موضع واحد، وكان ذلك قريباً بعضه من بعض فليس عليها لذلك [كله] إلا فدية واحدة.
974 - وهذه فدية الأذى التي ذكرناها في إماطة الأذى وما ضارعه من اللباس والطيب [وغيره] ، مما يفعله [الحاج] لحاجة لا يحكم فيه الحكمان، والرجل فيها مخير كما قال الله تعالى: ×فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ% (1) ، [وكذلك الذي يلبس أو يتطيب جهلاً من غير أذى يخير فيا ذكرنا كما يخير من فعله من أذى] .
_________
(1) سورة البقرة: آية (196) .

(1/610)


975 - والنسك شاة يذبحها أين شاء من البلاد، [إذا ذبحها بمكة أو بمنة لم يكن عليه وقوفها بعرفة ولا خروجها إلى الحل وإن لم يدخلها منه، وكذلك له الإطعام والصيام حيث شاء من البلاد] والصيام ثلاثة أيام، والإطعام ستة مساكين مدين لكل مسكين بمد النبي ÷ من عيش [أهل] ذلك [البلد] من بر أو شعير، ولا يجزئ أن يغدي أو يعشي، لأن النبي ÷ سمى مدين، وأجزأ في كفارة اليمين لأنها مد مد، والغداء والعشاء أفضل [من] مُد. (1)
976 - ويجوز للمحرم قتل سباع الوحش والنمور التي تعدو وتفترس، يبتدئها وإن لم تبتده ولا شيء عليه في ذلك. (2)
_________
(1) انظر: التاج والإكليل على هامش مواهب الجليل (3/174) .
(2) انظر: البيان والتحصيل لابن رشد (4/64، 65) .

(1/611)


ولا يقتل صغار أولادها التي لا تعدو ولا تفترس، [فإن قتلها فلا شيء عليه] .
977 - ويكره له قتل الهر الوحشي والثعلب والضبع، فإن فعل فعليه جزاؤهم إلا أن يبتدئوا أذاه فلا شيء [عليه] [فيهم] .
978 - ويكره له قتل سباع الطير كلها وغير سباعها، فإن قتل سباعها فعليه الجزاء إلا أن تعدو عليه ويخافها على نفسه فيقتلها، ولا جزاء عليه، لأنه لو عدا عليه رجل يريد قتله فدفعه عن نفسه فقتله لم يلزمه شيء.
979 - ولا بأس بصيد البحر كله للمحرم، والأنهار والغدر والبرك، وإن أصاب من طير الماء شيئاً فعليه جزاؤه، ويؤكل صيد البحر الطافي وغير الطافي، والضفدع، وترس الماء من صيد البحر، وهذه السلحفاة التي تكون في البراري هي من صيد البر، إذا ذكيت أكلت، ولا تحل إلا بذكاة ولا يصيدها المحرم.
980 - ولا يقطع أحد من شجر الحرم شيئاً يبس أو لم ييبس، فإن فعل فليستغفر الله [ولا شيء عليه] .

(1/612)


981 - ولا بأس بقطع ما أنبته الناس في الحرم من الشجر، مثل النخل والرمان والفاكهة كلها والبقل كله، [و] الكراث (1) ، والخص (2) والسلق (3) وشبهه والسنا (4) والإذخر.
982 - وجائز الرعي في حرم مكة وحرم المدينة في الحشيش والشجر. وأكره أن يَحْتَشّ في الحرم حلال أو حرام خيفة قتل الدواب، وكذلك الحرام في الحلّن فإن سلموا من قتل الدواب فلا شيء عليهم وأكره لهم ذلك.
ونهى رسول الله ÷ عن الخبط (5) وقال: هشوا وارعوا (6) . وقال مالك رحمه الله: الهش تحريك الشجرة بالمحجن ليقع الورق، ولا يخبط، ولا يعضد، ومعنى العضد: الكسر.
_________
(1) الكراث: عشبة معمرة ذو بصلة أرضية تخرج منها أوراق مفلطحة ليست جوفاء، وهي معروفة.
(2) الخس: نبات عشبي عريض الأوراق، يؤكل نيئاً، وهو معروف.
(3) السلق: بقلة لها ورق طوال، يؤكل مطبوخاً مضافاً لبعض الخضروات، وهو معروف.
(4) السنا: نبات شجري زهره مصفر، وحبه مفلطح، رقيق كلوي الشكل تقريباً إلى الطول، يستعمل مسهلاً للتداوي، ويعرف بالنسامكي.
(5) الخبط: ما سقط من ورق الشجر بالخبط والنفض.
(6) رواه أبو داود (2039) ، عن جابر مرفوعاً.

(1/613)


983 - وكره مالك - رحمه الله - أن يذبح المحرم الحمام الوحشي وغير الوحشي، والحمام الرومية [الألوف] التي لا تطير، وإنما تتخذ للفراخ، لأنها من أصل ما يطير.
984 - وجائز أن يذبح الأوز والدجاج، لأن أصلها ليس مما يطير، وجائز أن يذبح الحلال بمكة الحمام الأنسي، والوحشي، والصيد يدخله من الحل فيذبحه في الحرم، لأن شأن أهل مكة في ذلك يطول، فهم محلون في ديارهم، والمحرم إنما يقيم محرماً أياماً قلائل. قال مالك: وما أدركت أحداً ممن أقتدي به يكره ذلك إلا عطاء بن أبي رباح ثم أجازه.
985 - وما وقع من الجراد في الحرم فلا يصيده حلال ولا حرام، ولا يصاد الجراد في حرم المدينة، ونهى مالك عن الصيد في حرمها، ولم ير فيما قتل من الصيد في حرمها جزاء.
986 - وليس في جراح الصيد شيء إذا أيقن أنها سلمت من ذلك الجراح، ولو ضرب المحرم فسطاطه فتعلق بأطنابه صيد فعطب، أو حفر بئراً للماء فعطب

(1/614)


فيه صيد، فلا جزاء عليه، وذلك فعل الصيد بنفسه، كمن حفر بئراً بموضع يجوز له فمات فيه رجل، فلا دية عليه.
987 - وإن رأى الصيد محرماً ففزع منه فأحضر فمات من حضره، فعلى المحرم جزاؤه. وإن نصب شركاً للذئب والسباع مخافة على غنمه أو دابته أو [على] نفسه فوقع فيه صيد ظبي أو غيره [فعطب] ، فعليه الجزاء، كمن حفر في منزله بئراً للسارق، أو عمل في داره شيئاً ليتلف به السارق فهو ضامن إن وقع فيه سارق فمات، ولو وقع فيه غير السارق فمات ضمن ديته.
988 - وإذا أمر المحرم عبده أن يرسل صيداً كان معه فظن العبد أنه أمره أن يذبحه فذبحه فعلى السيد الجزاء، وإن كان العبد محرماً فعليه الجزاء أيضاً، ولا ينفعه خطؤه، ولو امره [بذبحه فأطاعه] فذبحه كان عليهما جميعاً الجزاء.
989 - وإذا دل المحرم على صيد محرماً أو حلالاً فقتله المدلول عليه، فليستغفر الله الدال ولا شيء عليه، وكذلك إن أشار أو أمر بقتله فلا شيء عليه، إلا أن يكون المأمور عبده فيكون على الآمر جزاء واحد، وقد أساء، وعلى القاتل الجزاء إن كان محرماً، وإن كان حلالاً فلا شيء عليه.

(1/615)


990 - وإذا اجتمع محرمون على قتل صيد [في الحرم] ، أو اجتمع محلون على قتل صيد يف الحرم، أو محل ومحرم قتلا صيداً [في الحرم] ، فعلى كل واحد منهما الجزاء كاملاً، ولا يزاد على المحرم لإحرامه شيء فوق الجزاء.
[قلت فلو اجتمع محرمون على صيد فجرحه كل واحد منهم جرحاً؟. قال: قال مالك] : إذا جرح محرم صيداً فغاب عنه [الصيد] فعليه جزاؤه.
991 - وإذا أمسك محرم صيداً لغير القتل، وإنما أراد أن يرسله فقتله حرام فعلى القاتل جزاؤه [وإن قتله حلال فعلى الماسك جزاؤه، لأن قتله من سببه، وإن أمسكه لمن يقتله، فإن قتله محرم فعليهما جزاءان، وإن قتله حلال فعلى المحرم جزاؤه] ، ولا شيء على الحلال.
992 - ومن أحرم [و] في بيته صيد فلا شيء عليه فيه ولا يرسله، وإن أحرم هو في يده أو يقوده أو في قفص معه فليرسله ولا يأخذه حتى يحل، وإن أرسله من

(1/616)


يده حرام أو حلال لم يضمن له شيئاً، لأن ملكه زال عن الصيد بإحرامه. ألا ترى أن مالكاً قال في حلال أخذ صيداً فأفلت منه فأخذه غيره، فإن كان بحدثان ذلك رده إليه، وإن طال ولحق بالوحش كان لمن أخذه [آخراً] ، وزال ملك الأول عنه وهذا حين أحرم زال ملكه عن الصيد، ألا ترى أنه لو حبسه معه حتى يحل أو بعث به إلى بيته بعدما أحرم وهو بيده ثم حل وجب عليه إرساله، ورأى بعض الناس أن له حبسه، لأنه قد حل، ولا آخذ به.
993 - وما صاد في إحرامه فليرسله، فإن لم يفعل حتى أرسله من يده حلال أو حرام لم يضمن له [شيئاً] ، وإن صاده في إحرامه أو أحرم وهو بيده فأتاه مرم ليرسله من يده فتنازعاه فقتلاه بينهما فعلى كل واحد منهما الجزاء، وإن

(1/617)


نازعه حلال فعلى المحرم الجزاء ولا قيمة له على الحلال، ولا يضمنان [أيضاً] له الجزاء، لأن القتل جاء من قبله حين منعهما من إرساله.
994 - ومن طرد صيداً فأخرجه من الحرم فعليه جزاؤه [ولا يؤكل] ، وإن رمى صيداُ في الحرم [من الحلّ] أو في الحل من الحرم [فقتله] فعليه الجزاء ولا يؤكل، وإن رمى صيداً في الحل وهو في الحل فهرب الصيد فتبعته الرمية فأصابته في الحرم فعليه جزاؤه.
995 - وإن أرسل كلبه أو بازه قرب الحرم، وهو والصيد جميعاً في الحل فأخذه [في الحل] فلا شيء عليه، وإن أخذه في الحرم فقتله فيه أو طلبه حتى أدخله الحرم ثم أخرجه [منه] فقتله في الحل [فعليه الجزاء ولا يؤكل، وإن أرسل كلبه أو بازه في بُعْد من الحرم، فقتل الصيد في الحرم، أو أدخله الحرم ثم أخرجه منه

(1/618)


فقتله في الحل] فلا يؤكل، ولا جزاء عليه، لأنه لم يغرر بالإرسال.
996 - وإن أرسل كلبه على صيد في الحرم فأشلاه رجل آخر فأخذ الصيد، فإن انشلا الكلب بإشلائه فعلى الذي أشلاه الجزاء [أيضاً، وإن أرسل كلبه على ذئب في الحرم فأخذ صيداً فعليه الجزاء] . وإن صاد طيراً فنتفه ثم حبسه حتى نسل فطار فلا شيء عليه.
997 - والجزاء على قاتل الصيد عمداً أو خطأ كان أول ما أصابه أو كان قد أصابه قبل ذلك.
998 - وإن أصاب الصيد والنساء والطيب مراراً على وجه الإحلال والرفض لإحرامه فعليه لكل صيد جزاؤه، ولجميع لبسه وطيبه كفارة واحدة، وكذلك لتكرار الجماع كفارة واحدة.

(1/619)


999 - ومن قتل صيداً في الحل بعد رمي جمرة العقبة فعليه الجزاء، وإن كان بعد الإفاضة وقبل الحلاق فلا شيء عليه.
وكذلك المعتمر إن أصاب صيداً في الحل فيما بين طوافه وسعيه فعليه الجزاء، وإن أصابه بعد السعي قبل الحلاق فلا جزاء عليه.
1000 - وما ذبح المحرم من الصيد بيده أو صاده بكلبه أو بازه فأدى جزاءه فلا يأكله حلال ولا حرام، فإن أكل هو من لحمه لم يكن عليه جزاء آخر، ولا قيمة ما أكل، لأنه أكل لحم ميتة.
وما ذبح من أجل محرم بأمره أو بغير أمره، ولي ذبحه حلال أو حرام فلا يأكله محرم ولا حلال، ولم يأخذ مالك بحديث عثمان بن عفان - رضي الله عنه - حين قال لأصحابه: إنما صيد من أجلي فكلوا، وأبى أن ياكل.

(1/620)


1001 - وإذا أصاب القارن صيداً فعليه جزاء واحد، وإذا قتل المحرم بازياً معلماً فعليه جزاؤه غير معلم وعليه قيمته لربه معلماً.
1002 - وإذا أحرم الأخرس فأصاب صيداً حكم عليه كما يحكم على غيره، وإذا حج بالصبي لصغير الذي لا يعقل أبوه فأصاب صيداً ولبس وتطيب فالجزاء والفدية على الأب، وإن كان للصبي مال، وكذلك كل شيء وجب على الصبي من الدم في الحج فذلك على والده، لأنه أحجه، ولا يصوم عنه والده في الجزاء والفدية ولكن يطعم عنه أو يهدي.
1003 - وإذا أحرم العبد بإذن سيده فما لزمه من جزاء صيد خطأ أو فدية لإماطة أذى من ضرورة أو فوات حج [أصابه] لم يتخلف له عامداً، فلزمه هدي، فذلك كله على العبد، وليس له أن يخرج ذلك من مال سيده إلا بإذنه، وإن لم يأذن له صام، ولا يمنعه سيده من الصوم، وإن أضر به إلا أن يُفدي عنه أو يُطعم.

(1/621)


1004 - وما أصاب العبد عمداً مما وجب به عليه الهدي أو الفدية، فلسيده أن يمنعه أن يفتدي بالنسك أو الصدقة، ولا يمنعه من الصوم إلا أن يضر به في عمله فيمنعه [منه] [إن شاء] ، وكذلك العبد إذا ظاهر لا سبيل له إلى زوجته حتى يكفر، ولا يمنعه سيده من الصوم إلا أن يضر به في عمله، فيمنعه إن شاء، لأنه أدخل الظهار على نفسه، وليس له أن يضر سيده.
1005 - وإذا كسر محرم [أو حلال] بيض طير وحشي في الحرم وفيه فرخ أم لا، أو أخرج منه الفرخ حياً يضطرب فمات قبل أن يستهل صارخاً فعليه عشر ثمن أمه. وإن استهل الفرخ من بعد الكسر صارخاً فعليه الجزاء كاملاً كجزاء كبير [ذلك] الطير، وهذا كالحرة لو ضرب رجل بطنها فألقت جنيناً ميتاً أو حياً يضطرب فمات قبل أن يستهل [صارخاً] ، فليس عليه إلا عشر دية أمه ولا

(1/622)


قسامة فيه، وإن خرج حياً فاستهل صارخاً فعليه الدية كاملة بقسامة.
1005 - وإن أصاب محرم أو حلال بيض حمام مكة فعليه عشر دية أمه وفي أمه شاة. وإذا شوى المحرم بيض النعام أوكسره فأخرج جزاءه لم يصلح كله لحلال ولا لحرام.
1006 - وإن أفسد [المحرم] وكر طير فلا شيء عليه، إلا أن يكون فيه بيض أو فراخ فعليه في البيض ما على المحرم في الفراخ، لأنه لما أفسد الوكر فقد عرض البيض والفراخ للهلاك. (1)
1007 - وإن ضرب بطن عنز من الظبا فألقت جنيناً ميتاً وسلمت الأم، فعليه في الجنين عشر قيمة أمه، ولو ماتت العنز بعد ذلك كان عليه مع ذلك جزاؤها أيضاً، ولو استهل جنين العنز ثم مات وماتت أمه [كان عليه جزاءان، ولو ضرب بطن امرأة خطأ فألقت جنيناً ميتاً ثم ماتت بعده كان في الجنين عشر دية أمه وفي
_________
(1) انظر: التقييد (2/114) ، والذخيرة للقرافي (3/328) .

(1/623)


المرأة دية كاملة تحمل ذلك كله العاقلة، ولو استهل الجنين صارخاً ثم مات وماتت أنه ففيهما] على العاقلة ديتان بقسامة، ويحكم في جنين العنز إذا استهل صارخاً كما يحكم في كبار الظبا، ويحكم في صغير كل شيء أصابه من الصيد مثل ما يحكم في كباره، كمساواة الحر الكبير الصغير في ديته.
1008 - ويحكم في جزاء الصيد حكمان كما قال الله تعالى (1) ، ولا يكونان إلا عدلين فقيهين، ويجوز أن يكونا دون الإمام ولا يكتفيان من الجزاء بما روي وليبتديا بالاجتهاد، ولا يخرجا باجتهادهما عن آثار من مضى، وإن حكما فاختلفا ابتدأ الحكم فيه غيرهما حتى يجتمعا على أمر واحد.
1009 - وإن أخطأ خطأً بيناً فحكما بشاة فيما فيه بدنة أو بقرة أو ببدنة فيما فيه شاة انتقض حكمهما ويؤتنف الحكم [فيه] . (2)
_________
(1) في سورة المائدة آية (95) .
(2) انظر: الذخيرة (3/330) .

(1/624)


1010 - والمحكوم عليه مخير إن شاء أن يحكما عليه بجزاء ما أصاب من النعم، أو بالصيام أو بالطعام، كما قال الله تعالى، فإن أمرهما بالحكم بالجزاء من النعم فحكما به وأصابا فأراد بعد حكمهما أن يرجع إلى الطعام أو الصيام يحكمان عليه [به] هما أو غيرهما، فذلك له. (1)
1011 - وأدنى ما يجزئ في جزاء الصيد الجذع من الضأن والثني ما سواه، وما لم يبلغ جزاؤه ذلك ففيه طعام أو صيام، ولا يحكم بجَفْرة ولا بعَناق ولا بدون السن. (2)
1012 - وإن أرادا أن يحكما عليه بالطعام فليقوّما الصيد [نفسه حياً] بالطعام، ولا يقوّما جزاءه من النعم، ولو قُوّم الصيد بدراهم ثم اشترى بها طعاماً، رجوت أن
_________
(1) انظر: الذخيرة (3/330، 331) .
(2) انظر: الذخيرة (3/332) .

(1/625)


يكون واسعاً، ولكن تقويمه بالطعام أصوب.
1013 - ثم إن شاء الصوم صام عدد أمداد الطعام أياماً بمد النبي ÷، وإن جاوز ذلك شهرين أو ثلاثة، وأحب غلي أن يصوم لكسر المد يوماً.
1014 - ويقوم الصيد بطعام ولا ينظر إلى فراهيته وجماله، ولكن قيمته على الحال التي كان عليها حين أصابه، وكذلك البازي، [و] الفاره وغير الفاره في الحكم سواء، ويقوم بالحنطة، فإن قوم شعيراً أو تمراً أجزأ إذا كان ذلك طعام ذلك الموضع، ويتصدق على كل مسكين من ذلك مداً بمد النبي ÷.
قيل: أيقوم الصيد بشيء من [الطعام] القطاني أو بزبيب أو أقط وهو عيش [أهل] ذلك الموضع؟.
قال: يجزئ فيه ما يجزئ في كفارة الأيمان، ولا يجزئ فيه ما لا يجزئ في كفارة الأيمان، ولو قوم عليه طعام فأعطى المساكين قيمة الطعام دراهم أو

(1/626)


عرضاً لم يجزه، فإن حكم في الجزاء بثلاثين مداً فأطعم عشرين مسكيناً ولم يجد تمام الثلاثين فله أن يذبح الجزاء ولا يجزئه أن يصوم مكان العشرة، وإنما هو طعام كله، أو صيام كله كالظهار. والصوم في كفارة الصيد متتابع أحب إلي، وإن فرق أجزأه.
1015 - ولا يبلغ شيء من جزاء الصيد دمين، وليس شيء من الصيد إلا وله نظير من النعم، وإن أصاب نظيره من الإبل فقال: احكموا علي من الغنم ما يكون مثل البعير أو مثل قيمته فلا يحكم عليه إلا بنظير ما أصاب، إن كان من الإبل فمن الإبل، وإن كان من البقر فمن البقر، وإن كان من الغنم فمن الغنم لقول الله تبارك وتعالى ×فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ% (1) ، وإنما ينظر
_________
(1) سورة المائدة: آية (95) .

(1/627)


إلى مثله من النعم في نحوه وعظمه. (1)
1016 - وجزاء الصيد [وغيره] من الهدايا لا ينحر أو يذبح إلا بمكة أو بمنى، إن وقفه بعرفة نحره بمنى، وإن لم يوقفه بعرقة سيق من الحل ونحر بمكة، فإن كان أوقفع بعرفة ولم ينحره أيام النحر بمنى نحره بمكة ولا يخرجه إلى الحل ثانية، وإنما يحكم عليه في الجزاء بالطعام بالموضع الذي أصاب فيه الصيد، ثم لا يطعم في غير ذلك المكان.
قال مالك رحمه الله: يحكم عليه بالمدينة ويطعم بمصر؟ إنكاراً لمن يفعل ذلك.
قال ابن القاسم: يريد إن فعل لم يجزه.
وأما الصيام في الجزاء [والنسك] فحيث شاء من البلاد.
1017 - وإذا حكما عليه بالجزاء فله أن يهديه متى شاء، إن شاء أهداه وهو حلال أو حرام ولكن إن قلده وهو في الحج لم ينحره إلا بمنى، وأن قلده وهو معتمر أو بعث به نحر بمكة.
_________
(1) انظر: الذخيرة للقرافي (3/333) .

(1/628)


1018 - وإذا أصاب المحرم اليربوع والضب والأرنب وشبهه حُكم عليه بقيمته طعاماً وخُيّر المحرم، فإن شاء أطعم كل مسكين مداً، أو صام لكل مد يوماً.
1019 - وفي حمام مكة والحرم شاة، وأما دُبْسِيّ الحرم وقمريه فإن كان من الحمام عند الناس ففيه شاة، واليمام مثل الحمام، وأما حمام غير مكة والحرم ففيه حكومة.
1020 - وإذا وطئ الرجل ببعيره على ذباب أو ذر أو [نمل] فقتلهن فليتصدق بشيء من الطعام.
* * *

(1/629)