التهذيب
في اختصار المدونة (كتاب الصيد)
1021 - والمعلَّم من كلب أو باز هو الذي إذا زُجر انزجر، وإذا أرسل أطاع،
ولا بد من التسمية عند الرمي، وعند إرسال الجوارح وعند الذبح. فإن نسي في
ذلك كله التسمية أكل وسمى الله، وإن ترك التسمية عامداً لم تؤكل، ومن
(2/9)
أمر عبده بالذبح وأمره بالتسمية مرتين أو
ثلاثاً، فقال العبد: قد سميت، ولم يسمعه السيد جاز أن يصدقه ويأكل ما ذبح
إلا أن يتركه تنزهاً.
وإن أرسل مسلم ومجوسي كلباً، أو أرسل مجوسي كلب مسلم لم يؤكل ما صاد، وإن
أرسل مسلم كلباً معلماً لمجوسي أُكل صيده.
1022 - ومن توارى عنه كلبه والصيد ثم وجده ميتاً فيه أثر كلبه أو بازه أو
سهمه أكله ما لم يبت، فإن بات لم يأكله وإن أنفذت مقاتله الجوارح أو سهمه
وهو فيه بعينه، قال مالك: وتلك السنة. (1)
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (3/218) ، وقد أشار إلى حديث ابن عباس الذي رواه
عبد الرزاق في المصنف (4/451، 460) ، وكذلك ابن أبي شيبة (4/615) ،
والنسائي في الكبرى (9/241) .
(2/10)
1023 - ولو لم يبت إلا أنه لما توارى عنه
الجارح والصيد رجع الرجل إلى بيته ثم عاد فأصابه من يومه لم يؤكل إذ لعله
[لو] كان في الطلب ولم يفرط أدرك ذكاته قبل فوات نفسه، أو قبل إنفاذ مقاتله
ففرط حين رجع.
1024 - وإذا أدرك الصيد لم تنفذ الجوارح مقاتله فتركها حتى قتلته لم يؤكل.
ولو اشتغل بإخراج سكين من خُرجه أو بانتظار من هي معه من عبده (1) أو غيره
حتى تقتله الجوارح، أو يموت وقد اعتزلت الجوارح عنه لم يؤكل، لأنه أدركه
حياً، ولو شاء أن يذكيه ذكاه، إلا أن يدركه وقد أنفذت الجوارح مقاتله فلا
بأس بأكله.
1025 - وإن أكل الكلب أكثر الصيد أُكل بقيته ما لم [يبت،
_________
(1) لحديث أبي ثعلبة الخشني في أبي داود (3/109) .
(2/11)
وهو] [و] إن أكل من كل ما أخذ فهو معلّم.
1026 - وإن أدرك المنفوذ مقاتله يضطرب فمستحسن أن يفري أوداجه فإن لم يفعل
وتركه حتى مات أكله ولا شيء عليه، وإن لم تنفذ مقاتله وقدر على خلاصه من
الجوارح للذكاة فلا يؤكل إلا بذكاة، وإن غلبته عليه ولم يقدر على خلاصه
منها، ولم يفرّط حتى فات بنفسه أُكل إن نيبته، وإن لم يقدر على خلاصه منها
وقدر أن يذكيه تحتها فليفعل، فإن لم يذكه فلا يأكله، ولو قدر على خلاصه
منها فذكاه وهو في أفواهها تنهشه فلا يؤكل، إذ لعله من نهشها مات، إلا أن
يوقن أنه ذكاه وهو مجتمع الحياة قبل أن تنفذ هي مقاتله، فيجوز أكله، وبئس
ما صنع، وإن أدركه وقد فرى الكلب أو البازي أو السهم أوداجه، فقد فرغ من
ذكاته، وإن أدركه غير منفوذ المقاتل
(2/12)
والكلاب تنهشه وليس معه ما يذكيه به فتركه
حتى مات بقتلها، لم يؤكل. ولو بادر لذبحه ولم يفرط ففات بنفسه لأُكل. (1)
1027 - والفهد وجميع السباع إذا عُلّمت فهي كالكلب. قلت: فجميع سباع الطير
إذا علمت أهي بمنزلة البازات؟ قال: لا أدري ما مسألتك هذه، ولكن [ما عُلّم
من] [البازات] (2) والعُقبان (3) والزمامجة (4) والشذانقات (5) والسفاة (6)
والصقور وشبهها لا بأس بها عند مالك.
1028 -[قال مالك:] وإن أرسل كلبه على صيد فأخذ غيره لم يؤكل، وإن أرسله على
جماعة وحش أو طير ونوى ما أخذ منها ولم يخصّ شيئاً منها، أو على
_________
(1) انظر: مقدمات ابن رشد (1/419) ، والبيان والتحصيل (3/311) .
(2) ضرب من الصقور، شرح الزرقاني (2/509) .
(3) العقبان: بموحدة جمع عقاب، طائر معروف، ويجمع على أعقب، شرح الموطأ
للزرقاني (2/509) .
(4) الزمامجة: جمع زمج، طائر يصيد به الملول، الحيوان للدميري (2/8) .
(5) هي كلمة فارسية ويراد بها الشاهين وهو لفظ فارسي أيضاً، وهو نوع من
الصقور، وانظر: معجم البلدان (2/53) ، واللسان (10/171) ، وتحرير ألفاظ
التنبيه للنووي (1/169) ,
(6) لعله السفنح: وهو طائر له أسنان كثيرة، وانظر: حياة الحيوان (2/23) .
(2/13)
جماعتين، ونوى ما أخذ منهما جميعاً فليأكل
ما أمسك عليه من ذلك كله، مما قلّ عدده أو كثر، وكذلك الرمي، وإن نوى
واحداً من جماعة فأخذ الكلب غيره منها لم يؤكل، وكذلك الرمي، وإن أرسل على
جماعة ينويها ولم ينو غيرها لم يؤكل ما صاد من غيرها، كان قد رآها، أو لم
يرها.
وإن أرسله على جماعة لا يرى غيرها ونوى إن كان وراءها غيرها فهو عليها
مرسل، فليأكل إن أخذ من سواها، وكذلك إن أرسله على صيد لا يرى غيره ونوى ما
صاد سواه فليأكل ما صاد.
1029 - وإن رميت صيداً عمدته فأصبت غيره، أو أصبته فأنفذته وأصبت آخر وراءه
لم تأكل إلا الذي اعتمدت إلا أن تنوي ما أصاب سواه كما ذكرنا.
والسلالقة (1) وغيرها إذا عُلّمت فهي سواء.
1030 - وإن أرسل كلباً غير معلم، لم يؤكل ما صاد إلا أن يكون معلماً، أو
يدرك ذكاته.
_________
(1) نسبة إلى سلوق ويقال: سلقية، من الكلاب المنسوبة إلى مدينة مدائن الروم
فأعربت، وانظر: معجم ما استعجم (3/751) ، ومعجم البلدان (3/242) ، (4/307)
، واللسان (10/163) .
(2/14)
1031 - وإذا أثار [الرجل] صيداً فأشلى عليه
كلبه، وهو مطلق، فانشلى وصاد من غير أن يرسله من يده، فإنه يؤكل ما صاد،
قاله مالك، ثم رجع فقال: لا يؤكل حتى يطلقه من يده مرسِلاً له مُشْلياً،
وبالأول أقول.
1032 - وأما لو ابتدأ الكلب طلبه، أو أفلت من يده عليه ثم أشلاه ربه بعد
ذلك لم يؤكل، لأن الكلب خرج بغير إرسال صاحبه.
1033 - وتؤكل ذبيحة الصبي قبل البلوغ إذا أطاق الذبح وعرفه، وكذلك صيده.
(2/15)
1034 - وإن أرسلت كلباً أو بازاً معلماً
فأعانه عليه كلب أو باز غير معلم لم يؤكل.
1035 - وما أصيب بحجر أو ببندقة فخرق أو بضع أو بلغ المقاتل لم يؤكل، وليس
ذلك بخرق وإنما هو رضّ.
1036 - وما أصيب بالمعراض فخرق، فكل ما قتل وإن لم ينفذ المقاتل [كالسهم] ،
إلا أن يصيب بعرضه.
1037 - ومن رمى صيداً بعود أو عصا فخرقه، أو برمح أو حربة أو مطردة
(2/16)
فخرقه فإنه يؤكل. (1)
1038 - وما ند من الأنعام الإنسية فلم يُقدر على أخذه لم يؤكل إلا بذكاة
الإنسية، وما دَجَن من الوحش ثم ندّ واستوحش أُكل بما يؤكل به الصيد، من
الرمي وغيره.
1039 - وإن رميت صيداً بسكين أو بسيف فبضعت فيه ولم تنفذ مقاتله فمات قبل
أن تدركه من غير تفريط، فإنه يؤكل، ومن رمى صيداً بسكين فقطع رأسه أكله إن
نوى اصطياداً، وإن لم ينو اصطياداً لم يؤكل منه شيء، فإن رمى حجراً فإذا هو
صيد، فأنفذ مقاتله لم يؤكل، وكذلك لو ظنه سبعاً أو خنزيراً، وكذلك لو ضرب
شاة بسكين، و [هو] لا يريد قتلها، ولا ذبحها، فأصاب الحلقوم والأوداج
ففراهما لم تؤكل، لأنه لم يُرِد ذبحها. والإنسية لا تؤكل بشيء مما يؤكل به
الوحشي من الضرب والرمي.
1040 - وإذا طلبت الجوارح صيداً فمات انبهاراً ولم تأخذه لم يؤكل، ولو
أخذته
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (16/315) ، وحاشية الدسوقي (2/104) ، والتاج
والإكليل (6/247) ، والتعاريف (1/51) .
(2/17)
فقتلته بالعض أو بغيره ولم تنيبه وتدمه لم
يؤكل، وكذلك إن مات بصدمها.
ولو ضربت صيداً بسيف حتى مات ولم يقطع فيه، لم يؤكل كالعصا.
1041 - وإذا دجن عندك صيد ثم ندّ فصيد بحدثان ما ندّ ولم يتوحش، فهو لك،
وإن لم يؤخذ بحدثانه وقد لحق بالوحش، فهو لمن صاده كان ظبياً أو بازاً أو
غيره.
1042 - وإن قطع الباز أو الكلب عضواً من الصيد من يد أو رجل أو فخذ أو جناح
أو خطم فأبانه فمات منه قبل أن يدرك ذكاته لم يؤكل ما بان، وتؤكل بقيته،
وإن أدرك ذكاته فليذكه ويأكل بقيته دون ما بان منه، وكذلك غن ضربت صيداً
فأبنت ذلك منه أو أبقيته معلقاً بالجلد بقاء لا يعود لهيئته أبداً، ولو كان
ما لم يبن منه يعلم أنه يلتحم ويعود لهيئته لأُكل جميعه.
1043 -[وإن ضرب عنق الصيد فأبانه أكل الرأس وجميع الجسد، وكذلك إن ضرب وسطه
فجزله نصفين فليأكل جميعه] .
(2/18)
1044 - وإن ضرب عنق الشاة بالسيف فأبانه
ونوى الذكاة فلا تؤكل، كمن أخطأ فذبح من العنق أو من القفا فلا تؤكل. (1)
1045 - ويجوز أكل الضب والأرنب والوبر والظرابيب (2) والقنفذ. قال مالك:
ولا أحب أكل الضبع [والثعلب] والذئب والهر الوحشي والإنسي ولا شيء من
السباع.
1046 - ويؤكل ما ذبحه أهل الكتاب، ولا يؤكل ما صادوه لقوله تعالى:
×تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ%، (المائدة: 94) .
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (3/210) ، والمدونة الكبرى (3/62) .
(2) هي دويبة صغيرة أيضاً، ذات شوك كبير كالقنفذ، وانظر: حاشية العدوي
(1/511) ، ومعجم ما استعجم (1/169) ، وجواهر الإكليل (1/218، 219) ،
والتقييد (2/368) .
(2/19)
ويؤكل ما صاده المجوسي من البحر دون ما
صاده من البر، إلا أن يدرك ذكاته قبل أن ينفذ المجوسي مقاتله. (1)
1047 - ويؤكل ما يعيش من دواب الماء في البر الثلاثة الأيام والأربعة، و
[يؤكل] ترس البحر بغير ذكاة.
1048 - وتؤكل ذبيحة الغلام أبوه نصراني وأمه مجوسية، لأنه تبع لدين أبيه
إلا أن يكون [قد] تمجّس وتركه أبوه على ذلك، فلا يؤكل ما ذبح.
1049 - وما قتلت الحبالات من الصيد فلا يؤكل، إلا ما أدركت ذكاته من ذلك
ولو كانت فيها حديدة أنفذت المقاتل لم يؤكل، ولا تنفع ذكاته بعد ذلك ولا
تؤكل ذبيحة المرتد ولا صيده.
_________
(1) انظر: حاشية الدسوقي (2/102) ، والذخيرة للقرافي (4/169، 170) .
(2/20)
1050 - ويؤكل صيد البحر بغير ذكاة، ولا
يحتاج فيه إلى التسمية، لأنه ذكي، ويؤكل طافي الحوت، وجميع دواب البحر.
1051 - ومن ذبح طير الماء فوجد في بطنه حوتاً فله أكله، وكذلك إن وجد حوتاً
في بطن حوت.
1052 - ولا تؤكل ميتة الجراد، ولا ما مات منه في الغرائر (1) ، ولا يؤكل
[منه] إلا ما قُطف رأسه أو سُلق أو قلي أو شوي حياً، وإن لم تقطع رؤوسه،
ولو قطعت أرجله أو أجنحته فمات لذلك لأُكل.
_________
(1) هي الجُوالق، وقيل: وعاء من الأوعية، بخلاف غرارة القمح، وانظر: حاشية
الدسوقي (3/207) ، والتاج والإكليل (4/288) ، والشرح الكبير (4/339) ،
ومواهب الجليل (4/293) ، والمدونة الكبرى (3/57) .
(2/21)
1053 - وتوقف مالك أن يجيب في خنزير الماء،
وقال: أنتم تقولون خنزير، قال ابن القاسم: وأنا أتقيه، ولا أرى أكله
حراماً. (1)
1054 - ومن ذبح ذبيحة [فتردت بعد الذبح] من جبل أو سقطت في ماء فإنها تؤكل.
1055 - و [من] ذبح شاة فقطع بضعة منها قبل أن تزهق نفسها فبئس ما صنع،
وتؤكل البضعة وسائر الشاة.
1056 - ومن أرسل كلبه أو بازه على صيد فطلبه ساعة ثم رجع عن الطلب، ثم عاد
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (3/58) ، والكافي لابن عبد البر (1/187) ، والتاج
والإكليل (3/234) ، والتمهيد (16/223، 224) ، عون المعبود (10/226) ،
وبداية المجتهد (1/345) .
(2/22)
فقتله، فإن كان كالطالب له يميناً وشمالاً،
أو عطف وهو على طلبه، فهو على أول إرساله، فإن وقف لأجل جيفة، أو لشمّ كلب،
أو سقط البازي على موضع عجزاً عنه، ثم رأياه فاصطاداه فلا يؤكل إلا بإرسال
مؤتنف. (1)
1057 - ومن رمى صيداً فأثخنه حتى صار لا يقدر أن يفر ثم رماه آخر فقتله لم
يؤكل، لأنه أسير كالشاة، لا يؤكل إلا بذكاة، ويضمنه للأول.
1058 - ومن رمى صيداً في الجو فسقط، أو رماه في الجبل فتردى منه، فأدركه
ميتاً لم يؤكل، إذ لعله من السقطة مات، إلا أن يكون [قد] أنفذ مقاتله
بالرمية.
1059 - ومن طرد صيداً حتى دخل دار قوم فإن اضطره هو أو جوارحه إليها فهو
له، وإن لم يضطروه وكانوا قد بعدوا عنه فهو لرب الدار.
وما وقع في الحبالات [من الصيد] فأخذه أجنبي فرب الحبالات أحق به.
_________
(1) انظر: الإكليل للأحبر (143) ، وجواهر الإكليل (1/219) .
(2/23)
وقد تقدم ذكر من رمى صيداً فأصاب غيره.
* * *
(2/24)
|