التهذيب
في اختصار المدونة (كتاب
الجهاد) (1)
1108 - قال مالك: لا يُقاتل المشركون ولا يبيّتون حتى يُدعوا إلى الله
ورسوله، فيسلموا أو يؤدوا الجزية، قال ابن القاسم: وكذلك إن أتوا إلى
بلادنا. وقال أيضاً مالك: أما من قرُبت داره منا فلا يُدعوا لعلمهم
بالدعوة، ولتطلب غرتهم، وأما من بعدت داره وخيف أن لا يكونوا كهؤلاء
فالدعوة أقطع للشك.
قال يحيى بن سعيد: ولا بأس بابتغاء عورة العدو بالليل والنهار، لأن دعوة
افسلام قد بلغته، إلا من ترجى إجابته من أهل الحصون [فلا بد من الدعوة] ، و
[روي] عن علي بن أبي طالب [رضي الله عنه] الدعوة ثلاث مرات. (2)
_________
(1) انظر: شرح الزرقاني (3/3) ، التاج والإكليل (3/346) ، ومواهب الجليل
(3/346) ، والمدونة الكبرى (3/2) ، والكافي (1/205) ، والقوانين الفقهية
لابن جزي (1/8) ، وشرح حدود ابن عرفة للرصاع (193) ، والتقييد (1/339) ،
والمطلع (1/209) ، وأنيس الفقهاء (1/181) .
(2) رواه عبد الرزاق في المصنف (5/217) ، (9424) ، والدارقطني في العلل
(6/15) ، والطبراني في الأوسط كما في المجمع (5/305) ، وأورده الزيلعي في
نصب الراية (3/378، 381) .
(2/47)
1109 - قال مالك: وأما القبط فلا يقاتلوا،
ولا يبيتوا حتى يدعوا، بخلاف الروم، ولم ير أن الدعوة قد بلغتهم.
1110 - وينبغي أن يُدعى اللص إلى التقوى، فإن أبى قوتل، كان بطريق، أو أتى
إلى محلّك، وكذلك إن نزل قوم بآخرين يريدون أنفسهم وأموالهم وحريمهم
ناشدوهم الله، فإن أبوا فالسيف.
1111 - ومن عاجلك عن الدعوة من لص أو مشرك فقاتله، وإن طلب السلابة طعاماً
أو ثوباً أمراً خفيفاً رأيت أن يُعطوه ولا يُقاتلوا. قال محمد بن سيرين: ما
علمت أحداً ترك قتال من يريد نفسه وماله تأثماً، وكانوا يكرهون قتال
الأمراء، ولا بأس بالجهاد مع هؤلاء الولاة، إذ لو ترك [مثل] هذا لكان ضرراً
على الإسلام.
(2/48)
1112 - ولا بأس أن يخرج الرجل بأهله إلى
مثل السواحل، ولا [يخرج] بهن إلى دار الحرب في الغزو إلا أن يكونوا في عسكر
عظيم لا يُخاف عليهم لكثرتهم.
1113 - ولا يُقتل النساء ولا الصبيان ولا الشيخ الكبير في أرض الحرب، ولا
الرهبان في الصوامع والديارات، ويترك لهم من أموالهم ما يعيشون به، ولا
تؤخذ كلها فيموتون، وروى ابن وهب أن النبي عليه السلام نهى عن قتل العسيف
(1) ، قال سحنون: وهو الأجير.
1114 - ولا بأس بتحريق قراهم وحصونهم، وتغريقها بالماء وتخريبها، وقطع
الشجر المثمر وغيره، و [قد] تأول مالك قول الله تعالى: ×مَا قَطَعْتُم
_________
(1) رواه أبو داود (3/52) ، وابن ماجة (2/948) .
(2/49)
مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا
قَائِمَةً% (الحشر: 5) ، وقد قطع النبي عليه السلام نخل بني نضير وأحرق
قراهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية (1) ، قال سحنون: وأصل نهي أبي بكر
الصديق [رضي الله عنه] عن قطع الشجر، وإخراب العامر إنما ذلك فيما يُرجى
مصيره للمسلمين نظراً لهم، وما لم يُرج الظهور عليه، فالنظر لهم خرابه.
1115 - ويقتل من الأسارى من لا يؤمن منه، ألا ترى ما كان من أبي لؤلؤة
[لعنه الله] ، وأما الصغير والكبير الفاني فاتقى مالك قتلهم وهم
_________
(1) رواه البخاري (4884) ، ومسلم (4471) .
(2/50)
الحشوة، ولهم قوتل العدو فهم كالأموال وقوة
على الجهاد، وكتب عمر [رضي الله عنه] بقتل من جرت عليه المواسي من الكفار،
وقال: لا يجلب إلى المدينة من علوجهم أحد (1) ، قيل: فحربي أخذ ببلدنا
أيكون لمن أخذه أم يكون [فيئاً] ؟، قال: قال مالك: فيمن وجد بساحلنا من
العدو فقالوا: نحن تجار ونحوه، فلا يقبل منهم وليسوا لمن وجدهم، ويرى فيهم
الإمام رأيه، وأنا أرى ذلك فيئاً للمسلمين ويجتهد فيهم الإمام.
_________
(1) رواه ابن حزم في المحلي (7/299) ، وابن عبد البر في الاستذكار (4/65) ،
وانظر: المدونة (3/9) ، والفتح (7/64) .
(2/51)
1116 - وإذا أُخذ الرومي وقد نزل [تاجراً]
بساحلنا فيقول: ظننت أنكم لا تعرضون من جاء تاجراً حتى يبيع، أو يؤخذ ببلد
العدو، وهو مقبل إلينا فيقول جئت أطلب الأمان، فهو أمر مشكل، فأرى أن يُردّ
إلى مأمنه، وروى ابن وهب عن مالك في قوم من العدو نزلوا في ساحلنا بغير إذن
فأُخذوا، فزعموا أنهم تجار لفظهم البحر، ولا يعلم صدقهم، وقد تكسرت مراكبهم
ومعهم السلاح، أو يشكون العطش الشديد فينزلون للماء بغير إذن، أن ذلك
للإمام يرى فيهم
(2/52)
رأيه، ولا يُخمّسون، وإنما الخمس فيما أوجف
عليه بالخيل والركاب، قال يحيى بن سعيد: ومن زعم بعدما أُخذ ببلاد المسلمين
أنه جاء لأمان، أو لتجارة، لم يقبل منه إلا أن يكون رسولاً بعث لأمر [مما]
بين المسلمين وبين عدوهم، وقال ربيعة: إن كانوا من أرض متجر قد أُمنوا
بالتجارة [قبل ذلك] فهم بمنزلة أمان، وإن لم يكن ذلك منهم قبل ذلك فلا عهد
لهم ولا ذمة، وإذا نزل تجارهم بأمان فباعوا وانصرفوا فأينما رمتهم الريح من
بلاد المسلمين فالأمان لهم ما داموا في تجرهم، حتى يردوا بلادهم. (1)
1117 - والشأن قسم الغنائم وبيعها ببلد الحرب، وهم أولى برخصها.
1118 - وما أحرزه المشركون من مال مسلم أو ذمي، من عرض أو عبد أو غيره ابق
لهم، ثم غنمناه فإن عرف ربه قبل أن يقسم كان أحق به [بغير
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (3/362) ، والتقييد (1/345) .
(2/53)
شيء] ولا يقسم، ويوقف له إن غاب، وإن لم
يعرف ربه بعينه، وعرف أنه لمسلم أو ذمي قسم، ثم إن جاء ربه كان أحق به
بالثمن ما بلغ، ولا يجبر على فدائه، وهو مخير، فإن أراد أخذه بالثمن لم يكن
لمن في يده العبد أن يأبى ذلك، قيل: فمن وقع في سهمه من المغنم أمة أو
ابتاعها من العدو الذين أحرزها هل يحل له وطؤها؟ قال: إن علم أنها لمسلم
فلا يطؤها، حتى يعرضها عليه فيأخذها بالثمن أو يدع، وسواء اشتراها في بلد
الحرب، أو في بلد الإسلام، وكذلك إن كان عبداً فليُعرض على سيده.
1119 - وما وجده السيد قد فات بعتق أو ولادة، فلا سبيل له إليه، ولا إلى
رقه، أخذهم من كانوا بيده في مغنم أو ابتياع من حربي أغار عليهم أو أبقوا
إليه، ويمضي عتقهم. وتكون الأمة [أم ولد] لمن ولدت منه.
1120 - ومن اشترى من المغنم أم ولد لرجل أو ابتاعها من حربي فعلى سيدها أن
يعطيه جميع الثمن الذي اشتراها به، وإن كان أكثر من قيمتها ولا خيار له،
بخلاف
(2/54)
العبيد والعروض، فإن كان عديماً أتبع بذلك
ديناً [عليه] وأخذها، [قال ابن شهاب: في رجل عرف أم ولده في أرض الروم وقد
خُمّست وأعطي أهل النفل نفلهم والقوم الذي لهم فليأخذها ربها بالقيمة، ولو
عتقت لم تؤخذ فيها فدية.
1121 - قال ابن القاسم: وإذا سبى أهل الحرب ذمياً ثم غنمناه، لم يكن فيئاً
ورد إلى ذمته، ومن وجد آبقاً بغير دار الحرب ردّه إلى مولاه.
1122 - ومن فدى حراً من أيدي العدو بغير أمره، فله اتباعه بما فداه به على
ما أحب أو كره.
قال يحيى بن سعيد: ومن فدى ذمية فلا يطاها، وله عليها ما فداها به وهي على
أمرها، [قال ابن القاسم] وما أحرز أهل الشرك من أموال المسلمين
(2/55)
فأتوا به ليبيعوه لم أحب لأحد أن يشتريه
منهم] .
1123 - وإذا دخلت دار الحرب بأمان فابتعت عبداً لمسلم من حربي أسره، أو أبق
إليه، أو وهبه الحربي لك، وكافيته عليه، فلسيده أخذه بعد أن يدفع إليك ما
أديت من ثمن أو عوض، وإن لم تثب واهبك أخذه ربه بغير شيء، وإن بعته أنت ثم
جاء ربه مضى البيع، وإنما له أن يأخذ الثمن منك ويدفع إليك ما أديته من ثمن
أو عوض، وإن لم تؤد عوضاً فلا شيء لك.
وقال غيره: ينتقض بيع الموهوب [له] ، ويأخذه ربه بعد أن يدفع الثمن إلى
المبتاع ويرجع به على الموهوب [له] .
1124 - قال ابن القاسم: و [أما] إن نزل بنا حربي بأمان ومعه عبيد لأهل
الإسلام
(2/56)
قد كان أحرزهم، فباعهم عندنا من مسلم أو
ذمي، لم يكن لربهم أخذهم بالثمن إذ لم يكن يقدر أن يأخذهم من بائعهم في
عهده، بخلاف بيع الحربي إياهم في بلد الحرب، لأن الحربي لو وهبهم في بلد
الحرب لمسلم فقدم بهم كان لربهم أخذهم بغير ثمن، وهذا الذي خرج [بهم] إلينا
بأمان لو وهبهم لأحد لم يأخذهم سيدهم على حال.
1125 - ومن أسلم من أهل بلد [الحرب] على ما بأيديهم، وبأيديهم أحرار ذمتنا
فهم رقيق لهم كعبيدنا، وهم أحق بجميع الأمتعة من أربابها.
1126 - وإن نزل بنا حربي بأمان ومعه عبيد مسلمون قد أسرهم، فلا يؤخذوا منه،
ثم لو أسلم عندنا كانوا له دون سيدهم، كمحارب اسلم على مال أحرزه منا بنفسه
أو ابتاعه من حربي أحرزه.
1127 - وإذا أسر العدو حرة مسلمة أو ذمية، فولدت عندهم أولاداً ثم غنمها
المسلمون، فولدها الصغار بمنزلتها، لا يكونون فيئاً، وأما الكبار إذا بلغوا
وقاتلوا فهم فيء.
1128 - ولو كانت أمة لرجل كان كبير ولدها وصغيرهم لسيدها.
(2/57)
1129 - وإذا أسلم حربي ببلدة ثم قدم إلينا،
وترك أهله وماله وولده، ثم غنمنا ذلك، فما له [وأهله] وولده فيء.
1130 - قال ربيعة: من ابتاع عبداً من الفيء فدل سيده على مال له أو لغيره
بأرض العدو، والعبد كافر وقد أسلم أو أعتق، فإن دلّه [في جيش آخر فالمال
لهذا الجيش الآخر دون الذين قفلوا، ولا يكون للسيد ولا للعبد] وإن دله قبل
أن يقفل الجيش الذين كانوا سبوه، فهو لذلك الجيش الذي كان فيهم، [لأنه إنما
نال ذلك بهم] .
1131 - وإذا خرج قوم من أهل الذمة محاربين متلصصين فأخافوا السبيل وقتلوا،
حكم فيهم بحكم أهل الإسلام [إذا حاربوا. وإن خرجوا نقضاً للعهد ومنعاً
للجزية، وامتنعوا من أهل الإسلام] من غير أن يظلموا والإمام عدل، فهم فيء،
ومن هرب منهم إلى بلاد الحرب نقضاً للعهد فحارب ثم أسر فهو فيء، ولا يُرد
إلى ذمته إذا قضوا [العهد] لغير ظلم ركبوا به، وإن كان لظلم رُدوا إلى
ذمتهم،
(2/58)
ولا يكونون فيئاً، وقال غيره: لا يعود الحر
إلى الرق أبداً، ويردون إلى ذمتهم، ولا يكونون فيئاً. (1)
1132 - ومن أسلم من عبيد الحربيين لم يزل ملك سيده عنه، إلا أن يخرج
[العبد] إلينا وندخل نحن بلادهم فنغنمه وهو مسلم وسيده مشرك فيكون حراً،
ولا يرد إلى سيده [و] إن أسلم سيده بعد ذلك، وقد أعتق النبي ÷ عبيداً لأهل
الطائف (2) لخروجهم [إليه] مسلمين، وابتاع أبو بكر بلالاً إذ أسلم فأعتقه
والدار دار شرك (3) ، فلو انتقل ملك ربه عنه كان ذلك فداءً، ولم يكن ولاؤه
لأبي بكر.
_________
(1) انظر: منح الجليل (3/178) .
(2) رواه أحمد في المسند (1/243، 349) .
(3) رواه الحاكم في المستدرك (3/319) .
(2/59)
1133 - وإن خرج العبد إلينا مسلماً وترك
سيده مسلماً فهو له [رق إن أتى] ، وإن باع حربي عبداً له قد أسلم من مسلم
فهو لمبتاعه رق، لأن سيده لو أسلم عليه قبل أن يخرج العبد إلينا بقي له
رقاً، وقال أشهب [وغيره] : إسلام العبد في دار الحرب يزيل ملك سيده عنه خرج
إلينا أو أقام بداره، وإن اشتُري كان كالحر المسلم يلُفدى فيتبعه مشتريه
بالثمن.
1134 - قال ابن القاسم: ولو قدم إلينا عبد لرجل من أهل الحرب بأمان فأسلم
ومعه مال لسيده، فالمال للعبد ولا يُخمّس، وقد ترك النبي عليه السلام
للمغيرة إذ قدم مسلماً مالاً أخذه لأصحابه. (1)
1135 - قال يحيى بن سعيد: وإن ائتمن الأسير على شيء، فليرد أمانته، وإن كان
_________
(1) رواه البخاري (2731) .
(2/60)
مرسلاً وقد رأى أن يأخذ من أموالهم شيئاً،
لم يؤتمن عليه ويتخلص به فليفعل.
1136 - وتسترق العرب إن سُبوا كالعجم. وإذا مات عندنا حربي مستأمن وترك
مالاً أو قتل فماله وديته تدفع إلى من يرثه ببلده، ويعتق قاتله رقبة، وقال
غيره: تدفع دينه وماله إلى حكامهم، وأهل النظر لهم، [حتى كأنه مات تحت
أيديهم] .
1137 - وإذا كان مسلم في حصن العدو أو مركب لم أر أن يحرق أو يغرق، لقول
الله تعالى: ×لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ
عَذَابًا أَلِيمًا% (الفتح: 25) ، ولا يعجبني ذلك إذا كان فيهم ذرية
للمشركين ونساؤهم فقط، إلا أن يكون ليس فيها غير الرجال المقاتلة فلا بأس
بذلك.
وروي أن النبي ÷ رمى أهل الطائف بالمجانيق فقيل له: إن فيها النساء
(2/61)
والصبيان، فقال: هم من آبائهم. (1)
1138 - وإذا أحرق العدو سفينة للمسلمين، فلا بأس أن يطرحوا أنفسهم في
البحر، لأنهم فروا من موت إلى موت، ولم ير ذلك ربيعة إلا لمن طمع بنجاة، أو
اختار الأسر ونحوه، فلا بأس بذلك، وإن هلك في ذلك. وقال ربيعة أيضاً: إن
صبر فهو أكرم له، وإن اقتحم فقد عوفي ولا بأس به [إن شاء الله] .
1139 - وقال ربيعة: إن انحرقت سفينة فلا يُثقّل الرجل نفسه ليغرق وليثبت
[في مركبه] لأمر الله.
1140 - قال مالك رحمه الله: الفيء والخمس سواء، يجعلان في بيت المال،
ويُعطي منهما الإمام أقرباء رسول الله ÷ بقدر اجتهاده.
_________
(1) رواه البيهقي (9/384) .
(2/62)
1141 - وأما جزية الأرض فلا أدري كيف كان
يصنع فيها، إلا أن عمر رضي الله عنه قد أقر الأرض فلم يقسمها بين الذين
افتتحوها (1) ، وأرى لمن نزل ذلك به أن يكشف عنه من يرضاه من أهل العلم
[والأمانة من أهل البلد كيف كان الأمر في ذلك] ، فإن وجد عالماً يستيقنه
وإلا اجتهد هو ومن بحضرته رأياً، وكل ما يقسم مما يؤخذ من أوجه الفيء كلها
فإنه ينظر إلى البلدان، فإن تكافأت في الحاجة بدأ بالذين فيهم المال حتى
يغنوا منه، وما فضل أعطاه غيرهم أو يوقفه الإمام إن رأى ذلك لنوائب
المسلمين، وإن كان في غير ذلك البلد من هو أشد منهم حاجة فليُنقل إليهم
أكثر ذلك المال.
_________
(1) رواه أبو عبيد في الأموال (ص74) ، وابن أبي شيبة في المصنف (7/632،
633) .
(2/63)
1142 - وكل ما أصيب من العدو فخُمّس فهو
الخمس.
1143 - وكل أرض افتتحها أهل الإسلام بصلح فهي فيء، ولا يقسمها المسلمون،
وأهلها على ما صولحوا عليه.
1144 - وأما كل أرض فُتحت عنوة فتُركت لأهل الإسلام فهذه التي قال مالك
رحمه الله: يجتهد فيها الإمام ومن حضره من المسلمين.
1145 - قال ابن القاسم: وأما الجماجم في خراجهم فلم يبلغني عن مالك فيه
شيء، وأنا أرى الجماجم تبعاً للأرض كانوا عنوة أو صلحاً، وقيل له في موضع
آخر: أرأيت جزية جماجم أهل الذمة وخراج الأرضين ما كان منها عنوة أو صلحاً
ما يصنع بهذا الخراج؟ قال: قال مالك: هذه جزية، والجزية عند مالك فيء، وقد
أعلمتك ما قال مالك في العنوة.
(2/64)
1146 - قال مالك: ويعطي هذا الفيء أهل كل
بلدة افتتحوها عنوة أو صولحوا عليها، ويبدأ بفقرائهم حتى يغنوا، وفي الزكاة
[الأول] شيء من هذا الباب.
1147 - قيل: فمن قتل قتيلاً هل يكون له سلبه؟ قال: قال مالك: لم يبلغني أن
ذلك كان إلا في يوم حنين، وإنما هذا إلى الإمام يجتهد فيه.
1148 - ولا يجوز نفل قبل الغنيمة، ويجوز في أول المغنم أو آخره على
الاجتهاد، ولا يكون إلا من الخمس، وإنما نفل النبي ÷ يوم حنين من الخمس بعد
أن برد القتال، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: والسلب والفرس من النفل.
(1)
_________
(1) رواه مالك في الموطأ (2/454) ، والبخاري (3142) ، وأبو داود (2717) ،
والترمذي (1562) .
(2/65)
1149 - قال سليمان بن موسى: لا نفل في عين
ولا فضة، وأكره للإمام أن يقول: اقتلوا ولكم كذا، أو من قاتل موضع كذا، أو
تقدم إلى الحصن، أو قتل قتيلاً فله كذا، أو نصف ما غنم، ويكره أن يسفك
[أحد] دمه على مثل هذا. (1)
1150 - وكذلك أكره للأسير [المسلم] أن يقاتل مع الروم عدواً لهم على أن
يخلوه إلى بلد الإسلام، [ولا يحل له أن يسفك دمه على هذا] .
_________
(1) انظر: الاستذكار لابن عبد البر (14/142) .
(2/66)
1151 - ويسهم للفرس سهمان، وسهم لفارسه،
وللراجل سهم، والبراذين إن أجازها الوالي كانت كالخيل، ولا يسهم لبغل أو
حمار أو بعير، وصاحبه راجل، ومن له أفراس فلا يزاد على سهم فرس [واحد]
كالزبير يوم حنين، وإذا لقوا العدو في البحر ومعهم الخيل في السفن أو سروا
رجالة ولبعضهم خيل فغنموا وهم رجالة أُعطي لمن كان له فرس ثلاثة أسهم.
1152 - وإذا خرجت من العسكر سرية، فغنمت، أو ردت الريح بعض المراكب إلى
بلاد الإسلام مغلوبين بالريح ونفذ البعض فغنموا، أو ضل رجل عن أصحابه ببلد
العدو فلم يحضر قتالاً ثم رجع بعد الغنيمة، كانت الغنيمة بين السرية وبين
(2/67)
من ردته الريح أو ضل، وبين جميع العسكر بعد
خروج الخمس: للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهم.
1153 - ومن دخل أرض العدو غازياً فمات قبل لقاء العدو ثم غنموا [بعده] فلا
سهم له. وكذلك موت فرسه.
1154 - ولو شهد القتال مريضاً أو بفرس رهيص، أو مات هو أو فرسه بعد القتال
قبل الغنيمة ثم غنموا بعده في قتالهم [ذلك] فله ولفرسه ثلاثة أسهم. ومن
ابتاع فرساً ببلد الحرب أُسهم له من يومئذ إن لقي به العدو.
1155 - وإذا قاتل الأجير أُسهم له، وإلا فلا، وكذلك التاجر إذا علم منه ما
علم من الأجير.
1156 - ولا يُسهم للنساء ولا للعبيد ولا الصبيان [إذا قاتلوا] ، ولا يُرضخ
لهم، ورأى أبو بصرة الغفاري وعقبة بن عامر الجهني أن يسهم لمن أنبت من
(2/68)
الصبيان [الأحرار] . (1)
1157 - ولا بأس بأخذ العلف والطعام من الغنيمة والغنم والبقر لمأكله بغير
إذن الإمام، أو جلود يعملونها نعالاً أو خفافاً [أو لأكفهم] أو لغير ذلك من
حوائجهم. وإن جاز ذلك الإمام فلهم أخذه بغير إذنه. [قال ابن القاسم وغيره]
. وللرجل أن يأخذ من المغنم سلاحاً يقاتل به ويرده، أو دابة للقتال أو
ليركبها إلى بلده إن احتاجها ثم يردها إلى الغنيمة، فإن كانت الغنيمة قد
قسمت باعها وتصدق بالثمن، والسلاح كذك، أو ما يحتاج إلى لبسه من ثياب. وروى
علي وابن وهب أن مالكاً قال: لا ينتفع بدابة ولا بسلاح ولا بثوب،
_________
(1) رواه مالك في المدونة (2/34) ، وانظر: التاج والإكليل (3/369) ،
والكافي (1/214) ، والرسالة لأبي زيد القيرواني (1/84) ، وصحيح مسلم
(3/1444) .
(2/69)
ولو جاز ذلك لجاز أن يأخذ العين يشتري بها
هذا.
1158 - وما فضل معه بعد أن رجع إلى بلده من طعام فقال القاسم وسالم: يأكله،
وكرها بيعه، وقال مالك: يأكل القليل ويتصدق بالكثير.
[قال سليمان بن موسى: لا باس أن يحمل الرجل من بلد العدو الطعام مثل القديد
وغيره فإن باع ذلك بعد بلوغه إلى أهله صار مغنماً] .
1159 - وما استغنى عنه من الطعام في أرض العدو فليعطه أصحابه بغير بيع ولا
قرض، فإن أقرضه فلا شيء على المستقرض.
1160 - وإذا أخذ هذا لحماً، وهذا عسلاً، وهذا طعاماً، يتبادلونه ويمنع
أحدهم صاحبه منه حتى يبادله فلا بأس [به] وكذلك العلف وكل ما أُذن
(2/70)
[له] في النفع به من المغنم فبيع، فإن ثمنه
يرجع مغنماً ويُخمّس.
1161 - قال مالك: ومن نحت سرجاً، أو برى سهماً، أو صنع مشجباً ببلد العدو
فهو له ولا يخمّس، [قال سحنون: معناه فيما عمل] إذا كان يسيراً، [وقد قيل
أنه إذا كان له قدر أنه يأخذ إجازة عمله فيه، والباقي يصير فيئاً] ، قال
مكحول: إلا أن يجده مصنوعاً.
قال القاسم وسالم: وما كسب من صيد طير او حيتان، أو صنعه عبده من فخار فهو
له، وإن كثر.
1162 - وما ضعف المسلمون عن النفوذ به من بلد الحرب من ماشية ودواب ومتاع
مما غنموه أو كان لهم، أو ما قام عليهم من دوابهم فليعرقبوا الدواب، أو
يذبحوها، وكذلك جميع الماشية، ولا يحرقوها بعد القتل. ويحرق المتاع
والسلاح.
1163 - ولا يُستعان بالمشركين في القتال إلا أن يكونوا نواتيّ أو خدماً فلا
بأس به.
(2/71)
1164 -[قال مالك:] ويجوز أمان المرأة
والعبد والصبي إن عقل الأمان، وقد قال النبي ÷: يجير على المسلمين أدناهم،
وقال ÷ لأم هانئ: قد أجرنا من أجرت [يا أم هانئ] ، قال غيره: لم يجعل ذلك
أمراً يكون بيد أدناهم لا خروج للإمام عنه، ولكن ينظر الإمام فيما فعل
بالاجتهاد. قال إسماعيل بن عياش: سمعت أشياخنا يقولون: لا جواز للصبي ولا
للمعاهد، فغن أجارا خُيّر الإمام بين إمضائه ورده إلى مأمنه، [ومما روي أن
عمر - رضي الله عنه - كتب بذلك أنه من أمّنه منكم حرّ أو عبد من عدوكم فهو
آمن حتى يرد إلى مأمنه أو يقيم فيكم فيكون على الحكم بالجزية، وإذا أمنه
بعض من تستعينون به على عدوكم من أهل
(2/72)
الكفر فهو آمن حتى يرد إلى مأمنه أو يقيم
فيكم، وإذا نهيتم عن الأمان فأمن أحد منكم أحداً منهم ناسياً أو عاصياً أو
جاهلاً أو لم يعلم رُدّ إلى مأمنه، ولا سبيل لكم عليه إلا أن يشاء أن يقيم
فيكم فيكون على الحكم في الجزية، وكذلك إن أشار أحد منكم إلى أحد أن هلم
فإنا قاتلوك فأتى ظناً منه أنه آمن ولم يفهن ما قال له، وكذلك إن جاءكم رجل
مطمئن تعلمون أنه جاء متعمداً، وإن شككتم فيه فلا تردوه إلى مأمنه واضربوا
عليه الجزية، ومن وجدتموه في عسكركم ولم يعلمكم بنفسه حتى قدرتم عليه فلا
أمان له ولا ذمة، واحكموا فيه بما هو أفضل للمسلمين] .
1165 - وجائز التكبير في الرباط والحرس على البحر ورفع الصوت به بالليل
والنهار، وأكره التطريب.
1166 - وما كان مثل ديوان مصر والشام والمدينة مثل دواوين العرب فلا بأس.
وإذا تنازع رجلان في اسم مكتوب في العطاء، فأعطى احدهما الآخر مالاً على أن
يبرأ إليه من ذلك الاسم لم يَجُز، [لأنه إن كان الذي أعطاه الدراهم أخذ غير
اسمه فلا يجوز شراؤه، وإن كان الذي أعطى الدراهم صاحب الاسم فقد باع ما لا
يحل له، وإن كان الآخر هو صاحب الاسم فلا يجوز له، لأنه لا يدري ما باع
أقليلاً
(2/73)
بكثير، أو كثيراً بقليل] ، ولا يدري ما
تبلغ حياة صاحبه فهذا غرر لا يجوز. وكذلك لا يجوز لمن زيد في عطائه أن يبيع
تلك الزيادة بعَرَض.
1167 - قال الأوزاعي: أوقف عمر والصحابة الفيء وخراج الأرض للمجاهدين، ففرض
منه للمقاتلة والعيّال والذرية فصار ذلك سنة لمن بعده، فمن افترض فيه ونيته
الجهاد فلا بأس به، قال ابن مُحَيْريز: أصحاب العطاء أفضل من المتطوعة لما
يروعون، وقال مكحول: روعات البعوث تنفي روعات القيامة.
(2/74)
1168 - ولا بأس بالجعائل في البعوث، يجعل
القاعد للخارج، مضى الناس على ذلك لمن كان من أهل ديوان واحد، لأن عليهم سد
الثغور، قال مالك: ربما خرج لهم العطاء، وربما لم يخرج، ولا ينبغي أن يجعل
لمن ليس معه في ديوان ليغزو عنه. (1)
1169 - وقد كره [مالك] لمن في سبيل الله إجارة فرسه لمن يغزو به، أو يرابط
عليه كمن بعسقلان وشبهها، فهو إذا أجّر نفسه أشد كراهة.
1170 - قال يحيى بن سعيد: لا بأس بالطوى من ماحوز إلى ماحوز [والطوى]
_________
(1) انظر: المدونة (3/43) ، والكافي (1/207) .
(2/75)
أن يقول لصاحبه: خذ بعثي وآخذ بعثك وأزيدك
كذا، قال شريح: يكره ذلك من قبل أن يكتتبا فأما بعد الكتبة فجائز، إلا من
انتصب من ماحوز إلى ماحوز [آخر] يريد الزيادة في الجُعل.
1171 - قال مكحول: وإذا اكتُتب في المغزى ففرض له فيه جُعل فليأخذه، وإن
كان لا يغزو إلا بجعل فمكروه.
1172 - قال النبي ÷ في المجوس: سُنّوا بهم سنة أهل الكتاب (1) وأخذ عثمان
[رضي الله عنه] الجزية من مجوس البربر (2) ، قال مالك: فالأمم كلها من
الفزازنة والصقالبة والأبر والترك وغيرهم من الأعاجم ممن لا كتاب لهم
بمنزلة المجوس في
_________
(1) رواه مالك في الموطأ (1/278) ، وأبو عبيد في الأموال (ص40) ، والطبراني
في الكبير (19/437) .
(2) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (7/583) .
(2/76)
هذا، إذا دُعوا إلى الإسلام فلم يجيبوا،
دُعوا إلى إعطاء الجزية ويُقرّوا على دينهم، فإن أجابوا قُبِل منهم.
1173 - ويُستتاب أهل الأهواء [من القدرية وغيرهم] ، فإن تابوا وإلا قُتلوا
إذا كان الإمام عدلاً، وإن خرجوا على إمام عدل فأرادوا قتاله، ودعوا إلى ما
هم عليه دُعوا إلى السنة والجماعة، فإن أبوا قوتلوا.
1174 - وإذا دعا الإمام أهل العصبية إلى الحق فلم يرجعوا قوتلوا.
1175 - والخوارج إذا خرجوا فأصابوا الدماء والأموال ثم تابوا ورجعوا وضعت
الدماء
(2/77)
عنهم، ويؤخذ منهم ما وُجد بأيديهم من مال
بعينه، و [أما] ما استهلكوه فلا يُتبعون به وإن كانوا أملياء، لأنهم
متأولون بخلاف المحاربين، أولئك لا يوضع عنهم من حقوق الناس شيء، وإنما
يسقط عنهم [إن تابوا] حد الحرابة.
1176 - قال ابن شهاب: هاجت الفتنة الأولى فرأى جماعة من البدريين إسقاط
القصاص والحدود عمن قاتل في تأويل القرآن فقتل.
1177 - ولا حد على المرأة سُبيت، ولا بينها وبين زوجها ملاعنة، ويُحدّ
قاذفها وتُردّ إلى زوجها الأول بعد أن تنقضي عدتها من زوجها الآخر، [وترث
زوجها الأول إن مات] .
* * *
(2/78)
|