التهذيب
في اختصار المدونة (كتاب
الظهار)
1534 -[قال مالك:] ومن قال لامرأته: أنت علي كظهر أمي، فهو مظاهر، [ومن]
ظاهر بشيء من ذوات المحارم من نسب أو رضاع أو بصهر فهو مظاهر، [وإن قال
لها: أنت علي مثل أمي أو كرأس أمي أو كقدمها أو كفخذها ونحوه، فهو مظاهر] ،
وقال بعض [كبار] أصحاب مالك إذا قال لها:
(2/257)
رأسك علي كظهر أمي أو يدك أو أصبعك لزمه
الظهار، وكذلك في البطن والفرج كما لو طلق منها ذلك العضو لزمه الطلاق
فيها.
1536 - قال مالك: وإن قال لها: أنت علي حرام مثل أمي، فهو مظاهر، لأنه جعل
للحرام مخرجاً حين قال مثل أمي، قال غيره: لا تحرم به، لأن الله تعالى أنزل
الكفارة في الظهار، ولا يَعْقِل من لفظ به فيه شيئاً سوى التحريم، قال
مالك: وإن لم يذكر أمه كان البتات.
1537 - وإن قال لها أنت علي كظهر فلانة [أو مثل ظهر فلانة] لجارة له
أجنبية، وهي ذات زوج أم لا فهو مظاهر، وقال غيره: هي طالق ولا يكون
مظاهراً. (1)
1538 - قال مالك: وإن قال لها: أنت علي كفلانة، لأجنبية ولم يذكر الظهر،
فهو البتات.
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (6/50) ، ومواهب الجليل (4/112) ، والتاج
والإكليل (4/119) ، والبيان والتحصيل (5/171) ، والنوادر والزيادات (5/293)
.
(2/258)
1539 - وإن قال [لها] : كفلانة، من ذوات
محارمه فهو مظاهر، لأن هذا وجه الظهار، إلا أن يريد بذلك التحريم فيكون
البتات.
1540 - وإن قال لها: أنت علي حرام مثل أمي، أو حرام كأمي ولا نية له، فهو
مظاهر، وهذا لا اختلاف فيه.
1541 - قال ربيعة: وإن قال لها: أنت علي مثل كل شي حرمه الكتاب، فهو مظاهر.
1542 - قال ابن شهاب: وإن قال لها: كبعض ما حُرم علي من النساء، فهو مظاهر.
1543 - ومن تظاهر من أمته أو من أم ولده، أو من مدبرته فهو مظاهر، وإن
تظاهر من معتقة إلى أجل لم يكن مظاهراً، لأن وطأها لا يحل له.
(2/259)
1544 - وإن تظاهر الذمي من امرأته ثم أسلم،
لم يلزمه ظهار كما لا يلزمه طلاقه في الشرك، وكل يمين كانت عليه من طلاق أو
عتاق أو صدقة أو شيء من الأشياء فهو موضوع عنه إذا أسلم، وإن تظاهرت امرأة
من زوجها لم يلزمها شيء.
1546 - ولا يلزم الصبي ولا المعتوه الذي لا يفيق ولا المكره، ظهار ولا طلاق
ولا عتق، ويلزم السكران ظهاره وطلاقه.
1547 - قال مالك: ومن قال لامرأته: إن شئت الظهار فأنت علي كظهر أمي، فهو
مظاهر إن شاءت الظهار، وذلك إليها ما لم توقف. وقال غيره: إنما هذا على
اختلاف قول مالك في التمليك.
(2/260)
1548 - وإن قال لها: أنت علي كظهر أمي
اليوم أو هذه الساعة، فهو مظاهر منها وإن مضى ذلك الوقت، ولا يطؤها حتى
يكفّر، كما لو قال لها: أنت طالق اليوم أو هذه الساعة كانت طالقاً أبداً.
1549 - وإن قال لها: أنت علي كظهر أمي إن دخلت هذه الدار اليوم أو كلمت
فلاناً اليوم، أو قال [لها] : أنت علي كظهر أمي اليوم إن كلمت فلاناً أو
دخلت الدار، فإن مضى اليوم ولم يفعل ذلك لم يكن مظاهراً وإنما يجب عليه
الظهار بالحنث، وكذلك إن قال لها: إن دخلت الدار اليوم فأنت طالق، أو قال:
أنت طالق إن دخلت الدار اليوم، فمضى ذلك اليوم ثم دخلت لم يلزمه طلاق، [وإن
قال لها: أنت علي كظهر أمي أو أنت طالق إلى قدوم فلان، لم يلزمه ظهار ولا
طلاق حتى يقدم فلام فيلزمه ذلك، وإن لم يقدم فلان فلا شيء عليه، وأما إن
قال لها: من الساعة إلى قدوم فلان، لزمه الظهار والطلاق مكانه] .
1550 - ومن ظاهر من أربع نسوة في كلمة واحدة فكفارة واحدة تجزيه، وإن تظاهر
منهن في مجالس مختلفة، أو كان في مجلس واحد فخاطب كل واحدة [منهن بالظهار
دون الأخرى، حتى أتى على الأربع، أو قال لإحدى امرأتيه: أنت علي كظهر أمين
ثم قال للأخرى: أنت علي مثلها، فعليه في ذلك لكل واحدة منهن كفارة] . (1)
_________
(1) انظر: حاشية الدسوقي (2/441) .
(2/261)
1551 - وإن قال لامرأته: أنت علي كظهر أمي،
قال لها ذلك مرراً في شيء واحد أو في غير شيء، فليس عليه إلا كفارة واحدة،
وإن نوى بقوله ثلاث ظهارات، إلا أن ينوي ثلاث كفارات [فتلزمه ثلاث كفارات]
كاليمين بالله، وإن قال ذلك في أشياء مختلفة، مثل: أن يحلف بالظهار إن دخل
[هذه] الدار، ثم يحلف به إن كلم فلاناً فعليه في كل شيء يفعله من ذلك
كفارة، بخلاف ما لو جمعهما في ظهار واحد.
قيل: فكل كلام تكلم به رجل ينوي به الظهار أو الإيلاء أو تمليكاً أو
خياراً، أيكون ذلك كما نوى؟ قال: نعم، إذا أراد أنك بما قلت مخيرة أو مظاهر
منها أو مطلقة.
1552 - ومن قال لأربع نسوة: إن تزوجتكن فأنتن علي كظهر أمي، فتزوج واحدة
لزمه الظهار ولا يقربها حتى يكفر، فإن كفر وتزوج البواقي فلا ظهار عليه
فيهن، وإن لم يكفر ولم يطأ الأولى حتى ماتت أو فارقها سقطت عنه الكفارة، ثم
إن تزوج البواقي لم يطأ واحدة منهن حتى يكفر، لأنه لم يحنث في يمينه بعد،
وإنما يحنث [في يمينه] بالوطء، لأن من تظاهر من امرأته ثم طلقها أو ماتت
قبل أن يطأها
(2/262)
فلا كفارة عليه، وإنما يوجب [عليه] كفارة
الظهار الوطء، فإن وطئ [فقد] لزمته الكفارة، ولا يطأ في المستقبل حتى يكفر،
ولو كان هذا قد وطئ الأولى ثم ماتت أو طلقها أو لم يطلقها لزمته الكفارة،
فإن تزوج البواقي فلا يقرب واحدة منهن حتى يكفر.
1553 - ومن قال لنسائه: من دخلت منكن هذه الدار فهي علي كظهر أمي، فدخلنها
كلهن أو بعضهن فعليه في كل واحدة دخلتها كفارة كفارة، وكذلك لو قال: ايتكن
كلمتها فهي علي كظهر أمي، فإن كلم واحدة منهن لزمته كفارة، ولم يلزمه في من
لم يكلم منهن ظهار وإن وطئها حتى يكلمها، وله وطؤهن قبل أن يكلمهن، ثم إن
كلم أخرى لزمته كفارة ثانية، بمنزلة ما لو قال لأربع نسوة: من تزوجتها منكن
فهي علي كظهر أمي، فتزوج واحدة كان منها مظاهراً، ثم إن تزوج أخرى كان
أيضاً مظاهراً بخلاف قوله: إن تزوجتكن، وإن قال لزوجته: أنت علي كظهر أمي
إن لم أضرب غلامي اليوم، ففعل لم يلزمه ظهار. وإن قال: إن تزوجت فلانة فهي
علي كظهر أمي، لزمه الظهار إن تزوجها، ومن قال: كل امرأة أتزوجها فهي
(2/263)
طالق لم يلزمه شيء إن تزوج، وإن قال: فهي
علي كظهر أمي، لزمه ذلك، لأن له المخرج بالكفارة بخلاف الطلاق، ولا يطأ إن
تزوج حتى يكفر، وكفارة واحدة تجزيه عن ذلك. (1)
1554 - وإن قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي، فطلقها واحدة أو
اثنتين فبانت منه ودخلت الدار وهي في غير ملكه، لم يحنث بدخولها وهي في غير
ملكه، فإن تزوجها فدخلت الدار وهي تحته عاد عليه الظهار إلا أن يكون طلقها
أولاً البتة، فإن الظهار يسقط عنه إن تزوجها بعد زوج، ولو حنث بدخولها قبل
أن يفارقها أو كان إنما تظاهر منها بغير يمين ثم أبتها قبل أن يكفر، فهذا
إن نكحها بعد زوج عاد عليه الظهار ولم يطأها حتى يكفّر.
1555 - ومن تظاهر من امرأته وهي أمة ثم اشتراها فهو مظاهر منها، وإن تظاهر
من امرأته وهي حرة أو أمة أو صبية أو محرمة أو حائض أو رتقاء أو كتابية
لزمه ذلك، وكفارته منهن سواء، ويلزمه الظهار والطلاق في زوجته الكابية
كالمسلمة.
1556 - وإن تظاهر العبد من امرأته وهي حرة أو أمة، فكفارته منهما سواء.
وظهار
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/120) ، والمدونة (6/56) .
(2/264)
الرجل من زوجته قبل البناء وبعده [سواء] ،
كما لو ظاهر من أمة لم يطأها قط لزمه الظهار.
1557 -[والمجوسيان إذا أسلم الزوج ثم ظاهر منها أو طلق مكانه ثم أسلمت بقرب
إسلامه، فذلك يلزمه] .
1558 - ومن قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنت طالق أو أنت علي كظهر أمي أو فأنت
علي كظهر أمي وأنت طالق، فإن تزوجها طلقت عليه، ثم إن تزوجها بعد ذلك لم
يقربها حتى يكفر كفارة الظهار، لأن الطلاق والظهار وقعا بالعقد معاً
فلزماه، والذي قدم الظهار في لفظه أبين، وإن قال لزوجته: أنت طالق البتة
وأنت علي كظهر أمي، طلقت عليه ولم يلزمه فيها ظهار إن تزوجها يوماً ما،
لأنه أوقعه بعد أن بانت منه، ومن قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي
ووالله لا أقربك، أو قال: والله لا أقربك
(2/265)
وأنت علي كظهر أمي، لزمه إن نكحها الإيلاء
والظهار جميعاً، كما يلزمه ذلك في التي في عصمته.
* * *
[في منع المظاهر من امرأته حتى يكفر]
1559 - ومن تظاهر من زوجته فلا يطأها حتى يكفر، ويجب عليها أن تمنعه من
نفسها، فإن خشيت [منه] على نفسها رفعت ذلك إلى الإمام ومنعه الإمام من
وطئها إن خاصمته، ويؤديه إن رأى ذلك، ولا يقبل ولا يباشر ولا يلمس ولا ينظر
إلى صدرها ولا إلى شعرها حتى يكفر، وجائز أن ينظر إلى وجهها، وقد ينظر غيره
إليه، وجائز أن يكون معها في بيت ويدخل عليها بلا إذن إذا كان يؤمن ناحيته.
1560 -[فإن امتنع من الكفارة وهو قادر عليها دخل عليه الإيلاء، لأنه مضار
ووقف لتمام أربعة أشهر من يوم] التظاهر، فإما كفّر أو طلقت عليه، فإن كفّر
زال عنه حكم الإيلاء وإن لم يطأ، وإن قال: أنا أكفّر، ولم يقل: أنا أطأ،
فذلك له،
(2/266)
لأن نيته الكفارة وليس الوطء، فإذا كفّر
كان له أن يطأ بلا كفارة، وإن كان لا يعلم منه ضرر وكان يعمل في الكفارة
فلا يدخل عليه الإيلاء، وإذا كان من أهل الصوم فمضت أربعة أشهر ولم يصم
فلها إيقافه، وروى غيره أن وقفه لا يكون إلا بعد ضرب السلطان [له] الأجل،
وكل لمالك، والوقف بعد ضرب الأجل أحسن، فإذا أوقفته فقال: أنا أصوم شهرين
عن ظهاري، أو كان ممن يقدر على عتق أو إطعام فقال: أخروني حتى أعتق أو
أطعم، اختبره الإمام مرتين أو ثلاثاً،
(2/267)
فإن لم يأخذ في ذلك بعد التلوم فرق بينهما،
لأنه مضار كالمولي إذا أوقف فقال: أنا أفي، فاختبره الإمام مرة بعد مرة،
فلم يف وعرف كذبه ولم يكن له عذر طلّق عليه، وهذا المعنى مستوعب في كتاب
الإيلاء، ومن قال لزوجته: إن وطئتك فأنت علي كظهر أمي، فهو مولٍ حين تكلم
بذلك، فإن وطئ سقط افيلاء عنه ولزمه الظهار بالوطء، ولا يقربها بعد ذلك حتى
يكفر كفارة الظهار، فإن تركها ولم يكفر كان سبيله كما وصفنا في المظاهر
المضار.
1561 - ومن تظاهر وهو معسر ثم أيسر لم يجزه الصوم، فإن أعسر قبل أن يكفر
أجزأه الصوم، وإنما ينظر إلى حاله يوم يكفر لا إلى حاله قبل ذلك، ولو أيسر
بعد أن أخذ في صوم أو إطعام فإن كان بعد صوم اليومين ونحوهما أحببت له أن
يرجع إلى العتق ولا أوجبه [عليه] ، وإن كان قد صام أياماً لها عدد فما ذلك
عليه وليمض على صومه، وكذلك الإطعام مثل ما فسرنا في الصوم، وكذلك في كفارة
القتل.
(2/268)
1562 - وإن صام ثلاثة أيام في الحج ثم وجد
[ثمن] الهدي في اليوم الثالث، فليمض على صومه، وإن وجد ثمنه وهو في أول يوم
فإن شاء أهدى أو تمادى في صومه.
1563 - قال مالك: وإن تظاهر العبد فليس عليه إلا الصوم ولا يطعم وإن أذن له
سيده، فالصوم [له] أحب إلي. قال ابن القاسم: بل هو الواجب عليه، ولا يطعم
(2/269)
من قدر أن يصوم، وأما العتق فلا يجزيه في
شيء من الكفارات وإن أذن له السيد.
1564 - قال مالك: وأما إن أذن له أن يطعم في اليمين بالله أجزأه، وفي قلبي
منه شيء، والصوم أبين عندي. قال ابن القاسم: إن أطعم بإذن سيده أجزأه، لأن
سيده لو كفّر عنه بالطعام أو رجل كفّر عن صاحبه بالطعام أجزأه.
ومن ظاهر من زوجته ثم طلقها ثلاثاً أو واحدة فبانت منه، ثم أعتق عن ظهاره
منها أو صام أو أطعم، ثم تزوجها بعد ذلك، لم تجزه تلك الكفارة، لأنه أخرجها
قبل وجوبها، ومتى تزوج المرأة رجع عليها الظهار.
1565 - ومن قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي فكفّر عن ظهاره هذا
ثم تزوجها، لم تجزه تلك الكفارة، لأنه [قد] كفر قبل نية العودة، ولا ينوي
(2/270)
ذلك فيمن ليست في عصمته ولا يكفر قبل حنثه
وقد قال الله عز وجل: ×ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا%، والعودة ها هنا
إرادة الوطء والإجماع عليه، فمن كفّر قبل إرادته كان كمن كفّر عن شيء وجب
عليه.
1566 - وإذا وطئ المظاهر قبل أن يكفر ناسياً أو عامداً في ليل أو نهار،
لزمته الكفارة بجماعه، ماتت بعد ذلك أو طلقها أو مات عنها، وإن طلقها
ثلاثاً أو واحدة قبل أن يطأها فلا كفارة عليه إلا أن يتزوجها يوماً [ما] ،
فيعود عليه الظهار، ولا يطأ حتى يكفر، ولو طلقها قبل أن يمسها وقد عمل
(2/271)
في الكفارة لم يلزمه تمامها. قال ابن نافع:
وإن أتمها أجزأه إذا أراد العودة قبل الطلاق.
1567 -[ومن] أكل ناسياً في صوم ظهار أو قتل نفس أو نذر متتابع، أو أكره على
الفطر، أو تقيأ، أو ظن أن الشمس قد غابت فأكل، أو أكل بعد الفجر ولم يعلم،
أو وطئ نهاراً غير التي تظاهر منها ناسياً، فليقض في ذلك يوماً ويصله
بصومه، فإن لم يفعل ابتدأ الصوم من أوله. وله أن يطأ غير من تظاهر منها في
خلال الكفارة، ليلاً في الصوم أو نهاراً في الإطعام، كانت الموطوءة زوجة أو
أمة، فإن وطئ التي تظاهر منها ليلاً أو نهاراً أول صيامه أو آخره ناسياً أو
عامداً ابتدأ الشهرين، وكذلك حكم الإطعام، وإن لم يبق إلا مسكين، وكذلك من
وطئ في الحج ناسياً أو عامداً فعليه أن يتم حجه ذلك ويقضيه من قابل.
(2/272)
1568 - قال ابن القاسم: ومن صام عن ظهاره
شهراً ثم مرض وهو لا يجد رقبة لم يكن له أن يطعم، وإن تمادى به المرض أربعة
أشهر لم يدخل عليه الإيلاء، لأنه غير مضار، وتُنتظر إفاقته، فإذا صح صام
إلا أن يعلم أن ذلك المرض لا يقوى صاحبه على الصيام، بعده فيصير حينئذ من
أهل الإطعام.
وقال أشهب: إذا مرض صار من أهل الإطعام.
1569 - ومن ظاهر من امرأته وليس له إلا خادم واحدة أو دار لا فضل فيها أو
عرض فيه ثمن رقبة، لم يجزه إلا العتق، ولا يجزيه الصوم، لأنه يقدر على
العتق، وإن تظاهر من أمته وليس له غيرها لم يجزه الصوم، وأجزأه عتقها عن
ظهاره، وله أن يتزوجها بعد ذلك.
1570 -[ومن صام شهراً وأطعم ثلاثين مسكيناً] عن ظهاره، أو أعتق [نصف]
(2/273)
عبد وأطعم ثلاثين مسكيناً، [أو صام شهراً،
لم يجزه ذلك] .
1571 - والإطعام في الظهار ستون مسكيناً لكل مسكين مد من حنطة بمد هشام،
وهو مدان إلا ثلث بمد النبي ÷، فإن كان عيش بلدهم تمراً أو شعيراً أطعم منه
في الظهار عدل شبع مد هشام من الحنطة، ويطعم من ذلك في كفارة الأيمان عشرة
مساكين وسطاً من شبع الشعير والتمر، ولا أحب أن يغدي ويعشي في الظهار،
(2/274)
لأن الغداء والعشاء لا أظنه يبلغ مداً
بالهاشمي ولا ينبغي ذلك في فدية الأذى أيضاً، ويجزئ ذلك في سواهما من
الكفارات، ويكون مع الخبز إدام، وإن كان الخبز وحده وكان فيه عدل ما يخرج
من الحب أجزأه، ويخرج في كفارة الأيمان وفي الإفطار في رمضان في كل شيء
مداً لكل مسكين بمد النبي ÷ خلا فدية الأذى، فإنه يخرج فيها مدين لكل
مسكين، ولا يجزئ السويق والدقيق في شيء من الكفارات كما لا يجزئ ذلك في
زكاة الفطر.
1572 - ومن أعطى في سائر الكفارات من الذي هو عيشهم أجزأه، ولا يجزئ في ذلك
[دقيق أو سويق] ، ولا يجزئ عرض أو دراهم فيها وفاء بالقيمة، ومن أعطى في
الظهار ستين مداً بالهاشمي، لعشرين ومائة مسكين نصف مد [نصف مد] ، لم يجزه
ذلك إلا أن يزيد [لستين] منهم لا من غيرهم نصف مد لكل واحد فيجزيه، وإن
أعطى ذلك لثلاثين مسكيناً لكل مسكين مدين لم يجزه حتى يعطي ستين مسكيناً
لكل مسكين مداً، ولا يجزيه في فدية الأذى أن يعطي اثني عشر مسكيناً مداً
[مداً] ، ولكن يُعطي ستة مساكين لكل مسكين مدين بمد النبي ÷، وكذلك في
كفارة الإفطار في رمضان لا يجزيه أن يعطي ثلاثين مسكيناً مدين مدين، ولا
عشرين ومائة مسكين نصف مد [نصف
(2/275)
مد] ، ولكن يعطي ستين مسكيناً لكل مسكين
مداً بمد النبي ÷، فإن أطعم ثلاثين مسكيناً في كفارة الظهار حنطة ثم ضاق
السعر حتى صار عيشهم التمر أو الشعير، أو خرج إلى بلد عيشهم ذلك، أجزأه أن
يطعم من ذلك ثلاثين مسكيناً، وكذلك هذا في جميع الكفارات، وإن أطعم في
كفارة الظهار ثلاثين [مسكيناً] ثم لم يجد في ذلك البلد غيرهم، فلا يجزيه أن
يطعمهم في غد بقية الكفارة، وليبعث بها إلى بلد آخر.
1572 - ومن عليه كفارتان عن يمينين، فأعطى اليوم مساكين عن إحدى يمينيه ثم
(2/276)
لم يجد في غد غيرهم، فلا يعجبني أن يعطيهم
عن اليمين الأخرى، كانت كاليمين الأول أو مخالفة لها كاليمين بالله مع ظهار
ونحوه.
قال يونس بن عبيد: إلا أن تحدث عليه اليمين الثانية بعد ذلك، فليعطهم في غد
إن شاء.
1573 - قال ابن القاسم: ولا يطعم في شيء من الكفارات من فيه عُلْقة رق ولا
ذمياً ولا غنياً، فإن فعل أعاد، ولا يجزئ أن يطعم في الكفارات كلها إلا
حراً مسلماً، ولا يطعم في شيء من الكفارات أحداً من قرابته وإن كانت نفقتهم
لا تلزمه، فإن أطعم من لا تلزمه نفقتهم أجزأه إن كانوا محاويج، ويطعم
الرضيع من الكفارات إذا كان قد أكل الطعام، ويعطى ما يعطى الكبير.
1574 - ومن أعتق عن ظهاره نصف عبد لا يملك غيره، ثم أيسر بعد ذلك فابتاع
باقيه فأعتقه عن ظهاره، لم يجزه، لتبعيض العتق، ولو لم يكن عليه ظهار كان
له ملك
(2/277)
باقيه، ولو أعتق نصفه عن ظهاره وهو موسر،
فقوم عليه باقيه ونوى به الظهار لم يجزه، لأن الحكم يوجب عليه عتق بقيته،
ولا يجزيه أن يعتق عن ظهاره أو غيره من الكفارات رقبة يشتريها بشرط العتق،
ولا مدبراً، أو مكاتباً وإن لم يؤد من كتابته شيئاً، أو معتقاً إلى أجل، أو
أم ولد، أو عبداً، قال: إن اشتريته فهو حر، فاشتراه [فأعتقه] عن ظهاره لم
يجزه، لأن كل من يعتق عليه إذا ملكه فلا يجزيه عتقه عن ظهار صار إليه
بميراث أو هبة أو غيرها، ولا يجزيه إلا رقبة يملكها [قبل أن تعتق عليه] .
1575 - وإن أعتق ما في بطن أمته عن ذلك لم يجزه، ويعتق إذا وضعته، وإن أعتق
عبده عن ذلك على مال يكون عليه ديناً لم يجزه، وإن كان المال في يد العبد
فاستثناه السيد جاز عتقه إذ له انتزاعه، كمن أوصى بعتق رقبة فوجد الوصي
عبداً يباع وأبى ربه بيعه حتى يتعجل من العبد مالاً، فذلك جائز. (1)
ومن أعتق عبده عن رجل عن ظهار على جعل جعله له، فالولاء للمعتق عنه وعليه
الجعل كاملاً، ولا يجزيه عن ظهاره، كمن اشترى رقبة بشرط العتق.
1576 - ولا يجزئ في الظهار أو غيره من الكفارات إلا رقبة مؤمنة سليمة، ولا
يجزئ
_________
(1) انظر: كفاية الطالب (2/136) ، وحاشية الدسوقي (2/449) ، التاج والإكليل
(3/252) ، (4/125) .
(2/278)
اقطع اليد الواحدة أو أصبعين أو أصبع أو
الإبهام أو الإبهامين أو الأذنين، أو أشل أو أجذم، أو أبرص أو أصم، أو
مجنون وإن أفاق أحياناً، ولا أخرس ولا أعمى، ولا مفلوج يابس الشق، وأجاز
غيره مقطوع الأصبع الواحدة أو من به برص خفيف ولم يكن مرضاً.
1577 - قال ابن القاسم: ولا يعجبني الخصي في الكفارات، وأجاز مالك عتق
الأعور، ويجزئ العرج الخفيف أو العيب الخفيف، كجدع في أذن وقطع أنملة وطرف
أصبع، فأرجو أن يجزئ في كل الكفارات.
وما كان من عيب فاحش ينقصه فيما يحتاج إليه من غنائه وجزائه لم يجزه، ويجزئ
عتق الصغير والأعجمي في كفارة الظهار إذا كان من قصر النفقة.
قال مالك: وعتق من صلى وصام أحب إلي.
(2/279)
1578 - قال ابن القاسم: يريد من عقل
الإسلام والصيام والصلاة، وأجاز عتق الرضيع في الكفارة عدد من التابعين،
وأجاز أبو هريرة وغيره عتق ولد الزنا في الكفارات.
1579 - ومن أعتق عبده عن رجل عن ظهاره أو عن شيء من الكفارات فبلغه ذلك
فرضي به أجزأه، كمن أعتق عبده عن ميت لظهار لزمه أو أدى عنه كفارة لزمته أن
ذلك يجزيه، فكذلك الحي إذا بلغه ذلك فرضي به. قال غيره: لا يجزئ.
وقد قال ابن القاسم غير هذا إذا كان بأمره وهو أحسن، لأنه عتق لا يُرد
(2/280)
رضي هذا أو كره. أو لا ترى أنه هو لو أعتق
رقبة أو كفّر عنه رجل قبل أن يريد العود لم يجزه، وقاله كبار أصحاب مالك.
1580 - ومن صام شعبان ورمضان ينوي بهما الظهار ويريد أن يقضي رمضان في أيام
أخر، لم يجزه [رمضان] لفرضه ولا لظهاره.
1581 - ومن صام ذا القعدة وذا الحجة لظهار عليه أو قتل نفس خطأ لم يجزه،
قال مالك: إلا من فعله بجهالة وظن أن ذلك يجزيه، فعسى أن يجزيه
(2/281)
وما هو بالبين، وأحب إلي أن يبتدئ.
1582 - قال مالك: ومن سافر في شهري ظهاره فمرض فأفطر فيهما، فأخاف أن يكون
السفر هيج عليه مرضه، ولو أيقنت أن ذلك لغير حر أو برد أهاجه السفر لجزأه
البناء ولكني أخاف، ومن صام لظهاره ثم مرض فأفطر فليبن إذا صح، فإن أفطر
يوماً متعمداً بعد قوته على الصوم ابتدأ، وإن حاضت امرأة في صوم عليها
متتابع ولم تصل قضاء أيام حيضتها به فلتبتدئه، وقول الله عز وجل: ×فَمَن
لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا%،
(2/282)
يقول لضعف أو كبر وإن كان صحيحاً، ومن
الناس من هو صحيح لا يقوى على الصوم.
1583 - ومن تظاهر وهو مريض مثل الأمراض التي يصح من مثلها الناس فلينتظر
حتى يصح، ثم يصوم إذا كان لا يجد رقبة، وكل مرض يطول صاحبه ولا يدري أيبرأ
منه أم لا ولعله يحتاج إلى أهله، فليطعم وليصب أهله، ثم إن صح أجزأه ذلك
الإطعام، لأن مرضه كان إياساً.
قال أشهب: إذا طال مرضه وإن رجي برؤه وقد احتاج إلى أهله فليطعم.
1584 - ومن ظاهر من أربع نسوة له في غير مرة [واحدة] ، فلزمه لكل واحدة
منهن كفارة، فأعتق عنهن أربع رقاب في مرة واحدة، أجزأه وإن لم يعين التي
أعتق عن كل واحدة، لأنه لم يشرك بينهن في العتق، وليس لهن من ولائهم شيء،
وكذلك إن أعتق ثلاث رقاب عن ثلاث منهن غير معينات وحاشا واحدة من نسائه
(2/283)
لم ينوها بعينها، أجزأه، إلا أنه لا يطأ
واحدة من الأربع حتى يعتق رقبة رابعة، ولو ماتت واحدة منهن أو طلقها كان
كذلك أيضاً.
وإن أعتق ثلاث رقاب عن الأربع استأنف عتق أربع رقاب، لأنه أشركهن في كل
رقبة، ولا يجزيه ههنا عتق رقبة رابعة ماتت منهن واحدة أو طلقها أو لم
يطلقها، وكذلك الجواب في تظاهره من امرأتين وعتقه عنهما. ولو صام ثمانية
أشهر متتابعات عن الأربع ينوي لكل واحدة منهن لم يعينها كفارة، أجزأه،
وكذلك الإطعام، فإن أشركهن في كل يوم من الصايم أو في كل مسكين في الإطعام،
لم يجزه إلا أن ينوي به مداً لكل مسكين في كفارته، فإن لم ينو به امرأة
بعينها ولا كفارة كاملة فيجزيه ذلك، لأن الإطعام يجوز أن يفرق فيطعم اليوم
عن هذه أمداداً وفي غد عن الأخرى كذلك ثم يتم بعد ذلك كفارة لكل واحدة
فتجزيه، وإن كان مفترقاً بخلاف الصوم، لأن فيه شرط التتابع، فإن ماتت منهن
واحدة وقد أطعم [عن جميعهن] مائة وعشرين مسكيناً ولم ينو ما لكل واحدة من
ذلك ولا أشركهن في كل مسكين، سقط حظ الميتة من ذلك وجبر على ما بقي بعد ذلك
تمام ثلاث كفارات، ولو تظاهر منهن في كلمة ثم وطئ واحدة منهن لزمته كفارة
(2/284)
واحدة، فإن صام شهرين ونوى بصومه التي وطئ
وأدخل الباقيات في نيته أو نسيهن فذلك يجزيه عنهن، ولوجامع ليلاً في صومه
غير التي نوى الصيام عنها ابتدأ، لأن صومه كان يجزئ عن جميعهن، كالحلف
بالله في أشياء يحنث بفعل أحدها، فكفارة تجزيه عن جميعها، وإن نوى بالكفارة
الشيء الذي فيه حنث، ناسياً لباقيها أو ذاكراً [لذلك] .
1585 - وكذلك لو كفر قبل حنثه في اليمين بالله ينوي أحدها أجزأه، عن
جميعها، وإن كانت الكفارة في اليمين بالله بعد الحنث أحب إلينا.
وإن كفر قبل حنثه أجزأه كمن حلف بعتق رقبة أن لا يطأ امرأته فأخبر أن
الإيلاء عليه فأعتق إرادة إسقاط الإيلاء. قال مالك: أحب إلي أن يعتق بعد
الحنث، فإن أعتق قبله أجزأه ولا إيلاء عليه. وباقي مسائل هذا الكتاب قد
تقدم ذكرها فأغنى عن إعادتها.
* * *
(2/285)
|