التهذيب
في اختصار المدونة (كتاب
التخيير والتمليك)
1586 - ومن قال لامرأته بعد البناء: اختاري نفسك، فقالت: قد اخترت نفسي،
فهي ثلاث ولا مناكرة للزوج، وإن قالت: قد قبلت أمري، سئلت: ما الذي قبلت؟
فإن قالت: ما جعل لي من الخيار ولم أطلق، قيل لها: فطلقي إن أردت أو رُدّي،
فإن طلقت ثلاثاً لزمه ولا مناكرة له، وإن طلقت دون البتات لم يلزمه شيء،
وإنما لها أن تطلق ثلاثاً أو ترد ذلك، وإن قالت: أردت بذلك الطلاق،
(2/287)
سئلت: أي الطلاق [أرادت] ؟ فإن كان دون
البتات بطل، وإن كان البتات لزم، ولا مناكرة للزوج.
وله مناكرتها في التمليك إذا قضت بأكثر من واحدة إن ادعى في ذلك نية
ويُحلّف، وإن قضت بواحدة فقال: كذلك أردت، كان أملك بها.
1587 - وقوله لها: اختاري خيار، وإن قال: أمرك بيدك، فهذا تمليك، فإن قال
لها: اختاري في واحدة، فقالت: اخترت نفسي، وقال الزوج: ما أردت إلا واحدة،
[فإنه] يُحلّف وتلزمه واحدة [وله الرجعة] ، وإن قال لها:
(2/288)
اختاري في طلقة، فقالت: قد اخترتها أو
اخترت نفسي، لم تلزمه إلا واحدة وله الرجعة، وكذلك له الرجعة في التمليك
إذا قضت بدون البتات إلا أن يكون مع ذلك فداء فتكون بائناً. وإن قال [لها]
: اختاري تطليقتين، فاختارت واحدة، أو قال [لها] : طلقي نفسك ثلاثاً،
فقالت: قد طلقت نفسي واحدة، لم يقع عليها شيء.
[وإن خيرها بعد البناء فقالت: قد خليت سبيلك، ونوت واحدة لم يقع عليها من
الطلاق شيء] ، وإن لم تكن لها نية فهي البتات.
1588 - وإن قال لها: اختاري اليوم كله فمضى اليوم ولم تختر فلا خيار لها،
وكذلك إن خيرها ولم يوقت يوماً ثم افترقا من المجلس قبل أن تختار، فلا خيار
لها في قول مالك الأول، وبه أخذ ابن القاسم وعليه جماعة من الناس،
(2/289)
وقوله الآخر إن لها أن تختار وإن مضى الوقت
أو تفرقا ما لم توقف أو توطأ، وإن قال لها: إذا جاء غد فقد خيرتك، وقفت
الآن فتقضي أو ترد، وإن وطئها قبل غد فلا شيء بيدها. (1)
1589 - وإن قال لأجنبية: يوم أتزوجك فاختاري، فتزوجها فلها أن تختار، وإن
قال لها: كلما تزوجتك فلك الخيار أو فأنت طالق، فالخيار لها والطلاق واقع
عليها كلما تزوجها وإن نكحها بعد ثلاث تطليقات، لقوله كلما.
1590 - وإن قال لامرأته: إذا قدم فلان فاختاري، فذلك لها إذا قدم ولا يحال
بينه وبين وطئها، وإن وطئها الزوج بعد قدوم فلان ولم تعلم المرأة بقدومه
إلا بعد زمان، فلها أن تختار حين تعلم. وإن خيرها ثم خاف أن تختار نفسها
فأعطاها ألف درهم على أن تختاره، لزمته الألف إن اختارته.
1591 - وكذلك إن شرط في عقد نكاحها أنه إن تسرر عليها فأمرها بيدها ففعل،
فأرادت أن تطلق نفسها، فقال لها: لا تفعلي ولك ألف درهم، فرضيت بذلك لزمته
الألف. وإن خيرها فقالت: قد اخترت نفسي إن دخلت على ضرتي، فإنها توقف
فتختار أو تترك.
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/126) ، والتقييد (3/19) .
(2/290)
1592 - وإن خيرها قبل البناء فقالت: قد
اخترت نفسي أو طلقت نفسي ثلاثاً، أو قالت له: قد خليت سبيلك، تريد الثلاث
فله أن يناكرها. فإن قال [لها] : لم أرد بذلك إلا واحدة، صدق، لأن الواحدة
تبينها، والخيار والتمليك فيها سواء، فإن لم تكن له نية حين خيرها فهي ثلاث
ولا يناكرها. وإن ملكها قبل البناء أو بعده ولا نية فالقضاء ما قضت، ولا
مناكرة له إلا أن تكون له نية فله ذلك، ويحلف على ما نوى.
1593 - قال مالك: وإن خيرها أو ملكها فذلك لها ما دامت في مجلسها، وإن
تفرقا فلا شيء لها، وإن وثب حين ملكها يريد قطع ذلك عليها لم ينفعه، وحد
ذلك إذا قعد معها قدر ما يرى الناس أنها تختار في مثله ولم يقم فراراً، فلا
خيار لها بعد ذلك. وقال في باب بعد هذا: إذا طال المجلس وذهب عامة النهار
وعلم أنهما قد تركا ذلك أو قد خرجا مما كانا فيه [إلى غيره] ، فلا قضاء
لها، ثم رجع مالك إلى أن ذلك بيدها حتى توقف أو توطأ، قالت في المجلس: قد
(2/291)
قبلت، أو لم تقل.
وأخذ ابن القاسم بقوله الأول.
1594 -[قال ابن القاسم] فإن قال لها: أنت طالق إن شئت، فكأنه تفويض وذلك
بيدها وإن افترقا ما لم توطأ، وأرى أن توقف فتقضي أوترد، وإن قال لها:
اختاريني أو اختاري نفسك، [فقالت: قد اخترت نفسي] ، فقال: لم أرد الطلاق
وإنما أردت أن تختاري أي ثوب اشتريه لك، فإن تقدم كلام يدل على ذلك فذلك له
ويدين، وإلا فهو البتات، وإن قالت: قد طلقت نفسي، سئلت: أي الطلاق؟ فإن كان
ثلاثاً لزمه ولا مناكرة له [عليها] ، وإن كان أقل لم يلزمه.
(2/292)
وإن قالت: قد فعلت أو قبلت أمري، أو اخترت
أو اخترت أمري، سئلت ما أرادت بذلك؟، فإن قالت: لم أرد به الطلاق، صُدّقت،
وإن أرادت به طلاقاً دون البتات لم يلزمه، وإن أرادت البتات لزم ولا مناكرة
له، وتُسأل المرأة في جوابها بماله وجوه تتصرف ما أرادت به في خيار أو
تمليك؟ إلا أنه يناكرها في التمليك خاصة إن ادعى نية ويُحلّف على ما نوى،
فإن لم تكن له نية حين ملكها فقضت بالثلاث لزمه، ولا مناكرة له.
1595 - وإذا أجابت بألفاظ ظاهرة المعاني، كقولها: اخترت نفسي، أو قبلت
نفسي، أو طلقت نفسي منك ثلاثاً، أو طلقتك [ثلاثاً] ، أو بنت منك [أو بنت
مني] ، [أو حرمت عليك، أو حرمت علي، أو برئت منك، أو برئت مني] ونحو هذا،
فهو البتات، ولا تُسأل فيه المرأة عن نيتها في خيار ولا تمليك، إلا أن
للزوج أن يناكرها في التمليك على ما وصفنا. (1)
1596 -[قال مالك:] وإن قال لها: اختاري أباك أو أمك، أو كانت تكثر التردد
إلى الحمام أو الغرفة، فقال لها: اختاريني أو اختاري الحمام أو الغرفة، فإن
لم يرد بذلك طلاقاً فلا شيء عليه، وإن أراد به الطلاق فهو الطلاق.
_________
(1) انظر: كفاية الطالب (2/129) ، وحاشية الدسوقي (2/413) ، والتاج
والإكليل (4/94) .
(2/293)
1597 - قال ابن القاسم: ومعنى قوله إن أراد
به الطلاق [فهو الطلاق] : إنما ذلك إذا اختارت الشيء الذي خيرها فيه بمنزلة
ما لو خيرها نفسها فإن لم تختر ذلك فلا شيء لها.
1598 - ومن قال لرجل: خيّر امرأتي، فسمعته المرأة فاختارت نفسها قبل أن
يخيرها، فذلك لازم إن جعله رسولاً، وإن أراد تفويضه إليه كقوله: خيرها إن
شئت أو بكلام دل به على ذلك، فلا خيار لها حتى يخيرها الرجل. وإن أشهد أنه
قد خير امرأته ثم ذهب فوطئها قبل أن تعلم فلها الخيار إذا علمت، ويعاقب
الزوج في فعله، كما لو شرط لها إن تزوج عليها أو تسرر فأمرها بيدها، ثم فعل
ذلك وهي لا تعلم، لم ينبغ له أن يطأها حتى يعلمها فتقضي أو تترك، وإن وطئها
قبل أن تعلم فلها الخيار إذا علمت، [وكذلك الأمة تعتق تحت عبد، لها أن
تمنعه من وطئها حتى تختار، فإن وطئها قبل أن تعلم فلها الخيار إذا علمت] ،
فإن أمكنته بعد العلم فلا خيار لها.
1599 -[قال مالك:] وإن قال لها: أمرك بيدك، فطلقت نفسها واحدة فهي
(2/294)
واحدة، فإن قال الزوج: إنما أردت أن تطلق
نفسها ثلاثاً، أو تقيم فالواحدة تلزمه ولا قول له، وإن قالت: طلقت نفسي
البتة، أو اخترت نفسي، أو قبلت نفسي، فهي ثلاث إلا أن يناكرها مكانه
فيُحلّف ويلزمه ما نوى من واحدة أو أكثر، ولا تسأل ههنا كم أرادت من
الطلاق، لأنها قد بينت وليس لها أن تقول هذه الألفاظ أردت دون الثلاث. وإن
قالت: قد قبلت [أو قبلت] أمري أو طلقت نفسي، سُئلت عن نيتها؟ فيلزم ما نوت
إلا أن يناكرها الزوج فيما زادت على الواحدة، فإن جهلوا سؤالها في المجلس
حتى مضى شهر أو شهران ثم سألوها فقالت: أردت ثلاثاً، فللزوج مناكرتها فيما
زاد على الواحدة. وإن قالت: لم أرد بقولي قبلت أو قبلت أمري طلاقاً صدقت
وكان لها أن تطلق نفسها الآن أو ترد، وإن كان بعد شهرين، لأن قبولها ما جعل
لها لا يزيله من يدها إلا إيقاف من إمام أو تترك [هي] ذلك أو توطأ طوعاً،
وإن وطئت كرهاً فهي على أمرها، وإن قال لها: قد ملكتك الثلاث، فقالت: أنا
طالق ثلاثاً، فذلك لها.
1600 - وإن قال لها: أمرك بيدك إذا جاء غد، فذلك وقت، بخلاف قوله: إذا قدم
(2/295)
فلان، وإن قال لها: أمرك بيدك أمرك بيدك
[أمرك بيدك] ، فطلقت نفسها ثلاثاً سُئل الزوج عما أراد، فإن نوى واحدة
حُلّف وكانت واحدة، وإن أراد الثلاث فهي الثلاث، وإن لم تكن له نية فالقضاء
ما قضت من واحدة فأكثر، ولا مناكرة له. وإن قال لها: أمرك بيدك، وأراد
ثلاثاً، فطلقت نفسها واحدة، فذلك لها وتلزمه طلقة وله الرجعة.
1601 - وإن قال لها: أمرك في أن تطلقي نفسك ثلاثاً، أو قال لها: طلقي نفسك
ثلاثاً فطلقت نفسها واحدة لم يلزم كالخيار. وإن ملكها في تطليقتين فقضت
بواحدة لزمته طلقة إلا أن يريد معنى الخيار في أن تطلقي [نفسك] اثنتين أو
تدّعي.
1602 - وإن قال لها: أمرك بيدك، وكرر ذلك ثلاث مرات ينوي بالتكرار ثلاثاً،
فقالت: طلقت نفسي واحدة، أو ملكها مرة ونوى الثلاث أو لا نية له حين ملكها
فقضت بتطليقة أنها واحدة وله الرجعة. وإن ملكها ولا نية له فقالت: [قد]
حرمت نفسي أو بتت نفسي أو أبنت نفسي، فهي ثلاث.
(2/296)
1603 - وإن قال لها: أمرك بيدك، ثم قال لها
أيضاً قبل أن تقضي: أمرك بيدك على ألف درهم، فلها القضاء بالقول الأول بلا
غرم، كالقائل لزوجته: إن أذنت لك أمك فأنت طالق البتة، ثم قال لها بعد ذلك:
إن أذنت لك [إليها] ، إلا أن يقضي [به] علي سلطان فأنت طالق [ثلاثاً] ،
فالقول الثاني منه ندم والأول يلزمه.
وإن ملكها قبل البناء ولانية له فطلقت نفسها واحدة ثم واحدة ثم واحدة، فإن
نسقتهن لزمته الثلاث، إلا أن تنوي هي واحدة كطلاقه إياها إذا كان نسقاً قبل
البناء، وإن ملكها قبل البناء أو بعده فقالت: قد خليت سبيلك، فإن نوت بذلك
واحدة أو اثنتين [أو ثلاثاً] لزمه ذلك، إلا أن يناكرها فيما زاد على
الواحدة، ويحلف إن ادعى نية، فإن لم تنو هي شيئاً فهي ثلاث، إلا أن تكون
للزوج نية فله ما نوى مع يمينه.
1604 - وإن ملّك أمر امرأته رجلين لم يجز طلاق أحدهما دون الآخر، إلا أن
يكونا رسولين كالوكيلين في البيع والشراء، ولو كان أمة فملكها ولا نية له
أو نوى الثلاث فقضت بالثلاث فهي ثلاث، لأن طلاق الحر الأمة ثلاث، ولو كان
عبداً لزمته طلقتان، لأن ذلك جميع طلاقه.
(2/297)
1605 - قيل: فإن قال لها: حياك الله، يريد
بذلك التمليك، أو: لا مرحباً، يريد بذلك الإيلاء أو الظهار. [قال] : قال
مالك: كل كلام ينوي به الطلاق فهي طالق، وكذلك هذا.
1606 - وإن قال لها: طلقي نفسك أو طلاقك بيدك، فذلك كالتمليك إن طلقت نفسها
ثلاثاً أو قضت بالبتات، فإن قال الزوج: أردت واحدة، فالقول قوله غذا ردّ
عليها مكانه ويحلف وإلا فالقضاء ما قضت. ولو قال لها: طلقي نفسك فقالت:
اخترت نفسي، أو حرّمت نفسي، أو بتت نفسي، أو برئت منك، أو أنا بائنة منك،
فذلك كله ثلاث إن لم يناكرها في مجلسه، وله مناكرتها مكانه فيما زاد على
الواحدة إن ادعى نية ويحلف.
1607 - وإن قال لها: أنت طالق [ثلاثاً] إن شئت، فذلك كالخيار ولا تلزمه
الواحدة إن قضت بها، وإن قال [لها] ، أنت طالق واحدة إن شئت،
(2/298)
فقالت: قد شئت ثلاثاً، لزمته واحدة، وإن
قال: طالق كلما شئت فلها أن تقضي مرة بعد مرة، ولا يزول ما بيدها إلا أن
ترد ذلك، أو توطأ طوعاً، أو توقف، فلا قضاء لها بعد ذلك، [كما لو قال لها:
أمرك بيدك إلى سنة، فتركت ذلك عند سلطان أو غيره، فلا قضاء لها بعد ذلك] .
وإن ملكها إلى أجل فلها أن تقضي مكانها، وإن قال لها: أنت طالق غداً إن
شئت، فقالت: أنا طالق الساعة، أو قال لها: أنت طالق الساعة - إن شئت -
فقالت: أنا طالق غداً، وقع الطلاق فيهما جميعاً الساعة، وكذلك من ملك
امرأته فقضت بالطلاق إلى أجل فهي طالق مكانها، وإن قال لها: إن دخلت الدار
فأنت طالق، فردت ذلك فلا ردّ لها، لأن هذا يمين متى دخلت وقع الطلاق، بخلاف
قوله: أنت طالق كلما شئت، لأن هذا غير يمين وهو من وجه التمليك.
1608 - وإن قال لها: أمرك بيدك، ثم قال لها: أنت طالق، فإن قضت بواحدة
لزمته طلقتان، وإن قضت بالثلاث فله أن يناكرها إن كانت له نية أنه ما
ملّكها إلا واحدة وتكون اثنتين. وإن خيّرها أو ملكها فلم تقض حتى طلقها
ثلاثاً أو واحدة، ثم نكحها بعد زوج أو بعد عدتها من الطلقة فلا قضاء لها،
لأن هذا ملك مستأنف.
(2/299)
1609 - وإذا ملكها أمرها أو ملّك أمرها
لأجنبي ثم بدا له، فليس له ذلك، والأمر إليهما، فإن قاما من المجلس قبل أن
تقضي المرأة أو الأجنبي فلا شيء لهما بعد ذلك في قول مالك الأول، وبه أخذ
ابن القاسم، ولهما ذلك في قوله الآخر ما لم يوقفا أو توطأ الزوجة، وإن خلى
هذا الأجنبي بينها وبين زوجها وأمكنه منها زال ما بيده من أمرها، فإن جعل
أمرها بيد رجل يطلق متى شاء فلم يطلق حتى وطئها الزوج، زال ما بيد الرجل،
فإن لم يطأ الزوج حتى مرض فطلقها الوكيل في مرض الزوج لزمه الطلاق وترثه
كما ترثه المفتدية في مرضه، والتي قال لها في صحته: إن دخلت دار فلان فأنت
طالق البتة، فدخلتها وهو مريض فإنها ترثه.
1610 - وإن شرط لها في عقد النكاح إن تزوج عليها فأمرها بيدها فتزوج فقضت
بالثلاث فلا مناكرة له، وإن كان تبرع بهذا الشرط بعد العقد فله أن يناكرها
فيما زاد على الواحدة إن ادعى نية ويحلف.
(2/300)
1611 -[قال مالك:] وإن قال لها: أمرك بيدك
إلى سنة، فإنها توقف متى [ما] علم بذلك ولا تترك تحته، وأمرها بيدها حتى
توقف فتقضي أو ترد.
1612 - قال ابن القاسم: وكذلك إن قال لها: إن أعطيتني ألف درهم فأنت طالق،
فإنها توقف الآن فتقضي أو ترد، إلا أن يطأها في الوجهين وهي طائعة، فيزول
ما بيدها ولا توقف.
1613 - وإن قال لها قبل البناء أو بعده: أنت علي حرام، فهي ثلاث، ولا ينوى
في المدخول بها، وله نيته في التي لم يدخل بها في واحدة فأكثر، وإن قال:
أردت بذلك الظهار لم يصدق. وإن قال لها: أنت طالق البتة، فهي ثلاث، وإن
قال: أردت واحدة، لم يقبل منه قبل البناء ولا بعده.
ويؤخذ الناس بما لفظت به ألسنتهم [من أمر الطلاق] .
1615 - قال ابن القاسم: ولا يدين في الطلاق.
(2/301)
1616 - وإن قال لها: برئت مني أو بنت مني
أو أنت خلية، وقال: لم أرد بذلك طلاقاً، فإن تقدم كلام يكون هذا جوابه،
[يدل] على أنه لم يرد به الطلاق، وإلا فقد بانت منه إذا كان كلاماً مبتدأ،
وإن قال: أردت بذلك الظهار، لم يصدق، وإن قال: كل حلال علي حرام، فلا يلزمه
وإن نوى عموم التحريم، إلا في زوجاته، نواهن حين تكلم بذلك أم لا، وبنّ
منه، إلا أن يحاشيهن بقلبه أو بلسانه فيكون ذلك له، وينوى، ولا شيء عليه في
غيرهن مما حرم من ماله أو أمهات أولاده، أو ليس ثياب أو طعام أو غيره، ولا
تلزمه كفارة يمين، [وإن نوى به اليمين] .
وقال ربيعة: من قال: الحلال علي حرام، فهي يمين إذا حلف أنه لم يرد امرأته،
ولو أفردها كانت طالقاً البتة، وقاله ابن شهاب، إلا أنه لم يجعل فيها
يميناً، وقال: ينكل على أيمان اللبس، وقال زيد بن أسلم: إنما كفّر النبي ÷
(2/302)
[يمينه] في قوله لجاريته أم إبراهيم:
"والله لا أطؤك" لا في قوله لها بعد ذلك: "أنت علي حرام". (1)
1617 - وإن قال لها: قد حرمتك علي، أو حرمت نفسي عليك فهو سواء، وإن قال
لها: قد طلقتك، أو أنا طالق منك، فهو سواء، وهي طالق، وإن قال لها: أنت علي
حرام ثم قال: لم أرد بذلك الطلاق إنما أردت الكذب، فالتحريم يلزمه ولا
ينوى.
1618 - قال ابن القاسم: وقد سئل مالك - رحمه الله - عن ما يشبه هذا فلم
يجعل له نية، [وأخبرني] من أثق به أن مالكاً سئل عن رجل لاعب امرأته فأخذت
بفرجه على وجه التلذذ فنهاها فأبت، فقال لها: هو عليك حرام، وقال: أردت أن
أحرم أن تمسه ولم أرد [بذلك] تحريم امرأتي، فتوقف فيها مالك وتخوف أن يكون
حنث فيها. ورأى غيره من أهل المدينة أن التحريم يلزمه، وهذا أخف
_________
(1) رواه مالك في المدونة (5/395) ، والحاكم (2/493) ، والدارقطني (3/42) ،
وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(2/303)
عندي ممن نوى الكذب في التحريم، ولم أقل لك
إن التحريم يلزم صاحب الفرج.
1619 -[وإن قال لها: أنت علي كالميتة، أو كالدم، أو كلحم الخنزير فهو ثلاث،
وإن لم ينو به الطلاق] .
(2/304)
1620 - وإن قال لها: حبلك على غاربك فهي
ثلاث ولا ينوّى.
1621 - وإن قال لها: أنت خلية أو برية أو بائنة، قال: مني أو أنا منك، أو
لم يقل، أو [قال] : وهبتك أو رددتك إلى أهلك، قال عبد العزيز: أو إلى أبيك،
فذلك في المدخول بها ثلاث، ولا ينوى في دونها قبل الموهوبة أهلها، أو
ردوها، وله نيته في ذلك كله إن لم يدخل بها في واحدة [فأكثر منها، وإن لم
يكن له نية فذلك ثلاث فيهن.
1622 - وقال ربيعة في البرية والخلية والبائنة: إنها ثلاث في المدخول بها،
وإن لم يدخل بها فهي واحدة] .
قال ابن القاسم: وأما قوله: أنا منك بات، أو أنت [مني] باتة، فلا ينوى قبل
البناء ولا بعده أنه أراد واحدة وتلزمه ثلاث، وإن قال لها: أنا خلي أو بري
أو بائن أو بات، قال: منك، أو لم يقل، أو قال: أنت خلية أو برية أو بائنة،
قال: مني، أو لم يقل، إلا أنه قال في هذا كله: لم أرد به طلاقاً، فإن تقدم
كلام من غير الطلاق يكون هذا جوابه فلا شيء عليه
(2/305)
ويديّن، وإلا لزمه ذلك ولا تنفعه نيته. وإن
قال لها بعد البناء: أنت طالق واحدة بائنة فهي ثلاث، وكذلك إن قال لها:
التحقي أو استبرئي أو ادخلي أو اخرجي، يريد بقوله واحدة بائنة فهي ثلاث.
1623 - وإن قالت له: أود لو فرّج الله لي من صحبتك، فقال لها: أنت بائن أو
خلية أو برية أو بائنة، أو قال: أنا منك بريء أو خلي أو بائن أو بات، ثم
قال: لم أرد به الطلاق وأردت بالبائن فرجة بيننا، لزمه الطلاق ولا ينوى،
كما لو سألته الطلاق فقال لها: أنت بائن، ثم قال: لم أرد الطلاق فلا يصدق،
لأنه جواب لسؤالها.
1624 - وإن قال لها: قد خليت سبيلك وقد بنى أو لم يبن فله نيته في واحدة
فأكثر منها فإن لم تكن له نية فهي ثلاث.
1625 - قال ابن وهب عن مالك: وقوله: قد خليت سبيلك، كقوله: قد فارقتك، وإن
قال لها: اعتدي اعتدي اعتدي، أو قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق نسقاً،
فهي ثلاث إلا أن ينوي واحدة بنى بها أم لا، وإن قال لها: أنت طالق
(2/306)
اعتدي، [لزمته طلقتان] إلا أن ينوي إعلامها
أن عليها العدة فتلزمه واحدة، وإن قال لها كلاماً مبتدأ: اعتدي، لزمه
الطلاق، ويسأل عن نيته كم نوى؟ واحدة أو أكثر؟، فإن لم تكن له نية فهي
واحدة، وإن لم يرد به الطلاق وكان جواباً لكلام قبله كدراهم تعتدها ونحوه
فلا شيء عليه، وإن قال لها: إلحقي بأهلك، ولم ينو طلاقاً فلا شيء عليه، وإن
نوى طلاقاً فهي ما نوى من واحدة فأكثر، وكذلك لو قال لها: يا فلانة، أو أنت
حرة، أو اخرجي، أو تقنعي، أو خزاك الله، أو كلي، أو اشربي، أو كلاماً ليس
من ألفاظ الطلاق، فلا شيء عليه إلا أن يريد بذلك الطلاق، فيلزمه ما نوى من
واحدة فأكثر، فأما إن أراد أن يلفظ بأحرف الطلاق فلفظ [بما ليس من ألفاظ
الطلاق] غلطاً فلا شيء عليه حتى ينوي أنها بما يلفظ به طالق، فيلزمه ما
ذكرنا.
وإن قال لها: يا أمة يا أخت أو يا عمة أو يا خالة، فلا شي ءعليه وذلك من
كلام [أهل] السفه.
1626 - ومن خطب إلى رجل فقال: هي أختك من الرضاعة، ثم قال بعد ذلك: والله
ما كنت إلا كاذباً، فلا يتزوجها.
(2/307)
1627 - وإن قال: حكمة طالق، وله زوجة
وجارية تسميان كذلك، فقال: نويت الجارية، فإن كانت عليه بينة لم يقبل منه،
وله ذلك في الفتيا.
1628 - ولو حلف لسلطان طائعاً بطلاق امرأته في أمر كذب فيه، وقال: نويت
امرأتي الميتة، فلا يُنوّى في قضاء ولا فتيا، لأنه قال: امرأتي، وتطلق
امرأته، [قال مالك:] وإن قال لزوجته: أنت طالق البتة، فقال: والله ما أردت
بقولي ألبتة [طلاقها] ، وإنما أردت واحدة، فزل لساني لفلظت بالبتة، فهي
ثلاث.
قال سحنون: وهذا الذي قال: البتة، قد كان عليه بينة فلذلك لم ينوه مالك.
قال ابن القاسم: وإن قال لها: أنت طالق، وقال: نويت من وثاق ولم أرد الطلاق
ولا بينة عليه وجاء مستفتياً، فهي طالق، كما لو قال لها كلاماً مبتدأ: أنت
برية، ولم ينو به الطلاق، فهي طالق.
1629 - قال مالك - رحمه الله -: ويؤخذ الناس في الطلاق بألفاظهم، ولا
تنفعهم نياتهم
(2/308)
في ذلك، إلا أن يكون جواباً لكلام كان
قبله.
1630 - وإن قال لها: أنت طالق تطليقة، ينوي بها أن لا رجعة لي عليك فيها،
فله الرجعة، وقوله: لا رجعة لي عليك ونيته، باطل، إلا أن ينوي بقوله: لا
رجعة لي عليك البتات. وإن قال لها: أنت طالق، ونوى اثنتين أو ثلاثاً فهو ما
نوى، وإن لم ينو شيئاً فهي واحدة، وإن أراد أن يطلق ثلاثاً أو يحلف بها
فقال: أنت طالق، ثم سكت عن ذكر الثلاث وتمادى في يمينه، فإن كان حالفاً فهي
واحدة إلا أن يريد بلفظه أنت طالق الثلاث فتكون ثلاثاً، ولو أخذ ليحلف على
شيء فلما قال: طالق ثلاثاً، بدا له فصمت فلا شيء عليه، وإن قال لها: أنت
طالق الطلاق كله، فهي الثلاث.
(2/309)
1631 - وإن قال لها: لست لي بامرأة، أو
[قال:] ما أنت لي بامرأة أو لم أتزوجك، أو قال له رجل: ألك امرأة؟ فقال:
لا، فلا شيء عليه في ذلك إلا أن ينوي به الطلاق، وإن قال لها: لا نكاح بيني
وبينك، أو لا ملك لي عليك أو لا سبيل لي عليك، فلا شيء عليه إذا كان الكلام
عتاباً، إلا أن ينوي بقوله هذا الطلاق.
قال ابن شهاب: وإن قال لها: انت سائبة أو مني عتيقة أو ليس بيني وبينك حلال
ولا حرام، فليحلف ما أراد بذلك طلاقاً ويدين، فإن نكل وزعم أنه أراد [به]
طلاقاً، كان ما أراد من الطلاق ويحلف على ذلك، وينكل من قال مثل هذا عقوبة
موجعة، لأنه لبّس على نفسه وعلى حكام المسلمين، وقال القاسم بن محمد في عبد
تحته امرأة فكلمه أهلها فيها، فقال: شأنكم بها، فرأى الناس ذلك طلاقاً.
قال ربيعة: وإن قال لها: لا سبيل لي عليك، دُيّن، وكذلك إن قال لها: لا
تحلين لي، يدين، لأنه إن شاء قال: أردت الظهار أو اليمين.
قال عطاء بن أبي رباح: ومن قال: والله مالي امرأة فهي كذبة.
(2/310)
قال ابن شهاب: وإن قال لها: أنت السراح،
فهي واحدة إلا أن يريد بذلك بتّ الطلاق، وقال جماعة من الصحابة رضوان الله
عليهم في البتة والحرام والخلية والبرية والبائنة: إنها ثلاث (1) . انتهى.
* * *
_________
(1) كابن عمر والإمام علي وربيعة ويحيى بن سعيد وأبي الزناد وعمر بن عبد
العزيز. وانظر: المدونة لمالك (5/402) ، وفتح الباري (9/370) ، واختلاف
العلماء (1/197) ، ومختصره (2/421) ، وسنن البيهقي (7/343) .
(2/311)
|