التهذيب في اختصار المدونة

 (كتاب إرخاء الستور)
1758 -[قال مالك:] و [من] دخل بامرأته وأرخى الستر ثم طلق، فقال: لم أمسها وصدقته، فلها نصف الصداق وعليها العدة ولا رجعة له.
وكذلك إن تصادقا أنه قبّل أو باشر أو جرد أو وطئ دون الفرج إلا أن يطول مكته معها يتلذذ بها، قال مالك: فأرى لها جميع الصداق. [وقال] أُناس: لها نصفه.
وإن قالت: قد وطئني صدقت، كان الدخول عنده أو عندها إذا كان دخول

(2/373)


اهتداء، وعليه الصداق كاملاً.
وإن خلا بها في بيت أهلها قبل دخول البناء، صدق في إنكاره الوطء ولها نصف الصداق.
وإن أقرّ هاهنا بالوطء فأكذبته فلها أخذ جميع الصداق بإقراره أو نصفه، ولا بد لها من العدة للخلوة، ولا رجعة له، ولو كان معها نساء حين قبّل وانصرف بمحضرهن، فلا عدة عليها ولها نصف الصداق.
1759 - وإن أقر بالوطء بعد أن طلق ولا يعلم له بها خلوة، فلا عدة عليها ولها أخذه بالصداق كاملاً أو بنصفه.
وكذلك إن خلا بها ومعها نسوة ثم طلقها فادعى الوطء وأكذبته، فلا عدة عليها.
1760 - وإن دخل بها وهي محرمة أو حائض أو في نهار رمضان فاختلفا في الوطء، فالقول فيه كالقول في الوطء الصحيح في وجوب جميع الصداق بدعواها.

(2/374)


[وكذلك] المغصوبة تُحمل بمعاينة بينة، ثم تخرج فتقول: وطئني غصباً، وهو ينكر، فلها الصداق ولا حد عليه، [وإذا صدقت الزوجة في دعوى الوطء وأخذت جميع الصداق فلا يحلها ذلك لزوج كان طلقها البتة] ، قاله مالك، وقال [ابن القاسم] : [وأنا أرى أن] يدين ويخلى بينها وبين نكاحه، [وأخاف] أن يكون هذا من الذي طلقها ضرراً منه بها في نكاحها. ولو مات الزوج بعد البناء بيوم عن غير مناكرة ومثله يطأ، فادعت الوطء كان أبين في إحلالها.
1761 - قيل: فمن طلق امرأته تطليقة يملك الرجعة فيها، ثم قبلها في عدتها أو لامس لشهوة أو جامع في الفرج [أو فيما دون الفرج] ، أو جردها أو نظر إليها أو إلى فرجها، أيكون [ذلك رجعة] ؟، قال: [قال مالك] وعبد العزيز: إن وطئها في العدة ينوي بذلك

(2/375)


الرجعة وجهل أن يُشهد فهي رجعة، وإن لم ينو ذلك فليست برجعة.
1762 -[ومن] طلق فليُشهد على طلاقه وعلى رجعته، [قال مالك] في التي منعته نفسها وقد ارتجع حتى يشهد: قد أصابت، وإن قال لها: قد ارتجعتك، ولم يُشهد فهي رجعة، ويشهد فيما يُستقبل، فإن أشهد قبل انقضاء العدة فهي رجعة، وإن أشهد بعد انقضائها فليست برجعة وإن صدقته، إلا أن يعلم أنه كان يخلو بها ويبيت معها.
1763 - وإن قال لها: قد ارتجعتك، ثم قال: لم أرد بقولي رجعة وإنما كنت لاعباً، لزمته الرجعة إن كانت في عدتها، وإن انقضت عدتها فلا رجعة له إلا أن تقوم على ذلك بينة.
1764 - وإن قال لها في العدة: كنت ارتجعتك أمس، صُدّق وإن كذبته، لأن ذلك بعد مراجعة الساعة، قال مالك وغيره: وأما إن قال لها: إذا كان غداً فقد راجعتك

(2/376)


لم تكن هذه رجعة.
1765 - وإن قال لها بعد العدة: كنت راجعتك في العدة فصدقته أو كذبته لم يُصدق ولا رجعة له إلا ببينة، أو يعلم أنه كان يدخل عليها في العدة ويبيت عندها فيُقبل قوله وإن أكذبته، وإقرارها له بالمراجعة بعد العدة داعية إلى إجازة نكاح بغير صداق ولا ولي.
1766 - وإن أقام بينة بعد العدة أنه أقر بالوطء في العدة، فهي رجعة إن ادعى أن وطأه إياها أراد به الرجعة.
وإن قال لها بعد العدة: كنت راجعتك في العدة، فأكذبته وهي أمة وصدقه السيد فلا يقبل ذلك إلا بشاهدين سوى السيد، إذ لا تجوز شهادته على نكاح أمته ولا رجعتها.
1767 - وترتجع الحامل ما بقي في بطنها ولد، وغير الحامل ما لم تر أول دم الحيضة الثالثة، فإذا رأته فقد مضت الثلاثة الأقراء، والأقراء هي الأطهار، قال

(2/377)


أشهب: وأحب إلي أن لا تنكح حتى تستمر الحيضة، لأنها ربما رأت الدم ساعة ويوماً ثم ينقطع عنها فيعلم أن ذلك ليس بحيض.
فإذا رأت امرأة هذا في الحيضة الثالثة فلترجع إلى بيتها والعدة قائمة ولزوجها الرجعة حتى تعود إليها حيضة صحيحة مستقيمة.
وإن قال لمعتدة: قد ارتجعتك، فأجابته نسقاً لكلامه: قد انقضت عدتي، فإن مضت مدة تنقضي في مثلها صدقت بغير يمين وإلا لم تصدق.
وقضى أبان بن عثمان في مطلقة ادعت بعد خمسة وأربعين يوماً أن عدتها قد انقضت، أنها مصدقة وتحلف. وليس العمل على أن تحلف إذا ادعت فيما تحيض في مثله.

(2/378)


وإن أشهد على رجعتها فمضت، ثم ادعت بعد يوم أو أقل أن العدة قد انقضت قبل رجعتها، لم تصدق وثبتت الرجعة.
1768 - وإن قالت المعدة: [قد دخلت] في دم الحيضة الثالثة، ثم قالت: كنت كاذبة، ونظرها النساء فلم يرين حيضاً لم ينظر إلى قولهن، وبانت بأول قولها إن مضت مدة تنقضي في مثلها العدة، فإن ادعت أنها أسقطت فذلك لا يخفى عن جيرانها، ولكن الشأن تصديقها بغير يمين وإن بعد يوم من طلاقه أو أقل أو أكثر، ولا ينظر إلى الجيران، لأنهن مأمونات على فروجهن، ولو رجعت فقالت: كنت كاذبة، لم تصدق وبانت بأول قولها، لأن ذلك داعية إلى إجازة نكاح بغير صداق ولا ولي، وتنقضي العدة بما أسقطت المرأة مما يعلم النساء أنه ولد من مضغة أو علقة وتكون به الأمة أم ولد، وإذا قالت المطلقة: حضت ثلاث حيض في شهر، سئل النساء فإن أمكن ذلك عندهن صدقت، قال أشهب: وإن قالت: [حضت] ثلاث حيض في شهرين، فقال لها الزوج: قد قلت بالأمس أو قبله إنك لم تحيضي شيئاً، فصدقته لم يقبل قولها الثاني إلا أن يقيم الزوج بينة أنها قالت ذلك، فتكون له الرجعة إن لم يمض من يوم القول ما تحيض فيه ثلاث حيض.
وإن مضى ذلك فلا رجعة له، وإن رجعت عن قولها أنها ما حاضت ثلاث حيض.
1769 - قال ابن القاسم: وإن طلقها قبل أن يُعلم له بها خلوة، ثم أراد ارتجاعها وادعى

(2/379)


الوطء وأكذبته، فأقام بينة على إقراره قبل الفراق بوطئها لم ينتفع بذلك ولا رجعة له وإن صدقته، إذ ليس له بناء معلوم، ولتعتد إن صدقته ولها عليه السكنى والنفقة، وإن لم تصدقه فلا عدة عليها ولا نفقة [لها ولا كسوة. وكذلك] إن أقام بينة على إقرارهما بذلك قبل الفراق فلا يصدقان، وعليها العدة ولا رجعة له، ولها النفقة والكسوة حتى تنقضي عدتها ولا يتوارثان.
1770 - ولكل مطلقة المتعة، طلقت واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً، إلا المطلقة قبل البناء وقد سمى لها، فحسبها نصفه ولا متعة لها، وإن لم يسم لها فليس لها إلا المتعة، وإن كانت مدخولاً بها وقد سمى لها في أصل النكاح مهراً أخذته مع المتعة، وإن لم يسم أخذت صداق مثلها مع المتعة، ولا متعة للمختلعة ولا للمصالحة ولا للمفتدية ولا للملاعنة ولا للأمة تعتق فتختار نفسها، دخل بهن أم لا، سمى لهن صداقاً أم لا. (1)
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (4/105) ، وبداية المجتهد (4/105) .

(2/380)


وعلى العبد المتعة ولا نفقة عليه.
1771 - ومن خلا بزوجته وأرخى الستر وقد سمى لها فطلقها وقال: لم أمسها، وقالت: مسني، فالقول قولها في الصداق ولا متعة لها. وللصغيرة والأمة المدبرة والمكاتبة وأم الولد والذمية حكم الحرة المسلمة في المتعة والطلاق.
1772 -[قال مالك:] وليس للمتعة حد، ولا يجبر من أباها، لأن الله تعالى إنما جعلها حقاً على المتقين وعلى المحسنين، فلذلك خففت ولم يقض بها.
[وقال] غيره: إذا كان الزوج غير متق ولا محسن فلا شيء عليه، [قال ابن عباس] وغيره: أعلى المتعة خادم أو نفقة، وأدناها كسوة.
وقال ابن حُجيرة: على صاحب الديوان متعة ثلاثة دنانير.

(2/381)


1773 - وإذا كان النشوز من قبل المرأة جاز للزوج ما أخذ منها بالخلع وإن كان أكثر من الصداق إذا رضيت، ولم يضر بها وهي طلقة بائنة.
وإن كان لما تخاف المرأة من نشوزه أو لظلم ظلمها أو أضرّ بها، لم يجز له أخذ شيء منها، فإن أخذه رده ومضى الخلع.
1774 - ويجوز أن يأخذ منها على إمساكها أو يعطيها على أن تقيم على الأثرة عليها في القسم من نفسه وماله، ولا يأثم في الأثرة بعد ذلك.
1775 - وإن خالعها على عبد لها بعينه ولم تصفه له ولا رآه الزوج قبل ذلك، أو تزوجها على مثل هذا، ففي النكاح يفسخ قبل البناء ويثبت بعده، ولها صداق المثل.
وفي الخلع يجوز، كمن خالع على ثمر لم يبد صلاحه، أو على بعير شارد، أو عبد آبق، أو جنين في بطن أمه، أو بما تلد غنمها، أو بثمر نخلها العام، فذلك جائز والخلع لازم، وله مطالبة ذلك كله على غرره بخلاف النكاح، قال غيره: لأنه يرسل من يده بالغرر ولا يأخذه.

(2/382)


1776 - وإن خالعته على ثوب مروي ولم تصفه جاز، وله ثوب وسط من ذلك، وكذلك بدنانير أو دراهم أو عروض موصوفة إلى أجل، فجائز.
1777 - وإن خالعها على مال إلى أجل مجهول كان حالاً كمن باع إلى أجل مجهول، فالقيمة فيه حالة في فوت السلعة.
1778 - وإن خالعها على عبد على أن زادها الزوج ألف درهم جاز، بخلاف النكاح، لأنه إن كان في قيمة العبد فضل عن الألف فقد أخذت منه بضعها بذلك الفضل، وإن كانت كفافاً فهي مبارأة.
1779 - ولا بأس بالمبارأة على أن لا تعطيه ولا تأخذ منه شيئاً، وهي طلقة بائنة، وإن كانت قيمته أقل من الألف فهو كمن صالح زوجته على أن يعطيها من عنده مالاً، فالصلح جائز ولا يرجع عليها بشيء مما دفع إليها. (1)
1780 - وإن خالعها على دراهم أرته إياها فوجدها زيوفاً فله البدل كالبيع، وإن كان على عبد بعينه فاستُحق رجع بقيمته كالنكاح به.
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (4/24) .

(2/383)


1781 - وكل حامل بانت من زوجها ببتات أو خلع أو غيره وقد علم بحملها أم لا، فإن لم يتبرأ من نفقة حملها فلها النفقة بالحمل والسكنى والكسوة، وليس لنفقتها حد، وهي على قدر يسره وعسره. وإن اتسع أخدمها، فإن مات قبل أن تضع حملها انقطعت نفقتها.
1782 - فإن بانت منه بما ذكرنا وهي غير حامل فلا نفقة لها ولا كسوة، ولها السكنى في العدة، ولا رجعة له عليها ولا يتوارثان.
1783 - وإن كان طلاقاً فيه رجعة فلها النفقة والكسوة والسكنى، كانت حاملاً أم لا، ويتوارثان ما لم تنقض العدة.
1784 -[ومن] وكل من يصالح عنه زوجته لزمه صلح الوكيل في غيبته، وإن وكل بذلك رجلين فخالعها أحدهما لم يجز إلا باجتماعهما، كما لو وكلهما على بيع أو شراء، بخلاف رسولي الطلاق.
1785 - وإن صالحته أو بارأته على المتاركة، أو خالعته على أن أعطته عبداً أو مالاً وذلك قبل البناء، فليس لها أخذه بنصف الصداق، وإن قبضت جميعه ردته. وقلنا ذلك في المتاركة بغير شيء، فإذا ردّت كان أبعد من أن ترجع بشيء، وإن قالت له قبل البناء: طلقني طلقة على عشرة دنانير من صداقي ففعل، كان لها نصف ما بقي من بعد العشرة، قبضتها أو لم تقبضها.
1786 - وإن قالت له: طلقني طلقة بغير شيء، أو على عشرة دنانير، ولم تقل من

(2/384)


صداقي ففعل غرمت العشرة، إن اشترطتها، لأنها اشترت بها طلاقها، وكان لها في الوجهين نصف الصداق.
1787 - وإن قال لها: أنت طالق على عبدك هذا، فإن قبلت قبل التفرق وإلا فلا قبول لها بعد ذلك.
[قيل:] فإذا قال لها: إذا أعطيتني ألف درهم فأنت طالق ثلاثاً، هل ذلك لها متى ما أعطته؟ [قال: قال مالك:] إن قال لها: أمرك بيدك متى شئت أو إلى أجل، فأمرها بيدها إلى ذلك الأجل، إلا أن توقف قبله فتقضي أو ترد أو توطأ طوعاً، فيبطل ما بيدها ولا يكون لها أن تقضي بعد ذلك. (1)
1788 - وإن أعطته شيئاً على أن يطلق ويشرط الرجعة، أو خالعها وشرط أنها إن طلبت شيئاً عادت زوجة، أو شرط رجعتها، فشرطه باطل والخلع يلزمه، ولا رجعة له إلا بنكاح مبتدئ.
1789 - والخلع طلقة بائنة سماها أو لم يسم طلاقاً، وتعتد عدة المطلقة، وله أن ينكحها في عدتها إن تراضيا، لأن الماء ماؤه بوطء صحيح، إلا أن يتقدم له فيها طلاق يكون بهذا ثلاثاً للحر واثنين للعبد فلا تحل له إلا بعد زوج.
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/37) .

(2/385)


وإن أخذ منها شيئاً وانقلبت وقالا ذاك بذاك ولم يسميا طلاقاً فهو طلاق الخلع، [وإن سميا طلاقاً لزم ما سميا] .
1790 - وإن نوى بالخلع ثلاثاً أو اشترطت هي في الخلع أن تكون طالقاً بطلقتين [أو ثلاثاً] ، فذلك يلزم.
1791 - وإذا لم يكن لها عليه مهر ولا دين فخالعها على أن أعطاها شيئاً أو لم يعطها فذلك خلع، ولا رجعة فيه، [وروى ابن القاسم وابن وهب عن مالك فيمن طلق وأعطى أن له الرجعة وليس بخلع] . وروي عنه أنها واحدة بائنة.
وأكثر الرواة على أنها غير بائنة، لأنه إذا لم يأخذ منها فليس بخلع وهو رجل طلق وأعطى.

(2/386)


[قال] غيره: فيمن قال لمدخول بها: أنت طالق طلاق الخلع فهي البتة، لأنها لا تكون واحدة بائنة إلا بالخلع، [وقال ابن القاسم: طلقة بائنة، وقال أشهب: واحدة يملك الرجعة] . والخلع والمبارأة عند السلطان وغيره جائز.
1792 - قال مالك: وإذا خالعها على أن يكون الولد عنده فالخلع جائز وله شرطه، إلا أن يضر ذلك بالصبي ويخاف عليه إن نزع منها، مثل: أن يكون يرضع وقد علق بها فلا سبيل له إليه حتى يخرج من حد الإضرار به والخوف عليه، فيكون له حينئذ أخذه. (1)
1793 - وإن خالعها على أن لا سكنى لها عليه، فإن أراد إلزامها كراء المسكن جاز ذلك إن كان المسكن لغيره، أو كان له وسمى الكراء، وإن كان على أن تخرج من مسكنه، تم الخلع ولم تخرج، ولا كراء له عليها.
1794 - وإن كان لأحدهما على الآخر دين مؤجل فخالعها على تعجيله قبل محله جاز الخلع
_________
(1) رواه البيهقي في الكبرى (5/349، 350) ، والربيع في مسنده (1/225) ، وابن أبي شيبة في المصنف (4/327، 328) ، وعبد الرزاق (8/145) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/60) نحوه.

(2/387)


ورُدّ الدين إلى أجله، و [قيل:] إن كان الدين لها عليه، وهو عين له تعجيله قبل محله، فليس بخلع.
وهو كرجل طلق وأعطى فهي طلقة [واحدة] وله الرجعة، وإن كان الدين مما لا يعجّل إلا برضاها من عرض أو طعام فهذا خلع ولا رجعة له ويرد الدين إلى أجله ويأخذ منها ما أعطاها كما لو طلقها على أن أسلفته، لزمه الطلاق ورد السلف لنهي النبي ÷ عما جرّ نفعاً من السلف. قال [ابن

(2/388)


القاسم] : وكذلك إن صالحها على إن أخرته بدين لها عليه إلى أجل فالخلع جائز، ولها أخذه بالمال حالاً، وكل ما رددناه من مثل هذا وأجزنا الخلع، لم يرجع عليها الزوج بصداق المثل ولا غيره.
1795 - وإن خالعها على خمر، تم الخلع ولا شيء له [عليها] ، وإن قبضها أهريقت عليه، وإن خالعها على حلال وحرام، جاز منه الحلال وبطل الحرام.
1796 - وإن خالعها على أن عليها نفقة الولد ورضاعه ما دام في الحولين جاز ذلك، فإن ماتت [قبل استكمال الرضاع] كان الرضاع والنفقة في مالها، وإن مات الولد قبل الحولين فلا شيء للزوج عليها، [قال مالك:] ولم أر أحداً طلب ذلك.
1797 - وإن شرط عليها نفقة الولد بعد الحولين أمداً سمياه أو شرط عليها الزوج نفقة نفسه سنة أو سنتين، تم الخلع ولزمها نفقة الولد في الحولين فقط، ولا يلزمها ما ناف على الحولين من نفقة الولد، ولا ما شرط الزوج من نفقة نفسه، وقال المخزومي:

(2/389)


يلزمها جميع ذلك كالخلع بالغرر.
1798 - والمبارئة: التي تبارئ زوجها قبل البناء، فتقول: خذ الذي لك وتاركني.
والمختلعة: التي تختلع من كل الذي لها.
والمفتدية: التي تفتدي ببعض مالها وتحبس بعضه، وذلك كله سواء، وهي طلقة بائنة. (1)
وإن قالت له: خالعني أو طلقني أو باريني على ألف درهم أو بألف، فهو سواء.
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (5/474) ، والتمهيد لابن عبد البر (23/379) ، وموطأ مالك (2/565) ، ومنح الجليل (4/25) .

(2/390)


1799 - وإن خالعها على أن تعطيه ألف درهم، فأصابها عديمة، جاز الخلع [وتبعها] بالدراهم، إلا أن يكون إنما صالحها على أنها إن أعطته الألف تم الصلح، فلا يلزمه الصلح إلا بالدفع. و [من] قال له رجل: طلق امرأتك ولك علي ألف درهم ففعل، لزم ذلك الرجل.
1800 - وإن قالت له: بعني طلاقي بألف درهم ففعل، جاز.
1801 - وإن قالت له: اخلعني ولك ألف درهم، فقال لها: قد خالعتك، لزمتها الألف وإن لم تقل بعد قولها الأول شيئاً، وإذا أتبع الخلع طلاقاً من غير صمات نسقاً لزم، وإن كان بين ذلك صمات أو كلام يكون قطعاً لذلك، لم يلزمه الطلاق الثاني.
1802 - وإن خالعها على مال، ثم تبين [له] أنه قد أبتها قبل ذلك، أو حلف بطلاقها البتة ألا يخالعها، أو أنه قد نكحها وهو محرم، أو أنها أخته من الرضاعة، أو ما يُقرّان عليه، أو انكشف أن بالزوج جنوناً أو جذاماً، فالخلع ماض،

(2/391)


وترجع عليه بما أخذ منها، لأنها كانت أملك بفراقه، وفراقها إياه من أجل الجنون والجذام فسخ بطلاق.
وإن انكشف بعد الخلع أن بها جنوناً أو جذاماً أو برصاً كان له ما أخذ وتم الخلع، لأن له أن يقيم.
ولو تركها أيضاً بغير خلع لما غرته كان فسخاً بطلاق.
1803 - وإن قالت له: كنت طلقتني أمس على ألف درهم وقبلت، وقال الزوج: كان ذلك ولم تقبلي، فالقول قولها، وكذلك [قال مالك] في الذي ملّك امرأته [أمرها] ثم خرج فلما رجع قالت: كنت اخترت نفسي، وقال الزوج: لم تختاري، إن القول قولها، واختلف فيها بالمدينة، ومن قول [مالك] يومئذ:

(2/392)


أن لا يقضى بالتمليك إلا في المجلس.
1804 - وإن قالت له: خالعني على هذا الثوب، وقال الزوج: بل على هذا العبد، فالقول قولها، وتحلف إلا أن يأتي الزوج ببينة، وإن صالحته على شيء فيما بينهما فلما أتى بالبينة ليشهد جحدت المرأة أن تكون أعطته على ذلك شيئاً، فالخلع ثابت ولا يلزمها غير اليمين، [فإن نكلت حلف هو واستحق] ، وإن جاء الزوج بشاهد على ما يدعي حلف معه واستحق.
1805 - ويجوز للأب أو الوصي المبارأة عن الصبي، على النظر له الحظ فيما يأخذ له كيما يُنكحه نظراً، ولأنه يومئذ [ممن] لا يجوز طلاقه، ولا يلزم الصبي أن يطلقها عليه على غير الخلع وأخذ المال، وإن لم يكن للطفل اليتيم وصي فأقام له القاضي خليفة، كان كالوصي في جميع أمره، ويلزم الصبي طلقة بائنة في مبارأة أبيه أو وصيه، فإن تزوجها بعد بلوغه أو قبله ثم طلقها بعد بلوغه طلقتين، لم تحل له إلا بعد زوج، وإذا زوج الوصي يتيمه البالغ بأمره، أو زوج السيد عبده البالغ بغير

(2/393)


أمره، فذلك جائز عليه، أو زوج ابنه أو يتيمه قبل البلوغ ثم بلغ سفيهاً، لم تجز المبارأة عن أحد من هؤلاء من غير إذنه، لنه [ممن] يلزم طلاقه إن طلق، ولا يُكرهون على الطلاق.
1806 - وإذا زوج السيد عبده الصغير لم يطلق عليه إلا بشيء يأخذه له، وروى ابن نافع عن [مالك] فيمن زوج وصيفه ووصيفته ولم يبلغا أنه جائز، فإن فرق السيد بينهما على النظر والاجتهاد جاز ذلك، ما لم يبلغا. (1)
وقال ابن نافع: لا يجوز من ذلك إلا ما كان يحمل على وجه الخلع.
1807 - وللأب أن يخالع على ابنته الصغيرة وإن كان على إسقاط جميع المهر، وذلك جائز عليها. وليس للوصي او غيره أن يخالعها من زوجها، بخلاف مبارأة الوصي عن يتيمه، والفرق بينهما أن الوصي يزوج يتيمه ولا يستأمره ولا يزوج يتيمته إلا بإذنها [ورضاها] .
_________
(1) انظر: منح الجليل (4/15) ، والتقييد (2/309) ، ومواهب الجليل (4/20) ، وبداية المجتهد (2/51) ، والمدونة (5/350) .

(2/394)


وكذلك يباري عن يتيمه ولا يباري عن يتيمته إلا برضاها، وروى [ابن نافع عن مالك] في صغيرة زوجها أبوها أن للخليفة أن يباري عنها على وجه النظر، ويلزمها ذلك إذا كبرت.
1808 - وإذا خالع الأب عن ابنته الثيب بعد البناء وهي بالغ على أن يضمن للزوج الصداق، فلم تر الابنة بطلب الأب أخذت به الزوج ورجع به الزوج على الأب. [وكذلك] إن فعل بها ذلك أخ أو أجنبي.
1809 - وإن خالعها الأب بعد البناء وقبل بلوغها على أن ترك لزوجها جميع المهر جاز ذلك عليها، ثم لأبيها إذا رجعت إليه قبل البلوغ أن يزوجها كما تزوج البكر، ويجوز إذنه عليها.
1810 - ولا تختلع أمة ولا أم ولد من زوج بمال إلا أن يأذن السيد، فإن فعلا بغير إذنه كان له رد العطية ولزم الزوج الخلع، ويرد ما أخذ ولا يتبع به الأمة إن أعتقت.

(2/395)


وأكره أن يزوج [الرجل] أم ولد فإن فعل وجهل لم يفسخ إلا أن يكون أمر بيّن من الضرر بها [فيفسخ] .
ويجوز ما خالعت به المكاتبة أو وهبت من مالها بإذن السيد.
1811 - و [من] خالع زوجته في مرضه جاز له ما أخذ منها، فإن مات من مرضه ذلك ورثته، وإن ماتت هي لم يرثها، وكذلك إن ملّكها في مرضه أو خيّرها فاختارت نفسها، أو طلقها طلاقاً بائناً في مرضه بأي وجه كان، فإنه لا يرثها إن ماتت، وهي ترثه إن مات من ذلك المرض، لأن الطلاق جاء من قبله، [قال مالك:] وإن اختلعت منه في مرضها وهو صحيح بجميع مالها لم يجز، ولا يرثها، [قال ابن القاسم:] ولو اختلعت منه على أكثر من ميراثه منها لم يجز،

(2/396)


فأما على مثل ميراثه منها أو أقل فجائز، ولا يتوارثان، قال ابن نافع: يلزمه الطلاق ولا يجوز له من ذلك إلا قدر ميراثه مثل ما فسر ابن القاسم.
1812 - قال ابن نافع عن مالك: ويوقف المال حتى تصح أو تموت، وقد تقدم ذكر من خالع على غرر أو أتبع الخلع طلاقاً، وذكر الصبي يخالع عنه أبوه أو وصيه.
1813 - و [من] صالح امرأته ثم ظاهر منها في عدتها أو آلى، لزمه الإيلاء ولم يلزمه الظهار، إلا أن يقول: إن تزوجتك، أويجري قبل ذلك من الكلام ما يدل عليه فيلزمه الظهار إن تزوجها، كمن خالع إحدى امرأتيه فقالت له الأخرى ستراجعها، فقال لها: هي طالق أبداً، ولا نية له، فإن تزوجها طلقت منه مرة واحدة وكان خاطباً، لأن مالكاً جعله جواباً لكلام امرأته.
1814 - و [من] قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق، وصالحها، ثم دخلتها

(2/397)


بعد الصلح مكانها، لم يلزمه الطلاق.
1815 - وإن قال لها: إن لم أقض فلاناً حقه إلى وقت كذا فأنت طالق، فلما جاء ذلك الوقت وخاف الحنث صالحها فراراً من أن يقع عليه الطلاق فبئس ما صنع ولا يحنث بعد الوقت إن لم يقض فلاناً حقه، لأن الوقت مضى وليست له بامرأة، ولو تزوجها بعد [مضي] الوقت لم يحنث قضى فلاناً حقه أم لا.
1816 - وإن صالحها بدراهم أو طعام أو عروض موصوفة إلى أجل جاز، وله أن يأخذ منها بذلك رهناً وكفيلاً.
1817 - ولا يبع الطعام قبل قبضه [وهو مكروه] ، لأنه عنده محمل البيع، وإن صالحها على دين فباعه منها [بعرض] إلى أجل، أو خالعها على عرض موصوف إلى أجل فباعه منها بدين إلى أجل لم يجز، لأنه دين بدين ويرجع فيكون له الدين الأول. وإن صالحها على عبد بعينه على ألا

(2/398)


يقبضه إلا إلى أجل من الآجال، فهو حال، والخلع جائز، والأجل [فيه] باطل.
1818 - ويترك الغلام في حضانة الأم حتى يحتلم ثم يذهب حيث شاء.
وللأب تعاهد الولد عند أمهم، وأدبهم وبعثهم إلى المكتب، ولا يبيتوا إلا عندها، إلا أن تتزوج الأم والولد صغير يرضع أو فوق ذلك، فإنه ينزع منها إذا دخل بها زوجها، لا قبل ذلك، ثم لا يرد إليها إن طلقت، ولا حق لها فيه إذا أسلمته مرة.
وتترك الجارية في حضانة الأم في الطلاق والموت حتى تبلغ النكاح، فإذا بلغته نظر فإن كانت الأم في حرز وتحصين فهي أحق بها أبداً حتى تنكح وإن بلغت أربعين سنة، وإن لم تكن الأم في حرز وتحصين [في موضعها، أو كانت غير مرضية في نفسها] ، أو نكحت ودخلت، فللأب أخذها

(2/399)


منها وكذلك للأولياء أو الوصي أخذ الولد بذلك إذا أخذ إلى أمانة وتحصين.
وكل من له الحضانة من أب أو ذات رحم أو عصبة ليس له كفاية ولا موضعه بحرز ولا يؤمن في نفسه فلا حضانة له. والحضانة لمن فيه ذلك وإن بعد.
وينظر للولد في ذلك بالذي هو أكفأ وأحرز فرُبّ والد يضيع ولده ويدخل عليهم رجالاً يشربون فينزعون منه.
1819 - ويترك الولد في الحضانة عند غير الأم إلى حد ما يترك عند الأم، والأم أحق بحضانة الولد في الطلاق والوفاة، حتى يبلغوا ما وصفناه، فإن ماتت الأم أو نكحت فالحضانة لمن هي أقعد بالأم إذا كانت ذات محرم من الصبيان. فالجدة للأم أحق وإن بعدت بعد الأم، ثم الخالة ثم الجدة للأب.
والأب أولى من الأخوات والعمات وبنات الأخ، فإذا لم يكن الأب فالأخت ثم العمة ثم بنات الأخ ثم العصبة، والأولياء هم العصبة.
ومن هؤلاء الأولياء الجد والأخ وابن الأخ والعم وابن العم ومولى النعمة، لأنه وارث ومولى العتاقة.

(2/400)


وليس من يسلم على يديه بولي، ولا ينسب إليه وإن والاه، وإذا تزوجت الأم ولها أولاد صغار وجدتهم لأمهم في بلد ثان، وخالتهم معهم حاضرة، فالخالة أحق، وإذا كان الولد ليس لهم جدة من قبل أمهم، أو لهم جدة لأم لها زوج أجنبي فالحضانة لمن هي أقعد بالأم على ما ذكرنا.
1820 - وكل من خرج من بلده متنقلاً لسكنى بلد آخر غير بلد الأم، من أب أو أحد من أولياء الولد الذين ذكرنا، فله الحلة بالولد إذا كان الولد معه في كفاية، تزوجت الأم أم لا. ويقال لها: اتبعي ولدك إن شئت أو دعيه. وأما من خرج من الأولياء لسفر لغير سكنى فليس له الرحلة بالولد.
1821 - وليس للأم أن تنقل الولد من الموضع الذي فيه والدهم أو أولياؤهم، إلا لما قرب كالبريد ونحوه، حتى يبلغ الأب أو الأولياء خبرهم، ثم لها أن تقيم هناك. (1)
1822 - والذمية إذا طلقت، أو المجوسية يسلم زوجها وتأبى هي الإسلام، فيفرق بينهما، [فإن لها] من الحضانة كما للمسلمة إن كانت في حرز. وتمنع أن تغذيهم بخمر أو خنزير. فإن خيف أن تفعل بهم ذلك ضمت إلى ناس من المسلمين، ولا ينزع منها إلا أن تبلغ الجارية وتكون عندها في حرز.
_________
(1) انظر: منح الجليل (4/421) .

(2/401)


1823 - وإذا أُعتق ولد الأمة وزوجها حر فطلقها فهي أحق بحضانة ولدها إلا أن تباع فتظعن إلى غير بلد الأب، فالأب أحق به.
أو يريد الأب الانتقال إلى غير بلده فله أخذه، وليس العبد في انتقاله بولده كالحر، والأم أحق به كانت أمة أو حرة، لأن العبد لا قرار له ولا مسكن، وحكم التفرقة في البيع بين الولد وأمه مذكور في كتاب التجارة بأرض الحرب.
ولأم الولد تعتق ما للحرة من الحضانة.
1824 - وإذا أخذ الولد من له الحضانة فعلى الأب نفقتهم وكسوتهم وسكناهم ما بقوا في الحضانة، ويخدمهم إذا احتاجوا إلى ذلك وكان الأب ملياً. ولحاضنتهم قبض نفقتهم، فإن كان الأب عديماً فهم من فقراء المسلمين.
1825 - ولا يجبر أحد على نفقتهم، ولا الأم إن كانت موسرة، إلا الأب وحده إذا قدر. وتلزمه نفقة ولده الذكور حتى يحتلموا، والإناث حتى يدخل بهن أزواجهن، إلا أن يكون للصبي كسب يستغني به، أو له مال فيُنفق عليه منه.
1826 - فإن طلقت الجارية بعد البناء أو مات زوجها فلا نفقة لها على الأب وإن كانت فقيرة، وإن طُلّقت قبل البناء فهي على نفقتها. (1)
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (4/220) ، وكفاية الطالب (2/166) ، وحاشية الدسوقي (2/523) ، وحاشية العدوي (2/166) .

(2/402)


وعليه نفقة من بلغ من ولده أعمى أو مجنوناً أو ذا زمانة لا حراك له. ولو بلغوا أصحاء ثم أصابهم ذلك بعد خروجهم من ولاية الأب، فلا نفقة لهم عليه.
1827 - ويلزم الولد المليء نفقة أبويه الفقيرين، كانا مسلمين أو كافرين.
والولد صغير أو كبير، ذكر أو أنثى كانت البنت متزوجة أم لا وإن كره زوج الابنة، وكذلك من مال يوهب للولد أو يُتصدّق به عليه.
1828 - وينفق على امرأة واحدة لأبيه لا أكثر، وإن لم تكن أمه. وينفق على جارية أبيه، أو على خادم زوجته، [لأن خادم زوجته كخدمه] إذ على الابن إخدامه إن قدر.
1829 - وينفق على أمه إن كان لها زوج فقير، ولا ينفق على زوجها، ولا حجة للولد إن قال: يفارقها الزوج حتى أنفق عليها.
1830 - وما أُنفق على الوالدين من مال الولد فلا يتبعا به إذا أيسر. فإن كان الأب والابن فقيرين، لم تلزم أحدهما نفقة صاحبه.
1831 - وينفق على من له خادم من الأبوين عليه وعليها، وكذلك إن كانت له دار لا فضل في ثمنها، فله النفقة كما يُعطى من الزكاة.
1832 - ويعدى على الغائب في بيع ماله لنفقته على ما ذكرنا، ومن أسلم وله بنات قد

(2/403)


حضن فاخترن الكفر فعليه نفقتهن.
وللزوج أن يظعن بزوجته من بلد إلى بلد وإن كرهت، وينفق عليها. وإن قالت: [لا أخرج] حتى آخذ صداقي، فإن كان بنى بها فله الخروج بها وتتبعه به ديناً.
1833 - ولا يلزم الجد نفقة ولد الولد، كما لا تلزمهم نفقته، وتلزم الزوج نفقة زوجته ونفقة خادم [واحدة] من خدمها لا أكثر، ولا تلزمه نفقة أخ ولا ذي رحم منه، قال مالك: ×وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ% أن لا يضار.

(2/404)


وإذا كان للبكر خادم ورثتها عن أمها ولا بد لها ممن يخدمها فعلى الأب أن ينفق على الابنة، ولا تلزمه نفقة خادمها، ويقال للأب إما أنفقت على الخادم أو بعتها.
1834 - وإذا قبح ما بين الزوجين وجهل حقيقة أمرهما بعث الإمام حكماً من أهله وحكماً من أهلها، من أهل العدل والنظر، فإن لم [يكن] في أهلهما ما يراه لذلك أهلاً، [أو لا أهل لهما] بعث من غير الأهلين، فإن استطاعا الصلح أصلحا بينهما وإلا فرقا بينهما، ثم يجوز فراقهما دون الإمام. وللزوجين أن يرضيا ببعثهما دون الإمام.
فإن جعلا ذلك إلى رجل عدل [فحكم] ، مضى ذلك عليهما.

(2/405)


1835 - ولا يجوز في ذلك تحكيم عبد أو صبي أو مشرك أو سفيه أو امرأة ببعث الإمام أو ببعث الزوجين دونه، أو من يليهما إن كانا في ولاية، لأن ذلك خارج عما أراد الله تعالى من الإصلاح إلى الضرر، وهؤلاء لا يجوز منهم اثنان، فكيف بواحد [وقد] قال ربيعة: لا يبعث الحكمين إلا السلطان، فكيف يجاز تحكيم المرأة والصبي والعبد والنصراني والمسخوط، ولو حكّم الزوجان من ذكرنا أنه لا يحكّم ففرق، لم يمض ذلك ولا يكون طلاقاً، لأن ذلك لم يكن على جهة تمليك الطلاق، يدل على ذلك دخول الزوجة فيه بتحكيمها ولا مدخل للزوجة في تمليك الطلاق، وإذا كان أحد الزوجين أو كلاهما في ولاية، فذلك في بعث الحكمين إلى من يليهما دون العصبة.
1836 - وإذا حكما بالفراق كانت طلقة بائنة، حكما بأخذ مال أو بغير أخذ مال، ولا يفرقا بأكثر من واحدة.
وإن حكما بالفراق بغرم على المرأة لنفي الضرر عنها جاز، وإن حكما بغرم على الزوج لم يجز.

(2/406)


قال ربيعة: إن كان الظلم منه فرقا بغير شيء، وإن كان منهما معاً أعطيا الزوج على الفراق بعض الصداق، وإن كان الظلم منها خاصة جاز ما أُخذ له منها.
وإن حكم أحدهما بالطلاق ولم يحكم الآخر، أو حكم [أحدهما] على مال والآخر على غير مال، لم يلزم شيء إلا باجتماعهما، إلا أن ترضى الزوجة بالمال الذي قال أحدهما واجتمعا على الفراق فيلزم.
وإن حكم أحدهما بواحدة والآخر باثنتين أو اجتمعا على أكثر من واحدة أو على الثلاث، أو حكما بلفظ البتة أو خلية أو برية ونوى بهما الحكمان ثلاثاً لم يلزم في ذلك كله إلا واحدة، دخل بها أم لا، لأن ما زاد على الواحدة خارج عن معنى الاصطلاح، وحكم التي لم يُدخل بها في الحكمين حكم المدخول بها، إلا أنهما لا يبطلان ما للزوج من الرجوع بنصف المهر إن قبضته هي، كما لا يفرقان على الأخذ منه.
ولو حكم بأخذ الزوج منها جميع المهر على الفراق جاز ذلك. (1)
* * *
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (5/386) ، ومواهب الجليل (4/56) ، والشرح الكبير (2/383) ، وحاشية الدسوقي (2/383) ، والتقييد (2/326) .

(2/407)