التهذيب
في اختصار المدونة (كتاب العتق
الثاني)
2035- قال مالك: ولا يعتق على الرجل من أقاربه إذا ملكه إلا الولد ذكورهم
وإناثهم وولد الولد وإن سفلوا، وأبواه وأجداده وجداته من قبل الأب أو الأم
وإن بعدوا، وإخوته دنيا لأبوين أو لأب أو لأم وهم أهل الفرائض في كتاب
الله.
قال ابن شهاب: فإن مات قبل عتقهم فقد عتقوا عليه يوم ابتاعهم.
قال مالك - رحمه الله -: ولا يعتق عليه غير هؤلاء من ذوي الأرحام ممن يحرم
أو لا يحرم، ولا ممن يحرم بالصهر أو بالرضاع ويبيعهم إن شاء، ولا يعتق عليه
عم ولا عمة ولا أبناؤهم ولا خال ولا خالة، ولا بنو أخ ولا بنو أخت، ولا أمة
كان تزوجها فولدت منه ثم اشتراها بعدما ولدت، وأما إن اشتراها وهي حامل منه
فوضعت عنده بعد الشراء بيوم أو أقل أو أكثر، كانت به أم ولد.
(2/513)
2036 - قال المشيخة السبعة: إذا ملك الوالد
ولده أو ملك الولد والده عتق عليه، وما سوى ذلك من القرابة فيختلف الناس
فيه.
2037 - قال ابن القاسم: ومن اشترى أباه بالخيار له أو للبائع، لم يعتق عليه
إلا بعد زوال الخيار، لأن البيع لا يتم بينهما إلا عبد الخيار. وإذا كان
الخيار للبائع فهو أبين، وكل سواء.
وعمة أمك محرمة عليك، لأنها أخت جدك لأمك، وأجدادك لأمك لو كانوا نساء كن
محرمات عليك، وكذلك أخواتهم، وجداتك لأمك وأخواتهن محرمات عليك بمنزلة
خالاتك، وإنما يقع التحليل في أولاد من ذكرنا.
2038 - وإذا اشترى عبد غير مأذون له من يعتق على سيده لم يجز له شراؤه بغير
إذن السيد بخلاف المأذون، ولا يجوز للأب أن يشتري بمال ابنه لابنه من يعتق
على الابن ولا يتلف مال ابنه.
2039 - وإن أعنت رجلاً بمال في شرائه [به] أباك، لم يعتق عليه ولا عليك،
ويبقى رقاً لمشتريه.
2040 - ومن قال لعبده: أنت حر إذا قدم أبي، فذلك يلزمه، ولا يعتق عليه حتى
يقدم
(2/514)
أبوه. قال مالك - رحمه الله -: ويوقف لينظر
أيقدم أبوه أم لا، وكان يُمرّض في بيعه. وأجاز ابن القاسم بيعه ووطأها إن
كانت أمة، وقال: هي في هذا كالحرة يقول لها: أنت طالق إذا قدم فلان، فله
وطؤها ولا تطلق عليه حتى يقدم فلان. وأما من أعتق إلى أجل آت لا بد منه،
كقوله لأمته: أنت حرة على شهر أو إلى سنة أو إذا مات فلان أو إذا حضت، فهو
ممنوع من الوطء والبيع، وله أن ينتفع بغير ذلك حتى يحل الأجل فتعتق، ولا
يلحقها دين، وهي إن مات حرة من رأس ماله بعد أن يخدم الورثة بقية الأجل،
بخلاف المدبرة، لأن المدبرة توطأ ويلحقها الدين.
2041 - ومن قال لأمة يطؤها: إذا حملت فأنت حرة، فله وطؤها في كل طهر مرة،
قال يحيى بن سعيد وغيره: لا يطأ التي أعتق إلى أجل أو التي وهب خدمتها إلى
أجل.
(2/515)
2042 - ومن قال لعبده: إن جئتني، أو متى ما
جئتني، أو متى بما] أديت إلي، [أو إذا أديت غلي] ، [أو إن أديت إلي] ألف
درهم، فأنت حر، فإنه إذا أتى بألف درهم أعتق، وإن لم يأت بها فهو عبد،
ويتلوم له فيها، ولا ينجم عليه، وليس للعبد أن يطول بسيده ولا للسيد أن
يعجل بيعه إلا بعد تلوم السلطان له بقدر ما يرى، كمن قاطع عبده على مال إلى
أجل فمضى الأجل قبل أن يؤديه فيتلوم له الإمام، وإن دفع الألف درهم عن
العبد رجل أجنبي، جبر السيد على أخذها وأعتق العبد. ولو دفع العبد ذلك إلى
السيد من مال كان بيد العبد فقال السيد: ذلك المال لي، فليس له ذلك، لأن
العبد ههنا كالمكاتب يتبعه ماله، ويمنع السيد من كسبه أيضاً.
2043 - ومن قال لأمته: أول ولد تلدينه حر، فولدت ولدين في بطن واحد، عتق
أولهما خروجاً، فإن خرج الأول ميتاً فلا عتق للثاني. وقال ابن
(2/516)
شهاب: يعتق الثاني، إذ لا يقع على الميت
عتق. وقال النخعي: من قال لأمته: إن ولدت غلاماً فأنت حرة، فولدت غلامين
فالأول رقيق، وهي والآخر حران، وإن كان الأول جارية فهي حرة دون الولدين.
وقال ابن شهاب: وإن قال: أول بطن تضعينه حر، فوضعت توأمين فهما حران.
2044 - ومن قال لأمته في صحته: كل ولد تلدينه حر، لزمه عتق ما ولدت.
واستثقل مالك بيعها، وقال: كيف لها بوعده، وأنا أرى بيعها جائز، إلا أن
تكون حاملاً حين قال ذلك أو حملت بعد قوله، أو يقول: ما في بطنك حر، أو إذا
وضعتيه فهو حر، فإن الأم لا تباع حتى تضع، إلا أن يرهقه دين فتباع [فيه]
ويرق الجنين.
ولو ولدته في مرض السيد أو بعد موته ولا دين على السيد، وقد أشهد على قوله
في صحته عتق من رأس المال، لأنه كمعتق إلى أجل، هذا إذا كان الحمل في
(2/517)
الصحة، وأما إن حملت به في مرض السيد
فولدته في مرضه أو بعد موته فهو من الثلث، لأن المريض إذا أعتق على أجل
فإنما هو من الثلث، والأول كمعتق في صحته إلى أجل فهو من راس المال كمنت
قال لعبده في صحته، إذا وضعت فلانة فأنت حر، فوضعت والسيد مريض أو بعد
موته، فإن العبد حر من رأس المال.
2045 - وإن أعتق ما في بطن أمته أو دبره وهي حامل يومئذ فما أتت به من ذلك
الحمل إلى أقصى حمل النساء فحر أو مدبر، ولو كان لها زوج ولا يعلم أن بها
حملاً يوم عتقه، فلا يعتق ههنا إلا ما وضعته لأقل من ستة أشهر من يوم
العتق، كالمواريث إذا مات رجل فولدت أمه بعد موته من غير أبيه ولداً فهو
أخوه لأمه، فإن وضعته لستة أشهر فأكثر من يوم موته لم يرثه، وإن كان لأقل
ورث، ولو كانت الأمة وقت العتق ظاهرة الحمل [من زوج] أو غيره، عُتق ما أتت
به ما بينها وبين أربع سنين. وقال غيره: إن كان الزوج مرسلاً عليها وليست
بينة الحمل، نظرت إلى حد ستة أشهر، وغن كان غائباً أو ميتاً نظرت، فما
ولدته إلى أقصى حمل النساء فهو حر، وقال أشهب: لا يسترق الولد بالشك.
والتي يعتق ما في بطنها في صحة السيد لا تباع وهي حامل، إلا في قيام
(2/518)
[الغرماء] بدين استحدثه قبل عتقه أو بعده،
فتباع إذا لم يكن له غيرها، ويرق جنينها، إذ لا يجوز استثناؤه، فأما إن قام
الغرماء بعد الوضع فانظر فإن كان الدين بعد العتق أعتق الولد من رأس المال
ولدته في مرض السيد أو بعد موته، وتباع الأم وحدها في الدين ولا يفارقها،
وإن كان الدين قبل العتق بيع الولد للغرماء إن لم تف الأم بدينهم، ولو ضرب
رجل بطنها فألقته ميتاً ففيه عقل جنين أمة، بخلاف جنين أم الولد من سيدها
تلك، في جنينها عقل جنين الحرة، لأن جنين الأمة لا يعتق إلا بعد الوضع،
وجنين أم الولد حر حين حملت به.
2046- ومن أعتق أمة حاملاً أعتق جنينها، وإن لم يذكره ولا مرد له فيه. قال
ربيعة: ولو استثناه كان حراً، ولم ينفعه [استثناؤه] . قيل: فمن وهب ما في
بطن أمته لرجل أو تصدق به عليه أو أوصى له به ثم وهبها سيدها بعد ذلك لرجل
آخر أو أعتقها هو أو وارثه بعد موته؟ قال: فالعتق أحق، ويعتق جنينها وتسقط
هبته وغيرها. (1)
2047- وإن وهب عبداً أو تصدق به على رجل أو أخدمه إياه حياته ثم أعتقه
المعطي قبل حوز المعطى جاز العتق وبطل ما سواه، علم المعطى بالهبة والصدقة
_________
(1) انظر: التقييد (3/77، 78) ، ومنح الجليل لعليش (9/450، 452) .
(2/519)
أو لم يعلم، ولو وهبه لغيره أو تصدق به
فالأول أحق به وإن حازه الآخر، إلا أن يموت الواهب قبل قيام الأول فيبطل
حقه ويصح قبض الثاني. وقال أشهب: بل الثاني أحق إذا حاز، وإن لم يمت
الواهب.
2048 - ومن وهب عبداً أو تصدق به فقتل العبد قبل الحوز، فقيمته للمعطى
وماله للمعطي، إلا أن يكون أدخل ماله معه في الهبة وشرطه، فيكون أيضاً
للمعطي كالبيع.
2049 - ومن أعتق أمته على أن تنكحه أو تنكح فلاناً ثم امتنعت، فهي حرة، ولا
يلزمها النكاح إلا أن تشاء، وكذلك إن قال رجل لرجل: خذ ألف درهم على أن
تعتق أمتك وتزوجنيها، فأعتقها، فهي حرة، ولها أن لا تنكحه، والألف لازمة
للرجل.
(2/520)
2050 - وعتق السكران وتدبيره جائز إذا كان
غير مولى عليه. (1) ولا يجوز عتق المعتوه إذا كان مطبقاً ولا الصبي.
2051 - ومن حلف بعتق عبيده إن فعل كذا فجن ثم فعل ذلك في حال جنونه فلا شيء
عليه.
2052 - وإن قال صبي: كل مملوك حر إذا احتملت، فاحتلم فلا شيء عليه.
ولا يجوز على المكره عتق ولا بيع ولا شراء ولا وصية ولا نكاح ولا طلاق ولا
شيء من الأشياء، وإكراه السلطان وغيره سواء، والتهديد بالقتل أو بالضرب
والتخويف الذي لا شك فيه إكراه، والضرب إكراه، والسجن إكراه، وإكراه الزوج
زوجته إكراه بضرب أو بضرر، وإن افتدت منه بشيء [على ذلك] رده.
2053 - وإن دفع العبد مالاً لرجل وقال له: اشترني لنفسك، أو دفعه إليه على
أن يشتريه ويعتقه ففعل الرجل ذلك، فالبيع لازم، فإن كان المشتري استثنى مال
العبد، لم يغرم الثمن ثانية، [وإن يستثنه فليغرم الثمن
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (6/326) .
(2/521)
ثانية] للبائع ويعتق الذي اشترط العتق. ولا
يتبعه الرجل بشيء ويرق له الآخر، وإن لم يكن للمشتري مال بيع الرقيق عليه
في الثمن، وكذلك يباع العتيق في ثمنه إلا أن يفي بيع بعضه بالثمن، فيعتق
بقيته، ولو بقي من الثمن شيء بعد بيع جميعه كان في ذمة الرجل.
2054 - وإذا اشترى العبد نفسه من سيده شراء فاسداً فقد تم عتقه ولا يرده،
ولا يتبعه السيد بقيمته ولا بغيرها، بخلاف شراء غيره إياه، إلا أن يبيعه
نفسه بخمر أو خنزير، فيكون عليه قيمة رقبته. وقال غيره: هو حر ولا شيء
عليه.
2055 - وإن باعه من أجنبي بخمر أو خنزير أو بما لا يحل له فأعتقه المبتاع،
جاز عتقه ولم يرد، ولزم المبتاع قيمته يوم قبضه.
2056 - ومن قال لعبده: أنت حر الساعة بتلاً وعليك مائة دينار إلى أجل كذا،
فقال
(2/522)
مالك وأشهب: هو حر الساعة ويتبع بالمائة
أحب أم كره، وقال ابن القاسم: هو حر ولا يتبع بشيء. وقاله ابن المسيب. (1)
2057 - قال مالك: وإن قال له: أنت حر على أن تدفع إلي مائة دينار، لم يعتق
غلا بأدائها. قال ابن القاسم: وللعبد أن لا يقبل ذلك ويبقى رقيقاً، ذكر
السيد أجلاً للمال أو لا. ولو قال: على أن تدفع [إلي] مائة دينار إلى سنة،
فقبل ذلك العبد، فإن لم يقل: حر الساعة، ولا أراد ذلك، لم يعتق [العبد] إلا
بالأداء عند الأجل، ويتلوم له بعد محله، فإن عجز رُقّ. وقوله: إن جئتني
بكذا إلى أجل كذا فأنت حر، من القطاعة، ومن ناحية الكتابة، ويتلوم له
كالمكاتب، وليس له بيعه.
_________
(1) انظر: حاشية الدسوقي (4/406) ، التاج والإكليل (6/353) ، ومواهب الجليل
(6/353) ، والمدونة (7/211) .
(2/523)
2058 - ومن قال لأمته: إن أديت إلي ألف
درهم إلى عشر سنين فأنت حرة، فما ولدت في هذه المدة فبمنزلتها، إن أدت
فعتقت عتقوا معها، وكذلك إن لم يضرب أجلاً فولدته ثم أدت الألف، فولدها حر
معها، لأن مالكاً قال: كل شرط كان في أمة فما ولدت [من ولد] بعد الشرط أو
كانت حاملاً به يوم شرط لها ذلك، فولدها في ذلك الشرط بمنزلتها، وكذلك إن
قال: أنت حرة إن لم أفعل كذا إلى أجل كذا، فتلد قبل الأجل، فهو بمنزلتها
إذا عتقت وليس له بيعها ولا بيع ولدها.
2059 - وإن قال لعبده: إن أديت إلي اليوم مائة دينار فأنت حر، فمضى اليوم
ولم يؤد شيئاً فلا بد من التلوم به، وإن قال له: إن أديت إلي كذا فأنت حر،
فأدى بعضه أو لم يؤد بعضه أو لم يؤد شيئاً، ثم وضع عنه السيد ما عليه عتق
مكانه، كالمكاتب يضع عنه السيد كتابته.
2060 - وإن قال له: إن أديت إلى ورثتين أو إذا أديت، [أو أد إليهم] [مائة
دينار] ،
(2/524)
وأنت حر، ثم مات، فإن حمله الثلث وأدى
المائة عتق، ويتلوم له الإمام في الأداء على قدر ما يرى توزيعه عليه
كالموصي إن كاتب عبده ولا سمى ما يكاتب به، أن الإمام يجتهد له في قدر ما
يكاتب به وينجه عليه على قدر ما يرى انه أراد من إرفاقه، فإن تلوم له وأيس
منه أبطل الوصية، وإن لم يحمله الثلث خير الورثة في إجازة ما قال الميت، أو
ابتال محمل الثلث منه الساعة.
2061 - ومن أعتق عبده أو أمته ثم جحد العتق، فاشتغل واستخدم ووطئ الأمة
زماناً، ثم قامت عليه بالعتق بينة وهو يجحد، فلا شيء عليه من ذلك، إلا أنه
يحكم عليه بالعتق، وإن أقر بذلك ولم ينزع فليرد الغلة على العبد ويعطيه
قيمة خدمته ويحد في وطئه الأمة، كمن ابتاع حرة وهو يعلم بها فأقر بوطئها
ولم ينزع، فإنه يحد ويغرم الصداق. [وقد] قال مالك فيمن حلف في سفره بعتق
عبده إن فعل كذا ثم قدم المدينة ففعله وحنث، ثم استغل العبد ثم مات فكاتبه
ورثته وقبضوا بعض النجوم وهم لا يعلمون بحنث صاحبهم،
(2/525)
ثم قدمت بعد ذلك بينة علمت بيمينه فإنه
يقضى بعتق العبد الآن ولا رجوع له بغلة ولا كتابة.
2062 - قال ابن القاسم: وكذلك إن جرحه السيد أو قذفه، ثم ثبت أنه أعتقه قبل
ذلك وهو جاحد، فلا شيء عليه، وجعل له ابن القاسم حكم الحر مع الأجنبيين
بخلاف السيد.
وقال غيره: إذا جحد السيد العتق فأثبت عليه ببينة، فعلى السيد رد الغلة
إليه وله حكم الحر فيما مضى من حد أو جرح له أو عليه مع الأجنبي أو مع
السيد، ذلك سواء.
2063- ومن أعتق عبداً من الغنيمة وله فيها نصيب، لم يجز عتقه، وإن وطئ منها
أمة حد، أو سرق منها بعد أن يحرز قطع، وقال غيره: لا يحد للزنا
(2/526)
ويقطع إن سرق فوق حقه بثلاثة دراهم، لأن
حقه فيها واجب موروث بخلاف حقه في بيت المال، لأنه لا يورث عنه.
2064 - وإذا أسلم عبد النصراني ثم أعتقه، قضي عليه بعتقه، لأنه حكم بين
مسلم وذمي. وفي كتاب المدبر ذكر مدبر الذمي يسلم، ولو دخل إلينا حربي بأمان
فكاتب عبداً له نصرانياً ثم أراد أن يرده إلى الرق أو يبيعه، فذلك له إلا
أن يرضى أن يحكم عليه بحكم الإسلام، فيحكم عليه بحريته، وكذلك إن أعتق
نصفه، وبقيته له أو لغيره فلا يقضى عليه بالعتق ولا يقوم عليه حصة شريكه،
وكذلك لو كاتب عبده أودبره ثم اراد بيعه لم يمنع، إلا أن يسلم العبد، وهو
بيده فيؤاجر المدبر وتباع كتابة المكاتب. قيل له: فإن بتل النصراني عتق
عبده النصراني [أو دبه] أو حلف بذلك ثم أسلم فحنث؟ قال: إن حنث في يمينه
بذلك في نصرانيته ثم أسلم أو حنث بعد إسلامه، فلا شيء عليه، [وكذلك] جميع
أيمانه.
2065 - ومن أخدم عبده رجلاً سنين ثم هو حر، ثم استدان السيد قبل أن يقبضه
المخدم فالغرماء أحق بالخدمة ويؤاجر لهم، وإن لم يقم الغرماء حتى بتل
الخدمة للذي جعل بها
(2/527)
له فلا سبيل للغرماء على الخدمة، والعتق في
الوجهين نافذ إلى أجله، لا سبيل للغرماء عليه، وكذلك لو تصدق بصدقة أو وهب
هبة أو أعطى عطية فلم يبتلها للمعطي حتى لحقه دين، كان الغرماء أولى بذلك.
2066 - ومن اعتق عبده وللعبد على السيد دين، فله أن يرجع به على سيده إلا
أن يستثنيه السيد [أو يستثني ماله مجملاً، فيكون ذلك له، لأن العبد إذا
أعتق تبعه ماله] . قال ربيعة: علم السيد بمال العبد أو جهله، إلا أن
يستثنيه سيده. قال أبو الزناد: وتتبع العبد سريته كان أولدها بإذن السيد أو
بغير إذنه، وأما ولدها منه فرق للسيد، وإذا كان بعض العبد حر، فليس لمن ملك
بقيته أن ينتزع ماله وهو موقوف بيده وله بيع حصته، ويحل المبتاع في مال
العبد محل البائع، فإن عتق العبد يوماً ما تبعه ماله، وإن مات كان ماله
للمتمسك بالرق خاصة، دون الذي أعتق، لأنه لا يورث بالحرية حتى تتم حريته.
2067 - ومن مثل بعبده أو بأم ولده أو بعبد لعبده أو لمدبره أو لأم ولده،
عتقوا عليه. (1)
وكذلك إن مثّل بعبد لابنه الصغير فإنه يعتق عليه إن كان ملياً، ويغرم قيمته
للابن، فإن قطع أنملة من أصبع عبده عمداً أو حرق شيئاً من جسده بالنار على
وجه
_________
(1) انظر: كفاية الطالب (2/167) ، والتاج والإكليل (6/335) ، ومواهب الجليل
(6/336) ، والمدونة (7/218) ، الكافي لابن عبد البر (1/511) .
(2/528)
العذاب أو أخصاه، قال ربيعة: أو قطع
حاجبيه، قال مالك: أو سحل أسنان أمته بالبرد أو قلعهما على وجه العذاب، فهي
مثلة يعتق بها.
[وكذلك] قال مالك في امرأة كوت فرج أمها بالنار، فإن كان على وجه العذاب
فانتشر وساءت منظرته عتقت عليها، وإن لم يتفاحش [ولم] تقبح منظرته، لم
تعتق، وكذلك إن كوى عبده مداوياً أو أصابه على وجه الأدب من كسر أو قطع
جارحة أو فقء عين، فلا يعتق به، وإنما يعتق بما تعمده به.
قال ربيعة: يعتق بالمثلة المشهورة. وقال يحيى بن سعيد: ويعاقب من فعل ذلك.
2068 - قال ابن القاسم: وإن جز رؤوس عبيده ولحاهم، فليس بمثلة، وإن مثل
بمكاتبه عتق عليه، وينظر في جرحه لمكاتبه أو قطع جارحة منه، فيكون عليه من
ذلك ما يكون على الأجنبي، ويقاص بالأرش في الكتابة، فإن ساواها عتق، وإن
أنافت عليه الكتابة عتق، ولا يتبع ببقيتها، وإن أناف الأرش عليها أتبع
المكاتب سيده بالفضل وعتق عليه، وإن مثل بعبد مكاتبه
(2/529)
عتق عليه وكان عليه ما نقصه إلا أن تكون
مثله مفسدة، فإنه يضمنه ويعتق عليه. وكذلك في عبد زوجته مع العقوبة في
تعمده.
2069 - ومن أجر أو أخدم عبده سنة ثم أعتقه قبل السنة، لم يعتقعليه حتى تمضي
السة، وإن مات السيد قبل السنة لم تنتقض الإجارة والخدمة بموته، ويعتق
العبد بعد السنة من رأس ماله، إلا أن يترك المستأجر أو المخدم للعبد بقية
الخدمة، فيعجل عتقه.
2070 - ومن حاز صغيراً حيازة الملك وعرفت حيازته له وخدمته إياه ثم كبر
فادعى الحريةن فلا قول له. وكذلك إن ادعى الحرية في صغره وقد تقدم له فيه
حوز [وخدمة] ، فهو له عبد، وإن كان إنما هو متعلق به ولم يعلم له فيه حوز،
فالصبي مصدق.
2071 - ومن بيده عبد يدعيه فقال العبد: أنا لفلان، فهو لحائزه دون فلان،
وكذلك إنأقر العبد بثوب بيده أنه لفلان، لم يصدق، وهو لرب العبد إن ادعاه،
لأن حوز عبده كحوزه، إلا أن يقيم فلان بينة.
ومن ادعى على رجل أنه عبده لم يحلّفه، وإن جاء بشاهد حلف معه واسترقه،
(2/530)
وكذلك من أعتق عبده ثم قضى على السيد بدين
تقدم العتق بشاهد ويمين، فذلك يرد به العتق.
2072 -[ومن] ادعى عبداً في يد رجل وأقام بينة شهدت أنه عبده، أحلفه القاضي
بالله أنه ما باع، ولا وهب ولا خرج عن ملكه بوجه من الوجوه، ومن ادعى بيد
رجل عبداً أو حيواناً أو عرضاً بعينه، وذلك كله غائب وأتى ببينة تشهد أن
ذلك له، فإن وصفت البينة ذلك وعرفته وحلته، سمعت البينة وقضيت له به.
2073 - ومن أقام بينة على عبد قد مات بيد رجل أنه عبده، فلا شيء له عليه
إلا أن يقيم بينة أنه غصبه، لأن الرجل يقول: اشتريت من سوق المسلمين، فلا
شيء عليه.
وإذا بلغ اللقيط فأقر بالملك لرجل لم يصدق وهو حر، وإن قال ملتقطه: إنه
عبدي، لم يصدق إلا ببينة وهو حر.
قال عمر بن عبد العزيز: اللقيط حر ونفقته من بيت المال.
2074 - وإذا شهد وارثان أن الميت كان قد أعتق هذا العبد، فإن كان معهما في
الورثة
(2/531)
نساء والعبد يُرغب في ولائه، لم تجز
شهادتهما، وإن لم يكن في الورثة نساء وكانوا رجالاً كلهم يرثون ولاءه، جازت
شهادتهما، وإن كان عبداً لا يُرغب في ولائه جازت الشهادة، كان [في] الورثة
نساء أم لا.
2075- وإن شهد أحد الورثة أو أقر أن أباه كان أعتق هذا العبد في صحته أو في
مرضه، والثلث يحمله، وأنكر ذلك بقيتهم، لم تجز شهادته ولا إقراره ولا يقوم
عليه، إذ ليس هو المعتق فيلزمه التقويم وجميع العبد رقيق.
2076- ويستحب للمدبر أن يبيع حصته من العبد فيجعل ثمنه في رقبة يعتقها
ويكون ولاؤها لأبيه ولا يجبر على ذلك، وما لم يبلغ رقبة أعان به في رقبة،
فإن لم يجد ففي آخر نجوم مكاتب، وكذلك في إقرار غير الولد من سائر الورثة.
2077 - ولو ترك الميت عبيداً سواه فقال الورثة: لا نبيع ولكن نقسم، فذلك
الذي ينبغي إن انقسم العبيد، فإن وقع العبد الذي أقر الوارث أن أباه أعتقه
في سهمه عتق كله بالقضاء، وكذلك لو اشترى عبداً ردت شهادته في عتقه أو ورثه
عتق عليه.
2078 - وإن ترك الميت عبيداً سواه وترك ابنين فقال أحدهما: أعتق أبي هذا،
وقال الآخر: بل هذا، قسمت العبيد أيضاً، فمن وقع في سهمه العبد الذي أقر
بعتقه عتق عليه ما حمل الثلث منه، وإن لم يقع له فليخرج مقدار نصف
(2/532)
ذلك العبد إذا كان ثلث الميت يحمله فيجعل
ذلك في رقبة أو يعين به فيها ولم يأمره هاهنا بالبيع لانقسام العبيد، وأما
ما لا ينقسم فعلى ما ذكرنا في العبد الواحد.
2079 - قال ابن القاسم: وإذا قال سيد العبد: أعتقته أمس على مال وقال العبد
على غير مال، فالقول قول العبد، ويُحلّف كما تحلف الزوجة للزوج.
قال أشهب: القول قول السيد ويحلف، لأني أقول: لو قال لعبده: أنت حر وعليك
مائة دينار، لزمته، ولو قال لزوجته: أنت طالق وعليك مائة دينار كانت طالقاً
ولا شيء عليها.
[ومن] أقر في مرضه أنه كان أعتق عبده في مرضه ذلك فهو من ثلثه
(2/533)
لأن ذلك وصية، ومن أقر في مرضه أنه كان
فعله في صحته، فلم يقم عليه المقر لهم حتى مرض أو مات، فلا شيء لهم، وإن
كانت لهم بينة إلا العتق والكفالة، فإنه إن قامت عليه بينة بعد موته أنه
أقر بذلك في صحته لزمه العتق في رأس ماله، وأخذت الكفالة من ماله، كانت
لوارث أو لغير وارث، لأنه دين قد ثبت في ماله في الصحة.
2080 - قال ابن القاسم: وإن شهد رجل أن شريكه في العبد أعتق حصته والشاهد
موسر أو معسر، فإن المعتق إن كان موسراً فنصيب الشاهد حر، لأنه أقر أن ماله
على المعتق قيمة، وإن كان معسراً لم يعتق من العبد شيء. وقال غيره: ذلك
سواء ولا يعتق منه شيء. قال سحنون: وهذا أجود، وعليه جماعة الرواة، وقاله
عبد الرحمن أيضاً.
(2/534)
وإن شهد رجلان أن فلاناً أعتق عبده فأعتقه
السلطان عليه ثم رجعا عن شهادتهما لم يرد الحكم، وضمنا قيمته للسيد، ولو
ردت شهادتهما ثم اشتراه أحدها عتق عليه، قال أشهب: هذا إن أقام على قوله
بعد الشراء، وأما إن جحد وقال: كنت كاذباً، لم يعتق عليه.
2081 - وإن ادعى عبد على سيده أنه أعتقه، فلا يمين له عليه، وكذلك إن ادعت
امرأة أن زوجها طلقها، وإن قام شاهد عدل للزوجة بالطلاق أو للأمة بالعتق،
أو شهدت بذلك امرأتان ممن تقبلان في الحقوق للزوجة والأمة، مثل أن لا يكونا
من الأمهات أو البنات أو الأخوات أو الجدات أو العمات أو الخالات، أو من هو
منها بظنة، وهذا بخلاف غيره من الحقوق، فإنه لا يحلف العبد ولا المرأة مع
الشاهد ولا مع المرأتين، ولكن يحلف الزوج والسيد، ويوقف الزوج عن امرأته،
والسيد عن عبده [وأمته] حتى يحلف.
(2/535)
قال [مالك:] فإن نكل [لزمه] الطلاق والعتق،
ثم رجع فقال: يسجن حتى يحلف.
قال ابن القاسم: وقوله الآخر أحب إلي. وأنا أرى إن طال سجنه أن يخلى سبيله
ويدين ولا يعتق عليه ولا يطلق. وإن شهدت بذلك للمرأة أختها وأجنبية لم تجز
الشهادة.
2083 - وإن أقام العبد بعد موت سيده شاهداً أنه أعتقه لم يحلف مع شاهد،
وكان رقيقاً، وعلى كل كبير من الورثة اليمين أنه ما علم أن الميت أعتقه.
وإن شهد للأمة بالعتق زوجها [ورجل] أجنبي، لم تجز الشهادة.
(2/536)
2084 - وإن شهد شاهد لعبد أن سيده بتله في
الصحة وشهد آخر أنه دبره فقد اختلفا، ولا تجوز شهادتهما. قال غيره: لأن هذا
صرفه إلى الثلث، وهذا إلى رأس المال، ويحلف السيد مع كل واحد منهما فإن نكل
سجن.
وإن قال أحدهما: أعتقه بتلاً، وقال الآخر: إلى أجل، فقد اتفقا في العتق،
ويحلف السيد مع شاهد البتل، فإن أقرّ عجل عتق العبد، وإن حلف عتق [العبد]
إلى الأجل، وإن نكل عن اليمين سجن، وإن شهد شاهد أن هذا الميت عبد فلان
وأنه أعتقه، وشهد آخر أنه عبده وأنه كاتبه، فشهادتهما جائزة على إثبات
الرق، لأنهما اجتمعا عليه.
وما اختلف فيه من الكتابة والعتق، لم تجز شهادتهما فيه. وإن شهدت بينة أن
هذا عبد فلان أعتقه وشهدت بينة أخرى أنه لفلان رجل آخر [ملكاً] وتكافأ،
قضيت بحريته، لأن العتق حيازة إلا أن يأتي الآخر بما هو أثبت. قال غيره:
وهذا
(2/537)
إذا لم يكن العبد في حوز أحدهما. وقال ابن
القاسم: بل لو كان في حوز من شهد له بالملك فقط لقضيت بحريته، لأنه عبد
قامت له بينة أنه حر، وأما لو قامت بينة الذي ليس هو في يديه أنه عبده
كاتبه أو دبره، لقضي لحائزه بملكه وبطل ما سوى ذلك. قال غيره: هو [لمن هو]
في يديه في ذلك كله، إذ لا يصح عتق حتى يثبت الملك، وإذ لو أقام كل واحد
منهما بينة أنه وُلد عنده [وتكافأ لقضيت به لحائزه، وتسقط بينة المدعي إذ
لم يثبت له ملكه، ولا عتق إلا بعد ثبات الملك. أرأيت لو قالوا: ولد عنده]
وأعتقه، أكان العتق يوجب له ما لم يملك. أرأيت لو شهدت بينة الحائز أنه
يملكه منذ سنة وشهدت بينة المدعي أنه يملكه منذ عشرة أشهر، وأنه أعتقه،
أكان العتق يوجب له الملك. (1)
* * *
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (6/224) ، والتقييد (3/91) .
(2/538)
|