التهذيب
في اختصار المدونة (كتاب
التدبير)
2085 - والتدبير لازم لموجبه على نفسه في يمين، أو بغير يمين، فمن قال: إن
اشتريت هذاالعبد فهو مدبر فابتاع بعضه فذلك البعض مدبر ولشريكه أن يقاويه.
قال [سحنون] : أو يقوم عليه أو يتماسك، لأنه يقول: لا أخرج عبدي
(2/539)
من يدي إلى غير عتق ناجز. قيل: فمن قال في
صحته لعبده: أنت حر يوم أموت، قال: قال مالك فيمن قال في صخته لعبده: أنت
حر بعد موتي، [فأراد بيعه] أنه يسأل فإن أراد وجه الوصية صدق وباعه أو رجع
عن ذلك إن شاء، وإن أراد التدبير صدق ومنع من بيعه. قال ابن القاسم: وهي
وصية أبداً حتى يتبين أنه أراد التدبير. وقال أشهب: إن قال هذا في غير
إحداث وصية لسفر أو مما جاء أنه لا ينبغي لحد أن يبيت ليلتين إلا ووصيته
عنده مكتوبة، فهو تدبير إذا قال ذلك في صحته.
وإن قال له: أنت حر بعد موتي وموت فلان، فهو من الثلث، وكأنه قال: إن مات
فلان فأنت حر بعد موتي، وإن مت أنا فأنت حر بعد موته، [وقاله أشهب: ولو قال
له: إن كلمت فلاناً فأنت حر بعد موتي] ، فكلمه، لزمه ما أوجب على نفسه بعد
الموت وعتق بعد موته من ثلثه، وصار ذلك شبيهاً بالتدبير، وإن قال له: أنت
حر بعد موتي بيوم أو بشهر، فهو من الثلث ويلحقه الدين. (1)
_________
(1) انظر: كفاية الطالب (2/298) ، وحاشية الدسوقي (4/381، 382، 388) ،
والتاج والإكليل (6/445) ، الفواكه الدواني (2/136) ، الشرح الكبير (4/381،
382، 871) ، والتمهيد (14/310) ، والمدونة (8/295) .
(2/540)
2086 - ومن مات وترك مدبرين فإن كان دبّر
واحداً بعد واحد في صحة أو مرض، أو دبر في مرض، ثم صح فدبر، ثم مرض فدبر،
فذلك سواء، ويبدا الأول فالأول إلى مبلغ الثلث، فإن بقي أحد منهم رق، ولو
دبرهم في كلمة في صحة أو مرض، عتق جميعهم إن حملهم الثلث وإن لم يحملهم
الثلث، لم يبدّ أحد منهم على صاحبه، ولكن يفضّ الثلث على جميعهم بالقيمة،
فيعتق من كل واحد حصته منه. وإن لم يدع غيرهم عتق ثلث كل واحد [منهم] ولا
يسهم بينهم، بخلاف المبتلين في المرض، ويبدّى المدبر في الصحة على المبتل
في المرض، ويعتق المدبر في الثلث أو ما حمل منه، فإن لم يدع غيره عتق ثلثه.
وإن كان على السيد دين لا يغترقه بيع منه للدين ثم عتق ثلث بقيته، وإن
اغترقه الدين رق، فإن بيع فيه ثم طرأ مال للميت نقض البيع وعتق في ثلثه.
2087 - وما هلك من التركة قبل تقويم المدبر لم يحسب، وكأنه لم يكن، ولو لم
يبق إلا المدبر لم يعتق إلا ثلثه.
وللمدبر حكم الأرقاء في حرمته وحدوده، وإن مات السيد حتى يعتق في الثلث،
وإنما ينظر إلى قيمته يوم النظر فيه لا يوم الموت.
(2/541)
2088 - وما ولدت المدبرة أو ولد للمدبر من
أمته بعد التدبير قبل موت السيد أو بعده فبمنزلتها، والمحاصة بين الآباء
والأبناء في الثلث، ويعتق محمل الثلث من جميعهم بغير قرعة. وإن دبر حاملاً
فولدها مدبر بمنزلتها.
وما ولدت أم الولد من غير السيد أو معتقة إلى سنين أو مخدمة إلى سنين، وليس
فيها عتق، فولدها بمنزلتها، وولد المعتق إلى أجل من أمته بمنزلته، وما ولدت
الموصى بعتقها أو وُلد للموصى بعتقه من أمته قبل موت سيدهم فهم رقيق. وما
ولد لهم بعد موته فبمنزلتهم يعتق من جميعهم محمل الثلث.
قال ابن وهب عن مالك في عبد دبره سيده، ثم توفي ولم يدع غيره فعتق ثلثه، ثم
وقع العبد على جارية فولدت أولاداً ثم توفي العبد وترك مالاً كثيراً، أو لم
يترك شيئاً، قال: يعتق من ولده مثل ما عتق منه، ويرق باقيهم ويخدمون مسترق
باقيهم بقدر الذي رق منهم.
2089 - وعقل المدبرة وعملها وغلتها لسيدها، وأما مهرها ومالها ما كسبت منه
قبل التدبير أو بعده، فهو موقوف بيدها، وللسيد انتزاعه، وانتزاع مال أم
الولد مدبرة ما لم يمرض، فإذا مرض لم يكن له ذلك، كما له انتزاع مال المعتق
إلى أجل، ما لم يقرب الأجل، فإذا قرب لم يكن له ذلك، فغن لم ينتزع السيد
مال المدبرة حتى مات، قوّمت في الثلث بمالها، فإن حمل الثلث بعضها أُقر
المال كله بيدها.
(2/542)
2090 -[قال مالك:] وإن دبر أجد الشريكين
أمة بينهما تقاوياها، فإن صارت لمن دبر كان جميعها مدبراً، وإن صارت للذي
لم يدبر كانت رقيقاً كلها، إلا أن يشاء الذي لم يدبر أن يسلمها إلى الذي
دبر، ويتبعه بنصف قيمتها فذلك له.
وإن كان عبد بين ثلاثة فدبر أحدهم نصيبه ثم أعتق آخر وتماسك الثالث، فإن
كان المعتق مليئاً قوم عليه حظ شركائه بالرق، وعتق عليه جميعه، وإن كان
المعتق معسراً فللمتمسك بالرق مقاواة الذي دبر، إلا أن يكون العتق قبل
التدبير والمعتق عديم، فلا يلزم الذي دبر مقاواة المتمسك، إذ لو أعتق بعد
عتق المعدم لم يقوم عليه وإن كان مليئاً.
2091 - ولا بأس أن يدبر أحد الشريكين نصيبه بإذن شريكه، وللمتمسك بيع حصته
إذا بيّن أن نصفه مدبر، وليس للمبتاع مع الذي دبر مقاواة.
2092 - وإذا دبر رجلان أمة بينهما معاً، أو واحد بعد واحد، فهي مدبرة لهما،
فإن مات أحدهما عتقت حصته في ثلثه، ولا يقوم عليه نصيب صاحبه، فإن كان ثلثه
لا يحمل حصته منها عتق منه ما حمل الثلث ورق باقيه لورثته، ثم ليس للورثة
مقاواة الشريك، ثم إن مات السيد الثاني عمل في نصيبه كالأول، ولو دبر أحد
الشريكين حصته ثم أعتق الآخر نصيبه أو أعتق أحدهما حصته من مدبر بينهما قوم
على المعتق حصة شريكه قيمة عبد، وقاله جميع الرواة.
(2/543)
وكذلك يقوم المدبر وأم الولد والمعتق إلى
أجل في جراحهم وأنفسهم قيمة عبد.
2093 - ولا بأس أن يرهن المدبر ويكون المرتهن بعد موت السيد أحق به من
الغرماء، [فإن لم يدع سيده غيره بيع المرتهنفي دينه، لأنه قد حازه، ولو لم
يقبضه بيع لجميع الغرماء، ولا يباع المدبر في حياة سيده في فلس ولا غيره
إلا في دين] قبل التدبير. ويباع بالموت إذا اغترقه الدين، سواء كان التدبير
قبل الدين أو بعده.
ولا تمهر مدبرك لزوجتك، لأن ذلك بيع، وبيعه لا يجوز، وإذا بيع ففسخ البيع
وقد أصابه عيب مفسد بيد المبتاع، فعليه ما نقصه.
ولا بأس أن تأخذ مالاً على أن تعتق مدبرك وولاؤه لك، ولا أحب لك أن تبيعه
ممن يعتقه.
2094 - ومن باع مدبره فمات في يد المبتاع فمصيبته من المبتاع، وينظر البائع
إلى الثمن الذي قبض فيه، فيحبس منه قدر قيمته أن لو كان يحل بيعه على رجاء
العتق له وخوف الرق عليه، كمن استهلك زرعاً فيغرم قيمته على الرجاء والخوف،
فما فضل بعد ذلك بيد البائع فليشتر به رقبة يدبرها، فإن لم يبلغ أعان به في
رقبة. فأما إن أعتقه المشتري أنفذ العتق وكان ولاؤه للمبتاع، وكان جميع
الثمن سائعاً لبائعه، ولا يرجع عليه المبتاع بشيء، وكذلك إن كانت مدبرة
فوطئها المبتاع
(2/544)
فحملت منه، فإن التدبير ينتقض وتصير أم ولد
للمبتاع ولا يرجع على البائع بما بين قيمتها مدبرة وقيمتها غير مدبرة.
2095 - ولا بأس بمكاتبة المدبر، فإن أدى عتق، وإن مات السيد عتق في ثلثه،
ويقوم بماله في الثلث، ويسقط عنه باقي الكتابة، وإن لم يحمل الثلث رقبته
عتق منه محمل الثلث، وأُقر ماله بيده، ووضع عنه من كل نجم عليه بقدر ما عتق
منه، [فإن عتق] نصفه وضع عنه نصف كل نجم بقي عيه، وإن لم يدع غيره عتق
ثلثه، ووضع عنه ثلث كل نجم بقي عليه، ولا ينظر إلى ما أدى قبل ذلك، ولو لم
يبق عليه إلا نجم [واحد] لعتق ثلثه، وحط عنه ثلث ذلك النجم، ويسعى فيما
يبقى عليه. فإن أدى خرج جميعه حراً، وإن مات سيده وعليه دين فاغرق الدين
قيمة رقبته كان كمكاتب تباع [للدين] كتابته، فإن أدى فولاؤه لعاقدها، وإن
عجز رق لمبتاعه، وإن اغترق الدين بعض الرقبة بيع من كتابته بقدر الدين، ثم
عتق من رقبته بقدر ثلث ما لم يبع من كتابته وحط عنه من كل نجم ثلث ما لم
يبع من ذلك النجم، فإن أدى خرج حراً وولاؤه للميت، وإن عجز فبقدر ما بيع من
كتابته يرق لمبتاعه من رقبته، وما عتق منه يكون حراً لا سبيل لأحد عليه،
وباقي
(2/545)
رقبته بعد الذي عتق منه يبقى للورثة رقاً.
2096 - ولا بأس أن يكاتب الرجل عبده مع مدبره كتابة واحدة، فإن مات فضت
الكتابة على قدر قوتيهما على الأداء يوم الكتابة، ويعتق المدبر في الثلث،
وتسقط حصته عن صاحبه، ويسعى العبد في حصته وحده، ولا يسعى المدبر معه، لأنه
إنما دخل معه على أن يعتق بموت السيد فلا حجة له، بخلاف عتق السيد لأحد
العبدين في الكتابة إذا لم يعقدا على هذا. فإن لم يحمل المدبر الثلث عتق
منه محمله ويسقط [عنه] من الكتابة بقدر ذلك ويسعى في باقي الكتابة هو
وصاحبه، ولا عتق بقيته إلا بصاحبه، ولا صاحبه إلا به، فإن عتقا رجع من أدى
منهما على صاحبه بما أدى عنه، إلا أن يكونا ذوي رحم لا يملك أحدهما الآخر،
فلا يتراجعان بشيء.
وقال أشهب: لا يجوز أن يكاتب عبده ومدبره كتابة واحدة للخطر على العبد بعتق
المدبر، وفي المكاتب إيعاب هذا. (1)
_________
(1) انظر: شرح الزرقاني (4/146) ، والمدونة الكبرى (7/244) ، ومنح الجليل
(9/425) .
(2/546)
2097 - ولو أن مدبرة بين رجلين وطئها
أحدهما فحملت، فإنها تقوم عليه، وتصير أم ولد إذ ذلك أكد لها، وقاله جميع
الرواة.
2098 - وإن كان الواطئ معسراً خير شريكه بين اتباعه بنصف قيمتها وتصير أم
ولد له وبين التمسك بحصه واتباعه بنصف قيمة الولد يوم استهلاله، ثم لا
تقويم عليه إن أيسر. فإن مات الواطئ عديماً عتق عليه نصيبه من رأس ماله،
لأنها بحساب أم ولد ويبقى نصيب المتمسك مدبراً.
2099 - وإن مات الذي لم يطأها وقد كان تمسك بنصيبه وعليه دين يردّ التدبير،
بيعت حصته فإن ابتاعها الواطئ ليسر حدث له، حل له وطؤها، فإن مات فنصفها
رقيق ونصفها عتيق من رأس ماله.
ومن دبر ما في بطن أمته، لم يجز له بيعها وله أن يرهنها. (1)
2100 - وإذا ارتد المدبر ولحق بدار الحرب ثم ظفرنا به، استتيب، فإن تاب
وإلا قتل، فإن تاب لم يقسم ود إلى سيده إن عُرف، فإن جهلوا أنه مدبر حتى
اقتسموا ثم جاء سيده، فله أن يفديه بالثمن ويرجع مدبراً، فإن أبى خدم من
صار إليه في الثمن الذي حسب به عليه، فإن أوفى وسيده الأول حي رجع إليه
مدبراً، وإن هلك السيد وقد تركه بيد من صار في سهمه يختدمه في ثمنه فمات
السيد قبل
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (6/358) ، والفواكه الدواني (2/27) ، ومواهب
الجليل (5/133) .
(2/547)
وفاء ذلك خرج من ثلثه حراً واتباع بباقي
الثمن، فإن لم يسعه الثلث عتق ما وسع منه ورق ما بقي لمشتريه، لأن سيده
اسلمه ولا قول لورثته فيه.
قال غيره: إن حمله الثلث عتق ولم يُتبع بشيء، وإن حمل بعضه لم يتبع حصة
البعض العتيق بشيء، وهذا بخلاف الجناية التي هي فعله.
وإن رهق السيد دين، أبطل الثلث ورق جميعه لمشتريه.
2101 - وإذا أسلم دبر مدبر النصراني أو ابتاع مسلماً فدبره واجرناه له،
وقبض غلته ولم يتعجل رقه بالبيع، إذ قد يعتق بموت سيده، فإن أسلم النصراني
قبل موته رجع إليه عبده، وكان له ولاؤه، وإن لم يسلم حتى مات عتق في ثلثه،
وكان ولاؤه للمسلمين، إلا أن يكون للنصراني ولد أو أخ مسلم ممن يجرّ ولاءه
إليه ويرثه فيكون ولاء المدبر له دون جماعة المسلمين، وهذا كله إن أسلم
المدبر بعد التدبير، وأما إن دبره والعبد مسلم فولاؤه للمسلمين، ولا يرجع
إلى النصراني وإن أسلم، ولا إلى ولده المسلمين.
2102 - وإن أعتق في الثلث نصفه والورثة نصارى، بيع عليهم نصفه من مسلم، فإن
لم يكن له ورثة رق نصفه للمسلمين.
(2/548)
وقال غيره: لا يجوز لنصراني شراء مسلم،
فإذا أسلم عبده ثم دبره عتق عليه، لأنه منعنا من بيعه عليه بالتدبير.
2103 - وإذا ارتد السيد ولحق بدار الحرب أوقفت مدبريه إلى موته كماله، ولا
يعتقوا إلا بعد موته.
وإذا ادعى العبد أن سيده قد دبره أو كاتبه وأنكر المولى، لم يلزمه يمين إلا
أن يقيم شاهداً، وهذا مثل العتق.
ومن قال في صحته لعبده: أنت حر بعد موت فلان، أو قال: بعد موتي بشهر، فهو
من رأس المال، معتق إلى الأجل، ولا يلحقه دين، وإن مات السيد قبل فلان خدم
العبد ورثة السيد إلى موت فلان، أو إلى بعد موته بشهر وخرج حراً من رأس
المال، ولو قال ذلك في مرضه عتق العبد في الثلث إلى أجله وخدم الورثة حتى
يتم الأجل، ثم هو حر، وإن لم يحمله الثلث خير الورثة في إنفاذ الوصية، أو
يعتقوا من العبد محمل الثلث بلاً.
(2/549)
2104 - وإن قال له: إن خدمتني سنة فأنت حر،
فمات السيد قبلها، خدم العبد ورثة السيد، فإذا تمت السنة عتق، ولو وضع عنه
السيد الخدمة عُجّل عتقه، وإن قال له: أخدم فلاناً سنة وأنت حر، مات فلان
قبل السنة خدم العبد ورثة فلان بقية السنة، ثم هو حر.
وأما في قوله: أخدم ولدي أو أخي أوابن فلان [سنة] وأنت حر، فيموت المُخدم
قبل السنة فإن أراد به الحضانة والكفالة عجل عتق العبد بموت المخدم، وإن
أراد به الخدمة خدم العبد ورثة المخدم بقية السنة، ثم هو حر.
2105 - وإن قال له: أنت حر على أن تخدمني سنة، فإن أراد أن يكون العتق بعد
الخدمة فذلك له، ولا يعتق [حتى] يخدم، وإن أراد تعجيل العتق وشرط عليه
الخدمة، عتق ولا خدمة عليه.
وإن قال له: أنت حر بعد سنة، أو: إذا خدمتني سنة، قال هذه السنة بعينها أو
لم يقل فهو سواء، وتحسب السنة من يوم قوله، وإن أبق فيها العبد أو مرض فصح
بعد زوالها عتق ولا شيء عليه، ألا ترى أن من أكرى داره أو دابته أو غلامه
فقال: أكريتكها سنة، أنها تحسب من يوم قوله؟ ولو قال: هذه السنة بعينها،
كان كذلك أيضاً.
* * *
(2/550)
|