التهذيب
في اختصار المدونة (كتاب
التجارة إلى أرض الحرب) (1)
2742 - وقد شدّد مالك الكراهية في التجارة إلى بلد الحرب، وقال: يجري حكم
المشركين عليهم.
ولا يُباع من الحربيين آلة الحرب من كُرَاع وسلاح وسرج أو غيرها
_________
(1) انظر: المدونة (10/275) ، والكافي (1/218) ، والقوانين الفقهية (ص192)
، ومراتب الإجماع لابن حزم (ص121) ، وأحكام أهل الذمة (ص342) ، ومواهب
الجليل (3/366) .
(3/249)
مما يَتَقَوَّوْن به في الحرب من نحاس
[وحديد أو خرثي أو غيره.
ولا يشتري منهم بالدنانير والدراهم التي فيها اسم الله عز وجل لنجاستهم،
كانوا أهل حرب أو عهد أو ذمة.
قيل لمالك: إن في أسواقنا صيارفة منهم، أنصرف منهم؟ قال: أكره ذلك، ولا أرى
للمسلم ببلد الحرب أن يعمل بالربا فيما بينه وبين الحربيين.
2743 - ولا بأس ببيع عبدك النصراني من النصراني.
(3/250)
وأما بيع الصقالبة منهم قال مالك: ما أعلمه
حراماً وغيره أحسن منه. قال ابن القاسم: وأنا أرى أن يمنعوا من شرائهمزقال
مالك: وإن ابتعت منهم صقلبية فلك ردها بعيب، وإن كنت نويت إدخالها في دينك.
وقال ابن نافع عن مالك في المجوس: إنهم إذا ملكوا أُجبروا على الإسلام،
ويُمنع النصارى من شرائهم، ومن شراء صغار الكتابيين، [ولا يمنعوا من شراء
كبار الكتابيين] .
2744 - وإذا ابتاع مسلم خمراً من نصراني كسرتها على المسلم، فإن لم يقبض
الذمي
(3/251)
الثمن تصدقت به أدباً له، ولا أنتزعه منه
إذا قبضه. وكذلك إن ابتاعها منه نصراني لمسلم، والنصراني البائع عالم بذلك.
وأما إن لم يعلم فالثمن له.
2745 - قال ابن القاسم: وأرض الصلح التي منع أهلها أنفسهم حتى صولحوا، فهي
لهم بما صولحوا عليه من جزية الجماجم وخراج الأرض، فلهم بيعها، وتورث عنهم،
إلا من لا وارث له فيكون ذلك للمسلمين. ومن أسلم منهم سقط الخراج عنه وعن
أرضه، وكانت أرضه له.
وإذا باع المصالح أرضه من مسلم أو ذمي فالخراج باق عليه، إلا أن يسلم فيسقط
عنه.
قال أشهب: [بل هو على المسلم] ، ويزول عنه بإسلام البائع.
قال ابن القاسم: ولو ابتاعها المسلم على أن خراجها عليه كان بيعاً [فاسداً]
ولا يحل، إذ لا يُدرى قدر بقائه. (1)
_________
(1) انظر: منح الجليل (4/452) .
(3/252)
وروى ابن نافع عن مالك في أهل الذمة إن
أُخذوا هم وأرضهم عنوة ثم أُقروا فيها وضربت عليهم الجزية، فلا يشترى منهم
أصل الأرض، لأنهم وأرضهم للمسلمين.
وأما الذين صولحوا على الجزية فإن أرضهم لهم، يجوز لهم بيعها وهي كغيرها من
أموالهم إذا لم يكن على الأرض جزية.
قال ابن القاسم: وبلد العنوة التي غلبهم المسلمون عليها فأقرّوها بأيديهم
وضربت عليهم الجزية، فليس لهم بيع أرض ولا دار، ولا لأحد أن يشتريها منهم.
2746 - قال مالك - رحمه الله -: ولا يجوز شراء أرض مصر ولا تقطع لأحد.
2747 - ومن كان بيننا وبينه صُلح أو هدنة من الحربيين، على مال أو غير مال،
فلا ينبغي شراؤهم ممن سباهم من أهل الأديان.
(3/253)
وكذلك النوبة، لأن لهم عهداً من عمرو بن
العاص أو عبد الله بن سعد.
2748 - ولو قدم إلينا تجار من أهل الحرب - وبيننا وبينهم عهد في بلدهم على
أن لا نقاتلهم ولا نسبيهم أعطونا على ذلك شيئاً أم لا - فباعوا منا أولادهم
لم يجز شراؤهم منهم، لأن لصغارهم من العهد ما لكبارهم.
وأما من نزل عندنا ممن لا عهد له منا ببلده، فلنا أن نبتاع منه الآباء
والأبناء والنساء وأمهات الأولاد.
وليس نزولهم على التجارة ببلدنا بعهد، ثم ينصرفون كالعهد الجاري لهم ببلدهم
منا على متاركة الحرب، بل هو كدخولنا إليهم لتجارة بعهد، فلنا شراؤهم منهم
هنالك. (1)
_________
(1) انظر: التقييد للزرويلي (5/21) .
(3/254)
2749 - والذمي والمعاهد إذا ابتاع مسلماً
أو مصحفاً جُبر على بيعه من مسلم ولم ينقض شراؤه. ولو صالحنا قوماً من أهل
الحرب على مائة رأس كل عام، لم ينبغ أن نأخذ منهم أبناءهم ولا نساءهم، إذ
لهم من العهد ما لآبائهم، إلا أن تكون المدة سنة أو سنتين فلا بأس أن نأخذ
منهم أبناءهم ونساءهم.
2450 - وإذا ابتاع الكافر عبداً بخيار فأسلم العبد في أيام الخيار لم ينفسخ
البيع، وقيل لمالك الخيار: اختر أو رُدّ، ثم يباع على من صار إليه. فإن كان
المبتاع مسلماً والخيار له، فله أخذه أو رده، فإن رده بيع على ربه.
2751 - وإذا أسلم عبد الكافر أو أمته بيع عليه، وكذلك عبده الصغير يسلم إن
عقل الإسلام، أُجبر على بيعه، لأن مالكاً قال في الحر إذا عقل الإسلام
فأسلم ثم بلغ فرجع عن الإسلام: إنه يجبر على الإسلام.
وإذا كان لمسلم عبد نصراني فاشترى مسلماً فإنه يجبر على بيعه، إذ هو له حتى
ينتزعه سيده، وقد يلحقه دين إن كان عليه.
(3/255)
2752 - وإذا أسلم عبيد زوجة المسلم
النصرانية، فلا بأس أن ينقل ملكها عنهم ببيعهم من زوجها أو بصدقتهم على
ولدها الصغار منه.
2753 - وإذا أسلم عبد النصراني وسيده غائب، فإن بعدت غيبته باعه السلطان
عليه ولم ينتظره، وإن قربت غيبته نظر في ذلك السلطان وكتب إليه، كالنصراني
الغائب تسلم زوجته ولم يبن بها، فإن كان قريباً نظر السلطان في ذلك خوفاً
أن يكون قد أسلم قبلها، وإن كان بعيداً فسخ بغير طلاق، ونكحت مكانها - إن
شاءت - ولا عدة عليها إن كان لم يبن بها، ولو كان قد بنى بها وغيبته بعيدة
أمرها الإمام بالعدة وتنتظره وهي في العدة، فإن قدم بعد العدة وقد أسلم بعد
انقضائها فلا سبيل له إليها، وكذلك لو لم يبن بها وقدم وقد أسلم بعد
إسلامها، فإن أسلم في الوجهين قبلها أو أسلم في التي دخل بها بعدها في
العدة، فهو أحق بها ما لم تنكح، ويدخل بها الثاني كالمفقود.
2754 - وإذا أسلم عبد نصراني فرهنه بعته عليه وعجلت الثمن إلا أن يأتي
النصراني
(3/256)
برهن ثقة مكان العبد فيأخذ الثمن، ولو وهبه
لمسلم للثواب فلم يثبه، فله أخذه ويباع عليه. ولو وهب مسلم عبداً مسلماً
لنصراني، أو تصدق به عليه جاز ذلك، وبيع عليه والثمن له.
2755 - وإذا بيعت أمة مسلمة أو كافرة لم يفرق بينها وبين ولدها، وبيع معها،
إلا أن يستغني الولد عنها في أكله وشربه ومنامه [وقيامه] .
قال مالك: وجد ذلك الإثغار ما لم يعجل به، جواري كنّ أو غلماناً، بخلاف
حضانة الحرة.
وقال الليث: حد ذلك أن ينفع نفسه ويستغني عن أمه فوق عشر سنين أو نحو ذلك.
قال مالك: ويفرق بين الولد الصغير وبين أبيه وجده وجداته لأمه ولأبيه في
البيع متى شاء سيده، وإنما ذلك في الأم خاصة.
(3/257)
وإذا قالت امرأة من السبي: هذا ابني لم
يفرق بينهما، وكذلك جاء الأثر (1) ، ولا يتوارثان بذلك.
2756 - وإذا نزل الروم ببلدنا تجاراً ففرقوا بين الأم وبين ولدها لم
أمنعهم، وكرهت للمسلمين شراءهم متفرقين. وإذا ابتاع مسلم منهم أماً وابنها
لم يفرّق بينهما إن باع. (2)
_________
(1) انظر: رواه الترمذي (3/580) ، (1283) .
(2) انظر: التاج والإكليل (4/372) .
(3/258)
وكذلك من ابتاع أمة قد كان ولدها في ملكه،
أو كان لابنه الصغير فلا يفرق بينهما في البيع.
2757 - ولو كان الولد لرجل والأم لآخر لَجُبرا على أن يجمعانهما في ملك أو
يبيعاهما معاً. وإذا ورث أخوان أمةً وابنها لزمهما أن يبقياهما في ملكهما
أو يبيعاهما [معاً] ، وكذلك لو ابتاعهما رجلان جمعا بينهما.
2758 - ومن باع ولداً دون أمه فسخ البيع إلا أن يجمعاهما في ملك واحد.
2759 - وسئل مالك عن أخوين ورثا أمة وولدها صغير، فأرادا أن يتقاوما الأم
فيأخذ أحدهما الأم والآخر الولد، وشرطا ألا يفرقا بين الأم وولدها حتى يبلغ
الولد؟ فقال: لا يجوز ذلك لهما وإن كان الأخوان في بيت واحد، وإنما يجوز
لهما أن يتقاوما الأم وولدها، فيأخذها أحدهما بولدها أو يبيعاهما جميعاً،
وهبة الولد للثواب كبيعه في التفرقة.
2760 - ولو وهب الولد وهو صغير لغير ثواب جاز، ويترك مع أمه ولا يفرق
بينهما، ويجبر الواهب والموهوب له على أن يكون الولد مع أمه، إما أن يرضى
صاحب الولد أن يرد الولد إلى الأم أو يضم سيد الأمةِ الأمةَ إلى ولدها،
وإلا فليبيعاهما [جميعاً] .
(3/259)
وإذا جمعاهما فمن أراد البيع منهما أو
أرهقه دين باع معه الآخر، وكذلك إن وهبه لابن له في حجره فرهق أحدهما دين.
ومن تمام حوز الموهوب أن يجوز الولد مع الأم، ولا يقبض الولد وحده، فإن فعل
أساء، وكان حوزاً إن فلس الواهب أو مات.
2761 - ومن له أمة وولدها صغير، فجنت الأم أو الولد، فاختار السيد إسلام
الجاني، قيل له وللمجني عليه: بيعاهما معاً ثم يقسم الثمن على قيمتهما
جميعاً.
[ومن] ابتاع أمة وولدها صغير ثم وجد بأحدهما عيباً، فليس له رده خاصة، وله
ردهما جميعاً أو حبسهما بجميع الثمن. ويجوز بيع نصف الأم ونصفالولد وليس
بتفرقة.
ومن أعتق ابن أمته الصغير، فله بيع أمه، ويشترط على المبتاع نفقة الولد
ومؤنته وأن لا يفرق بينه وبين أمه، وإن أعتق الأم جاز له أن يبيع الولد ممن
يشترط عليه أن لا يفرق بينه وبين أمه.
وإن كاتب الأم لم يجز له بيع ولدها إذ هي في ملكه بعد إلا أن يبيع كتابتها
مع رقبة الابن من رجل واحد، فيجوز ذلك إذا جمع بينهما، وإذا أدبر أحدهما لم
يجز له بيع الثاني وحده ولا مع خدمة الآخر.
ولا بأس ببيع الأمة دون الولد، أو الولد دونها [قسمة] للعتق، وليس العتق
بتفرقة.
(3/260)
ولا ينبغي بيع الأم من رجل والولد من عبد
مأذون له لذلك الرجل، لأن ما بيد العبد ملك له حتى ينتزع منه، إذ لو أرهقه
دين كان في ماله، فإن بيعا كذلك أُمرا بالجمع بينهما في ملك السيد أو
العبد، أو يبيعانهما معاً إلى ملك واحد، وإلا فسخ البيع.
2762 - ومن أوصى بأمة لرجل وبولدها لآخر جاز وجُبرا على الجمع بينهما بحال
ما وصفنا في الهبة والصدقة.
قال ابن القاسم: ومن باع أمة على أن الخيار له، ثم ابتاع ولداً لها صغيراً
في أيام الخيار بغير خيار، لم ينبغ له أن يختار إمضاء البيع فيها، فإن فعل
رُدّ البيع إلا أن يجمعاهما في ملك واحد. وإن كان الخيار للمبتاع فاختار
الشراء أُجبر معه مبتاع الولد على أن يجمعاهما في ملك أحدهما أو يبيعاهما
جميعاً.
2763 - وإذا أسلم عبد الذمي وله ولد من زوجته - وهي أمة لسيده - فولدها منه
تبع له في الدين، ويباع العبد من مسلم، والأم لمّا صار ولدها مسلماً بإسلام
أبيه وجب أن يباع الولد مع أمه من مسلم بالقضاء. ولو أسلمت الأم وحدها بيع
معها الولد وكان على دين الأب، وإسلام الزوجة يوجب التفرقة إلا أن يسلم
الزوج في العدة فيكون أحق بها.
(3/261)
وإذا أسلمت الذمية وهي حامل من ذمي، فولدها
على دين أبيهم، والولد تبع للأب في الدين، كان الأب حراً أو عبداً.
2764 -[قال مالك - رحمه الله -:] ولا أعرض لأهل الذمة في تعاملهم بالربا،
وإذا أسلم ذمي إلى ذمي درهماً في درهمين أو في خمر، ثم أسلما جميعاً فسخ
ذلك فيما بينهما. قال مالك: وإن أسلم الذي له الحق فأما في الربا فيأخذ رأس
ماله، وأما في الخمر فلا أدري [[ما حقيقته] ، لأني إن أمرت الذمي أن يرد
رأس المال ظلمته، وإن أعطيت المسلم الخمر أعطيته ما لا يحل] ، وأما إن أسلم
المطلوب فأما في الخمر فيرد رأس المال، وأما في الربا فلا أدري [ما حقيقته،
لأني إن أمرته برد رأس المال] خفت أن أظلم الذمي.
وقال ابن القاسم: إذا أسلم أحدهما تراجعا إلى رأس المال في الربا والخمر،
لأنه حكم بين مسلم وذمي.
(3/262)
2765 - قال النبي ÷: "لا تصروا الإبل
والغنم، فمن اشتراها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن شاء
أمسكها وإن شاء ردها وصاعاً من تمر" (1) . قال مالك: وهذا حديث متبع ليس
[لأحد] فيه رأي.
2766 - قال ابن القاسم: والمصراة من جميع الأنعام سواء، وهي التي يترك
حلبها ليعظم ضرعُها ويحسن حلابها ثم تباع، فإذا حلبها المشتري مرة لم يتبين
ذلك، فإذا حلبها الثانية علم بذلك نقص حلابها، فإما رضيها وإما ردها وصاعاً
من تمر [قال:] وإن كان ذلك ببلد ليس عيشهم التمر أعطى صاعاً من عيش ذلك
البلد. قيل: فإن حلبها ثالثة؟ قال: إن جاء من ذلك ما يعلم أنه حلبها بعد أن
تقدم له من حلابها ما فيه خبره فلا ردّ له، ويعد حلابه بعد الاختيار رضىً
بها، ولا حجة عليه في الثانية، إذ بها يختبر أمرها.
قال: وإذا ردها لم يكن له أن يرد اللبن معها إن كان قائماً بغير صاع، ولو
كان له رده كان عليه في فواته مثله، ولو رضي البائع أن يقبلها مع اللبن
بغير صاع
_________
(1) رواه البخاري (2/755) ، والشافعي في مسنده (ص189) ، وابن حبان في صحيحه
(11/343) ، ومالك في الموطأ (2/683) ، والبيهقي (5/318) ، وانظر: بداية
المجتهد (2/132) ، ونيل الأوطار (5/327) ، وسبل الإسلام (3/26) ، وتلخيص
الجبر (3/22، 23) ، والتحقيق لابن الجوزي (2/182) ، والمدونة الكبرى
(10/288) ، والفواكه الدواني (2/81) ، والتمهيد لابن عبد البر (18/210،
212) .
(3/263)
لم يعجبني، لأنه وجب له صاع طعام فباعه قبل
قبضه بلبن، إلا أن يقبلها بغير لبنها فيجوز.
2767 - ومن باع شاة حلوباً غير مصراة في إبان الحلاب ولم يذكر ما تحلب، فإن
كانت الرغبة فيها إنما هي للبن - والبائع يعلم ما تحلب فكتمه - فللمبتاع أن
يرضاها أو يردها، كصبرة يعلم البائع كيلها دون المبتاع، وإن لم يكن يعلم
ذلك البائع فلا رد للمبتاع، وكذلك ما تُنوفس فيه للبن من بقر أو غنم أو
إبل. ولو باعها في غير إبان لبنها ثم حلبها المبتاع في حين الإبان فلم
يرضها فلا ردّ له، كان البائع يعرف حلابها أم لا. وإن ابتعتها في الإبان
على أنها تحلب قسطين جاز، فإن وجدتها تحلب قسطاً فلك الردّ، وهو أقوى في
الرد من المصراة للشرط فيها.
2768 - وإذا بنى رجل في أرضك على نهر لك رحىً فلك عليه كراء [الأرض] ، وأما
الماء فلا كراء له. وإن كان في أرضك غدير أو بركة أو بحيرة فيها سمك
(3/264)
فلا يعجبني بيع ما فيها من السمك ولا تمنع
من يصيد فيها ولا الشرب منها. ولا يمنع الماء لشفة أو لسقي كبد إلا ما لا
فضل فيه عن أربابه.
ومن له حصة في أصل عين مملوكة، فله بيع حصته أو بيع شرب يوم أو يومين، دون
الأصل إذا جاءه حظه في الشرب كان له بيعه أو يبيع بعضه.
وكره مالك بيع ماء المواجل التي على طريق أنطابلس.
2769 - ويجوز بيع فضل ماء الزرع من عين أو بئر وبيع رقابها. وللرجل بيع ما
في داره أو أرضه من عين أو بئر للشفة أو للزرع، ويجوز بيعها وبيع مائها،
وكذلك المواجل التي يحدثها الناس في دورهم لأنفسهم، فأما ما حفر في الفيافي
والطرق من المواجل، كمواجل طرق المغرب فقد كره مالك بيعها، ولم يره بالحرام
البين،
(3/265)
وجل ما كان يعتمد عليه الكراهية واستثقال
بيع مائها، وهي مثل آبار الماشية التي في المهامه.
2770 - وكره مالك بيع أصل بئر الماشية أو مائها، أو فضلة حفرت في جاهلية أو
إسلام، ربت من العمران أو بعدت، وأهلها أحق بمائها حتى يرووا، ويكون للناس
ماء فضل، بينهم بالسواء، إلا من مرّ بهم لشفتهم ودوابهم فلا يمنعون. وأما
من حفرها في أرضه فإن أراد بها الصدقة فهي هكذا، وإن أراد أن ينتفع هو بها
فله منعها وبيع مائها بخلاف ما حفر هو في الفيافي.
2771 - قال مالك: والحكرة في كل شيء من طعام أو إدام أو كتان أو صوف أو
عصفر أو غيره، فما كان احتكاره يضر بالناس منع محتكره من الحكر، وإن لم يضر
ذلك [بالناس ولا] بالسوق فلا باس به. وإن قدم أهل الريف إلى الفسطاط لشراء
طعام، فمنعوهم وقالوا: تغلون علينا سعرنا، لم يمنعوا، إلا أن يضر ذلك بأهل
(3/266)
الفسطاط وعند أهل القرى ما يكفيهم، فإنهم
يمنعون وإلا تركوا. وكذلك من خرج إلى قرية فيها سوق ليجلب منها على ما
ذكرنا.
2772 - ولا يجوز أن تبتاع من رجل طعاماً على ما ابتاع منه فلان، أو تخيط له
ثوباً بمثل ما خطت لفلان. وكذلك الصبغ والصياغة والإجارة إذا لم تعلم حينئذ
ما كان أول ذلك.
2773 - ومن اشترى من رجل ثلاث جنيات من حائطه، على أن ما جنى منها أخذه كل
أربعة آصع بدينار، فلا بأس به وهو أمر معروف، وذلك كشراء ثمر الحائط بأسره
كيلاً أو زرعه اليابس على الكيل، أو صبرة لا يعلم ما فيها، فأما ابتياعه
بأربعين ديناراً من رطب هذا الحائط على أن كذا وكذا صاعاً بدينار، فيأخذ من
ذلك ما يجني كل يوم، فلا ينبغي ذلك حتى يسمي ما يأخذ كل يوم، وقد كان الناس
يتبايعون اللحم بسعر
(3/267)
معلوم ياخذ كل يوم شيئاً معلوماً ويشرع في
الأخذ ويتأخر الثمن إلى العطاء، وكذلك كل ما يباع في الأسواق، فلا يكون إلا
بأمد معلوم يسمى ما يأخذ كل يوم، وكان العطاء يومئذ مأموناً ولم يروه ديناً
بدين واستخفوه.
2774 - وإن اشتريت داراً أو ثوباً كل ذراع بدرهم ولم تسم عدد الأذرع، فقلت:
قيسوا فقد أخذت كل ذراع بدرهم، فذلك جائز.
2775 - وإن اشتريت جملة غنم كل شاتين بدرهم، أو جملة ثياب كل ثوبين بدينار
فأصبت في الثياب مائة ثوب وثوب، وفي الغنم مائة شاة وشاة، لزمتك الشاة أو
الثوب بنصف دينار.
2776 - ولا باس أن يبيع الرجل الشاة أو البعير ويستثني جزءاً من ذلك، ثلثاً
أو ربعاً أو نصفاً، وأما أن يستثني الجلد أو الرأس فقد أجازه مالك في السفر
إذ لا ثمن له هناك، وكرهه للحاضر إذ كأنه ابتاع اللحم.
(3/268)
قيل: فإن أبى المبتاع ذبحها في السفر
والبائع قد استثنى رأسها أو جلدها؟ قال: قال مالك فيمن وقف بعيره فباعه من
أهل المياه لينحروه واستثنى جلده فاستحيوه: فإن عليهم شراء جلده أو قيمته
كل ذلك واسع، فكذلك مسألتك.
ولا يكون شريكاً بالجلد إذ على الموت باع، ولا يجوز أن يستثني الفخذ أو
البطن أو الكبد. ولا بأس باستثناء الصوف والشعر. وإن استثنى من لحمها
أرطالاً يسيرة ثلاثة أو أربعة جاز، ويجبر المبتاع على الذبح ههنا، ولم يبلغ
به مالك الثلث.
وروى عنه ابن وهب أنه كان لا يجيز الاستثناء من لحمها وزناً ولا جزافاً، ثم
رجع فقال: لا بأس به في الأرطال اليسيرة، مثل الثلث فأدنى، وأجاز استثناء
(3/269)
الجلد والرأس، لأن المبتاع ضمنها بالشراء،
وأما شراء لحم هذه الشاة مطلقاً فلا يجوز، لأنها بعدُ في ضمان البائع.
2777 - قال ابن القاسم: ولا يجوز أن يبيعه رطلاً من لحمها قبل ذبحها
وسلخها، وليس كاستثناء البائع ذلك، كما أنه يجوز استثناء البائع أصوعاً من
ثمرة باعها رطبة دون الثلث يأخذها تمراً. ولا يجوز أن يبيع من ثمرة قد أزهت
أصوعاً معلومة دون الثلث أو أكثر يدفعها تمراً.
2778 - ولا يجوز الاشتراء من لحوم الإبل والبقر والغنم وسائر الطير قبل
ذبحها لحماً كل رطل بكذا، لأنه مغيّب لا يدري كيف ينكشف.
2779 - وإن ادعيت في دار دعوى فصالحك من ذلك على عشرة أرطال من لحم شاته
هذه، لم يجز.
2780 - ومن اشترى لبن غنم بأعيانها جزافاً شهراً أو شهرين، أو إلى أجل لا
ينقضي اللبن قبله، فإن كانت غنماً يسيرة كشاة أو شاتين لم يجز، إذ ليست
بمأمونة، وذلك جائز فيما كثر من الغنم كالعشرة ونحوها، إن كان في الإبان
وعرفا وجه حلابها، وإن لم يعرفا وجهه لم يجز.
فإن اشترى لبن عشرة من الغنم ثلاثة أشهر في إبانه فماتت خمس بعد أن حلب
(3/270)
جميعها شهراً، نظر فإن كانت الميتة تحلب
قسطين [قسطين] والباقية تحلب قسطاً قسطاً نظر كم الشهر من الثلاثة في قدر
نفاق اللبن ورخصه، فإن قيل: النصف، فقد قبض نصف صفقته بنصف الثمن، وهلك
ثلثا النصف الباقي قبل قبضه، فله الرجوع بحصته من الثمن وهو ثلثا نصف
الثمن، وذلك ثلث الثمن أجمع.
2781 - ولو كان موت هذه الميتة قبل أن تحلب شيئاً لرجع بثلثي جميع الثمن،
وعلى هذا يحسب أن لو كانت حصة الميت الثلث أو النصف أو الثلاثة أرباع، ولو
كنت أسلمت في لبنها سلماً على كيل فهلك بعضها، كان سلمك فيما بقي منها،
بخلاف شرائك لبنها مطلقاً.
2782 - ويجوز السلم في لبن غنم معينة على الكيل كل قسط بكذا، كانت الغنم
يسيرة أو كثيرة، كشاة أو شاتين، بعد أن يكون في إبان لبنها، ويسمي أقساطاً
معلومة، ويضرب أجلاً لا ينقضي اللبن قبله. قيل: أفينقده الثمن؟ قال: نعم،
إذا شرع في أخذ اللبن، أو كان يشرع فيه إلى أيام يسيرة، فإن زال الإبان ولم
يأخذ لبناً رجع بالثمن، وإن اشترى لبنها في غير إبانه على جزاف أو كيل
وشرطا أخذه في الإبان فلا خير فيه.
وإن اكترى ناقة أو بقرة حلوباً واستثنى حلابها جاز إن عرف وجهه.
(3/271)
2783 - ولا يجوز شراء سمسم أو زيتون أو حب
فجل بعينه على أن على البائع عصره، أو زرعاً قائماً على أن عليه حصاده
ودرسه، وكأنه ابتاع ما يخرج من ذلك كله وذلك مجهول. فأما إن ابتعت منه
ثوباً على أن يخيطه لك أو نعلين على أن يحذوهما فلا بأس به.
وإن ابتعت منه قمحاً على أن يطحنه لك، [قال مالك مرة: لا خير فيه،] واستخفه
بعد أن كرهه، وكان وجه ذلك عنده مكروهاً، وجل قوله في ذلك التخفيف على وجه
الاستحسان لا القياس.
* * *
(3/272)
|