التهذيب في اختصار المدونة

 (كتاب تضمين الصناع)
2957 - قال ابن القاسم: ومن دفع غزلاً إلى حائك لينسجه سبعة في ثمانية، فنسجه ستة في سبعة فله أخذه، وللحائك أجره كله. وقال غيره: بل بحساب ما عمل.
قال ابن القاسم: وإن شاء تركه وضمن الصانع قيمة الغزل، لأن من

(3/395)


استهلك لرجل غزلاً أو ثوباً فعليه قيمته. وقال غيره: يضمن في الغزل مثله، لأنه مما يوزن.
2958 - وإذا احترق الثوب عند القصار أو أفسده أو ضاع عنده بعد القصارة ضمن قيمته يوم قبضه أبيض، وليس لربه أن يُغرّم الصانع قيمة الثوب مفروغاً ويعطيه أجره.
2959 - وإذا دعاك الصانع إلى أخذ الثوب وقد فرغ منه ولم تأخذه، فهو له ضامن حتى يصل إليك.
2960 - وإذا أفسد الخياط القميص في قطعه فساداً يسيراً فعليه قيمة ما أفسد، وإن كان كثيراً ضمن قيمة الثوب كله يوم قبضه وكان له. وقد قضى الخلفاء بتضمين الصناع وهو صلاح للعامة.
ويضمن القصار ما أفسد أجيره ولا شيء على الأجير، إلا أن يتعدى أو يفرط.

(3/396)


2961 - وإذا احترق الخبز فإن لم يفرط صاحب الفرن ولا غر من نفسه لم يضمن، لغلبة النار، فإن غر أو فرط ضمن. (1)
2962 - وإذا أخطأ الصباغ فصبغ غير ما أمر به فلك أن تعطيه قيمة الصبغ وتأخذ ثوبك، أو تضمنه قيمته يوم قبضه.
وإذا أخطأ القصار فدفع ثوبك بعدما قصره إلى غيرك، فقطعه وخاطه ودفع إليك ثوباً غيره، فإن لك أن ترده [ثم لك أن] تضمن القصار [ثوبك] أو تأخذه مخيطاً بعد دفع أجر الخياطة للذي خاطه، نقصه ذلك أو زاده، ثم لا شيء لك على القصار.
2963 - وليس لك تضمين القاطع ولا أن تأخذ منه الثوب مع ما نقصه القطع، إذ لم يتعد، ولا لك أخذ الثوب بغير غرم أجر الخياطة، ولك أخذ ما خاطه الغاصب بغير غرم أجر الخياطة لتعديه.
2964 - ومن اشترى ثوباً فغلط البائع فدفع إليه غيره، فقطعه قميصاً ولم يخطه، فللبائع أخذه مقطوعاً، وليس القطع بزيادة من الذي قطعه ولا نقصان، فإن خاطه المبتاع لم يأخذه البائع حتى يدفع قيمة الخياطة للمبتاع إذ لم يتعد.
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (11/389) ، ومواهب الجليل (5/429) .

(3/397)


وإن سألت خياطاً قياس ثوب، فزعم أنه يقطع قميصاً فابتعته لقوله فلم يقطع قميصاً فقد لزمك، ولا شيء لك عليه ولا على البائع.
وكذلك الصيرفي يقول في درهم تريه إياه: إنه جيد، فيلفى رديئاً، فإن غرا من أنفسهما عوقبا ولم يغرما.
2965 - وما قامت [فيه] بينة أنه ضاع، أو سرق، أو أنه احترق بمعاينة بينة بغير سبب الصانع لم يضمنه.
ويغرم القصار قرض الفأر، إذ لا يعرف أنه قرض فأر، ولو علم أن الفأر قرضه من غير تضييع وقامت [بذلك] بينة، لم يضمن.
2966 - ولو مرّ حطّاب بثوب على حبل الصباغ فخرقه ضمن، ولم يضمن الصباغ وإن كان المار معدماً، لأن هذا مما ظهر بغير سبب الصباغ، لأن له أن ينشر الثياب، فلما نشره في الطريق لم يكن لهذا أن يخرقه [لأنه] كاصطدام الأحمال في الطريق.

(3/398)


وكذلك لو أوقف دابة محملة في الطريق، فصدمها رجل فكسر ما عليها أو قتلها لضمن، أو وضع قلالاً في الطريق فعثر عليها رجل فكسرها ضمن.
2967 - وما عمله الصناع في بيتك لم يضمنوه إن ضاع. وكذلك كل ما لم تسلمه إليهم، إلا أن يتعدوا. وكذلك رب الحنطة يصحب الكرى فتضيع فلا يضمن الحمال.
وإذا صبغ الصباغ الثوب أحمر أو أسود، وقال لربه: بذلك أمرتني، وقال ربه: أمرتك بأخضر، فالصباغ مصدق، إلا أن يصبغ صبغاً لا يشبه مثله.
2968 - وإذا صاغ الصائغ سوارين، فقال ربهما: أمرتك بخلخالين، فالصائغ مصدق.
2970 - وإذا أقر جميع الصناع بقبض متاع، وزعموا أنه ضاع، أو ردوه إلى ربه فعليهم البينة بذلك، وإلا ضمنوا، عملوه بأجر أو بغير أجر، قبضوه ببينة أو بغير بينة.

(3/399)


2971 - وإذا اختلف المتبايعان في [قلة] الثمن وكثرته، والسلعة بيد البائع أو بيد المبتاع، وقد غاب عليها، إلا أنها لم تتغير في بدن ولا سوق، أحلف البائع أولاً أنه ما باع إلا بكذا، ثم خيّر المبتاع في أخذها بذلك، أو يحلف أنه ما ابتاع إلا بكذا ثم يترادّان المبيع. فإن فاتت بيد المبتاع بتغير سوق فأعلى صدق مع يمينه، إذا أتى بما يشبه. وثبت مالك على هذا.
2972 - وإن مات المتبايعات فورثتهما في الفوت وغيره مكانهما، إن ادعوا معرفة الثمن. وإن تجاهل ورثتهما الثمن وتصادقا على البيع حلف ورثة المبتاع أنهم لا يعلمون بما ابتاعها به أبوهم، ثم يحلف ورثة البائع أنهم لا يعلمون بم باعه [به] أبوهم، ثم ترد، فإن فاتت بما ذكرنا لزمت ورثة المبتاع بقيمتها في ماله. وإن ادعى معرفة الثمن ورثة أحدهما، وجهله ورثة الآخر، حلف من ادعى معرفته، وصُدّق إن أشبه ذلك ثمن السلعة، وإن اتفق المتبايعان في الثمن واختلفا في الأجل، فقال البائع: بعتها حالّة، [أو إلى شهر] ، وقال المبتاع: بل إلى شهرين، فإن لم تفت حلفا

(3/400)


وردت، وإن فاتت بيد المبتاع، فأما في قول البائع: بعتها إلى شهر، فالمبتاع مصدق مع يمينه، لأن البائع أقرّ بالأجل وادعى حلوله، وأما في قول البائع بعتها حالّة فيصير المبتاع مدعياً للأجل.
وروى ابن وهب عن مالك في الوجهين [جميعاً] أن السلعة إن لم يقبضها المبتاع صدق البائع مع يمينه [إن ادعى ما يشبه] ، [وإن قبضها المبتاع صدق مع يمينه] [إن ادعى ما يشبه] . وإن تصادقا أن الأجل شهر، فادعى البائع حلوله وأنكر المبتاع، حُلّف المبتاع وصُدّق، وكذلك رب الدار والأجير يدعي تمام أجل الكراء، فهو مدع، إلا أن يقيم بينة فيقضى بها. (1)
_________
(1) انظر: الفواكه الدواني (2/85) ، ومواهب الجليل (4/462) ، والمدونة (10/302) ، والتمهيد (24/299) .

(3/401)


2973 - وإذا قال الرسول: دفعت المال إلى المبعوث إليه، أو قال الوصي: دفعت المال إلى الأيتام، فهو ضامن إن كذبوه، إلا أن يقيم بينة [فيقضى بها] .
2974 - ومن فتح في جداره كوة أو باباً يضر بجاره في التشرف منه عليه، مُنع، وأما كوة قديمة أو باب قديم لا منفعة له فيه، وفيه مضرة على جاره، لا يمنع منه.
2975 - ومن كفل يتيماً فأنفق عليه، ولليتيم مال، فله أن يرجع بما أنفق عليه في مال اليتيم، أشهد أو لم يشهد، إذا قال: إنما أنفقت عليه لأرجع في ماله.
والنفقة على اللقيط احتساب، فإن لم يجد الإمام من يحتسب فيه أنفق عليه من بيت المال، ولا يتبع اللقيط بشيء مما أنفق عليه. وكذلك اليتامى الذين لا مال لهم.
ولو قال من في حجره يتيم عديم: أنا أنفق عليه فإن أفاد مالاً أخذته منه وإلا فهو في حل، فذلك باطل، ولا يتبع اليتيم بشيء، إلا أن يكون له أموال عروض فيُسلفه حتى يبيع عروضه، فذلك له، وإن قصر ذلك المال عما أسلفه لم يتبعه بالنايف، وكذلك اللقيط.

(3/402)


2976 - ومن التقط لقيطاً فأنفق عليه فأتى رجل فأقام بينة أنه ابنه، فله أن يتبعه بما أنفق إن كان الأب موسراً في حين النفقة، لأنه ممن تلزمه نفقته، [هذا] إن تعمد الأب طرحه، وإن لم يكن الأب هو الذي طرحه فلا شيء عليه.
قال مالك - رحمه الله - في صبي صغير ضل من والده، فأنفق عليه رجل فلا يتبع أباه بشيء، وكذلك اللقيط، لأن النفقة عليه على وجه الحسبة.
2977 - ومن أنفق على ولد غائب وهم صغار بغير أمره، أو أنفقت زوجته على نفسها في غيبته [بغير أمره] ثم قدم، فلهما أن يرجعا عليه بما انفقا إن كان موسراً في غيبته، وإلا فلا.
ولو غاب وهو موسر فأمر الإمام رجلاً [بالنفقة] على ولده الصغير لزمه ذلك. وكذلك لو أنفق هو عليه بغير أمر الإمام على وجه السلف [له] لأتبعه بذلك إذا حلف أن ذلك منه بمعنى السلف، وكانت له على النفقة بينة، وإن كان الأب معسراً في ذلك لم يتبع بشيء، ولو أيسر بعد عسره فمات لم يتبع بشيء.

(3/403)


2978 - ومن التقط لقيطاً فكابره عليه رجل فنزعه منه فرفعه إلى الإمام، نظر الإمام للصبي فأيهم كان أقوى على مؤنته وكفالته وكان مأموناً، دفعه إليه.
قيل لابن القاسم: فمن التقط لقيطاً في مدينة الإسلام، أو في قرية للشرك في أرض، أو كنيسة، أو بيعة وعليه زي أهل الذمة أو المسلمين؟ قال: إن التقطه في قرى المسلمين ومواضعهم فهو مسلم، وإن كان في قرى الشرك وأهل الذمة ومواضعهم فهو مشرك، فإن وجد في قرية ليس فيها إلا الاثنان والثلاثة من المسلمين فهو للنصارى ولا يعرض له، إلا أن يلتقطه مسلم فيجعله على دينه.
2979 - ومن وهب لرجل لحم شاة ولآخر جلدها، فغفل عنها [حتى] نتجت فالنتاج لصاحب اللحم وعليه مثل الجلد أو قيمته لصاحب الجلد، وليس لصاحب الجلد قيمة جلد الولد ولا مثله.
ولو هلكت الشاة لم يكن له في الولد شيء وكذلك الناقة، ولصاحب اللحم أن يستحيي الشاة ويغرم لصاحب الجلد مثله أو قيمته.
2980 - قال مالك - رحمه الله -: ومن اختلط له دينار مع مائة دينار لغيره، ثم ضاع من الجملة دينار فهما فيه شريكان، صاحب الدينار بجزء من مائة وجزء، وصاحب المائة

(3/404)


دينار بمائة جزء من مائة وجزء. وقال ابن أبي سلمة وابن القاسم: لصاحب المائة الدينار تسعة وتسعون، ويقسمان الدينار الباقي نصفين.
2981 - ومن انفلت له باز فلم يقدر على أخذه حتى استوحش فهو لمن وجده. (1)
وإن هربت النحل ولحقت مكانها بالجبال، فإن كان أصل النحل عند أهل المعرفة [بها] وحشية، فهي بمنزلة ما وصفنا من الوحش.
وإذا خرجت النحل من جبح هذا إلى جبح هذا، فإن علم ذلك وقدر
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (6/211) ، ومواهب الجليل (5/253) .

(3/405)


على ردها إلى صاحبها ردها، وإلا فهي لمن ثبتت في أجباحه. وكذلك حمام الأبرجة.
2982 - ولا يحكم الإمام بين أهل الذمة في تعاملهم بالربا وشبهه، ولكن من امتنع منهم من دفع ثمن أو مثمون في البيع حُكم بينهم فيه، لأن هذا من التظالم.
ولا يعرض لهم فيما يجري بينهم من فساد بيع أو سلف، إلا أن يتحاكموا إليه، فيكون الإمام مخيراً، إن شاء حكم أو ترك.
قال مالك: وترك الحكم بينهم في ذلك أحبّ إلي، فإن حكم بينهم يحكم بحكم الإسلام، والذين حكم النبي ÷ فيهم بالرجم لم يكونوا أهل ذمة.

(3/406)


2983 - وإن وقع رطل من زيت في زق زنبق لرجل، فلك عليه رطل من زيت، فإن أبى أخذت رطلك الذي وقع في الزنبق من الزنبق.
قال سحنون: الزيت قد أعاب الزنبق لا محالة ويُسأل عن الزنبق، فإن كان قد أعاب الزيت كانا شريكين في ثمنه، هذا بقيمة زنبقه معيباً وهذا بقيمة زيته معيباً.
وإن كان الزنبق لا يضر الزيت ولا يعيبه ضرب بقيمة الزيت غير معيب، كالشعير يختلط بالقمح من غير عداء من أربابه، فالقمح لم يعب الشعير، والشعير هو الذي أعاب القمح، فيباع ذلك ويشتركان في ثمنه، هذا بقيمة شعير غير معيب، وهذا بقيمة قمحه معيباً.
2984 - قال مالك - رحمه الله -: ومن اعترفت من يده دابة وقضي عليه، فله وضع قيمتها بيد عدل، ويخرج بها إلى بلد البائع منه لتشهد لبينة على عينها.
وكذلك في العروض أو العبد أو الأمة، إلا أنه في الأمة إن كان أميناً دفعت إليه، وإلا فعليه أن يستأجر معه أميناً.

(3/407)


قال مالك - رحمه الله -: ويطبع في أعناقهم، ولم يزل ذلك من أمر الناس، فإن رجع بذلك، وقد أصابه في الحيوان أو في الرقيق عور، أو كسر، أو عجف فهو لها ضامن، ولا يضمن إن نقص سوق ذلك كله، وله رده وأخذ القيمة التي وضع. (1)
* * *
_________
(1) انظر: التقييد للزرويلي (5/131) .

(3/408)