التهذيب في اختصار المدونة

 (كتاب كراء الرواحل والدواب)
3035 - ومن اشترى عبداً واكترى راحلة بعينها إلى مكة بمائة دينار في صفقة واحدة، جاز ذلك إن لم يشترط خلف الراحلة إن هلكت، وإن اشترط ذلك لم يجز إلا أن يكون الكراء مضموناً في أصل الصفقة.
3036 - وكراء الدواب على وجهين: مضمون في ذمة، أو في دابة بعينها، فالدابة المعينة إن هلكت انفسخ الكراء، ولا يأتي بغيرها، إلا أن يشترط البلاغ وهو المضمون، فإن اشترط في المعينة إن ماتت أتاه بغيرها، لم يجز، والدابة هاهنا كالراعي لا يشترط إن مات أن يؤتى ببديل من ماله، وتفسخ الإجارة بموته. (1)
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (5/425) ، والشرح الكبير (4/34) ، ومواهب الجليل (5/436) ، ومختصر خليل (1/247) .

(3/435)


وإذا استؤجر لغنم يرعاها أو دواب يقوم عليها، فماتت الغنم والدواب لم تنفسخ الإجارة، وإنما تنفسخ الإجارة بموت الأجير لا بموت المستأجر عليه.
3037 - ومن باع دابة واستثنى ركوبها يوماً أو يومين، أو أن يسافر عليها اليوم، أو إلى المكان القريب، جاز ذلك، ولا ينبغي ما بَعُد، إذ لا يدري المبتاع كيف ترجع إليه، وضمانها من المبتاع فيما يجوز استثناؤه، ومن البائع فيما لا يجوز استثناؤه.
3038 - ومن اكترى راحلة بعينها على أن يركبها إلى اليوم واليومين وما قرب، جاز ذلك، وجاز فيه النقد. وإن كان الركوب إلى شهر أو شهرين، جاز ما لم ينقده. وقال غيره: لا يجوز.
3039 - ولا يصلح النقد في كراء الخيار، إلا أن يشترط الخيار في مجلسهما ذلك قبل أن يفترقا.
وإن اكتريت ن رجل دابة بعينها، أو داراً فباعها ربها، أو وهبها،

(3/436)


أو تصدق بها، لم يجز ذلك، لأن المكتري أحق بهما في الموت والفلَس بقية المدة، كطعام بعينه مات بائعه، أو فلس قبل كيله، فمبتاعه أحق به من الغرماء حتى يستوفي حقه.
3040 - وإن ذهب مبتاع الدابة بها فلم يوجد، فسخ الكراء وترجع فيما نقدت. ولو قدرت عليها وربها غائب فأقمت بينة على كرائك كنت أحق بها، ونقض البيع، وللمبتاع الرضا بتأخيرها إلى تمام مسافتك إن قربت، وإن بعدت لم يجز.
3041 - ومن اكترى دابة لركوب أو حمل، أو داراً، أو استأجر أجيراً بشيء بعينه من عرض، أو حيوان، أو طعام، فتشاحا في النقد ولم يشترطا شيئاً، فإن كانت سنة البلد في الكراء على النقد جاز، وقضي بقبضها، وإن لم تكن سنتهم النقد فيه لم يجز الكراء وإن عجلت هذه الأشياء، إلا أن يشترط النقد في العقد. كما لا يجوز بيع ثوب، أو حيوان بعينه على أن لا يقبض إلا إلى شهر ويفسخ.
قال ابن القاسم: وإن اكترى ما ذكرنا بدنانير معينة ثم تشاحّا في النقد، فإن كان الكراء في البلد بالنقد قضي بنقدها، وإلا لم يجز الكراء، إلا أن يعجلها، كقول مالك فيمن ابتاع سلعة بدنانير له ببلد آخر عند قاض أو غيره، فإن شرط ضمانها إن

(3/437)


تلفت جاز، وإلا لم يجز البيع، [فأرى] إن كان الكراء لا ينقد في مثله فلا يجوز، إلا أن يشترط في الدنانير إن تلفت فعليه مثلها.
ولا يجوز اشتراط هذا في طعام ولا عرض في بيع ولا كراء، لأنه مما يبتاع لعينه، فلا يدري أي الصفقتين ابتاع، ولا يراد من المال عينه. وقال غيره في الدنانير: هو جائز. وإن تلفت فعليه الضمان.
3042 - قال ابن القاسم: ومن اكترى إلى مكة بعرض بعينه، أو بطعام بعينه، أو بدنانير معينة والكراء عندهم ليس على النقد، فقال المكتري: أنا أعجل العرض والدنانير والطعام، ولا أفسخ الكراء، فلا بد من فسخه لفساد العقد.
وقال غيره مثله، إلا في الدنانير فإنه جائز عنده.
3043 - قال ابن القاسم: وإن اكترى بهذه المعينات من عرض ونحوه، وشرط عليه أن لا ينقد ذلك إلا بعد يومين أو ثلاثة أيام، لم يعجبني ذلك، إلا لعذر من ركوب دابة ولبس ثوب إن كان مما يلبس وخدمة عبد وغيره، أو توثقا حتى يشهدا فذلك جائز،

(3/438)


وإن لم يكن لشيء من ذلك كرهته، ولا أفسخ به البيع، ولا أحب أن يعقد الكراء على هذا.
وقد أجاز مالك تأخير الكيل اليوم واليومين للمشتري من صبرة معينة، ورأى في المشترط إن لم يأت بالثمن إلى أيام فلا بيع، له انفاذ البيع وسقوط الشرط، عجل النقد أو أخّره، ويقضى عليه بالنقد، وأما الدنانير المعينة فلا يعجبني تأخيرها اليوم واليومين، إلا أن يشترط المكتري ضمانها، أو يضعها رهناً بيد غيره، ولم يكرهه غيره، وإن بقيت بيده، لأنه لو ابتاع بها بعينها فاستحقت لقضي عليه بمثلها، والبيع تام.
3044 - قال ابن القاسم: وإذا هلك هذا العرض المعين بيد المكترى له، وقد شرط حبسه للوثيقة، أو للمنفعة، [فهو من المكري، لأنه أمر يعرف هلاكه، ولو حبسه المكتري وهو مما يُغاب عليه للوثيقة فهلك بيده] ، كان منه إن لم يعرف هلاكه وانتقض الكراء، ولا يقال له: إيت بمثله، وكذلك إن استحق في هذا، أو إذا كان رأس مال السلم، وكذلك في المبيع يحبسه البائع لنفعه به،

(3/439)


أو للثمن، فهو منه إلا أن تقوم بينة بهلاكه، فيكون كالحيوان ضمانه من المبتاع والبيع تام.
3045 - ولا يجوز اشتراط ضمان ما هلك مما يتأخر قبضه اليوم واليومين، إلا في العين وحده.
قال غيره في الثياب والحيوان وما لا يكال أو يوزن من العروض: يحبسها البائع لركوب، أو لباس ثوب، أو نفع، أو خدمة [عبد وغير ذلك] ، بشرط يوم أو يومين، فالنقد في ذلك جائز لقربه، وضمانها من المبتاع، لأنه كأنه قبضه وتلف في يديه، وكذلك إن اكترى بها دابة أو داراً وحبسها لذلك.
3046 - قال ابن القاسم: ومن اكترى من رجل دابة إلى موضع كذا بثوب مروي ولم يصف رفعته وذرعه، لم يجز كالبيع.
3047 - ولا بأس أن تكتري إبلاً من رجل على أن عليك رحلتها. أو تكتري دابة بعلفها، أو أجيراً بطعامه، أو إبلاً على أن عليك علفها وطعام ربها، أو على أن عليه هو طعامك ذهاباً وراجعاً، فذلك جائز، وإن لم توصف النفقة، وذلك معروف، والزوج إذا تزوج لا يحد للزوجة نفقة. (1)
_________
(1) انظر: التقييد (5/151) .

(3/440)


3048 - ولا بأس أن يؤاجر الحر أو العبد أجلاً معلوماً بطعامه في الأجل، أو بكسوته [فيه] ، وكذلك إن كان مع الكسوة أو الطعام دنانير، أو دراهم، أو عروض بعينها، جاز ذلك إذا كانت العروض معجلة، وإن كانت عروضاً مضمونة بغير عينها جاز تأخيرها إن ضربا لذلك أجلاً.
3049 - ومن اكترى دابة ليركبها في حوائجه شهراً، فإن كانت على ما يركب الناس الدواب جاز، وكذلك إن اكتراها لطحين قمح شهراً بعينه ولم يذكر كم يطحن كل يوم، جاز، لأن وجه طحين الناس معروف.
3050 - ومن استأجر دوابّ لرجل واحد في صفقة ليحمل عليها مائة إردب قمحاً، ولم يسم ما تحمل كل دابة، جاز ذلك، وليحمل على كل دابة بقدر قوتها.
وإن كانت الدواب لرجال شتى وحملها مختلف، لم يجز، إذ لا يدري كل واحد بم أكرى دابته كالبيوع. ولا يجوز كراء دابة ليشيِّع عليها رجلاً حتى يسمي منتهى التشييع.
قال غيره: إلا أن يكون مبلغ التشييع بالبلد قد عرف فلا بأس به.

(3/441)


3051 - ومن اكترى دابتين، واحدة إلى برقة وأخرى إلى إفريقية، لم يجز حتى يعين [التي إلى برقة] والتي إلى إفريقية.
3052 - وإن اكتريت من رجل على أنه إن أدخلك مكة في عشرة أيام فله عشرة دنانير، وإن أدخلك في أكثر فله خمسة دنانير، لم يجز، ويفسخ قبل الركوب، وإن نزل ذلك وبلّغك إلى مكة، فله كراء مثله في سرعة السير وإبطائه، ولا ينظر إلى ما سميتما.
ومن اكترى دابة ولم يسم ما يحمل عليها، لم يجز، إلا من قوم قد عرف حملهم، فذلك لازم على ما عرفوا من الحِمل.
قال غيره: ولو سمى حمل طعام أو بز أو عطر، جاز، وحملها قدر مثلها.
ولو قال: احمل عليها حمل مثلها مما شئت، لم يجز، لاختلاف ضرر الأشياء في الحمل، وكذلك ليركبها إلى أي بلد شاء، لم يجز، لاختلاف الطرق بالسهولة والوعورة، وكذلك الحوانيت والدور، وكل ما يتباعد الاختلاف فيه، لأن في ذلك

(3/442)


ما هو أضر بالجدران، ولأن رب الدابة والمسكن باع من منافعهما ما لا يدري، ألا ترى أن من حمل ما ليس بأضر مما شرط لم يضمن، كمن اكترى [دابة] ليحمل حنطة، فحمل مكانها شعيراً مثله، أو سمسماً لم يضمن إن عطبت الدابة.
وكذلك إن اكتراها على أن يحمل شطوياً فحمل عليها بغدادياً أو بصرياً أو ما أشبهه من نحوه وخفته وثقله، لم يضمن.
3053 - ولو حمل رصاصاً أو حجارة بوزن ذلك فعطبت ضمن، لاختلاف ما بين ذلك.
3054 - قال ابن القاسم: ومن تكارى من رجل إلى مكة بمثل ما يتكارى الناس، لم يجز.
ومن أكرى إبله بطعام مضمون ولم يضرب له أجلاً، ولا ذكر موضع قبضه، فإن [لم] يكن للناس في ذلك سُنة معروفة، لم يجز، إلا أن يتراضوا على أمر جائز.
وإن اكترى المشاة على حمل أزوادهم على أن لهم حمل من مرض منهم، لم يجز.
3055 - ومن اكترى من رجل دابة على أنه إن بلغه موضع كذا يوم كذا، وإلا فلا كراء له، لم يجز.

(3/443)


وكل من ركب أو حُمل في كراء فاسد فعليه كراء المثل.
3056 - وإذا تكارى قوم دابة ليزفوا عليها ليلتهم عروساً فلم يزفوها تلك الليلة فعليهم الكراء.
ومن أكرى دابة ليشيع عليها رجلاً إلى موضع معروف، أو ليركبها إلى موضع [معلوم] سمّاه، فبدا له أو للرجل، فقد لزمه الكراء، وليكر الدابة إن شاء إلى الموضع في مثل ما اكترى. (1)
وإن اكتراها ليركبها يومه بدرهم، فأمكن منها فلم يركبها حتى مضى اليوم، لزمه الكراء.
3057 - وإن اكتراها إلى حج أو إلى بيت المقدس، فعاقه مرض أو سقط أو مات أو عرض له غريم حبسه في بعض الطريق، فالكراء عليه، وله كراء الدابة، أو لورثته في مثل ما اكترى من مثله، وصاحب الإبل أولى بما على إبله من الغرماء حتى يقبض كراه، وللغرماء أن يكروها في مثل ما اكترى.
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (5/414، 437) ، والمدونة الكبرى (14/360) .

(3/444)


3058 - وإن اكتريت ثوراً لتطحن عليه إردبين كل يوم بدرهم، فوجدته لا يطحن إلا [إردباً، فلك رده، وعليه في الإردب نصف درهم، وإن اكتريت دابة بعينها أو بعيراً بعينه فإذا هو] عضوض أو جموح أو لا يبصر بالليل، أو دُبر تحتك دبرة فاحشة يؤذيك ريحها، فما أضر من ذلك براكبها فله فيه الفسخ، لأنها عيوب، والكراء [فيها] غير مضمون.
3059 - وإذا مرض العبد في مدة الإجارة، فسخ الكراء وسقط عنك كراء أيام مرضه، [إلا أنه] إذا صح في بقية المدة عاد إلى عمله.
وإذا اعتلت الدابة المكتراة في الطريق فسخ الكراء، [وإن صحت بعد ذلك لم يلزمه] كراؤها بقية الطريق، بخلاف العبد، للضرر في صبر المسافر عليها، وهي إن صحت لم تلحقه، وإن لحقته فلعله قد اكترى غيرها، ولو رضي المكتري بالمقام عليها وأبى ربها إذا مرضت إلا بيعها، فإن كان مرضاً يرجى برؤه إلى ما قرب من اليومين ونحوهما مما لا ضرر فيه على المكتري حُبس لذلك، فإن كان فيه ضرر فسخ.

(3/445)


3060 - وإن اكتريت دابة بعينها فليس لربها أن يحمل تحتك متاعاً، ولا يردف رديفاً، وكأنك تملك ظهرها، وكذلك السفينة، وإن حمل في متاعك على الدابة متاعاً بكراء، أو بغير كراء فلك كراؤه، إلا أن تكون اكتريت منه حمل أرطال مسماة، فالزيادة له. (1)
قال أشهب: إن أكراه ليحمله وحده أو مع متاعه فكراء الزيادة للمكري وقد كان للمكتري منعه من الزيادة عليها [إذا أكراه الدابة] .
3061 - ومن اكترى دابة ليركبها فحمل [مكانه] مثله في الخفة والأمانة، لم يضمن. وإن أكرى ممن هو أثقل منه أو من غير مأمون، ضمن.
وإن أكرى من غير مأمون فادعى تلف الدابة لم يضمن الثاني، إلا أن يأتي من سببه أو يتبين كذبه.
ويضمن المكتري الأول لربها [قيمتها] بتعديه، وأكره له أن يكري من
_________
(1) انظر: كفاية الطالب (2/253) ، وحاشية الدسوقي (4/35) ، والفواكه الدواني (2/113) ، والمدونة الكبرى (11/476، 500) .

(3/446)


غيره، إذ قد يكري منه لحاله وحسن ركوبه، فإن فعل لم يضمن إن حمل مثله في الثقل والحال، وأما في موته فلورثته حمل مثله، وأكثر قول مالك أن ذلك له في الحياة.
ومن اكترى من رجل على حمولة إلى بلد فليس له صرفها إلى غير البلد الذي اكترى إليه، وإن ساواه في المسافة والصعوبة والسهولة، إلا بإذن الكري، ولم يجزه غيره وإن رضيا، لأنه فسخ دين في دين، إلا بعد صحة الإقالة.
وإذا زاد المكتري على الدابة في الحمل الذي شرط فعطبت، فإن زاد ما تعطب

(3/447)


في مثله خُيّر ربها بين أخذ المكتري بقيمة كراء ما زاد على الدابة بالغاً ما بلغ مع الكراء الأول، أو قيمة الدابة يوم التعدي، ولا كراء له، فإن زاد ما لا تعطب في مثله، فله كراء الزيادة [بالغاً] ما بلغ فقط مع كرائه الأول، ولا ضمان عليه، وكذلك الرديف فيما ذكرنا.
3062 - وكذلك لو اكتراها ليشيع عليها رجلاً، فأردف خلفه رجلاً فعطبت، فينظر إن عطبت لذلك، كما ذكرنا، وأما زيادة الحاج في وزن الزاملة أكثر من شرطه مما تعطب في مثله، قال مالك: فليس ذلك كغيره، وقد عُرفت للحاج زيادات من السفر والأطعمة ولا ينظر فيها المكاري، ولا يعرف ما حمل، فلا ضمان عليه في ذلك.
قال: وذلك إذا كان الكري قد رأى ذلك وحمله فالضمان ساقط، وإذا بلغ المكتري الغاية التي اكترى إليها ثم زاد ميلاً ونحوه [فعطبت الدابة] ، فلربها كراؤه الأول، والخيار في أخذ [قيمة] كراء الميل الزائد ما بلغ، أو قيمة الدابة يوم التعدي، ولو ردها بحالها بعد زيادة ميل أو أميال، أو بعد أن حبسها اليوم ونحوه، لم يضمن إلا كراء زيادة الأمد.
3063 - وإن اكتراها يوماً فحبسها أياماً أو شهراً وردها بحالها، فلربها كراء اليوم، والخيار

(3/448)


في أخذ قيمتها يوم التعدي، أو قيمة كرائها فيما حبسها فيه من عمل، أو [قيمة] حبسه إياها بغير عمل ما بلغ ذلك، وإن لم تتغير.
قال غيره: إن كان ربها حاضراً معه بالمصر فإنما له عليه فيما حبسها بحساب كرائها الأول، وكأنه رضي به، لأنه كان قادراً على أخذها، وإن كان غائباً عنه ورد الدابة بحالها، فله في الزيادة الأكثر من قيمة كراء ذلك أو من حساب الكراء الأول، عمل عليها شيئاً أو لا، وإن شاء فقيمة الدابة يوم حبسها والكراء الأول له في كل حال. (1)
3064 - قال ابن القاسم: ومن اكترى دابة لحمل محمل، فحمل عليها زاملة فعطبت، فإن كان ذلك أقل ضرراً من المحمل أو مساوياً له، لم يضمن، وإن كان أضر ضمن.
وكذلك حمله مكان كتان صوفاً، أو مكان بَزّ دُهْناً، أو مكان دهن رصاصاً، فربما تساوى الوزن وتفاوت الضرر، لأن ما حمل أضر لجفائه، أو لأنه
_________
(1) انظر: حاشية الدسوقي (4/44) ، ومواهب الجليل (5/439) ، والمدونة الكبرى (11/482) .

(3/449)


أضغط لظهور الدواب، كالرصاص ونحوه، وكذلك إن اكترى ليركب، فحمل غيره أثقل أو أضر منه، فما ضَمّنْته به من ذلك كله، فإن لرب الدابة إن شاء كراء الفضل في الضرر والتعب، أو قيمة الدابة.
3065 - وكذلك إن اكترى رحاً ليطحن حنطة، فطحن شعيراً أو عدساً أو غير ذلك من القطاني، فانكسرت الرحا، فإن كان طحين ذلك ليس بأضر من الحنطة، لم يضمن، وإن كان ذلك أضر، ضمن.
وكذلك إن اكترى دابة ليحمل عليها حنطة، فحمل عليها شعيراً أو ثياباً أو دهناً. [قال:] وله حمل غير ما سمى إن لم يكن أضر، ولا أثقل، ولا أتعب، ورب زاملة أثقل من محمل، وهي أرفق بالإبل. والحديد أضغط لظهورها.
3066 - ومن اكترى دابة من مصر إلى برقة ذاهباً وراجعاً إلى مصر، فتمادى إلى إفريقية وعاد إلى مصر، فرب الدابة مخير في أخذ قيمة كرائها من برقة إلى إفريقية ذاهباً وراجعاً إلى برقة ما بلغ مع كرائه الأول، أو نصف الكراء الأول مع قيمتها ببرقة يوم التعدي، ردها بحالها أو تغير حالها، لأن سوقها قد تغير، وقد حبسها المكتري عن نفعه بها وعن أسواقها.

(3/450)


وإن أكراها إلى بلد ذاهباً وجائياً، فعطبت يوم وصولها إلى البلد، لم يضمن المكتري، ولربها نصف الكراء فقط.
وإن جاوزها فلربها أخذ قيمتها يوم تعديه مع كرائها إلى ذلك الموضع، وإن شاء [أخذ] دابته وكراء ما تعدى فيه.
ومن اكترى ثوراً ليطحن عليه كل يوم إردباً، فطحن عليه إردبين فعطب الثور، فلربه إن شاء كراء الإردب الأول وقيمة الثور وقت ربطه في الثاني، وإن شاء قيمة طحين الثاني ما بلغ مع كراء الأول.
3067 - وإذا اختلف المتكاريان قبل الركوب أو بعد مسير لا ضرر في رجوعه فقال المكري: أكريتك إلى برقة بمائة، وقال المكتري: إنما اكتريت منك إلى إفريقية بمائة، تحالفا وتفاسخا نَقَد الكراء أو لم ينقده.
قال غيره: إذا انتقد الجمّال وكان يشبه ما قال فالقول قوله،

(3/451)


لأنه مدعى عليه، ألا ترى أنه لو قال: بعتك بهذه المائة التي قبضت منك مائة إردب إلى سنة، وقال المبتاع: بل اشتريت بها منك مائتي إردب إلى سنة، وكان ما قال البائع يشبه أن القول قوله والمشتري مدع.
3068 - وإذا اختلفا في المسافة فقط فقال المكري: إلى برقة، وقد بلغاها، وقال المكتري: إلى إفريقية، فإن انتقد الكراء فهو مصدق إن أشبه أن يكون كراء الناس إلى برقة بمائة درهم، ويحلف، وإن لم يشبه إلا قول المكتري كان للجمال حصة مسافة برقة على دعوى المكتري بعد أن يتحالفا ولا يلزمه التمادي، وإن لم ينتقد وأشبه ما قالا - لأن ذلك مما يتغابن الناس فيه - تحالفا وفُضّ الكراء وأخذ الجمال حصة مسافة برقة ولم يتماد، وأيهما نكل قُضي لمن حلف، وإن أقام البينة قبل الركوب أو بعد بلوغ برقة قُضي بأعدل البينتين، ولو تكافأتا [تحالفا] ، فإن لم يركب فسخ الكراء كله.

(3/452)


قال غيره: يُقضى بالزيادة، وليس بتهاتر، وقاله ابن القاسم في اختلاف المتبايعين قبل القبض في الثمن، أنه يقضى ببينة البائع إذا زادت.
[قال ابن القاسم:] ولو قال المكري: أكريتك إلى المدينة بمائتين وقد بلغاها، وقال المكتري: بل إلى مكة بمائة، فإن نقده المائة فالقول قول الجمال فيما يشبه، لأنه ائتمنه، ويحلف له المكتري في المائة الثانية، ويحلف الجمال أنه لم يكره إلى مكة بمائة، ويتفاسخان، وإن أقاما بينة قضي بأعدلهما، وإن تكافأتا سقطتا، وإن لم ينقده صدق الجمال في المسافة، وصدق المكتري في حصتها من الكراء الذي يذكر بعد أيمانهما، ويقضى الكراء على ما يدعي المكتري، والبينة في ذلك كما ذكرنا أولاً.

(3/453)


وقال هو وغيره: وذلك إذا أشبه ما قالا أو ما قال المكتري. وأما إن أشبه قول المكري خاصة، فالقول قوله، ويحلف على دعوى المكتري.
قال غيره: يُقضى ببينة كل واحد منهما، إذا كانت عادلة، لأن كل واحد ادعى فضلة، أقام عليها بينة فأقضي بأبعد المسافتين وبأكثر الثمنين، وليس هذا من التهاتر، وسواء انتقد أو لم ينتقد.
قال ابن القاسم: وإن قال المكتري: دفعت الكراء، وأكذبه الجمال وقد بلغ الغاية، فالقول قول الجمال إن كانت الحمولة بيده، أو بعد أن سلمها بيوم أو بيومين وما قرب، وعلى المكتري البينة. وكذلك الحاج إن أقام الكري بقرب بلوغهم، صُدّق ما لم يبعد مع يمينه، فإن تطاول ذلك فالمكتري مصدق مع يمينه، إلا أن يقيم بينة.
وكذلك قيام الصناع بالأجر بحدثان رد المتاع، فإن قبض المتاع ربه وتطاول ذلك فالقول قول رب المتاع وعليه اليمين.

(3/454)


3069 - قال مالك: وإذا تكاريا من مصر إلى مكة فاختلفا في الكراء بأيلة، فالقول قول المكتري إن أتى بما يشبه في كراء مضمون أو معين.
قال: وهو في المضمون إذا قبض البعير الذي يحمل عليه لم يكن للجمال نزعه منه إلا بإذنه، وهو أحق به في الفلس، وهو في حوزه إياه كالمعين.
وقال غيره: ليس الراحلة بعينها مثل المضمون.
3070 - قال ابن القاسم: وإن أجرت رجلاً على تبليغ كتاب من مصر إلى إفريقية بكذا، فقال بعد ذلك: أوصلته، فأكذبته، فالقول قوله في أمد يبلغ في مثله، لأنك ائتمنته عليه، وعليك دفع كرائه إليه، وكذلك الحمولة كلها.

(3/455)


قال غيره: على المكرى البينة أنه أوفاه قه وبلغه غايته.
3071 - وإذا طلب الجمال أخذ الكراء قبل الركوب أو بعد المسير القريب فامتنع المكتري، حُملا على سنة الناس في نقد الكراء أو تأخيره، وإن لم تكن لهم سنة كان كالسكنى لا يعطيه إلا بقدر ما سكن، وإن عجل له الكراء من غير شرط فلا رجوع له فيه، فإن أراد أحدهما نقد البلد الذي بلغا إليه، وطلب الآخر نقد بلد التعاقد، قُضي بنقد البلد الذي انعقد فيه الكراء، وإذا اكتريت بدراهم ولم تشترط نقدها، وكراء الناس مؤخر، أو لم يكن مؤخراً، وشرطت تأخيرها لم يجز أن تعطي بها دنانير نقداً قبل الركوب أو بعده، ما لم تحل الدراهم ببلوغ الغاية. وكذلك لو دفعت دراهم عن دنانير، ولو شرطتما النقد أو كان كراء الناس بالنقد جاز دفعك من الدراهم دنانير نقداً، كان الكراء معيناً أو مضموناً، ثم إن هلكت الراحلة بعينها ببعض الطريق رجعت بحصة ما بقي [دنانير] كما نقدت، ولو كنت دفعت عن

(3/456)


الدراهم عرضاً لرجعت بدراهم كما عقدت عليه، ولا تأخذ من ذهب لك إلى أجل فضة نقداً، ولا من فضة إلى أجل ذهباً [نقداً] ، لأنه ذهب بفضة ليس يداً بيد.
ومن أكرى بعيراً له بطعام بعينه كيلاً، أو بطعام إلى أجل فلا يبعه حتى يقبضه. وإن كان الذي بعينه مصْبراً، فلا بأس أن يبيعه قبل أن يقبضه.
3072 - ومن اكترى إلى مكة فأراد تعجيل الخروج وأباه الجمال، فإن كان في الزمان بقية لم يجبر إلا إلى خروج الناس.
وإذا انتقصت زاملة الحاج أو نفدت، فأراد تمامها وأبى الجمال، حملا على ما تعارفه الناس.
قال غيره: وإن لم تكن لهم سنة، فله حمل الوزن الأول المشترط إلى تمام غاية الكراء.

(3/457)


ومن اكترى دابة أو بعيراً إلى الفسطاط فله النزول بمنزله وإن كان منزله بأقصى الفسطاط، وليس للمكري أن ينزله بأول الفسطاط، إلا أن يريد ذلك المكتري.
3073 - ومن استأجرته يحمل لك على دابة دهناً أو طعاماً أو متاعاً إلى موضع كذا، فعثرت الدابة [فسقطت] فانكسرت القوارير فذهب الدهن، أو هلك الطعام، أو انقطعت الحبال فسقط المتاع ففسد، لم يضمن المكري قليلاً ولا كثيراً، إلا أن يغر من عثار، أو ضعف الأحبل عن حمل ذلك، فيضمن حينئذ، وإلا لم يضمن فإن فِعْل العجماء جبار، ما لم يفعل بها رجل شيئاً عثرت له، فيضمن الفاعل. (1)
3074 - وكل ما عطب من سبب حامله من دابة أو غيرها من عثار وغيره، فلا كراء له فيه، إلا على البلاغ. ولا يضمن الحمال إلا أن يُغرّ.
وكذلك ما حمله رجل على ظهره فعطب، فلا كراء له، ولا ضمان عليه، وليس على المكتري أن يأتي بمثل ذلك ليحمله. وكذلك هروب الدابة.
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (5/427) .

(3/458)


وكذلك السفينة إذا غرقت في ثلثي الطريق، وغرق ما فيها من طعام وغيره فلا كراء لربها، ولا ضمان عليه في شيء من ذلك، لأنه من أمر الله تعالى، ورأى مالك أن ذلك على البلاغ.
قال غيره: ليس الدواب كالسفن فيما هلك من سبب حامله، إذ لا يضمنون لسبب العثار إن لم يغرّوا، ولهم جميع الكراء فيما هلك عن العثار، ولربه حمل مثله إلى غايته، كالذي هلك بلصوص أو سيل، وإن غروا ضمنوا. [وقال ابن نافع: لرب السفينة بحساب ما بلغت] .
3075 - قال ابن القاسم: وما استحملت في السوق على رجل أو دابة من كل شيء، إلى بيتك أو إلى بلد، فعطب أو سرق أو غصب، أو كان ذلك طعاماً

(3/459)


فثبت ذلك ببينة، فللمكري الكراء بأسره، وعليه حمل مثله.
وكذلك الدواب والإبل، إذا هلك ما حملت من طعام بعينه أو متاع بأمر من الله تعالى من غير سبب الدواب، فالكراء قائم بينهما لا يفسخ، وللمكري الكراء بأسره وعليه حمل مثل ذلك.
3076 - وللمكتري أن يأتي بمثل ذلك فيحمله أو يكري الإبل في مثل ذلك، وإلا فلا شيء له على الجمال، وللجمال الكراء كاملاً، فإن لم يكن مع الجمال صاحب الطعام، ولا خليفته، رفع ذلك الجمال إلى عامل البلد، فيكري له الإبل، فإن لم يجد كراءً، فليطلب ذلك الجمال أمامه، فإن لم يجد فله جميع الكراء، لأن مالكاً قال في الرجل يتكارى إلى الحج أو المرأة، فيهلك أو تهلك في الطريق، فإنه يكرى للميت مثله، ويطلب ذلك في الطريق، فإن وجد من يكري أكرى له، وإلا كان على الميت لرب الإبل الكراء كله كاملاً.
وإن كان رب الطعام مع المكاري فأصاب الطعام تلف من السماء، أو من غير السماء لم يلزم المكاري شيء، لأن رب الطعام معه، وكذلك إن كان في السفينة مع طعامه فلا شيء على صاحب السفينة، وإن كان المكري وحده فلا يصدق في الطعام والإدام، إذا قال: سُرق مني، حمله على نفسه أو على دوابه [أو في سفينته] ، إلا أن تقوم له بنية أن ذلك تَلِف من غير فعله، فلا يضمن.

(3/460)


ويصدق في كل عرض إذا قال: هلك أو سُرق، أو قد عثرت الدواب فانكسرت القوارير، إلا أن يُستدل على كذبه.
قال يحيى بن سعيد: ويضمن ما ضيع.
3077 - قال السبعة من فقهاء التابعين: لا يكون كراء بضمان، إلا أن يشترط على الجمال أن لا ينزل ببلد كذا أو وادي كذا أو لا يسري بليل، فيتعدى ما شرط عليه فيتلف شيء مما حمل في ذلك التعدي، فيضمنه. (1)
3078 - قال ابن القاسم: ويضمن الأكرياء ما ذكرنا من الطعام والإدام، إلا أن تقوم بينة أنه هلك بغير سبب حامليه، أو يصحبه ربه فيبرءون، ولهم جميع الكراء إن بلغوه غايته، ولا يضمنون سائر العروض، ويصدّقون فيها، إلا أن لهم منع أهلها منها حتى يقبضوا كراهم، فإن حازوها بذلك حيازة الرهن، فإنهم يضمنونها كالرهن، ولهم الكراء كله إن بلغوا ذلك غايته، ضمنوه أو لم يضمنوه.
3079 - وإذا حمل الجمال لرجل طعاماً، فزاد أو نقص ما يشبه الكيل فلا شيء له،
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (11/491) ، ومنح الجليل (7/521) .

(3/461)


ولا عليه من ضمان، ولا حصة كراء، وإن زاد ما لا يشبه فلم يدع الجمال تلك الزيادة، وقال: زيدت علي غلطاً، فإن صدقته أخذتها وغرمت كراءها، وإن أنكرت الغلط لم يصدق الجمال، وربما اغترق كراؤه ثمنه، إلا أن تشاء أنت أخذه وغرم كرائه.
وإن زاد الكيل وقال رب الطعام: أنا آخذ طعامي ومقدار زيادة كيلي، فليس له أن يأخذ إلا كيل طعامه خاصة، إلا أن تكون زيادة الكيل أمراً معروفاً عند الناس، ولكل صانع أو حمال على ظهر أو سفينة منع ما حمل أو عمل حتى يقبض أجره، فإن هلك بأيديهم في منعهم فالصناع ضامنون ولا أجر لهم، إلا أن تقوم بينة على الضياع، فلا ضمان عليهم ولا أجر لهم، لأنهم لم يسلموا ما عملوا إلى أربابه.
ومن اكتريت منه دابة أو ثوراً للطحين، فكسر المطحنة لمّا ربطته فيها فأفسد آلتها، لم يضمن إلا أن يغرك، وهو يعلم ذلك منه فيضمن، لأن مالكاً قال فيمن

(3/462)


أكرى دابته من رجل وهي ربوض أو عثور، وقد علم ذلك فلم يعلمه بذلك فحمل عليها فربضت أو عثرت فانكسر ما عليها: إنه ضامن. (1)
ومن اكترى من رجل دابة فحمل عليها دهناً من مصر إلى فلسطين فغره منها وعثرت بالعريش، ضمن قيمة الدهن بالعريش. قال غيره: قيمته بمصر إن أراد لأنه منها تعدى.
3080 - ومن حمل على ظهره أو دابته دهناً أو طعاماً بكراء، فزحمه الناس فانكسرت الآنية وهلك ما فيها من الطعام والدهن، فالذي زحمه ضامن.
3081 - وقد قال مالك: في الرجلين يحملان جرتين أو غير ذلك، على كل واحد منهما جرة، فيصطدمان في الطريق، قال: إن انكسرت إحداهما ضمن الذي سلم للذي لم يسلم، وإن انكسرتا جميعاً ضمن كل واحد منهما لصاحبه.
3082 - وإذا اصطدم الفارسان فمات الفرسان والراكبان، ففرس كل واحد [منهما]
_________
(1) 0انظر: المدونة الكبرى (11/492) .

(3/463)


في مال الآخر، ودية كل واحد على عاقلة الآخر، وإذا سلم أحدهما بفرسه ففي ماله فرس الآخر، وعلى عاقلته دية راكبه.
3083 - وأما اصطدام السفينتين فلا شيء عليهما إذا كان أمراً غالباً من الريح لا يقدر على دفعه، ولو عُلِم أن النوتيّ يقدر أن يصرفها فلم يفعل لضمن.
وإذا كان الفرس في رأسه اعتزام، فحمل بصاحبه فصدم، فراكبه ضامن، لأن سبب فعله وجمحه من راكبه، وفعله به إما أذعره فخاف منه، أو غير ذلك، إلا أن يكون إنما نفر من شيء مر به في الطريق من غير سبب راكبه فلا ضمان عليه.
وإن كان غيره فعل به ما جمح به، فذلك على الفاعل، والسفينة لا يذعرها شيء، والريح هو الغالب، فهذا فرق ما بينهما.
وإذا غرقت السفينة من مد النواتية، فإن صنعوا ما يجوز لهم من المد والعمل فيها لم يضمنوا، فإن تعدوا فأخرقوا في مد أو علاج، ضمنوا ما هلك من الناس فيها والحمولة، كتعدي من استعملته في بيتك من صانع أو طبيب أو غير ذلك.
ومن اكتريت منه [دابة] لحمل صبي مملوك إلى موضع من المواضع وأسلمته

(3/464)


إليه، فساق به، فعثرت الدابة فسقط فمات لم يضمن، إلا أن يخرق في سوقه.
وكذلك البيطار في طرح الدابة لا يضمن، إلا أن يتجاوز في طرحها فيضمن.
وإذا ضرب المكتري الدابة أو كبحها فأذهب عينها أو كسر لحييها ضَمِن. والرائض مثله. ولو ضربها كضرب الناس لم يضمن.
وكل شيء صنعه الراعي مما لا يجوز له فعله، فأصاب الغنم من فعله عيب، فهو ضامن. وإن صنع ما يجوز له أن يفعله، فعيبت الغنم، فلا ضمان عليه.
3084 - ومن اكترى من مكة أو من إفريقية إلى مصر جاز، وهو إلى الفسطاط، وإن لم يذكراه، لأنه المتعارف، وليس كمن اكترى إلى الشام، أو إلى خراسان، لأنها كُوَر وأجناد، فلا يجوز حتى يسمي أي كورة أو مدينة، وأما إلى فلسطين فإن كان المتعارف عندهم إلى الرملة، كان إليها وجاز. (1)
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (11/498، 499) .

(3/465)


ومن اكترى من رجل على حمل رجلين أو امرأتين جاز، وإن لم يرهما لتساوي الأجسام، إلا الخاص، فإن أتاه بفادحين لم يلزمه ذلك.
3085 - ويجوز كراء محمل لا يذكر وِطاءه، ويحمل كوُطأ الناس، وكذلك على زاملة لا يخبره بما فيها، ويحملان على المتعارف من زوامل الحاج أو غيره، وعليه حمل المتعارف من معاليق وغيرها. ولو شرط عليه حمل هدايا مكة، فإن كان أمر عرف وجهه، جاز، وإلا لم يجز.
وأجاز للمكتري أن يحمل في عيبته ثوباً أو ثوبين لغيره، ولا يخبر بذلك الجمال، وهو من شأن الناس، ولو بيّن هذه الأشياء ووزنها كان أحسن.
3086 - وإذا ولدت المكترية أجير الكري على حمل ولدها، وإن لم يشترط. ولا بأس أن يكتري محملاً ويشترط عقبة الأجير.

(3/466)


3087 - وإن اكتريت من رجل إبله ثم هرب الجمال وتركها في يديك، فأنفقت عليها، فلك الرجوع بذلك. وكذلك إن اكتريت من يرحِّلها رجعت بكرائه.
ولو هرب بإبله والكراء أو غيّرها، تكارى لك عليه الإمام ورجعت بما اكتريت به عليه. (1)
وإذا تغيب الجمال يوم خروجك فليس لك عليه إن لقيته بعد ذلك إلا الركوب أو الحمل، وله كراؤه، وهذا في كل سفر في كراء مضمون، إلا الحاج فإنه يفسخ، وإن قبض الكراء رده، لزوال إبّانه.
3088 - وكذلك قال مالك في الدابة بعينها يكتريها ليركبها في غد [إلى موضع كذا] ، فيغيب بها ربها، ثم يأتي بها بعد اليومين أو الثلاثة، فليس له إلا ركوبه.
قال غيره: ولو رفع ذلك إلى الإمام نظر وفسخ ما آل إلى الضرر، كمن اكترى دابة فاعتلت في سفره.
قال ابن القاسم: فإن اكتراها بعينها إلى بلد ليركبها في غده، فأخلفه الكري
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (11/500) .

(3/467)


فليس له إلا ركوبه أو يكري الدابة من مثله إلى البلد.
وإن أكراها أياماً معينة انتقض الكراء فيما غاب منها، كالعبد يستأجر شهراً بعينه، فيمرضه أو يأبقه، فإنه تنتقض الإجارة، وكذلك شهراً بعينه في الراحلة بعينها لركوب أو طحين أو غير ذلك، بخلاف المضمون وإذا هرب المكتري في كراء مكة أو غيرها رفع الجمال ذلك إلى الإمام، فأكرى الإبل للهارب، ويقضي من ذلك للجمال كراه، وإن لم يجد له كراء تركها وأتبعه بجميع الكراء.
3089 - وقاله مالك فيمن اكترى على حمل متاع أو طعام وكيله ببلد آخر فلم يجد الجمال الوكيل، فإن الإمام يتلوم له بغير ضرر، فإن جاء الوكيل وإلا أكرى الإبل للمكتري وكان الكراء له، وإن لم يجد كراء تركها، وكان للجمال جميع كرائه، ولو رجع الجمال ولم يرفع ذلك إلى السلطان وبالبلد سلطان، فليرجع ثانية فيحمل، وإن لم يكن بها سلطان فتلوم الكري وانتظر فأشهد، كان ذلك له عذراً، وله الكراء ولا يرجع.
قال ابن وهب عن مالك: ولو واعد المكتري الجمال إلى موضع، فجاء الجمال فلم يجده، رفع ذلك إلى الإمام إلا أن يجد الكراء، فإن انصرف ولم يكر ولم يعلم الإمام، فلا شيء له إذا كان الكراء بالبلد ممكناً

(3/468)


إلى البلد الذي أكرى إليه، وإن لم يكن الكراء موجوداً أو جهل إعلام الإمام لم أر أن يبطل عمله.
3090 - ومن اكترى إلى الحج وغيره، ثم تقايلا برأس المال أو بزيادة وقد نقده أو لم ينقده، فإن كان قبل الركوب وقبل النقد أو بعد النقد وقبل غيبته عليه، فلا بأس بالزيادة ممن كانت، فإن نقده وتفرقا جازت الزيادة من المكتري قصاصاً ولم تجز من المكري، لأنه [ردّ] أزيد مما أخذ، وصار الكراء محللاً، وكذلك بعد سيرهما يسيراً من المسافة، للتهمة أن يكون ذلك محللاً. وأما بعد المسير الكثير من الطريق مما لا يتهمان فيه، فجائز أن يزيده الكري إذا عجل الزيادة. (1)
وهذا بخلاف البيوع وأكرية الدور، ويدخل في تأخير الزيادة الدين بالدين، وإنما تجوز زيادة المكتري بعد النقد قصاصاً، وإلا لم تجز، ركبا أو لم يركبا.
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (5/437) .

(3/469)


قال غيره: لا يزيد الكري إن غاب على النقد قبل الركوب أو بعد يسير الركوب أو كثيره، لأنه بيع وسلف.
3091 - وإن فلس المكتري فالجمال أولى بالمتاع حتى يقبض كراه. ويكرى الغرماء الإبل في مثل كرائه، سار قليلاً أو كثيراً، أو لم يركب بعد وقد قبض المتاع. وكذلك الصناع.
* * *
"انتهى كتاب كراء الدواب والرواحل"
ولله الحمد والمنة
* * *

(3/470)