التهذيب
في اختصار المدونة (كتاب كراء
الدور والأرضين)
3092 - قال ابن القاسم: ومن اكترى داراً أو أرضاً وفيها سدرة أو دالية، أو
كان في الأرض نبذ من نخل أو شجر، ولا ثمرة فيها حينئذ، أو فيها ثمرة لم
تزه، فالثمرة للمكري، إلا أنه إن اشترط المكتري ثمرة ذلك، فإن كانت تبعاً
مثل الثلث فأقل جاز ذلك، وبلغني توقيت الثلثعن مالك، فأما في سؤالي إياه
فلم يبلغ به الثلث، ومعرفة ذلك أن يقوَّم كراء الأرض أو الدار بغير شرط
الثمرة، فإن قيل: عشرة، قيل: ما قيمة الثمرة فيما عرف مما تطعم كل عام بعد
طرح قيمة المؤونة والعمل؟ فإن قيل: خمسة فأقل، جاز ذلك. وهذا كالمساقاة إذا
كان معها بياض قدر الثلث فأدنى، في قيمة كرائه من قيمة الثمرة على عرف
نباتها بعد إلغاء قيمة مؤونتها، جازت المساقاة فيه. (1)
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (5/424) .
(3/471)
وإن كانت الثمرة أكثر من الثلث لم يجز
للمكتري أن يشترطها، إذا كانت غير مزهية، فإن وقع فالثمرة لرب الأرض،
وللمكتري أجر ما سقى [وعالج] ، وعليه قيمة كراء الأرض بلا ثمر، إن كان قد
زرعها، ولو كانت الثمرة مزهية، جاز للمكتري اشتراط جميعها، وإن جاوزت الثلث
لجواز بيعها مفردة.
ومن اكترى أرضاً وفيها زرع أو بقل لم يطب فاشترطه، فإن كان تافهاً جاز، ولا
أبلغ به الثلث، وإذا كانت الثمرة تبعاً فاشترط المكتري نصفها لم يجز، وإنما
جاز إذ هي تبع أن تلغى بالسنة، فإذا اشترط نصفها صار ذلك كبيع ثمر قبل
زهوه، وكذلك حلية السيف والخاتم ومال العبد.
(3/472)
وجائز في المساقاة اشتراط [ما خرج من]
البياض بينهما، لأن العمل والزريعة من عند العامل، ومن اكترى أرضاً فيها
سواد هو الثلث فأدنى، فاشترط نصف السواد لم يجز.
3094 -[قال ابن القاسم:] ومن اكترى داراً أو حماماً فاشترط كنس المراحيض
والتراب وغسالة الحمام على المكري، جاز، لأنه معروف وجهه.
ومن اكترى داراً أو حماماً على أن ما احتاجا إليه من مرمّة رمّها المكتري،
فإن اشترط على أن ذلك من الكراء جاز ذلك، [وإلا لم يجز] ، ولو شرط أن ما
عجز عنه المكري أنفقه الساكن من عنده لم يجز، ولو شرط أن عليه ما احتاجت
الدار من يسير مرمّة أو كسر خشبة، فلا خير فيه، إلا أن يكون ذلك من كرائها.
ومن اكترى داراً فعلى ربها مرمتها وكنس مراحيضها وإصلاح ما وهى من الجدارات
والبيوت.
3095 - وإذا اختلف رب الحمام والمكتري في قدر الحمام، فهي لرب الحمام،
لأنها بمنزلة
(3/473)
البنيان، ومن اكترى حماماً على أن عليه
لربه ما احتاج إليه أهله من نورة أو حميم، لم يجز حتى يسمي شيئاً معروفاً،
ومن اكترى داراً على أن عليه تطيين البيوت جاز ذلك إذا سمى تطيينها في
السنة مرة أو مرتين، أو في كل سنتين مرة، لأنه معلوم، وأما إذا قال: كلما
احتاجت طيّنتها، فهذا مجهول لا يجوز، ولا بأس بكراء الحمامات. (1)
ومن اكترى حمامين أو حانوتين فانهدم أحدهما، فإن كان الذي انهدم وجه ما
اكترى رد الجميع، وإن لم يكن وجهه لزمه الباقي بحصته من الكراء.
3096 - وتجوز إجارة نصف دابة أو نصف عبد يكون للمستأجر يوماً وللذي له
النصف الآخر يوماً كالبيع.
وما جاز لك بيعه من ثمرتك جاز [لك] الإجارة به، والطعام وكل ما يوزن أو
يكال أو يعد مما لا يعرف بعينه، يجوز أن يكترى به، ولا يجوز أن يكرى.
ولا بأس بكراء نصف دار أو سدسها أو جزء شائع قل أو كثر كالشراء، وإذا اكترى
رجلان داراً بينهما فلأحدهما أن يكري حصته، قال مالك - رحمه الله -: ولا
شفعة فيه لشريكه بخلاف البيع.
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (11/509) ، وحاشية العدوي (2/259) .
(3/474)
ومن أكرى مساكن له واستثنى ربعها بربع
الكراء أو بغير كراء، جاز ذلك، وكذلك من باع داره واستثنى ثلاثة أرباعها،
فإنه جائز، لأنه إنما باع ربعها، ولا ينظر على اللفظ إذا صح العمل بينهما.
3097 - ومن استأجر داراً سنة بسكنى دار له أخرى [سنة] جاز ذلك. ومن اكترى
داراً أو أرضاً بثوب أو بعبد مضمون بغير صفة أو بصفة، ولم يضرب له أجلاً لم
يجز، فإن سكن أو زرع فعليه كراء المثل.
وإن أكريت دارك بعبد بعينه على أن تقبضه، فمات بيد المكتري فهو منك،
والكراء يلزمك كالبيع.
ولو كان بثوب بعينه في بيت المكتري، وقد وصفه كان منه وانتقض الكراء باقي
المدة، ولك فيما سكن كراء المثل، وكذلك لو قبضته فاستحق أو رددته بعيب بعد
أن سكن نصف المدة، وليس لك إذا وجدت العيب في الثوب أن تحبسه وتأخذ قيمة
عيبه، وإنما لك حبسه معيباً، ولا ترجع بشيء أو ترده ويكون كما وصفنا، ولو
كان العيب خفيفاً لا يتقص ثمن الثوب لم يكن لك رده، وإن كان عند الناس
عيباً.
ولو اطلعت على العيب بعد أن بعت الثوب لم ترجع بقيمة عيبه، وأما إن وهبته
أو تصدقت به، أو لبسته أو هلك، ثم اطلعت على العيب، فلك أن ترجع بحصة
العيب، وينتقض من الكراء بقدر حصة قيمة العيب، لأنه ثمنه.
(3/475)
3098 - ومن استأجر بيتاً شهراً بعشرة
دراهم، على أنه إن سكن منه يوماً واحداً فالكراء له لازم جاز إذا كان له أن
يسكن البيت بقية الشهر أو يكريه إذا خرج، وإلا لم يجز على حال، وللمكري أن
يأخذ كراء كل يوم يمضي، إلا أن يكون بينهما شرط، فيحملان عليه.
وإن أكراها في رأس الهلال كل شهر بكذا، فكان الشهر تسعة وعشرين [يوماً] فله
كراء الشهر كاملاً.
3099 - ومن قال لرجل: أكتري منك دارك أو حانوتك في كل سنة، أو كل سنة
بدرهم، أو في كل شهر، أو كل شهر بدرهم، فلرب الدار أن يخرجه متى شاء،
وللمكتري أن يخرج متى شاء، ويلزمه فيما سكن حصته من الكراء، إلا أن يكتري
منه سنة بعينها، أو شهراً بعينه، فلا يكون لأحدهما فسخ الكراء إلا أن
يتراضيا جميعاً.
قال ابن شهاب: ومن مات بعد أن أكرى داره عشر سنين، فليس للورثة إخراج
المكتري إلا برضاه، ولهم بيعها على أن للمكتري سكناه، وإن مات المكتري وقد
سكن أو لم يسكن لزم ورثته الكراء في تركته.
قال ابن القاسم: ومن اكترى داراً سنة أو سنتين ولم يسمّ متى يسكن، جاز،
ويسكن أو يُسكن غيره متى شاء، ما لم يأت من ذلك ضرر بيّن على الدار.
(3/476)
3100 - ومن اكترى داراً سنة بعد أن مضت
عشرة أيام من الشهر، حسب إحدى عشر شهراً بالأهلة، وشهراً على تمام هذه
الأيام ثلاثين يوماً، كالعدة والأيمان.
ومن اكترى داراً ثلاث سنين، فمنعه ربها من سكناها سنة، فخاصمه بعدها، فإنه
يقضى للمكتري بسكنى عامين وعليه كراؤهما فقط، كالعبد يمرض أو يأبق في
الإجارة، فليس عليه قضاء ذلك.
ولو أمكنه رب الدار منها فتركها المكتري سنة، فإن لم يكن رب الدار فيها، أو
ساكن من قِبَله أو شاغل لها، فجميع الكراء للمكتري لازم، كمن اكترى إبلاً
أو دواب ليركبها، فأتاه بها ربها فأبى أن يركبها، فإن عليه جميع الكراء.
وإن اكتريت من رجل داراً هو فيها ساكن، فبقي في طائفة منها [لم يخرج، وسكنت
أنت طائفة، لم يجب عليك إلا حصة ما سكنت.
3101 - ولو سكن أجنبي طائفة من دارك] وقد علمت به فلم تخرجه لزمه كراء كل
ما سكن. (1)
ومن اكترى داراً فله أن يكريها من مثله بأكثر من الكراء أو أقل.
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (5/444) ، ومواهب الجليل (5/391) .
(3/477)
ومن اكترى حانوتاً للقصارة فله كراءه من
حداد أو طحان أو غيره، إلا أن يكون ذلك أكثر ضرراً بالبنيان فيمنع، وله ذلك
في المساوي، وإذا اتخذ مكتري الدار فيها تنوراً يجوز له فاحترقت منه الدار
وبيوت جيرانه لم يضمن، وإن شرط ربها أن لا يوقد فيها ناراً فأوقد المكتري
فيها ناراً لخبزه فاحترقت الدار ضمن.
ولو أكراها المكتري من غيره فهدمها الثاني ضمن الثاني لربها، ولا شيء على
الأول، لأنه [إنما] فعل ما يجوز له.
3102 - وإذا ربط المكتري بباب الدار دابة فرمحت فكسرته أو قتلت ابن رب
الدار فذلك جبار، وكذلك من نزل عنها بباب المسجد أو بباب الأمير أو بباب
حانوت نزله لحاجة، فما أصابت فهو جبار، [ولا يضمن، لأنه فعل ما يجوز له] .
ومن اكترى داراً فله أن يدخل فيها ما شاء من الدواب والأمتعة، وينصب فيها
الحدادين والقصارين والأرحية، ما لم يكن ضرراً على الدار، أو تكون داراً لا
ينصب ذلك في مثلها لارتفاعها، ويمنع مما تعارف منعه.
ومن اكترى بيتاً وشرط أن لا يسكن معه أحد، فتزوج أو ابتاع رقيقاً، فإن لم
يكن في سكناهم ضرر على رب البيت لم يكن له أن يمنعه، وإن كان في سكناهم ضرر
فله منعه، وقد تكون غرفة ضعيفة الخشب ونحوه فينظر في ذلك.
(3/478)
3103 - وأكره للمسلم كراء حانوته أو داره
من ذمي ليبيع فيها خمراً أو خنازير، أو دابته ليحمل ذلك عليها، أو ممن يعلم
أنه يريدها لذلك، فإن فعل فالكراء فاسد، وإن لم يكن يعلم أنه يفعل ذلك
فيها، فذلك جائز من كتابي أو مجوسي، فإن فعل ذلك فيها فله منعه من ذلك كان
في قرية أو مدينة، ولا يفسخ الكراء.
وكذلك إن اتخذ في الدار كنيسة يصلي فيها هو وأصحابه وأراد أن يضرب فيها
ناقوساً، فلرب الدار منعه من ذلك.
3104 - ومن نكح امرأة وهي في بيت اكترته سنة، فدخل بها وسكن فيه باقي
السنة، فلا كراء عليه لها، ولا لربها، وهي كدار تملكها، إلا أن تبين [له] :
إني بالكراء [أسكن] فإما وَديْت أو خرجت. وقال غيره: عليه الأقل من كراء
المثل، أو ما اكترت به.
(3/479)
3105 - ومن اكترى داراً بإفريقية وهو بمصر
جاز ذلك كالشراء، ولا بأس بالنقد فيها، لأنها مأمونة، فإن قدم فلم يرضها
حين رآها، أو قال: هي بعيدة من المسجد، فالكراء لا يصلح إلا أن يكون قد رأى
الدار، وعرف موضعها أو على صفة، وإلا لم يجز.
3106 - ومن اكترى داراً على أن يبتدئ سكناها إلى شهر أو شهرين، جاز ذلك وإن
نقد الكراء، والدور والأرضون المأمونة مخالفة للرقيق والحيوان في الكراء.
ومن اكترى داراً بدنانير لم يصفها، والنقد مختلف، فإن عرف لنقد الكراء
سُنّة قضي بها، وإلا فسخ الكراء، وعليه فيما سكن كراء مثلها.
3107 - ولا بأس بكراء دار أو رقيق عشر سنين ويعجل النقد. وقال أكثر الرواة:
إنّ بُعْد الأجل في الرقيق خطر، ومن اكترى داراً سنة ولم يشترط عليه النقد
غرم بحساب ما سكن إلا أن يكون كراء الناس عندهم على النقد، فيقضى به، وكذلك
الدواب.
3108 - ولا ينتقض الكراء في الدور، ولا الكراء المضمون في الدواب والإبل
بموت أحد المتكاريين.
(3/480)
وإذا ظهرت من مكتري الدار خلاعة [أو دعارة]
أو فسق أو شرب خمر، لم ينتقض الكراء [ولكن] الإمام يمنعه من ذلك، ويكف أذاه
عن الجيران، وعن رب الدار، وإن رأى إخراجه أخرجه وأكراها عليه.
3109 - وإن اكترى قصار وحداد حانوتاً، فأراد كل واحد مُقَدَّمه، ولم يقع
كراؤهما على أن لأحدهما مقدم الحانوت من مؤخره، فالكراء لهما لازم، ويقسم
بينهما إن انقسم، وإلا أكري عليهما، لأنه ضرر، والبيت مثله.
3110 - ومن اكترى بيتاً فهطل عليه، لم يجبر رب البيت على الطَّر، ولا
للمكتري أن يطر من كرائها ويسكن، وله الخروج في الضرر البيّن من ذلك، إلا
أن يطرّها رباه فلا خروج له. قال غيره: الطر وكنس المراحيض مما يلزم رب
الدار.
(3/481)
3111 - ومن اكترى داراً فانهدمت كلها، أو
بيت منها أو حائط، لم يجبر ربها على البنيان، إلا أن يشاء، فإن انهدم منها
ما فيه ضرر على المكتري قيل له: إن شئت فاسكن أو فاخرج، وناقضه الكراء،
وليس له أن يصلح من كرائها ويسكن، إلا أن يأذن له ربها في ذلك، فإن بناها
ربها في بقية من وقت الكراء، لزم المكتري أن يسكن، ولم يكن له أن ينقض
الكراء، هذا إن بناها ربها قبل خروج المكتري، وأما إن بناها بعد خروجه، وقد
بقي من الأمد شيء لم يلزم المكتري الرجوع لتمام ما بقي.
وإن لم يكن فيما انهدم ضرر على المكتري، ولم يبنه رب الدار، لزم المكتري
السكنى وجميع الكراء، ولم يوضع عنه لذلك من الكراء شيء، وانهدام الشرفات لا
يضر بسكنى المكتري وإن أنفق فيها كان متطوعاً لا شيء عليه.
ومن اكترى أرضاً ثلاث سنين فزرعها ثم غارت [عينها] أو انهدمت بئرها
(3/482)
وأبى رب الأرض أن ينفق عليها، فللمكتري أن
ينفق فيها حصة تلك السنة خاصة من الكراء، ويلزم ربها، وإن زاد على كراء سنة
فهو متطوع، وكذلك من أخذ نخلاً مساقاة فغار ماؤها بعد أن سقى، فله أن ينفق
عيها قدر حصة صاحب الأرض من الثمرة سنته تلك لا أكثر.
وليست الدور كذلك، لأن المكتري لا نفقة له فيها، والذي زرع أو ساقى قد
تقدمت له نفقة فيها وعمل، وفي نفقته إحياء للزرع، ولو لم يزرع الأرض ولا
سقى النخل حتى غارت لم يكن للمكتري أن ينفق فيها شيئاً، وصارت بمنزلة
الدور.
3112 - وإذا انهدمت الدار وربها غائب فليُشهِد المكتري على ذلك، ولا شيء
عليه، ولا عذر ينقض به الكراء إلا هدم الدار، أو ينهدم منها ما يضر
بالسكنى، فللمكتري أن يتركها إن أحب، وكذلك إن خاف أن تسقط عليه وكان
البنيان مخوفاً فله أن يناقضه [الكراء] .
3113 - ولا بأس بكراء حانوت لا يسمي ما يعمل فيه، وله أن يعمل فيه حداداً
أو قصاراً أو طحاناً إذ لم يضر ذلك بالبنيان، وإن كان [ذلك] ضرراً على
البنيان أو فساداً للحانوت لم يكن له أن يعمله، وإن اشترط المكتري أن يعمل
في الحانوت ما ذكرنا، وفيه ضرر على البنيان لزم ذلك ربه. (1)
_________
(1) انظر: حاشية الدسوقي (3/538) .
(3/483)
3114 - ومن اكترى حانوته من رجل فإذا هو
جزار أو قصار، ولا ضرر في عمله على البنيان إلا أنه يقذر الحانوت، فكره رب
الحانوت تقذيره فله منعه، لأن فيه ضرراً على الحانوت.
قال غيره: إذا كانت الأعمال يتفاوت ضررها وأكريتها، لم يجز الكراء، إلا على
شيء معروف يعمل فيه، وإن لم يختلف فلا بأس به.
3115 - وإذا قال رب الدار: أكريتكها سنة بمائة دينار، وقال المكتري: بل
بمائة إردب حنطة، تحالفا وتفاسخا كالبيوع. وكذلك لو سكن [المكتري] أياماً
أو شهراً أو شهرين أو أكثر من سنة، ثم اختلفا تحالفا، ويبدأ رب الدار
باليمين، ويفسخ الكراء كله، ويأخذ رب الدار فيما مضى كراء المثل، وكذلك لو
قال رب
(3/484)
الدار: أكريتك بعشرة، وقال المكتري:
بدينار، [وقالا جميعاً] ما لا يشبه، وقد سكن أو لم يسكن فهو كما ذكرنا.
ومن أسكنته دارك ثم سألته الكراء، فادعى أنك أسكنته بغير كراء، فالقول قولك
فيما يشبه من الكراء مع يمينك، وقال غيره: على الساكن الأقل من دعواك، أو
من كراء المثل بعد أيمانكما.
3116 - قال ابن القاسم: وكل ما ادعى الساكن أنه زاده في الدار من خشبة أو
من فرش قاعة أو سترة جدار، فالقول قول ربها في تكذيبه، وما كان ملقى في
الأرض من حجر أو باب أو خشبة أو سارية، فالقول فيه قول المكتري.
وإذا أذن له رب الدار أن ينفق من كرائها، فزعم أنه أنفق، وأكذبه رب الدار
فالمكتري مصدق، لأنه أمين، إن تبين للعمل أثر، وإن تبين كذبه، لم يصدق،
والعمل والبناء يتبين أثره، كبيت جديد يشبه أن يكون من بنيان المكتري، أو
مرمة جديدة. قال غيره: على المكتري البينة، لأن الكراء دين لزمه، وعلى
المكري اليمين.
(3/485)
وإذا انقضى أجل الكراء وقد أحدث المكتري في
الدار بناء، أو غيره مما ينتفع به بأمر رب الدار أو بغير أمره من غير
الكراء، فما كان لنقضه قيمة، لرب الدار أن يعطيه قيمته مقلوعاً، وليس
للمكتري أن يأبى، لأنه مضار، ولرب الدار أن يأمره بقلعه أحدثه بأمره أو
بغير أمره، لأنه يقول: لم آذن لك في نفعك لأغرم لك شيئاً، وأما ما لا ينتفع
به إن نقض من جص وطين، فلا شيء له فيه، إلا أن يكون له فيه نفع فيكون كما
ذكرنا.
3117 - ومن وكل رجلاً يكري داره فأكراها بغير العين، أو حابى في الكراء،
فهو كالبيع لا يجوز، ولو أعارها أو تصدق بها أو وهبها أو أسكنها أو حابى
فيها رجع ربها على الوكيل بالكراء في ملائه، ثم لا رجوع للوكيل على الساكن.
وإن كان الوكيل عديماً رجع ربها على الساكن بالكراء، ثم لا رجوع للساكن على
الوكيل.
3118 - ومن اكترى داراً سنة فسكن فيها ستة أشهر ثم فلس، فربها أحق ببقية
السكنى إلا أن يدفع إليه الغرماء حصة باقي الشهور من الكراء بالتقويم، فإن
أبوا خير في الحصاص بجميع الكراء وإسلام الدار، أو أخذ باقي السكنى بحصته
من الكراء، والحصاص بحصة كراء ما مضى.
(3/486)
3119 - ومن اكترى أرضاً ثلاث سنين فزرعها
سنة أو سنتين ثم تهَوَّر بئرها، أو انقطعت عينها، قوّم العام الأول على قدر
نفاقه، وتشاح الناس فيه، وليس كراء الأرض في الشتاء والصيف واحداً، وكذلك
يحسب كراء الدور في الهدم، ولا يحسب على عدد الشهور والأعوام، وقد تكرى سنة
لأشهر فيها كدور بمصر وبمكة، تكثر عمارتها في المواسم.
3120 - ومن اكترى أرضاً ليزرعها فغرق بعضها قبل الزراعة أو عطش، فإن كان
أكثرها ردّ جميعها، وإن كان تافهاً حط عنه بقدر حصته من الكراء في كرمه
ورداءته، لا بقدر مساحته منه إذا كانت مختلفة، ولزمه ما بقي من الأرض بحصته
من الكراء، وكذلك في استحقاق بعض الأرض فيما يقل ويكثر. (1)
3121 - ولا بأس بكراء أرض المطر عشر سنين إن لم ينقد، فإن اشترط النقد فسد
الكراء.
وإن كان اكتراها سنين، وقد أمكنت للحرث، جاز نقد حصة عامه هذا، فإن اكتراها
قرب الحرث، وحين توقع الغيث، لم يجز النقد حتى تروى ويتمكن من الحرث.
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (11/528) ، والتاج والإكليل (5/444) .
(3/487)
قال غيره: لا تكرى أرض المطر التي تروى مرة
وتعطش أخرى، إلا قرب الحرث وتوقع الغيث، إذا لم ينقد، ولا يجوز كراؤها
بالنقد حتى تروى رياً [مأموناً] متوالياً مبلغاً للزرع أو لأكثره، مع رجاء
مطر غيره، ولا يجوز كراؤها إلا عاماً واحداً، إلا أن تكون مأمونة كأمن
النيل في سقيها فلا بأس بكرائها قرب إبان شربها، بالنقد أو بغير النقد.
3122 - قال ابن القاسم: ومن اكترى أرضاً ليزرعها فقحطت السماء فلم يقدر على
الحرث وقد أمكن من الأرض، أو غرقت أو لم يقدر أن يزرع أو كان لها بئر أو
عين، فانهارت قبل تمام الزرع، فهلك الزرع لذلك، أو امتنع الماء الذي يحيا
به الزرع من السماء أو من بئر أو عين حتى هلك الزرع فلا كراء على الزارع،
وإن نقده رجع به، فإن جاءه بما] كفى بعضه أو هلك بعضه فإن حصد ماله بال،
(3/488)
وله فيه نفع، فعليه من الكراء بقدره، ولا
شيء عليه إن حصد ما لا بال له، ولا نفع له فيه.
وأما إن هلك زرعه ببرد أو جليد أو جائحة فالكراء عليه، وأما إن أتى مطر
بعدما زرع فغرق زرعه أياماً، أو شهراً فأماته، فإن كان غرقه بعد مضي إبان
الحرث، كان كالجليد والجراد والبرد، وإن كان غرقه في إبان لو انكشف الماء
عن الأرض أدرك زرعها ثانية، فلم ينكشف حتى فات الإبان، فذلك كغرقها في
الإبان قبل أن تزرع حتى فات الحرث فلا كراء عليه، ولو انكشف الماء في إبان
يدرك فيه الحرث لزمه الكراء، وإن لم يحرث.
3123 - ويجوز النقد في أرض النيل قبل ريّها لأمنها.
قيل لمالك: فإن كانت أرض المطر فيما اختبر منها لا تخلف، أيجوز النقد فيها؟
قال: النيل أبين شاناً، وأرجو جواز النقد فيها إن كانت هكذا، بخلاف التي
تخلف من أرض المطر، أو ذات بئر قل ماؤها، يخاف أن لا يقوم بها، فالنقد في
هاتين خطر، لغلبة الغرر في أن يكفي ماؤها، فيغبن المكتري رب الأرض، أو لا
يكون فيها ما يكفي، فيكون المكتري مغبوناً، ويصير النقد لهذا الغرر تارة
ثمناً، وتارة سلفاً،
(3/489)
كالنقد في المواضعة والخيار وبيع العهدة،
ولم يدخلا في الماء المأمون في غرر، وإن انقطع الماء بأمر حادث فللمكتري
إنفاق كراء سنته في غور بئر، أو عين، وليس له [ذلك] في غير المأمونة، إن
أبى ربها.
3124 - ومن زرع في أرض الخراج بكراء مثل أرض مصر فغرقت أو عطشت فلا كراء
عليه إذا لم يتم الزرع من العطش.
وأما أرض الصلح التي صالحوا عليها، إذا زرعوا فعطش زرعهم فعليهم الخراج.
قال غيره: هذا إذا كان الصلح وظيفة عليهم، فأما إن صولحوا على خراج على
الأرض معروف فلا شيء عليهم.
3125 - ومن اكترى أرضاً ليزرعا عشر سنين، فأراد أن يغرس فيها شجراً، فإن
كان ذلك أضر بها منع، وإلا فله ذلك، كحمله على الراحلة غير ما اكتراها له.
(3/490)
وإن اكتريت أرضاً سنين مسماة، فغرست فيها
شجراً فانقضت المدة، وفيها شجرك فلا بأس أن تكتريها من ربها سنين مستقبلة،
ولو اكتريت أرضاً فأكريتها من غيرك فغرسها ثم انقضت مدة الكراء وفيها غرسه،
فلك أن تكريها من ربها سنين مؤتنفة، ثم إن أرضاك الغارس وإلا قلع غرسه.
قال غيره: لا ينبغي ذلك حتى يتعامل الغارس ورب الأرض على ما يجوز، ثم يكري
أرضه إن شاء، إلا أن يكريك أرضه على أن يقلع عنك الشجر.
3126 - قال ابن القاسم: ولو كان موضع الشجر زرعاً أخضر لم يكن لرب الأرض أن
يكريها ما دام زرع هذا فيها، لأن الزرع إذا انقضت الإجارة لم يكن لرب الأرض
قلعه، وإنما له كراء أرضه، وله أن يقلع الشجر فافترقا، إلا أن يكريها إلى
تمام الزرع فلا بأس بذلك. قال سحنون: إن كانت الأرض مأمونة.
وإذا انقضت السنون وفي الأرض للمكتري زرع لم يبد صلاحه لم يجز لرب
(3/491)
الأرض شراؤه، وإنما يجوز بيع زرع أخضر
يشترط مع الأرض في صفقة، وكذلك الأصول بثمرها، وإن لم يشترطه المبتاع كان
ما أثبر من الثمر أو ما ظهر في الأرض من الزرع للبائع، وإن لم تؤبر الثمرة
ولم يظهر الزرع [في الأرض] فذلك للمبتاع.
3127 - ومن اكترى أرضاً فغرسها شجراً، ثم انقضت المدة فصالح ربها على بقاء
الغرس في أرضه عشر سنين على أن له نصف الشجر، لم يجز، لأنه أكراه نصف الشجر
يقبضها إلى عشر سنين، وقد تسلم أو لا تسلم. ولو بتل له الآن نصف الشجر جاز.
وقال غيره: لا يجوز، لأنه فسخ دين في دين.
ومن اكترى أرضاً عشر سنين على أن يغرسها المكتري شجراً سماها، على أن
الثمرة للغارس، فإذا انقضت المدة فالشجر لرب الأرض، لم يجز، لأنه أكراها
بشجر لا يدري أيسلم أم لا؟.
ومن اكترى أرضاً يزرعها كل سنة بكذا، ولم يسم سنين بأعيانها، جاز ذلك، ولكل
واحد منهما أن يترك متى شاء، ما لم يزرع المكتري، فحينئذ لا ترك لأحدهما
(3/492)
تلك السنة خاصة، ويلزمه كراؤها، ويترك بعد
ذلك إن شاء.
وإن قال المكتري: أنا أقلع زرعي، وأؤدي حصة ما مضى، لم يكن له ذلك، كان في
إبان الحرث أو بعده، نه حين زرع فقد رضي بأخذ الأرض سنة.
وإن اكتريت من رجل أرضه قابلاً، وفيها الآن زرع له أو لمكتري عامه جاز، فإن
كانت مأمونة كأرض النيل جاز شرط النقد فيها، وإلا لم يجز شرطه.
ومن اكترى داراً على أن لا يقبضها [إلا] إلى سنة، جاز ذلك، وجاز النقد فيها
لا منها، فإن بَعُد الأجل جاز الكراء، ولا أحب النقد فيه، ولم يجز في سائر
العروض والحيوان شراؤه على أن لا يقبض [إلا] إلى أجل، لغلبة الغرر في
تغيره. (1)
3128 - ومن اكترى أرضاً سنة فحصد زرعه قبل تمام السنة، فأما أرض المطر
فمحمل السنة فيها الحصاد، ويقضى بذلك فيها، وأما ذات السقي التي تكترى على
أمد الشهور والسنين، فللمكتري العمل إلى إتمام سنته، وإن تمت وله فيها زرع
أخضر أو بقل، فليس لرب الأرض قلعه، وعليه تركه إلى تمامه، وله فيما بقي
كراء مثلها على حساب ما أكراها منه.
_________
(1) انظر: منح الجليل (8/58) .
(3/493)
قال غيره: إن بقي من السنة بعد حصاده ما لا
يتم فيه زرع فلا ينبغي أن يزرع، فإن فعل فعليه في زيادة المدة الأكثر من
الكراء الأول، إذ كأنه رضيه أو كراء المثل.
3129 - ومن اكترى أرضاً ليزرعها شعيراً فأراد أن يزرعها حنطة، فإن كان ذلك
أضر بالأرض منع، وله أن يزرع ما ضرره مثل ضرر الشعير فأدنى.
3130 - وإذا قال المكتري: اكتريت الأرض عشر سنين بخمسين، فقال ربها: بل خمس
سنين بمائة. فإن كان بحضرة الكراء تحالفا [وتفاسخا] وإن كان قد زرعها سنة
أو سنتين ولم ينقد فلربها فيما مضى ما أقر به المكتري إن أشبه تغابن الناس
ويحلف، وإن لم يشبه فعلى قول ربها إن أشبه مع يمينه، فإن لم يشبه فله كراء
المثل فيما مضى، ويفسخ باقي المدة على كل حال، وإنما فسخنا الكراء بقية
الخمس سنين، وإن أقر بها رب الأرض لدعواه في كرائها أكثر من دعوى المكتري،
وهذا إذا لم ينتقد، ومن قول مالك - رحمه الله -: إن رب الأرض والدابة
والدار مصدق في الغاية [والمدة] فيما يشبه، وإن لم ينتقد.
(3/494)
قال غيره: إذا انتقد فالقول قول ربها مع
يمينه فيما يشبه من المدة، فإن لم يأت بما يشبه، وأتى المكتري بما يشبه صدق
فيما سكن على ما أقر به، ويرجع ببقية المال على ربها بعد يمين ربها [على ما
ادعى عليه] ، ويمين [المكتري] فيما ادعى عليه من طول المدة، وإن لم يشبه ما
قال واحد منهما تحالفا وفسخ الكراء، وعلى المكتري قيمة كراء ما سكن، وإن
أتيا بما يشبه صدق رب الدار، لأنه انتقد مع يمينه، ولم يسكن المكتري إلا ما
أقر به المكري.
قال سحنون: وروى نحوه ابن وهب عن مالك: وهذا هو الأصل في الدور والرواحل
والعبيد وغيرها، فرد إليه ما خالفه.
3131 - قال ابن القاسم: ومن زرع أرض رجل، وادعى أنه اكتراها منه، وربها
منكر،
(3/495)
فربها مصدق مع يمينه، إلا أن يعلم به ربها
حين زرع، ولم ينكر عليه، فإن قامت بذلك بينة أو لم تقم بينة، فأحلف عليه
فنكل، فليس له إلا ما أقر به المكتري مع يمينه إلا أن يأتي بما لا يشبه.
قال غيره: علم به أو لم يعلم، فله الأكثر من كراء المثل، أو ما أقر به
المكتري مع يمينه على دعوى المكتري إن كان كراء المثل أكثر من دعواه.
قال ابن القاسم: وإن لم يعلم وقد مضى إبان الزراعة، فله كراء المثل ولا
يقلعه وإن لم يفت الإبان ولم تقم [له] بينة أنه علم به فتركه، ولا أنه
أكراه، حلف على ذلك ثم خُيّر بين أن يأخذ من المكتري ما أقر به، قال غيره:
أو كراء المثل.
قالا: فإن أبى فله أن يأمره أن يقلع زرعه، إلا أن يتراضيا على ما يجوز
فينقد
(3/496)
بينهما، ولو تركه لرب الأرض جاز ذلك إن رضي
بها، وإن لم يكن للمكتري في الزرع نفع إذا قلعه، لم يكن له قلعه، وبقي لرب
الأرض، إلا أن يأباه فيأمره بقلعه.
3132 - ومن اكترى من رجل أرضاً فتشاحا في النقد، فإن كان لأهل البلد سنة في
كراء الأرض حملا عليها، وإلا نظر، فإن كانت كأرض النيل التي تروى في مرة،
لزم المكتري النقد إذا رويت، وإن كانت لا يتم زرعها إلا بالسقي أو المطر
فيما يستقبل بعد الزراعة، لم ينقده إلا بعد تمام ذلك. (1)
قال غيره: إن كانت من أرض السقي وكان السقي مأموناً، وجب له كراؤه نقداً.
قال ابن القاسم: وإن كانت تزرع بطوناً كالقصب والبقول نقده لكل بطن
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (5/393) ، ومواهب الجليل (5/394) .
(3/497)
حصته بعد أن يسلم. قال غيره: عليه بقدر حصة
أول بطن.
والفرق بين النقد في الدور والرواحل، وبينه في الأرض غير المأمونة، أنه ليس
له في الأرض بحساب ما يمضي إذ لا كراء له إذا عطش الزرع، وفي تينك في كل
وقت يمضي قد وجب كراؤه وتم نفعه، فإذا لم يكن للنقد فيها سنة وجب له كراء
ما مضى.
3133 - ومن اكتريت منه أرضه الغرقة بكذا إن انكشف عنها الماء، وإلا فلا
كراء بينكما، جاز إن لم تنقد، ولا يجوز النقد إلا أن يوقن بانكشافه، قال
غيره: إن خيف أن لا ينكشف لم يجز وإن لم ينقد.
(3/498)
3134 - ومن اكترى أرضاً أو داراً كراءً
فاسداً وقبض ذلك، فلم يسكن ولم يزرع حتى مضت المدة، فعليه كراء المثل، ولو
لم يقبض الأرض، ولا الدار، لم يلزمه كراء، وكذلك الدابة. وكل كراء فاسد
ففيه إن سكن كراء المثل، كان أقل من التسمية أو أكثر، ولا ينتقض الكراء
بموت المتكاريين أو أحدهما.
ومن اكترى داراً أو أرضاً فلم يجد بذراً، أو سجنه سلطان باقي المدة،
فالكراء يلزمه، ولا يعذر بهذا، ولكن يكريها إن لم يقدر هو على أن يزرعها.
3135 - ونهى النبي ÷ عن المزابنة والمحاقلة. (1)
والمزابنة: اشتراء الرطب بالتمر، والمحاقلة: اشتراء الزرع بالحنطة، واكتراء
_________
(1) رواه مالك في الموطأ (2/624، 625) ، والبخاري (2381) ، ومسلم (1536) ،
وأبو داود (3304) ، والترمذي (1290) ، وابن ماجة (2266) ، وأحمد في المسند
(3/360) ، وأبو عوانة (3/307، 321) ، والشافعي في مسنده (ص146) .
(3/499)
الأرض بالحنطة. (1)
قال ابن القاسم: ومن المحاقلة اكتراؤها بشيء مما تنبته، كمن اكترى الأرض
بكتان فزرعها كتاناً، وفي حديث آخر أنه عليه السلام نهى عن كراء الأرض ببعض
ما يخرج منها، وهي المخابرة التي نهى عنها في حديث آخر، فلا يجوز كراء
الأرض بشيء مما تنبت بفيما] قل أو كثر، ولا بطعام تنبت مثله، أو لا تنبته،
ولا بما تنبته من غير الطعام، من قطن أو كتان أو أصطبة، إذ قد يزرع ذلك
فيها فيصير
_________
(1) انظر: شرح الزرقاني (3/345، 346) ، والتمهيد (2/313) ، (6/441، 443) .
(3/500)
محاقلة، ولا بقضب أو قرظ أو تبن أو علف،
ولا بلبن محلوب أو في ضروعه، ولا بخبز أو سمن أو عسل أو تمر أو صير أو ملح،
ولا بسائر الأشربة والأنبذة.
وإذا خيف في اكترائها ببعض ما تنبت من الطعام أن يدخله طعام بمثله إلى أجل
خيف في اكترائها بطعام لا تنبته أن يكون طعاماً بطعام خلافه إلى أجل، ولا
تكتري بفلفل ولا بزيت زريعة الكتان، أو بزيت الجلجلان، ولا بالسمك ولا بطير
الماء الذي هو للسكين، ولا بشاة لحم، لأن هذا من الطعام، ولا بزعفران، لأنه
مما تنبته، ولا بطيب يشبه الزعفران، ولا بعصفر.
ولا بأس بكرائها بالعود والصندل والحطب والخشب والجذوع، ويجوز كراؤها
بالعين، وروي ذلك عن النبي ÷، وقاله عدد من الصحابة والتابعين.
ومن أكرى أرضه بدنانير مؤجلة، فحلّت، فلا يأخذ بها طعاماً ولا إداماً،
وليأخذ ما يجوز أن يبتديا به كراها.
ويجوز أن تكري أرضك بشجر بأصولها، وتأخذها من المكتري، إن لم يكن فيها
(3/501)
يومئذ ثمر، فإن كان فيها [يومئذ] ثمر لم
يجز، كما كره مالك شراء [شجر] فيها ثمر، بطعام عاجل أو آجل، ويجوز بيع رقبة
الأرض بشجر فيها ثمر، كما تباع بطعام عاجل أو آجل.
3136 - ولا باس ببيع نخل بتمر إلى أجل يثمر النخل إليه، كشاة لا لبن فيها
في لبن إلى أجل يصير إليه فيها اللبن.
3137 - ولا يباع كتان بثوب كتان إلى أجل، لأنه يخرج منه، إلا أن يكون أجلاً
قريباً لا يعمل في مثله من الكتان ثوب، فلا بأس به، كالقصيل يُسلم فيه
شعير.
وأما القصيل بالشعير إلى أجل قريب أو بعيد فلا باس به، ولا بأس بكراء دار
بدار أو أرض بأرض.
3138 - ويجوز أن تكتري من رجل أرضه تزرعها أنت العام بأرضك عاماً قابلاً
ليزرعها هو، إن كانت أرضك مأمونة، يجوز النقد فيها، لأن أرضه كعرض انتقدته
في أرضك.
(3/502)
ومن اكترى أرضاً يقبضها قابلاً بألف درهم،
إلى عشر سنين [جاز ذلك] ، وكذلك شراء الغائب بثمن إلى أجل أبعد من مسافته
جائز، وليس ديناً بدين.
ومن أكرى أرضه بدنانير معلومة على أن يأخذ لكل دينار عشرين درهماً جاز،
وكذلك بدراهم [على أن] يأخذ لكل عشرين منها ديناراً، والتعاقد واقع على
المقبوض واللفظ لغو، ولو ثبت الكراء بدراهم مؤجلة لم يجز أن يأخذ بها
دنانير معجلة أو مؤجلة حتى تحل، فيأخذ بها دنانير نقداً.
3139 - ومن اكترى أرضاً بدراهم وخمر في صفقة، فسد جميعها ولم تجز حصة
الدراهم، وإن رضي المكري بترك الخمر لم يجز، وليس كالبيع والسلف.
ولا بأس بكراء الأرض بصوف على ظهور الغنم إن شرع في الجزّ مكانه أو إلى ما
قرب من خمسة أيام أو عشرة.
ومن أكرى أرضه بدراهم إلى أجل، فلما حلّ الأجل فسخها في ثياب بعينها على أن
يقبضها إلى ثلاثة أيام، لم يجز، إلا أن يقبض الثياب قبل أن يفترقا، لأنه من
وجه الدين بالدين [ويجوز كراؤها بثياب موصوفة إذا ضرب لها أجلاً] .
ويجوز الكراء بالخيار لأحدكما أو لكما، وإن لم تؤجلاه جاز، وأجله الإمام
(3/503)
إلا أن يكون قد مضى مقداره، فيوقف الآن من
له الخيار. وإن كانا بالخيار فاختلفا في الأخذ والرد، فالقول قول من أراد
المرد. (1)
ومن اكترى أرضاً على أنه إن زرع حنطة فبكذا، أو شعيراً فبكذا، أو اكتراها
بهذا الثوب أو بهذا العبد لم يجز، وكذلك إن قال: [أكريك هذه الدار] بقفيز
حنطة، أو قفيزين شعيراً أيهما شاء المكري أو المكتري، وذلك كله معين أو
مضمون قد لزمهما، أو أحدهما لم يجز، وذلك من بيعتين في بيعة، فأما على غير
الإلزام لأحدهما ومن شاء ردّ، فذلك جائز.
3140 - ومن أكرى أرضه من رجل [على أن] يزرعها قصباً أو قصيلاً أو بقلاً أو
قمحاً أو شعيراً أو قطنية، على أن ما أنبتت بينهما، أو هو مع الأرض بينهما
لم يجز، وإن قال له: اغرسها شجراً، أو قال: نخلاً فإذا بلغت النخل كذا أو
كذا سعفة، والشجر قدر كذا، فالأصول والشجر بينهما نصفين، فذلك جائز. وإن
_________
(1) انظر: منح الجليل (9/590) .
(3/504)
قال: فالأصول بيننا فقط، فإن كان مع
مواضعها من الأرض جاز، وإن لم يشترط ذلك، وشرط له ترك الأصول في أرضه حتى
تبلى لم يجز.
وإن أعطيت لرجل أرضك فليزرع لك فيها حنطة من عنده بطائفة من أرضك يزرعها
لنفسه لم يجز، لأنك أكريته الأرض بما تنبت الأرض، وإن دفعت إليه أرضك
يزرعها بحبك، على أن له طائفة أخرى من أرضك غير مزروعة جاز ذلك.
وإن قلت له: اغرس لي أرضي هذه نخلاً أو شجراً بطائفة أخرى من أرضي، جاز
ذلك، وهذا ككراء الأرض بالخشب.
3141 - ومن اكترى ربع أرض ليزرعها أو جزءاً شائعاً قلّ أو كثر جاز ذلك
كالشراء. ومن اكترى من رجل مائة ذراع من أرضه التي بموضع كذا جاز ذلك
[كالشراء] إذا كانت متساوية، ولا يجوز في المختلفة حتى يسمي من أي موضع
منها. قال غيره: فإن استوت لم يجز حتى يسمي الموضع.
(3/505)
3142 - ومن اكترى أرضاً على أن يكريها ثلاث
مرات ويزرعها في الكراء الرابع جاز ذلك، وكذلك على أن يزبلها إن كان الذي
يزبلها به شيئاً معروفاً، وإن شرط على أن يحرثها له ربها جاز ذلك، ولا بأس
بالبيع والكراء في صفقة.
3143 - ولا بأس بكراء أرض أو دار غائبة ببلد قريب أو بعيد، على صفة أو رؤية
متقدمة وينقده كالبيع، ثم لا رد له إن وجدها على الصفة، وإنما يجوز ذلك على
رؤية متقدمة منذ أمد لا تتغير في مثله.
3144 - وللرجل بيع مراعي أرضه إذا بلغ خصبها أن يرعى، لا قبل ذلك فيبيع
مرعاها سنة لا أزيد. وليس للرجل أن يكري ربع زوجته إلا بإذنها.
ولا أحب للوصي أن يشتري لنفسه شيئاً من مال يتيمه أو يكتري أرضاً له
(3/506)
من نفسه، فإن نزل أعيد ما اشترى إلى السوق،
فإن زيد عليه بيع، وإلا لزم الوصي ما سمى، وكذلك الكراء، إلا أن يكون إبّان
الكراء قد مات، فيسأل أهل المعرفة عن الكراء، فإن كان فيه فضل غرمه الوصي،
وإلا أدى ما عليه، و [لا] يرجع بالفضل إن كان له.
3145 - وإذا انتشر للمكتري في حصاده حب في الأرض، فنبت قابلاً فهو لرب
الأرض، وكذلك من زرع زرعاً فحمل السيل زرعه إلى أرض غيره فنبت فيها. قال
مالك: فالزرع لمن جره السيل إلى أرضه ولا شيء للزارع.
3146 - ومن ابتاع زرعاً أخضر على أن يحصده الآن، ثم أذن له رب الأرض في
بقائه بكراء، أو بغير كراء، لم يجز، إلا أن يشتري الأرض بعد شرائه للزرع،
فيجوز أن يبقيه فيها.
(3/507)
3147 - ومن اكترى أرضاً بعبد أو بثوب
بعينه، فاستحق بعد الحرث أو الزراعة، فعليه كراء مثلها، وكذلك إن اكتراها
بحديد أو رصاص أو نحاس بعينه، وقد عرفا وزنه فاستحق فالكراء ينتقض، إلا أن
يكون قد زرعها أو حرثها أو أحدث فيها عملاً فعليه كراء المثل.
ومن أكرى أرضه من رجل سنة ثم اكتراها من غيره سنة أخرى بعد الأولى جاز ذلك.
3148 - ولا بأس أن يكري المسلم أرضه من ذمي إذا كان لا يغرس فيها ما يعصر
منه خمراً. وأكره للمسلم كراء أرض الجزية ذات الخراج، وإن اكتريتها فجار
السلطان عليك فأخذ منك الخراج، فإن لم يكن الذمي أداه رجعت عليه بالخراج
المعلوم لا بما جار وزاد عليك السلطان، وإن كان الذمي قد أداه لم ترجع عليه
بشيء.
3149 - وإذا فلس المكتري أو مات بعد أن زرع ولم ينقد، فربها أحق [بالزرع في
الفلس
(3/508)
وهو في الموت أسوة الغرماء، وكذلك رب الدار
في فلس المكتري أحق] بالسكنى كلها إن لم يسكن المكتري، وإن سكن شيئاً فكلام
غير هذا، وقد ذكرناه.
وإن فلس الجمال فالمكتري أحق بالجمال حتى يتم حمله، إلا أن يضمن له الغرماء
حِملانه ويكتروا له من أملياء ثم يأخذون الإبل ويبيعونها في دَينهم. وقال
غيره: لا يجوز أن يضمنوا حملانه.
وإن فلس المكتري أو مات فالجمال أولى بالمتاع، حتى يقبض كراءه، ويكري
الغرماء الإبل في مثل ما اكترى، وجميع الصناع أحق بما في أيديهم في الموت
والفَلَس.
وإن اكتريت أرضاً بدراهم، ثم أقالك ربها، على إن زدته دراهم فذلك جائز.
* * *
(3/509)
|