التهذيب
في اختصار المدونة (كتاب
الرهون) (1)
3455 - ولا بأس برهن [جزء] مشاع غير مقسوم من رَبْع أو حيوان أو عَرَض،
وقبضه أن يحوزه المرتهن دون صاحبه، والحوز في ارتهان نصف ما يملك الراهن
جميعه من عبد أو دابة أو ثوب قبض جميعه، فإن كان النصف الآخر من هذه
الأشياء لغير الراهن، فإن المرتهن يقبض حصة الراهن، فيحل محله، ولا بأس أن
يضعاه على يدي الشريك.
وكذلك الدار المشتركة إن حل المرتهن محل الراهن، وحاز نصيبه وكان يكريه
ويليه مع من له فيه شريك، فتلك حيازة.
_________
(1) انظر: الأصل في مشرعيته البخاري (2069) ، والترمذي (1215) ، وانظر: منح
الجليل (5/417) .
(4/47)
وإن كان مما يقسم من طعام ونحوه، فرهن حصته
منه، جاز ذلك إذا حازه المرتهن، فإن شاء الشريك البيع قاسمه ذلك الراهن،
وهو في يد المرتهن، فإن غاب الراهن أقام الإمام من يقسم له، ثم تبقى حصة
الراهن بيد المرتهن رهناً ويطبع على ما لا يعرف بعينه.
3456 - ومن رهن حصته من دار ثم اكترى حصة شريكه وسكن، بطل حوز الرهن إن لم
يقم المرتهن من يقبض حصة الراهن من الدار ويقاسمه، لأنه لما سكن نصف الدار
وهي غير مقسومة، صار المرتهن غير حائز لما ارتهن، ولا أمنع الشريك أن يكري
نصيبه من الراهن، ولكن تقسم الدار فيحوز المرتهن رهنه، ويكري الشريك نصيبه
ممن شاء.
3457 - ومن ارتهن نصف ثوب فقبض جميعه فهلك عنده، لم يضمن إلا نصفه، كالمعطي
لغريمه ديناراً ليستوفي منه نصف دينار له عليه ويرد ما بقي، فزعم أنه ضاع،
فضمان النصف من المقتضي وهو مؤتمن في النصف الآخر، ولا يمين عليه إلا أن
يتهم فيحلف.
3458 - ومن ارتهن دابة أو داراً أو ثياباً واستحق نصف ذلك من يد المرتهن،
فباقيه رهن بجميع الحق، فإن شاء المستحق البيع، قيل للراهن وللمرتهن: بيعا
معه، وقيل
(4/48)
للمرتهن: لا تسلم رهنك ولكن يباع وهو بيدك،
وتصير حصة الراهن من الثمن رهناً بيد المرتهن بجميع حقه أو بيد ن كان الرهن
على يديه.
3459 - ولو ترك المستحق حصته بيد المرتهن وهو ثوب، ثم ضاع، لم يضمن المرتهن
إلا نصف قيمته للراهن، فإن كان الراهن والمرتهن قد وضعها على يدي المستحق
أو غيره ثم ضاع، لم يضمنه المرتهن وبقي دينه بحاله.
3460 - وما وضع من رهن يغاب عليه أم لا، على يدي عدل فضمانه من الراهن.
وما قبضه المرتهن من رهن لا يغاب عليه من ربع أو حيوان أو رقيق، فالمرتهن
مُصدّق فيه ولا يضمن ما زعم أنه هلك أو عطب أو أبق أو دخله عيب.
وأما ما يغاب عليه فالمرتهن يضمنه إذا قبضه، إلا أن يقيم بينة على هلاكه من
غير سببه بأمر من الله، أو بتعدي أجنبي، فذلك من الراهن، وله طلب المتعدي،
فإذا غرم المتعدي القيمة، فأحب ما فيه إليّ - إن أتى الراهن برهن ثقة مكان
ذلك - أخْذ القيمة، وإلا جعلت هذه القيمة رهناً.
3461 - وإذا باع الراهن الرهن بغير إذن المرتهن لم يجز بيعه، فإن أجازه
المرتهن جاز البيع وعُجّل للمرتهن حقه، شاء الراهن أو أبى. (1)
وإن باعه بإذن المرتهن فقال المرتهن: لم آذن له في البيع إلا لإحياء الرهن
لا ليأخذ
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (5/13، 19) ، والشرح الكبير (3/248) ، ومواهب
الجليل (5/20) .
(4/49)
الراهن الثمن، خلف على ذلك، وقيل للراهن:
إن أتيت برهن ثقة يشبه الرهن الذي بعت وتكون قيمته كقيمة الرهن الأول فلك
أخذ الثمن، وإلا بقي الثمن رهناً إلى الأجل، ولم يُعجَّل للمرتهن حقه، وخذا
إذا بيع بإذن المرتهن، ولم يسلمه من يده إلا إلى المبتاع، وأخذ منه الثمن.
وأما إن أسلمه إلى الراهن فباعه خرج من الرهن، وإن تعدى المرتهن فباع الرهن
أو وهبه، فلربه رده حيث وجده، فيأخذه ويدفع ما عليه فيه، ويتبع المبتاع
بائعه بالثمن.
3462 - ومن ارتهن ثمرة نخل أو زرعاً قبل بدو صلاحهما أو بعده جاز ذلك، إن
حازه المرتهن، أو عدل يرضيان به، ويتولى من يحوزه سقيه وعمله، وأجر السقي
في ذلك على الراهن، كما أن عليه نفقة الدابة والعبد الرهن، وعليه كسوة
العبد وكفنه إن مات ودفنه، وللذي ارتهن الثمرة أن يأخذ النخل معها، وله قبض
الأرض مع الزرع ليتم له الحوز، ثم لا يكون رهناً في قيام الغرماء، إلا
الثمر أو الزرع خاصة والنخل والأرض للغرماء.
3463 - ومن ارتهن أمة حاملاً كان ما في بطنها وما تلد بعد ذلك رهناً [معها]
، وكذلك نتاج الحيوان كله.
3464 - ومن ارتهن نخلاً لم يدخل في الرهن ما فيها من ثمر، أُبِّر أو لم
يؤبّر، أزهى أو لم يزه، ولا ما يثمر بعد ذلك إلا أن يشترط ذلك.
(4/50)
وولد الأمة في هذا بخلاف ما تثمره الأصول،
لأن من باع أمة حاملاً كان ما في بطنها للمبتاع.
3465 - ومن باع نخلاً قد أُبّر ثمرها فهو للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع،
[وكذلك] الثمرة وكراء الدور وإجارة العبيد كل ذلك للراهن، ولا يكون في
الرهن إلا أن يشترطه المرتهن، وكذلك صوف الغنم وألبانها، إلا صوفاً كمل
نباته يوم الرهن فإنه رهن معها.
ولا يكون مال العبد الرهن رهناً إلا أن يشترطه المرتهن كالبيع، فيدخل في
البيع والرهن، كان ماله معلوماً أو مجهولاً.
وما وهب له فليس برهن، وهو كماله موقوف بيده إلا أن ينتزعه سيده. (1)
3466 - وإن تكفلت لرجل بدين وأعطيته به رهناً جاز ذلك، فإن هلك الرهن عند
المرتهن وهو مما يغاب عليه ضمنه، فإن كانت قيمته كفاف الدين فقد استوفى
المرتهن حقه، وترجع أنت على الذي عليه الحق بقيمة رهنك، وسواء في هذا تكفلت
عن المطلوب بأمره أو بغير أمره، أو أعطيت الرهن بأمره أو بغير أمره، فأما
إن رهنته بأمر المطلوب وقيمة الرهن أكثر من الدين رجعت على المطلوب خاصة
بمبلغ الدين من رهنك، ويسقط دين المرتهن، وترجع بفضل
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (13/221) .
(4/51)
قيمة رهنك على المرتهن إن شئت، أو على
المطلوب، فإن أغرمت المطلوب الزيادة رجع هو بها على المرتهن.
وإن كنت رهنته بغير أمر المطلوب رجعت على المطلوب بالدين فقط، ولا يتبع
بالزيادة إلا المرتهن خاصة.
3467 - ويجوز الرهن في دم الخطأ إن علم الراهن أن الدية على العاقلة، ولو
ظن أن ذلك يلزمه وحده لم يجز، وله رد الرهن، وكذلك الكفالة فيه.
3468 - وإن استعرت من رجل دابة على أنها مضمونة عليك لم تضمنها، وإن رهنته
بها رهناً فمصيبتها من ربها والرهن فيها لا يجوز، فإن ضاع الرهن عنده ضمنه،
إذ لم يأخذه على الأمانة.
3469 - ومن ارتهن ما يغاب عليه، وشرط أن لا ضمان عليه فيه، وأنه مصدق لم
ينفعه شرطه، وضمن إن ادعى أنه ضاع.
ويجوز الرهن بالعارية التي يغاب عليها، لأنها مضمونة. (1)
3470 - ومن استأجر عبدَ رجلٍ وأعطاه بالإجارة رهناً جاز.
3471 - ومن ادعى قبل رجل ديناً فأعطاه به رهناً يغاب عليه، فضاع الرهن عنده
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (5/16) .
(4/52)
وتصادقا أن دعواه باطل، وكان قد اقتضاه ولم
يعلم فهو ضامن للرهن إذا لم يأخذه على الأمانة، وكذلك إن أعطاه دراهم حتى
يصارفه بها من دنانير له عليه ديناً فزعم أن الدراهم ضاعت.
وكذلك ما عمله الصناع بغير أجر، فضمانه منهم، وكذلك لو قبض [المرتهن] دينه
أو وهبه للراهن، ثم ضاع الرهن بعد ذلك ضمنه المرتهن وإن زادت قيمته على
الدين، وإن صرف دراهم بدنانير فقبض الدراهم وأعطاه بالدنانير رهناً، وجهلا،
فالرهن إن ضاع من المرتهن، فإن كانت قيمة الرهن مثل الدراهم برئ الراهن،
وإن زادت أو نقصت ترادّا الفضل.
3472 - ومن أخذ رهناً بقراض لم يجز، إلا أنه إن ضاع ضمنه، إذ لم يأخذه على
الأمانة.
وإن دفعت إلى رجل رهناً بكل ما أقرض لفلان جاز ذلك.
3473 - ومن ارتهن رهناً وجعلاه على يد عدل أو على يد المرتهن، إلى أجل كذا
وشرطا إن جاء الراهن بحقه إلى ذلك الأجل، وإلا فلمن على يديه الرهن بيعه،
فلا يباع إلا بإذن السلطان وإن شرط ذلك، فإن بيع نفذ بيعه ولم يرد، وإن لم
يأذن له في بيعه رفعه المرتهن إذا حل الأجل إلى السلطان، فإن أوفاه حقه
وإلا باع له الرهن فأوفاه حقه.
(4/53)
3474 - وإذا قبض الرهن وكيل المرتهن بأمر
من الراهن فهلك بيده وهو مما يغاب عليه، فهو من المرتهن، لأن قبض وكيله
كقبضه، وليس كالعدل الذي تراضيا عليه.
3475 - وإن تعدى العدل في رهن في يديه فدفعه إلى الراهن أو إلى المرتهن
فضاه، وهو مما يغاب عليه، فإن دفعه إلى الراهن ضمن للمرتهن، وإن دفعه
للمرتهن ضمنه للراهن، فإن كان الرهن كفاف الدين سقط دين المرتهن لهلاكه
بيده، فإن كان فيه فضل ضمن العدل الفضل للراهن.
وإذا مات العدل وبيده رهن فليس له أن يوصي عند موته بوضعه عند غيره، وذلك
إلى المتراهنين. (1)
3476 - وإذا أمر السلطان رجلاً ببيع الرهن ليقضي المرتهن حقه فباعه، ثم ضاع
الثمن من يده لم يضمنه المأمور وصُدّق في ضياعه، فإن اتهم حلف، وكان الثمن
من الذي له الدين كقول مالك في ضياع ثمن ما باعه السلطان لغرماء المفلس أنه
من الغرماء.
وإن قال المأمور: قد بعت الرهن بمائة وقبضها المرتهن، وقال المرتهن: ما
أخذت شيئاً، صدق المرتهن، ولو قال المرتهن: إنما باعه بخمسين وقضانيها، ضمن
المأمور الخمسين الباقية بإقراره أنه باعه بمائة، كمأمور يدفع مائة دينار
إلى رجل يدعي أنه دفعها وقال الرجل: لم أقبض إلا خمسين، فالمأمور ضامن
للخمسين.
وإذا باع السلطان الرهن ودفع ثمنه إلى المرتهن، ثم استحق الرهن وقد فات عند
المبتاع، أو غاب المبتاع فلم يوجد، فللمستحق إجازة البيع وأخذ الثمن من
المرتهن،
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (5/23) .
(4/54)
ويرجع المرتهن بحقه على الراهن. وقاله مالك
فيمن باع سلعة فاستحقها صاحبها وقد دارت في أيدي رجال، أنه يأخذ الثمن من
أيهم شاء.
وإن باع المأمور الرهن بحنطة أو شعير أو عرض لم يجز، ثم إن ضاع ما قبضه منه
ضمنه المأمور بتعديه.
ولو باع بالعين لم يضمن. وكذلك الوكيل على بيع سلعة يبيعها بغير العين.
وإن قال الراهن: لم يحلّ الأجل، وقال المرتهن: قد حل، صدق الراهن، لأن
المرتهن مقر بأجل يدعي حلوله، وهذا إذا أتى الراهن بأمر لا يستنكر وادعى
أجلاً يشبه، وإلا لم يصدق.
3477 - قال مالك: وإذا قال مبتاع السلعة بعد أن فاتت عنده: ابتعتها بثمن
إلى أجل،
(4/55)
وقال البائع: بل بثمن حال، فإن ادعى
المبتاع أجلاً قريباً صُدق، وإن ادعى أجلاً بعيداً لم يصدق. قال ابن
القاسم: لا يصدق في الأجل، ويؤخذ بما أقر به من المال حالاً، إلا أن يقر
بأكثر مما ادعاه البائع، فلا يكون للبائع إلا ما ادعاه.
3478 - ومن ارتهن رهناً فقبضه، ثم أودعه للراهن أو أجره منه أو أعاره إياه
أو رده إليه بأي وجه كان حتى يكون الراهن هو الحائز له، فقد خرج من الرهن.
وليس للمرتهن إن أعاره إياه رده في الرهن، إلا أن يعيره [إياه] على ذلك،
فإن أعاره على ذلك ثم لم يرتجعه حتى قامت الغرماء [على الراهن] أو مات، كان
أسوة الغرماء.
(4/56)
وكذلك إن ارتهنت أرضاً فزرعها الراهن بإذنك
وهي بيدك، كان خروجاً من الرهن.
3479 - وإذا أجر المرتهن الرهن، أو أعاره بإذن الراهن، وولي المرتهن ذلك
ولم يسلمه إلى الراهن، لم يكن ذلك خروجاً من الرهن، وهو على حاله، فإن ضاع
الرهن عند المستأجر، وهو مما يغاب عليه فضياعه على الراهن، لإذنه فيه، وإن
لم يقبض المرتهن الرهن حتى مات الراهن أو فلس، كان أسوة الغرماء في الرهن.
وإذا كان الحق إلى أجل وأخذ به رهناً، فمات الراهن قبل الأجل بِيع [الرهن]
وقضي المرتهن حقه، لأن من مات فقد حلت ديونه.
3480 - ومن رهن لامرأته رهناً قبل البناء بجميع الصداق جاز ذلك، لأن عقد
النكاح يوجب لها الصداق كله، إلا أن يطلق قبل البناء، فإن طلق قبل البناء
لم يكن له أخذ نصف الرهن، والرهن أجمع رهن بنصف الصداق، كمن قضى بعض الدين
أو وُهِب
(4/57)
له، فالرهن رهن بما بقي له، فإن هلك الرهن
وهو مما يغاب عليه ضمن المرتهن جميعه، وقد اختلف قول مالك في رهن [من] أحاط
الدين بماله، وقد ذكرناه في كتاب المديان. (1)
3481 - وإذا كان لك على رجل مائتان فرهنك بمائة منها رهناً، ثم قضاك مائة
وقال: هي التي فيها الرهن، وقلت أنت: هي التي لا رهن فيها، وقامت الغرماء
أو لم يقوموا، فإن المائة يكون نصفها لمائة الرهن، ونصفها للمائة الأخرى،
وإن أسلمت في طعام إلى أجل وأخذت به رهناً، ثم تقايلتما بعد ذلك الأجل أو
قبله، ولم تقبض رأس المال مكان الرهن الذي في يديك، لم تجز الإقالة، إلا أن
تقبض رأس المال مكانك قبل أن تفترقا، وإلا دخله بيع الطعام قبل قبضه.
3482 - ومن ارتهن عبداً فجنى العبد جناية خُيّر السيد أولاً، فإن فداه كان
على رهنه، وإن أسلمه خير المرتهن أيضاً، فإن أسلمه كان لأهل الجناية بماله،
قل أو كثر، وبقي دين المرتهن بحاله، وإن فداه المرتهن لم يكن لسيده أخذه
حتى يدفع ما فداه به مع الدين.
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (14/309) .
(4/58)
ولا يكون ماله رهناً بأرش ولا دين، إذ لم
يشترط في الدين أولاً.
وإن أبى سيده أن يأخذه بِيع العبد بعد حلول [أجل] الدين، لا قبله، وبدئ بما
فداه به المرتهن من الجناية، فإن ساوت رقبته أقل مما فداه به، لم يتبع
السيد بما بقي من ذلك، لأنه فداه بغير أمره، وأتبعه بدينه الأول.
وإن كان فيه فضل كان الفضل من رقبته في الدين، وإن افتداه المرتهن بأمر
الراهن، أتبعه المرتهن بما فداه به وبالدين جميعاً.
3483 - ولو أقر الراهن أن العبد الرهن جنى جناية، أو استهلك مالاً وهو عند
المرتهن، ولم تقم بذلك بينة، فإن كان الراهن معدماً لم يصدّق، وإن كان
مليئاً قيل له: أتفديه أم تسلمه؟ فإن فداه بقي رهناً على حاله، وإن أسلمه
لم يكن له ذلك حتى يحل الأجل، فإذا حل [الأجل] أدى الدين ودفع العبد
بجنايته التي أقر بها، وإن فلس قبل الأجل فالمرتهن أحق به من أهل الجناية،
وليس ذلك كثبوت الجناية ببينة.
3484 - وإذا أخذت من رجل رهناً بدين لك عليه ثم استقرضك دراهم أخرى على ذلك
(4/59)
الرهن، [جاز] ، وكان بالدينين [جميعاً]
رهناً.
3485 - وإذا ارتهنت ثوباً قيمته مائة دينار في خمسين ديناراً ثم رهن رب
الثوب فضلته لغيرك، لم يجز، إلا أن يكون ذلك بإذنك فيجوز، وتكون حائزاً
للمرتهن الثاني، فإن هلك الثوب بيدك بعدما ارتهن الثاني فضلته ضمنت منه
مبلغ دينك، وكنت في الباقي أميناً، ويرجع المرتهن الثاني بدينه، لأن فضلة
الرهن على يدي عدل، وهو المرتهن الأول.
3486 - وإن أنفق المرتهن على الرهن بأمر ربه أو بغير أمره، رجع بما أنفق
على الراهن، ولا يكون ما أنفق في الرهن إذا أنفق بأمر ربه، لأن ذلك سلف إلا
أن يقول له: أنفق على أن نفقتك في الرهن، فله حبسه بنفقته وبما رهنه فيه،
إلا أن تقوم الغرماء على الراهن، فلا يكون المرتهن أحق منهم بفضله عن دينه
لأجل نفقته، أُذن له في ذلك أو لم يؤذن، إلا أن يقول له: أنفق والرهن بما
أنفقت رهناً. (1)
فأما المنفق على الضالة فهو أحق بها من الغرماء حتى يستوفي نفقته، إذ لا
يقدر على صاحبها، ولا بد من النفقة عليها، والرهن يأخذه راهنه بنفقته، فإن
غاب رفع ذلك إلى الإمام.
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (4/193) .
(4/60)
3487 - وللوصي أن يرهن من متاع اليتيم
رهناً فيما يبتاع له من كسوة أو طعام، كما يتسلف لليتيم حتى يبيع له بعض
متاعه، وذلك لازم لليتيم.
وللوصي أن يعطي مال اليتيم مضاربة.
ولا يعجبني أن يعمل به الوصي لنفسه، إلا أن يتجر لليتيم فيه أو يقارض له به
غيره.
وللوصي أن يسلف الأيتام ويرجع عليهم إن كان لهم يوم السلف عرض أو عقار، ثم
يبيع ويستوفي، وإن لم يكن لهم يوم السلف مال فقال الوصي: أنا أسلفهم فإن
أفادوا مالاً رجعت عليهم، لم يكن له ذلك. والنفقة عليه حينئذ على وجه
الحسبة ولا يرجع [عليهم] بشيء [وإن أفاد اليتيم مالاً] .
وليس للوصي أن يأخذ عروض اليتيم بما أسلفه رهناً، إلا أن يكون تسلف لليتيم
مالاً من غيره أنفقه عليه، ولا يكون أحق بالرهن من الغرماء، لأنه حائز
لنفسه من نفسه، وهو والغرماء في ذلك سواء.
(4/61)
3488 - ومن قال: لله عليّ أن أصوم شهراً
متتابعاً أجزأه التبييت لأول ليلة ولا يحتاج أن يبيّت الصوم كل ليلة.
3489 - ولا يدفع أحد الوصيين رهناً من التركة إلا بإذن صاحبه، وإن اختلفا
نظر الإمام، وكذلك البيع والنكاح.
وإذا عزل الورثة دين الغريم فضاع، فمذكور في كتاب المديان.
3490 - ومن زوج أمته وأخذ مهرها قبل البناء بها فاستهلكه وأعتقها، ثم طلقها
الزوج قبل البناء ولا مال للسيد، لم يُردّ عتقها، لأن الدين إنما لزم السيد
حين طلق الزوج لا يوم العتق.
قال مالك - رحمه الله -: وليس للسيد أن يأخذ مهر أمته ويدعها بلا جهاز،
ولكن يجهزها به كالحرة.
وإذا رهن الأب من متاع ابنه الصغير في دين على الأب ولم يستدنه للولد، لم
يجز الرهن، لأنه لا يجوز له أخذ مال ولده من غير حاجة، وإنما يجوز بيع الأب
عليه على وجه النظر وكذلك الوصي.
(4/62)
ولا بأس أن يشتري الأب أو الوصي لبعض من
يليان عليه من بعض.
3491 - وإذا اشترط المرتهن منفعة الرهن فإن كان الدين من قرض لم يجز ذلك،
لأنه سلف جر منفعة.
وإن كان الدين من بيع، وشرط منفعة الرهن إلى أجل مسمى، قال مالك: لا باس به
في الدور والأرضين وكرهه في الحيوان والثياب، إذ لا يدري كيف يرجع إليه،
وأجاز ذلك كله ابن القاسم إذا سميا أجلاً كالإجارة، وهذه إجارة وبيع.
3492 - ولا بأس برهن المصحف، ولا يقرأ فيه، فإن لم يشترط في أصل السلف أن
يقرأ فيه فوسع له رب المصحف أن يقرأ فيه لم يعجبني، كان الرهن من بيع أو
قرض.
(4/63)
3493 - ولا يجوز لمسلم أن يؤجر نفسه في شيء
مما حرم الله عز وجل، وهذا مذكور في كتاب الجعل والإجارة.
3494 - ولا ترهن الدنانير والدراهم والفلوس، وما لا يعرف بعينه من طعام أو
إدام، وما يكال أو يوزن، إلا أن يطبع على ذلك، ليمنع المرتهن من النفع به،
ويرد مثله.
وأما الحلي فلا يطبع عليه، حذر اللبس، كما لا يفعل ذلك في سائر العروض، لأن
ذلك يعرف بعينه.
3495 - ولا يجوز لمسلم أن يرتهن من ذمي خمراً أو خنازير.
وإذا ولدت الأمة الرهن ثم ماتت، كان ولدها رهناً بجميع الدين.
وإن رهنك خلخالين من ذهب في مائة درهم فاستهلكتهما قبل الأجل أو كسرتهما،
وقيمتهما مائة درهم، لم أجعل ذلك قَصَاصاً بدينك، ولكن تؤخذ القيمة منك
دراهم فتوضع بيد عدل مطبوع عليها رهناً، فإذا حل الأجل أخذتها في حقك،
وكذلك إن كان من فضة فلزمتك قيمتها دنانير، كانت رهناً كما ذكرنا إلى
الأجل، فإن وفاك حقك أخذ الدنانير، وإلا صُرفت لك، وأخذت منها حقك.
وكان ابن القاسم يقول: إذا كسر الخلخالين فإنما عليه ما نقص الصناعة، ثم
رجع إلى أن يغرم قيمتها، ويكونان له، ولا يكون الرهن بما فيه ولكن المرتهن
ضامن لجميع قيمته. (1)
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (4/319) .
(4/64)
3496 - ومن لك عليه دين إلى أجل من بيع أو
قرض، فرهنك به رهناً على أنه إن لم يفتكه منك إلى الأجل، فالرهن لك بدينك،
لم يجز ذلك، وينقض هذا الرهن، ولا ينتظر به الأجل، ولك أن تحبس الرهن حتى
تأخذ حقك، وأنت أحق به من الغرماء، وإن حلّ الأجل والرهن بيدك أو بيد أمين،
فقبضته أنت لأجل شرطك ذلك، لم يتم لك ملك الرهن فيما شرطت فيه، ولكن ترده
إلى ربه ما لم يفت، وتأخذ دينك، ولك أن تحبسه حتى تأخذ دينك، وأنت أحق به
من الغرماء، فإن فات الرهن بيدك بما يفوت به البيع الفاسد من حوالة سوق
فأعلى في الحيوان والسلع، وأما الدور والأرضون فلا يفيتهما حوالة سوق ولا
طول زمان، وإنما يفيتهما الغرس والبناء والهدم، وسواء هدمتها أنت أو انهدمت
بأمر من الله، فذلك فوت، فحينئذ لا ترد الرهن ويلزمك بقيمته يوم حل الأجل،
لأنه بيع فاسد وقع يوم حل الأجل، وأنت للسلعة يومئذ قابض وتقاضيه بدينك
وتترادان الفضل.
3497 - ومن أسلفته فلوساً وأخذت به رهناً، ففسدت الفلوس، فليس لك عليه إلا
مثل فلوسك، ويأخذ رهنه.
وإن بعته سلعة بفلوس إلى أجل، فإنما لك نقد الفلوس يوم البيع، ولا يلتفت
إلى كسادها، وكذلك إن أقرضته دراهم فلوساً وهي يومئذ مائة فلس بدرهم، ثم
صارت مائتي فلس بدرهم فإنما يرد إليك ما أخذ لا غير ذلك.
(4/65)
3498 - وإذا أخذت رهناً يغاب عليه في ثمن
شيء بعته، أو قرض عين أو عرض أو حيوان أو طعام، فهلك الرهن بيدك وقامت عليك
الغرماء ولا مال لك غير الدين الذي لك على غريمك، فعلى غريمك غرم دينك، وله
محاصة غرمائك بقيمة رهنه، ولا يكون دينك عليه رهناً له بذلك، ولا له
المقاصة بذلك، لأنك لم ترهنه إياه.
وكذلك إن أسلفته مالاً، ثم ابتعت منه سلعة بثمن ولم تذكر أن ذلك من دينك،
ثم قامت الغرماء على أحدكما، فلا يكون ما في ذمته له رهناً بما في ذمة
الآخر، ولكنه يغرم ويحاص.
وإن تكلفت عن رجل بحق عليه، وأخذت منه بذلك رهناً فذلك جائز.
3499 - وإذا اختلف الراهن والمرتهن في مبلغ الدين، فالرهن كشاهد للمرتهن،
إذ حيازته وثيقة له، فإذا كانت قيمته يوم الحكم والتداعي لا يوم الرهن مثل
دعوى المرتهن فأكثر، صدق المرتهن مع يمينه.
وإن تصادقا على أن قيمته يوم التراهن أقل من ذلك فزاد سوقه، لم أنظر إلا
إلى قيمته الآن، زادت أو نقصت. (1)
فإن قال الراهن: هو في مائة، وقال المرتهن: في مائتين، صُدّق المرتهن فيما
بينه وبين قيمة الرهن يوم الحكم ويحلف.
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (5/30) .
(4/66)
فإن ادعى أكثر من قيمة الرهن الآن، لم يصدق
فيما زاد عليها، وحلف الراهن على ما قال، فإن حلف فإنما يبرأ من الزيادة
على قيمة الرهن، ويؤدي مبلغ قيمته ويأخذه إن أحب، وإلا فليس له أخذه.
3500 - وإن قال المرتهن: ارتهنته في مائة دينار، وقال الراهن: المائة لك
عليّ ولم ارهنك إلا بخمسين، فالقول قول المرتهن إلى مبلغ قيمة الرهن، فإن
لم يساو إلا خمسين فعجل الراهن الخمسين قبل الأجل ليأخذ رهنه، وقال
المرتهن: لا أسلمه حتى آخذ المائة، فللراهن أخذ رهنه إذا عجل الخمسين قبل
أجلها، وتبقى عليه خمسون بغير رهن، فكما لو أنكرها لم تلزمه، فكذلك لا
تلزمه بما رهنه في أكثر من قيمته.
3501 - وإذا ضاع الرهن عند المرتهن فاختلفا في قيمته تواصفاه، ويكون القول
في الصفة قول المرتهن مع يمينه، ثم يدعى لتلك الصفة المقوِّمون، ثم إن
اختلفا في الدين صدق المرتهن إلى مبلغ قيمة تلك الصفة.
3501 - وإن رهنه ثوبين فضاع عنده أحدهما فاختلفا في قيمته صدق المرتهن مع
يمينه في قيمته يسقط من الدين مبلغ قيمة الثوب الذاهب.
3502 - وإذا كان بيد المرتهن عبدان، فادعى أنهما رهن بألف، وقال الراهن:
رهنتك بالألف أحدهما، وأودعتك الآخر فالقول قول الراهن، [لأن] من ادعى في
سلعة بيده أو عبد أن ذلك رهن وقال ربه: بل عارية أو وديعة صدق ربه،
(4/67)
ولو كانا نمطا وجُبّة فهلك النمط فقال
المرتهن: أودعتنيه والجبة رهن، وقال الراهن: النمط هو الرهن، والجبة وديعة،
فكل واحد مدع على صاحبه، فلا يصدق الراهن في تضمين المرتهن لما هلك، ولا
يصدق المرتهن أن الجبة رهن، ويأخذها ربها. (1)
3503 - وإن بعت من رجل سلعة على أن يرهنك عبده ميموناً بحقك وفارقته قبل
قبضه، لم يبطل الرهن، ولك أخذه منه رهناً، ما لم تقم عليه الغرماء، فتكون
أسوتهم.
وإن باعه قبل أن تقبضه منه، مضى البيع، وليس لك أخذه برهن غيره، لأن تركك
إياه حتى باعه كتسليمك إياه لذلك، وبيعك الأول غير منتقض.
وإن بعت منه سلعة بثمن إلى أجل على أن تأخذ به رهناً ثقة من حقك، فلم تجد
عنده رهناً، فلك نقض البيع وأخذ سلعتك أو تركه بلا رهن.
3504 - ومن ارتهن عصيراً فصارت خمراً، فليدفعها إلى الإمام لتهراق بأمره،
وكذلك الوصي يجد في التركة خمراً خوفاً من أن يتعقب بأمر.
وإذا ملك المسلم خمراً أهريقت عليه، ولا يخللها، فإن أصلحها فصارت خلاً فقد
أساء، ويأكله.
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (5/29) .
(4/68)
3506 - ولا بأس برهن جلود السباع المذكّاة
وبيعها دبغت أو لا، ولا يجوز رهن جلود الميتة ولا بيعها دبغت أم لا، ويجوز
ارتهان ما لا يجوز بيعه في وقت، وقد يجوز بيعه بعد ذلك، مثل زرع أو ثمر، لم
يبد صلاحه، فإن ارتهنت ذلك منه، ثم مات الراهن قبل أجل الدين، ولم يبد صلاح
الزرع أو الثمر، حل الدين الذي لك عليه بموته، وتعجلت دينك من ماله، وسلّمت
الرهن لورثته، وإن لم يدع مالاً انتظرت أن يحل بيع ما ذكرنا، فيباع وتأخذ
دينك من ثمنه، فإن فلّس الراهن أو مات، فقام عليه غرماؤه، والذي بيدك من
الرهن لم يبد صلاحه، فمذكور في كتاب التفليس.
ويحكم بين أهل الذمة في تظالمهم في الرهان.
3507 - وإذا رهن المكاتب أو ارتهن، جاز ذلك إن أصاب وجه الرهن، لأنه جائز
البيع والشراء، وكذلك المأذون.
3508 - وإذا وجد السيد مع المكاتب قبل حلول أجل الكتابة مالاً فيه وفاء
بالكتابة أو أقل منها، فليس له أخذه.
3509 - وإذا أعطاك أجنبي رهناً بكتابة مكاتبك لم يجز ذلك، كما لا تجوز
الحمالة بها، وإن خاف المكاتب العجز، جاز أن يرهن أم ولده، فأما ولده فلا،
وذلك كالبيع.
(4/69)
3510 - ومن رهن عبداً ثم أعتقه أو كاتبه
جاز ذلك إن كان ملياً وعجل الدين، وأما إن دبره جاز، وبقي رهناً على حاله،
لأن الرجل يرهن مدبره.
وروى ابن وهب عن مالك أن التدبير مثل العتق سواء فليعجل له دينه.
وإذا أعتقه السيد قبل محل الدين فليس له أن يرهنه سواه حتى يحل الأجل،
وليعجل له حقه في ملائه.
وإن أعتقه وهو عديم بقي العبد رهناً فإن أفاد ربه قبل الأجل مالاً أخذ منه
الدين ونفذ العتق.
3511 - ومن رهن أمته ثم وطئها الراهن فأحبلها، فإن وطئها بإذن المرتهن أو
كانت مُخْلاة تذهب [حيث شاءت] وتجيء في حوائج المرتهن فهي أم ولد للراهن،
ولا رهن للمرتهن فيها، وإن وطئها على وجه الغصب والتسور بغير إذن المرتهن
عجل ربها الحق إن كان ملياً وكانت له أم ولد، وإن لم يكن له مال بيعت
الجارية بعد
(4/70)
الوضع، ولا يباع ولدها وهو حر لاحق النسب،
فإن نقص ثمنها عن دين المرتهن أتبع السيد بذلك، فإن وطئها المرتهن فولدت
منه حُدّ ولم يلحق به الولد وكان مع الأم رهناً وعليه للراهن ما نقصها
الوطء، بكراً كانت أو ثيباً إن كرهها، وكذلك إن طاوعته وهي بكر، فأما إن
كانت ثيباً فلا شيء عليه والمرتهن وغيره في ذلك سواء.
فإن اشترى المرتهن هذه الأمة وولدها لم يعتق عليه ولدها لأنه لم يثبت نسبه
منه.
3512 - وإذا أعتق المديان عبده فأراد الغرماء رد العتق وبيع العبد فقال لهم
العبد خذوا دينكم بمني] ولا تردوا العتق، أو تبرع بذلك لهم أجنبي، فذلك
للعبد.
3513 - ومن استعار سلعة ليرهنها جاز ذلك، ويقضى للمرتهن ببيعها إن لم يؤد
الغريم ما عليه، ويتبع المعير المستعير بما أدى عنه من ثمن سلعته، ولو هلكت
السلعة عند المرتهن وهي مما يغاب عليه لأتبع المعير المستعير بقيمتها. وإن
كانت مما لا يغاب عليه لم يضمنها المستعير ولا المرتهن.
(4/71)
3514 - ومن أعرته سلعة ليرهنها في دراهم
مسماة فرهنها في طعام فقد خالف، وأراه ضامناً.
3515 - ومن استعار عبداً ليرهنه فرهنه ثم أعتقه المعير، فإن كان المعير
ملياً جاز العتق، وقيل له: عجّل الدين إلى ربه إذ أفسدت رهنه، إلا أن تكون
قيمة العبد أقل من الدين فلا يلزمه إلا قيمته ويرجع المعير على المستعير
بذلك بعد محل أجل الدين لا قبله.
3516 - ومن رهن عبداً ثم أقر أنه لغيره لم يجز إقراره في هذا.
3517 - ومن رهن رهناً على أنه إن مضت سنة خرج من الرهن فلا أعرف هذا من
رهون الناس، ولا يكون هذا رهناً.
3518 - ومن قال لعبده: أدّ إليّ الغلة، لم يكن بهذا مأذوناً له.
وإذا اشترى المأذون من قرابة سيده من لو ملكهم سيده عُتقوا عليه وهو يعلم،
لم يجز ذلك، كما لو أعطاه سيده مالاً يشتري له عبداً فاشترى من يعتق على
سيده لم يجز، وليس له أن يتلف مال سيده. (1)
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (14/330) .
(4/72)
ومن أمرته أن يبيع لك سلعة فباعها وأخذ
[لك] بثمنها رهناً، لم يجز ذلك عليك، كما ليس له بيعها بالدين إلا بأمرك،
فإن أمرته أن يبيع بالدين فباع وأخذ رهناً فأنت مخير في قبوله ويكون ضمانه
منك إن تلف، وإلا رددت الرهن إلى ربه وبقي البيع على حاله، فإن تلف الرهن
قبل علمك به فضمانه من المأمور.
3519 - ولا يجوز للمقارض الشراء بالدين على القراض، فإن اشترى بجميع المال
عبداً ثم اشترى عبداً ثانياً بدين فرهن فيه الأول لم يجز ذلك، ولو أمره رب
المال أن يشتري بالدين على المضاربة كانت مضاربة لا تحل، ولو جاز هذا جاز
أن يقارضه بغير مال.
3520 - ومن ارتهن نخلاً ببئرها أو زرعاً أخضر ببئره فانهارت البئر فأبى
الراهن أن يصلح فأصلح المرتهن لخوف هلاك الزرع والنخل، فلا رجوع له بما أفق
على الراهن، ولكن يكون له ذلك في الزرع، وفي رقاب النخل يبدأ فيه بنفقته،
فما فضل كان في دينه، فإن بقي بعد ذلك شيء كان لربه، كالمكتري سنين أو
المساقي ينفق في مثل ذلك، فليس له أن ينفق
(4/73)
ما زاد على كراء تلك السنة خاصة في الكراء،
أو على حظ رب النخل من ثمرة تلك السنة في المساقاة، وهذا مذكور في كتاب
الأكرية.
وإن أخذ الراهن مالاً من أجنبي فأنفقه في ذلك الزرع لخوف هلاكه فالأجنبي
أحق بمبلغ نفقته من ثمن الزرع من المرتهن، فما فضل كان للمرتهن، فإن لم
يفضل [منه] شيء رجع المرتهن على الراهن بدينه.
3521 - ومن رهن أرضاً ذات نخل لم يسمها أو رهن النخل ولم يسم الأرض، فذلك
موجب لكون الأرض والنخل رهناً، وكذلك [هذا] في الوصية والبيع.
3522 - ون ارتهنت أرضاً فأخذ منك السلطان خراجها لم ترجع به على الراهن إلا
أن يكون ذلك الخراج حقاً وإلا فلا.
3523 - وإذا ارتهن رجلان ثوباً فرضيا، ورضي الراهن كونه بيد أحدهما جاز،
فإن هلك ضمن الذي هو في يديه حصته، ولا يضمن الآخر شيئاً، وضمان حصته من
الراهن، وإن لم يجعله ربه بيد أحدهما جعلاه حيث شاء، وهما ضامنان [له] .
(4/74)
3524 - وإذا كان لرجلين على رجل دين مفترق،
لهذا مال ولهذا طعام، أو لهذا قرض ولهذا سلم، فأخذا به رهناً واحداً جاز
ذلك، إلا أن يكون أحدهما أقرضه قرضاً على أن يبيعه الرجل الآخر بيعاً
ويأخذا بذلك جميعاً رهناً، فلا يجوز، لأنه قرض جرّ منفعة. (1)
وأما إن وجب الدين من بيع أو [من] قرض بغير هذا الشرط فذلك جائز، ولو
أقرضاه جميعاً معاً واشترطا أن يرهنهما فلا بأس به. قيل: فإن قضى أحدهما
دينه هل له أخذ حصته من الرهن؟ قال: قال مالك في رجلين رهنا داراً لهما في
دين فقضى أحدهما حصته من الدين فإن له أخذ حصته من الدار، فكذلك مسألتك إلا
أن في مسألتك إن كتبا دينهما في كتاب واحد وكان دينهما واحداً فليس لأحدهما
أن يقبض شيئاً دون صاحبه، وإن كان دينهما مفترقاً شيئين لهذا مال وللآخر
قمح فلا يدخل أحدهما فيما اقتضى الآخر، كتبا الصنفين في كتاب واحد أم لا،
وإنما الذي ليس لأحدهما أن يقبض دون الآخر أن يكتبا كتاباً بينهما بشيء
واحد يكون ذلك لشيء بينهما أو يكون الرهن لهما في شيء واحد، وإن لم يكتبا
به كتاباً - مثل أن تكون دنانير كلها أو قمحاً كله أو نوعاً واحداً - فليس
لواحد
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (14/335) .
(4/75)
[منهما] أن يقبض دون صاحبه، وفي كتاب
التفليس ذكر من جنى جناية لا تحملها العاقلة فرهن فيها رهناً.
3525 - وإن ارتهنت عبدين فقتل أحدهما صاحبه فالباقي رهن بجميع الدين، لأن
مصيبة العبد من الراهن.
3526 - ومن حبس على صغار ولده داراً، أو وهبها لهم، أو تصدق بها عليهم،
فذلك جائز، وحوزه لهم حوز، إلا أن يكون ساكناً في كلها أو جلها حتى مات،
فتبطل جميعها وتورث على فرائض الله عز وجل، وأما الدار الكبيرة ذات المساكن
يسكن أقلها وأكرى لهم باقيها، فذلك نافذ لهم فيما سكن وفيما لم يسكن، ولو
سكن الجل وأكرى الأقل بطل الجميع.
وكذلك دور يسكن واحدة منها هي أقل حُبُسه أو أكثره على ما ذكرنا.
3527 - ومن غصبك عبداً فجنى عنده [جناية] ثم رده إليك والجناية في رقبته
فأنت
(4/76)
مخير في إسلامه وتأخذ قيمته من الغاصب أو
تفتكه بدية الجناية ولا ترجع على الغاصب بشيء.
3528 - ومن ارتهن عبداً فأعاره لرجل بغير أمر الراهن فهلك عند المعار بأمر
من الله، لم يضمن هو ولا المستعير. وكذلك إن استودعه رجلاً، إلا أن يستعمله
المودع أو المستعير عملاً، أو يبعثه مبعثاً يعطب في مثله، فيضمن.
3529 - ومن ارتهن جارية لها زوج، أو ابتاعها لم يمنع زوجها من وطئها، ومن
رهن أمة عبده أو رهنهما معاً فليس للعبد وطؤها في الرهن، ثم هي في الوجهين
بعد فداء الرهن للعبد كما كانت، وافتكاكهما جميعاً أبين.
ومن رهن أمته ثم زوجها لم يجز تزويجه، لأن ذلك عيب إلا برضا المرتهن.
3530 - ومن أقرضته مائة درهم وأخذت منه بها رهناً قيمته مائة درهم، ثم
استقرضك مائة أخرى ففعلت على أن يرهنك بالمائتين رهناً آخر قيمته مائتان،
لم يجز،
(4/77)
لأنك انتفعت بزيادة وثيقة في المائة
الأولى. وكذلك لو كانت المائة الأولى بغير رهن ثم استقرضك مائة أخرى على أن
يرهنك بها وبالمائة الأولى رهنا فلا خير فيه.
قال: فإن نزل ذلك وقامت الغرماء على المتسلف في فلس أو موت فالرهن الثاني
رهن بالدين الآخر خاصة دون الأول. (1)
* * *
تم الكتاب بحمد الله وعونه
* * *
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (5/11) ، ومواهب الجليل (5/12) .
(4/78)
|