التهذيب في اختصار المدونة

 (كتاب الأشربة) (1)
4117 - قال: وما أسكر كثيره من الأشربة، فقليله حرام.
ومن شرب خمراً، أو نبيذاً مسكراً، قليلاً أو كثيراً، سكر منه أم لا، فعليه الحد ثمانون جلدة، وكذلك إن شهدت عليه بينة أن به رائحة مسكر، جلد الحد، كان أصله نبيذ زبيب، أو عصير عنب أو تمر أو تين أو حنطة أو غير ذلك، وكذلك الأُسْكُرْكُة إذا أسكرت، لأنها عنده خمراً إذا كانت تسكر، وعصير العنب ونقيع الزبيب وجميع الأشربة، شربها حلال ما لم تسكر، فإذا أسكرت فهي خمر.
_________
(1) انظر: جامع الأمهات لابن الحاجب (524) ، والتقييد للزرويلي (6/306) ، ومنح الجليل (9/463) .

(4/499)


ولا أَحُدّ في مقام الانتباذ قدراً من توقيت أو غليان، والسكر علة التحريم ولا ينظر إلى الغليان.
قال مالك - رحمه الله -: وكنت أسمع أن المطبوخ إذا ذهب ثلثاه لم يكره، ولا أرى ذلك، ولكن إذا طبخ حتى لا يسكر كثيره، حل، وإن أسكر كثيره، حرم قليله، ولا يجعل درديّ المسكر وعكره في شراب يضران به، ولا في شيء من الأشربة أو الأطعمة.
وأرخص مالك أن يُجعل في النبيذ عجين، أو سويق، أو دقيق، ليعجله أو ليشتد به قليلاً، ثم نهى عنه، وقال: بالمغرب تراب يجعلونه في العسل فأنا أكرهه، وهذه أشياء يريدون بها إجازة الحرام.
قال ابن القاسم: ولا أرى به بأساً ما لم يسكر، ولا يعجبني أن ينبذ البسر المذنب الذي قد أرطب بعضه، حتى يكون بسراً كله أو رطباً كله.

(4/500)


4118 - ولا يجوز أن ينبذ تمر مع زبيب، ولا بسر أو زهو مع رطب، ولا حنطة مع شعير أو شيء من ذلك مع تين أو عسل، لأن النبي ÷ نهى أن ينبذ البسر والتمر جميعاً، أو الزهة والتمر جميعاً. (1)
قال مالك - رحمه الله -: وإن نبذ كل واحد مما ذكرنا على حدة، لم ينبغ أن يخلطا عند الشراب.
وما حلا من النبيذ، فلا يجوز فيه الخليطان، لنهي النبي ÷ الذي جاء.
_________
(1) رواه أبو داود (3703) ، والترمذي (1876) ، ومالك (2/844) ، ومسلم (1991) ، (3/1576) ، والبخاري (5/2120، 2121، 2126) ، والنسائي (8/288، 290) .

(4/501)


وإذا خلط العسل بنبيذ لم يصلح أن يشربه، ويجوز أن يخلط نبيذه بالماء ويشربه، لأن الماء لا ينتبذ، وإنما يكره أن يخلطه بشيء يكون منه نبيذ.
ولا بأس بأكل الخبز بالنبيذ، لأن الخبز ليس بشراب. قيل: فهل ينقع في نبيذه الخبز ويدعه يوماً أو يومين ثم يشربه قبل أن يسكر؟ قال: هذا مثل ما أعلمتك من الجذيذة وشبه ذلك أن مالكاً كرهه في قوله الآخر.
ولا ينتبذ في الدباء والمزفت. قيل: أليس نهى النبي ÷ عن الظروف ثم وسع فيها؟ قال: قال مالك - رحمه الله -: قد ثبت نهي النبي عليه السلام عن الدباء.

(4/502)


والمزفت (1) ، فلا ينبذ فيهما، ولا أكره غير ذلك من الفخار أو غيره من الظروف وأكره مزفت الدباء وغير مزفته، وأكره كل ظرف مزفت كان فخاراً أو دباء أو غيرهما، والزفت شيء يعرفه الناس يزفتون به قلالهم وظروفهم.
4119 - قال مالك - رحمه الله -: إذا ملك المسلم خمراً فليهرقها، فإن اجترأ فخللها فصارت خلاً أكلها وبئس ما صنع.
* * *
_________
(1) رواه مسلم (1992) ، ومالك في الموطأ (2/443) .

(4/503)


وسئل مالك - رحمه الله - عن الخمر يجعل فيها الحيتان فيصير مرياً، فقال: لا أرى أكله، وكرهه.

(4/504)