التهذيب في اختصار المدونة

 (كتاب جنايات العبد)
4120 - قال ابن القاسم: ولو أن عبداً قتل رجلاً له وليان، فعفا أحدهما عن العبد على أن يأخذ جميعه ورضي بذلك السيد، فإن دفع السيد إلى أخيه نصف الدية، تم فعله، وإن أبى خُيّر العافي بين أن يكون العبد بينهما أو يرده، فإذا رده فلهما القتل أو العفو، فإن عفوا عنه خُيّر السيد بين إسلامه أو فدائه منهما بالدية. وقد قال أيضاً: إن للأخ الدخول مع أخيه في العبد، فيكون بينهما لشركتهما في الدم، وكذلك إن عفا أحدهما على أن دفع إليه السيد [العبد] القاتل وزاده عبداً آخر، فإن السيد إن دفع إلى الذي لم يعف نصف الدية، تم ما صنع وإن أبى: قيل للعافي:

(4/505)


ادفع إلى أخيك نصف القاتل وحده فيتم فعلك، فإن أبى، رد العبدين وقتلا القاتل إن أحبا. وقد قيل: إن الولي يدخل مع أخيه في العبدين، لأنه ثمن للدم الذي بينهما. (1)
4121 - ومن أعتق عبده بعد علمه أنه قد قتل قتيلاً خطأ، سئل سيده، فإن أراد حمل الجناية فذلك له، وإن قال: ظننت أنها تلزم ذمته ويكون حراً يتبع بها، حلف على ذلك ورد عتقه، وكذلك لو جرح الحر جرحاً، [و] حلف السيد [ما أراد حمل الجناية بعتقه] ، فإن كان للعبد مال مثل الجناية، أو وجد معيناً على أدائها مضى عتقه، وإلا بيع منه بقدرها وعتق ما فضل، فإن كان لا فضل فيه، أسلم رقاً لأهل الجناية، وإن باعه بعد علمه أنه قد جنى، حلف ما أراد حملها، ثم إن دفع الأرش لأهل الجناية، وإلا كان لهم إجازة البيع وقبض الثمن، ولهم فسخه وأخذ العبد. قال غيره: إلا أن يشاء المبتاع دفع الأرش إليهم، فذلك له، ويرجع على البائع بالأقل مما افتكه به أو الثمن.
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (16/328، 336) .

(4/506)


قال ابن القاسم: ولو افتكه البائع فللمبتاع رده بهذا العيب، إلا أن يكون البائع بيّنه له، فيلزمه البيع. قال غيره: هذا في العمد، وأما في الخطأ فلا، وهو كعيب ذهب.
4122 - وإذا قتل عبد رجلاً له وليان، فعفا أحدهما، ثم قال: عفوت ليكون لي نصف العبد، لم يصدق إلا أن يأتي بدليل، فإن جاء به كان العبد بين الوليين إلا أن يفديه سيده بجميع الدية، وله فداء نصفه بنصفها من أحدهما، وإسلام نصفه إلى الآخر.
4123 - ومن عفا عن عبد قتله عمداً، جاز عفوه وبقي العبد لسيده، إلا أن يعفو على أن يسترقه، فيرجع الخيار إلى سيده بين أن يفديه بالدية أو يسلمه، وإن كان خطأ فكانت قيمته قدر ثلث تركة القتيل، جاز عفوه، وإلا جاز منه قدر الثلث.
قال سحنون: وقد قيل: إنما يكون في الثلث الأقل من قيمة العبد أو الدية.
ومن جنى عبده جناية، فقال: أبيعه وأدفع الأرش من ثمنه، فليس له ذلك

(4/507)


إلا أن يضمن وهو ثقة مأمون، أو يأتي بضامن ثقة فيؤخر اليومين ونحوهما، وإلا فداه أو أسلمه، فإن باعه ودفع [إلى] المجني عليه دية الجرح، جاز بيعه وإلا لم يجز.
4124 - وإذا ولدت الأمة بعد أن جنت، لم يسلم ولدها معها، إذ يوم الحكم يستحقها المجني عليه، وقد زايلها الولد قبله، ولكن تسلم بمالها، وهو قول أشهب في الولد والمال.
4125 - وإذا جنى عبد مأذون له وعليه دين من تجارة، ثم أسره العدو، فابتاعه رجل من العدو فلم يفده سيده بالثمن، فليس لأهل الجناية أخذه إلا بدفع الثمن الذي صار به لمبتاعه، إذ لو أسلمه سيده أولاً بالجناية، لم يكن [لمن صار] له أخذه إلا بدفع الثمن، وأما الدين فباق في ذمته، وإنما يسقط عن العبد وعمن يصير له ما كان قبل أن يؤسر العبد في رقبته.

(4/508)


4126 - وإذا جنى عبد فلم يحكم فيه حتى جنى جنايات على قوم، فإن سيده بالخيار، إما فداه بدياتهم أجمع، وإلا أسلمه إليهم فتحاصوا فيه بقدر مبلغ جناية كل واحد منهم، ولو فداه ثم جنى، فعليه أن يفديه ثانية أو يسلمه.
4127 - ومن أعتق نصف عبده، ثم جنى قبل القضاء [عليه] بعتق بقيته، لم يكن كالحر، إذ لو مات السيد أو لحقه دين قبل الحكم، رق باقيه، ولكن يلزم السيد الأقل من نصف قيمته، أو من نصف الأرش للمجني عليه ويعتق جميعه، لأنه لو أسلمه لقَوَّمْته عليه أيضاً إن كان موسراً وعتق، ويكون نصف الأرش الباقي في ذمة العبد بكل حال، ولو مات السيد قبل القيام، كان نصف الأرش في ذمة العبد، ويخير الورثة في النصف الرقيق بين إسلامه رقاً، وبين أن يفدوه ويكون لهم رقاً.
ولو أعتق المليء شقصاً له من عبد بينه وبين رجل، ثم جنى العبد قبل التقويم خير المتمسك بين أن يفدي شقصه منه ثم يقومه على المعتق، أو يسلمه فيقومه المسلم إليه على المعتق بقيمته يوم الحكم معيباً، ويتبع العبد لا العاقلة بنصف الجناية وإن جاوزت ثلث الدية، لأن العاقلة لا تحمل عن عبد. (1)
ومن أعتق حصته من عبد، ثم وهب المتمسك منه حصته لرجل بعد العتق،
_________
(1) انظر: الكافي (1/504، 505) ، والتمهيد (14/277، 278) ، والتاج والإكليل (6/338) .

(4/509)


جاز ذلك، وكان التقويم للموهوب له، بخلاف البيع، لأنه في البيع باع نصفه بعين أو عرض، على أن يأخذ المبتاع قيمته مجهولة، فذلك غرر، ولا غرر في الهبة.
وإذا جنى المعتق بعضه أو جُني عليه، فلسيده أو عليه بقدر ملكه منه، وللعبد بقدر ما عتق منه، وتبقى حصة العبد فيما يأخذ من أرش بيده. وكان مالك يقول: يأخذ الأرش كله من له فيه الرق، ثم قال: هو بينهما.
4128 - ومن أوصى، فقال: عبدي حر بعد موتي بشهر، فمات السيد والثلث لا يحمله، قيل للورثة: أجيزوا الوصية وإلا فأعتقوا منه الثلث بتلاً، فإن أجازوا [الوصية] خدمهم تمام الشهر ثم خرج كله حراً، فإن جنى قبل مضي الشهر، قيل للورثة: افدوا خدمته أو أسلموها، فإن أسلموها خدم العبد في الجناية، فإذا أتم الشهر، عتق واتبع ببقية الأرش في ذمته، وإن افتكه الورثة خدمهم بقية الشهر، ثم عُتق ولم يتبع بشيء، وإن لم يجيزوا الوصية، عتق من العبد محمل الثلث، ثم إن جنى أتبع بما يقع منه ويخير الورثة في إسلام ما رق منه أو فدائه.
ولو جنى قبل أن يجيز الورثة في ضيق الثلث، خُيّروا بين أن يفدوه ويخدمهم إلى

(4/510)


الأجل ويعتق ولا يتبع بشيء، فيكونوا قد أجازوا الوصية، وإن أبوا عتق منه بتلاً ما حمل الثلث وأتبع من الأرش بحصة ذلك، وخُيّروا في فداء ما رق منه أو إسلامه.
4129 - وإذا جنى موصىً بعتقه قبل موت السيد، كان للسيد أن يدفعه أو يفتديه، فإن فداه كان على الوصية إذا لم يغيرها قبل موته، فإن أسلمه بطلت الوصية، إذ له أن يغيرها، وإن لم يقم ولي الجناية حتى مات السيد، فالعبد رهن بالجناية إن أسلمه الورثة للمجني عليه، وإن افتكوه عتق في ثلث سيده.
4130 - ومن بتل في مرضه عتق عبده، ثم جنى العبد، فإن كان يوم بتله له مال مأمون من ربع وعقار، كان كالحر في جنايته، والجناية عليه يقتص في العمد ويتبع العاقلة في الخطأ، وإن كان المال كثيراً وليس بمأمون، أوقف إلى موته، فكان كالمدبر إن حمله الثلث أتبع بالجناية أو بحصة ما حمل منه، وخُيّر الورثة فيما رق.
وكذلك إن أوصى بعتقه، فجنى بعد موت السيد، وقبل أن يقوم في الثلث، فإن حمله الثلث عتق وأتبع بالجناية ديناً عليه، كالمدبر، لنه في حدوده وحرمته كالعبد ما لم يقوم في الثلث وإن كان الثلث يحمله، إلا أن تكون أموال السيد مأمونة فيكون في جنايته، والجناية عليه كالحر.
قال سحنون: وقد أعلمتك باختلافهم في المال المأمون.

(4/511)


ولو بتله في المرض ولا مال له، أو له مال غير مأمون، فجنى العبد جناية فلم ينظر فيها حتى أفاد السيد في مرضه مالاً مأموناً، فإني أبتل عتق العبد ويتبع بالجناية في الذمة، ولا تحملها العاقلة، لأنه يوم جنى كان ممن لا تحمل [العاقلةٍ] جريرته، والعاقلة لا تحمل جريرته حتى يحمل هو معها ما لزمها من الجرائر.
4131 - ولو جني عليه في مرض السيد أو قتل، فعقله عقل عبد، إذ لا تتم حرمته حتى تكون أموال السيد مأمونة، والذي قال مالك في المال المأمون: إنه الدور والأرضون والنخل.
وإن بتله في المرض ثم جنى جناية، ثم مات السيد ولا مال له غيره، عتق ثلثه واتبع بثلث الأرش، وخير الورثة في فداء مارق منه أو إسلامه، وهذا كالمدبر سواء، وإن صح السيد، عتق العبد وأتبع بالجناية. وإذا أوقف المبتل لم يقل لسيده: أسلمه أو افده، كما يخير في المدبر، لأن هذا لا خدمة له فيه ولا رق، وله في المدبر الخدمة إلى الموت.

(4/512)


قال سحنون: وعلى هذا ثبت بعد أن قال غيره: وهو أصل قولهم وأحسنه، وكل قول تجده له أو لغيره على خلاف هذا، فأصلحه على هذا.
وإذا وقف المبتل في المرض أوقف ماله معه، وإن جنى لم يسلم معه في جنايته، لأنه قد يعتق بعضه إذا مات سيده، ولا مال له غيره، وليس للورثة إن افتكوا ما رق منه أن يأخذوا ماله، وإن أسلموه فلا يأخذ المجني عليه شيئاً ويكون المال موقوفاً معه، لأن من دخلت فيه شعبة من الحرية، وقف ماله معه، ولم يكن للذي له بقية الرق أن يأخذ من ماله شيئاً.
قال سحنون: هذه المسألة أصل مذهبهم، فلا تعدها إلى غيرها.
4132 - وكل عبد بين رجلين، فليس لأحدهما أن يأخذ من ماله قدر نصيبه، إلا أن يجتمعا على أخذ ماله، وإن أذن أحدهما لصاحبه في أخذ حصته من المال، وترك هو نصيبه في يد العبد، جاز، لأنه إن كانت هبة منه أو مقاسمة، فهي جائزة، ثم إن

(4/513)


باعها العبد بعد ذلك فاشترط المبتاع ماله فالثمن بينهما نصفين، لأن ماله ملغى، ولا حصة له من الثمن.
ومن بتل في مرضه عتق عبده، وماله غير مأمون، وللعبد مال، فهو كمن لا مال له.
4133 - ومن قال: اعتقوا عبدي فلاناً بعد موتي، فجنى العبد بعد موته [قبل أن يعتقوه] ، فهو كالمدبر يجني بعد موت سيده، فإن حمله الثلث عتق وكانت جنايته في ذمته، وإن لم يحمله، قيل للورثة: ادفعوا ما بقي لكم من العبد بما بقي من الجناية أو افدوه بأرش ما بقي من الجناية، وإن أوصى أن يشتري عبد بعينه فيعتق، فاشتروه ثم جنى [العبد] قبل العتق، كان كالموصى بعتقه [بعينه] يجني بعد الموت، فإنه يعتق ويتبع بالجناية في ذمته، بخلاف عبد ليس بعينه، لأن لهم إذا اشتروه أن لا يعتقوه، ويستبدلوا به غيره إذا كان ذلك خيراً للميت.
4134 - ومن أخدم عبده رجلاً سنين معلومة أو حياة الرجل، فجنى العبد، خَيّر مالك رقبته، فإن فداه بقي في خدمته، وإن أسلمه خير المخدم [بين أن يفديه أو يسلمه للمجني عليه] ، فإن فداه خدمه، فإذا تمت خدمته فإن دفع إليه السيد ما فداه به

(4/514)


أخذه، وإلا أسلمه للمخدم رقاً، وأما الموصى بخدمته لرجل سنة وبرقبته لآخر، والثلث يحمله إذا جنى، فإن صاحب الخدمة يبدأ، فإن فداه، خدمه ثم أسلمه بعد الأجل للموصى له بالرقبة، ولا يتبع بشيء مما أدى، وإن أسلمه خير صاحب الرقبة فإن فداه أخذه وسقطت الخدمة.
قال سحنون: اختلف قوله في هذا الأصل، وأحسن ما قال هو وغيره: إن من أخدم عبده رجلاً سنين، أو أوصى بذلك ثم برقبته لآخر، والثلث يحمل الموصى بذلك فيه، ثم جنى، أن يبدأ صاحب الخدمة بالتخيير، فإن فداه خدمه بقية الأجل، ثم لم يكن لصاحب الرقبة سبيل إليه حتى يعطيه ما افتكه به، وإلا كان للذي فداه رقاً، وإن أسلمه سقط عنه، وقيل لصاحب الرقبة: أسلم أو افتد، فإن أسلمه استرقه المجني عليه، وإن فداه صار له وبطلت الخدمة.
4135 - وإذا أوصى بخدمته لرجل سنين، وأوصى مع ذلك برقبته لآخر والثلث يحمله، فقتله رجل أو قطع يده في الخدمة، كان ما يجب في ذلك لمن له مرجع الرقبة، قاله مالك، واختلف فيه أصحابه، وهذا أصل مذهبهم.

(4/515)


وإن جنى المعتق إلى أجل، خُيّر سيده، فإما فدا الخدمة أو أسلمها، فإن فداها عتق العبد للأجل ولم يتبعه بشيء، وإن أسلمها خدم العبد في الجناية، فإن أوفاها قبل الأجل رجع إلى سيده، وإن حل الأجل ولم تتم عتق وأتبع ببقية الأرش.
4136 - قال مالك - رحمه الله -: وإذا جنى المدبر وله مال، دفع ماله لأهل الجناية، فإن لم يكن فيه وفاء، قيل لسيده: أسلم خدمته، أو افدها بباقي الجناية.
وإن جنى المدبر على جماعة فأسلم إليهم، تحاصوا في خدمته، ولو جرح واحداً فأسلم إليه خدمته ثم جرح آخر، تحاص مع الأول في الخدمة، هذا بجنايته والأول بما بقي له.
قال ابن وهب وابن نافع عن مالك وعبد العزيز: إذا جنى المدبر خير سيده بين أنه يفدي خدمته بما جنى، أو يسلم خدمته فيختدمه المجني عليه فيما يجب له، فإن تم قصاصها وسيده حي، رجع إليه مدبراً. وإن مات السيد فعتق في ثلثه، كان بما

(4/516)


بقي من جنايته ديناً عليه، قالا: فإن أدركه دين [يرقه] إذا مات سيده، والدين والجناية يغترقانه، فالمجني عليه أحق برقبته، إلا أن يفديه أهل الدين ببقية الجناية، وإن كانا لا يغترقانه، بيع منه للجناية وللدين، ثم عتق منه ثلث ما بقي.
4137 - قال ابن القاسم: إذا جنى المدبر في حياة سيده، وعلى سيده دين يغترق قيمة المدبر أو لا يغترقه، فأهل الجناية أحق بخدمته، إلا أن يدفع إليهم الغرماء الأرش فيأخذوه ويؤاجروه حتى يستوفوا دينهم، فإن لم يأخذه الغرماء وأسلم للمجني عليه يختدمه، ثم مات السيد وعليه دين، وفي رقبة المدبر كفاف للدين [والجناية] وفضلة، بيع منه لذلك، وبدئ بالبيع للجناية ثم للدين، ثم عتق ثلث ما بقي، وإن كان لا فضل في قيمته عنهما أو قيمته أقل منها، قيل للغرماء: أهل الجناية أحق به منكم إلا أن تزيدوا على قيمة الجناية فيأخذوه، ويحط عن الميت بقدر الذي زدتم، فذلك لكم. (1)
وإن جنى المدبر، وله مال وعليه دين، فغرماؤه أحق بماله، فإن لم يكن له مال، كان دينه في ذمته والجناية في خدمته، وإذا جنى العبد وعليه دين، كان دينه أولى بماله، وجنايته أولى برقبته، ويقال للسيد: ادفع أو افتد. وإذا مات سيد المدبر وعليه دين يغترق قيمة المدبر، وعلى المدبر دين، فليبع في دين سيده، ويكون دينه في
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (6/238) .

(4/517)


ذمته يتبع به، أو في ماله إن كان له مال، ولغرماء السيد أن يؤاجروا المدبر في دينهم إن أعدم السيد. وفي كتاب المدبر طرف من هذا.
وإذا جنى العبد على سيده، فلا شيء عليه، وأما المدبر يجني على سيده، فإن عبد الحكم بن أعين أخبرني عن مالك، أنه قال: يختدمه السيد بالجناية، فإن مات السيد ولم يتمها عتق في ثلثه وأتبع ببقية الجناية، وإن عتق بعضه في الثلث أتبع بحصة ما عتق منه من بقيتها وسقط ما بقي.
قال غيره: لا يختدمه السيد بجنايته، إذ له عظم رقبته، و [إذ] لو فداه من أجنبي لم يتبعه بما فداه ولا اختدمه فيه، ولو أسلمه لأتبعه [المجروح] بما بقي إن عتق في الثلث.

(4/518)


قال ابن القاسم: وإن جنى المدبر على سيده وعلى أجنبي، اختدماه بقدر جنايتهما. قال سحنون: وهذا مثل الأول.
ولو أن مدبراً ورجلاً حراً، قتلا قتيلاً خطأ، كانت نصف ديته على عاقلة الرجل، ونصف الدية في خدمة المدبر.
4138 - وإذا قتل المدبر رجلاً عمداً، فعفا أولياؤه على أخذ خدمته، فذلك لهم، إلا أن يفديها السيد بجميع الدية، وليس لهم العفو على رقه وإن رضي السيد.
وإذا جنى المدبر ثم أعتقه سيده، فإن أراد حمل الجناية لزمه، وإلا حلف ما أراد حملها، ثم ردت خدمته، وخير بين أن يسلمه أو يفتديه مدبراً، فإن أسلمه وكان للمدبر مال، أديت منه الجناية وعُتق، [فإن لم يكن في ماله وفاء للجناية، أُخذ منه وخدم المجروح بما بقي له وعتق] ، وإن لم يكن له مال أخدمته المجروح، فإن استوفي عَقْل جُرحه والسيد حي، خرج المدبر حراً.
4139 - وإن مات السيد قبل وفاء ذلك، وكان المدبر يحمله الثلث، عتق وأتبع ببقية الجناية، وإن لم يدع السيد غيره عتق ثلثه وأتبع ببقية الأرش، ورق باقيه للمجروح

(4/519)


إن كان قيمة [ذلك] مثل ما قابله من بقية الأرش، ولا خيار فيه للورثة، لأن صاحبهم قد تبرأ منه لما أسلمه. (1)
وإن لم يحلف السيد أنه ما أراد حمل الجناية، عتق وكانت الجناية على السيد، فإن لم يكن له مال، رد عتقه وأسلم إلى المجروح يختدمه، فإن أدى في حياة سيده، عتق ولم يلحقه دين استحدثه السيد بعد عتقه.
وإن لم يوفها حتى مات السيد وقد استحدث بعد عتقه ديناً يغترق المدبر، لم ينظر إلى ذلك وعتق ثلثه، وأتبع [بثلث] بقية الأرش، ثم إن كان له معين في فداء ثلثيه بثلثي باقي الخدمة، عتق، وإلا رق ثلثاه لأهل الجناية، إلا أن يكون في ثمن ثلثيه فضل عن ثلثي باقي الجناية، فيباع من ثلثيه بقدر ثلثي [باقي] الجناية ويعتق ما بقي، ولو كان للسيد مال يخرج من ثلثه، عتق وأتبع بباقي الجناية، وإن كان دين السيد قبل العتق وقبل الجناية، كان كمدبر لم يجعل له عتق سواء.
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (3/377) ، والفواكه الدواني (2/141) .

(4/520)


4140 - ولو أن عبداً بين رجلين، دبر أحدهما نصيبه، فرضي شريكه وتماسك هو بنصيبه، جاز ذلك، فإن جنى خيّر من دبر في إسلام [خدمة] نصف العبد، أو دفع نصف الجناية، وخير المتمسك في إسلام نصف الرقبة، أو دفع نصف الجناية، وما جنى العبد أو استهلك من الأموال، فهو في رقبته.
وأما المدبر يجني أو يستهلك مالاً، فذلك سواء، وهو في خدمته إلا أن يكون للمدبر مال، فيدفع في جنايته، فإن كان فيه وفاء بالجناية رجع إلى سيده، وإن كان لم يف بذلك أو لم يكن معه شيء، خُيّر سيده، فإما فدى خدمته بجميع ما جنى أو استهلك أو بما عجز عنه ماله من ذلك، أو يدفع إليهم خدمته، فيتحاصون فيها، فإن مات السيد والثلث يحمله، عتق وأتبعوه بما بقي لهم، وإن لم يترك غيره عتق ثلثه وأتبعوه بثلث ما بقي لهم، وخُير الورثة في فداء ما رق منه، أو إسلامه.
وما جنى على المدبر فعقله لسيده وليس كماله، ومهر المدبرة كمالها، وهي أحق به بعد موت السيد من ورثته، إذ به استحلت.
4141 - وإذا جنى مدبر الذمي - والمدبر ذمي - خير بين إسلامه عبداً، إذ لا أمنعه بيعه،

(4/521)


كما لو أعتق عبده فلم يخرج من يده، كان له بيعه، وإن فدى المدبر، بقي على تدبيره.
ولو أسلم مدبره ثم جنى، خير في إسلام خدمته، أو فدائها، فيؤاجر له ولا يختدمه، لأن مدبر الذمي إذا أسلم، ألزمته فيه التدبير وأجرته عليه، وصار حكماً بين مسلم وذمي، ولا يعتق عليه.
ولو حلف ذمي بعتق رقيقه، فأسلم السيد ثم حنث، لم يعتقوا عليه. ولو حلف بعتقهم ومنهم مسلمون، فحنث، عتقوا عليه، إذ لو أعتق النصراني عبده المسلم، لزمه ذلك.
وإذا أسلم مدبر الذمي، ثم قتل أو جرح، كان عقله لسيده.
4142 - قال مالك - رحمه الله -: أحسن ما سمعت في جناية أم الولد أن يلزم السيد الأقل من أرش جنايتها، أو من قيمتها أمة يوم الحكم، زادت قيمتها أو نقصت، فذلك عوض عن إسلامها لَمّا لم يكن سبيل إلى رقها، وكذلك ما استهلكت، أو أفسدت بيدها أو دابتها، أو بحفرة حفرتها حيث لا ينبغي لها، أو اغتصبت أو اختلست، لأن هذا كله من العبيد جناية، وعلى السيد فيها الأقل - كما ذكرنا -، وإن كان ذلك أكثر من قيمتها [و] لم يتبع السيد بما ناف على قيمتها، ولا هي إن أعتقت، لأنها إن كانت أمة فأسلمت لم يكن عليها فضل الجناية، وإخراج قيمتها بأمر قاض أو بغير أمره سواء، ويحاص أهل جنايتها بذلك غرماء سيدها،

(4/522)


وتقوّم أمةً بغير مالها، وقيل: تقوم بمالها ولا يقوم ولدها معها وإن ولدته بعد الجناية.
وأما إن أسلم السيد عبده أو أمته بجرح أصابه واحد منهما، فليس عليه أكثر من ذلك.
ومن قتلت أم ولده رجلاً خطأ، فلم ينظر فيه حتى قتلت آخر، فليدفع قيمتها تكون بين أوليائهما نصفين.
ولو حكم في الأول بالأقل، ثم جنت على ثان، وجب للثاني الأقل أيضاً ثانية يوم الحكم له، وكذلك يفديها كلما جنت، إلا أن يتأخر الحكم حتى يجتمع لها جنايات كل جناية مثل قيمتها فأكثر، فلا يغرم إلا قيمة واحدة، يتحاصون فيها بقدر جناية كل واحد كالعبد يجني فيفديه السيد، ثم يجني، فعليه أن يفتديه أيضاً أو يسلمه.
وإذا اجتمعت عليه جنايات قبل أن يفتديه، خُيّر السيد بين أن يدفع قيمة ما جنى لكل واحد منهم، أو يسلمه فيتحاصون فيه بقدر جنايتهم.
وأما المدبر يجني فتسلم خدمته، ثم يجني على آخر، فإنه يحاص الأول في الخدمة، ولا يخير سيده ههنا ولا من أسلم إليه، بخلاف العبد.

(4/523)


4143 - وإن جنت أم الولد على رجل أقل من قيمتها، ثم جنت على آخر أكثر من قيمتها، فعلى سيدها قيمتها لهما، يقتسمانها بقدر جناية كل واحد منهما.
ولو جنت، ثم جنت على آخر، فقام أحدهما والآخر غائب، فله الأقل من أرشه أو مما ينوبه في المحاصة مع الغائب من قيمتها الآن، ثم إن قام الآخر، فله الأقل من أرش جرحه أو حصته من قيمتها يوم تقوم.
ولو جنت فلم يحكم عليه حتى جنى عليها ما أخذت له أرشاً، فعلى سيدها أن يخرج الأقل من أرش الجناية أو من قيمتها، معيبة يوم الحكم فيها مع الأرش الذي أخذه فيها. وكذلك العبد يجني ثم يُجنى عليه قبل أن يحكم فيه بشيء فسيده مخير بين إسلامه مع ما أخذ في أرشه، أو يفتديه، وهذا إذا كان ما أخذ في أرشه أقل من دية ما جنى، فإن كان فيه وفاء لذلك أو أكثر، فلا خيار للسيد، ويؤدي من ذلك للمجني [عليه] أرش جرحه، ويبقون لسيدهم.
4144 - وأم الولد إذا قتلت رجلاً عمداً فعفا أولياؤه على أخذ قيمتها من السيد، لم يلزم

(4/524)


السيد ذلك إلا أن يشاء، فإن أبى، فلهم القتل أو العفو، كالحر يُعفى عنه في العمد على غرم الدية فيأبى.
قال غيره: يلزم السيد في أم الولد، غرم الأقل من قيمتها أو من الأرش، وليست كالحر، ولها حكم العبد.
وقال أشهب في الحر: تلزمه الدية وإن كره، ولا يقتل.
قال ابن القاسم: ولو عفا الولي في العمد على أخذ رقبتها لم يكن له ذلك وإن رضي السيد. وكذلك المدبر، وإن جنت ولم يحكم فيها حتى ماتت، فلا شيء على السيد، ولو تمت ومات السيد ولا مال له، فلا شيء على أم الولد. (1)
_________
(1) انظر: التقييد (6/320) .

(4/525)


قال غيره: هذا إذا قاموا على السيد وهو حي، وأما إن مات السيد قبل قيامهم، فلا شيء عليه، وذلك عليها، لأنها هي الجانية، وما جني على أم الولد، فعقله لسيدها، وكذلك المدبرة.
4145 - ومن اغتصب حرة نفسها، فعليه صداقها، وإن اغتصب أمة نفسها أو أم ولد أو مكاتبة أو مدبرة، فلم ينقصها ذلك فلا شيء عليه إلا الحد، وإن نقصها غرم ما نقصها، وكان ذلك للسيد، إلا في المكاتبة فإن سيدها يأخذه، ويقاصها به في آخر نجومها، وإنما يقوم من ذكرنا، ممن فيه علقة رق في الجناية عليه قيمة عبد.
وإذا جنت أم الولد على سيدها، فلا شيء [له] عليها. وأما المعتق إلى أجل، فهو في جنايته على سيده كالمدبر. وقد ذكرناه.
4146 - وإذا ولدت أم الولد ولداً، من غير السيد بعدما صارت له أم ولد، فجنى ذلك الولد جناية أكثر من قيمته أو أقل، فإن السيد مخير بين أن يفديه ويبقى على حاله، أو يسلم خدمته فيختدم بالأرش، فإن أوفى رجع إلى سيده، وإن مات السيد قبل أن يوفي، عتق ورجع ببقية الأرش عليه، وهو بخلاف أمه فيما جنت، وللمجني عليه أن يأخذ خدمة الولد حتى يتم حقه، إلا أن يفتكه السيد بدية الجناية.

(4/526)


4147 - وإذا جنت أم ولد الذمي، فله أن يفديها بالأقل، وله إسلامها رقاً للمجني عليه، إذ لا أمنعه من بيعها، ويحل وطؤها لمن أسلمت إليه أو لمبتاعها. وما استدانت أم الولد من تجارة أذن لها فيها، ففي ذمتها كالعبد.
4148 - قال مالك - رحمه الله -: ولا قود بين الأرقاء وبين الأحرار في الجراح كلها، فأما في النفس، فلا يقتل حر بعبد. قال ربيعة: إلا في حرابة.
قال مالك - رحمه الله -: ويقتل العبد بالحر إن شاء الولي [قتله] ، فإن استحياه خُيّر سيده فإما أسلمه أو فداه بدية الحر.
وإن قتل حر عبداً، فعليه قيمته ما بلغت وإن جاوزت الدية، وإن جرحه فعليه ما نقصه بعد برئه.
قال مالك - رحمه الله -: وموضحة العبد ومنقلته وجائته ومأمومته في ثمنه

(4/527)


بمنزلتها في دية الحر. قال عبد العزيز: إذ [قد] لا ينقص ثمنه إذا برئ، فلا بد أن يكون فيهن ما ذكرنا.
4149 - وإذا جنت أمة، ثم وطئها السيد فحملت، فإن لم يعلم بالجناية، أدى الأقل من قيمتها يوم حملت أو الأرش، فإن لم يكن معه أتبع به، وإن علم بالجناية قبل الوطء، لزمه جميع الأرش وإن جاوز قيمتها، وإن لم يكن له مال أسلمت إلى المجني عليه، ولا شيء عليه في الولد، إذ لا تسلم أمة بولدها، وكذلك الابن يطأ من تركة أبيه أمة، فتحمل وعلى الأب دين يغترقها، فإن علم به وبادر الغرماء، لزمته لهم قيمتها، فإن لم يكن له مال بيعت لهم في دينهم، وإن لم يعلم بدين أبيه، أتبع بقميتها في عدمه، وكانت له أم ولد.
وقال غيره: هذا بخلاف وطء السيد، وعلى السيد إسلامها في عدمه إن لم يعلم

(4/528)


بالجناية، إذ لو باعها ولم يعلم بالجناية فأعتقها المبتاع، لم يكن ذلك فوتاً يبطل حق المجني عليه. ولو باعها الورثة ولم يعلموا بالدين، فأعتقها المبتاع، لم يرد العتق، وإنما لهم الثمن إن وجدوه، وإلا أتبعوا به من أخذه.
4150 - والقصاص في المماليك بينهم، كهيئته بين الأحرار: نفس الأمة بنفس العبد وجرحها بجرحه، يخير سيد المجروح إن شاء استقاد، وإن شاء أخذ العقل، إلا أن يسلم الجاني سيده.
4151 - وإن جرح عبد عبداً، فقال سيد المجروح: لا أقتص، ولكن آخذ العبد الجارح، [فذلك له] إلا أن يفديه سيده بالأرش.
ولو قال سيد الجارح: إما أن تقتص أو تدع، فالقول قول سيد المجروح. وكذلك في القتل. (1)
وإذا جنى العبد جناية، فسيده مخير فيها بين إسلامه أو فدائه، فإن مات العبد قبل أن يختار السيد بطلت الجناية، وإن كان للعبد مال، كانت رقبته وماله في جنايته، يقال لسيده: ادفعه وماله، أو افده بعقل [جميع] جنايته، ولو كان العبد مدياناً، فأهل دينه أولى بماله، وجنايته في رقبته.
_________
(1) انظر: المدونة (6/366) .

(4/529)


وللرجل أن يقتص من عبده لعبده، في النفس والجراح، ولا يكون ذلك إلا عند السلطان ببينة ثبتت. وكذلك في [قطع] السرقة، لا يقطع إلا عند السلطان. وإنما للسيد أن يقيم حد الخمر والزنا، فإن قطع يد عبده في سرقة دون الإمام، عوقب، إلا أن يعذر بجهل، ولا يعتق عليه إذا كانت له بينة، لأن بعض الصحابة قد قطع دون الإمام، وإنما زجر الناس عن ذلك، لئلا يدعي من مثّل بعبده أنه سرق.
وكذلك إن عدى رجل، فقتل قاتل وليه دون الإمام، فإن كان إليه العفو أو القتل، لم يلزمه إلا الأدب، لئلا يجترئ على الدماء.
4152 - وإذا جرح رجل عبداً أو قذفه، فأقر سيده أنه أعتقه العام الأول، لم يصدق على الجرح والقذف إلا ببينة، وكان له حكم العبد في ذلك الجرح، وكان ذلك للعبد، لأن السيد قد أقر أنه لا شيء له فيه.

(4/530)


ولو قامت البينة على ما قاله السيد، كان له حكم الحر في ذلك كله أقر السيد أو جحد.
ولو جرحه السيد أو قذفه، ثم ثبت أنه أعتقه قبل ذلك، والسيد جاحد، فلا شيء عليه من ذلك، إلا أنه يحكم بعليه] بالعتق، وجعل ابن القاسم حكمه حكم الحر مع الأجنبيين، بخلاف السيد.
وقال غيره: إذا جحد عبده العتق، فأثبت ذلك ببينة، فله حكم الحر فيما مضى من حد أو جرح، له أو عليه، مع أجنبي أو مع السيد، ذلك سواء، وبه قال سحنون. وقد تقدمت هذه المسألة في كتاب العتق الثاني أتم مما هنا.
4153 - قال مالك - رحمه الله -: وإن اغتصب العبد حرة أو أمة نفسهما، ففي

(4/531)


رقبة العبد للحرة صداق مثلها، وللأمة ما نقصها، إما فداه بذلك سيده أو أسلمه.
قال ربيعة في عبد افتض بكراً: فهو لها إلا أن يكون صداقها دون رقبته، فإنه يباع بغير أرضها، فيأخذ صداقها من ثمنه، وما فضل فلسيده.
قال مالك - رحمه الله -: ومن باع عبداً سارقاً دلس به، فسرق من المبتاع، فرده على سيده بالعيب، فذلك في ذمته إن عتق يوماً ما. وإن سرق من أجنبي مالاً، فقطع فيه فرده المبتاع، فهي جناية: إما أسلمه البائع أو فداه [بها] ، بخلاف سرقته من المبتاع، إذ لا يقطع فيها للإذن في الدخول، وسرقته من أجنبي يقطع فيها، وإنما يلزم المبتاع ما حدث من العيوب عنده من غير العيب الذي دلس له به البائع. (1)
4154 - قال ابن القاسم: وما سرق العبد من سيده فلا يتبع بشيء منه، عتق أو رق، قلّ ما سرق من ذلك أو كثر.
_________
(1) انظر: المدونة (16/384) ، ومواهب الجليل (5/159) .

(4/532)


4155 - وإن أقر عبد أنه وطئ هذه الأمة، أو هذه المرأة غصباً، لم يصدق إلا أن تأتي وهي مستغيثة أو متعلقة به، وهي تدمي إن كانت بكراً، وإن كانت ثيباً أدركت وهي تستغيث متعلقة به، فإنه يصدق. وكذلك إن أقر أنه قطع أصبع صبي، فإن أدرك الصبي وهو متعلق به وأصبعه تدمي، صدق في مثل هذا، وخير سيده في أن يفديه أو يسلمه، ولا يتهم ههنا بفرار إلى شيء، وما لم يتبين هكذا لم يصدق، ولا يلزم ذمته إن عتق. وفي كتاب الديات ذكر الحر يقر بقتل خطأ.
4156 - وقضى عمر بن عبد العزيز في أمة أقرت أنها عضّت أصبع صبي وقد طمرت أصبعه فمات، أن يحلف ولاته خمسين يميناً لمات من عضها، وتكون الأمة لهم، وإلا فلا شيء لهم. (1)
قال ابن القاسم: وما أقر به العبد مما يلزمه في جسده: من قتل، أو قطع، أو غيره، فإنه يقبل إقراره. قال أبو الزناد: إذا أقر طائعاً غير مسترهب.
وما آل إلى غرم سيده، فلا يقبل فيه إقراره إلا ببينة على فعله، مثل إقراره بغصب أمة أو حرة نفسها، ولم يكن من تعلقها به ما وصفنا، أو بجرح، أو بقتل
_________
(1) رواه عبد الرزاق في مصنفه (18299) ، (10/45) .

(4/533)


خطأ، أو باختلاس مال، أو استهلاكه أو سرقة لا قطع فيها، ولا يعلم ذلك إلا بقوله، فلا يصدق ولا يتبع بشيء من ذلك إن عتق.
وإن أقر العبد أنه قتل حراً عمداً، فلوليه القصاص، فإن عفا على أن يستحييه لم يكن له ذلك، وله معاودة القتل إن كان ممن يظن أن ذلك له، كعفو الولي عن حر قتل وليه عمداً على أخذ الدية، فيأبى القاتل أداءها، فللولي أن يقتله.
4155 - وإن أقر بسرقة، فقال المسروق منه: أنا آخذ السرقة وأعفو عن قطع يده ولا أرفعه إلى الإمام، لم يكن له شيء من ذلك.
4156 - قال مالك - رحمه الله -: أحسن ما سمعت في جناية المكاتب، أنه إن أدى جميع العقل حالاً وإن جاوز قيمة رقبته، أو كان ديناراً أو أكثر، بقي على كتابته، وإلا عُجِّز وخُير سيده في أن يسلمه رقاً أو يفتديه بالأرش، وعجزه عن الأرش قبل القضاء عليه به وبعده سواء، ولو قوي على أداء ما حلّ من الكتابة دون الأرش حالاً، فقد عجز ولا ينجم عليه الأرش بخلاف العاقلة. قيل: فإن عجز المكاتب عن أداء العقل وأداه عنه سيده، هل يبقى علة كتابته؟ قال: إذا لم يقو على [أداء] الجناية، رق مكانه، وخير سيده بين أن يدفعه أو يفتديه. وكذلك إن جنى على سيده فلم يعجل له الأرش، عجّزه.

(4/534)


وللمكاتب دفع أم ولده في جنايته إن خاف العجز، كما لو بيعها في عجزه عن الكتابة.
4157 - وإذا جنى مكاتب جناية عمداً، فصالحه منها أولياء الجناية على مائة دينار فلم يؤدها حتى عجز، فإن ثبتت خير في إسلامه أو افتدائه بالأقل من المائة، أو قيمة الأرش.
وإذا أقر مكاتب بقتل عمداً أو خطأ، فصالح منه على مال، لم يجز، ولهم في العمد قتله بإقراره، فإن لم يقتصوا لم يكن لهم في مال المكاتب شيء، ولا في رقبته إن عجز.
وإن أقر مكاتب بقتل خطأ، لم يلزمه شيء، عجز أو عتق. ولو أقر بدين لزم ذمته، عتق أو رق.
وإن قتل المكاتب رجلاً له وليان عمداً، فعفا أحدهما، فإن أدى المكاتب إلى الآخر نصف الدية، وإلا عُجّز وخُيّر سيده في إسلام نصفه، أو افتدائه بنصف الدية، ولا شيء للعافي، أدى نصف الدية [المكاتب] أو السيد بعد عجزه، إلا أن يزعم أنه عفا لأخذ الدية ويستدل على ذلك، وإلا لم يقبل قوله.
وإذا جنى المكاتب ثم أدى الكتابة وعتق قبل القيام عليه، فلا عتق له إلا أن يؤدي.

(4/535)


الجناية حالة للقائم بها، وإلا رق وخير سيده، فإما فداه، أو أسلمه ورد معه ما اقتضى من نجم بعد الجناية، ولا يحبس ذلك إذا أسلمه.
4160 - وإذا مات مكاتب وترك مالاً، وعليه دين وجناية خطأ، فأهل الدين أولى بماله، لأن الجناية في رقبته والدين في ماله، فإن فضل من ماله شيء، كان لأهل الجناية حتى يستوفوا الجناية. وإن مات ولا دين عليه فأهل الجناية أولى بماله من سيده، إلا أن يدفع إليهم السيد الأرش، والعبد مثله، وإن مات ولم يترك مالاً، بطلت الجناية والدين.
4161 - وإن كان على المكاتب دين [وجناية] ، ومعه ولد حدثوا في الكتابة، لم يلزم الولد دينه، وتلزمه الجناية في حياة الأب إن لم يقدر عليها الأب، فإن لم يؤدها الابن عجّز.
قال غيره: وكذلك الدين إن لم يؤده الولد عجز، إذ لا تؤدى كتابة قبل دين، قالا: فإن عجز أسلم السيد الجاني وحده أو فداه، والدين باق في ذمته.
قال غيره: ولو أدى الولد الدين أو الجناية وعتقا، لم يرجع على أبيه بشيء.

(4/536)


قال ابن القاسم: ولو مات الأب قبل القيام عليه ولم يترك مالاً، بطلت الجناية والدين، ولم يلزم ولده من ذلك شيء، وإنما كان للأب معونة مال الولد في خوف العجز في حياته، فإذا مات عديماً لم يلزم ولده من دينه شيء ولا من جنايته.
ولو قام ولي الجناية في حياة الأب ولا مال له، فاختار الولد أداءها، ويتمادون على كتابتهم، فإن لم يؤدوها حتى مات الأب لزمتهم.
4158 - وإذا مات مكاتب وعليه دين، وترك عبداً قد جنى قبل موته أو بعده، فولي الجناية أحق بالعبد، إلا أن يفتكه غرماء المكاتب بالأرش، فذلك لهم، وكذلك عبد الحر المديان يجني جناية.
ومن جنى ما لا تحمله العاقلة وعليه دين وليس له غلا العبد، ضرب فيه أهل دينه وأهل جنايته، لأن ذلك كله لزم ذمته.
4159 - ومن قتل مكاتبه عمداً أو خطأ، ومعه ولد في الكتابة، فليقاصوا السيد بقيمته في آخر نجومه ويسعون فيما بقي، وإن أوفى ذلك بالكتابة عتقوا. وإن كان فضل أخذوه بينهم بالميراث، كانوا ممن كاتب عليهم أو حدثوا في الكتابة.
وكذلك إن قتله أجنبي فأخذ السيد قيمته، فليقاص ولده بها كما وصفنا. ولو شجه السيد موضحة، فليقاصه في آخر نجومه بنصف عشر قيمته،

(4/537)


مكاتباً على حاله في أدائه وقوته. وكذلك إن جرحه فليحسب له ذلك في آخر كتابته.
وكذلك المكاتبة تلد ولداً في كتابتها فيقتله السيد، فإنه يغرم قيمته، فإن كان فيه وفاء بالكتابة، كان قصاصاً، وإن كان فيه فضل عن الكتابة، أخذت الأم من ذلك الفضل قدر مورثها.
4162 - وكذلك إن قتل المكاتب ومعه في الكتابة أبواه وولده لعجل السيد قيمته، فيحسب من آخر النجوم، فإن أوفت بالكتابة، عتقوا فيها ولا تراجع بينهم، وإن كان في القيمة فضل، فهو لورثته الذين معه في الكتابة ميراثاً. وكذلك لو كان السيد هو الجاني.
وليس لغرماء المكاتب أو العبد في قيمتهما إذا قُتلا شيء، قتلهما أجنبي أو السيد، ولا في شيء من قبل رقبتيهما من نفس أو جرح، كما لا يدخلون في ثمن العبد إن بيع، والدين [باق] في ذمتهما، وعلى قاتل المكاتب، قيمته عبداً مكاتباً في قوة مثله على الأداء وصفته، ولا ينظر إلى قلة ما بقي عليه وكثرته، حتى لو بقي عليه دينار فقط، وآخر لم يؤد شيئاً، فقتلهما رجل وكانت قوتهما على الأداء سواء [وقيمة رقابهما سواء] ، فقيمتهما متفقة، وإن تفاضلت قيم الرقاب خاصة وقوة الأداء واحدة، فقيمتهما مختلفة، وغنما يقوم على قدر قوته على الأداء

(4/538)


مع قيمة رقبته. وفي كتاب المكاتب ذكر من وضع عن مكاتبه ما عليه في المرض.
4163 - ومن كاتب عبده وأمته - وهما زوجان في كتابة - فحدث بينهما ولد، ثم جنى على الولد ما قيمته أكثر من الكتابة، فللسيد تعجيل الكتابة من ذلك ويعتقون، وما فضل فللولد ولا يرجع على أبويه بما عتقا به.
وأما ما اكتسب الابن فهو له، وعليه أن يسعى معهما ويؤدي في الكتابة على قدر قوته وأداء مثله، وليس للأبوين أن يأخذا ماله إلا أن يخافا العجز، فلهما أن يؤديا الكتابة من مال الولد. وكذلك إن كان للأبوين مال وخاف الولد العجز، فإن الكتابة تؤدى من مال الأبوين، وليس للأبوين أن يعجزا أنفسهما إذا كان لهما مال ظاهر، وكذلك الولد، ولا يرجع بعضهم على بعض بشيء مما أدى عن صاحبه. وفي كتاب المكاتب إيعاب هذا.
4164 - وإذا مات مكاتب وترك ولداً لا سعاية فيهم رقوا مكانهم، إلا أن يكون فيما ترك ما يؤدي عنهم نجومهم، إلا أن يبلغوا السعي فيفعل ذلك بهم، أو يترك ولداً ممن يسعى فيدفع المال إليهم، فإن لم يقووا ومعهم أم ولد للأب، دفع إليها إن لم يكن فيه وفاء ولها أمانة وقوة على السعي، فإن لم يكن فيها ذلك وكان في المال مع

(4/539)


ثمنها إن بيعت كفاف الكتابة، بيعت وأديت الكتابة وعتق الولد. أو يكون في ثمنها مع المال ما يؤدي إلى بلوغ الولد السعي، فإن لم يكن ذلك رقوا أجمعون مكانهم.
قال مالك - رحمه الله -: لا اختلاف عندنا أن ما جني على المكاتب كجناية عبد، وأن ذلك يتعجله السيد، ويحسب عليه من آخر النجوم، لحجته أن يعجز العبد فيرجع إليه معضوباً.
4165 - وإذا جنى عبد المكاتب، فله أن يسلمه أو يفديه على وجه النظر، والمكاتب إذا قتله عبده فللسيد أن يقتص منه في النفس والجراح بأمر الإمام، كعبدين له، إلا أن يكون مع المكاتب ولد في كتابته، فيصير له مثل ما للسيد من الحجة في النفع بماله، فإن اجتمع هو وهم على القصاص، قتلوا، ومن أبى ذلك من سيد أو ولد فلا قتل للثاني.
ثم إن صار العبد للولد بالأداء أو للسيد بالعجز، لم يكن لمن كان عفا عنه منهم أن يقتله إن صار إليه. وإن صار لمن كان أراد القتل من ولد أو سيد، فله أن يقتل.

(4/540)


وإذا قتل المكاتب رجلاً عمداً، فعفا الأولياء على استرقاقه، بطل القتل وعادت كالخطأ، وقيل للمكاتب: أد الدية حالة، فإن عجز عن ذلك خير السيد بين إسلامه أو افتدائه [بالدية] ، وكذلك العبد إذا قتل رجلاً عمداً، فعفا عنه الأولياء على أن يكون لهم، فسيده يخير كما ذكرنا.
4166 - وإذا جنى مكاتب على عبد لسيده، أو على مكاتب آخر لسيده وهو معه في كتابة أو ليس معه في الكتابة، فعليه تعجيل قيمته للسيد، فإن عجز رجع رقيقاً وسقط ذلك عنه، وكذلك ما استهلك له، لأنه أحرز ماله، بخلاف العبد يجني على السيد، لأن العبد لو استهلك مالاً لسيده، لم يلزمه غرمه.
4167 - ومن كاتب عبدين له في كتابة، فقتل أحدهما الآخر عمداً أو خطأ - وهما أخوان أو أجنبيان - فللسيد أخذ القيمة في الخطأ، ويُخيّر في العمد بين أن يقتص أو يعفو على أخذ القيمة، فإن أخذها في عمد أو خطأ وفيها وفاء للكتابة، عتق بها الجاني وأتبعه السيد بحصة ما عتق به منها في عمد أو خطأ، كان أخاً أو أجنبياً، ولا أتهم الجاني أن يكون أراد تعجيل العتق بالقيمة التي أدى، إذا كان على أدائها قادراً قبل العتق، ويعتق بها.

(4/541)


فأما إن لم يكن للجاني مال، أو كان معه أقل من القيمة وللمقتول مال، فلا أعتقه فيما ترك المقتول إن قتله عمداً، إذا استحيى، للتهمة على تعجيل العتق ههنا ويكون عليه قيمة المقتول، فإن كان كفاف الكتابة، عتق وأتبعه السيد بما ينوبه منها وإلا عجز.
وإن أداها ولم تف بالكتابة، أخذها السيد وحسبها له في آخر الكتابة، وسعى هذا القاتل فيما بقي، فإن أدى وعتق، رجع عليه السيد بما كان حسبه له من القيمة في حصته من الكتابة.
وإن كان القتل خطأ عتق القاتل في تركه المقتول، كان أخاً أو أجنبياً، لأنه لا تهمة عليه، إلا أن السيد يرجع على الأجنبي بما أدى عنه من المال الذي تركه المكاتب وبقيمة المقتول أيضاً، ولا يرجع السيد على الأخ بما عتق من التركة، لأن أخاه لم [يكن] يرجع عليه لو أدى عنه، ويرجع عليه بقيمة أخيه، لأن الأخ لا يرث من القيمة.
4168 - والمكاتب إذا قتله أجنبي فأدى قيمته، عتق فيها من كان في الكتابة، ولا يرجع عليه بشيء إذا كان ممن لا يجوز له ملكه.
4169 - وإذا جنى أحد المكاتبين في كتابة، فعجز عن الغرم، فإن لم يؤد من معه في الكتابة الأرش حالاً عجزا وإن لم يحل شيء من نجومها، وخير السيد في الجاني وحده،

(4/542)


ولو أدى الذي معه الأرش ثم عتقه رجع به عليه إلا أن يكون ممن يعتق عليه، [فلا يرجع عليه] كأدائه عنه الكتابة.
4170 - وإذا قتلت مكاتبة ولدها عمداً، لم تقتل به، ولا يقاد ن الأبوين إلا في مثل أن يضجعه فيذبحه.
وليس للمكاتب أن يعفو عن قات لعبده عمداً أو خطأ، على غير شيء إن منعه سيده، لأنه معروف صنعه، لأن للسيد أن يمنعه من هبة ماله ومن صدقته، ويخير سيد الجاني بين فدائه، أو إسلامه رقاً للمكاتب. ولو طلب هو أن يقتص وعفا سيده على أخذ قيمة العبد، فذلك للسيد دونه إلا أن يعجل المكاتب كتابته، فيتم له ما يشاء من عفو أو قصاص.
4171 - وإذا قتل السيد مكاتباً لمكاتبه أو عبداً، غرم له قيمته معجلة ولم يقاصه بها في كتابته، لأنه جنى على مال له لا على نفسه، فإن كان للمكاتب الأسفل ولد في كتابته فللمكاتب الأعلى تعجيل تلك القيمة من سيده ويأخذها قصاصاً من آخر كتابة المقتول، ويبقى ولد المقتول فيما بقي، وإن كانت كفافاً عتقوا، وإن كان فضلاً ورثوه.

(4/543)


4178 - ومن عجل عتق عبده أو عتق مكاتبه، وكتب عليهما مالاً يدفعانه إليه وثبتت حريتهما، ثم ماتا أو أفلسا، لم يدخل السيد مع الغرماء، ولا يكون له إلا ما فضل بعد الدين.
وليس للسيد أن يفلس مكاتبه إلا عند محل النجم، فينظر في حال العبد في العجز والأداء.
4179 - وإذا ولدت المكاتبة بعد أن جنت ثم ماتت، فلا شيء على الولد. وكذلك الأمة إذا ولدت بعد الجناية ثم ماتت، فلا شيء على الولد ولا على السيد، ولو لم تمت لم تكن الجناية إلا في رقبتها، ويكون ولدها في جنايتها، ولدتهم قبل الجناية أو بعدها. وبالله التوفيق.
* * *

(4/544)