التهذيب في اختصار المدونة

 (كتاب الجراح) (1)
4180 - قال مالك - رحمه الله -: شبه العمد باطل لا أعرفه، وإنما هو عمد أو خطأ،
_________
(1) انظر: جامع الأمهات لابن الحاجب (ص488) ، والتقييد (6/332) ، والمقدمات لابن رشد (286) .

(4/545)


ولا تغلظ الدية [إلا] في مثل ما فعله المدلجي بابنه، فإن الأب إذا قتل ابنه بحديدة حذفه بها أو بغيرها، مما يقاد من غير الولد فيه، فإن الأب يدرأ عنه القود وتغلظ عليه الدية وتكون في ماله حالة، وهي ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة.
[قال ابن القاسم:] [وهي التي] في بطونها أولادها، لا تبالي من أي الأسنان كانت، ولا يرث الأب في هذا من مال الولد ولا من ديته شيئاً، لأنه من

(4/546)


العمد لا من الخطأ. ولو كان من الخطأ لحملته العاقلة وورث من ماله لا من ديته، والأم في ذلك بمنزلة الأب، وتغلظ الدية على أب الأب كالأب، وكذلك الأب يجرح ولده أو يقطع شيئاً من أعضائه، أو كحال ما صنع المدلجي، فإن الدية تغلظ فيه وتكون في مال الأب حالة، كان أقل من ثلث الدية أو أكثر، ولا تحمله العاقلة.
قال مالك: ولو أضجع رجل ابنه فذبحه ذبحاً، أو شق بطنه مما يعلم أنه تعمد القتل، أو صنعت ذلك والدة بولدها، ففيه القود، إلا أن يعفو من له العفو أو القيام، وقد قال غيره: إنه لا يقاد منه في هذا أيضاً.
ولا تغلظ الدية في أخ، [ولا زوجة] ، ولا زوج، ولا واحد من القرابات.
ولا تغلظ الدية في الشهر الحرام، ولا على من قتل خطأ في الحرم.
وتغلظ الدية على أهل الذهب والورق، فينظر كم قيمة أسنان دية المغلظة، وكم قيمة أسنان دية الخطأ، وهي: عشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون

(4/547)


ابن لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة، فينظر كم زادت قيمة المغلظة على قيمة أسنان دية الخطأ، ثم ينظر كم ذلك الزائد من قيمة أسنان دية الخطأ، فإن كان قدر ربعها، كان له دية وربع. وكذلك ما قل أو كثر من الأجزاء، ولم يمض في هذا توقيت، ولكن ينظر فيه في كل زمان، فيزاد في الدية بقدر ما بين القيمتين.
4181 - ومن تعمد ضرب رجل بلطمة، أو بلكزة، أو ببندقة، أو بحجر، أو بقضيب، [أو بعصا، أو بغير ذلك] ، ففي ذلك كله القود إن مات من ذلك.
قال مالك - رحمه الله -: ومن العمد ما لا قود فيه، كالمتصارعين، أو يتراميان على وجه اللعب، [أو يأخذ برجله على وجه اللعب] فيموت من ذلك، ففي هذا كله دية الخطأ على العاقلة أخماساً.
ولو تعمد هذا على وجه القتال فصرعه فمات، أو أخذ برجله فسقط فمات، كان [له] في ذلك القصاص.
4182 - وفي الأنف الدية كاملة، قُطع من المارن أو من أصله كالحشفة، فيها الدية [كاملة] ، كما في استئصال الذكر.

(4/548)


وإذا قطع بعض الحشفة، فمن الحشفة يقاس لا من أصل الذكر، فما نقص منها، ففيه بحسابه من الدية.
وكذلك ما قطع من الأنف، إنما يقاس من المارن لا من أصله، ألا ترى أن اليد إذا قطعت من المنكب تم عقلها، وإن قطع منها أنملة، فإنما فيها بحساب الأصبع.
مالك: ومن خرم أنف رجل أو كسره خطأ، فبرئ على غير عثل، فلا شيء عليه، وإن برئ على عثل ففيه الاجتهاد.
وقال سحنون: ليس فيه اجتهاد، لأن الأنف قد جاء فيه فرض

(4/549)


مسمى، فإذا برئ على عثل، كان فيه بحساب ما نقص من ديته، لأن العثل نقص.
4183 - قال مالك - رحمه الله -: وكل نافذة في عضو من الأعضاء إذا برئ ذلك وعاد لهيئته على غير عثل فلا شيء فيه. وإن برئ على عثل ففيه الاجتهاد، وليس العمل عند مالك على ما قيل: إن في كل نافذة في عضو ثلث دية ذلك العضو، وليس كالموضحة تبرأ على غير عثل، وينبت الشعر في موضع الشجة فيكون فيها ديتها، وذلك نصف عشر الدية، لأن الموضحة فيها دية مسماة عن النبي ÷، وليس في خرم الأنف عقل مسمى.
وفي موضحة الخدّ، عقل الموضحة.

(4/550)


وليس الأنف واللحي الأسفل بمن الرأس] في جراحهما، لأنهما عظمان منفردان، وإنما في موضحة ذلك الاجتهاد.
وليس فيما سوى الرأس من الجسد إذا أوضح عن العظم، عقل الموضحة.
وموضحة الوجه والرأس إذا برئت على شين، زيد في عقلها بقدر الشين، ولم يأخذ مالك بقول سليمان بن يسار في موضحة الوجه أنه يزاد لشينها ما بينها وبين نصف عقلها، وعظم الرأس من حيث ما أصابه فأوضحه، فهو موضحة، وكل ناحية منه سواء، وحد ذلك منتهى الجمجمة، فإن أصاب أسفل من الجمجمة، فذلك من العنق لا موضحة فيه، والموضحة والمنقلة لا تكون إلا في الوجه والرأس.
وحد الموضحة [ما أفضى] إلى العظم، ولو قدر إبرة.
وحد المنقلة ما أطار فراش العظم وإن صغر. (1)
ولا تكون المأمومة إلا في الرأس، وهي ما أفضى إلى الدماغ ولو بمدخل إبرة.
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (16/316) ، والتاج والإكليل (6/246) .

(4/551)


وحدّ الجائفة: ما أفضى إلى الجوف ولو بمدخل إبرة.
وإذا نفذت الجائفة [فقد اختلف فيها قول مالك، وأحب إلي أن يكون فيها ثلثا الدية] .
4184 - وإذا قطع اللسان من أصله، ففيه الدية كاملة، وكذلك إن قطع منه ما منع الكلام، وإن لم يمنع من الكلام شيئاً، ففيه الاجتهاد بقدر شينه إن شانه، وإنما الدية في الكلام لا في اللسان، بمنزلة الأذنين، إنما الدية في السمع لا في الأذنين.
وإن قطع من لسانه ما ينقص من حروفه، فعليه بقدر ذلك، ولا يحسب فيما نقص الكلام على عدد الحروف، فرب حرف أثقل من حرف في المنطق، لكن بالاجتهاد في قدر ما نقص من كلامه. (1)
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (16/310) ، والتاج والإكليل (6/262) .

(4/552)


وفي اللسان القود إذا كان يستطاع القود منه، ولم يكن متلفاً، مثل: الفخذ والمنقلة والمأمومة وشبه ذلك، وإن كان متلفاً لم يقد منه.
ومن قطعت حشفته فأخذ الدية، ثم قطع عسيبه، ففيه الاجتهاد، وينتظر بالمقطوع حشفته حتى يبرأ، لأن مالكاً، قال: لا يقاد من جراح العمد ولا يعقل الخطأ إلا بعد البرء.
وإن طلب المقطوع الحشفة تعجيل فرض الدية، إذ لا بد [له] منها، مات أو عاش لم يكن له ذلك، ولعل أنثييه أو غيرهما تذهبان من ذلك. وكذلك إن أوضحه فأراد تعجيل دية الموضحة، فلا يعجل له شيء، إذ لعله يموت فتكون فيه القسامة. وكذلك إن ضرب مأمومة خطأ، فالعاقلة تحملها مات أو عاش، ولكن لا يعجل له شيء حتى يبرأ، لأنه لو مات منها لم تجب الدية إلا بقسامة، فإن أبى ورثته أن يقسموا، كان على العاقلة ثلث [الدية] لمأمومته، وإنما في هذا الإتباع.
قال: وقد سمعت أهل الأندلس سألوا مالكاً عن اللسان إذا قطع، وزعموا أنه ينبت، فرأيت مالكاً يصغي إلى أنه لا يعجل له حتى ينظر إلى ما يصير [إليه] ، إذا كان القطع قد منعه الكلام. قلت: في الدية أو في القود؟ قال: في الدية.

(4/553)


4185 - قال مالك - رحمه الله -: في الصلب الدية. (1)
قال ابن القاسم: وذلك إذا أقعد عن القيام، مثل اليد إذا شلت، وإن مشى وقد برئ على حُدب أو عثل، ففيه الاجتهاد، والصلب إذا كسر خطأ فبرئ على هيئته، فلا شيء فيه، وكذلك كل كسر خطأ يبرا ويعود لهيئته، فلا شيء فيه، إلا أن يكون عمداً يستطاع فيه القصاص، فإنه يقتص منه وإن كان عظماً، إلا في المأمومة والجائفة والمنقلة وما لا يستطاع أن يقتص منه، فليس في عمد ذلك إلا الدية مع الأدب.
قال مالك: وفي عظام الجسد القود، مثل الهاشمة، إلا ما كان مخوفاً مثل الفخذ وشبهه، فلا قود فيه.
قال ابن القاسم: وإن كانت الهاشمة في الرأس، فلا قود فيها، لأني لا أجد هاشمة تكون في الرأس إلا كانت منقلة.
ولا قصاص في الصلب والفخذ، و [لا في] عظام العنق.
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (16/312) ، والتمهيد (17/340) ، وشرح الزرقاني (4/217) .

(4/554)


وفي كسر أحد الزندين - وهما قصبتا اليد - القصاص.
وإن كان خطأ، فلا شيء فيه إلا أن يبرأ على عثل، فيكون فيه الاجتهاد، وفي كسر الذراعين والعضدين والساقين والقدمين والكفين والأصابع، القصاص.
وفي كسر الضلع، الاجتهاد إذا برئ على عثل، وإن برئ على غير عثل فلا شيء فيه، وإن كسر عمداً، فهو كعظام الصدر إن كان مخوفاً كالفخذ، فلا قود فيه، وإن كان مثل اليد والساق، ففيه القصاص.
وفي الترقوة إذا كسرت عمداً، القصاص، لأن أمرها يسير لا يخاف منه.
وإذا كسرت خطأ، ففيها الاجتهاد إذا برئت على عثل، وإذا برئت على غير عثل فلا شيء فيها.
وكذلك اليد والرجل وجميع عظام الجسد، إذا كسرت خطأ فبرئت على غير عثل، فلا شيء فيها.
وإذا قطعت [اليد] من أصل الأصابع أو المنكب، فقد تم عقلها، وذلك على العاقلة في الخطأ، وإن كان عمداً، ففي ذلك القصاص، ويقتص في اليد من المنكب.
والأنف إذا كسر عمداً، اقتص منه، فإن برئ الجاني على مثل حال المجني عليه أو أكثر، فقد مضى، وإن كان في الأول عثل وبرئ المقتص منه على غير عثل أو على

(4/555)


عثل دون عثل الأول، اجتهد للأول من الحكومة على قدر ما زاد [في] شينه، وهذا مثل اليد، وأما الباضعة والملطا والدامية والسمحاق، وشبه ذلك مما يستطاع منه القود، ففيه القود في العمد مع الأدب.
وفي كل عمد القصاص مع الأدب، وإن كان ذلك خطأ، فلا شيء فيه إذا برئ على غير عثل، وإن برئ على عثل، ففيه الاجتهاد.
4186 - وفي العقل الدية.
وليس في الأذنين إذا اصطُلمتا أو ضربتا فتشدخت، إلا الاجتهاد.
وفي الأذنين [الدية] إذا ذهب السمع، اصطلمتا أو بقيتا.
ومن طرحت سنه عمداً فردها فثبتت، فله القود فيها، والأذن كذلك. ولو رد السن في الخطأ فثبتت، لكان له العقل.

(4/556)


وفي كل سن خمس من الإبل، والأضراس والأسنان سواء. وفي السن السوداء خمس من الإبل كالصحيحة، إلا أن تكون تضطرب اضطراباً شديداً، فليس فيها إلا الاجتهاد. وإن كانت سن أو ضرس مأكولة قد ذهب بعضها، فقلعها رجل عمداً أو خطأ، ففيها على حساب ما بقي، لأنها غير تامة، وليس في جفون العين وأشفارها إلا الاجتهاد.
وفي حلق الرأس إذا لم ينبت، الاجتهاد. وكذلك اللحية.
وليس في [عمد] ذلك قصاص. وكذلك الحاجبان إذا لم ينبتا.
وفي الظفر القصاص، إلا أن يقلع خطأ، فلا شيء فيه إذا برئ وعاد لهيئته. وإن برئ على عثل، ففيه الاجتهاد.
4187 - ومن ضرب عين رجل خطأ، فانخسفت، أو ابيضت، أو ذهب بصرها - وهي قائمة - ففيها ديتها، وإن كان ذلك عمداً فانخسفت العين، خُسفت عينه. وإن كان يستطاع القود من البياض في العين القائمة، أقيد وإلا فالعقل.

(4/557)


ومن ضرب عين رجل فنزل فيها الماء وابيضت، فأخذ فيها الدية ثم برئت، فليرد الدية.
قال: وينتظر بالعين سنة، فإن مضت السنة والعين منخسفة لم تبرأ، فلينتظر برؤها، ولا يكون قود ولا دية إلا بعد البرء وإن ضربت فسال دمعها، انتظرها سنة، فإن لم يرق دمعها، ففيها حكومة.
ومن ضرب يد رجل أو رجله فشلت، فقد تم عقلها، وإن كانت الضربة عمداً، فإن الضارب يضرب مثله قصاصاً، فإن شلت يده وإلا كان العقل في ماله دون العاقلة.
4188 - ولا يُمكّن بالذي] له القود في الجراح أن يقتص لنفسه، ولكن يقتص له من يعرق القصاص، وأما في القتل، فإنه يدفع إلى ولي المقتول [فيقتله] ، وينهى عن العبث عليه.
وفي شلل الأصابع ديتها كاملة، ثم إن قطعت هذه الأصابع عمداً بعد ذلك أو خطأ، ففيها حكومة، ولا قود في عمدها.
وفي الأنثيين إذا أخرجهما أو رضهما، الدية كاملة. قيل: فإن أخرجهما

(4/558)


أو رضهما عمداً؟ قال: قال مالك - رحمه الله -: في الأنثيين القصاص، ولا أدري ما قول مالك في الرض، إلا أني أخاف أن يكون رضهما متلفاً، فلا قود فيها. وكذلك كل ما علم أنه متلف، فلا قود فيه.
وإن قطعت الأنثيان مع الذكر، ففي ذلك ديتان، وإن قطعتا قبل الذكر أو بعده ففيهما الدية، وإن قطع الذكر قبلهما أو بعدهما، ففيه الدية.
ومن لا ذكر له ففي أنثييه الدية، [وإن قطع الذكر قبلهما أو بعدهما، ففيه الدية، ومن لا ذكر له، ففي أنثييه الدية] ، ومن لا أنثيين له، ففي ذكره الدية.
والبيضتان عند مالك سواء، اليمنى واليسرى في كل واحدة منهما نصف الدية، [وكذلك الشفتان، في كل واحدة منهما نصف الدية] : كانت السفلى أو العليا. ولم يأخذ مالك بقول ابن المسيب: إن في السفلى ثلثي الدية.
وأليتا الرجل والمرأة فيهما حكومة.
وليس في ثدي الرجل إلا الاجتهاد. وأما ثديا المرأة، ففيهما الدية، وإن قطع حلمتيها، فإن كان قد أبطل مخرج اللبن أو أفسده، ففيه الدية.
وإن قطع ثديا الصغيرة، فإن استُيقن أنه قد أبطلهما فلا يعودان أبداً، ففيهما

(4/559)


الدية، وإن شك في ذلك وضعت الدية واستؤني بها كبر الصبية، فإن نبتتا فلا عقل لهما، وإن لم تنبتا أو انتظرت، فيبست أو ماتت قبل أن يعلم بذلك، ففيهما الدية.
وفي المفصلين من الإبهام، عقل الأصبع تام. وفي كل مفصل، نصف عقل الأصبع.
ومن قطعت إبهامه فأخذ دية الأصبع، ثم قطع رجل بعد ذلك العقد الذي بقي من افبهام في الكف، فليس فيه إلا حكومة. وإذا لم يكن في الكف أصبع، فعلى من قطعها أو بعضها حكومة عدل، ومن قطعت له أصبعان بما يليهما من الكف، ففيهما خمسا دية الكف، ولا حكومة له مع ذلك.
4189 - قال مالك - رحمه الله -: ولا يؤخذ في الدية إلا الإبل والدنانير والدراهم، وتؤخذ في ثلاث سنين، كانت إبلاً أو ذهباً أو ورقاً. وثلث الدية في سنة. وإن كان أقل من ثلث، ففي مال الجاني حال.
وثلثا الدية في سنتين، وأما نصفها، فقال فيه مالك مرة: تؤخذ في سنتين، وقال [أيضاً] : يجتهد فيه الإمام إن رأى أن يجعله في سنتين، أو في سنة ونصف فعل.

(4/560)


[قال] ابن القاسم: [في] سنتين أحب إلي، لما جاء أن الدية تقطع في ثلاث سنين أو في أربع.
قال: وثلاثة أرباعها في ثلاث سنين.
قال: وفي خمسة أسداسها يجتهد الإمام في السدس الباقي.
4190 - قال مالك - رحمه الله - في كتاب الديات: إنما قوم عمر الدية على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق إثنا عشر ألف درهم، حين صارت أموالهم ذهباً وورقاً، وترك دية الإبل على أهلها على حالها. (1)
_________
(1) انظر: الموطأ لمالك (2/850) .

(4/561)


قال مالك - رحمه الله -: فأهل الذهب أهل الشام ومصر، وأهل الورق أهل العراق، وأهل الإبل أهل البادية والعمود.
ولا يقبل من أهل صنف من ذلك، صنف من غيره. ولا تقبل في الدية بقر ولا غنم ولا عروض.
4191 - والمرأة تعاقل لرجل في الجراح إلى ثلث الدية لا تستكمله، فإذا بلغت ذلك رجعت إلى عقل نفسها، وتفسير ذلك أن لها في ثلاثة أصابع ونصف أنملة، أحداً وثلاثين بعيراً وثلثي بعير، وهي والرجل في هذا سواء، فإن أصيب منها ثلاثة أصابع وأنملة رجعت إلى عقلها، فكان لها في ذلك ستة عشر بعيراً وثلثا بعير. (1)
وكذلك مأموتها وجائفتها إنما لها في كل واحدة منها ستة عشر بعيراً وثلثا بعير، وإن قطع لها أصبع، ففيه عشر من الإبل، وكذلك في ثان وثالث، ولو قطع لها ثلاثة أصابع معاً من كف واحدة، فلها ثلاثون من الإبل، ثم إن قطع لها من تلك اليد الأصبعان الباقيان في مرة أو مرتين، فإن في كل أصبع خمساً من الإبل.
ولو قطع من يدها ثلاثة أصابع، فأخذت ثلاثين بعيراً، ثم قطع لها من اليد الأخرى أصبع أو أصبعان أو ثلاثة، في مرة أو مرتين، لابتدأ فيها الحكم
_________
(1) انظر: الموطأ (2/854) ، وشرح الزرقاني (4/222) ، والتاج والإكليل (6/264) ، والفواكه الدواني (2/190) .

(4/562)


كالأول، فيكون لها في الثلاثة الأصابع ثلاثون بعيراً. وإذا قطع لها أصبعان من كل يد في ضربة [واحدة] ، كان لها عشرون بعيراً، ثم إن قطع لها من إحدى اليدين أصبع، أخذت عشراً من الإبل، فإن قطع من اليد الأخرى أصبع، ففيها عشر. وكذلك لو قطع هذان الصبعان من اليدين، معاً ففيهما عشرون من الإبل، فما زاد بعد ثلاثة أصابع من كل كف، ففي كل أصبع خمس خمس، كان القطع معاً أو متفرقاً.
وإن قطع لها ثلاثة أصابع من يد، وأصبع من الأخرى في ضربة، أخذت خمساً خمساً، ثم إن قطع من اليد المقطوع منها الثلاثة [أصابع، أصبع] رابع، ومن اليد الأخرى أصبع أو أصبعان، أخذت في الرابع من إحدى اليدين خمسة أبعرة، وفي الأصبع أو الأصبعين من اليد الأخرى عشرة عشرة، افترق القطع أو كان ذلك كله في ضربة واحدة، ما لم يقطع لها من اليدين في ضربة واحدة أربعة أصابع، وكذلك رجلاها على ما فسرنا في اليدين.
قال ابن القاسم: ولو قطع لها أصبعان عمداً، فاقتصت أو عفت، ثم قطع من تلك الكف أصبعان أيضاً خطأ، فلها فيهما عشرون بعيراً،

(4/563)


وإنما يضاف بعض الأصابع إلى بعض في الخطأ، ولو ضربها منقلة، ثم منقلة فلها في ذلك ما للرجل إذا لم يكن في فور واحد، وكذلك لو كانت المنقلة الثانية في موضع الأولى نفسه بعد برئها، فلها فيها مثل ما للرجل، وكذلك المواضح.
ولو أصابها في ضربة بمواضح أو نواقل تبلغ ثلث الدية، رجعت فيها إلى عقلها.
4192 - وفي لسان الأخرس الاجتهاد. قيل: كم في الرجل العرجاء؟ قال: العرج مختلف، وما سمعت [من مالك] فيه شيئاً، إلا أني سمعته يقول: كل شيء أصيب من الإنسان فانتقص، ثم أصيب بعد ذلك الشيء، فإنما له بحساب ما بقي من ذلك العضو.
4193 - قال مالك: وما كان من خلقة خلقها الله عز وجل، لم ينْقُص منه شيء، مثل استرخاء البصر، أو العين الرمدة يضعف بصرها، أو ضعف في يد

(4/564)


أو رجل، إلا أنه يبصر بالعين ويسمع بإذنه ويمشي برجله ويبطش بيده، ففي هؤلاء الدية كاملة. وكذلك الذي يصيبه أمر من السماء، مثل العِرْق يضرب في رجل الرجل فيصيبه منه عرج أو رمد، غلا أنه يمشي على الرجل، ويبصر بالعين وقد مسها ضعف، ففيها إن أصيبت الدية كاملة، ولو كان ضعف هذه العين أو اليد أو الرجل بجناية خطأ، أخذ فيها عقلاً ثم أصيبت بعد ذلك، فإنما له ما بقي من العقل.
قال ابن القاسم: فالعرج عندي مثل هذا.
4194 - وقال مالك في باب بعد هذا، في العين يصيبها الرجل بالشيء ينتقص بصرها، أو اليد فيضعفها ذلك وبصرها قائم واليد يبطش بها ولم يأخذ لها عقلاً، فعلى من أصابها بعد ذلك العقل كاملاً، وذلك أن في السن السوداء إذا أصيبت العقل تاماً. قيل لمالك: فإن أخذ لنقص اليد والعين شيئاً؟ قال: ذلك أشكل، أي ليس له إلا ما بقي، ويقاص بما أخذ.

(4/565)


قال ابن القاسم: وقد قال لي [مالك] قبل: إن هذا ليس له [إلا على حساب] ما بقي.
قال ابن القاسم: ولو أصيبت يد رجل أو عينه خطأ، فضعفت فأخذ لها عقلاً إلا أنه يبطش باليد ويعمل بها ويبصر بالعين، ثم أصابها بعد ذلك رجل عمداً، ففيها القصاص بخلاف الدية.
مالك: وفي العين القائمة الاجتهاد. ولم يأخذ مالك بما ذكر عن زيد أن فيها مائة دينار.
وإن كانت السن سوداء أو حمرا أو صفراء، فأسقطها رجل، ففيها العقل كاملاً، والسوداء أشد. قيل: فإن ضربه فاسودت أو احمرت أو اصفرت أو اخضرت؟ قال: إذا اسودت فقد تم عقلها، وإذا كان سائر ذلك كالسواد تم عقلها إلا فعلى حساب ما نقص.

(4/566)


وإن ضربت السن فتحركت، فإن كان اضطراباً شديداً تم عقلها، وإن كان تحريكاً خفيفاً، عقل لها بقدر ذلك، والسن الشديدة الاضطراب ينتظر بها سنة.
4198 - وإذا ذهبت أصبع من الكف بأمر من الله عز وجل، أو بجناية وقع فيها قصاص وعقل، ثم أصيبت الكف خطأ، ففيها أربعة أخماس دية اليد، ولو ذهب منها أنملة قد اقتص منها لقوصص بها في دية الكف.
ومن قطع كفاً خطأ وقد ذهب بعض أصابعها، فإنما عليه بحساب ما بقي من الأصابع في الكف، فإن لم يسبق في الكف إلا أصبع واحدة، فعليه في الأصبع ديتها، واستحسن في الكف حكومة.
ومن قطع كف رجل عمداً، وقد ذهب منها أصبعان أو ثلاثة بأمر من الله تعالى، أو بجناية وقع فيها القصاص أو عقل، لم يقتص منه، ولكن عليه العقل في ماله، ولو ذهب منها أصبع واحدة، قطعت يده قصاصاً عنها كانت الإبهام مقطوعة أو غيرها.
ومن قطع يمين رجل عمداً ولا يمين له، فديتها في ماله لا على العاقلة، فإن كان عديماً ففي ذمته، ولا تغظ عليه الدية كدية العمد إذا قبلت. وعقل المأمومة والجائفة عمداً على العاقلة، كان للجاني مال أو لم يكن، وعليه ثبت مالك وبه

(4/567)


أقول. وكان قد قال مالك: إنه في ماله، إلا أن يكون عديماً فتكون على العاقلة ثم رجع. والفرق بين ذلك وبين اليدين، أن الجائفة والمأمومة موضعهما قائم لا قود فيها. (1)
4199 - قال مالك: وكل ما يجنيه عمداً، فلا يقتص منه [و] في جسده مثله، فعقل ذلك على العاقلة، وعلى الجانب الأدب، وكذلك في المأمومة والجائفة. وكذلك ما لا يستطاع منه القود إذا بلغت الحكومة فيه ثلث الدية.
وأما ما ذهب من جسد الجاني، ولو كان قائماً لاقتص منه، فعقل ذلك في ماله أو في ذمته في عدمه.
ولا تحمل العاقلة أقل من الثلث، وإنما تحمل الثلث فصاعداً إذا كان خطأ.
4500 - ومن شج رجلاً ثلاث مأمومات في ضربة واحدة ففيها الدية كاملة، فإن شجه ثلاث منقلات في ضربة واحدة حملتها العاقلة، لأن هذا يبلغ أكثر من الثلث، وإن كان ذلك في ثلاث ضربات، وكان ضرباً متتابعاً لم يقلع عنه، فهو كضربة واحدة تحملها العاقلة، وإن كان مفترقاً في غير فور واحد لم تحمله العاقلة.
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (16/324) ، والتاج والإكليل (6/248) .

(4/568)


ومن طرح سن صبي لم يثغر خطأ، وقف [عليه] عقله بيد عدل، فإن عادت لهيئتها، رجع العقل إلى صاحبه، وإن لم تعد أعطي العقل كاملاً، وإن مات الصبي قبل أن تنبت سنه، فالعقل لورثته، وإن نبتت أصغر من قدرها الذي قلعت منه، كان له من العقل بقدر ما نقصت.
ولو قُلعت عمداً، وقف له العقل أيضاً، ولا يعجل بالقود حتى يستبرأ أمرها، فإن عادت لهيئتها، فلا عقل فيها ولا قود، وإن عادت أصغر من قدرها، أعطي ما نقصت، فإن لم تعد لهيئتها حتى مات الصبي، اقتص منه وليس فيها عقل، وهو بمنزلة ما لم ينبت.
* * *

(4/569)