التوسط بين مالك وابن القاسم في المسائل التي اختلفا فيها من مسائل المدونة

ذكر خلافه له في كتاب أمهات أولاده
43 - إقرار الميت بأن الجارية قد ولدت منه (1) (2)
"قال ابن القاسم: وسألت مالكا عن الرجل يقر عند موته بالجارية أنها قد ولدت منه، ولا ولد لها، ولا يعلم ذلك إلا بقوله فقال: إن كان ورثته كلالة وليس له ولد، فلا أرى أن يقبل قوله إلا ببينة تثبت على ذلك، ولا تعتق في ثلث ولا غيره، وإن كان له ولد رأيت أن يعتق من رأس المال.
وقال ابن القاسم: إذا لم يكن لها ولد، فلا أرى لها عتقا لا (مـ) ـن ثلث ولا من رأس المال، كان ورثته كلالة أو ولدا.
وإنما قوله: ولدت مني ولا ولد معها يلحق نسبه مثل قوله في عبد له: قد كنت أعتقته في صحتي، أنه لا يعتق في ثلث ولا غيره". (3)
قال أبو عبيد: أما إيجاب مالك رحمه الله عتق الجارية التي أقر السـ (ـيـ) ـد (4) في مرضه أنها و (لد) ت (5) منه ولا ولد لها، [ص78] فإنما ذلك بشرط أن يكون ولده ( ... ) (6) إذا كان كذلك، (لـ) ـم (7) يتهم في عتقها.
_________
(1) قال الدردير في الشرح الكبير (4/ 411): وإن قال سيدها في مرضه المخوف: ولدت مني في المرض، أو في الصحة، ولا ولد لها ظاهر، صدق إن ورثه ولد من غيرها ذكر أو أنثى، لأنه حينئذ ورثه غير كلالة فتعتق من رأس المال عند ابن القاسم، إذ لا تهمة.
وقال أكثر الرواة: لا تعتق من رأس مال ولا ثلث، فإن لم يكن له ولد فإنه يتهم في إقراره ولا تعتق من رأس مال ولا ثلث، وهو معنى قول المصنف بعده: (وإن أقر) الخ.
(2) هذا العنوان مني، وليس من المؤلف.
(3) المدونة (8/ 316).
(4) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(5) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(6) بتر في الأصل بمقدار 3 كلمات.
(7) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.

(1/163)


لأن الناس مجبولون في ا (لأ) غلب (1) على محبة أبنائهم، واجتلاب النفع (2) إليهم، وإن كان في الناس من يبغض ابنه فإنما هو نادر، وحمل الناس على الأغلب من (أ) حوالهم (3) أولى.
وكل من كان من طبعه اجتلاب النفع من غيره لم يتهم في الانزواء عنه.
وأما قوله: إنها تعتق من رأس المال، فلأن إقرار المريض بأن جاريته قد ولدت منه إخبار أن ذلك قد كان فيما ألزمـ (ـه) (4) إقراره لارتفاع الظنة عنه، وجب أن تعتق من رأس المال بدلالة قول عمر رضي الله عنه "أيما وليدةٍ ولدت من سيدها فـ (ــإنه) (5) لا يبيعها ولا يهبها ولا يورثها وهو يستمتع منها فإذا مات فهي حرة" (6).
وأما قوله: فإن كان يورث كلالة لم تعتق في ثلث ولا في رأس مال، فلأن المريض لما كان متهما في إقراره، إذ كان يرثه غير ولده ومتوهما عليه قصد الانزواء عنهم بطل ذلك، فلا سبيل إلى عتقها من الثلث، لأنه لم يحدث عتقها في مرضه، ولا علقه بموته، ولا يعتق في الثلث إلا ما أراد به الثلث مما هذا وصفه وكان في معناه.
ولا جائز أيضا أن تعتق (من) (7) رأس المال لأنه إقرار في المرض، وإقرار المريض لا يكون إلا في الثلث الذي يختص به، ومن سنة أم الولد أن تعتق من رأس المال، فلما بطل إقراره لها بطل عـ (ـتقهـ) ـا (8)، والله أعلم.
_________
(1) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(2) هذان الكلمتان بهما طمس قليل بسبب الرطوبة.
(3) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(4) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(5) طمس في الأصل بسبب الرطوبة، وأتممته من مصادر تخريج الأثر.
(6) رواه مالك (1466) وعنه البيهقي (10/ 342) عن عمر بسند صحيح.
(7) طمس في الأصل بسبب الرطوبة والأرضة، وتظهر "من" قليلا من بين ذلك.
(8) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.

(1/164)


أما قول ابن القاسم: إنها لا تعتق من الثلث ولا (من) (1) (رأس) (2) المال في كلا الوجهين، فلأن إقرار المريض بفعل كان منه في الصحة مدخول، لأنه لم يرد الوصية فتكون في الثلث، ولا ثبت أنه كان في الصحة فيكون من رأس المال.
وفي عتقها من رأس المال حيف على الورثة، لاستئثار الموروث بها حياتـ (ـه) (3)، ثم يخرجها من مال الوارث بعد [ص79] وفاته، ولا جائز ( ... ) (4) أن يعتق من الثلث، لأنه لا يكون فيه إلا ما ( ... ) (5) في المرض، أو كان معلقا به.
فكان حكمها حكم العبد الذي أقر سيده في مرضه بأنه كان أعتقه في صحته، فلم يعتق في ثلث ولا ر (أس) (6) مال، فوجب أن يـ (ـحـ) ـكـ (ـم) (7) لها بحكمه.
وكلا الوجهين له وجه في النظر، والله الموفق للصواب.
_________
(1) طمس في الأصل بسبب الرطوبة.
(2) طمس في الأصل بسبب الرطوبة لا تظهر معه الكلمة إلا قليلا.
(3) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(4) طمس في الأصل بسبب الرطوبة.
(5) بتر في الأصل بمقدار كلمة.
(6) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.
(7) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.

(1/165)


ذكر خلافه له في كتاب الرجم
44 - حكم شهادة الإمام في الحد (1)
"قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول في الإمام إذا شهد على حد من (الحدود) (2) أن عليه أن يرفع ذلك إلى من هو فوقه إن كان فوقه أحد.
(قال ابن القاسم: وأنا أرى إن لم يكن فوقه أحد) (3) أن يرفعه إلى من هو دونه (4) ". (5)
قال أبو عبيد: المختار عند (مالك) (6) رحمه الله للإمام الذي يشهد على حد من الحدود أن يرفع ذلك إلى من فوقه.
وإنما اختار ذلك، والله أعلم، لأن المشهود عنده إذا كان ممن تلزمه طاعة الشاهد والانقياد لأمره، فشهادته عنده في معنى حكمه بشهادة نفسه، لما يتوجه إليه من التهمة في ذلك، فكانت شهادته عند من فوقه أشد لبعدها من التهمة.
وليس اختياره لذلك مما يدل على أ (ن شـ) ـهادته (7) عند من هو دونه لا تجوز إذا كان المشهود عنده ممن يلي الحكم بين الناس.
ألا ترى أن عمر رضي الله عنه قد خاصم خصما له إلى أبي بن كعب رحمه الله، وهو يومئذ أمير المؤمنين لما لم يجز له أن يباشر حكم نفسه لما يلحقه من الظنة في ذلك.
_________
(1) هذا العنوان مني، وليس من المؤلف.
(2) سقط في الأصل بمقدار كلمة، بسبب الرطوبة، وأتممته اعتمادا على المدونة.
(3) أحيل هنا على الهامش في الأصل، لكن من قام بإصلاح المخطوط غطاه، وأتممته اعتمادا على المدونة.
(4) في المدونة (16/ 258): إلى القاضي.
(5) المدونة (16/ 258).
(6) بتر في الأصل بمقدار كلمة، وأتممته اعتمادا على السياق.
(7) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.

(1/166)


فكذلك الحاكم إذا كان شاهدا يلزمه أن يرفع ذلك إلى غيره، لأنه لا يجوز له أن يحكم بشهادة نفسه، لأنه في معنى الحاكم بعلمه إذ يدعي ما لا سبيل إلى علمه إلا من جهته، وسواء كان ذلك الغير فوقه أو دونه إذا كان مثله (فلا) (1) (يـ) ـحكم (2) بين الناس فاعلم ذلك، والله أعلم بالصواب، وهو حسبنا [ص80] ونعم الوكيل.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما.
كمل كتاب التوسط بين مالك وابن القاسم رحمهما الله في المسائل التي اختلفا فيها من المدونة خاصة، مما جمعه الفقيه أبو عبيد القاسم بن خلف الجبيري رحمة الله عليه ورضوانه، وصلى الله على سيدنا محمد نبيه الكريم وعلى آله وسلم أفضل التسليم، وذلك بمدرسة مدينة سبتة حرسها الله تعالى وحاطها، في العشر الوسط من ذي (الـ) قعدة سنة ست وسبعمائة.
_________
(1) ما بين القوسين به بتر، وأتممته اعتمادا على السياق.
(2) ما بين القوسين به بتر، وأتممته لظهور معناه.

(1/167)