الذخيرة للقرافي

 (الْمُقدمَة الثَّانِيَة)
فِيمَا يتَعَيَّن أَن يكون على خاطر الْفَقِيه مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ وَقَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَاصْطِلَاحَاتِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى تُخَرَّجَ الْفُرُوعُ عَلَى الْقَوَاعِدِ وَالْأُصُولِ فَإِنَّ كُلَّ فِقْهٍ لَمْ يُخَرَّجْ عَلَى الْقَوَاعِدِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَمْ أَتَعَرَّضْ فِيهَا لِبَيَانِ مَدَارِكِ الْأُصُولِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ وَظِيفَةِ الْأُصُولِيِّ لَا مِنْ وَظَائِفِ الْفَقِيهِ فَإِنَّ مُقَدِّمَاتِ كُلِّ عِلْمٍ تُوجَدُ فِيهِ مُسَلَّمَةً فَمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ بِكُتُبِهِ وَاعْتَمَدْتُ فِي هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ عَلَى أَخْذِ جُمْلَةِ كِتَابِ الْإِفَادَةِ لِلْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَهُوَ مُجَلَّدَانِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَجُمْلَةِ الْإِشَارَةِ لِلْبَاجِيِّ وَكَلَامِ ابْنِ الْقَصَّارِ فِي أَوَّلِ تَعْلِيقِهِ فِي الْخِلَافِ وَكتاب الْمَحْصُول للْإِمَام فَخر الدّين بِحَيْثُ أَنِّي لم أَتْرُكْ مِنْ هَذِهِ الْكُتُبِ الْأَرْبَعَةِ إِلَّا الْمَآخِذَ والتقسيم وَالشَّيْءَ الْيَسِيرَ مِنْ مَسَائِلِ الْأُصُولِ مِمَّا لَا يَكَادُ الْفَقِيهُ يَحْتَاجُهُ مَعَ أَنِّي زِدْتُ مَبَاحِثَ وَقَوَاعِدَ وَتَلْخِيصَاتٍ لَيْسَتْ فِي الْمَحْصُولِ وَلَا فِي سَائِرِ الْكُتُبِ الثَّلَاثَةِ وَلَخَّصْتُ جَمِيعَ ذَلِكَ فِي مِائَةِ فَصْلٍ وَفَصْلَيْنِ فِي عِشْرِينَ بَابًا وَسَمَّيْتُهَا تَنْقِيحَ الْفُصُولِ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ لِمَنْ أَرَادَ أَنَّ يَكْتُبَهَا وَحْدَهَا خَارِجَةً عَنْ هَذَا الْكِتَابِ

(1/55)


(الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الِاصْطِلَاحَاتِ وَفِيهِ عِشْرُونَ فَصْلًا)
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْحَدِّ
وَهُوَ شَرْحُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ بِطَرِيقِ الْإِجْمَالِ وَهُوَ غَيْرُ الْمَحْدُودِ إِنْ أُرِيدَ بِهِ اللَّفْظُ وَنَفْسُهُ إِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ جَامِعًا لِجُمْلَةِ أَفْرَادِ الْمَحْدُودِ مَانِعًا مِنْ دُخُولِ غَيْرِهِ مَعَهُ وَيُحْتَرَزُ فِيهِ مِنَ التَّحْدِيدِ بِالْمَسَاوِي وَالْأَخْفَى وَمَا لَا يُعْرَفُ إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْمَحْدُودِ وَالْإِجْمَالِ فِي اللَّفْظِ وَالْمُعَرِّفَاتُ خَمْسَةٌ الْحَدُّ التَّامُّ وَالْحَدُّ النَّاقِصُ وَالرَّسْمُ التَّامُّ وَالرَّسْمُ النَّاقِصُ وَتَبْدِيلُ لَفْظٍ بِلَفْظٍ مُرَادِفٍ لَهُ أَشْهَرَ مِنْهُ عِنْدَ السَّامِعِ فَالْأَوَّلُ التَّعْرِيفُ بِجُمْلَةِ الْأَجْزَاءِ نَحْوَ قَوْلِنَا الْإِنْسَانُ هُوَ الْحَيَوَانُ النَّاطِقُ وَالثَّانِي التَّعْرِيفُ بِالْفَصْلِ وَحْدَهُ وَهُوَ النَّاطِقُ وَالثَّالِثُ التَّعْرِيفُ بِالْجِنْسِ وَالْخَاصَّةِ كَقَوْلِنَا الْحَيَوَانُ الضَّاحِكُ وَالرَّابِعُ بِالْخَاصَّةِ وَحْدَهَا نَحْوَ قَوْلِنَا هُوَ الضَّاحِكُ وَالْخَامِسُ وَضْعُ أَحَدِ الْمُتَرَادِفَيْنِ مَوْضِعَ الْآخَرِ نَحْوَ مَا هُوَ الْبُرُّ فَتَقُولُ الْقَمْحُ

الْفَصْلُ الثَّانِي فِي تَفْسِيرِ أُصُولِ الْفِقْهِ
فَأَصْلُ الشَّيْءِ مَا مِنْهُ الشَّيْءُ لُغَةً وَرُجْحَانُهُ أَوْ دَلِيلُهُ اصْطِلَاحًا

(1/56)


فَمِنَ الْأَوَّلِ أَصْلُ السُّنْبُلَةِ الْبُرَّةُ وَمِنَ الثَّانِي الْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمَجَازِ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ وَمِنَ الثَّالِثِ أُصُولُ الْفِقْهِ أَيْ أَدِلَّتُهُ وَالْفِقْهُ هُوَ الْفَهْمُ وَالْعِلْمُ وَالشِّعْرُ وَالطِّبُّ لُغَةً وَإِنَّمَا اخْتَصَّ بَعْضُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ بِبَعْضِ الْعُلُومِ بِسَبَبِ الْعُرْفِ وَالْفِقْهُ فِي الِاصْطِلَاحِ هُوَ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ بِالِاسْتِدْلَالِ وَيُقَالُ فَقِهَ بِكَسْرِ الْقَافِ إِذَا فَهِمَ وَبِفَتْحِهَا إِذَا سَبَقَ غَيْرَهُ لِلْفَهْمِ وَبِضَمِّهَا إِذَا صَارَ الْفِقْهُ لَهُ سَجِيَّةً

الْفَصْلُ الثَّالِثُ الْفرق بَين الْوَضع والاستعمال وَالْحمل فَإِنَّهَا تَلْتَبِسُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ
فَالْوَضْعُ يُقَالُ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى جَعْلِ اللَّفْظِ دَلِيلًا عَلَى الْمَعْنَى كَتَسْمِيَةِ الْوَلَدِ زَيْدًا وَهَذَا هُوَ الْوَضْعُ اللُّغَوِيُّ وَعَلَى غَلَبَةِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى حَتَّى يَصِيرَ أَشْهَرَ فِيهِ مِنْ غَيْرِهِ وَهَذَا هُوَ وَضْعُ الْمَنْقُولَاتِ الثَّلَاثَةِ الشَّرْعِيِّ نَحْوَ الصَّلَاةِ وَالْعُرْفِيِّ الْعَامِّ نَحْوَ الدَّابَةِ وَالْعُرْفِيِّ الْخَاصِّ نَحْوَ الْجَوْهَرِ وَالْعَرَضِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالِاسْتِعْمَالُ إِطْلَاقُ اللَّفْظِ وَإِرَادَة عين مُسَمَّاة بالحكم وَهُوَ الْحَقِيقِيَّة أَوْ غَيْرِ مُسَمَّاهُ لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْمَجَازُ وَالْحَمْلُ اعْتِقَادُ السَّامِعِ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ لَفْظِهِ أَوْ مَا اشْتَمَلَ عَلَى مُرَادِهِ فَالْمُرَادُ كَاعْتِقَادِ الْمَالِكِيِّ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَرَادَ بِالْقُرْءِ الطُّهْرَ وَالْحَنَفِيِّ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَرَادَ الْحيض والمشتمل نَحْو حمل الشَّافِعِي رَحمَه الله اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ عَلَى جُمْلَةِ مَعَانِيهِ عِنْدَ تَجَرُّدِهِ عَنِ الْقَرَائِنِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ احْتِيَاطًا

الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي الدَّلَالَةِ وَأَقْسَامِهَا

(1/57)


فَدَلَالَةُ اللَّفْظِ فَهْمُ السَّامِعِ مِنْ كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِ كَمَالَ الْمُسَمَّى أَوْ جُزْءَهُ أَوْ لَازِمَهُ وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ وَهِيَ فَهْمُ السَّامِعِ مِنْ كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِ كَمَالَ الْمُسَمَّى وَدَلَالَةُ التَّضَمُّنِ وَهِيَ فَهْمُ السَّامِعِ مِنْ كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِ جُزْءَ الْمُسَمَّى وَدَلَالَةُ الِالْتِزَامِ وَهِيَ فَهْمُ السَّامِعِ مِنْ كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِ لَازِمَ الْمُسَمَّى الْبَيِّنَ وَهُوَ اللَّازِمُ فِي الذِّهْنِ فَالْأَوَّلُ كَفَهْمِ مَجْمُوعِ الْخَمْسَتَيْنِ مِنْ لَفْظِ الْعَشَرَةِ وَالثَّانِي كَفَهْمِ الْخَمْسَةِ وَحْدَهَا مِنَ اللَّفْظِ وَالثَّالِثُ كَفَهْمِ الزَّوْجِيَّةِ مِنَ اللَّفْظِ وَالدَّلَالَةُ بِاللَّفْظِ هِيَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ إِمَّا فِي مَوْضُوعِهِ وَهُوَ الْحَقِيقَةُ أَوْ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْمَجَازُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ هَذِهِ صِفَةٌ لِلْمُتَكَلِّمِ وَأَلْفَاظٌ قَائِمَةٌ بِاللِّسَانِ وَقَصَبَةِ الرِّئَةِ وَتِلْكَ صِفَةُ السَّامِعِ وَعِلْمٌ أَوْ ظَنٌّ قَائِمٌ بِالْقَلْبِ وَلِهَذَا نَوْعَانِ وَهُمَا الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ لَا يَعْرِضَانِ لِتِلْكَ وَأَنْوَاعُ تِلْكَ ثَلَاثَةٌ لَا تَعْرِضُ لِهَذِهِ

الْفَصْلُ الْخَامِسُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكُلِّيِّ وَالْجُزْئِيِّ
فَالْكُلِّيُّ هُوَ الَّذِي لَا يَمْنَعُ تَصَوُّرُهُ مِنْ وُقُوعِ الشَّرِكَةِ فِيهِ سَوَاءٌ امْتَنَعَ وُجُودُهُ كَالْمُسْتَحِيلِ أَوْ أَمْكَنَ وَلَمْ يُوجَدْ كَبَحْرٍ مِنْ زِئْبَقٍ أَوْ وُجِدَ وَلَمْ يَتَعَدَّدْ كَالشَّمْسِ أَوْ تَعَدَّدَ كَالْإِنْسَانِ وَقَدْ تَرَكْتُ قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا مُحَالٌ وَالثَّانِي أَدَبٌ وَالْجُزْئِيُّ هُوَ الَّذِي يَمْنَعُ تَصَوُّرُهُ مِنَ الشَّرِكَةِ فِيهِ

الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي أَسْمَاءِ الْأَلْفَاظِ
الْمُشْتَرَكُ هُوَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مَعْنَيَيْنِ فَأَكْثَرَ كَالْعَيْنِ وَقَوْلِنَا لِكُلِّ وَاحِدٍ احْتِرَازًا مِنْ أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ فَإِنَّهَا لِمَجْمُوعِ الْمَعَانِي لَا لِكُلِّ وَاحِدٍ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِنَا مُخْتَلِفِينَ فَإِنَّ الْوَضْعَ مُسْتَحِيلٌ لِلْمِثْلَيْنِ فَإِنَّ التَّعَيُّنَ إِنِ اعْتُبِرَ فِي التَّسْمِيَةِ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ كَانَا وَاحِدًا وَالْوَاحِدُ لَيْسَ بِمِثْلَيْنِ

(1/58)


والمتواطئ هُوَ اللَّفْظ الْمَوْضُوع لِمَعْنى كلي مستو فِي محاله كَالرّجلِ والمشكك هُوَ الْموضع لِمَعْنًى كُلِّيٍّ مُخْتَلَفٍ فِي مَحَالِّهِ إِمَّا بِالْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ كَالنُّورِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى السِّرَاجِ وَالشَّمْسِ أَوْ بِإِمْكَانِ التَّغَيُّرِ وَاسْتِحَالَتِهِ كَالْوُجُودِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْوَاجِبِ وَالْمُمْكِنِ أَوْ بِالِاسْتِغْنَاءِ وَالِافْتِقَارِ كَالْمَوْجُودِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجَوْهَرِ وَالْعَرَضِ وَالْمُتَرَادِفَةُ هِيَ الْأَلْفَاظُ الْكَثِيرَةُ لِمَعْنًى وَاحِد كالقمح وَالْبر وَالْحِنْطَة والمتباينة هِيَ الْأَلْفَاظ الْمَوْضُوع لكل وَاحِدٍ مِنْهَا لِمَعْنًى كَالْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ وَالطَّيْرِ وَلَوْ كَانَتْ لِلذَّاتِ وَالصِّفَةِ وَصِفَةِ الصِّفَةِ نَحْوَ زَيْدٌ مُتَكَلِّمٌ فَصِيحٌ وَالْمَنْقُولُ هُوَ اللَّفْظُ الَّذِي غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ الْأَوَّلِ حَتَّى صَارَ أَشْهَرَ مِنَ الْأَوَّلِ وَالْمُرْتَجَلُ هُوَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِمَعْنًى لَمْ يُسْبَقْ بِوَضْعٍ آخَرَ وَالْعَلَمُ هُوَ الْمَوْضُوعُ لِجُزْئِيٍّ كَزَيْدٍ وَالْمُضْمَرُ هُوَ اللَّفْظُ الْمُحْتَاجُ فِي تَفْسِيرِهِ إِلَى لَفْظٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ إِنْ كَانَ غَائِبًا أَوْ قَرِينَةِ تَكَلُّمٍ أَوْ خِطَابٍ فَقَوْلُنَا إِلَى لَفْظٍ احْتِرَازًا مِنْ أَلْفَاظِ الْإِشَارَةِ وَقَوْلِنَا مُنْفَصِلٍ عَنْهُ احْتِرَازًا مِنَ الْمَوْصُولَاتِ وَقَوْلُنَا قَرِينَةِ تَكَلُّمٍ أَوْ خِطَابٍ لِيَدْخُلَ ضَمِيرُ الْمُتَكَلِّمِ الْمُخَاطب وَالنَّص فِيهِ ثَلَاثَة اصْطِلَاحَات قيل هُوَ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى قَطْعًا وَلَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ قَطْعًا كَأَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ وَقِيلَ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى قَطْعًا وَإِنِ احْتَمَلَ غَيْرَهُ كَصِيَغِ الْجُمُوعِ فِي الْعُمُومِ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ قَطْعًا وَتَحْتَمِلُ الِاسْتِغْرَاقَ وَقِيلَ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى كَيْفَ كَانَ وَهُوَ غَالِبُ اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاء

(1/59)


وَالظَّاهِرُ هُوَ الْمُتَرَدِّدُ بَيْنَ احْتِمَالَيْنِ فَأَكْثَرَ هُوَ فِي أَحَدِهِمَا أَرْجَحُ وَالْمُجْمَلُ هُوَ الْمُتَرَدِّدُ بَيْنَ احْتِمَالَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى السَّوَاءِ ثُمَّ التَّرَدُّدُ قَدْ يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ كَالْمُشْتَرِكِ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ كَالْمُتَوَاطِئِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَشْخَاصٍ مُسَمَّاهٍ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَاده} فَهُوَ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَقِّ مُجْمَلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَقَادِيرِهِ وَالْمُبِينُ هُوَ مَا أَفَادَ مَعْنَاهُ إِمَّا بِسَبَبِ الْوَضْعِ أَوْ بِضَمِيمَةِ بَيَانٍ إِلَيْهِ وَالْعَامُّ هُوَ الْمَوْضُوعُ لِمَعْنًى كُلِّيٍّ بِقَيْدٍ تَتْبَعُهُ فِي مَحَالِّهِ نَحْوَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُطْلَقُ هُوَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِمَعْنًى كُلِّيٍّ نَحْوَ رَجُلٍ وَالْمُقَيَّدُ هُوَ اللَّفْظُ الَّذِي أُضِيفَ إِلَى مُسَمَّاهُ مَعْنًى زَائِدٌ عَلَيْهَا نَحْوَ رَجُلٍ صَالِحٍ وَالْأَمْرُ هُوَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِطَلَبِ الْفِعْلِ طَلَبًا جَازِمًا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعْلَاءِ نَحْوَ قُمْ وَالنَّهْيُ هُوَ الْمَوْضُوعُ لِطَلَبِ التَّرْكِ طَلَبًا جَازِمًا وَالِاسْتِفْهَامُ هُوَ طَلَبُ حَقِيقَةِ الشَّيْءِ وَالْخَبَرُ هُوَ الْمَوْضُوعُ لِلَفْظَيْنِ فَأَكْثَرَ أُسْنِدَ مُسَمَّى أَحَدِهِمَا إِلَى مُسَمَّى الْآخَرِ إِسْنَادًا يَقْبَلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ لِذَاتِهِ نَحْوَ زَيْدٌ قَائِمٌ

الْفَصْلُ السَّابِعُ الْفرق بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز وَأَقْسَامِهِمَا
فَالْحَقِيقَةُ هِيَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ فِي الْعُرْفِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ التَّخَاطُبُ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ لُغَوِيَّةٌ كَاسْتِعْمَالِ الْإِنْسَانِ فِي الْحَيَوَانِ النَّاطِقِ وَشَرْعِيَّةٌ كَاسْتِعْمَالِ لَفْظِ الصَّلَاةِ فِي الْأَفْعَالِ الْمَخْصُوصَةِ وَعُرْفِيَّةٌ عَامَّةٌ كَاسْتِعْمَالِ لَفْظِ

(1/60)


الدَّابَّةِ فِي الْحِمَارِ وَخَاصَّةً نَحْوَ اسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْجَوْهَرِ فِي الْمُتَحَيِّزِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ وَالْمَجَازُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ فِي الْعُرْفِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ التَّخَاطُبُ لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُمَا وَهُوَ يَنْقَسِمُ بِحَسَبِ الْوَاضِعِ إِلَى أَرْبَعَة حجاز لُغَوِيٍّ كَاسْتِعْمَالِ الْأَسَدِ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ وَشَرْعِيٍّ كَاسْتِعْمَالِ لَفْظِ الصَّلَاةِ فِي الدُّعَاءِ وَعُرْفِيٍّ عَامٍّ كَاسْتِعْمَالِ لَفْظِ الدَّابَّةِ فِي مُطْلَقِ مَا اتَّصَفَ بِالدَّبِيبِ وَخَاصٍّ كَاسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْجَوْهَرِ فِي النَّفِيسِ وَبِحَسَبِ الْمَوْضُوعِ لَهُ إِلَى مُفْرَدٍ نَحْوَ قَوْلِنَا أَسَدٌ لِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ وَإِلَى مُرَكَّبٍ كَقَوْلِهِ
(أَشَابَ الصَّغِير وأفنى الْكَبِير ... كَرُّ الْغَدَاةِ وَمَرُّ الْعَشِي)
فَالْمُفْرَدَاتُ حَقِيقَةٌ وَإِسْنَادُ الْإِشَابَةِ وَالْإِفْنَاءِ إِلَى الْكَرِّ وَالْمَرِّ مَجَازٌ فِي التَّرْكِيبِ وَإِلَى مُفْرَدٍ وَمُرَكَّبٍ نَحْوَ قَوْلِهِمْ أَحْيَانِي اكْتِحَالِي بِطَلْعَتِكَ فَاسْتِعْمَالُ الْإِحْيَاءِ وَالِاكْتِحَالِ فِي السُّرُورِ وَالرُّؤْيَةِ مَجَازٌ فِي الْإِفْرَادِ وَإِضَافَةُ الْإِحْيَاءِ إِلَى الِاكْتِحَالِ مَجَازٌ فِي التَّرْكِيبِ فَإِنَّهُ مُضَافٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَبِحَسَبِ هَيْئَتِهِ إِلَى الْخَفِيِّ كَالْأَسَدِ للرجل الشجاع والجلي الرَّاجِح كالدابة للحمار وَهَهُنَا دَقِيقَةٌ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَجَازٍ رَاجِحٌ مَنْقُولٌ وَلَيْسَ كُلُّ مَنْقُولٍ مَجَازًا رَاجِحًا فَالْمَنْقُولُ أَعَمُّ مُطْلَقًا وَالْمَجَازُ الرَّاجِحُ أَخَصُّ مُطْلَقًا فَرْعٌ كُلُّ مَحَلٍّ قَامَ بِهِ مَعْنًى وَجَبَ أَنْ يُشْتَقَّ لَهُ مِنْ لَفْظِ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَفْظٌ وَيُمْتَنَعُ الِاشْتِقَاقُ لِغَيْرِهِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي الْأَمْرَيْنِ

(1/61)


فَإِنْ كَانَ الِاشْتِقَاقُ بِاعْتِبَارِ قِيَامِهِ فِي الِاسْتِقْبَالِ فَهُوَ مَجَازٌ إِجْمَاعًا نَحْوَ تَسْمِيَةِ الْعِنَبِ بِالْخَمْرِ أَوْ بِاعْتِبَارِ قِيَامِهِ فِي الْحَالِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ إِجْمَاعًا نَحْوَ تَسْمِيَةِ الْخَمْرِ خَمْرًا أَوْ بِاعْتِبَارِ الْمَاضِي فَفِي كَوْنِهِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا مَذْهَبَانِ أَصَحُّهُمَا الْمَجَازُ هَذَا إِذَا كَانَ مَحْكُومًا بِهِ أَمَّا إِذَا كَانَ مُتَعَلِّقَ الْحُكْمِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ مُطْلَقًا نَحْوَ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}

الْفَصْلُ الثَّامِنُ التَّخْصِيصُ
وَهُوَ إِخْرَاجُ بَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ الْعَامُّ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ فِي الزَّمَانِ إِنْ كَانَ الْمُخَصَّصُ لَفْظِيًّا أَوْ بِالْجِنْسِ إِنْ كَانَ عَقْلِيًّا قَبْلَ تَقَرُّرِ حُكْمِهِ فَقَوْلُنَا أَو مَا يقوم مقَامه احْتِرَاز مِنَ الْمَفْهُومِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُهُ التَّخْصِيصُ وَقَوْلُنَا فِي الزَّمَان احْتِرَاز مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَقَوْلُنَا بِالْجِنْسِ لِأَنَّ الْمُخَصَّصَ الْعَقْلِيَّ مُقَارَنٌ وَقَوْلُنَا قَبْلَ تَقَرُّرِ حُكْمِهِ احْتِرَازًا مِنْ أَنَّ يَعْمَلَ بِالْعَامِّ فَإِنَّ الْإِخْرَاجَ بَعْدَ هَذَا يَكُونُ نَسْخًا

الْفَصْلُ التَّاسِعُ فِي لَحْنِ الْخِطَابِ وَفَحْوَاهُ وَدَلِيلِهِ وَتَنْبِيهِهِ وَاقْتِضَائِهِ وَمَفْهُومِهِ
فَلَحْنُ الْخِطَابِ هُوَ دَلَالَةُ الِاقْتِضَاءِ وَهُوَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ الْتِزَامًا عَلَى مَا لَا يَسْتَقِلُّ الْحُكْمُ إِلَّا بِهِ وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ لَا يَقْتَضِيهِ وَضْعًا نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {وأوحينا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ} تَقْدِيرُهُ فَضَرَبَ فَانْفَلَقَ وَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ} إِلَى قَوْلِهِ {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا} تَقْدِيرُهُ فَأَتَيَاهُ وَقِيلَ هُوَ فَحْوَى الْخِطَابِ وَهُوَ خلاف لَفْظِي

(1/62)


قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَاللُّغَةُ تَقْتَضِي الِاصْطِلَاحَيْنِ وَقَالَ الْبَاجِيُّ هُوَ دَلِيلُ الْخِطَابِ وَهُوَ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ وَهُوَ إِثْبَاتُ نَقِيضِ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ بِهِ لِلْمَسْكُوتِ عَنْهُ وَهُوَ عَشَرَةُ أَنْوَاعٍ مَفْهُومُ الْعِلَّةِ نَحْوَ مَا أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ وَمَفْهُومُ الصِّفَةِ نَحْوَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ
فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الثَّانِي الْغِنَى وَالسَّوْمَ مُكَمِّلٌ لَهُ وَفِي الْأَوَّلِ الْعِلَّةُ عَيْنُ الْمَذْكُورِ وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ نَحْوَ مَنْ تَطَهَّرَ صحت صَلَاتُهُ وَمَفْهُومُ الِاسْتِثْنَاءِ نَحْوَ قَامَ الْقَوْمُ إِلَّا زَيْدًا وَمَفْهُومُ الْغَايَةِ نَحْوَ {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} وَمَفْهُومُ الْحَصْرِ نَحْوَ إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ وَمَفْهُومُ الزَّمَانِ نَحْوَ سَافَرْتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمَفْهُومُ الْمَكَانِ نَحْوَ جَلَسْتُ أَمَامَ زَيْدٍ وَمَفْهُومُ الْعَدَدِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} وَمَفْهُومُ اللَّقَبِ وَهُوَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَى مُجَرَّدِ أَسْمَاءِ الذَّوَاتِ نَحْوَ فِي الْغَنَمِ الزَّكَاةُ وَهُوَ أَضْعَفُهَا وَتَنْبِيهُ الْخِطَابِ وَهُوَ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ عِنْدَ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ أَوِ الْمُخَالَفَةِ عِنْدَ غَيْرِهِ وَكِلَاهُمَا فحوى الْخطاب عِنْد الْبَاجِيّ فترادف تَنْبِيهُ الْخِطَابِ وَفَحْوَاهُ

(1/63)


وَمَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ لِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ إِثْبَاتُ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ بِهِ لِلْمَسْكُوتِ عَنْهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى كَمَا يَتَرَادَفُ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ وَدَلِيلُ الْخِطَابِ وَتَنْبِيهُهُ وَمَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا إِثْبَاتُهُ فِي الْأَكْثَرِ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {فَلَا تقل لَهما أُفٍّ} فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الضَّرْبِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَثَانِيهُمَا إِثْبَاتُهُ فِي الْأَقَلِّ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْك} فَإِنَّهُ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْأَمَانَةِ فِي الدِّرْهَمِ بِطَرِيقِ الأولى

الْفَصْل الْعَاشِر فِي الْحصْر
وَهُوَ إِثْبَاتُ نَقِيضِ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ بِهِ لِلْمَسْكُوتِ عَنْهُ بِصِيغَةِ إِنَّمَا وَنَحْوِهَا وَأَدَوَاتُهُ أَرْبَعٌ إِنَّمَا نَحْوَ إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ وَتَقَدَّمَ النَّفْيُ قَبْلَ إِلَّا نَحْوَ لَا يَقْبَلُ صَلَاةً إِلَّا بِطَهُورٍ وَالْمُبْتَدَأُ مَعَ الْخَبَرِ نَحْوَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ فَالتَّحْرِيمُ مَحْصُورٌ فِي التَّكْبِير والتحليل محصورا فِي التَّسْلِيمِ وَكَذَلِكَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ وَتَقْدِيمُ الْمَعْمُولَاتِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} {وهم بأَمْره يعْملُونَ} أَيْ لَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاكَ وَهُمْ لَا يَعْمَلُونَ إِلَّا بِأَمْرِهِ وَهُوَ مُنْقَسِمٌ إِلَى حَصْرِ الْمَوْصُوفَاتِ فِي الصِّفَاتِ نَحْو إِنَّمَا زَيْدٌ عَالِمٌ وَإِلَى حصر

(1/64)


الصِّفَاتِ فِي الْمَوْصُوفَاتِ نَحْوَ إِنَّمَا الْعَالِمُ زَيْدٌ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَقَدْ يَكُونُ عَامًّا فِي الْمُتَعَلِّقِ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ وَقَدْ يَكُونُ خَاصًّا نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا أَنْت مُنْذر} أَيْ بِاعْتِبَارِ مَنْ لَا يُؤْمِنُ فَإِنَّ حَظَّهُ مِنْهُ الْإِنْذَارُ لَيْسَ إِلَّا فَهُوَ مَحْصُورٌ فِي إِنْذَارِهِ وَلَا وَصْفَ لَهُ غَيْرَ الْإِنْذَارِ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ وَإِلَّا فَهَذِهِ الصِّيغَةُ تَقْتَضِي حَصْرَهُ فِي النِّذَارَةِ فَلَا يُوصَفُ بِالْبِشَارَةِ وَلَا بِالْعِلْمِ وَلَا بِالشَّجَاعَةِ وَلَا بِصِفَةٍ أُخْرَى وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُمْ زَيْدٌ صَدِيقِي وَصَدِيقِي زَيْدٌ فَالْأَوَّلُ يَقْتَضِي حَصْرَ زَيْدٍ فِي صَدَاقَتِكَ فَلَا يُصَادِقُ غَيْرَكَ وَأَنْتَ يَجُوزُ أَنْ تُصَادِقَ غَيْرَهُ وَالثَّانِي يَقْتَضِي حَصْرَ صَدَاقَتِكَ فِيهِ وَهُوَ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي صَدَاقَتِكَ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُصَادِقَ غَيْرَكَ عَلَى عَكْسِ الْأَوَّلِ

الْفَصْلُ الْحَادِيَ عَشَرَ خَمْسُ حَقَائِقَ لَا تَتَعَلَّقُ إِلَّا بِالْمُسْتَقْبَلِ مِنَ الزَّمَانِ وبالمعدوم وَهِيَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالدُّعَاءُ وَالشَّرْطُ وَجَزَاؤُهُ
الْفَصْلُ الثَّانِيَ عَشَرَ حُكْمُ الْعَقْلِ بِأَمْرٍ عَلَى أَمْرٍ إِمَّا غير جازم
أَو جازم وَالِاحْتِمَالَاتُ إِمَّا مُسْتَوِيَةٌ فَهُوَ الشَّكُّ أَوْ بَعْضُهَا رَاجِحٌ وَهُوَ الظَّنُّ وَالْمَرْجُوحُ وَهْمٌ وَالْجَازِمُ إِمَّا غَيْرُ مُطَابِقٍ وَهُوَ الْجَهْلُ الْمُرَكَّبُ أَوْ مُطَابِقٌ وَهُوَ إِمَّا لِغَيْرِ مُوجِبٍ وَهُوَ التَّقْلِيدُ أَوْ لِمُوجِبٍ وَهُوَ إِمَّا عَقْلٌ وَحْدَهُ فَإِنِ اسْتَغْنَى عَنِ الْكَسْبِ فَهُوَ الْبَدِيهِيُّ وَإِلَّا فَهُوَ النَّظَرِيُّ أَوْ حِسٌّ وَحْدَهُ وَهُوَ الْمَحْسُوسَاتُ الْخَمْسُ أَوْ مُرَكَّبٌ مِنْهُمَا وَهُوَ الْمُتَوَاتِرَاتُ وَالتَّجْرِيبِيَّاتُ وَالْحَدْسِيَّاتُ وَالْوِجْدَانِيَّاتُ أَشْبَهُ بِالْمَحْسُوسَاتِ فَتَنْدَرِجُ مَعَهَا

الْفَصْلُ الثَّالِثَ عَشَرَ فِي الحكم وأقسامه

(1/65)


الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ هُوَ خِطَابُ اللَّهِ الْقَدِيمُ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ بِالِاقْتِضَاءِ أَوِ التَّخْيِيرِ فَالْقَدِيمُ احْتِرَازًا مِنْ نُصُوصِ أَدِلَّةِ الْحُكْمِ فَإِنَّهَا خِطَابُ اللَّهِ وَلَيْسَتْ حُكْمًا وَإِلَّا اتَّحَدَ الدَّلِيلُ وَالْمَدْلُولُ وَهِيَ مُحْدَثَةُ وَالْمُكَلَّفِينَ احْتِرَازًا مِنَ الْمُتَعَلِّقِ بِالْجَمَادِ وَغَيْرِهِ وَالِاقْتِضَاءِ احْتِرَازًا مِنَ الْخَبَرِ وَقَوْلُنَا أَوِ التَّخْيِيرِ ليدْخل الْمُبَاحُ وَاخْتُلِفَ فِي أَقْسَامِهِ فَقِيلَ خَمْسَةٌ الْوُجُوبُ وَالتَّحْرِيمُ وَالنَّدْبُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْإِبَاحَةُ وَقِيلَ أَرْبَعَةٌ وَالْمُبَاحُ لَيْسَ مِنَ الشَّرْعِ وَقِيلَ اثْنَانِ التَّحْرِيمُ وَالْإِبَاحَةُ وَفُسِّرَتْ بِجَوَازِ الْإِقْدَامِ الَّذِي يَشْمَلُ الْوُجُوبَ وَالنَّدْبَ وَالْكَرَاهَةَ وَالْإِبَاحَةَ وَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ يَتَخَرَّجُ قَوْلُهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَبْغَضُ الْمُبَاحِ إِلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ
فَإِنَّ الْبِغْضَةَ تَقْتَضِي رُجْحَان طرف التَّرْكِ وَالرُّجْحَانُ مَعَ التَّسَاوِي مُحَالٌ وَالْوَاجِبُ مَا ذُمَّ تَارِكُهُ شَرْعًا وَالْمُحَرَّمُ مَا ذُمَّ فَاعِلُهُ شَرْعًا وَقَيْدُ الشَّرْعِ احْتِرَازًا مِنَ الْعُرْفِ وَالْمَنْدُوبُ مَا رُجِّحَ فِعْلُهُ عَلَى تَرْكِهِ شَرْعًا مِنْ غير ذمّ وَالْمَكْرُوه مَا رجح عَلَى فِعْلِهِ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ ذَمٍّ وَالْمُبَاحُ مَا اسْتَوَى طَرَفَاهُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ تَنْبِيهٌ لَيْسَ كُلُّ وَاجِبٍ يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَلَا كُلُّ مُحَرَّمٍ يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فكنفقات الزَّوْجَات والأقارب وَالدَّوَاب ورد المغضوب وَالْوَدَائِعِ وَالدُّيُونِ وَالْعَوَارِي فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ وَإِذَا فَعَلَهَا الْإِنْسَانُ غَافِلًا عَنِ امْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا وَقَعَتْ وَاجِبَةً مُجْزِئَةً مُبَرِّئَةً لِلذِّمَّةِ وَلَا ثَوَاب

(1/66)


وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمُحَرَّمَاتِ يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ عَنْ عُهْدَتِهَا بِمُجَرَّدِ تَرْكِهَا وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ بِهَا فَضْلًا عَنِ الْقَصْدِ إِلَيْهَا حَتَّى يَنْوِيَ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا فَلَا ثَوَابَ حِينَئِذٍ نَعَمْ مَتَى اقْتَرَنَ قَصْدُ الِامْتِثَالِ فِي الْجَمِيعِ حَصَلَ الثَّوَابُ

الْفَصْلُ الرَّابِعَ عَشَرَ فِي أَوْصَافِ الْعِبَادَة وَهِيَ خَمْسَةٌ
الْأَوَّلُ الْأَدَاءُ وَهُوَ إِيقَاعُ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتِهَا الْمُعَيَّنِ لَهَا شَرْعًا لِمَصْلَحَةٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْوَقْتُ فَقَوْلُنَا فِي وَقْتِهَا احْتِرَازًا مِنَ الْقَضَاءِ وَقَوْلُنَا شَرْعًا احْتِرَازًا مِنَ الْعُرْفِ وَقَوْلُنَا لِمَصْلَحَةٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْوَقْتُ احْتِرَازًا مِنْ تَعْيِينِ الْوَقْتِ لِمَصْلَحَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ لَا لِمَصْلَحَةٍ فِي الْوَقْتِ كَمَا إِذَا قُلْنَا الْأَمْرُ لِلْفَوْرِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ الزَّمَنُ الَّذِي يَلِي وُرُودَ الْأَمْرِ وَلَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ أَدَاءً فِي وَقْتِهِ وَلَا قَضَاءً بعد وقته كمن بَادَرَ لِإِزَالَةِ مُنْكَرٍ أَوْ إِنْقَاذِ غَرِيقٍ فَإِنَّ الْمصلحَة هَهُنَا فِي الْإِنْقَاذِ سَوَاءٌ كَانَ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَوْ غَيْرِهِ وَأَمَّا تَعْيِينُ أَوْقَاتِ الْعِبَادَاتِ فَنَحْنُ نَعْتَقِدُ أَنَّهَا لِمَصَالِحَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا هَذِهِ الْأَوْقَاتُ وَإِنْ كُنَّا لَا نَعْلَمُهَا وَهَكَذَا كُلُّ تَعَبُّدِيٍّ مَعْنَاهُ أَنَّا لَا نَعْلَمُ مصلحَة لَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ طَرْدًا لِقَاعِدَةِ الشَّرْعِ فِي عَادَتِهِ فِي رِعَايَةِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ على سَبِيل التَّفْضِيل فقد تلخص أَن التعييين فِي الْفَوْرِيَّاتِ لِتَكْمِيلِ مَصْلَحَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَفِي الْعِبَادَات لمصَالح فِي الْأَوْقَاتِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ الثَّانِي الْقَضَاءُ وَهُوَ إِيقَاعُ الْعِبَادَةِ خَارِجَ وَقْتِهَا الَّذِي عَيَّنَهُ الشَّرْعُ لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ تَنْبِيهٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَضَاءِ تَقَدُّمُ الْوُجُوبِ بَلْ تَقَدَّمَ سَبَبُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالْمَازِرِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْمُحَقِّقِينَ خِلَافًا لِلْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّ الْحَائِضَ تَقْضِي مَا حَرُمَ عَلَيْهَا فِعْلُهُ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ وَالْحَرَامُ لَا يَتَّصِفُ بِالْوُجُوبِ وَبَسْطُ ذَلِكَ فِي الطَّهَارَةِ فِي مَوَانِعِ الْحَيْضِ مَذْكُورٌ

(1/67)


ثُمَّ تَقَدُّمُ السَّبَبِ قَدْ يَكُونُ مَعَ الْإِثْمِ كَالْمُتَعَمِّدِ الْمُتَمَكِّنِ وَقَدْ لَا يَكُونُ كَالنَّائِمِ وَالْحَائِضِ وَالْمُزِيلُ لِلْإِثْمِ قَدْ يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ كَالسَّفَرِ وَقَدْ لَا يَكُونُ كَالْحَيْضِ وَقَدْ يَصِحُّ مَعَهُ الْأَدَاءُ كَالْمَرَضِ وَقَدْ لَا يَصِحُّ إِمَّا شَرْعًا كَالْحَيْضِ أَوْ عَقْلًا كَالنَّوْمِ فَائِدَةٌ الْعِبَادَةُ قَدْ تُوصَفُ بِالْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَقَدْ لَا تُوصَفُ بِهِمَا كَالنَّوَافِلِ وَقَدْ تُوصَفُ بِالْأَدَاءِ وَحْدَهُ كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ الثَّالِثُ الْإِعَادَةُ وَهِيَ إِيقَاعُ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتِهَا بَعْدَ تَقَدُّمِ إِيقَاعِهَا عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْخَلَلِ ثُمَّ الْخَلَلُ قَدْ يَكُونُ فِي الصِّحَّةِ كَمَنْ صَلَّى بِدُونِ شَرْطٍ أَوْ رُكْنٍ وَقَدْ يَكُونُ فِي الْكَمَالِ كَالْمُنْفَرِدِ بِالصَّلَاةِ الرَّابِعُ الصِّحَّةُ وَهِيَ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ مَا وَافَقَ الْأَمْرَ وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ مَا أَسْقَطَ الْقَضَاءَ وَالْبُطْلَانُ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ فَصَلَاةُ مَنْ ظَنَّ الطَّهَارَةَ وَهُوَ مُحْدِثٌ صَحِيحَةٌ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ طَهَارَتُهُ وَقَدْ فَعَلَ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْأَمْرِ وَبَاطِلَةٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِكَوْنِهَا لَمْ تَمْنَعْ مِنْ تَرَتُّبِ الْقَضَاءِ وَأَمَّا فَسَادُ الْعُقُودِ فَهُوَ خَلَلٌ يُوجِبُ عَدَمَ تَرَتُّبِ آثَارِهَا عَلَيْهَا إِلَّا أَنْ تلْحق بهَا عوارض على أصولنا يَأْتِي فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَغَيْرِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

(1/68)


الْخَامِسُ الْإِجْزَاءُ وَهُوَ كَوْنُ الْفِعْلِ كَافِيًا فِي الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ وَقِيلَ مَا أَسْقَطَ الْقَضَاءُ

الْفَصْلُ الْخَامِسَ عَشَرَ فِيمَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْأَحْكَام
وَهُوَ ثَلَاثَةٌ السَّبَبُ وَالشَّرْطُ وَانْتِفَاءُ الْمَانِعِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ الْأَحْكَامَ وَشَرَعَ لَهَا أَسْبَابًا وَشُرُوطًا وَمَوَانِعَ وَوَرَدَ خِطَابُهُ عَلَى قِسْمَيْنِ خِطَابُ تَكْلِيفٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ وَقُدْرَتُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ كَالْعِبَادَاتِ وَخِطَابُ وَضْعٍ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْخِطَابُ بِكَثِيرٍ مِنَ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَامًّا فِيهَا فَلِذَلِكَ تُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمَجَانِينِ وَالْغَافِلِينَ بِسَبَبِ الْإِتْلَافِ لِكَوْنِهِ مِنْ بَابِ الْوَضْعِ الَّذِي مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ إِذَا وَقَعَ هَذَا فِي الْوُجُودِ فَاعْلَمُوا أَنِّي حَكَمْتُ بِكَذَا وَمِنْ ذَلِكَ الطَّلَاقُ بِالْإِضْرَارِ وَالْإِعْسَارِ وَالتَّوْرِيثُ بِالْأَنْسَابِ وَقَدْ يُشْتَرَطُ فِي السَّبَبِ الْعِلْمُ كَإِيجَابِ الزِّنَا لِلْحَدِّ وَالْقَتْلِ لِلْقِصَاصِ إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ السَّبَبُ مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لِذَاتِهِ فَالْأَوَّلُ احْتِرَازٌ مِنَ الشَّرْطِ وَالثَّانِي احْتِرَازٌ مِنَ الْمَانِعِ وَالثَّالِثُ احْتِرَازٌ مِنْ مُقَارَنَتِهِ فُقْدَانَ الشَّرْطِ أَوْ وُجُودَ الْمَانِعِ فَلَا يَلْزَمُ من وجود الْوُجُودُ أَوْ إِخْلَافُهُ بِسَبَبٍ آخَرَ فَلَا يَلْزَمُ مَنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَالشَّرْطُ مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَلَا الْعَدَمُ لِذَاتِهِ فَالْأَوَّلُ احْتِرَازٌ مِنَ الْمَانِعِ وَالثَّانِي احْتِرَازٌ مِنَ السَّبَبِ وَالْمَانِعِ أَيْضًا وَالثَّالِثُ احْتِرَازٌ مِنْ مُقَارَنَتِهِ لِوُجُودِ السَّبَبِ فَيَلْزَمُ الْوُجُودُ عِنْدَ وُجُودِهِ أَوْ قِيَامِ الْمَانِعِ فَيُقَارِنُ الْعَدَمَ وَالْمَانِعُ مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ فَالْأَوَّلُ احْتِرَازٌ مِنَ السَّبَبِ وَالثَّانِي احْتِرَازٌ مِنَ الشَّرْطِ وَالثَّالِثُ احْتِرَازٌ مِنْ

(1/69)


مُقَارَنَةِ عَدَمِهِ لِوُجُودِ السَّبَبِ فَالْمُعْتَبَرُ مِنَ الْمَانِعِ وَجُودُهُ وَمِنَ الشَّرْطِ عَدَمُهُ وَمِنَ السَّبَبِ وُجُودُهُ وَعَدَمه

(فَوَائِد خمس)
الأول الشَّرْطُ وَجُزْءُ الْعِلَّةِ كِلَاهُمَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ فَهُمَا يَلْتَبِسَانِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ جُزْءَ الْعِلَّةِ مُنَاسِبٌ فِي ذَاتِهِ وَالشَّرْطَ مُنَاسِبٌ فِي غَيْرِهِ كَجُزْءِ النِّصَابِ فَإِنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى بَعْضِ الْغِنَى فِي ذَاتِهِ وَدَوَرَانُ الْحَوْلِ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْغِنَى وَإِنَّمَا هُوَ مُكَمِّلٌ لِلْغَنِيِّ الْكَائِنِ فِي النِّصَابِ الثَّانِيَةُ إِذَا اجْتَمَعَتْ أَجْزَاءُ الْعِلَّةِ تَرَتَّبَ الْحُكْمُ وَإِذَا اجْتَمَعَتِ الْعِلَلُ الْمُسْتَقِلَّةُ ترَتّب الحكم أَيْضا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ جُزْءُ عِلَّةٍ وَبَيْنَ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ؟ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ جُزْءَ الْعِلَّةِ إِذَا انْفَرَدَ لَا يَثْبُتُ مَعَهُ الْحُكْمُ كَأَحَدِ أَوْصَافِ الْقَتْلِ الْعمد والعدوان فَإِن الْمَجْمُوع يسبب الْقِصَاصَ وَإِذَا انْفَرَدَ جُزْؤُهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ قِصَاصٌ وَالْوَصْفُ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ إِذَا اجْتَمَعَ مَعَ غَيْرِهِ تَرَتَّبَ الْحُكْمُ وَإِذَا انْفَرَدَ تَرَتَّبَ مَعَهُ الْحُكْمُ أَيْضًا كَإِيجَابِ الْوُضُوءِ عَلَى مَنْ لَامَسَ وَبَالَ وَنَامَ وَإِذَا انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا وَجَبَ الْوُضُوءُ أَيْضًا الثَّالِثَةُ الْحُكْمُ كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ سَبَبِهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ شَرْطِهِ فَبِمَ يُعْلَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؟ يُعْلَمُ بِأَنَّ السَّبَبَ مُنَاسِبٌ فِي ذَاتِهِ وَالشَّرْطَ مُنَاسِبٌ فِي غَيْرِهِ كَالنِّصَابِ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْغِنَى فِي ذَاتِهِ وَالْحَوَلُ مُكَمِّلٌ لِحِكْمَةِ الْغِنَى فِي النِّصَابِ بِالتَّمَكُّنِ مِنَ التَّنْمِيَةِ الرَّابِعَةُ الْمَوَانِعُ الشَّرْعِيَّةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مِنْهَا مَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ وَاسْتِمْرَارَهُ وَمِنْهَا مَا يمْنَع ابْتِدَاء فَقَطْ وَمِنْهَا مَا اخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يَلْحَقُ بِالْأَوَّلِ أَوْ بِالثَّانِي فَالْأَوَّلُ كَالرَّضَاعِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ وَاسْتِمْرَارَهُ إِذَا طَرَأَ عَلَيْهِ وَالثَّانِي

(1/70)


كَالِاسْتِبْرَاءِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ وَلَا يُبْطِلُ اسْتِمْرَارَهُ إِذَا طَرَأَ عَلَيْهِ وَالثَّالِثُ كَالْإِحْرَامِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الصَّيْدِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الصَّيْدِ ابْتِدَاءً فَإِنْ طَرَأَ على الصَّيْد فَهَل تجب إِزَالَة الْيَد عَنهُ؟ خِلَافٌ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ وَكَالطَّوْلِ يَمْنَعُ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ ابْتِدَاءً فَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ فَهَلْ يُبْطِلُهُ؟ فِيهِ خِلَافٌ وَكَوُجُودِ الْمَاءِ يَمْنَعُ التَّيَمُّمَ ابْتِدَاءً فَلَوْ طَرَأَ بَعْدَهُ فَهَلْ يُبْطِلُهُ؟ فِيهِ خِلَافٌ الْخَامِسَةُ الشُّرُوطُ اللُّغَوِيَّةُ أَسْبَابٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا الْوُجُودُ وَمَنْ عَدِمَهَا الْعَدَمُ بِخِلَافِ الشُّرُوطِ الْعَقْلِيَّةِ كَالْحَيَاةِ مَعَ الْعِلْمِ وَالشَّرْعِيَّةِ كَالطَّهَارَةِ مَعَ الصَّلَاةِ وَالْعَادِيَّةِ كَالْغِذَاءِ مَعَ الْحَيَاةِ فِي بَعْضِ الْحَيَوَان

السَّادِسَ عَشَرَ الرُّخْصَةُ
جَوَازُ الْإِقْدَامِ عَلَى الْفِعْلِ مَعَ اشْتِهَارِ الْمَانِعِ مِنْهُ شَرْعًا وَالْعَزِيمَةُ طَلَبُ الْفِعْلِ الَّذِي لَمْ يَشْتَهِرْ فِيهِ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ ثُمَّ الرُّخْصَةُ قَدْ تَنْتَهِي لِلْوُجُوبِ كَأَكْلِ الْمُضْطَرِّ لِلْمَيْتَةِ وَقَدْ لَا تَنْتَهِي كَإِفْطَارِ الْمُسَافِرِ وَقَدْ يُبَاحُ سَبَبُهَا كَالسَّفَرِ وَقَدْ لَا يُبَاحُ كَالْغُصَّةِ لِشُرْبِ الْخَمْرِ

السَّابِعَ عَشَرَ فِي الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ
حسن الشَّيْء وقبحه يُرَاد بهما مَا لاءم الطَّبْع اَوْ نافره نَحْو إنقاذ الْغَرْقَى وَاتِّهَامِ الْأَبْرِيَاءِ أَوْ كَوْنُهُ صِفَةَ كَمَالٍ أَوْ نَقْصٍ نَحْوَ الْعِلْمُ حَسَنٌ وَالْجَهْلُ قَبِيحٌ أَوْ كَوْنُهُ مُوجِبًا لِلْمَدْحِ أَوِ الذَّمِّ الشَّرْعِيَّيْنِ وَالْأَوَّلَانِ عَقْلِيَّانِ إِجْمَاعًا وَالثَّالِثُ شَرْعِيٌّ عِنْدَنَا لَا يُعْلَمُ وَلَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالشَّرْعِ فَالْقَبِيحُ مَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَالْحَسَنُ مَا لَمْ ينْه سُبْحَانَهُ عَنْهُ وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ هُوَ عَقْلِيٌّ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى وُرُودِ الشَّرَائِعِ بَلِ الْعَقْلُ اقْتَضَى ثُبُوتَهُ قَبْلَ الرُّسُلِ وَإِنَّمَا الشَّرَائِعُ مُؤَكِّدَةٌ لِحُكْمِ الْعَقْلِ فِيمَا عَلِمَهُ ضَرُورَةً كَالْعِلْمِ بِحُسْنِ الصِّدْقِ النَّافِعِ وَقُبْحِ الْكَذِبِ الضَّارِّ أَوْ نَظَرًا كَحُسْنِ الصِّدْقِ الضَّارِّ وَقُبْحِ الْكَذِبِ النَّافِعِ أَوْ مُظْهِرَةٌ لِمَا لَمْ يَعْلَمْهُ الْعَقْلُ ضَرُورَةً وَلَا نَظَرًا كَوُجُوبِ آخَرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَتَحْرِيمِ أَوَّلِ يَوْمٍ من شَوَّال وَعِنْدنَا

(1/71)


الشَّرْع الْوَارِد منشىء لِلْجَمِيعِ فَعَلَى رَأْيِنَا لَا يَثْبُتُ حُكْمٌ قَبْلَ الشَّرْعِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ كُلَّ مَا يثبت بَعْدَ الشَّرْعِ فَهُوَ ثَابِتٌ قَبْلَهُ وَخِلَافًا لِلْأَبْهَرِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا الْقَائِلِ بِالْحَظْرِ مُطْلَقًا وَلِأَبِي الْفَرَجِ الْقَائِلِ بِالْإِبَاحَةِ مُطْلَقًا وَكَذَلِكَ قَالَ بِقَوْلِهِمَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ فِيمَا لَمْ يَطَّلِعِ الْعَقْلُ عَلَى حَالِهِ كَآخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ لَنَا قَوْلُهُ تَعَالَى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} نُفِيَ التَّعْذِيبُ قَبْلَ الْبَعْثَةِ فَيَنْتَفِي مَلْزُومُهُ وَهُوَ الْحُكْمُ فَإِنْ قِيلَ بِأَنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ حُسْنَ الْإِحْسَانِ وَقُبْحَ الْإِسَاءَةِ قُلْنَا مَحَلُّ الضَّرُورَةِ مَوْرِدُ الطِّبَاعِ وَلَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ

الثَّامِنَ عَشَرَ فِي بَيَان الْحُقُوق
فَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ وَحَقُّ الْعَبْدِ مَصَالِحُهُ وَالتَّكَالِيفُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَقَط كالإيمان وَحقّ للعباد فَقَطْ كَالدِّيُونِ وَالْأَثْمَانِ وَقِسْمٌ اخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يَغْلِبُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقُّ الْعَبْدِ كَحَدِّ الْقَذْفِ وَنَعْنِي بِحَقِّ الْعَبْدِ الْمَحْضِ أَنَّهُ لَوْ أَسْقَطَهُ لَسَقَطَ وَإِلَّا فَمَا مِنْ حَقٍّ لِلْعَبْدِ إِلَّا وَفِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ أَمْرُهُ بِإِيصَالِ ذَلِكَ الْحَقِّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ

التَّاسِع عشر فِي بَيَان الْخُصُوص والعموم وَالْمُسَاوَاةِ وَالْمُبَايَنَةِ وَأَحْكَامِهَا
الْحَقَائِقُ كُلُّهَا أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ إِمَّا مُتَسَاوِيَانِ وَهُمَا اللَّذَانِ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وُجُودُ الْآخَرِ وَمِنْ عَدَمِهِ عَدَمُهُ كَالرَّجْمِ وَزِنَا الْمُحْصَنِ وَإِمَّا مُتَبَايِنَانِ وَهُمَا اللَّذَانِ لَا يَجْتَمِعُ أَحَدُهُمَا مَعَ الْآخَرِ فِي مَحَلٍّ كَالْإِسْلَامِ وَالْجِزْيَةِ وَإِمَّا أَعَمُّ مُطْلَقًا أَوْ أَخَصُّ مُطْلَقًا وَهُمَا اللَّذَانِ يُوجَدُ أَحَدُهُمَا مَعَ وُجُودِ كُلِّ أَفْرَادِ الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ كَالْغُسْلِ وَالْإِنْزَالِ الْمُعْتَبَرِ فَإِنَّ الْغُسْلَ أَعَمُّ مُطْلَقًا والإنزال أخص مُطلقًا أَو يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا أَعَمَّ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصَّ مِنْ وَجْهٍ وَهُمَا اللَّذَانِ يُوجَدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ الْآخَرِ وَبِدُونِهِ كَحِلِّ النِّكَاحِ مَعَ ملك الْيَمين فيوجد حل النِّكَاح بِدُونِ

(1/72)


الْمَالِك فِي الْحَرَائِرِ وَيُوجَدُ الْمِلْكُ بِدُونِ حِلِّ النِّكَاحِ فِي مَوْطُوءَاتِ الْآبَاءِ مِنَ الْإِمَاءِ وَيَجْتَمِعَانِ مَعًا فِي الْأَمَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا مَانِعٌ فَيُسْتَدَلُّ بِوُجُودِ الْمُسَاوِي عَلَى وُجُودِ مُسَاوِيهِ وَبِعَدَمِهِ عَلَى عَدمه وبوجود الْأَخَص على وجود الْأَعَمّ وينفي الْأَعَمِّ عَلَى نَفْيِ الْأَخَصِّ وَبِوُجُودِ الْمُبَايِنِ عَلَى عَدَمِ مُبَايِنِهِ وَلَا دَلَالَةَ فِي الْأَعَمِّ مِنْ وَجْهٍ مُطْلَقًا وَلَا فِي عَدَمِ الْأَخَصِّ وَلَا وُجُودِ الْأَعَمِّ الْعِشْرُونَ الْمَعْلُومَاتُ كُلُّهَا أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ نَقِيضَانِ وَهُمَا اللَّذَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يَرْتَفِعَانِ كَوُجُودِ زَيْدٍ وَعَدَمِهِ وَخِلَافَانِ وَهُمَا اللَّذَانِ يَجْتَمِعَانِ وَيَرْتَفِعَانِ كَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَضِدَّانِ وَهُمَا اللَّذَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَيُمكن ارتفاعهما مَعَ الْخلاف فِي الْحَقِيقَةِ كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَمِثْلَانِ وَهُمَا اللَّذَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَيُمْكِنُ ارْتِفَاعُهُمَا مَعَ تَسَاوِي الْحَقِيقَةِ كالبياض وَالْبَيَاض

(1/73)


(الْبَابُ الثَّانِي فِي مَعَانِي حُرُوفٍ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا الْفَقِيه)
الْوَاو لمُطلق الْجمع فِي الْفِعْل دُونَ التَّرْتِيبِ فِي الزَّمَانِ وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ وَالتَّرْتِيبِ نَحْوَ سَهَا فَسَجَدَ ثُمَّ لِلتَّرَاخِي وَحَتَّى وَإِلَى للغاية وَفِي للظرفية والسببية نَحْو قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِي النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ
وَاللَّامُ لِلتَّمْلِيكِ نَحْوَ الْمَالِ لِزَيْدٍ وَالِاخْتِصَاصِ نَحْوَ هَذَا ابْنٌ لِزَيْدٍ وَالِاسْتِحْقَاقِ نَحْوَ هَذَا السَّرْجُ لِلدَّابَّةِ وَالتَّعْلِيل نَحوه هَذِهِ الْعُقُوبَةُ لِلتَّأْدِيبِ وَالتَّأْكِيدِ نَحْو إِنَّ زَيْدًا لقائم وَالْقسم نَحْو قَوْله تَعَالَى {لنسفعا بالناصية} وَالْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ نَحْوَ مَرَرْتُ بِزَيْدٍ وَالِاسْتِعَانَةِ نَحْوَ كَتَبْتُ بِالْقَلَمِ وَالتَّعْلِيلِ نَحْوَ سَعِدْتُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَالتَّبْعِيضِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَهُوَ مُنْكَرٌ عِنْدَ أَئِمَّةِ اللُّغَة أَو إِمَّا لِلتَّخْيِيرِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِك صياما} أَوْ لِلْإِبَاحَةِ نَحْوَ أَصْحَبُ الْعُلَمَاءَ أَوِ الزُّهَّادَ فَلَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ أَوْ لِلشَّكِّ نَحْوَ جَاءَنِي زَيْدٌ أَوْ عَمْرٌو أَوْ لِلْإِبْهَامِ نَحْو جَاءَنِي زيدا أَو

(1/74)


عَمْرٌو وَكُنْتَ عَالِمًا بِالْآتِي مِنْهُمَا وَإِنَّمَا أَرَدْتَ التَّلْبِيسَ عَلَى السَّامِعِ بِخِلَافِ الشَّكِّ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ نَحْوَ الْعَدَدِ إِمَّا زَوْجٌ أَوْ فَرْدٌ أَيْ هُوَ متنوع إِلَى هذَيْن النَّوْعَيْنِ وَإِن وكل مَا تضمن مَعْنَاهُ لِلشَّرْطِ نَحْوَ إِنْ جَاءَ زَيْدٌ جَاءَ عَمْرٌو وَمَنْ دَخَلَ دَارِي فَلَهُ دِرْهَمٌ وَمَا تَصْنَعْ أصنع وَأي شَيْء يفعل أفعل وَمَتى قدمت سعدت وَأَيْنَ تجْلِس أَجْلِس وَلَو مِثْلَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ فِي الشَّرْطِ نَحْوَ لَوْ جَاءَ زَيْدٌ أَكْرَمْتُهُ وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الشَّيْءِ لِانْتِفَاءِ غَيْرِهِ فَمَتَى دَخَلَتْ عَلَى ثُبُوتَيْنِ فهما منفيان وَمَتى دخلت على نفيين فهما ثابتان وَمَتَى دَخَلَتْ عَلَى نَفْيٍ وَثُبُوتٍ فَالثَّابِتُ مَنْفِيٌّ وَالْمَنْفِيُّ ثَابِتٌ وَلَوْلَا تَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الشَّيْءِ لوُجُود غَيره لأجل أَن لَا يَثْبُتَ النَّفْيُ الْكَائِنُ مَعَ لَوْ فَصَارَ ثُبُوتًا وَإِلَّا فَحكم لَو لم ينْتَقض فَقَوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ
يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْأَمر لأجل وجود الْمَشَقَّةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى تَقْدِيرِ وُرُودِ الْأَمْرِ وَبَلْ لِإِبْطَالِ الْحُكْمِ عَنِ الْأَوَّلِ وَإِثْبَاتِهِ لِلثَّانِي نَحْوَ جَاءَ زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو وَعَكْسُهَا لَا نَحْوَ زَيْدٌ لَا عَمْرٌو وَلَكِنْ لِلِاسْتِدْرَاكِ بَعْدَ النَّفْيِ نَحْوَ مَا جَاءَ زِيدٌ لَكِنْ عَمْرٌو وَلَا بُدَّ أَنْ يَتَقَدَّمَهَا نَفْيٌ فِي الْمُفْرَدَاتِ أَوْ يَحْصُلَ تَنَاقُضٌ بَيْنَ الْمُرَكَّبَاتِ وَالْعَدَدُ يُذَكَّرُ فِيهِ الْمُؤَنَّثُ وَيُؤَنَّثُ فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَلِذَلِكَ قُلْنَا إِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوء} الْأَطْهَارُ دُونَ الْحُيَّضِ لِأَنَّ الطُّهْرَ مُذَكَّرٌ وَالْحَيْضَةَ مُؤَنَّثَةٌ وَقَدْ وَرَدَ النَّصُّ بِصِيغَةِ التَّأْنِيثِ فَيَكُونُ الْمَعْدُودُ مُذَكَّرًا لَا مُؤَنَّثًا

(1/75)