الذخيرة
للقرافي (الْبَاب الْحَادِي عشر فِي دَلِيل
الْخطاب)
وَهُوَ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ حَقِيقَتُهُ
وَأَنْوَاعُهُ الْعَشَرَةُ وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ
أَصْحَابه وَأَصْحَاب الشَّافِعِي وَخَالَفَ فِي مَفْهُومِ الشَّرْطِ
الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ من أَصْحَابنَا وَأَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ
وَلَيْسَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَشْرُوطَ لَا يَجِبُ انْتِفَاؤُهُ
عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَلْ مَعْنَاهُ
أَنَّ هَذَا الِانْتِفَاءَ لَيْسَ مَدْلُولًا لِلَّفْظِ وَخَالَفَ فِي
مَفْهُومِ الصِّفَةِ أَبُو حنيفَة وَابْنُ سُرَيْجٍ وَالْقَاضِي وَإِمَامُ
الْحَرَمَيْنِ وَجُمْهُورُ الْمُعْتَزِلَةِ ووافقنا الشَّافِعِي
وَالْأَشْعَرِيُّ وَحَكَى الْإِمَامُ أَنَّ مَفْهُومَ اللَّقَبِ لَمْ
يَقُلْ بِهِ إِلَّا الدَّقَّاقُ لَنَا أَنَّ التَّخْصِيصَ لَوْ لَمْ
يَقْتَضِ سَلْبَ الْحُكْمِ عَنِ الْمَسْكُوتِ عَنهُ للَزِمَ التَّرْجِيح
مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ وَهُوَ مُحَالٌ فَرْعَانِ الْأَوَّلُ أَنَّ
الْمَفْهُومَ مَتَى خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ
إِجْمَاعًا نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلَادكُم خشيَة
إملاق} وَلِذَلِكَ يُرَدُّ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ
السَّلَامُ فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ
الْغَالِبِ فَإِنَّ غَالِبَ أَغْنَامِ الْحِجَازِ وَغَيْرِهَا السَّوْمُ
الثَّانِي أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالصِّفَةِ فِي جِنْسٍ هَلْ يَقْتَضِي
نَفْيَ ذَلِكَ الْحُكْمِ عَنْ سَائِرِ الْأَجْنَاسِ فَيَقْتَضِي الْحَدِيثُ
مَثَلًا نَفْيَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَنْ سَائِرِ الْأَنْعَامِ وَغَيْرِهَا
أَوْ لَا يَقْتَضِي نَفْيَهُ إِلَّا عَنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ خَاصَّةً وَهُوَ
اخْتِيَارُ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ
(الْبَاب الثَّانِي عشر فِي الْمُجْمَلِ وَالْمُبَيَّنِ وَفِيهِ سِتَّةُ
فُصُولٍ)
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْنَى أَلْفَاظِهِ
فَالْمُبَيَّنُ هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ بِالْوَضْعِ عَلَى مَعْنًى إِمَّا
بِالْأَصَالَةِ وَإِمَّا بَعْدَ الْبَيَانِ وَالْمُجْمَلُ هُوَ الدَّائِرُ
بَيْنَ احْتِمَالَيْنِ فَصَاعِدًا إِمَّا بِسَبَبِ الْوَضْعِ وَهُوَ
الْمُشْتَرَكُ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ كَالْمُتَوَاطِئِ بِالنِّسْبَةِ
إِلَى جُزْئِيَّاتِهِ فَكُلُّ مُشْتَرَكٍ مُجْمَلٌ وَلَيْسَ كُلُّ مُجْمَلٍ
مُشْتَرَكًا وَقَدْ يَكُونُ اللَّفْظُ مُبَيَّنًا مِنْ وَجْهٍ مُجْمَلًا
مِنْ وَجْهٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَاده}
فَإِنَّهُ مُبَيَّنٌ فِي الْحَقِّ مُجْمَلٌ فِي مِقْدَارِهِ وَالْمُؤَوَّلُ
هُوَ الِاحْتِمَالُ الْخَفِيُّ مَعَ الظَّاهِرِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْمَآلِ
إِمَّا لِأَنَّهُ يَؤُولُ إِلَى الظُّهُورِ بِسَبَبِ الدَّلِيلِ الْعَاضِدِ
أَوْ لِأَنَّ الْعَقْلَ يؤُولُ إِلَى فَهْمِهِ بَعْدَ فَهْمِ الظَّاهِرِ
وَهَذَا وَصْفٌ لَهُ بِمَا هُوَ مَوْصُوفٌ بِهِ فِي الْوَقْتِ الْحَاضِرِ
فَيَكُونُ حَقِيقَةً وَفِي الْأَوَّلِ بِاعْتِبَارِ مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ
وَقَدْ لَا يَقَعُ فَيَكُونُ مَجَازًا مُطْلَقًا
الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَا لَيْسَ مُجْمَلًا
إِضَافَةُ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ إِلَى الْأَعْيَانِ لَيْسَ
مُجْمَلًا فَيُحْمَلُ عَلَى مَا يَدُلُّ الْعُرْفُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ
عَيْنٍ خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ فَيُحْمَلُ فِي الْمَيْتَةِ عَلَى الْأَكْلِ
وَفِي الْأُمَّهَاتِ عَلَى وُجُوهِ الِاسْتِمْتَاعِ وَإِذَا دَخَلَ
النَّفْيُ عَلَى الْفِعْلِ كَانَ مُجْمَلًا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ
الْبَصْرِيِّ نَحْوَ
(1/102)
قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا صَلَاةَ
إِلَّا بِطَهُورٍ وَلَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ لِدَوَرَانِ النَّفْيِ
بَيْنَ الْكَمَالِ وَالصِّحَّةِ وَقِيلَ إِنْ كَانَ الْمُسَمَّى شَرْعِيًّا
انْتَفَى وَلَا إِجْمَالَ وَقَوْلُنَا هَذِهِ صَلَاةٌ فَاسِدَةٌ مَحْمُولٌ
عَلَى اللُّغَوِيِّ وَإِنْ كَانَ حَقِيقِيًّا نَحْوَ الْخَطَأِ
وَالنِّسْيَانِ وَلَهُ حُكْمٌ وَاحِدٌ انْتَفَى وَلَا إِجْمَالَ وَإِلَّا
تَحَقَّقَ الْإِجْمَالُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ
الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي أَقْسَامِهِ
الْمُبَيَّنُ إِمَّا بِنَفْسِهِ كَالنُّصُوصِ وَالظَّوَاهِرِ وَإِمَّا
بِالتَّعْلِيلِ كَفَحْوَى الْخِطَابِ أَوْ بِاللُّزُومِ كَالدَّلَالَةِ
عَلَى الشُّرُوطِ وَالْأَسْبَابِ وَالْبَيَانُ إِمَّا بِالْقَوْلِ أَوْ
بِالْفِعْلِ كَالْكِتَابَةِ وَالْإِشَارَةِ أَوْ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ
أَوْ بِالتَّرْكِ فَيُعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ وَاجِبًا أَوْ بِالسُّكُوتِ
بَعْدَ السُّؤَالِ فَيُعْلَمُ عَدَمُ الْحُكْمِ لِلشَّرْعِ فِي تِلْكَ
الْحَادِثَةِ
الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي حكمه
وَيجوز وُرُود الْجمل فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافًا لِقَوْمٍ لَنَا أَنَّ آيَةَ
الْجُمُعَةِ وَآيَةَ الزَّكَاةِ مُجْمَلَتَانِ وَهُمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ
تَعَالَى وَيَجُوزُ الْبَيَانُ بِالْفِعْلِ خِلَافًا لقوم
(1/104)
وَإِذَا تَطَابَقَ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ
فَالْبَيَانُ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ مُؤَكِّدٌ لَهُ وَإِنْ تَنَافَيَا
نَحْوَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ قَرَنَ الْحَجَّ إِلَى
الْعُمْرَةِ فَلْيَطُفْ لَهما طَوافا وَاحِدًا وَطَاف عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام لَهُمَا طَوَافَيْنِ فَالْقَوْلُ مُقَدَّمٌ لِكَوْنِهِ يَدُلُّ
بِنَفْسِهِ وَيَجُوزُ بَيَانُ الْمَعْلُومِ بِالْمَظْنُونِ خِلَافًا
لَلْكَرْخِيِّ
الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي وَقْتِهِ
مَنْ جَوَّزَ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ جَوَّزَ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ
وَقْتِ الْحَاجَةِ وَتَأْخِيرُهُ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ إِلَى وَقْتِ
الْحَاجَةِ جَائِزٌ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كَانَ لِلْخِطَابِ ظَاهِرٌ أُرِيدَ
خِلَافُهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ خِلَافًا لِجُمْهُورِ الْمُعْتَزِلَةِ إِلَّا
فِي النَّسْخِ وَمَنَعَ أَبُو الْحُسَيْنِ مِنْهُ فِيمَا لَهُ ظَاهِرٌ
أُرِيدَ خِلَافُهُ وَأَوْجَبَ تَقْدِيمَ الْبَيَانِ الْإِجْمَالِيِّ دُونَ
التَّفْصِيلِيِّ بِأَنْ يَقُولَ هَذَا الظَّاهِرُ لَيْسَ مُرَادًا
وَيَجُوزُ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تَأْخِيرُ مَا يُوحَى
إِلَيْهِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ لَنَا قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا
قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثمَّ إِن علينا بَيَانه} وَكلمَة ثمَّ
للتراخي فَيجوز التَّأْخِير وَهُوَ الْمَطْلُوب
الْفَصْل السَّادِس فِي الْمُبين لَهُ
يجب الْبَيَان لمن أُرِيد إفهامه فَقَط دون غَيره ثُمَّ الْمَطْلُوبُ قَدْ
يَكُونُ عِلْمًا فَقَطْ كَالْعُلَمَاءِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَيْضِ أَوْ
عَمَلًا فَقَطْ كَالنِّسَاءِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَحْكَامِ الْحَيْضِ
وَفِقْهِهِ أَوِ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ كَالْعُلَمَاءِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى
أَحْوَالِهِمْ أَوْ لَا عِلْمَ وَلَا عَمَلَ كَالْعُلَمَاءِ بِالنِّسْبَةِ
إِلَى الْكُتُبِ السَّالِفَةِ وَيَجُوزُ إِسْمَاعُ الْمَخْصُوصِ
بِالْعَقْلِ مِنْ غَيْرِ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ وِفَاقًا وَالْمَخْصُوصِ
بِالسَّمْعِ بِدُونِ بَيَانِ مُخَصِّصِهِ عِنْد النظام وَأبي هَاشم
وَاخْتَارَهُ الإِمَام خِلَافًا لِلْجُبَّائِيِّ وَأَبِي الْهُذَيْلِ
(1/105)
|