الذخيرة للقرافي

 (الْبَاب الثَّالِث عشر فِي فعله عَلَيْهِ السَّلَام)
وَفِيهِ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي دَلَالَةِ فِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ
إِنْ كَانَ بَيَانًا لِمُجْمَلٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ ذَلِكَ الْمُجْمَلِ فِي الْوُجُوبِ أَوِ النَّدْبِ أَوِ الْإِبَاحَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيَانًا وَفِيهِ قُرْبَةٌ فَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَابْنِ الْقَصَّارِ وَالْأَبْهَرِيِّ وَالْبَاجِيِّ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ لِلْوُجُوبِ وَعند الشَّافِعِي لِلنَّدْبِ وَعِنْدَ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَالْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ وَأَكْثَرِ الْمُعْتَزِلَةِ عَلَى الْوَقْفِ وَمَا لَا قُرْبَةَ فِيهِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللِّبَاسِ فَهُوَ عِنْدَ الْبَاجِيِّ لِلْإِبَاحَةِ وَعِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا لِلنَّدْبِ وَأَمَّا إِقْرَارُهُ عَلَى الْفِعْلِ فَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ

الْفَصْلُ الثَّانِي فِي اتِّبَاعِهِ
قَالَ جَمَاهِيرُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُعْتَزِلَةِ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ فِي فِعْلِهِ إِذَا عُلِمَ وَجْهُهُ وَجَبَ اتِّبَاعُهُ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهوا} وَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ فِي الْوُجُوبِ وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَلَّادٍ بِهِ فِي الْعِبَادَاتِ فَقَطْ

(1/106)


وَإِذَا وَجَبَ التَّأَسِّي بِهِ وَجَبَ مَعْرِفَةُ وَجْهِ فِعْلِهِ مِنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ إِمَّا بِالنَّصِّ أَوْ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِمَّا عُلِمَ فِيهِ وَجْهُ ثُبُوتِهِ فَيُسَوَّى بِهِ أَوْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ قِسْمَيْنِ فَيَتَعَيَّنُ الثَّالِثُ أَوْ بِالِاسْتِصْحَابِ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ أَوْ بِالْقُرْبَةِ عَلَى نَفْيِ الْإِبَاحَةِ فَيَتَعَيَّنُ النَّدْبُ وَبِالْقَضَاءِ عَلَى الْوُجُوبِ وَبِالْإِدَامَةِ مَعَ التَّرْكِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ عَلَى النَّدْبِ وَبِعَلَامَةِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ كَالْأَذَانِ وَبِكَوْنِهِ جُزْءًا لِسَبَبِ الْوُجُوبِ كَالنَّذْرِ تَفْرِيعٌ إِذَا وَجَبَ الِاتِّبَاعُ وَعَارَضَ فِعْلُهُ قَوْلَهُ فَإِنْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ وَتَأَخَّرَ الْفِعْلُ نَسَخَ الْفِعْلُ الْقَوْلَ كَانَ الْقَوْلُ خَاصًّا بِهِ أَوْ بِأُمَّتِهِ أَوْ عَمِّهِمَا وَإِنْ تَأَخَّرَ الْقَوْلُ وَهُوَ عَامٌّ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُسْقِطَ حُكْمُ الْفِعْلِ عَنِ الْكُلِّ وَإِنِ اخْتُصَّ بِأَحَدِهِمَا خَصَّصَهُ عَنْ عُمُومِ حُكْمِ الْفِعْلِ وَإِنْ تَعَقَّبَ الْفِعْلُ الْقَوْلَ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ وَعَمَّ القَوْل لَهُ الأمته عَلَيْهِ السَّلَامُ خَصَّصَهُ عَنْ عُمُومِ الْقَوْلِ وَإِنِ اخْتَصَّ بِالْأُمَّةِ تَرَجَّحَ الْقَوْلُ عَلَى الْفِعْلِ وَإِنِ اخْتَصَّ بِهِ جَازَ أَنْ يَكُونَ نَسْخُ الشَّيْءِ قَبْلَ وَقْتِهِ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صُحِّحَ الْقَوْلُ لِاسْتِغْنَائِهِ بِدَلَالَتِهِ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ فَإِنْ عَارَضَ الْفِعْلُ الْفِعْلَ بِأَنْ يُقِرَّ شَخْصًا عَلَى فِعْلٍ فَعَلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ضِدَّهُ فَيُعْلَمُ خُرُوجُهُ عَنْهُ أَوْ يَفْعَلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ضِدَّهُ فِي وَقْتٍ يُعْلَمُ لُزُومُ مِثْلِهِ لَهُ فِيهِ فَيَكُونُ نَسْخًا لِلْأَوَّلِ

(1/107)


الْفَصْل الثَّالِث فِي تأسيه عَلَيْهِ السَّلَام
مَذْهَبُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَعَبِّدًا بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ قَبْلَ نُبُوَّتِهِ وَقِيلَ كَانَ مُتَعَبِّدًا لَنَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَافْتَخَرَتْ بِهِ أَهْلُ تِلْكَ الْمِلَّةِ وَلَيْسَ فَلَيْسَ وَأَمَّا بَعْدَ نُبُوَّتِهِ فَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابه وَأَصْحَاب الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة أَنَّهُ كَانَ مُتَعَبِّدًا بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ وَكَذَلِكَ أُمَّتُهُ إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَمَنَعَ مِنْهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا لَنَا قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقتده} وَهُوَ عَامٌّ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ أُضِيفَ

(1/108)


(الْبَابُ الرَّابِعَ عَشَرَ فِي النَّسْخِ وَفِيهِ خَمْسَةُ فُصُولٍ)
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي حَقِيقَتِهِ
قَالَ الْقَاضِي مِنَّا وَالْغَزَّالِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ هُوَ خِطَابٌ دَلَّ عَلَى ارْتِفَاعِ حُكْمٍ ثَابِتٍ بِخِطَابٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى وَجْهٍ لَوْلَاهُ لَكَانَ ثَابِتًا مَعَ تَرَاخِيهِ عَنْهُ وَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ النَّاسِخُ طَرِيقٌ شَرْعِيٌّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِثْلَ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِطَرِيقٍ لَا يُوجَدُ بَعْدَهُ مُتَرَاخِيًا عَنْهُ بِحَيْثُ لَوْلَاهُ لَكَانَ ثَابتا وَرَأى أَن الطَّرِيق أَعم من الْخطاب ليشْمل سَائل المدارك لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَسَخَ وُقُوفَ الْوَاحِدِ لِلْعَشَرَةِ فِي الْجِهَادِ بِثُبُوتِهِ لِلِاثْنَيْنِ وَهُمَا فِي الْقُرْآنِ وَقَوله مثل الحكم لِأَنَّ الثَّابِتَ قَبْلَ النَّسْخِ غَيْرُ الْمَعْدُومِ بَعْدَهُ وَقَوْلُهُ مُتَرَاخِيًا لِئَلَّا يَتَهَافَتَ الْخِطَابُ وَقَوله لَكَانَ ثَابتا احْتِرَازًا من المغيات نَحْوَ الْخِطَابِ بِالْإِفْطَارِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِنَّهُ لَيْسَ نَاسِخًا لِوُجُوبِ الصَّوْمِ وَقَالَ الْقَاضِي مِنَّا وَالْغَزَّالِيُّ الْحُكْمُ الْمُتَأَخِّرُ يُزِيلُ الْمُتَقَدِّمَ وَقَالَ الْإِمَامُ وَالْأُسْتَاذُ وَجَمَاعَةٌ هُوَ بَيَانُ انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْحَقُّ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ دَائِمًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَعَلِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى دَائِمًا فَكَانَ يَسْتَحِيلُ نَسْخُهُ لِاسْتِحَالَةِ انْقِلَابِ الْعِلْمِ وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ الْقَدِيمُ الَّذِي هُوَ خَبَرٌ عَنْهُ

(1/109)


الْفَصْلُ الثَّانِي فِي حُكْمِهِ
وَهُوَ وَاقِعٌ وَأَنْكَرَهُ بَعْضُ الْيَهُودِ عَقْلًا وَبَعْضُهُمْ سَمْعًا وَبَعْضُ الْمُسْلِمِينَ مُؤَوِّلًا لِمَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ بِالتَّخْصِيصِ لَنَا مَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الْأُمَمُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ لِآدَمَ تَزْوِيجَ الْأَخِ بِأُخْتِهِ غَيْرَ توءمته وَقَدْ نُسِخَ ذَلِكَ وَيَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْكَافَّةِ نسخ الْقُرْآن خلافًا لأبي مسلمة الْأَصْفَهَانِيِّ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَسَخَ وُقُوفَ الْوَاحِدِ لِلْعَشَرَةِ فِي الْجِهَادِ بِثُبُوتِهِ لِلِاثْنَيْنِ وَهُمَا فِي الْقُرْآنِ وَيَجُوزُ نَسْخُ الشَّيْءِ قَبْلَ وُقُوعِهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ كَنَسْخِ ذَبْحِ إِسْحَاقَ قَبْلَ وُقُوعِهِ وَيَجُوزُ نَسْخُ الْحُكْمِ لَا إِلَى بَدَلٍ خِلَافًا لِقَوْمٍ كَنَسْخِ الصَّدَقَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {فقدموا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صَدَقَة} لِغَيْرِ بَدَلٍ وَنَسْخُ الْحُكْمِ إِلَى الْأَثْقَلِ خِلَافًا لِبَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ كَنَسْخِ عَاشُورَاءَ بِرَمَضَانَ وَنَسْخُ التِّلَاوَة دون الحكم وَبِالْعَكْسِ كَنَسْخِ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا ألْبَتَّةَ نَكَالًا مِنَ اللَّهِ مَعَ بَقَاءِ الرَّجْمِ وَالْحُكْمُ دون تِلَاوَة كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْجِهَادِ وَهُمَا مَعًا لِاسْتِلْزَامِ إِمْكَانِ الْمُفْرَدَاتِ إِمْكَانَ الْمُرَكَّبِ

(1/110)


وَنَسْخُ الْخَبَرِ إِذَا كَانَ مُتَضَمِّنًا لِحُكْمٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِمَنْ جَوَّزَ مُطْلَقًا أَوْ مَنَعَ مُطْلَقًا وَهُوَ أَبُو عَلِيٍّ وَأَبُو هَاشِمٍ وَأَكْثَرُ الْمُتَقَدِّمِينَ لَنَا أَنَّ نَسْخَ الْخَبَرِ يُوجِبُ عَدَمَ الْمُطَابَقَةِ وَهُوَ مُحَالٌ فَإِذَا تَضَمَّنَ الْحُكْمَ جَازَ نَسْخُهُ لِأَنَّهُ مُسْتَعَارٌ لَهُ وَنَسْخُ الْحُكْمِ جَائِزٌ كَمَا لَوْ عَبَّرْنَا عَنْهُ بِالْأَمْرِ وَيَجُوزُ نَسْخُ مَا قَالَ فِيهِ افْعَلُوا أَبَدًا خِلَافًا لِقَوْمٍ لِأَنَّ صِيغَةَ أَبَدًا بِمَنْزِلَةِ الْعُمُومِ فِي الْأَزْمَانِ وَالْعُمُومُ قَابِلٌ لِلتَّخْصِيصِ وَالنَّسْخِ

الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي النَّاسِخِ والمنسوخ
يَجُوزُ عِنْدَنَا نَسْخُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ وَعِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَالسُّنَّةُ الْمُتَوَاتِرَةُ بِمِثْلِهَا وَالْآحَادُ بِمِثْلِهَا وَبِالْكِتَابِ وَبِالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ إِجْمَاعًا وَأَمَّا جَوَازُ نَسْخِ الْكِتَابِ بِالْآحَادِ فَجَائِزٌ عَقْلًا غَيْرُ وَاقِعٍ سَمْعًا خِلَافًا لِبَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَالْبَاجِيِّ مِنَّا مُسْتَدِلًّا بِتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ عَن بَيت الْمُقَدّس إِلَى الْكَعْبَة لَنَا أَنَّ الْكِتَابَ مُتَوَاتِرٌ قَطْعِيٌّ فَلَا يُرْفَعُ بِالْآحَادِ الْمَظْنُونَةِ لِتَقَدُّمِ الْعِلْمِ عَلَى الظَّنِّ وَيَجُوزُ نسخ السّنة بِالْكتاب عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ وَبَعْضِ أَصْحَابِهِ لَنَا نَسْخُ الْقِبْلَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وحيثما كُنْتُم فَوَلوا وُجُوهكُم شطره} وَلَمْ يَكُنِ التَّوَجُّهُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثَابِتًا بِالْكِتَابِ عَمَلًا بِالِاسْتِقْرَاءِ وَيَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ لِمُسَاوَاتِهَا لَهُ فِي الطَّرِيقِ الْعِلْمِيِّ عِنْدَ أَكثر الْأَصْحَاب

(1/111)


وَوَاقِعٌ كَنَسْخِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَنَسْخِ الْحَبْسِ فِي الْبُيُوتِ بِالرَّجمِ وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَقَعْ لِأَنَّ آيَةَ الْحَبْسِ فِي الْبُيُوتِ نُسِخَتْ بِالْجَلْدِ وَالْإِجْمَاعُ لَا يُنْسَخُ وَلَا يُنْسَخُ بِهِ وَيَجُوزُ نَسْخُ الْفَحْوَى الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ تَبَعًا لِلْأَصْلِ وَمَنَعَ أَبُو الْحُسَيْنِ مِنْ نَسْخِهِ مَعَ بَقَاءِ الْأَصْلِ دَفْعًا لِلتَّنَاقُضِ بَيْنَ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ مَثَلًا وَحِلِّ الضَّرْبِ وَيَجُوزُ النَّسْخُ بِهِ وِفَاقًا لَفْظِيَّةً كَانَتْ دَلَالَتُهُ أَوْ عَقْلِيَّةً عَلَى الْخِلَافِ وَالْعَقْلُ يَكُونُ نَاسِخًا فِي حَقِّ مَنْ سَقَطَتْ رِجْلَاهُ فَإِنَّ الْوُجُوب سَاقِط عَنهُ قَالَه الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ

الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِيمَا يُتَوَهَّمُ أَنه نَاسخ
زِيَادَةُ صَلَاةٍ عَلَى الصَّلَوَاتِ أَوْ عِبَادَةٍ عَلَى الْعِبَادَاتِ لَيْسَتْ نَسْخًا وِفَاقًا وَإِنَّمَا جَعَلَ أَهْلُ الْعِرَاقِ الْوِتْرَ نَاسِخًا لِمَا فِيهِ مِنْ رَفْعِ قَوْله تَعَالَى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} فَإِنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى الْوُسْطَى تَذْهَبُ لِصَيْرُورَتِهَا غَيْرَ وُسْطَى وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْعِبَادَةِ الْوَاحِدَةِ لَيْسَتْ نَسْخًا عِنْدَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ وَالشَّافِعِيّ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَقِيلَ إِنْ نَفَتِ الزِّيَادَةُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْمَفْهُومُ الَّذِي هُوَ دَلِيلُ الْخِطَابِ أَوِ الشَّرْطُ كَانَتْ نَسْخًا وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ إِنْ لَمْ يَجُزِ الْأَصْلُ بَعْدَهَا فَهِيَ نَسْخٌ وَإِلَّا فَلَا فَعَلَى مَذْهَبِنَا زِيَادَةُ التَّغْرِيبِ عَلَى الْجَلْدِ لَيْسَتْ نَسْخًا وَكَذَلِكَ تَقْيِيدُ الرَّقَبَةِ

(1/112)


بِالْإِيمَانِ وَإِبَاحَةُ قَطْعِ السَّارِقِ فِي الثَّانِيَةِ وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ إِقَامَةِ الْغَيْرِ مَقَامَهُ عَقْلِيٌّ لَا شَرْعِيٌّ وَكَذَلِكَ لَوْ وَجَبَ الصَّوْمُ إِلَى الشَّفَقِ وَنُقْصَانُ الْعِبَادَةِ نَسْخٌ لِمَا سَقَطَ دُونَ الْبَاقِي إِنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ وَإِنْ تَوَقَّفَ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ هُوَ نَسْخٌ فِي الْجُزْءِ دُونَ الشَّرْطِ وَاخْتَارَ فَخْرُ الدِّينِ وَالْكَرْخِيُّ عَدَمَ النَّسْخِ

الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِيمَا يُعْرَفُ بِهِ النَّسْخُ
يُعَرَفُ بِالنَّصِّ عَلَى الرَّفْعِ أَوْ عَلَى ثُبُوتِ النَّقِيضِ أَوِ الضِّدِّ وَيُعْلَمُ التَّارِيخُ بِالنَّصِّ عَلَى التَّأْخِيرِ أَوِ السَّنَةِ أَوِ الْغَزْوَة أَو الْهِجْرَة وَيعلم نِسْبَةِ ذَلِكَ إِلَى زَمَانِ الْحُكْمِ أَوْ بِرِوَايَةِ مَنْ مَاتَ قَبْلَ رِوَايَةِ الْحُكْمِ الْآخَرِ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ فِي الْخَبَرَيْنِ المتواترين وَهَذَا قَبْلَ ذَاكَ مَقْبُولٌ وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي نَسْخِ الْمَعْلُومِ كَثُبُوتِ الْإِحْصَانِ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ بِخِلَافِ الرَّجْمِ وَشَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي الْوِلَادَةِ دُونَ النَّسَبِ وَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ هَذَا مَنْسُوخٌ لَا يُقْبَلُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ اجْتِهَادًا مِنْهُ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ إِنْ قَالَ ذَا نَسْخُ ذَاكَ لَمْ يُقْبَلْ وَإِنْ قَالَ هَذَا مَنْسُوخٌ قُبِلَ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَلِّ لِلِاجْتِهَادِ مَجَالًا فَيَكُونُ قَاطِعًا بِهِ وَضَعَّفَهُ الْإِمَامُ

(1/113)