الذخيرة للقرافي

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

(كتاب الصَّلَاة)
وَالصَّلَاةُ فِي اللُّغَةِ الدُّعَاءُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وصل عَلَيْهِم إِن صلواتك سكن لَهُم} أَيْ دَعَوَاتُكَ وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْعِبَادَةُ صَلَاةً قِيلَ مَجَازًا لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ الدُّعَاءِ وَقِيلَ هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الصَّلَوَيْنِ وَهُمَا عِرْقَانِ فِي الردف وأصلهما الصَّلَاة وَهُوَ عِرْقٌ فِي الظَّهْرِ يَفْتَرِقُ عِنْدَ عَجَبِ الذَّنَبِ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ دُرَيْدٍ فِي صِفَةِ الْفَرَسِ
(قَرِيبُ مَا بَيْنَ الْقَطَاةِ وَالْمَطَا ... بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْقَذَالِ وَالصَّلَا)
وَلِذَلِكَ كُتِبَتِ الصَّلَاةُ بِالْوَاوِ فِي الْمُصْحَفِ قَالَ صَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ قِيلَ هُمَا عَظْمَانِ يَنْحَنِيَانِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَلَمَّا كَانَا يَظْهَرَانِ مِنَ الرَّاكِعِ سُمِّيَ مُصَلِّيًا لِذَلِكَ وَفِعْلُهُ صَلَاةً وَمِنْهُ الْمُصَلِّي وَهُوَ الثَّانِي مِنْ حَلْبَةِ السِّبَاقِ لِأَنَّ رَأْسَ فَرَسِهِ يَكُونُ عِنْدَ صَلْوَى

(2/5)


الأول وَقيل لِأَنَّهَا ثَانِيَة الْإِيمَان كالثاني فِي حلبة السباق وَقيل لِأَن فَاعِلَهَا مُتَابِعٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَمَا يُتَابِعُ الْفَرَسُ الثَّانِي الْأَوَّلَ وَقِيلَ هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ تَصْلِيَةِ الْعُودِ بِالنَّارِ لِيَقُومَ وَلَمَّا كَانَتْ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ كَانَتْ مُقَوِّمَةً لِفَاعِلِهَا وَقِيلَ مِنَ الصِّلَةِ لِأَنَّهَا تَصِلُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ أُطْلِقَ هَذَا الِاسْمُ عَلَيْهَا بِطَرِيقِ النَّقْلِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَوْ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَازِرِيِّ وَالْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ وَجَمَاعَةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي وَجْهِ الْمجَاز فَقيل لما كَانَ الدُّعَاء جزءها وَهُوَ قَوْله تَعَالَى آمِرًا لَنَا {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيم} فَسُمِّيَتْ صَلَاةً مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ بِاسْمِ الْجُزْءِ وَقِيلَ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ لِأَنَّ كُلَّ مُصَلٍّ خَاضِعٌ مُتَذَلِّلٌ لِرَبِّهِ مُشْبِهٌ لِلدَّاعِي فِي ذَلِكَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا لَيْسَ فِي اللَّفْظِ نَقْلٌ وَلَا مَجَازٌ وَهُوَ مَذْهَبُهُ فِي سَائِرِ الْأَلْفَاظِ الشَّرْعِيَّةِ بَلْ لَفْظُ الصَّلَاةِ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ اللُّغَوِيَّةِ وَهِيَ الدُّعَاءُ فَإِذَا قِيلَ لَهُ الدُّعَاءُ لَيْسَ مُجْزِئًا وَحْدَهُ وَيَصِحُّ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
يَقُولُ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ؟ نقُول عَدَمُ الْإِجْزَاءِ لِدَلَالَةِ الْأَدِلَّةِ عَلَى ضَمِّ أُمُورٍ أُخْرَى لِلدُّعَاءِ لَا مِنْ لَفْظِ الصَّلَاةِ وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْأَوَّلِ فَهَلْ لَمَّا نَقَلَ الشَّرْعُ هَذَا اللَّفْظَ جَعَلَهُ مُتَوَاطِئًا لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ أَوْ جَعَلَهُ مُشْتَرِكًا كَلَفْظِ الْعَيْنِ فِي اللُّغَةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى مَا فِيهِ

(2/6)


الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَعَلَى مَا لَا رُكُوعَ فِيهِ وَلَا سُجُودَ كَصَلَاةِ الْجَنَازَةِ وَعَلَى مَا لَا تَكْبِيرَ فِيهِ وَلَا سَلَامَ كَالطَّوَافِ وَعَلَى مَا لَا حَرَكَةَ لِلْجِسْمِ فِيهِ كَصَلَاةِ الْمَرِيضِ الْمَغْلُوبِ وَلَيْسَ بَيْنَ هَذِهِ الصُّوَرِ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ فَيَكُونُ اللَّفْظ مُشْتَركا
قَاعِدَة تقربات الْعباد على ثَلَاثَة أَقْسَامٍ أَحَدُهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ كَالْمَعَارِفِ وَالْإِيمَانِ بِمَا يَجِبُ وَيَسْتَحِيلُ وَيَجُوزُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَثَانِيها حق للعباد فَقَطْ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ مُتَمَكِّنُونَ مِنْ إِسْقَاطِهِ وَإِلَّا فَكل حق للْعَبد فَفِيهِ حق الله تَعَالَى وَهُوَ أمره بإيصاله لمستحقه كاداء الدُّيُون ورد الغضوب والودائع وَثَالِثهَا حق لله تَعَالَى وَحقّ للعباد وَالْغَالِبُ مَصْلَحَةُ الْعِبَادِ كَالزَّكَوَاتِ وَالصَّدَقَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْأَمْوَالِ الْمَنْذُورَاتِ وَالْهَدَايَا وَالضَّحَايَا وَالْوَصَايَا وَالْأَوْقَافِ وَرَابِعُهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والعباد كالأذان فحقه تَعَالَى التَّكْبِيرَاتِ وَالشَّهَادَةِ بِالتَّوْحِيدِ وَحَقُّ رَسُولِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الشَّهَادَةُ لَهُ بِالرِّسَالَةِ وَحَقُّ الْعِبَادِ الْإِرْشَادُ لِلْأَوْقَاتِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَالْمُنْفَرِدِينَ وَالدُّعَاءُ لِلْجَمَاعَاتِ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِينَ وَالصَّلَاةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَالنِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّشَهُّدِ وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَتَوَابِعِهَا مِنَ التَّوَرُّكِ وَالْكَفِّ عَنِ الْكَلَامِ وَكَثِيرِ الْأَفْعَالِ وَعَلَى حَقِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالتَّسْلِيم وَالشَّهَادَةِ لَهُ بِالرِّسَالَةِ وَعَلَى حَقِّ الْمُكَلَّفِ وَهُوَ دُعَاؤُهُ لِنَفْسِهِ بِالْهِدَايَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَغَيْرِهَا وَالْقُنُوتُ وَدُعَاؤُهُ فِي السُّجُودِ وَالْجُلُوسِ لِنَفْسِهِ وَقَوْلُهُ سَلام عَلَيْنَا وَعَلَى حَقِّ الْعِبَادِ كَالدُّعَاءِ لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ والقنوت وَطَلَبِ الْإِعَانَةِ وَالسَّلَامِ عَلَى

(2/7)


عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَالسَّلَامِ عَلَى الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالتَّسْلِيمِ آخِرَ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَاضِرِينَ فَلِذَلِكَ كَانَتِ الصَّلَاةُ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ بَعْدَ الْإِيمَانِ
تَمْهِيدٌ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ كَانَ الْمَفْرُوضُ مِنَ الصَّلَاةِ قبل الْخمس رَكْعَتَيْنِ غدوا وَرَكْعَتَيْنِ عشيا مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يُصَلِّي بِمَكَّةَ تِسْعَ سِنِينَ وَفُرِضَتِ الْخَمْسُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ مَسْلَمَةَ مِنْ أَصْحَابنَا فرض الصَّلَوَات الْخمس نَاسخ لما كَانَ يَجِبُ عَلَى النَّاسِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَقِيلَ وُجُوبُهُ لَمْ يُنْسَخْ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي خَاصَّتِهِ قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ لَمْ تَخْتَلِفِ الْآثَارُ وَلَا الْعُلَمَاءُ فِي أَن الصَّلَاة أَنَّهَا فرضت بِمَكَّة لَيْلَة الْإِسْرَاء أَتَى جِبْرِيلُ مِنَ الْغَدِ لِصَبِيحَةِ الْإِسْرَاءِ فَصَلَّى بِهِ الصَّلَوَاتِ لِأَوْقَاتِهَا فِي يَوْمَيْنِ لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ فَرْضِهَا فَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أُكْمِلَتْ صَلَاةُ الْحَضَرِ أَرْبَعًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَبَعْضُ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ الزِّيَادَةُ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فُرِضَتْ أَرْبعا أَرْبعا إِلَّا الْمغرب فرضت ثَلَاثًا وَالصُّبْحَ رَكْعَتَيْنِ وَيُعَضِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {فَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تقصرُوا من الصَّلَاة} وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّمَا هِيَ صَدَقَهٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ يَعْنِي الْقَصْرَ وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ قَالَ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ

(2/8)


عَنْهَا أصح إِسْنَادًا وَالْجَوَاب لَهُ عَن النُّصُوص أَن ذَلِك بَعْدَ الْإِتْمَامِ بِالْمَدِينَةِ وَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {حَافظُوا على الصَّلَوَات} وَقَوله تَعَالَى {أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس} وَهِي الظّهْر وَالْعصر ((إِلَى غسق اللَّيْل)) الْمغرب وَالْعشَاء ((وَقُرْآن الْفجْر)) الصُّبْحُ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فِي جَمَاعَةٍ وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمُوَطَّأِ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَمَنْ جَاءَ بِهن لم يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ لم يَأْتِ بِهن فَلَيْسَ لَهُ عِنْد الله عَهْدٌ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجنَّة وَفِي التِّرْمِذِيّ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ فَإِنِ انْتُقِصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكْمِلُ بِهَا مَا انْتُقِصَ مِنَ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ وَفِي الْكِتَابِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ بَابا

(2/9)


(الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الْأَوْقَاتِ)
وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ التَّوْقِيتِ وَهُوَ التَّحْدِيدُ وَسُمِّيَ الزَّمَانُ وَقْتًا لَمَّا حُدِّدَ بِفِعْلٍ مُعَيَّنٍ فَكُلُّ وَقْتٍ زَمَانٌ وَلَيْسَ كُلُّ زَمَانٍ وَقْتًا وَالزَّمَانُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ اقْتِرَانُ حَادِثٍ بِحَادِثٍ قَالَ الْمَازِرِيُّ إِنِ اقْتَرَنَ خَفِيٌّ بِجَلِيٍّ سُمِّيَ الْجَلِيُّ زَمَانًا نَحْوَ جَاءَ زيد طُلُوع الشَّمْس فطلوع الشَّمْس زمَان المجئ إِذَا كَانَ الطُّلُوعُ مَعْلُومًا وَالْمَجِيُّ خَفِيًّا وَلَوْ خَفِيَ طُلُوعُ الشَّمْسِ عِنْدَ ضَرِيرٍ أَوْ مَسْجُونٍ قلت لَهُ تطلع الشَّمْس عِنْد مجئ زيد فَيكون المجي زَمَانَ الطُّلُوعِ وَقِيلَ هُوَ حَرَكَاتُ الْفَلَكِ فَإِذَا تحرّك الْفلك بالشمس على أفقها فَهُوَ النَّهَارُ أَوْ تَحْتَهُ فَهُوَ اللَّيْلُ وَقَدْ نَصَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَزْمَانَ أَسْبَابًا كَمَا نَصَبَ الْأَوْصَافَ وَفِيهَا سَبْعَةُ فُصُولٍ

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي أَقْسَامِهَا
قَالَ صَاحِبُ التَّلْقِينِ وَهِيَ تَنْقَسِمُ إِلَى وَقْتِ أَدَاءٍ وَوَقْتِ قَضَاءٍ وَإِلَى

(2/10)


مَا لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَلَا تَأْخِيرُهُ كَوَقْتِ الصُّبْحِ وَإِلَى مُوَسَّعٍ كَوَقْتِ الظُّهْرِ وَمُضَيَّقٍ كَوَقْتِ الْمَغْرِبِ وَإِلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْفَوَاتُ كَوَقْتِ الصُّبْحِ وَإِلَى مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْفَوَاتُ كَوَقْتِ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ فَإِنَّ الظُّهْرَ يَكُونُ أَدَاءً إِلَى الْغُرُوبِ وَالْمَغْرِبَ إِلَى الْفَجْرِ وَبَقِيَ عَلَيْهِ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ وَفِي الْجَوَاهِرِ هُوَ أَرْبَعَةٌ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبْحَ وَبَعْدَ الصَّلَاةِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى الْغُرُوبِ وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ النَّاسُ وَلَا يَلْحَقُ بِهَا الزَّوَالُ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ وَيَلْحَقُ عَلَى رِوَايَةٍ وَالْمُسْتَنَدُ مَا فِي مُسلم أَنه قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لَا تَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا فَتُصَلُّوهَا عِنْدَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَفِي مُسْلِمٍ ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوتَانا حَتَّى تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ وَحِينَ تَقُومُ قَائِمَةُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ وَحِينَ تُضِيفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْكِتَابِ وَمَا أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْفَضْلِ إِلَّا وَهُمْ يهجرون وَيُصَلُّونَ فِي نِصْفِ النَّهَارِ وَكَرِهَهُ الشَّافِعِيُّ إِلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهَذِهِ الْآثَارُ مُعَارِضَةٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي مُسْلِمٍ مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ وَقتهَا وَهَذَا عَام فِي المفروضات الْمَنْسِيَّاتِ وَالْأَوَّلُ عَامٌّ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ

(2/11)


وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ فَلَا جَرَمَ اسْتُثْنِيَتِ الْفَوَائِتُ وَمَا كَانَ مُؤَكَّدًا كَرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ لِتَأَكُّدِهِ بِالْعَادَةِ وَالنَّهْيُ نَهْيُ كَرَاهَةٍ فَيُصَلِّي الْقِيَامَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ الْجَنَائِزُ وَسُجُود التِّلَاوَة بعد الصُّبْح وَالْعصر وَقيل الْحمرَة على مَا فِي الْكتاب وَالْمَنْع فِيهَا فِي الْمُوَطَّأِ وَتَخْصِيصُ الْجَوَازِ بِمَا بَعْدَ الصُّبْحِ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ أَمَّا إِذَا خَشِيَ عَلَى الْمَيِّت صَلَّى عَلَيْهِ مُطْلَقًا تَقْدِيمًا لِلْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ صَوْنُ الْمَيِّتِ عَنِ الْفَسَادِ عَلَى الْمَكْرُوهِ الَّذِي هُوَ الْوَقْتُ قَالَ صَاحِبُ التَّلْقِينِ وَوَقْتُ الْأَدَاءِ يَنْقَسِم خَمْسَةِ أَضْرُبٍ وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَهُوَ أَوَّلُ الْأَوْقَاتِ وتوسعة وَهُوَ آخِره وَوَقْتُ عُذْرٍ وَهُوَ أَوْقَاتُ الْجَمْعِ لِلْمُسَافِرِ وَوَقْتٌ مُشَابِهٌ لِوَقْتِ الْفَضِيلَةِ وَوَقْتُ الضَّرُورَةِ وَهُوَ مَا قَبْلَ الْغُرُوبِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ أَوِ الشَّمْسِ لِأَرْبَابِ الْأَعْذَارِ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ وَقْتِ التَّوْسِعَةِ وَوَقْتِ الرُّخْصَةِ أَنَّ التَّأْخِيرَ إِلَى التَّوْسِعَةِ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَالتَّأْخِيرَ لِوَقْتِ الرُّخْصَةِ لَا يَجُوزُ إِلَّا لِعُذْرٍ لَوْلَاهُ لَمْ يَكُنْ إِمَّا حَظْرًا وَإِمَّا نَدْبًا وَيَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الظُّهْرِ مَثَلًا إِلَى آخِرِ الْقَامَةِ الْأُولَى مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا يَجُوزُ بَعْدَ الْقَامَةِ إِلَّا لِعُذْرٍ لَوْلَاهُ لَكَانَ آثِمًا عَلَى الْمَشْهُورِ وَإِنْ كَانَ مُؤَدِّيًا أَوْ مُضَيِّعًا لِمَنْدُوبٍ عَلَى غَيْرِ الْمَشْهُورِ فِي مُتَعَمِّدِ تَأْخِيرِ الظُّهْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ إِمَّا حَظْرًا وَإِمَّا نَدْبًا

الْفَصْلُ الثَّانِي فِي وَقْتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ
وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَهِيَ شِدَّةُ الْحَرِّ يُقَالُ ظُهْرٌ وَظَهِيرَةٌ فَكَأَنَّهُ وَقْتُ ظُهُورِ مَيْلِ

(2/12)


الشَّمْسِ أَوْ غَايَةِ ارْتِفَاعِهَا لِأَنَّ الْمُرْتَفِعَ ظَاهِرٌ أَوْ لِأَنَّ وَقْتَهَا أَظْهَرُ الْأَوْقَاتِ بِسَبَبِ الظِّلِّ وَتُسَمَّى الْهَجِيرَةَ مِنَ الْهَاجِرَةِ وَهِيَ شِدَّةُ الْحَرِّ وَتُسَمَّى الْأُولَى لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا جِبْرِيلُ برَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلذَلِك بَدَأَ الْعلمَاء بهَا فِي التصنيف وَأَوَّلُ وَقْتِهَا الزَّوَالُ وَهُوَ نُزُولُ الشَّمْسِ عَنْ وسط السَّمَاء وعلامته زِيَادَةُ الظِّلِّ بَعْدَ نُقْصَانِهِ
تَنْبِيهٌ قَدْ يُعْلَمُ من غير زِيَادَة الظل لَكِن يحزر خَطًّا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُسَامِتًا لِخَطِّ الزَّوَالِ فِي السَّمَاءِ بِالطُّرُقِ الْمَعْلُومَةِ عِنْدَ أَرْبَابِ الْمَوَاقِيتِ وَيَضَع فِيهِ قَائِما وَعند الزَّوَالِ يَخْرُجُ ظِلُّ الْقَائِمِ مِنَ الْخَطِّ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ الظِّلِّ خُصُوصًا فِي الصَّيْفِ فَهَذَا أَوَّلُ الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ إِلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ بَعْدَ الظِّلِّ الَّذِي زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ آخِرُ الِاخْتِيَارِيِّ إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثيله

الْفَصْل الثَّالِث فِي وَقت صَلَاة الْعَصْر
وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْعَشِيِّ فَإِنَّهُ يُسَمَّى عَصْرًا وَقِيلَ مِنْ طَرَفِ النَّهَارِ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ طَرَفٍ مِنَ النَّهَارِ عَصْرًا وَفِي الْحَدِيثِ حَافِظُوا عَلَى الْعَصْرَيْنِ صَلَاةٌ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلَاةٌ قَبْلَ غُرُوبِهَا يُرِيدُ الصُّبْحَ وَالْعَصْرَ وَأَوَّلُ وَقْتِهَا إِذا

(2/13)


صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَوَقْتُ الْفَضِيلَةِ مِنْهُ مَا دَامَتِ الشَّمْسُ نَقِيَّةً وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ مَا رَأَيْتُ مَالِكًا يُحَدِّدُ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ قَامَتَيْنِ بَلْ يَقُولُ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ الْفَضِيلَةَ إِلَى الْقَامَتَيْنِ بَعْدَ زِيَادَةِ ظِلِّ الزَّوَالِ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ فَإِنَّ الشَّمْسَ حِينَئِذٍ تَكُونُ نَقِيَّةً قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَلِأَصْحَابِنَا أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا قَبْلَ انْتِهَاءِ الْقَامَةِ الْأُولَى بِقَدْرِ أَربع رَكْعَات فِي الْعَصْرِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ وَصلى فِي الْعَصْر حِين صَار ظلّ كل شَيْء مثله وَاللَّفْظ ظَاهر من الْجُمْلَةِ وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلُ وَقْتِهَا آخِرُ الْقَامَتَيْنِ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ عَنِ الْقَاسِم بن مُحَمَّد مَا أَدْرَكْنَا النَّاسَ إِلَّا وَهُمْ يُصَلُّونَ الْعَصْرَ بِعَشِيٍّ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْعَصْرَ بَعْدَ الْقَامَتَيْنِ وَهُوَ معَارض بِحَدِيث جِبْرِيلَ فَإِنْ صَلَّى الْعَصْرَ قَبْلَ الْقَامَةِ الْأُولَى لَا يجْزِيه وَقَالَ أَشْهَبُ أَرْجُو إِنْ صَلَّى الْعَصْرَ قَبْلَ الْقَامَة وَالْعشَاء قبل الشَّفق أَن يجْزِيه وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ قَدْ يُصَلِّيهمَا كَذَلِك عِنْد رحيله وَلِأَنَّ الْقَامَةَ الْأُولَى لَوْ لَمْ تَكُنْ وَقْتًا لَهَا لَمَا جَازَ تَقْدِيمُهَا لِلْعُذْرِ
فَائِدَةٌ مَنْ علم وَقت الظّهْر علم وَقت الْعَصْر بِأَن يَزِيدُ عَلَى ظِلِّ الزَّوَالِ سِتَّةَ أَقْدَامٍ وَنِصْفًا بِقَدَمِهِ فَإِنَّهُ قَامَةُ كُلِّ أَحَدٍ غَالِبًا وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ ظِلَّ الزَّوَالِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ أبي زيد من غلق يَدَهُ وَجَعَلَهَا بَيْنَ نَحْرِهِ عَلَى تَرْقُوَتِهِ وَبَيْنَ حَنَكِهِ وَخِنْصَرِهِ مِمَّا يَلِي

(2/14)


التَّرْقُوَةَ وَاسْتَقْبَلَ الشَّمْسَ قَائِمًا لَا يَرْفَعُ حَاجِبَيْهِ فَإِنْ رَأَى قُرْصَ الشَّمْسِ فَقَدْ دَخَلَ الْعَصْرُ وَإِنْ كَانَ قُرْصُهَا عَلَى حَاجِبَيْهِ لَمْ يَدْخُلْ وَيُعْرَفُ الظُّهْرُ بِأَنْ تَضْرِبَ وَتَدًا فِي حَائِطٍ تَكُونُ الشَّمْسُ عَلَيْهِ عِنْدَ الزَّوَالِ فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ انْظُرْ طَرَفَ ظِلِّ الْوَتَدِ وَاجْعَلْ فِي يَدِكَ خَيْطًا فِيهِ حَجَرٌ مُدَلًّى مِنْ أَعْلَى الظِّلِّ فَإِذَا جَاءَ الْخَيْطُ عَلَى طَرَفِ الظِّلِّ فَخُطَّ مَعَ الْخَيْطِ خَطًّا طَوِيلًا فَإِنَّهُ يَكُونُ خَطًّا لِلزَّوَالِ أَبَدَ الدَّهْرِ فَمَتَى وَصَلَ ظِلُّ ذَلِكَ الْوَتَدِ إِلَيْهِ فَقَدْ زَالَتِ الشَّمْسُ فَفِي الشتَاء يصل إِلَيْهِ أَسْفَل وَفِي الصَّيف يصل إِلَيْهِ فَوْقَ

الْفَصْلُ الرَّابِعِ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ
وَهِي مشقة مِنَ الْغُرُوبِ وَلَا تُسَمَّى عِشَاءً لُغَةً وَلَا شرعا وَفِي الصَّحِيحِ النَّهْيُ عَنْ تَسْمِيَتِهَا عِشَاءً قَالَ فِي الْكِتَابِ وَقْتُهَا غُرُوبُ قُرْصِ الشَّمْسِ دُونَ الشُّعَاعِ إِلَى حِينِ الْفَرَاغِ مِنْهَا لِلْمُقِيمِينَ وَيَمُدُّ الْمُسَافِرُ الْمَيْلَ وَنَحْوَهُ وَرِوَايَةُ الْمُوَطَّأِ إِلَى الشَّفَقِ وَهُوَ اخْتِيَار الْبَاجِيّ وَأبي حنيفَة وَوَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ امْتِدَادُ وَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيِّ لِقَوْلِهِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ فِي الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ قَرْيَتِهِ يُرِيدُ قَرْيَةً أُخْرَى وَهُوَ غَيْرُ مُسَافِرٍ وَعَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ إِنْ طَمِعَ فِي إِدْرَاكِ الْمَاءِ قَبْلَ الشَّفَقِ أَخَّرَ الصَّلَاةَ حُجَّةُ الْمَشْهُورِ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى إِقَامَتِهَا فِي سَائِرِ

(2/15)


الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَلَوْ كَانَ مُمْتَدًّا لَفَعَلْتَ فِيهَا مَا تَفْعَلُهُ فِي الظُّهْرِ وَغَيْرِهَا مِنَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ إِنَّ إِجْمَاعَهُمْ لِوُقُوعِ الْخِلَافِ فِي امْتِدَادِ وَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيّ احْتِيَاطًا لِأَن وَقْتُهَا غَيْرَ مُمْتَدٍّ وَهَذَا بِخِلَافِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَحَدِيثُ جِبْرِيلَ فِي كَوْنِهِ صَلَّى بِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْمَغْرِبَ فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ حجَّة الثَّانِي مَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ حُمْرَةُ الشَّفَقِ وَالْقِيَاسُ عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى عَدَمِ امْتِدَادِ وَقْتِهَا فَمَا حَدُّهُ؟ فَعِنْدَنَا مَا تقدم وللشافعية قَولَانِ إِحْدَاهمَا يُعْتَبَرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ الطَّهَارَةُ وَلُبْسُ الثِّيَابِ وَالْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ وَفِعْلُ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهِيَ قَضَاءٌ أَوْ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ فَقَدْ أَحْرَمَ فِي الْوَقْتِ وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ غَيْرُ مَمْدُودٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ امْتِدَادِهَا إِلَى مَغِيبِ الشَّفق لما فِي الْمُوَطَّأ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ وَقَرَأَ بِالْمُرْسَلَاتِ قَالَ وَهَذَا مِمَّا يُقَوي امتداد وَقتهَا لانه لايجوز امتداد وَقتهَا إِلَى بَعْدِ الشَّفَقِ قَالَ وَإِذَا قُلْنَا بِالِامْتِدَادِ وَالِاشْتِرَاكِ فَهَل تخص الْعِشَاءُ قَبْلَ الشَّفَقِ بِمِقْدَارِ فِعْلِهَا؟ أَوْ تَمْتَدُّ بَعْدَ الشَّفَقِ بِمِقْدَارِ الْمَغْرِبِ؟ وَهَلْ يُجْزِئُ تَقْدِيمُ الْعِشَاءِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ؟ وَهَلْ يَأْثَمُ بِتَأْخِيرِ الْمغرب إِلَى بعد الشَّفق؟ يخْتَلف فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كَمَا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ

الْفَصْل الْخَامِس فِي وَقت الْعشَاء
وَالْعِشَاءُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ مَمْدُودًا أَوَّلُ الظَّلَامِ وَعَتَمَةُ اللَّيْل ثلثه وظلمته

(2/16)


وَأَعْتَمَ الْقَوْمُ إِذَا سَارُوا حِينَئِذٍ وَالْعَتَمَةُ أَيْضًا الْإِبْطَاءُ وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ كَانَ يَغْضَبُ وَيَصِيحُ إِذَا سَمِعَ مَنْ يُسَمِّيهَا الْعَتَمَةَ وَيَقُولُ إِنَّمَا هِيَ الْعِشَاءُ لِمَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لَا يَغْلِبَنَّكُمُ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ فَإِنَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْعشَاء وَإِنَّمَا تعتم بحلاب الْإِبِل والسهر فِي ذَلِك أَن الْعَادة أَن العظماء إِذا سموا شَيْئا باسم ايليق الْعُدُولُ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَنْقِيصِهِمْ وَالرَّغْبَةِ عَنْ صَنِيعِهِمْ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْظَمُ الْعُظَمَاءِ قَدْ سَمَّاهَا الْعشَاء فِي قَوْله تَعَالَى {عشَاء يَبْكُونَ} {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ} وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَهَذَا يَقْتَضِي الْجَوَازَ وَأَوَّلُ وَقْتِهَا مَغِيبُ الشَّفَقِ وَهُوَ الْحُمْرَةُ دُونَ الْبَيَاضِ لِقَوْلِ الْعَرَبِ هَذَا الثَّوْبُ أَشَدُّ حُمْرَةً مِنَ الشَّفَقِ وَلَوْ كَانَ الْبَيَاضُ لَمَا صَحَّ ذَلِكَ الْكَلَامُ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَا تُعْتَبَرُ الصُّفْرَةُ أَيْضًا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وروى ابْن الْقَاسِم عَنهُ أَيْضا أَن الْبيَاض الَّذِي يشك فِيهِ مَعَ الْحمرَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة مَغِيبُ الْبَيَاضِ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُصَلِّيهَا لِمَغِيبِ الْقَمَرِ لِثَلَاثٍ وَهَذَا رُبْعُ اللَّيْلِ وَيُعَضِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس إِلَى غسق اللَّيْل} وَالْغَسَقُ اجْتِمَاعُ الظُّلْمَةِ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَحَدِ النيرين

(2/17)


فَيَتَعَلَّقُ بِالثَّانِي مِنْهُمَا أَصْلُهُ صَلَاةُ الصُّبْحِ مَعَ الْفَجْرَيْنِ وَلِأَنَّ الشَّفَقَ مِنَ الشَّفَقَةِ وَهِيَ رِقَّةُ الْقَلْبِ فَكُلَّمَا كَانَ أَرَقَّ كَانَ أَوْلَى بِالِاسْمِ وَالْبَيَاضُ أَرَقُّ مِنَ الْحُمْرَةِ وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِصَلَاةٍ ضَرُورِيَّةٍ مِنَ الدِّينِ وَسَبَبُ الضَّرُورِيِّ لَا يَثْبُتُ الابيقين وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ جِبْرِيلَ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّهُ بَيَانٌ لِلْغَايَةِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّهُ عِبَادَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَحَدِ النَّيِّرَيْنِ فَيَتَعَلَّقُ بِأَقْرَبِهِمَا إِلَى الشَّمْسِ أَصْلُهُ الصُّبْحُ وَعَنِ الرَّابِعِ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ فَإِذَا غَابَ فَقَدْ وَجَبَتِ الصَّلَاةُ وَعَنِ الْخَامِسِ أَنَّهُ بَاطِلٌ بِإِثْبَاتِهِمْ آخِرَ وَقْتِ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إِجْمَاعٍ بَلْ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى خِلَافِهِمْ وَكَذَلِكَ أثبتوا وَقْتَ الْمَغْرِبِ إِلَى الشَّفَقِ وَوَقْتَ الظُّهْرِ آخِرَ الْقَامَتَيْنِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَفِي الْكِتَابِ يَمْتَدُّ وَقْتُهَا الِاخْتِيَارِيُّ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَكَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَعِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ إِلَى نِصْفِ اللَّيْل وَعند أبي حنيفَة اللَّيْلُ كُلُّهُ وَعِنْدَ النَّخَعِيِّ رُبْعُ اللَّيْلِ حُجَّةُ الثُّلُثِ حَدِيثُ جِبْرِيلَ حُجَّةُ النِّصْفِ رِوَايَةٌ فِيهِ وَمَا فِي الْمُوَطَّأ أَن عمر ابْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَن صل الْعشَاء مَا بَيْنك وَبَين ثلث اللَّيْل فَإِن أَخَّرْتَ فَإِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ

الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي وَقْتِ الصُّبْحِ
وَالصُّبْحُ وَالصَّبَاحُ أَوَّلُ النَّهَارِ وَقِيلَ مِنَ الْحُمْرَةِ الَّتِي عِنْدَ ظُهُورِهِ وَمِنْهُ

(2/18)


صَبَاحَةُ الْوَجْهِ لِحُمْرَتِهِ وَتُسَمَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ لِتَفَجُّرِ النُّورِ كَالْمِيَاهِ وَأَوَّلُ وَقْتِهَا طُلُوعُ الْفَجْرِ الْمُسْتَطِيرِ الصَّادِقِ وَهُوَ الثَّانِي وَلَا يُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ الْكَاذِبُ وَهُوَ الَّذِي لَا يَمْتَدُّ مَعَ الْأُفُقِ بَلْ يَطْلُبُ وَسَطَ السَّمَاءِ وَكَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ لَا يَعْرِفُ حَقِيقَتَهُ وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ عَامُّ الْوُجُودِ فِي سَائِرِ الْأَزْمِنَةِ وَهُوَ خَاصٌّ بِبَعْضِ الشِّتَاءِ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ الْمَجَرَّةُ فَمَتَى كَانَ الْفَجْرُ بِالْبَلْدَةِ وَنَحْوِهَا طَلَعَتِ الْمَجَرَّةُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَهِيَ بَيْضَاءُ فَيَعْتَقِدُ أَنَّهَا الْفَجْرُ فَإِذَا بَايَنَتِ الْأُفُقَ ظَهَرَ مِنْ تَحْتِهَا الظَّلَامُ ثُمَّ يَطْلُعُ الْفَجْرُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمَّا غَيْرُ الشِّتَاءِ فَيَطْلُعُ أَوَّلَ اللَّيْلِ أَو نصفه فَلَا يَطْلُعُ آخِرَهُ إِلَّا الْفَجْرُ الْحَقِيقِيُّ ثُمَّ يَمْتَدُّ وَقْتُهَا الِاخْتِيَارِيُّ إِلَى الْإِسْفَارِ وَهُوَ فِي الْكِتَابِ وَقِيلَ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَا يَصِحُّ عَنْ مَالِكٍ غَيْرُهُ وَجْهُ الْأَوَّلِ حَدِيثُ جِبْرِيلَ وَوَجْهُ الثَّانِي مَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ إِذا صليتم الْفجْر إِلَى أَن يطلع قرص الشَّمْسِ الْأَوَّلُ وَفِي رِوَايَةٍ وَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهَا مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ لِتَحْرِيمِ الطَّعَامِ عَلَى الصَّائِمِ وَهُوَ لَا يَحْرُمُ إِلَّا نَهَارا وَقَالَ الْأَعْمَش هِيَ من اللَّيْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَة النَّهَار مبصرة} وَآيَةُ النَّهَارِ هِيَ الشَّمْسُ وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ
صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ وَالصُّبْحُ لَيْسَتْ عَجْمَاءُ وَقَوْلُ أُميَّة بن أبي الصلث
(وَالشَّمْسُ تَطْلُعُ كُلَّ آخِرِ لَيْلَةٍ ... حَمْرَاءَ تُبْصِرُ لَوْنهَا يتوقد)

(2/19)


وَقَالَ الْمَازِرِيُّ قِيلَ هُوَ وَقْتُ بِدَايَةٍ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ وَعَنِ الْحَدِيثِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ هُوَ لَيْسَ بِحَدِيثٍ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ وَعَنِ الشِّعْرِ أَنَّ الْخَلِيلَ قَالَ النَّهَارُ أَوَّلُهُ مِنَ الْفَجْرِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالشَّمْسِ ضِيَاؤُهَا على حذف الْمُضَاف ويؤكد تَقْرِير هَذِه الْأَوْقَات حَدِيث جِبْرِيل فِي التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ
أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ فَصَلَّى بِيَ الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ وَكَانَتْ قَدْرَ الشِّرَاكِ وَصَلَّى بِيَ الْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُهُ وَصَلَّى بِيَ الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ وَصَلَّى بِيَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ وَصَلَّى بِيَ الْفَجْرَ حِينَ حَرُمَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ صَلَّى بِيَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُهُ وَصلى بِي الْعَصْر حِين كَانَ ظله مِثْلَيْهِ وَصَلَّى بِيَ الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ وَصَلَّى بِيَ الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَصَلَّى بِي الْفجْر فأسفر ثمَّ الْتفت إِلَيّ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ وَالْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُصَلِّي بِصَلَاةِ جِبْرِيلَ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
فُرُوعٌ سِتَّةٌ الْأَوَّلُ الِاشْتِرَاكُ عِنْدَنَا وَاقِعٌ فِي الْأَوْقَات خلافًا (ش. ح) وَابْنِ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِنَا لَنَا وُجُوهٌ أَحدهَا الْأَوْقَات الدَّالَّةُ عَلَى جَمْعِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ دُونَ غَيْرِهَا وَلَوْلَا الِاشْتِرَاكُ لَرُوعِيَتِ الضَّرُورَةُ فِي غَيْرِهَا كَمَا رُوعِيَتْ فِيهَا وَإِلَّا يلْزم نقض الْعلَّة لَا لِمُوجَبٍ وَثَانِيهَا أَنَّ أَرْبَابَ الضَّرُورَاتِ

(2/20)


يُدْرِكُونَ الصَّلَاتَيْنِ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَقَبْلَ الْفَجْرِ مَعَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مَا خَرَجَ وَقْتُهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ فَيَكُونُ وَقْتُهَا بَاقِيًا وَلَا مَعْنَى لِلِاشْتِرَاكِ إِلَّا ذَلِكَ ثَالِثُهَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَّنِي جِبْرِيلُ مَرَّتَيْنِ الْحَدِيثَ وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ صَلَّى بِهِ الْعَصْرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَصَلَّى بِهِ الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي ذَلِكَ الْوَقْتَ فَيَكُونُ مُشْتَرِكًا احْتَجُّوا بِحَدِيث عبد الله ابْن عمر وَفِيه وَقت الظّهْر مالم يَدْخُلْ وَقْتُ الْعَصْرِ وَبِحَدِيثِ جِبْرِيلَ وَأَنَّهُمَا يُوجِبَانِ حصر الْأَوْقَات وَأما أَوْقَات الضرورات فخاصة بِهِمْ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ فَلَا بُدَّ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى أَفْضَلِ الْأَوْقَاتِ وَالثَّانِي عَلَى مَا فِيهِ تَفْرِيطٌ أَوْ عُذْرٌ وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّ مَعْنَى اخْتِصَاصِ الْوَقْتِ بِأَرْبَابِ الضَّرُورَاتِ أَنَّهُمْ غَيْرُ مُقَصِّرِينَ فِيهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ مَا خرج وقته التَّفْرِيع إِذَا قُلْنَا بِالِاشْتِرَاكِ فَالْمَشْهُورُ الْمَنْقُولُ فِي الْجَوَاهِرِ أَنَّهُ خَاصٌّ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ وَقَالَ التُّونِسِيُّ الِاشْتِرَاكُ فِي آخِرِ الْقَامَةِ الْأُولَى بِقَدْرِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَمَنْشَأُ الْقَوْلَيْنِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
فَصَلَّى بِيَ الْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ إِنْ حَمَلْنَا الصَّلَاةَ على أَسبَابهَا وَهُوَ مَجَازٌ كَانَ الِاشْتِرَاكُ وَاقِعًا فِي الْقَامَةِ الثَّانِيَة أَو على أَحْكَامهَا وَهُوَ الْحَقِيقَة كَانَ الِاشْتِرَاك فِي آخر الأولى وَلَا يتَّجه فِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فَصَلَّى بِيَ الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ إِلَّا الِابْتِدَاءُ وَالْمَجَازُ وَيَكُونُ مِنْ إِطْلَاقِ لَفْظِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ وَكَذَلِكَ الْمَغْرِبُ وَالصُّبْحُ فَيَتَأَكَّدُ الْمَشْهُورُ بِهَذِهِ الصَّلَوَات قَالَ صَاحب التَّلْخِيص فَمَا بَيْنَ الْقَامَتَيْنِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ

(2/21)


مُشْتَرك بَين الصَّلَاتَيْنِ مقسوم بَينهَا بِقدر اشْتِرَاك مُسْتَقل بِذَاتِهِ قَالَ وَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ عِنْدَ الزَّوَالِ وَالْعَصْرَ بإثره لم تجب عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ عَلَى الْقَوْلِ بِالِاشْتِرَاكِ وَحَكَاهُ صَاحِبُ اللُّبَابِ وَقَالَ أَشْهَبُ الِاشْتِرَاكُ عَامٌّ فِي الثَّانِيَةِ بِدَلِيلِ أَرْبَابِ الضَّرُورَاتِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّلْقِينِ وَابْنُ الْقَصَّارِ وَغَيرهمَا تخْتَص الظُّهْرُ بِمِقْدَارِهَا عِنْدَ الزَّوَالِ وَالْعَصْرُ بِمِقْدَارِهَا عِنْدَ الْغُرُوبِ لِوُجُوبِ إِيقَاعِ الظُّهْرِ قَبْلَ الْعَصْرِ وَفَوَاتِ الظُّهْرِ مَعَ إِيجَابِ الْعَصْرِ آخِرَ النَّهَارِ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ وَعِنْدَ بَعْضِ الْأَصْحَابِ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ مُطْلَقًا وَبقول تَقَدُّمِ الظُّهْرِ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ لَا لِعَدَمِ الِاشْتِرَاكِ الثَّانِي قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ تَجِبُ الصَّلَاةَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وُجُوبًا مُوَسَّعًا مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَعند زفر يجب تَأْخِير الْوَقْتِ بِقَدْرِ مَا تَوَقَّعَ فِيهِ الصَّلَاةَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ يُكْتَفَى بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ مِنْهُمْ تَجِبُ إِمَّا بِالشُّرُوعِ أَوْ بِالتَّأْخِيرِ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بآخر الْوَقْتِ هَلْ هِيَ نَافِلَةٌ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَوْ مَوْقُوفَةٌ فَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ مُكَلَّفٌ أَثْبَتْنَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَإِلَّا كَانَتْ نَفْلًا وَرَوَى الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ مَنْ مَاتَ وَسَطَ الْوَقْتِ أَثِمَ وَعِنْدَنَا لَا يَأْثَمُ
قَاعِدَةٌ الْوَاجِبُ الْمُخَير وَالْمُوَسَّعُ وَالْكِفَايَةُ كُلُّهَا مُشْتَرِكَةٌ فِي أَنَّ الْوُجُوبَ

(2/22)


مُتَعَلِّقٌ بِأَحَدِ الْأُمُورِ فَفِي الْمُخَيَّرِ بِأَحَدِ الْخِصَالِ والموسع بِأحد الْأَزْمَان الكامنة بَيْنَ طَرَفَيِ الْوَقْتِ وَفِي الْكِفَايَةِ بِأَحَدِ الطَّوَائِفِ وَمَتَى تَعَلَّقَ الْوُجُوبُ بِقَدْرٍ مُشْتَرَكٍ كَفَى فِيهِ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهِ وَلَا يَتَعَيَّنُ الْإِخْلَالُ بِهِ إِلَّا بِتَرْكِ جَمِيعِ أَفْرَادِهِ فَلَا جَرَمَ خَرَجَ الْمُكَلف عَن الْعهْدَة بِأَيّ زمَان كَانَ منهلا إِلَّا بِتَرْكِ جَمِيعِهَا فَمَنْ لَاحَظَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ وَهُوَ الْحق قَالَ الْوَقْت كُله طرف الْوُجُوب لِتَحَقُّقِ الْمُشْتَرَكِ فِي جُمْلَةِ أَجْزَائِهِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ وَمَنْ لَاحَظَ أَنَّ الْوَقْتَ سَبَبٌ وَالْإِجْزَاءُ حَاصِلٌ بِالْفِعْلِ أَوَّلَ الْوَقْتِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ تَرَتُّبِ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا حُكِمَ بِأَنَّ أَوَّلَهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ وَمَنْ لَاحَظَ أَنَّ حَقِيقَةَ الْوَاجِبِ مَا يَلْحَقُ الْإِثْمُ بِتَرْكِهِ وَهَذَا إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ آخِرَ الْوَقْتِ قَالَ الْوُجُوبُ مُخْتَصٌّ بِهِ وَمن أشكلت عَلَيْهِ الْحجَّاج قَالَ بِالْوَقْفِ وَالْحق الأبلج معنى مَا تَقَدَّمَ فِي تَقْرِيرِ الْقَاعِدَةِ
فَرْعٌ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الَّذِي تَقْتَضِيهِ أُصُولُ مَذْهَبِ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْوَاجِب الْمُخَير إِلَّا لبدل وَهُوَ الْعَزْم على أَدَائِهَا فِي الْوَقْتِ لِأَنَّ مَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَلَمْ يَفْعَلْ وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَى الْفِعْلِ فَهُوَ مُعْرِضٌ عَنِ الْأَمْرِ بِالضَّرُورَةِ وَالْمُعْرِضُ عَنِ الْأَمْرِ عَاصٍ وَالْعَاصِي يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ وَاخْتَارَ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ عَدَمُ وُجُوبِ هَذَا الْعَزْمِ لِأَنَّ الْأَمْرَ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْفِعْلِ فَقَطْ وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُوبِ غَيره وَلِأَن الْبَدَل يقوم مقَام الْبَدَل فَيَلْزَمُ سُقُوطُ الْمَأْمُورِ بِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ الثَّالِثُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَا تَزَالُ الصَّلَاةُ أَدَاءً مَا بَقِيَ الْوَقْتُ الضَّرُورِيُّ لِأَنَّ الْأَدَاءَ إِيقَاع الْعِبَادَة فِي وَقتهَا الْمَحْدُود لَهَا وَلِهَذَا الْوَقْتُ مَحْدُودٌ لَهَا فَإِذَا تَعَمَّدَ التَّأْخِيرَ إِلَى آخر

(2/23)


الضَّرُورِيِّ لَا يَأْثَمُ عِنْدَ ابْنِ الْقَصَّارِ حَمَلًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ عَلَى إِدْرَاكِ الْأَدَاءِ وَالْمُؤَدِّي لَيْسَ بِآثِمٍ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ لَوْ قِيلَ بِالْإِثْمِ لَمْ يَبْعُدْ لِلتَّأْخِيرِ عَنِ الْوَقْتِ الْمَحْدُودِ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ قَالَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ تَعَمَّدَ التَّأْخِيرَ حَتَّى بَقِيَ زَمَانُ رَكْعَةٍ فَقَطْ أَنَّهُ عَاصٍ وَرَجَّحَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ الْأَوَّلَ مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْعِبَادَةَ تَسْقُطُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِالْأَعْذَارِ وَلَوْلَا أَنَّ الْوَقْتَ بَاقٍ لم يسْقط وَأَنْكَرَ الْإِجْمَاعَ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْقَصَّارِ يَأْبَاهُ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ اتَّفَقَ أَصْحَابُ مَالِكٍ عَلَى امْتِنَاعِ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ إِلَى مَا بَعْدَهُ مِنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ وَأَنَّهُ لَا تجوز إِلَّا لِضَرُورَةٍ وَهُوَ الْقَامَةُ فِي الظُّهْرِ وَالْقَامَتَانِ فِي الْعَصْرِ أَوْ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَمَغِيبُ الشَّفَقِ فِي الْمَغْرِبِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ لَهُ وَقْتَيْنِ وَانْقِضَاءُ نِصْفِ اللَّيْلِ فِي الْعِشَاءِ الأخيره والإسفار فِي الصُّبْح لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام
تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ الْحَدِيثَ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ فِي السَّلَفِ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ مُضَيِّعٌ لِصَلَاتِهِ وَإِنْ كَانَ مُؤَدِّيًا وَأَمَّا تَرْكُهَا حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ فَمِنَ الْكَبَائِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوف يلقون غيا}

(2/24)


الرَّابِعُ فِي التَّأْخِيرِ وَالتَّعْجِيلِ قَالَ فِي الْكِتَابِ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ فِي الشِّتَاءِ والصيف والفيء ذِرَاعٍ كَمَا أَمَرَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِي الله عَنهُ وَاسْتحبَّ الشَّافِعِي رَحمَه الله التَّعْجِيل أول الْوَقْت أَبُو حنيفَة التَّأْخِيرُ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ لِلْفَذِّ وَالْجَمَاعَةِ لَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ إِنَّ أَهَمَّ أُمُورِكُمْ عِنْدِي الصَّلَاةُ فَمَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ دِينَهُ وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ ثُمَّ كَتَبَ أَنْ صَلُّوا الظُّهْرَ إِذَا كَانَ الْفَيْءُ ذِرَاعًا إِلَى أَنْ يَكُونَ ظِلُّ أَحَدِكُمْ مِثْلَهُ حجَّة الشَّافِعِي مَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ صَلِّ الظّهْر إِذا زاغت الشَّمْس وَعَن أَبِي دَاوُدَ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُصَلِّي الظُّهْرَ إِذا زَالَت الشَّمْس وَكَانَ يشْعر بِالدَّوَامِ وَالْعَادَةِ وَفِيهِ أَيْضًا سُئِلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ فَقَالَ
الصَّلَاةُ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا حجَّة أبي حنيفَة مَا فِي الْمُوَطَّأ أَن أَبَا هُرَيْرَة سُئِلَ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَقَالَ لِلسَّائِلِ صَلِّ الظُّهْرَ إِذَا كَانَ ظِلُّكَ مِثْلَكَ وَالْعَصْرَ إِذا كَانَ ظلك مثليك وَجَوَاب الشَّافِعِي أَنَّ كِتَابَهُ لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ تَحْذِيرٌ عَنْ قبل الزَّوَال أَو يَخُصُّهُ بذلك فِي نَفسه جمعا بَين كِتَابَته وَعَن الثَّانِي أَن نعلم أَن الْأَذَان بعد الزَّوَال لِاجْتِمَاع النَّاس

(2/25)


وَالنَّفْل وَهَذِه سنة السّلف وَجَوَاب أبي حنيفَة عَمَّا فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ لَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ إِذَا كَانَ ظِلُّ الزَّوَالِ كَذَلِكَ أَوْ لَعَلَّهُ سُئِلَ عَنْ آخِرِ الْوَقْتِ فَلَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ عُمَرَ خِلَافٌ بَلْ قَوْلُ عُمَرَ أَرْجَحُ لِكَوْنِهِ إِمَامَ الْمُسْلِمِينَ وَأَكْثَرَ فَحْصًا عَنْ دِينِهِمْ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَالْفَيْءُ ذِرَاعٌ فَالْفَيْءُ لَا يُقَالُ إِلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ لِأَن الظل يفِيء للزِّيَادَة بَعْدَ النُّقْصَانِ أَيْ يَرْجِعُ وَأَمَّا الذِّرَاعُ فَقَالَ التُّونِسِيُّ هُوَ رُبْعُ الْقَامَةِ فَإِنَّهُ الْغَالِبُ مِنْ كُلِّ إِنْسَانٍ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ عِلَّةُ ذَلِكَ اجْتِمَاعُ النَّاسِ وَأَمَّا الْفَذُّ فَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُ وَكَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي الرِّسَالَةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَالْعِرَاقِيِّينَ فِيهِ وَفِي الْجَمَاعَةِ الْمُتَوَفِّرَةِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ قَلِيلًا لِأَنَّ مَسَاجِدَ الْجَمَاعَاتِ أَصْلٌ فِي الصَّلَوَاتِ وَمَا عَدَاهُمْ تَبَعٌ لَهُمْ
فَرْعٌ مُرَتَّبٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ ظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّ الذِّرَاعَ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ لِشِدَّةِ الْحَرِّ لذهابه بِهِ وَقَالَ أَشهب وَالشَّافِعِيّ يُؤَخر ذراعين لما فِي أبي دَاوُود إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَإِذَا اشْتَدَّ الْحر فأبردوا عَن الصَّلَاة قَالَ أَبُو دَاوُود حَتَّى رَأَيْنَا الْفَيْءَ فِي التُّلُولِ وَمَعْنَى الْإِبْرَادِ الدُّخُول

(2/26)


فِي وَقْتِ الْبَرْدِ نَحْوَ أَتْهَمَ وَأَنْجَدَ إِذَا دَخَلَ تِهَامَةَ وَنَجْدًا وَأَصْبَحَ وَأَمْسَى إِذَا دَخَلَ فِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ وَالتُّلُولُ جَمْعُ تَلٍّ وَهُوَ الرَّابِيَةُ وَفَيْحُ جَهَنَّمَ انْتِشَارُ حَرِّهَا وَأَصْلُهُ السِّعَةُ وَمِنْهُ مَكَانٌ أَفْيَحٌ وَأَرْضٌ فَيْحَاءُ أَيْ وَاسِعَةٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ جَهَنَّمَ حَقِيقَةً كَمَا رُوِيَ إِنَّ النَّارَ اشْتَكَتْ إِلَى رَبِّهَا أَنْ قَدْ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا فِي نَفَسَيْنِ نَفَسٌ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٌ فِي الصَّيْفِ فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَهُ مِنَ الْحَرِّ فِي الصَّيف فَهُوَ من نَفسهَا وَأَشد مَا تَرَوْنَهُ مِنَ الْبَرْدِ فِي الشِّتَاءِ فَهُوَ مِنْهَا وَقِيلَ أَرَادَ التَّشْبِيهَ وَاخْتُلِفَ فِي إِبْرَادِ الْفَذِّ فَقَالَ ابْن حبيب لَا يبرد وَاشْترط الشَّافِعِي فِي الْإِبْرَادِ أَرْبَعَةَ شُرُوطٍ الِاجْتِمَاعُ فِي الْمَسْجِدِ وَشِدَّةُ الْحَرِّ وَالْبِلَادُ الْحَارَّةِ كَالْحِجَازِ وَبَعْضِ الْعِرَاقِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي إِتْيَانِ النَّاسِ الْمَسْجِدَ مِنْ بَعْدُ وَاخْتَارَ الْبَاجِيُّ إِلْحَاقَ الْفَذِّ بِالْجَمَاعَةِ بِجَامِعِ الْحر المشغل عَن مَقَاصِد الصَّلَاة قَالَ كالأحوال النَّفْسَانِيَّةِ نَحْوِ إِفْرَاطِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ مَعَهُمَا
فَرْعٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ لَا تُؤَخَّرُ الْعَصْرُ عَنْ وَقْتِهَا مِثْلُ الظُّهْرِ قَالَ الْبَاجِيُّ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهَا تُدْرِكُ النَّاسَ مُتَأَهِّبِينَ بِخِلَافِ الظُّهْرَ فَإِنَّهَا تَأْتِي وَقْتَ قَائِلَةٍ وَدَعَةٍ وَسَوَّى فِي التَّلْقِينِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ فِي النَّوَادِرِ لِتَحْصِيلِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَرَوَى مَالِكٌ وَمُسلم الَّذِي تفوته صَلَاة الْعَصْر فكأنهما وتر أَهله وَمَا لَهُ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَتَرْتُ الرَّجُلَ إِذَا قَتَلْتَ لَهُ قَتِيلًا وَأَخَذْتَ مَالَهُ وَقَالَ

(2/27)


الْخَطَّابِيُّ وُتِرَ نُقِصَ وَبَقِيَ وِتْرًا وَلِأَنَّ النَّفْلَ بَعْدَهَا مَمْنُوعٌ فَتُؤَخَّرُ حَتَّى يَتَنَفَّلَ النَّاسُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ تُؤَخَّرُ مَا دَامَتِ الشَّمْسُ نَقِيَّةً وَأَمَّا الْمَغْرِبُ فَيُتَعَجَّلُ أَوَّلُ وَقْتِهَا لِلْعَمَلِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْمُبَادَرَةُ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا الْعِشَاءُ فَقَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا لِئَلَّا تَفُوتَ النَّاسَ بِسَبَبِ اشْتِغَالِهِمْ بِأَعْشِيَتِهِمْ وَلَا تُؤَخَّرُ جِدًّا وَقَدْ أَنْكَرَ فِي الْكِتَابِ تَأْخِيرَهَا إِلَى ثلث اللَّيْل خلافًا (ش وح) وَرَوَى الْعِرَاقِيُّونَ تَأْخِيرَهَا لِذَلِكَ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ مَكَثْنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ نَنْتَظِرُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لصَلَاة الْعشَاء خرج عَلَيْنَا حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا أَدْرِي أَشَيْءٌ شَغَلَهُ فِي أَهْلِهِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَقَالَ حِينَ خَرَجَ إِنَّكُمْ تَنْتَظِرُونَ صَلَاةً مَا يَنْتَظِرُهَا أَهْلُ دِينٍ غَيْرُكُمْ وَلَوْلَا أَنْ يَثْقُلَ عَلَى أُمَّتِي لَصَلَّيْتُ بِهِمْ هَذِهِ السَّاعَةَ ثُمَّ أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَهَذَا الْحَدِيثُ كَمَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّأْخِيرِ يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ التَّأْخِيرِ لِانْتِفَاءِ ذَلِكَ فَإِنَّ لَوْلَا تَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الشَّيْءِ لِوُجُودِ غَيْرِهِ وَلِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فَلَا أَدْرِي أَشَيْءٌ شَغَلَهُ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَادَتَهُمْ خِلَافُ ذَلِكَ وَفِي الْجَوَاهِرِ قِيلَ تَقْدِيمُهَا أَفْضَلُ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بالتقديم إِن اجْتمع النَّاس وينتظرون إِن أبطأوا وَاسْتَحَبَّ ابْنُ حَبِيبٍ تَأْخِيرَهَا فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ قَلِيلا لطول اللَّيْل وَفِي ليَالِي رَمَضَان أَكثر من ذَلِكَ تَوْسِعَةً عَلَى النَّاسِ فِي الْإِفْطَارِ وَأَمَّا الصُّبْح فتعجيلها أفضل على ظَاهر الْكتاب عِنْد الشَّافِعِي خلافًا (ح) مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْوَاقِعَ مِنَ التَّغْلِيسِ كَانَ لضَرُورَة أَنهم أَرْبَابُ ضَرُورَاتٍ فِي أَعْمَالِهِمْ وَفِلَاحَتِهِمْ وَأَنَّ الْأَصْلَ

(2/28)


التَّأْخِيرُ لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَهُوَ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ صَلَّى حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ ثُمَّ قَالَ مَا صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَذِهِ الصَّلَاةَ هَذَا الْوَقْتَ إِلَّا فِي هَذِهِ اللَّيْلَة فِي هَذَا الْمَكَان يعْنى يَوْم الْجمع فِي الْحَجِّ لَنَا مَا فِي مُسْلِمٍ سُئِلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ فَقَالَ الصَّلَاةُ لأوّل وَقتهَا وَمَا فِي أبي دَاوُود أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ وَآخِرُهُ عَفْوُ اللَّهِ وَمَا فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَ نِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ يَشْهَدْنَ الْفَجْرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ مَا يُعْرَفْنَ مِنَ الْغَلَس والتلفع التلفف والمرط الكساء الغليظ وَكَانَ يشْعر بِالدَّوَامِ وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ لَيْلًا فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَلَوْلَا التَّغْلِيسُ لَمَا حَسُنَ تَقْدِيمُ الْأَذَانِ وَفِي أبي دَاوُود أَنه عَلَيْهِ السَّلَامُ أَسْفَرَ مَرَّةً بِالصُّبْحِ ثُمَّ لَمْ يَعُدْ إِلَى الْإِسْفَارِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى تَعَدِّي وَقْتِ الظَّنِّ إِلَى وَقْتِ الْيَقِينِ وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ وَلَمْ يَقُلْ أَسْفِرُوا بِالصَّلَاةِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ إِذَا ثَبَتَ أَنَّ التَّغْلِيسَ أَفْضَلُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فِعْلُهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ فِي الْإِسْفَارِ أَفْضَلُ مِنَ التَّغْلِيسِ مُنْفَرِدًا لِأَنَّ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى فَضِيلَةِ الْوَقْتِ بِدَلِيلِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لَيْلَةَ الْمَطَرِ

(2/29)


تَمْهِيدٌ الْأَصْلُ أَنَّ الْمُبَادَرَةَ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ إِظْهَارِ الطَّوَاعِيَةِ وَالْأَمْنِ مِنْ تَفْوِيتِ مَصْلَحَةِ الْعِبَادَةِ إِلَّا أَنْ يَقُومَ مُعَارِضٌ رَاجِحٌ كَالْحَرِّ فَإِنَّ الْإِبْرَادَ مُقَدَّمٌ عَلَى مَصْلَحَةِ الْعِبَادَةِ لِأَنَّ الْمَشْيَ فِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ يُذْهِبُ الْخُشُوعَ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ أَوْصَافِ الصَّلَاةِ وَلِهَذَا أُمِرْنَا بِالْمَشْيِ إِلَى الْجَمَاعَةِ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَإِنْ فَاتَتِ الْمُبَادِرَةُ وَصَلَاةُ الْجَمَاعَةِ وَبَرَكَةُ الِاقْتِدَاءِ وَهَذَا عَمَّمَهُ الشَّرْعُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَلِذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ إِذَا تَعَارَضَ الشُّغْلُ وَالصَّلَاةُ فَالْأَخْيَارُ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَقْدِيمِ الشُّغْلِ لِيَتَفَرَّغَ لِلْخُشُوعِ وَقَالَ غَيْرُهُ يَنْبَغِي أَنْ تُؤَخَّرَ الصَّلَاةُ بِكُلِّ مُشَوِّشٍ وَيُؤَخِّرُ الْحَاكِمُ الْحُكْمَ لِأَجْلِهِ كَإِفْرَاطِ الظَّمَأِ وَالْجُوعِ وَالْحُقْنَةِ لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الصَّحِيحِ
إِذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ وَالصَّلَاةُ زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ
وَأَحَدُكُمْ صَائِمٌ فَلْيَبْدَأْ بِالْعَشَاءِ
تَتِمَّةٌ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَمْ أَرَ مَالِكًا يُعْجِبُهُ هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّيَ الصَّلَاةَ وَمَا فَاتَتْهُ وَلَمَا فَاتَهُ مِنْ وَقْتِهَا أَعْظَمُ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى النَّاسَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَتَمَكَّنَ الْوَقْتُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُرِيدُ لَمْ يَكُنْ يَأْخُذُ بِعُمُومَهِ لَكِن يُرَاعِي أَوَّلَ الْوَقْتِ فِي الْجُمْلَةِ وَلِأَنَّ رَاوِيَ هَذَا

(2/30)


الْحَدِيثِ مِنَ الْمُرْجِئَةِ فَلَا يَأْخُذُ مَالِكٌ بِحَدِيثِهِ الْخَامِسُ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى فِيهَا تِسْعَةُ مَذَاهِبَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ هِيَ الصُّبْحُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيّ وَالظُّهْرُ عِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَالْعَصْرُ عِنْدَ أبي حنيفَة وَالْمَغْرِبُ عِنْدَ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ قَالَ وَقِيلَ الْعِشَاءُ وَقِيلَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَقِيلَ مُبْهَمَةٌ فِي الْخَمْسِ كَمَا أُخْفِيَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَسَاعَةُ الْجُمُعَةِ قَالَ وَلَوْ قِيلَ إِنَّهَا الْجُمُعَةُ لَاتَّجَهَ وَنَقَلَهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ غَيْرِهِ وَنَقَلَ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا الْعَصْر وَالصُّبْح وَالْوُسْطَى مُؤَنّثَة أَوسط أما من الْفَضِيلَة فَلقَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا} {وَقَالَ أوسطهم} أَوْ مِنَ التَّوَسُّطِ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ وَهُوَ مُشْتَرِكٌ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَالصُّبْحُ أَحَقُّ بِالْمَعْنَيَيْنِ أَمَّا الْفَضْلُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفجْر كَانَ مشهودا} وَفِي الصَّحِيحَيْنِ تَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مشهودا} وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَامُ
لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْح لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا دَلِيلُ

(2/31)


فَضْلِهِمَا وَالصُّبْحُ أَفْضَلُهُمَا لِمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّهَا قَامَ نصف لَيْلَة وَمن صلى الصُّبْح فِي جمَاعَة فَكَأَنَّهَا صلى اللَّيْل كُله فَتكون الصُّبْح أفضل الْخمس وَلِأَنَّهَا أَكثر مشقة وَتَأْتِي فِي وَقت الرَّغْبَةِ عَنِ الصَّلَاةِ إِلَى النَّوْمِ فَتَكُونُ أَقْرَبَ للتضييع فيناسب الاهتمام بالحث على حفظهَا لتخصصها بِالذِّكْرِ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ فَتَكُونُ هِيَ الْمُرَادَةُ مِنْهُ وَأَمَّا التَّوَسُّطُ بِاعْتِبَارِ الْوَقْتِ فَلِأَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ عَمَّا قَبْلَهَا وَعَمَّا بَعْدَهَا عَنِ الْمُشَارَكَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا حُجَّةُ الظُّهْرِ تَوَسُّطُهَا وَقْتَ الظَّهِيرَةِ وَحُجَّةُ الْعَصْرِ مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام يَوْمَ الْأَحْزَابِ شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مَلَأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا أَوْ أَنَّهَا تَأْتِي فِي وَقْتِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَتَضِيعُ فنبه على الْمُحَافظَة عَلَيْهَا كَمَا قَالَ فِي الْجُمُعَةِ {وَذَرُوا الْبَيْعَ} حُجَّةُ الْمَغْرِبِ تَوَسُّطُ عَدَدِهَا بَيْنَ الثُّنَائِيَّةِ وَالرُّبَاعِيَّةِ وَعدم امتداد وَقتهَا وتجسيم الشَّرْعِ لَهَا وَإِتْمَامُهَا فِي السَّفَرِ حُجَّةُ الْعِشَاءِ اخْتِصَاصُهَا بِعَدَمِ تَعَلُّقِهَا بِشَيْءٍ مِنَ النَّهَارِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فُضِّلْتُمْ بِهَا عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ وَلَمْ تُصَلِّهَا أُمَّةٌ قَبْلَكُمْ وَلِأَنَّ النَّوْمَ قَدْ يَغْلِبُ فِيهَا فَتُضَيَّعُ حُجَّةُ الْخَمْسِ أَنَّهَا الْأَوْسَط لَهَا لكَونهَا فَردا وَمَا لأوسط لَهُ إِذَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ الْوَسَطُ كَانَ كِنَايَةً عَنْ جَمِيعِهِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا أَخَفُّ مَشَقَّةً مِنْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ لِإِتْيَانِهَا وَقْتَ

(2/32)


فَتْرَةٍ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ فَتَنْحَطُّ رُتْبَتُهَا وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ الْمَتْرُوكَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ ثَلَاثَةٌ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ فَلَعَلَّ الْإِشَارَةَ للْجَمِيع أَو غَيرهَا من الثَّلَاث أوهي لَكِنْ يَكُونُ تَفْضِيلُهَا عَلَى مَا مَعَهَا فَلَا يَتَنَاوَلُ الصُّبْحَ وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الصُّبْحَ أَفْضَلُ بِالنَّصِّ الصَّرِيحِ فَلَا يُدْفَعُ بِالِاسْتِدْلَالِ وَعَنِ الرَّابِعِ مَا تَقَدَّمَ فِي الثَّالِثِ وَعَنِ الْخَامِسِ أَنَّ الْكِنَايَةَ لَا يُعْدَلُ إِلَيْهَا إِلَّا عِنْدَ عَدَمِ التَّصْرِيحِ وَقَدْ وُجِدَ كَمَا تَقَدَّمَ وَلِأَنَّ الثَّالِثَ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ وَسَطًا لِلْخَمْسَةِ لِتَأَخُّرِهِ عَنِ اثْنَيْنِ وَتَقَدُّمِهِ عَلَى اثْنَيْنِ
قَاعِدَةٌ الْأَصْلُ فِي كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَقِلَّتِهِمَا أَنْ يَتْبَعَا كَثْرَةَ الْمَصْلَحَةِ فِي الْفِعْلِ وَقِلَّتَهَا وَكَثْرَةَ الْمَفْسَدَةِ وَقِلَّتَهَا كَتَفْضِيلِ التَّصَدُّقِ بِالدِّينَارِ عَلَى الدِّرْهَمِ وَإِحْيَاءُ الرَّجُلِ الْأَفْضَلِ أَفْضَلُ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَفْضُولِ وَإِثْمُ الْأَذِيَّةِ فِي الْأَعْرَاضِ وَالنُّفُوسِ أَعْظَمُ مِنَ الْأَذِيَّةِ فِي الْأَمْوَالِ وَكَذَلِكَ غَالِبُ الشَّرِيعَةِ وَقَدْ يَسْتَوِي الْفِعْلَانِ فِي الْمَصْلَحَةِ وَالْمَفْسَدَةِ مِنْ كُلِّ وَجه وَيُوجب الله سُبْحَانَهُ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ كَإِيجَابِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ دُونَ غَيْرِهَا مَعَ مُسَاوَاتِهَا لِنَفْسِهَا وَكَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ مَعَ غَيْرِهَا مِنَ التَّكْبِيرَاتِ وَأَبْعَدُ مِنْ هَذَا عَنِ الْقَاعِدَةِ تَفْضِيلُ الْأَقَلِّ مَصْلَحَةً عَلَى الْأَكْثَرِ كَتَفْضِيلِ الْقَصْرِ عَلَى الْإِتْمَامِ مَعَ اشْتِمَالِ الْإِتْمَامِ على مزِيد

(2/33)


الْخُضُوعِ وَالْإِجْلَالِ وَأَنْوَاعِ التَّقَرُّبِ وَكَتَفْضِيلِ الصُّبْحِ عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ عِنْدَنَا وَتَفْضِيلِ الْعَصْرِ عَلَى رَأْيِ مَنْ قَصَرَ الْقِرَاءَةَ فِيهَا عَلَى مَا وَرَدَتِ السّنة بِهِ وَكَتَفْضِيلِ رَكْعَةِ الْوِتْرِ عَلَى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْفَاعِل الْمُخْتَار يفضل مَا شَاءَ على مَا شَاءَ وَمَنْ شَاءَ عَلَى مَنْ شَاءَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَيْهِ يَرْجِعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ السَّادِسُ فِي إِثْبَاتِ الْأَوْقَاتِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِذَا حَصَلَ الْغَيْمُ أَخِّرْ حَتَّى يَتَيَقَّنَ الْوَقْتُ وَلَا يَكْتَفِي بِالظَّنِّ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ وَالْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْوُصُولَ إِلَى الْيَقِينِ مُمْكِنٌ فِي الْوَقْتِ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ الثَّانِي أَنَّ الْقِبْلَةَ يَجُوزُ تَرْكُهَا فِي الْخَوْفِ وَالنَّافِلَةِ بِخِلَافِ الْوَقْتِ قَالَ وَيجوز التَّقْلِيد الْمَأْمُون كايمة الْمَسَاجِدِ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلِ الْمُسْلِمُونَ يَهْرَعُونَ لِلصَّلَاةِ عِنْدَ الْإِقَامَةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ مِقْيَاسٍ وَكَذَلِكَ المؤذنون لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الْمُؤَذِّنُونَ أُمَنَاءُ وَفِي الْجَوَاهِرِ مَنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ فَلْيَجْتَهِدْ لِيَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ وَإِنْ خَفِيَ ضوء الشَّمْس اسْتدلَّ بالاورد وَالْأَعْمَالِ وَسُؤَالِ أَرْبَابِهَا وَيَحْتَاطُ قَالَ وَرَوَى مُطَرِّفٌ عَن مَالك أَن مِنْهُ الصَّلَاة فِي الْغَيْم وَتَأْخِير الظُّهْرِ وَتَعْجِيلُ الْعَصْرِ وَتَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ حَتَّى لَا يشك فِي اللَّيْل وتعجيل الْعشَاء ويتحرى فِي ذَهَابَ الْحُمْرَةِ وَتَأْخِيرُ الصُّبْحِ حَتَّى لَا يَشُكَّ فِي الْفَجْرِ

الْفَصْلُ السَّابِعُ فِي أَوْقَاتِ الضَّرُورَاتِ
وَهِي الْجُنُون وَالْإِغْمَاء وَالصبَا وَالْكفْر وَالْحيض وَالنّفاس زَاد

(2/34)


صَاحِبُ التَّلْقِينِ النِّسْيَانَ وَأُفَصِّلُ ذَلِكَ فَأَقُولُ قَالَ فِي الْكِتَابِ الْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْحَائِضُ وَالْكَافِرُ إِنْ كَانَ ذَلِكَ بِالنَّهَارِ قَضَوْا ذَلِكَ الْيَوْمَ أَوْ بِاللَّيْلِ قَضَوْا صَلَاةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَوْ مَا يُقْضَى فِيهِ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ قَضَوُا الْأَخِيرَةَ مِنْهُمَا قَالَه صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُرِيدُ زَالَتْ أَعْذَارُهُمْ وَيُرِيدُ بِالْقَضَاءِ الْفِعْلَ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ} لأَنهم يَقْضُونَ الصَّلَاةَ الَّتِي خَرَجَ وَقْتُهَا قَالَ فَإِنْ زَالَ الْعُذْرُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ الْأَوَّلِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَهَا وَإِنْ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ أَوْ غَابَ الشَّفَقُ صَلَّوْهُمَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِي وَعند أبي حنيفَة الْأَخِيرَةَ فَقَطْ إِلَّا أَنْ يُدْرِكَ مِنَ الْأُولَى تَكْبِيرَةً لَنَا أَنَّ وَقْتَ الْأُولَى مُشَارِكٌ لِوَقْتِ الثَّانِيَةِ فِي الضَّرُورَةِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا أُخِّرَتِ الْمَغْرِبُ لَيْلَةَ عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْحَائِضِ تَطْهُرُ قَبْلَ الْفَجْرِ تُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ قَضَوُا الْأَخِيرَة مِنْهُمَا وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ فِي التَّقْدِيم أَحَدُهُمَا كَقَوْلِنَا وَالْآخَرُ يُدْرِكُهُمَا بِوَقْتِ الطَّهَارَةِ وَإِيقَاعِ رَكْعَة وَفِي الْجَدِيد قَولَانِ يُدْرِكُ الصَّلَاتَيْنِ بِرَكْعَةٍ وَالِثَانِي بِتَكْبِيرَةٍ نَظَرًا لِلِاشْتِرَاكِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ لَهُمَا لَنَا مَا فِي الْمُوَطَّأ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مُشَارَكَةِ الظُّهْرِ لَهَا فِي هَذَا الْقَدْرِ وَأَنَّهَا لَا تُدْرَكُ بِأَقَلِّ مِنْهُ وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي مُسْلِمٍ
إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْر قبل الشَّمْسِ فَلْيُتِمَّ الصَّلَاةَ فَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا لِأَنَّ إِدْرَاكَ السُّجُودِ فَرْعُ إِدْرَاكِ الرُّكُوعِ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَا تَلْزَمُ الصَّلَاةُ بِأَقَلِّ مِنْ إِدْرَاكِ رَكْعَةٍ وَقَالَ أَشْهَبُ تَلْزَمُ بِالرُّكُوعِ فَقَطْ قَالَ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ آخِرَ الْأَوْقَاتِ لِأُولَى الصَّلَاتَيْنِ وَسَبَبُ

(2/35)


الْخِلَافِ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ هَلْ هُوَ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الْأُولَى إِلَى آخِرِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ أَوْ تَخْتَصُّ الْأُولَى بِمِقْدَارِهَا مِنْ آخِرِ وَقْتِهَا وَالْأَخِيرَةُ بِمِقْدَارِهَا مِنْ آخِرِ وَقْتِهَا وَيَظْهَرُ الْخِلَافُ فِي أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْفَجْرِ هَلْ تُدْرَكُ بِهَا الصَّلَاتَانِ أَوِ الْعِشَاءُ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ مَسْلَمَةَ وَكَذَلِكَ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ لِلْحَائِضِ الْمُسَافِرَةِ تُدْرِكُ الْعِشَاءَ خَاصَّةً عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالصَّلَاتَيْنِ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي هَذَا الْمَقَامِ إِشْكَالَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مُقْتَضَى الْخِلَافِ فِي آخِرِ الْأَوْقَاتِ لِأُولَى الصَّلَاتَيْنِ أَوْ أُخْرَاهُمَا يَقْتَضِي الْخِلَافَ فِيمَنْ سَافَرَ قَبْلَ الْغُرُوبِ بِرَكْعَةٍ هَلْ يَقْصُرُ الظُّهْرَ أَمْ لَا وَلَا يَكَادُ يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ مَوْجُودٌ مَشْهُورٌ فِي الْعِشَاءِ فَهَلِ الْحُكْمُ وَاحِدٌ أَوْ مُخْتَلِفٌ وَيَحْتَاجُ حِينَئِذٍ إِلَى الْفَرْقِ وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ يَلْزَمُ أَيْضًا أَنَّ الْحَائِضَ إِذَا طَهُرَتْ قَبْلَ الْغُرُوب بِرَكْعَة أَن يَجِبَ عَلَيْهَا الظُّهْرُ وَيَسْقُطَ الْعَصْرُ بِنَاءً عَلَى أَنه آخِرُ الْوَقْتِ لِلصَّلَاةِ الْأُولَى وَلَمْ أَرَهُ فِي الْمَذْهَب غَايَة مَا رَأَيْته فروع الأول الْمَازِرِيُّ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إِذَا أَخَّرَتِ الْعَصْرَ إِلَى قَبْلِ الْغُرُوبِ بِرَكْعَةٍ فَحَاضَتْ فَإِنَّهَا تَقْضِيهَا فَإِنْ كَانَ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذِهِ الرَّكْعَةَ لِلظُّهْرِ بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَوَاخِرِ الْأَوْقَاتِ فَحَاضَتْ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَلَمْ تَحِضْ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ فَتَقْضِيهَا فَقَدِ اسْتَوَى الْبَابَانِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ أَو كَانَت التَّسْوِيَة خَاصَّة فَهَذَا الْمُتَأَخر الْمَحْكِيُّ عَنْهُ فَيَكُونُ الْفَرْقُ لِغَيْرِهِ أَنَّ الْمُسَافِرَ يَقْصُرُ الْعَصْرَ إِذَا سَافَرَ قَبْلَ الْغُرُوبِ بِرَكْعَةٍ

(2/36)


وَلَا يقْتَصر الْعِشَاءَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إِذَا سَافَرَ قَبْلَ الْفجْر بِرَكْعَة إِن اهْتِمَامَ الشَّرْعِ بِالْمَغْرِبِ فِي الْوَقْتِ أَكْثَرُ مِنَ الظّهْر لتضييقه الْوَقْت فِي الْمغرب عَلَى الْمَشْهُورِ وَتَوْسِيعِهِ لِلظُّهْرِ إِجْمَاعًا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَعْلِ آخِرِ الْوَقْتِ لِلْمَغْرِبِ لِمَزِيدِ اهْتِمَامِ الشَّرْعَ جَعَلَهُ لِلظُّهْرِ فَافْتَرَقَا الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ اخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ إِذَا نَسِيَتِ الظُّهْرَ وَصَلَّتِ الْعَصْرَ وَحَاضَتْ لِرَكْعَةٍ مِنَ النَّهَارِ هَلْ يَسْقُطُ الظُّهْرُ أَمْ لَا وَإِذَا نَسِيَ الْمُسَافِرُ الظُّهْرَ فِي السَّفَرِ وَصَلَّى الْعَصْرَ وَقَدِمَ قَبْلَ الْغُرُوب فَبَيْنَمَا تَوَضَّأ غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَهَلْ يُصَلِّيهَا حَضَرِيَّةً أَوْ سَفَرِيَّةً وَإِذَا سَافَرَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ نَاسِيًا لِلظُّهْرِ لِرَكْعَةٍ فَهَلْ يُصَلِّيهَا سَفَرِيَّةً أَوْ حَضَرِيَّةً وَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ بِثَوْبٍ نَجِسٍ وَالْعَصْرَ بِثَوْبٍ طَاهِرٍ ثُمَّ عَلِمَ بِنَجَاسَةِ الثَّوْبِ قَبْلَ الْغُرُوبِ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فَهَلْ تَسْقُطُ إِعَادَةُ الظُّهْرِ أَمْ لَا وَخرج قَوْلَيْهِ فِيهَا عَلَى اخْتِصَاصِ الْعَصْرِ بِمِقْدَارِهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ فَيَكُونُ آخِرُ الْوَقْتِ لَهَا أَوْ لَا يَخُصُّ فَيَكُونُ الْوَقْتُ لِلظُّهْرِ فَيَلْحَقُهَا أَحْكَامُ الْقَصْرِ وَالسَّفَرِ وَالْإِعَادَةِ إِلَّا أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ إِنَّمَا حَكَاهُ إِذَا فَعَلَ إِحْدَى الصَّلَاتَيْنِ أَمَّا إِذَا اجْتَمَعَ الصَّلَاتَانِ فَلَمْ أَرَ فِيهَا خِلَافًا وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ يَقُولُ إِذَا أَسْقَطْنَا صَلَاةً أَسْقَطْنَا مَا بَعْدَهَا فَلَا يُمْكِنُ إِسْقَاطُ الظُّهْرِ وَإِيجَابُ الْعَصْرِ فِي حَقِّ مَنْ حَاضَتْ وَإِذَا أَوْجَبْنَا صَلَاةً أَوْجَبْنَا مَا بَعْدَهَا فِي حَقِّ مَنْ طَهُرَتْ وَهَذَا الْكَلَامُ إِنَّمَا يَسْلَمُ مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْعُذْرِ وَعَدَمِهِ أَمَّا إِذَا قُلْنَا إِنَّ آخِرَ الْوَقْت لأولى الصَّلَاتَيْنِ وطهرت اخْتَصَّتِ الظُّهْرَ بِزَوَالِ الْعُذْرِ فَيَجِبُ بِخِلَافِ الْعَصْرِ وَعَكْسُهُ إِذَا طَهُرَتْ

(2/37)


فُرُوعٌ ثَمَانِيَةٌ الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْكِتَابِ فِيمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ لَا يقْضِي الصُّبْح خلافًا ش فتمهد الْوَقْتَ الَّذِي يَقْتَضِي طَرَيَانَ الْعُذْرِ فِيهِ سُقُوطُ الصَّلَاة فعندنا وَقْتُ الْأَدَاءِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ وَعِنْدَ مُعْظَمِ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا مَضَى مِنَ الْوَقْتِ قَدْرُ فِعْلِ الصَّلَاةِ ثُمَّ طَرَأَ الْعُذْرُ بَعْدَهُ سَقَطَتْ
قَاعِدَةٌ الْمُعَيَّنَاتُ لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ وَمَا فِي الذمم لَا يكون معينا كَانَ مَا فِي الذِّمَمِ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ بِأَيِّ فَرْدٍ شَاءَ مِنْ نَوْعِهِ وَالْمُعَيَّنُ لَا يَقْبَلُ الْبَدَلَ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَالٌ وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ يَظْهَرُ أَثَرهَا فِي الْمُعَامَلَات وَهَهُنَا أَيْضًا لِأَنَّ الْأَدَاءَ مُعَيَّنٌ بِوَقْتِهِ فَلَا يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ وَالْقَضَاءُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ يَتَعَيَّنُ حَكْمُهُ بِخُرُوجِهِ فَهُوَ فِي الذِّمَّةِ وَالْقَاعِدَةُ ان من شُرُوط الِانْتِقَالِ إِلَى الذِّمَّةِ تَعَذُّرَ الْعَيْنِ كَالزَّكَاةِ مَثَلًا مَا دَامَتْ مُعَيَّنَةً بِوُجُودِ نِصَابِهَا لَا تَكُونُ فِي الذِّمَّةِ وَإِذَا تَلِفَ النِّصَابُ بِعُذْرٍ لَا يضمن فَكَذَلِك إِذا تعذر الْأَدَاء بِعُذْر لَا يَجُبِ الْقَضَاءُ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْقَضَاءِ التَّمَكُّنُ مِنَ الْإِيقَاعِ أَوَّلَ الْوَقْتِ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي ضَمَانِ الزَّكَاةِ تَأَخُّرُ الْجَابِي فِي الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ بَعْدَ وَقْتِ الْوُجُوبِ وَكَمَا لَوْ بَاعَ صَاعًا مِنْ صَبْرَةٍ وَتَمَكَّنَ مِنْ كَيْلِهِ ثُمَّ تَلِفَتِ الصَّبْرَةُ مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ لَا يُخَاطَبُ بِالتَّوْفِيَةِ وَلِهَذَا أَجْمَعْنَا فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ يَقْدُمُ أَوِ الْمُقِيمِ يُسَافِرُ عَلَى اعْتِبَارِ آخر الْوَقْت

(2/38)


الثَّانِي قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ فاسقط الْإِعَادَة قِيَاسا على الْحَائِط وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا يَقْضِي مَا خَرَجَ وَقْتُهُ إِذَا كَانَ الْإِغْمَاءُ مُتَّصِلًا بِمَرَضٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَأَمَّا الصَّحِيحُ يُغْمَى عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ فَيَقْضِيَهَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَقْضِي الْخَمْسَ فَمَا دُونَهُنَّ دُونَ مَا زَادَ مُحْتَجًّا بِأَنَّ عَمَّارًا أُغْمِيَ عَلَيْهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً قَضَاهَا وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ أُغَمِيَ عَلَيْهِ الْأَيَّامَ فَلَمْ يَقْضِهَا وَأَوْجَبَ ابْنُ حَنْبَلٍ الْإِعَادَةَ مُطْلَقًا قِيَاسًا عَلَى النَّائِمِ وَالسَّكْرَانِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ اتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ بَلَغَ مُطْبِقًا أَنَّهُ لَا يَقْضِي شَيْئًا
تَمْهِيدٌ الْقَضَاءُ عَلَى الصَّحِيحِ إِنَّمَا يَجِبُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ غَيْرَ أَمْرِ الْأَدَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ نَصٌّ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا وَرَدَ فِي النَّوْمِ وَالنِّسْيَانِ فَقِيَاسُنَا مَعْضُودٌ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَقِيَاسُ الْحَنَابِلَةِ مَدْفُوعٌ بِفَارِقِ أَنَّ النّوم وَالسكر مكتسبان فَلَو أثر فِي السُّقُوطِ لَكَانَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً لِلتَّعْطِيلِ وَأَمَّا تَفْرِقَةُ الْحَنَفِيَّةِ فَهِيَ خِلَافُ الْأُصُولِ فَإِنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا يَسْقُطُ يَسْقُطُ مُطْلَقًا كَالْحَيْضِ وَمَا لَا يَسْقُطُ لَا يَسْقُطُ مُطْلَقًا كَالنَّوْمِ الثَّالِثُ قَالَ فِي الْكِتَابِ وَقْتُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي الْإِغْمَاء مَغِيبِ الشَّمْسِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ اللَّيْلُ كُلُّهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا أَنَّ الْأَخِيرَةَ

(2/39)


تَتَعَيَّنُ إِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْهُمَا وَتَسْقُطُ الْأُولَى فَإِنْ زَاحَمَ الْعَصْرَ غَيْرُ الظُّهْرِ كَصَلَاةٍ مَنْسِيَّةٍ فالوقت للمنسية عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَتَسْقُطُ الْحَاضِرَةُ وَعِنْدَ أَصْبَغَ يُصَلِّيهمَا ولانب الْقَاسِمِ فِيهَا تَرَدُّدٌ وَالَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْوَقْتَ اسْتَحَقَّتْهُ الْمَنْسِيَّةُ فَلَمْ يَبْقَ لِلْحَاضِرَةِ شَيْءٌ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّهَا أَدْرَكَتْ وَقْتَهَا لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ وَكَذَلِكَ لَوْ طَهُرَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فَلِمَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّهَا تُصَلِّيهِمَا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَعِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ تَسْقُطُ الْمَغْرِبُ فَكَذَلِكَ الْخِلَافُ فِي الْمُسَافِرَةِ تَطْهُرُ قَبْلَ الْفَجْرِ بِثَلَاثٍ الرَّابِعُ قَالَ ابْنُ أبي زيد فِي النَّوَادِر لم يخْتَلف فِي الْحَائِضِ إِنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهَا وَقْتُ الطَّهَارَةِ غَيْرَ مَا يُدْرَكُ بِهِ الصَّلَاةَ وَفِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ قَوْلَانِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَحَدُهُمَا يُشْتَرَطُ كَالْحَائِضِ بِجَامِعِ الْعُذْرِ وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ خِطَابِهِ زَوَالُ الْعَقْلِ وَقَدْ عَقَلَ وَفَرَّقَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ بَيْنَ الْكَافِرِ وَالْحَائِضِ بِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْفُرُوعِ بِخِلَافِهَا وَلِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ قِبَلِهِ بِخِلَافِهَا وَسَوَّى بَيْنَهُمَا سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ وَالْقَاضِي فِي تَلْقِينِهِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يُنَاسِبُ عَدَمَ التَّغْلِيظِ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَا يُعْتَبَرُ وَقْتُ الطَّهَارَةِ فِي أَرْبَابِ الْأَعْذَارِ عَلَى الْإِطْلَاقِ عِنْدَ سَحْنُونٍ وَأَصْبَغَ وَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يُعْتَبَرُ فِي الْجَمِيعِ إِلَّا الْكَافِرَ وَاسْتَثْنَى ابْنُ حَبِيبٍ مَعَهُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَأَجْرَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْخِلَافَ فِي الْجَمِيعِ قَالَ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلِ الطَّهَارَةُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ أَوْ فِي الْأَدَاءِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ شَرْطَ الْوُجُوبِ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُهُ على الْمُكَلف كالإقامة فِي الصَّوْم لإتمام وَإِنَّمَا تَجِبُ شُرُوطُ الْأَدَاءِ لِأَجْلِ تَقَرُّرِ الْوُجُوبِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهَا وَالطَّهَارَةُ تَجِبُ إِجْمَاعًا فَلَا تَكُونُ شَرْطًا فِي الْوُجُوبِ عَلَى قَوْلٍ وَأَلْزَمَ اللَّخْمِيُّ التَّيَمُّمَ لِمَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ

(2/40)


إِذَا عُدِمَ الْمَاءُ وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَإِذَا قُلْنَا بِاشْتِرَاط الطَّهَارَة على الْمَشْهُور إِلَّا الْكَافِر فَقَالَ صَاحِبُ التَّلْقِينِ يُضَافُ لِلطَّهَارَةِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَغَيْرُهُ مِمَّا تَتَوَقَّفُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ الْخَامِسُ لَوْ طَرَأَ عَائِقٌ بَعْدَ وَقْتِ الطَّهَارَةِ كَالْحَدَثِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ تَقْضِي الْحَائِضُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ مَا لَزِمَهُمَا أَمَّا لَوْ عَلِمَا بَعْدَ الطَّهَارَةِ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي تَطَهَّرَا بِهِ نَجِسٌ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا بَعْدَ الطُّهْرِ الثَّانِي قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا حَتَّى صَلَّيَا وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا وَسَوَّى بَيْنَهُمَا سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِم فِي الْمُوازِية التَّسْوِيَة بَين الْمَاءِ وَالْحَدَثِ وَرَأَى طَرَيَانَ الْعُذْرَ كَاسْتِمْرَارِهِ بِجَامِعِ عَدَمِ التَّمَكُّنِ وَرَأَى سَحْنُونٌ أَنَّ بِالطُّهْرِ تَعَلُّقِ الْخِطَابِ وَأَمَّا تَفْرِقَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلِأَنَّ الْحَدَثَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الصَّلَاةِ وَنَجَاسَةُ الْمَاءِ تَخْلِي حَدَثَ الْحَيْضِ عَلَى حَالِهِ وَهُوَ مَانِعٌ مِنَ الْوُجُوبِ وَهَذَا الْفَرْقُ يَنْقَدِحُ فِي الْحَائِضِ خَاصَّةً مَعَ تَعْمِيمِ الْحُكْمِ فِيهِمَا السَّادِسُ إِذَا قَدَرَتْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فَأَحْرَمَتْ بِالظُّهْرِ ثُمَّ تَبَيَّنَ خَطَؤُهَا فَإِنْ كَانَتْ صَلَّتْ رَكْعَةً شَفَّعَتْهَا إِنْ كَانَتْ تُدْرِكُ رَكْعَةً قَبْلَ الْغُرُوبِ وَإِلَّا قَطَعَتْ فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهَا ذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ إِنْ كَانَ بَعْدَ رَكْعَةٍ شَفَّعَتْهَا وَسَلَّمَتْ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ ثَلَاثٍ كَمَّلَتْهَا وَهِيَ نَافِلَةٌ ثُمَّ تُصَلِّي الْعَصْرَ وَقَالَ أَصْبَغُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَوْ قَطَعَتْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لَكَانَ وَاسِعًا وَلَوْ عكست فقدرت الْوَقْت للعصر فَقَط وصلتها ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ قَالَ مَالِكٌ فِي

(2/41)


الْمَوَّازِيَّةِ تُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ كَمَا وَجَبَا وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا تُعِيدُ الْعَصْرَ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ تُصَلِّي الظُّهْرَ فَقَطْ إِلَّا إِنْ بَقِي بعد قَدْرِ رَكْعَةٍ فَأَكْثَرَ وَصَحَّ تَقْدِيرُهَا لِلصَّلَاتَيْنِ لَكِنْ بَدَأَتْ بِالْعَصْرِ نَاسِيَةً فَفِي الْجَوَاهِرِ تُصَلِّي الظُّهْرَ لِإِدْرَاكِهَا وَقْتَهَا وَتُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الْعَصْرِ لِوُقُوعِهَا فِي الزَّمَانِ الْمُخْتَصِّ بِالظُّهْرِ كَمَنْ أَوْقَعَ الْعَصْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَقِيلَ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهَا إِنَّمَا تَجِبُ لِأَجْلِ الْمَنْسِيَّةِ فِي الْوَقْتِ السَّابِعُ فِي الْجَوَاهِرِ حُكْمُ الصَّبِيِّ حُكْمُ الْحَائِضِ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فَلَوِ احْتَلَمَ بَعْدَمَا صَلَّى وَجَبَتِ الْإِعَادَة عندنَا وَعند أبي حنيفَة خلافًا ش مُتَمَسِّكًا بِأَنَّ الزَّوَالَ سَبَبٌ فِي الشَّرْعِ لصَلَاة وَاحِدَة إِجْمَاعًا لما نقل فِي حَقِّ الصَّبِيِّ أَوْ فَرْضٌ فِي حَقِّ الْبَالِغِ وَقَدْ أَوْقَعَ صَلَاةً فَلَا تَجِبُ أُخْرَى وَإِلَّا لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ الزَّوَالُ سَبَبًا لِصَلَاتَيْنِ وَالْمُقَرَّرُ خِلَافُهُ وَفِي الْجَوَاهِرِ قِيلَ بِنَفْيِ الْإِعَادَةِ وَكَذَلِكَ الْخلاف لَو بلغ بعد الظّهْر وَقبل الْجُمُعَةِ لَنَا أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ مِنْهُ نَفْلٌ وَآخِرُ الْوَقْت هُوَ الْمُعْتَبر كَمَا تقدم وَهُوَ مُقْتَضى الْوُجُوب وَالنَّفْلُ لَا يُجْزِئُ عَنِ الْوَاجِبِ الثَّامِنُ إِذَا ذَهَبَ عَقْلُهُ بِدَوَاءٍ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ بعض الشفعوية إِنْ لَمْ يَكُنِ الْغَالِبُ إِزَالَتُهُ لِلْعَقْلِ أَسْقَطَ الْغَرَض وَإِن كَانَ لَمْ يَسْقُطْ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا يَسْقُطُ مُطْلَقًا كَمَا لَوْ شَرِبَ مُسْكِرًا لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُسْكِرٌ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ وَاجِبَةٌ إِجْمَاعًا وَحَيْثُ أَجْمَعْنَا عَلَى السُّقُوطِ فَيُعْذَرُ مِنْ غَيْرِ صنعه وَهَهُنَا لَيْسَ كَذَلِك

(2/42)