الذخيرة للقرافي

 (الْبَابُ الثَّانِي فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ)
فَأَمَّا الْأَذَانُ فِي اللُّغَةِ فَهُوَ الْإِعْلَامُ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَصْلُهُ مِنَ الْأُذُنِ كَأَنَّهُ أَوْدَعَ مَا عَمِلَهُ أُذُنَ صَاحِبِهِ ثُمَّ اشْتَهَرَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ بِالْإِعْلَامِ بِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ فَاخْتَصَّ بِبَعْضِ أَنْوَاعِهِ كَمَا اخْتَصَّ لَفْظُ الدَّابَّةِ وَالْبِشَارَةِ وَالنِّسْيَان وَالْقَارُورَةِ وَالْخَابِيَةِ بِبَعْضِ أَنْوَاعِهَا وَأَذَّنَ إِذَا أَعْلَمَ بِفَتْح الذَّال وتشديدها وَأذن لَهُ فِي شَيْء أَبَاحَهُ لَهُ بِكَسْرِ الذَّالِ مُخَفَّفَةً وَهُوَ أَيْضًا بِمَعْنَى عَلِمَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ من الله} وَبِمَعْنى اسْتمع وَمِنْه قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام
وَمَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ كَإِذْنِهِ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ وَالْمِئْذَنَةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْمَنَارَةُ وَالْإِقَامَةُ مِنَ الْقِيَامِ لِأَنَّ النَّاسَ يَقُومُونَ لِلصَّلَاةِ بِسَبَبِهَا وَمَعْنَى قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ أَيِ اسْتَقَامَ إِيقَاعُهَا وَآنَ الدُّخُولُ فِيهَا وَفِي الْبَابِ خَمْسَةُ فُصُولٍ

(2/43)


الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ الْأَذَانِ
وَهُوَ سَبْعَ عَشْرَةَ جُمْلَةً مِنَ الْكَلَامِ وَقَوْلُ الْأَصْحَابِ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً مَجَازٌ عَبَّرُوا بِالْكَلِمَةِ عَنِ الْكَلَامِ وَإِلَّا فَهُوَ ثَمَانِيَة وَسِتُّونَ كلمة وَالْخلاف فِي مَوَاضِع مِنْهُ أَحَدُهَا التَّكْبِيرُ فَعِنْدَنَا مَثْنَى وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَرْبَعٌ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مُخْتَلِفَةٌ فِي ذَلِكَ وَتَتَرَجَّحُ رِوَايَةُ مَذْهَبِنَا بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهَا مَوضِع إِقَامَته عَلَيْهِ السَّلَام حَالَة اسْتِقْلَال أَمْرِهِ وَكَمَالِ شَرْعِهِ إِلَى حِينِ انْتِقَالِهِ لِرِضْوَانِ رَبِّهِ وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ كَذَلِكَ يَسْمَعُهُ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِرِوَايَةِ الْخَلَفِ عَنِ السَّلَفِ رِوَايَةً متواترة مخرجة لَهُ من حِين الظَّن والتخمين إِلَى حِين الْيَقِين وَأَمَّا الرِّوَايَاتُ الْأُخَرُ فَلَا تُفِيدُ إِلَّا الظَّنَّ وَهُوَ لَا يُعَارِضُ الْقَطْعَ وَلِذَلِكَ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَثَانِيهَا تَرْجِيعُ الشَّهَادَتَيْنِ خَالَفَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ مُحْتَجًّا بِأَنَّ سَبَبَ التَّرْجِيعِ قَدِ انْتَفَى فَيَنْتَفِي وَذَلِكَ أَنَّ سَبَبَهُ إِغَاظَةُ الْمُشْرِكِينَ بِالشَّهَادَتَيْنِ أَوْ أَمْرُهُ أَبَا مَحْذُورَةَ بِالْإِعَادَةِ لِلتَّعْلِيمِ أَوْ أَنَّهُ كَانَ شَدِيدُ الْبُغْضِ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام فَلَمَّا أسلم وَمد فِي الْأَذَانِ وَوَصَلَ إِلَى الشَّهَادَتَيْنِ أَخْفَى صَوْتَهُ حَيَاء من قومه فَدَعَاهُ عَلَيْهِ السَّلَام وَعَرَّكَ أُذُنَهُ وَأَمَرَهُ بِالتَّرْجِيعِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْحُكْمَ قَدْ يَنْتَفِي سَبَبُهُ وَيَبْقَى كَالرَّمَلَانِ فِي الْحَجِّ لِإِغَاظَةِ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ بَاقٍ لِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا لِي أَرَى الرَّمَلَانِ وَلَا من أرِي مَعَ أَنه مُخَالف فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَكِن قولة عمر وَغَيره

(2/44)


حجَّة عَلَيْهِ لنا مَا تقدم من الْمَدِينَة وَمَا فِي أبي دَاوُود أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِأَبِي مَحْذُورَةَ فِي تَعْلِيمِهِ الْأَذَانَ تَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ تَرْفَعُ بِهَا صَوْتَكَ ثُمَّ تَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا الله أشهد أَن مُحَمَّد رَسُول الله أشهد أَن مُحَمَّد رَسُول الله تخفي بهَا صَوْتك ثمَّ ترفع بِالشَّهَادَةِ وَكَمَّلَ لَهُ الْأَذَانَ إِلَى قَوْلِهِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ ثُمَّ قَالَ لَهُ فَإِنْ كَانَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ قُلْتَ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
فَرْعٌ قَالَ فِي الْكِتَابِ يَكُونُ صَوْتُهُ فِي تَرْجِيعِ الشَّهَادَتَيْنِ أَرْفَعَ مِنَ الْأَوَّلِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ هَذَا يَقْتَضِي الْإِسْمَاعَ بِالْأَوَّلِ وَهُوَ الْحَقُّ لِأَنَّهُ أَذَانٌ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْإِعْلَامِ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَخْفِضُ التَّكْبِيرَ عَلَى مَا فِي الْكتاب وَهِي رِوَايَة أَشهب عَنهُ وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ خَفْضَهُ مِنَ الْكِتَابِ وَهُوَ غَلَطٌ قَالَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ يُرَجِّعُ الْمُؤَذِّنُ الْأَوَّلُ بِخِلَافِ مَنْ بَعْدَهُ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ اخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ فَقِيلَ يَخْفِضُ فِيهِ الصَّوْتَ مِثْلَ مَا قَبْلَ التَّرْجِيعِ وَيَبْتَدِئُ الرَّفْعَ مِنَ التَّرْجِيعِ وَقِيلَ يَرْفَعُ أَوَّلًا ثُمَّ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ مِنَ التَّرْجِيعِ إِلَى آخِرِهِ وَاخْتَارَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ مُوَافَقَةِ الْأَحَادِيثِ فِي عُلُوِّ الصَّوْتِ وَمِمَّا فِيهِ مِنَ الْإِعْلَامِ وَثَالِثُهَا الصَّلَاةُ

(2/45)


خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ عِنْدَنَا مَشْرُوعَةٌ خِلَافًا ش ح فِي أحد قوليهما لنا إِجْمَاع الْمَدِينَةِ وَحَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ الْمُتَقَدِّمُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ اخْتُلِفَ فِي حِينِ مَشْرُوعِيَّتِهِ فَقِيلَ إِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَرَ بِهِ فَفِي الْمُوَطَّأِ قَالَ مَالِكٌ بَلَغَنِي أَنَّ الْمُؤَذِّنَ جَاءَ يُؤْذِنُ عُمَرَ بِالصَّلَاةِ فَوَجَدَهُ نَائِمًا فَقَالَ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ فَقَالَ لَهُ اجْعَلْهَا فِي نِدَاءِ الصُّبْحِ وَقِيلَ أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما تقدم فِي حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ عُمَرَ إِنْكَارًا لِمَا قَالَهُ الْمُؤَذِّنُ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الصُّبْحِ
فُرُوعٌ ثَلَاثَةَ عَشَرَ الْأَوَّلُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَسَّعَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصِرِ فِي تَرْكِ ذَلِكَ لِمَنْ كَانَ مُنْفَرِدًا وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ يُشْرَعُ فِي الْعِشَاءِ وَقَالَ النَّخَعِيُّ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَاسْتَحْسَنَ الْأَوَّلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لمن كَانَ وَحده أَو لمن مَعَه مِمَّن لَيْسَ بِنَائِمٍ قَالَ وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْأَذَانَ مُتَّبَعٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ أَلَا تَرَاهُ يُحَيْعِلُ وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ وَيُحْمَلُ قَوْلُ مَالِكٍ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ الْأَذَانَ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ هَلْ يُقَالُ مَرَّتَيْنِ قِيَاسًا عَلَى التَّكْبِيرِ أَوْ مَرَّةً لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ فَيَكُونُ مَرَّةً كَقَوْلِنَا قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ الثَّانِي التَّثْوِيبُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ هُوَ عِنْدَنَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ خِلَافًا ح مُحْتَجًّا بِأَنَّ بِلَالًا كَانَ إِذَا أَذَّنَ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَرَوَوْا أَن عمر لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ جَاءَ أَبُو مَحْذُورَةَ وَقَدْ أَذَّنَ فَقَالَ الصَّلَاةَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَيَّ على

(2/46)


الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيْحَكَ أَمَجْنُونٌ أَنْتَ مَا كَانَ فِي دُعَائِكَ الَّذِي دَعَوْتَ مَا نَأْتِيكَ حَتَّى تَأْتِيَنَا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ سُنَّةً لَمْ يُنْكِرْهُ وَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَكَرِهَ تَنَحْنُحَ الْمُؤَذِّنِ عِنْدَ الْفَجْرِ ليعلم النَّاس ويركعون وَرُوِيَ أَنه حدث فِي زمَان مُعَاوِيَةَ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ إِذَا أَذَّنَ عَلَى الصَّوْمَعَةِ دَارَ إِلَى الْأَمِيرِ وَاخْتَصَّهُ بِحَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ إِلَى حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ ثُمَّ يَقُولُ الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَأَقَرَّ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز وَأَجَازَهُ ابْن الْمَاجشون فِي الْمَبْسُوطِ وَذَكَرَ فِي صِفَةِ التَّسْلِيمِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْأَمِيرُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيّ على الْفَلاح وَالصَّلَاة يَرْحَمُكَ اللَّهُ قَالَ وَأَمَّا فِي الْجُمُعَةِ فَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْأَمِيرُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ قَدْ حَانَتِ الصَّلَاةُ قَدْ حَانَتِ الصَّلَاةُ وَعَادَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تَأْبَى هَذِهِ الْمُحْدَثَاتِ
فَائِدَةٌ التَّثْوِيبُ مِنْ قَوْلِهِمْ ثَابَ إِلَيْهِ جِسْمُهُ إِذَا رَجَعَ بَعْدَ الْمَرَضِ وَالْبَيْتُ مَثَابَةٌ لِلنَّاسِ أَيْ مَرْجِعٌ لَهُمْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَصْلُهُ الْإِعْلَامُ يُقَالُ ثَوَّبَ إِذا لوح بِثَوْبِهِ وللفرق بَيْنَ ثَابَ وَتَابَ مُعْجَمًا وَمُهْمَلًا أَنَّ الْأَوَّلَ لِلرُّجُوعِ وَالثَّانِي لِلْإِقْلَاعِ وَمِنْهُ التَّوْبَةُ مِنَ الذَّنْبِ أَيِ الْإِقْلَاعُ عَنْهُ الثَّالِثُ أَنْكَرَ فِي الْكِتَابِ التَّطْرِيبَ فِي الْأَذَانِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ مُؤَذِّنِي الْمَدِينَةِ يَطْرَبُ يَعْنِي الْعَمَلَ عَلَى خِلَافِهِ وَالتَّطْرِيبُ مِنَ الِاضْطِرَابِ الَّذِي يُصِيب الْإِنْسَان من الْخَوْف أَو الْفَرح مشبه بتقطيع الصَّوْت وترعيده

(2/47)


بِذَلِكَ وَكَرِهَهُ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّشْبِيهِ بِالْغِنَاءِ الَّذِي بنزه التَّقَرُّبُ عَنْهُ وَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَكَذَلِكَ التَّحْزِينُ بِغَيْرِ تَطْرِيبٍ وَلَا يُبَالِغُ فِي الْمَدِّ بَلْ يَكُونُ عَدْلًا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ مُحَدَّدًا عَالِيًا الرَّابِعُ أَنْكَرَ فِي الْكِتَابِ دَوَرَانَ الْمُؤَذِّنِ وَالْتِفَاتَهُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهِ وَبَلَغَنِي عَنهُ إِجَازَته للإسماع وَأنكر الإدارة إِنْكَارًا شَدِيدًا وَفِي الْجَوَاهِرِ لَا يُحَوِّلُ صَدْرَهُ عَنِ الْقِبْلَةِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَفِي الْجُلَّابِ لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ إِلَى الْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا مبتدئا وَفِي أثْنَاء أَذَانه وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِنْ أَذَّنَ عَلَى الْمَنَارِ فَلَهُ أَنْ يَدُورَ بِجَمِيعِ جَسَدِهِ عَنِ الْقِبْلَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَتْرُكُ الِاسْتِقْبَالَ بِوَجْهِهِ وَلَا بِقَدَمَيْهِ كَانَ فِي مَنَارٍ أَوْ غَيْرِهِ وَيَلْوِي عُنُقَهُ فِي حَيَّ على الصَّلَاة حَيّ عَلَى الْفَلَاحِ لِيُسْمِعَ النَّوَاحِيَ وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ يَثْبُتَ بِجَمِيعِ جَسَدِهِ فِي جَمِيعِ أَذَانِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَنَارِ لَوَى عُنُقَهُ وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ الِاسْتِقْبَالَ فِي الْإِقَامَةِ أَيْضًا وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ رَأَيْتُ الْمُؤَذِّنِينَ بِالْمَدِينَةِ وُجُوهَهُمْ إِلَى الْقِبْلَةِ وَرَأَيْتُهُمْ يُقِيمُونَ عَرْضًا يَخْرُجُونَ مَعَ الْإِمَامِ وَهُمْ يُقِيمُونَ يَعْنِي أَنَّهُمْ ذُرِّيَّةُ الصَّحَابَةِ يَنْقِلُونَ عَنِ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ وَفِي أَبِي دَاوُدَ رَأَيْتُ بِلَالًا يُؤذن ويدور وَيتبع هَهُنَا وَهَهُنَا وأصبعاه فِي أُذُنَيْهِ وَفِيه عَن أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ بِلَالًا خَرَجَ إِلَى الْأَبْطَحِ فَأَذَّنَ فَلَمَّا بَلَغَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ لَوَى عُنُقَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَمْ يَسْتَدِرْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْعِلْمِ

(2/48)


الْخَامِسُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يُؤَذِّنُ قَاعِدًا إِلَّا مِنْ عُذْرٍ إِذَا كَانَ مَرِيضًا يُؤَذِّنُ لِنَفْسِهِ وَأَجَازَ فِي الْحَاوِي قَاعِدًا وَرَاكِبًا وَجْهُ الْأَوَّلِ الِاتِّبَاعُ لِلسَّلَفِ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْإِقَامَةِ وَالْخُطْبَةِ وَلِأَنَّ الدُّعَاءَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يَقْتَضِي الِاهْتِمَامَ وَالْجُلُوس تَقْصِير الْوَجْه الثَّانِي أَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِعْلَامُ وَهُوَ حَاصِلٌ وَلِأَنَّ الْأَذَانَ مِنَ السُّنَنِ التَّابِعَةِ لِلْفَرَائِضِ فَأَشْبَهَ نَوَافِلَ الصَّلَاةِ السَّادِسُ وَسَّعَ فِي الْكِتَابِ فِي تَرْكِ وَضْعِ الْإِصْبَعَيْنِ فِي الْأُذُنَيْنِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَأَيْتُهُمْ بِالْمَدِينَةِ لَا يَفْعَلُونَهُ وَاسْتَحْسَنَهُ الشَّافِعِيُّ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ وَقَوْلُنَا أَرْجَحُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْتَحْسَنًا لَكَانَ فِي مَسْجِدِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْإِقَامَةُ كَالْأَذَانِ السَّابِعُ فِي الْجَوَاهِر يجْزم آخر كل جملَة مِنَ الْأَذَانِ وَلَا يَصِلُهَا بِمَا بَعْدَهَا وَيُدْمِجُ الْإِقَامَةَ لِلْعَمَلِ فِي ذَلِكَ الثَّامِنُ قَالَ فِي الْكِتَابِ يُؤَذِّنُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ وَاخْتَارَ فِي الْمُخْتَصَرِ الْوُضُوءَ وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْمَعُونَةِ وَالشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي التِّرْمِذِيِّ لَا يُؤَذِّنُ إِلَّا مُتَوَضِّئٌ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْإِقَامَةُ لِأَنَّهَا أَذَانٌ وَإِعْلَامٌ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الصَّحِيحَيْنِ
بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ لِمَنْ شَاءَ
فَرْعٌ مُرَتَّبٌ إِذا لم يكره الْحَدث فكرهه ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لِلْجُنُبِ وَأَجَازَهُ أَبُو

(2/49)


الْفَرَجِ فِي الْحَاوِي وَسَحْنُونٌ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ يُكْرَهُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لِلْجُنُبِ أَمْ لَا فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ السَّلَامَ إِلَّا أَنِّي لَمْ أَكُنْ عَلَى طُهْرٍ يَعْنِي لِمَا فِي السَّلَامِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ التَّاسِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ يَجُوزُ أَرْبَعَةُ مُؤَذِّنِينَ لِمَسْجِدٍ وَاحِدٍ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ رَأَيْتُ بِالْمَدِينَةِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مُؤَذِّنًا وَكَذَلِكَ بِمَكَّةَ يُؤَذِّنُونَ مَعًا فِي أَرْكَانِ الْمَسْجِد كل وَاحِد لَا يَنْقَضِي بِأَذَانِ صَاحِبِهِ فَأَمَّا الْمَسْجِدُ الْكَبِيرُ فَيَجُوزُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ رَجُلٌ يُسْمِعُ مَنْ يَلِيهِ لِأَنَّ كُلَّ جَمَاعَةٍ يَحْتَاجُونَ لِلْإِعْلَامِ وَأَمَّا الصَّغِيرُ فَتَوَالِي الْأَذَانِ فِيهِ أَبْلَغُ مِنْ جَمْعِهِ بِحَسْبِ الْوَقْتِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَمَّا الصُّبْحُ وَالظُّهْرُ وَالْعِشَاءُ فَيُؤَذِّنُونَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ إِلَى الْعَشَرَةِ وَفِي الْعَصْرِ إِلَى الْخَمْسَةِ وَفِي الْمَغْرِبِ وَاحِدٌ فَقَطْ التُّونِسِيُّ يُرِيدُ أَوْ جَمَاعَةً مُجْتَمِعِينَ فَإِنْ تَشَاحُّوا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ بِشَرْطَيْنِ التَّسَاوِي فِي الْإِمَامَة وَأَن لَا يَكُونَ صَاحِبَ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ مُقَدَّمٌ وَتَصِحُّ الْقُرْعَةُ فِي الْمَغْرِبِ وَغَيْرِهَا وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يستهموا عَلَيْهِ لاستهموا وَقد اخْتَصَمَ قَوْمٌ بِالْقَادِسِيَّةِ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ سَعْدٌ وَكَرِهَ الْحَنَفِيَّةُ تَكْرَارَهُ فِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ بِخِلَافِ الشَّاغِرِ مُحْتَجِّينَ بِأَنَّ التَّكْرَارَ يُؤَدِّي إِلَى تَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ بِاعْتِمَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى أَذَانِ نَفْسِهِ وَجَوَابُهُ أَنَّ مَنِ اعْتَادَ الْأَذَانَ حَقَّقَ الْوَقْتَ فَلَا يَخْتَلِفُونَ غَالِبًا

(2/50)


الْعَاشِرُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يَفْصِلُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَة إِلَّا الْمغرب عندنَا وَعند أبي حنيفَة خِلَافًا لِصَاحِبَيْهِ فِي الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا بِجِلْسَةٍ كَالْخُطْبَتَيْنِ وَلِلشَّافِعِيِّ فِي الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كُنَّا بِالْمَدِينَةِ إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ ابْتَدَرُوا السَّوَارِيَ يَرْكَعُونَ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ الْغَرِيبَ لَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَحْسَبُ أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ صُلِّيَتْ مِنْ كَثْرَة من يُصليهَا وَجَوَابه مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَتَوَارَتْ بِالْحِجَابِ وَهَذَا يَقْتَضِي عدم الْفَصْل وَعمل الْمَدِينَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ آخِرُ الْعَمَلَيْنِ مِنْ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْحَادِيَ عَشَرَ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يُسَلِّمُ فِي أَذَانِهِ وَلَا يَرُدُّ سَلَامًا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ خُرُوجِ الْأَذَانِ عَنْ نِظَامِهِ وَلِأَنَّهُ الْعَمَل فِي السَّلَفِ
فَرْعٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَإِنْ عَرَضَ لَهُ مُهِمٌّ كَأَعْمَى يُخْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْوُقُوعِ فِي حفير فَفِي الْوَاضِحَة يتَكَلَّم ويبتدئ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي قِيَاسًا عَلَى الْخُطْبَةِ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِيهَا مَمْنُوعٌ إِلَّا لِضَرُورَةٍ وَأَمَّا التَّسْلِيمُ عَلَيْهِ فَالْمَذْهَبُ مَنْعُهُ قَالَ التُّونِسِيُّ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَرُدُّ إِشَارَةً يَجُوزُ كَالْمُصَلِّي قَالَ وَالْفَرْقُ أَنَّ أُبَّهَةَ الصَّلَاةِ وَعَظَمَتَهَا تَمْنَعُ مِنَ الِانْحِرَافِ فِي الْكَلَامِ بِخِلَافِ الْأَذَان وَلذَلِك منعناه السَّلَامَ فِي الْخُطْبَةِ وَأَبَحْنَاهُ فِي الْجُمُعَةِ قَالَ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ إِشَارَةً وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ وَاخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا وَخَرَجَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْجَوَازِ جَوَازِ التَّسْلِيمِ

(2/51)


عَلَيْهِ وَإِذَا قُلْنَا لَا يَرُدُّ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ يَرُدُّ بَعْدَ فَرَاغِهِ كَالْمَسْبُوقِ يَرُدُّ عَلَى الْإِمَامِ إِذَا أَتَمَّ صَلَاتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُؤَذِّنِ وَالْمُصَلِّي فِي الرَّدِّ بِالْإِشَارَةِ أَنَّهَا لَيْسَتْ سَلَامًا وَإِنَّمَا هِيَ بَدَلُ الْبَدَل إِنَّمَا شُرِعَ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمُبْدَلِ مِنْهُ وَالْمُصَلِّي يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْكَلَامُ فَشُرِعَتْ لَهُ وَالْمُؤَذِّنُ لَوْ سَلَّمَ لَمْ يَبْطُلْ أَذَانُهُ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا فَكَانَ الْأَحْسَنُ التَّأْخِيرَ حَتَّى يَفْرُغَ كَمَا فَعَلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي رَدِّ السَّلَامِ حَتَّى تَيَمَّمَ على الْجِدَار لكَرَاهَة ذكر اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ جُنُبٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ فَإِنْ تَكَلَّمَ بَنَى قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُرِيدُ إِذَا كَانَ يَسِيرًا وَسَوَّى فِيهِ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ لِأَنَّ الْإِعْلَامَ يَحْصُلُ بِخِلَافِ الْكَثِيرِ الثَّانِيَ عَشَرَ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ إِنْ نَكَّسَ ابْتَدَأَ وَقَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِنْ نَسِيَ شَيْئًا مِنْهُ فَإِنْ طَالَ لَمْ يَبْنِ وَإِنْ قَرُبَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْقَلِيلِ وَيُعِيدُ فِي الْكثير من مَوضِع نَسِيَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُعِيدُ الْيَسِيرَ فِي الْقُرْبِ لَنَا أَنَّ تَرْكَ الْكَلِمَةِ وَنَحْوِهَا قَدْ لَا يَعْلَمُهَا السَّامِعُ وَإِنْ عَلِْمَهَا عَلِمَ أَنَّهُ غَلَطَ فَعَوْدُهَا لَا يَحْصُلُ إِعْلَامًا وَرُبَّمَا لُبِّسَ عَلَى السَّامِعِ فَلَا يَشْرَعُ
فَرْعَانِ مُرَتَّبَانِ الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِنْ أَرَادَ الْأَذَانَ فَأَخْطَأَ فَأَقَامَ أَعَادَ الْأَذَانَ وَقَالَ ابْنُ الْجُلَّابِ إِنْ أَرَادَ الْأَذَانَ فَأَقَامَ أَوِ الْإِقَامَةَ فَأَذَّنَ أَعَادَ حَتَّى يَكُونَ عَلَى نِيَّةٍ لفعله

(2/52)


وَيَسْتَمِرُّ عَلَيْهَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ نِيَّةَ التَّقَرُّبِ لِأَنَّهُ قربَة من القربان وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَبْهَرِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ قُرْبَةٌ فَتَجِبُ فِيهِ النِّيَّة لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَكَذَلِكَ صَاحَبُ تَهْذِيبِ الطَّالِبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ نِيَّةَ الْفِعْلِ وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ نِيَّةِ التَّقَرُّبِ لِوُجُودِهَا فِي الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمُبَاحَاتِ بِدُونِ التَّقَرُّبِ وَلِذَلِكَ يَقُولُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ يُعِيدُ حَتَّى يَكُونَ عَلَى صَوَابٍ مِنْ فِعْلِهِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ الْأَصْحَابِ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ وَقيل إِن أَرَادَ الْأَذَان فأذ لَا يُعِيدُ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِأَنَّهَا مُثَنَّى وَهَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ عَدَمَ اشْتِرَاطِ نِيَّةِ التَّقَرُّبِ فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّحَ الْإِقَامَةَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدِ التَّقَرُّبَ بِهَا الثَّانِي قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ جُنَّ فِي بَعْضِهِ ثُمَّ أَفَاقَ بَنَى فِيمَا قَرُبَ وَقَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْإِقَامَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَبْنِي فِي الطُّولِ وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ بَعْدَ الطُّولِ لَبْسٌ فَلَا شرع فَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي الْإِقَامَةِ فَأَرَادَ غَيْرُهُ إِتْمَامَهَا قَالَ أَشْهَبُ يَبْتَدِئُهَا وَإِنْ بَنَى أَجْزَأَهُ وَسَوَّى بَيْنَ الْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ وَالْمَوْتِ وَسَوَّغَ فِيهِ الِاسْتِخْلَافَ قِيَاسًا عَلَى الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ إِذَا سَبَقَ الْإِمَامُ الْحَدَثَ وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأَذَانِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْإِمَامِ يَسْبِقُهُ الْحَدَثُ وَفَرَّقَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ بِأَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ فِي الصَّلَاةِ يَأْتِي بِجَمِيعِهَا فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الْأَذَانِ وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِالْخُطْبَةِ فَإِنَّ الْخَلِيفَةَ يَأْتِي بِالْبَعْضِ الثَّالِثَ عَشَرَ مَا فِي الصِّحَاح إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثمَّ صلو عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بهَا عشرا ثمَّ سَأَلُوا لِيَ الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تنبغي إِلَّا لعبد من عباد الله وأرجوا أَنْ أَكُونَ أَنَا

(2/53)


هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ شَفَاعَتِي قَالَ الْمَازِرِيُّ اخْتُلِفَ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ إِحْدَاهَا إِذَا أَذَّنَ مُؤَذِّنُونَ هَلْ يَحْكِيهِمْ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ
إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ فَيُؤْمَرُ بِتَكْرِيرِهِ أَوْ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمُؤَذِّنِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَثَانِيهَا إِذَا رَجَعَ الْمُؤَذِّنُ هَلْ يَكْتَفِي بِالْأَوَّلِ لِحُصُولِ الْمِثْلِيَّةِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ مِثْلَ مَا يَقُولُ وَلِأَن الترجيع إِنَّمَا هُوَ الإسماع وَالسَّامِعُ لَيْسَ بِمُسْمِعٍ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ يُكَرِّرُ نَظَرًا لِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَثَالِثُهَا هَلْ يُكَرر مَعَه آخِرَ الْأَذَانِ قَوْلَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ هَلْ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ أَمْ لَا؟ أَوْ يُقَالُ إِنَّ قَوْلَهُ مِثْلَ صِيغَةِ تَشْبِيهٍ وَيَكْفِي فِيهِ وَجْهٌ وَاحِدٌ لُغَةً أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَعْلَى مَرَاتِبِ التَّشْبِيهِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْحَقِيقَةُ وَالثَّانِي مَجَازٌ قَالَ فِي الْكِتَابِ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ وَذَلِكَ فِيمَا يَقَعُ فِي قَلْبِي إِلَى آخِرِ التَّشَهُّدِ يَعْنِي لِأَنَّهُ ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمَا عَدَاهُ دُعَاءٌ لِلصَّلَاةِ وَالسَّامِعُ لَيْسَ بِدَاعٍ إِلَيْهَا وَيُؤَيِّدُ مَا وَقَعَ فِي قَلْبِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَنَّهُ الْحَقُّ مَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
قَالَ مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ رضيت بِاللَّه رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولا وبالاسلام دينا غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ زِيَادَةً عَلَى التَّمْجِيدِ وَالتَّوْحِيدِ وَالتَّشَهُّدِ
تَنْبِيهٌ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَو فعل ذَلِك رجل لم أربه بَأْسًا نَقَلَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَإِنْ أَتَمَّ الْأَذَانَ مَعَهُ فَلَا بَأْسَ وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْمُنْتَقى وَصَاحب

(2/54)


النُّكَتِ وَحُكِيَ عَنْ سَحْنُونٍ ذَلِكَ وَقَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَعَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ بَلْ مَعْنَاهُ إِن فعل الاقتصاد فَلَا بَأْسَ وَهُوَ اللَّائِقُ إِذْ لَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ وَافَقَ ظَاهِرَ اللَّفْظِ لَا بَأْسَ وَإِنَّمَا يَحْسُنُ ذَلِكَ إِذَا خَالَفَ الظَّاهِرَ وَاقْتَصَرَ وَقَالَ مَالِكٌ فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ يُكْمِلُ الْأَذَانَ مَعَهُ وَيُبَدِّلُ الْحَيْعَلَتَيْنِ بالحوقلتين لِمَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
قَالَ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ أحدكُم اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَسَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى آخِرِ الْأَذَانِ وَقَالَ عِنْدَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ وَكَمَّلَ الْأَذَانَ
فَائِدَةٌ الْحَوْلُ مَعْنَاهُ الْمُحَاوَلَةُ وَالتَّحَيُّلُ وَالْقُوَّةُ مَعْنَاهَا الْقُدْرَةُ وَمَعْنَى الْكَلَامِ لَا حِيلَةَ لَنَا وَلَا قُدْرَةَ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَشِيئَتِهِ فَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ فِي الْكِتَابِ يَحْكِي فِي النَّافِلَةِ دُونَ الْفَرِيضَةِ وَفِي الْجَوَاهِرِ رَوَى أَبُو مُصْعَبٍ يَحْكِي فِيهِمَا وَجَوَّزَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَمَنَعَ سَحْنُونٌ وَالشَّافِعِيُّ فِيهِمَا فَمَنْ نَظَرَ إِلَى قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ فَقُولُوا مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ جَوَّزَ وَمَنْ نَظَرَ إِلَى أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ فَالْعِنَايَةُ بِهَا أَوْلَى مَنْعٍ وَمَنْ نَظَرَ إِلَى تَأَكُّدِ الْفَرِيضَةِ مَنْعَ فِيهَا خَاصَّةً وَجَوَّزَ فِي النَّافِلَة كَمَا اخْتصّت سُجُود التِّلَاوَةِ وَالصَّلَاةِ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ وَعَلَى الرَّاحِلَةِ إِلَى غَيْرِ الْكَعْبَةِ تَفْرِيعٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِذَا قُلْنَا لَا يَحْكِيهِ فِي الْفَرِيضَةِ حَكَاهُ بَعْدَ فَرَاغِهَا وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ

(2/55)


وَإِذَا قُلْنَا يَحْكِيهِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ أَوْ فِي الْفَرْض فَقَطْ فَلَا يَتَجَاوَزُ التَّشَهُّدَيْنِ فَلَوْ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَصِيلِي لَا تَبْطُلُ صَلَاتَهُ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ وَحَكَى صَاحِبُ النُّكَتِ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ الْبُطْلَانَ لِأَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَهُوَ مُقْتَضَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْجَهْلَ مِثْلُ الْعَمْدِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ أَبْطَأَ الْمُؤَذّن جَوَّزَ فِي الْكِتَابِ أَنْ يَقُولَ قَبْلَهُ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى عَنْهُ يَقُولُ بَعْدَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ نظرا إِلَى ظَاهر الحَدِيث فَإِنَّ جَوَابَ الشَّرْطِ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَهُ وَالْأَوَّلُ أَفْقَهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الذِّكْرُ وَهُوَ حَاصِلٌ مُطْلَقًا
فَرْعٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ إِذَا انْتَهَى الْمُؤَذِّنُ إِلَى آخِرِ الْأَذَانِ يَحْكِيهِ إِنْ شَاءَ وَهَذَا الْفَرْعُ أَهْمَلَهُ أَبُو سَعِيدٍ فَنَقَلَهُ إِذَا أَتَمَّ الْأَذَانَ فَلَا بَأْسَ قَالَ صَاحب الطّراز وَفِيه فَوَائِد أَحدهَا أَنَّهُ يَكْتَفِي بِذِكْرِ أَوَّلِ الْأَذَانِ عَنْ آخِرِهِ لِأَن الْمَقْصُود غير ذَلِك الذّكر وَهُوَ حَاصِل وَثَانِيها أَنَّهُ إِذَا سَمِعَ مُؤَذِّنًا آخَرَ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ مِنْ هَذَا الْفَرْعِ أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ حِكَايَتُهُ كَآخِرِ الْأَذَانِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَلْزَمُهُ بِخِلَافِ آخِرِ الْأَذَان قَالَ وَالَّذِي يُوضح هَذَا الْخلاف أَنَّ الْفَذَّ يُقِيمُ لِنَفْسِهِ وَالْجَمَاعَةُ يُقِيمُ لَهَا وَاحِد فَلَو كَانَ تكْرَار الْحِكَايَة لَاسْتُحِبَّ لِكُلِّ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ أَنْ يُقِيمَ الصَّلَاةَ إِذَا أَقَامَهَا الْمُؤَذِّنُ بَعْدَ أَذَانِهِ أَغَالِيطُ الْمُؤَذِّنِينَ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْأَذَانِ أَحَدُهَا اللَّهُ أكبر يمدون بعد الْبَاء فيصيرا كبارًا وَالْأَكْبَارُ جَمْعُ كُبَرٍ وَالْكُبَرُ الطَّبْلُ فَيَخْرُجُ الْأَذَانُ إِلَى

(2/56)


مَعْنَى الْكُفْرِ وَثَانِيهَا يَمُدُّونَ فِي أَوَّلِ أَشْهَدُ فَيَخْرُجُ إِلَى حَيِّزِ الِاسْتِفْهَامِ وَالْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا إِنْشَائِيًّا وَكَذَلِكَ يَصْنَعُونَ فِي أَوَّلِ الْجَلَالَةِ وَثَالِثُهَا الْوُقُوفُ عَلَى لَا إِلَهَ وَهُوَ كُفْرٌ وتعطيل فقد شاهدت ذَلِك فِي مُؤذن الْجَامِعِ الْكَبِيرِ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَكَانَ يَمُدُّ إِلَى أَنْ يَفْرُغَ نَفَسُهُ هُنَالِكَ ثُمَّ يَبْتَدِئُ إِلَّا اللَّهُ وَرَابِعُهَا لَا يُدْغِمُونَ تَنْوِينَ مُحَمَّدًا فِي الرَّاءِ بعده وَهُوَ لَحْنٌ خَفِيٌّ عِنْدَ الْقُرَّاءِ وَخَامِسُهَا لَا ينطلقون بِالْهَاءِ مِنَ الصَّلَاةِ فَيَخْرُجُ الْكَلَامُ إِلَى الدُّعَاءِ إِلَى صلا النَّار وسادسها لَا ينطقون بِالْحَاء من الْفَلاح فَخرج الْكَلَامُ عَنِ الْمَقْصُودِ فَوَائِدُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَكْبَرُ هَلْ مَعْنَاهُ كَبِيرٌ لِاسْتِحَالَةِ الشِّرْكَةِ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَغَيْرِهِ فِي الْكِبْرِيَاءِ وَصِيغَةُ أَفْعَلُ إِنَّمَا تَكُونُ مَعَ الشِّرْكَةِ أَوْ مَعْنَاهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لِأَنَّ الْمُلُوكَ وَغَيْرَهُمْ فِي الْعَادَةِ يُوصَفُونَ بِالْكِبْرِيَاءِ فَجِيئَتْ صِيغَةُ أَفْعَلٍ بِنَاءً عَلَى الْعَادَةِ وَحَيَّ مَعْنَاهُ الدُّعَاءُ لِلشَّيْءِ تَقُولُ الْعَرَبُ حَيَّ عَلَى الثَّرِيدِ أَيِ أَقْبِلْ وَكَذَلِكَ هَلَّا بِمَعْنَاهُ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَيُقَالُ حَيْهَلَا بِالتَّنْوِينِ وبغيرتنوين بتسكين اللَّام وبتحريكها مَعَ الْألف ويعدى بعلى كَمَا فِي الْأَذَان وبإلى وبالباء وَمِنْه الْحَدِيثُ إِذَا ذُكِرَ الصَّالِحُونَ فَحَيْهَلَا بِعُمَرَ وَالْفَلَاحُ فِي اللُّغَة الْخَيْر الْكثير أَفْلَحَ الرَّجُلُ إِذَا أَصَابَ خَيْرًا وَالْإِلَهُ الْمَعْبُودُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيَ الْمَعْبُودِ كَيْفَ كَانَ لِوُجُودِ المعبودين فِي الْوُجُود كالأصنام وَالْكَوَاكِب بل ثمَّ صِفَةٌ مُضْمَرَةٌ تَقْدِيرُهَا لَا مَعْبُودَ مُسْتَحِقٌّ لِلْعِبَادَةِ إِلَّا اللَّهُ وَمَنْ لَمْ يُضْمِرْ هَذِهِ الصِّفَةَ لَزِمَهُ أَنْ يَكُونَ تَشَهُّدُهُ كَذِبًا

الْفَصْلُ الثَّانِي فِي حُكْمِهِ
قَالَ اللَّخْمِيُّ الْأَذَانُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ سُنَّةٌ وَهُوَ الْأَذَانُ فِي الْمَسَاجِدِ وَعَرَفَةَ وَمِنًى وَالْعدَد الْكثير فِي السّفر والايمة حَيْثُ كَانُوا وَمُخْتَلَفٌ فِي

(2/57)


وُجُوبه وَهُوَ أَذَان الْجُمُعَة قَالَ وَالْأَحْسَن وُجُوبه لتَعلق الْأَحْكَام كَتَحْرِيمِ الْبَيْعِ وَوُجُوبِ السَّعْيِ وَمُسْتَحَبٌّ وَهُوَ أَذَانُ الْفَذِّ الْمُسَافِرِ وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ أَمْ لَا وَهُوَ أَذَانُ الْفَذِّ فِي غَيْرِ السّفر وَالْجَمَاعَةُ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إِلَى إِعْلَامِ غَيْرِهَا وَالْقَوْلَانِ لِمَالِكٍ قَالَ وَالصَّوَابُ عَدَمُ الِاسْتِحْبَابِ لِعَدَمِ حِكْمَةِ الْأَذَانِ وَمَكْرُوهٌ وَهُوَ الْأَذَانُ لِلْفَوَائِتِ وَالسُّنَنِ وَأَذَانُ النِّسَاءِ فَرْقٌ الْفَذُّ فِي السَّفَرِ فِي مَوضِع لَيْسَ فِيهِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فَشُرِعَ لَهُ إِظْهَارُهَا وَسَرَايَا الْمُسْلِمِينَ تقصده فَيحْتَاج إِلَى الذب عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْحَاضِرِ فَإِنَّهُ مُنْدَرِجٌ فِي شَعَائِرِ غَيْرِهِ وَصِيَانَتِهِ وَفِي الْجَوَاهِرِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ مُتَأَخَّرِي الْأَنْدَلُسِيِّينَ وَالْقَرَوِيِّينَ أَنَّ الْأَذَانَ وَاجِبٌ لِإِقَامَةِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ فَعَلَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ سَقَطَ عَنْ جُمْلَتِهِمْ قَالُوا وَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي مَسَاجِد الْجَمَاعَات ومواضع الأيمة وَحَيْثُ يقْصد الدُّعَاء للصَّلَاة وَعَن البغدادين أَنَّهُ سُنَّةٌ وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وُجُوبَهُ عَلَى الْكِفَايَةِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْجَمَاعَةِ الرَّاتِبَةِ وَعَلَّلَهُ بِإِظْهَارِ الشَّعَائِرِ وَضَبْطِ الْأَوْقَاتِ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ فِي الْأَذَانِ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا إِظْهَارُ الشَّعَائِرِ وَالتَّعْرِيفُ بِأَنَّ الدَّارَ دَارُ إِسْلَامٍ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ يُقَاتَلُ أهل الْقرْيَة على تَركه حَتَّى يَفْعَلُوا إِن عجز عَن قهرهم على إِقَامَة إِلَّا بِالْقِتَالِ وَهُوَ مَذْهَب ابْن الطّيب وَثَانِيهمَا الدُّعَاء للصَّلَاة والإعلام بوقتها وَهُوَ جُلُّ الْمَقْصُودِ مِنْهُ فَحَكَى الْبَغْدَادِيُّونَ أَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَفَرْضٌ عِنْدَ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَوَقَعَ لِمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَمَعْنَاهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَتَأَوَّلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ سُنَّةٌ بِأَنَّ مَعْنَاهُ لَيْسَ شرطا فِي الصَّلَاة ومنشأ الْخلاف فِي قاعدتين إِحْدَاهمَا أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَمَرَ بِالْأَذَانِ بِلَالًا وَأَبَا مَحْذُورَةَ وَغَيْرَهُمَا وَالْخِلَافُ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ فِي حَمْلِ الْأَمْرِ عَلَى الْوُجُوبِ أَو على

(2/58)


النَّدْبِ وَثَانِيَتُهُمَا أَنَّ الصَّلَوَاتِ وَاجِبَةٌ وَصِحَّتُهَا مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ دُخُولِ وَقْتِهَا وَالْخِلَافُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِيمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ وَهُوَ مَقْدُورٌ لِلْمُكَلَّفِ هَلْ يَكُونُ وَاجِبًا أَمْ لَا؟ سُؤَالٌ إِذَا رَتَّبَ اللَّهُ تَعَالَى وُجُوبَ شَيْءٍ عَلَى سَبَبٍ أَوْ شَرْطٍ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُهُمَا وَلَا يَبْحَثُ عَنْهُمَا إِجْمَاعًا كَتَرْتِيبِ الرَّجْمِ عَلَى الزِّنَا وَالْإِحْصَانِ وَالْقَطْعِ عَلَى السَّرِقَةِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُهُمَا وَلَا الْبَحْثُ عَنْهُمَا وَإِنَّمَا يَجِبُ تَحْصِيل مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْوَاجِبُ بَعْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِ وُجُوبِهِ كَتَوَقُّفِ الْحَجِّ وَالْجُمُعَةِ عَلَى السَّعْيِ لَهُمَا بَعْدَ تَحَقُّقِ وجوبهما وأسبابهما فَلَو خولفت هَذِه الْقَاعِدَة هَهُنَا فَإِنَّ الْأَوْقَاتَ أَسْبَابُ الْوُجُوبِ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالِاسْتِطَاعَةِ فِي الْحَجِّ جَوَابُهُ أَنَّ أَسْبَابَ الْوُجُوبِ عَلَى قِسْمَيْنِ مِنْهَا مَا يَجُوزُ أَنْ يُعَرَّى عَنْهُ الْمُكَلَّفُ فِي جُمْلَةِ عُمْرِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَحْثُ عَنْهُ كَالسَّرِقَةِ وَنَحْوِهَا وَمِنْهَا مَا يُقْطَعُ بحصوله فِي الْجُمْلَة من غير تعْيين قيقطع بِتَرْتِيبِ الْوُجُوبِ فِي ذِمَّتِهِ لِقَطْعِهِ بِسَبَبِهِ وَإِذَا قَطَعَ بِالْوُجُوبِ تَعَيَّنَ الْإِيقَاعُ فَيَتَعَيَّنُ الْبَحْثُ عَنْ تَعْيِينِ السَّبَبِ حَتَّى لَا يَقَعَ الْفِعْلُ قَبْلَهُ فَيكون مَعْصِيَةً غَيْرَ مُجْزٍ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْأَذَانَ لَيْلَة الْإِسْرَاء فِي السَّمَاء بهيئته وَصفته وَكَانَ بِمَكَّةَ مَعَ بَقِيَّةٍ مِنَ الْكُفَّارِ فَكَانَتِ الصَّلَاة اختلاسا إِلَى بعد الْهِجْرَة وَفِي الْمُوَطَّأ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ خَشَبَتَيْنِ يَضْرِبُ بِهِمَا لِيَجْتَمِعَ النَّاسُ لِلصَّلَاةِ فَأُرِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ خَشَبَتَيْنِ فِي النَّوْمِ فَقَالَ إِنَّ هَاتَيْنِ لَنَحْوٌ مِمَّا يُرِيدُهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقِيلَ أَلَا تُؤَذِّنُونَ لِلصَّلَاةِ؟ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين اسْتَيْقَظَ

(2/59)


فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَأَمَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْأَذَانِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اهْتَمَّ كَيْفَ يَجْمَعُ النَّاسَ لِلصَّلَاةِ؟ فَقيل لَهُ تنصب راية عِنْد حُضُور الصَّلَاةِ فَإِذَا رَأَوْهَا آذَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَلَمْ يُعْجِبْهُ فَذُكِرَ لَهُ الْقَنْعُ يَعْنِي الشَّبُّورَ فَلَمْ يُعْجِبْهُ وَقَالَ هُوَ مِنْ أَمْرِ الْيَهُودِ وَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ فَقَالَ هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ ابْعَثُوا رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلَاةِ يعْنى بقول الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ وَيُرْوَى اتَّخِذُوا نَارًا مِثْلَ الْمَجُوسِ وَيُرْوَى نَوِّرُوا بِاللَّيْلِ وَدَخِّنُوا بِالنَّهَارِ وَيُرْوَى أَنَّ عمر رَضِي الله عَنهُ رأى مثل ابْن زَيْدٍ وَتَابَعَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي الرُّؤْيَا بِضْعَةَ عَشَرَ
فَائِدَةٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرْوَى الْقَبْعُ بِالْبَاءِ مَفْتُوحَةً وَبِالنُّونِ سَاكِنَةً قَالَ وَسمعت أَبَا عمر يَقُول الثبع بالثاء الْمُثَلَّثَة والجميع اسماء للبوق فبللنون من اقناع الصَّوْت وَالرَّأْس وَهُوَ رَفْعُهُ وَبِالْبَاءِ مِنَ السِّتْرِ يُقَالُ قَبَعَ رَأْسَهُ فِي جَيْبِهِ إِذَا أَدْخَلَهُ فِيهِ
تَمْهِيدٌ هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَجْتَهِدُ فِيمَا بِهِ يَعْرِفُ الْوَقْتَ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الِاجْتِهَادِ فِي الْأَحْكَامِ كَمَا ظَنَّهُ أَبُو الطَّاهِرِ وَغَيْرُهُ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَجَعَلُوهُ من المسئلة الْأُصُولِيَّةِ هَلْ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الْأَحْكَامِ أَمْ لَا؟ لِأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ وُجُوبُ تَعَرُّفِ الْوَقْتِ وَهَذَا لَمْ يَقَعْ فِيهِ اجْتِهَادٌ بَلْ وَقَعَ فِي الطُّرُقِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى ذَلِكَ وَالطُّرُقُ لَيْسَتْ أَحْكَامًا كَمَا لَوْ وَجَبَ علينا ان ننقذ الغريق

(2/60)


فَاجْتَهَدْنَا فِي فِعْلِ ذَلِكَ هَلْ يَكُونُ بِسَفِينَةٍ أَو بِحَبل أَو خطام أَو بالسباحة إِلَيْهِ فَإِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ أَحْكَامًا وَإِنَّمَا الْحُكْمُ وُجُوبُ الْإِنْقَاذِ وَلِذَلِكَ يَجْتَهِدُ النَّاسُ فِي تَعَرُّفِ الْوَقْت بالخطوط الْمَوْضُوعَة عَلَى الْحِيطَانِ وَالرُّخَامَاتِ وَسَائِرِ الْآلَاتِ وَلَا يُعَدُّونَ مُجْتَهِدِينَ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَمَّا وَقَعَتِ الرُّؤْيَا احْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ وَحْيًا مِنَ النُّبُوَّةِ كَمَا أَقَامَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُوحَى إِلَيْهِ فِي أَوَّلِ نُبُوَّتِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فِي الْمَنَامِ وَكَمَا أُوحِيَ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمَنَامِ بِذَبْحِ وَلَدِهِ وَعَلِمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِوَحْيٍ سَابِقٍ أَوْ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ تُفِيدُ الْقَطْعَ أَوِ الظَّنَّ الْغَالِبِ بِأَنَّهَا وَحْيٌ فَعَدَلَ عَنِ الِاجْتِهَادِ إِلَى الْوَحْيِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَا مُنَبِّهَةٌ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ وَلَيْسَتْ وَحْيًا فَرَجَعَ إِلَيْهَا عَلَيْهِ السَّلَامُ لِرُجْحَانِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ لَا لِكَوْنِهَا وَحْيًا وَالْمَصْلَحَةُ فِي ذَلِكَ أَرْجَحُ مِنْ كُلِّ مَا تَقَدَّمَ قَبْلَهَا لِتَحْصِيلِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالشَّهَادَةِ بِالرِّسَالَةِ وَإِعْلَامِ الْخَلْقِ وَمُبَايَنَةِ شَعَائِرِ الْكُفْرِ وَإِظْهَارِ اخْتِصَاصِ الْأُمَّةِ وَفِي الْبُخَارِيِّ الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرْوَى بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ فَالْكَسْرُ مَعْنَاهُ سُرْعَةُ الْمَشْيِ وَمِنْهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ فَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةً نَصَّ وَالْفَتْحُ قِيلَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَتُطَوَّلُ أَعْنَاقُهُمْ حَتَّى لَا يَصِلَ الْعَرَقُ إِلَى أَفْوَاهِهِمُ الَّتِي كَانُوا يُؤَذِّنُونَ بِهَا وَقِيلَ أَطْوَلُ رَجَاءً مِنْ قَوْلِهِمْ تَطَاوَلَتْ إِلَيْهِ الْأَعْنَاقُ وَطَالَ عُنُقِي إِلَى رَجَائِكَ وَقِيلَ أطول أعناقا وَعَبَّرَ بِالْعُنُقِ عَنِ الصَّوْتِ لِأَنَّهُ مَحَلُّهُ وَفِي أَبِي دَاوُدَ الْمُؤَذِّنُ

(2/61)


يُغْفَرُ لَهُ مَدَى صَوْتِهِ وَيَشْهَدُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ وَمَعْنَاهُ يُغْفَرُ لَهُ بِسَبَبِ إِسْمَاعِهِ وَنَشْرِهِ لِذِكْرِ اللَّهِ فِي مَدِّ صَوْتِهِ لِأَنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ وَشَهَادَةُ الْجَمَادَاتِ لَهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُخْلَقَ بِهَا إِدْرَاكًا وَحَيَاةً عِنْدَ الْأَذَانِ فَتُضْبَطَ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِي الْمُوَطَّأ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ النِّدَاءَ فَإِذَا قُضِيَ الْأَذَان أقبل حَتَّى إِذا ثوب بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ حَتَّى إِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ فَيَقُولُ اذْكُرْ كَذَا وَاذْكُر كَذَا لما لم يكن يذكر وَحَتَّى يَضِلَّ الرَّجُلُ أَنْ يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى وَالتَّثْوِيبُ الْإِقَامَةُ وَهُوَ مِنَ الرُّجُوعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ يُصَدِّقُ عَلَى تَكْرَارِ اللَّفْظِ فِي الْأَذَانِ لِأَنَّهُ رُجُوعُ إِلَيْهِ وَعَلَى الدُّعَاءِ الَّذِي بَعْدَ الْأَذَانِ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ لِلَفْظِ الْأَذَانِ وَعَلَى الْإِقَامَةِ لِأَنَّهَا رُجُوعٌ إِلَى الْأَذَانِ وَقَدْ رُوِيَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَيُرْوَى يَظَلُّ الرَّجُلُ بِالظَّاءِ الْقَائِمَةِ بِمَعْنَى يَصِيرُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {ظَلَّ وَجْهُهُ مسودا} {فيظللن رواكد على ظَهره} وَيُرْوَى يَضِلُّ مِنَ الضَّلَالِ بِالضَّادِ السَّاقِطَةِ
فَائِدَةٌ لَا يتَوَهَّم من هَذَا أَن الْأَذَان وَالْإِقَامَة أفضل من الصَّلَاة لهروب الشَّيْطَان فِيهَا دُونَ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْمَفْضُولَ قَدْ يَخْتَصُّ بِمَا لَيْسَ للفاضل كَمَا قَالَ عَلَيْهِ

(2/62)


السَّلَام
أفضلكم عَلِيٌّ وَأَقْرَأُكُمْ أُبَيٌّ وَأَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ وَأَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ مَعَ فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى الْجَمِيعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَكَذَلِكَ تَعَرَّضَ الشَّيْطَانُ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صلَاته فهم يربطه ثمَّ تَركه كَمَا جَاءَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَإِذَا سَلَكَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَجًّا سَلَكَ الشَّيْطَانُ فَجًّا غَيْرَهُ فَهُرُوبُهُ مِنْ عُمَرَ وَإِلْمَامُهُ بِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَهُرُوبِهِ مِنَ الْأَذَانِ وَتَسَلُّطِهِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الْمُوَطَّأِ سَاعَتَانِ تُفْتَحُ فِيهِمَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَقَلَّ دَاعٍ تُرَدُّ عَلَيْهِ دَعْوَتُهُ حَضْرَةُ النِّدَاءِ بِالصَّلَاةِ وَالصَّفُّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيُرْوَى فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ وَنُزُولُ الْغَيْثِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ
فَرْعٌ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ الْأَذَانُ أَمِ الْإِمَامَةُ؟ فَقِيلَ الْأَذَانُ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ تَهْذِيبِ الطَّالِبِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي التَّكْبِيرَاتِ وَالشَّهَادَةِ بِالتَّوْحِيدِ وَحَقِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الشَّهَادَةِ لَهُ بِالرِّسَالَةِ وَحَقِّ الْعِبَادِ فِي الْإِعْلَامِ بِالْوَقْتِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَالْمُنْفَرِدِينَ وَالدُّعَاءِ لِلْجَمَاعَةِ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِينَ بِخِلَافِ الْإِمَامَةِ فَإِنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَتَحَدَّدْ لَهُ إِلَّا الْجَهْرُ بِالذِّكْرِ لِلْإِعْلَامِ بِالْأَذْكَارِ وَلِذَلِكَ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْلَا الْخَلِيفَةُ لَكُنْتُ مُؤَذِّنًا أَي الْخلَافَة سُؤال لم كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام مُؤذنًا؟ لِأَن أَفْضَلَ الْخَلْقِ شَأْنُهُ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى

(2/63)


أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ بَلْ كَانَ إِمَامًا وَلَمْ يُؤَذِّنْ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي سَفَرِهِ جَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْأَذَانَ مُشْتَمِلٌ عَلَى دُعَاءِ النَّاس إِلَى الصَّلَاة فَلَو أذن لَكَانَ التَّخَلُّف على إِجَابَتِهِ شَدِيدَ الْحَرَجِ فَكَانَ يَشُقُّ عَلَى النَّاسِ وَثَانِيهَا أَنَّهُ إِنْ قَالَ أَشْهَدُ أَنِّي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ غَيَّرَ نَظْمَ الْأَذَانِ وَإِنْ قَالَ أشهد أَن مُحَمَّد رَسُولُ اللَّهِ أَوْهَمَ رِسَالَةَ غَيْرِهِ وَثَالِثُهَا أَنَّ الْأَذَان يحْتَاج إِلَى رصد ومراقبة وَالِاشْتِغَالُ بِأَعْبَاءِ الرِّسَالَةِ وَمَصَالِحِ الْأُمَّةِ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْإِمَامَةِ وَقِيلَ الْإِمَامَةُ أَفْضَلُ لِإِفَادَتِهَا فَضْلَ الْجَمَاعَةِ وَهِيَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ لِلْأَذَانِ

الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي صِفَةِ الْمُؤَذّن
فَفِي الْجَوَاهِرِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا عَاقِلًا مُمَيِّزًا ذَكَرًا بَالِغًا عَدْلًا عَارِفًا بِالْمَوَاقِيتِ صَيَّتًا حَسَنَ الصَّوْتِ فَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِ كَافِرٍ أَوْ مَجْنُون أَو سَكرَان أَو مختبط أَوِ امْرَأَةٍ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُؤَذِّنُ الصَّبِيُّ وَلَا يُقِيمُ إِلَّا مَعَ النِّسَاءِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُهُ وَجَوَّزَ مَالِكٌ فِي الْحَاوِي الْأَذَان لَهُ والقاعد وَالرَّاكِبِ وَالْجُنُبِ وَمُنِعَ الْإِقَامَةَ وَمُنِعَ فِي الْكِتَابِ أَذَانُهُ وَقَالَ لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ إِمَامٌ وَهُوَ لَا يَكُونُ إِمَامًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَإِنْ جَوَّزَ إِمَامَةَ الصَّبِيِّ حُجَّةُ الْمَنْعِ مَا فِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
الْمُؤَذِّنُونَ أُمَنَاءُ وَقَالَ يَؤُمُّكُمْ أَقْرَأُكُمْ وَيُؤَذِّنُ لَكُمْ خِيَارُكُمْ وَهَذَا حُجَّةٌ لسَائِر

(2/64)


الشُّرُوطِ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَازِعٌ شَرْعِيٌّ فَيُحِيلُ الْوُثُوقَ بِأَمَانَتِهِ عَلَى الْأَوْقَاتِ وَلِأَنَّهَا وِلَايَةٌ عَلَى وَسِيلَةِ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَاتِ حُجَّةُ الْجَوَازِ مَا رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ كَانَ عُمُومَتِي يَأْمُرُونَنِي بِالْأَذَانِ لَهُمْ وَأَنَا لَمْ أَحْتَلِمْ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ شَاهِدٌ وَلَمْ يُنْكِرْ وَلِأَنَّهُ ذِكْرُ اللَّهِ وَخَبَرٌ عَنْ أَمْرٍ وَاقع يصحان مِنْهُ كَمَا تصح أخباره فِي الاسْتِئْذَان والوسائل وَغير ذَلِك قَالَه صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَلِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ التَّنَفُّلِ بِالصَّلَاةِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ التَّنَفُّلِ بِالْأَذَانِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْوَسَائِلَ أَخْفَضُ مِنَ الْمَقَاصِدِ حُجَّةُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ أَنَّهَا آكَدُ مِنَ الْأَذَانِ لِلُزُومِهَا لِلْفَذِّ حَتَّى قِيلَ إِنْ تَرَكَهَا عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ حُجَّةُ تَفْرِقَةِ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْهُ أَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو إِلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
فُرُوعٌ خَمْسَةٌ الْأَوَّلُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُسْتَحَبُّ حُسْنُ الْهَيْئَةِ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ مَنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ فِي ثِيَابِ شَعْرٍ أَوْ سَرَاوِيلَ فَلْيُعِدْ إِنْ لَمْ يُصَلُّوا وَخَالَفَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ الثَّانِي لَمْ يُكْرَهُ فِي الْكِتَابِ أَذَان الْأَعْمَى قَالَ وَكَانَ مؤذنه عَلَيْهِ السَّلَام أَعْمَى يَعْنِي ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ إِذَا كَانَ أَمِينًا إِلَّا أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي الْوَقْتِ إِلَى مَا يَقَعُ فِي نَفْسِهِ بَلْ يَسْتَخْبِرُ الثِّقَةَ ويتثبت وفضلهما أَشهب على الْبعد إِذا سددوا الْوَقْتَ وَالْقِبْلَةَ وَفَضَّلَ الْعَبْدَ إِذَا كَانَ رِضًى عَلَى الْأَعْرَابِيِّ وَالْأَعْرَابِيَّ إِذَا كَانَ رِضًى عَلَى وَلَدِ الزِّنَا الثَّالِثُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ ظَاهِرُ الْمَذْهَب كَرَاهِيَة أَذَان النِّسَاء خلافًا

(2/65)


لِ (ش) وَ (ح) غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ لَا يُجْزِئُ عَنِ الرِّجَالِ حُجَّتُنَا أَنَّ رَفْعَ صَوْتِهَا مَكْرُوهٌ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْفِتْنَةِ وَمِنْ تَرْكِ الْحَيَاءِ الرَّابِعُ فِي الْجَوَاهِرِ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَى الْأَذَانِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَاخْتُلِفَ فِي إِجَارَةِ غَيْرِهِ مِنْ آحَادِ النَّاسِ عَلَى الْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ فَالْمَشْهُورُ الْمَنْعُ مِنَ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدَةً وَالْجَوَازُ فِي الْأَذَانِ مُنْفَرِدًا وَمَعَ الصَّلَاةِ وَعِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْجَوَازُ فِيهِمَا مُطْلَقًا وَعِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ الْمَنْعُ فِيهِمَا مُطْلَقًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَتَرَدَّدَ النَّقْلُ عَنِ الشَّافِعِي قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى جَوَازِ الرُّزْقَةِ وَقَدْ أَرْزَقَ عُمَرُ بن الْخطاب الْمُؤَذِّنِينَ وَكَذَلِكَ تَجُوزُ الرُّزْقَةُ لِلْحَاكِمِ وَإِنِ امْتَنَعَتِ الْإِجَارَةُ عَلَى الْحُكْمِ حُجَّةُ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ فِعْلٌ يَجُوزُ التَّبَرُّعُ بِهِ عَنِ الْغَيْرِ فَلَا يَكُونُ كَوْنُهُ قُرْبَةً مَانِعًا مِنَ الْإِجَارَةِ فِيهِ قِيَاسًا عَلَى الْحَجِّ عَنِ الْغَيْرِ وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَكَتْبِ الْمَصَاحِفِ وَالسِّعَايَةِ عَلَى الزَّكَاةِ وَيَمْتَنِعُ فِي الْإِمَامَةِ مُفْرَدَةً لِأَنَّ فِعْلَ الْإِمَامِ فِعْلُ الْمُنْفَرِدِ وَفِعْلُ الْمُنْفَرِدِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ حُجَّةُ مَنْ جَوَّزَهَا مُنْفَرِدَةً مُلَاحَظَةُ الْتِزَامِهِ لِلْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ عَيْنًا فَجَازَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ قَالَ الْمَازِرِيُّ قَالَ بَعْضُ أَشْيَاخِي يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ فِي الْمَنْعِ إِذَا كَانَ ثَمَّ فِعْلٌ لَا يَلْزَمُ الْمُصَلِّي كَمَا يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ إِذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى الْوَاجِبِ حُجَّةُ الْمَنْعِ مَا فِي أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ عَن عُثْمَان بن أبي العَاصِي أَنَّهُ قَالَ مِنْ آخِرِ مَا عُهِدَ إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
أَنِ اتَّخَذَ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَإِذَا امْتُنِعَ فِي الْأَذَانِ امْتُنِعَ فِي الْإِمَامَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِكَوْنِهَا أَدْخَلَ فِي بَابِ التَّقَرُّبِ وَالتَّعَلُّقِ بِالذِّمَّةِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْجِهَاد

(2/66)


وَجَوَابه أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَرَعِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ الْجِهَادَ يَتَعَيَّنُ بِالْحُضُورِ بِخِلَافِ الْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ
فَرْعٌ مُرَتَّبٌ فِي الْجَوَاهِرِ إِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَاسْتُؤْجِرَ عَلَيْهَا ثُمَّ طَرَأَ مَا يَمْنَعُ الْإِمَامَةَ فَهَلْ يَحُطُّ مِنَ الْأُجْرَةِ بِسَبَبِ عَجْزِهِ قَوْلَانِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْأَتْبَاعِ هَل لَهَا حَظّ من الثّمن أَو لَا قَالَ الْمَازِرِيُّ احْتَجَّ الْقَائِلُ بِعَدَمِ الْحَطِّ بِمَا وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ مَنِ اشْتَرَى عَبْدًا لَهُ مَالٌ أَوْ شَجَرًا مُثْمِرًا فَاسْتَحَقَّ المَال من يَد العَبْد وجائحة تصيب الثَّمَرَة لَا يوجبان حَطِيطَةً مِنَ الثَّمَنِ وَاحْتَجَّ الْآخَرُ بِأَنَّ حِلْيَةَ السَّيْف التابعة لَهُ إِذا اسْتَحَقَّتْ فَلَهَا حَطُّهَا مِنَ الثَّمَنِ وَكَذَلِكَ سِلْعَةٌ من صَفْقَة فِيهَا سلع قَالَ إِنَّمَا سَقَطَ اعْتِبَارُ الْأَوَّلِينَ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ مَضْمُونَةٌ بِالْقَبْضِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْبَائِعِ سَقْيٌ وَأَنَّ الْعَبْدَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا وَقَعَتِ الْمُعَاوَضَةُ عَلَى تَقْدِيرِ يَدِهِ عَلَى مَالِهِ وَهَذَا قَدْ فَعَلَهُ الْبَائِعُ وَلَمْ يُبْطَلْ قَالَ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْأَحْسَنُ الْحَطِيطَةُ بِقَدْرِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ زَادَهُ لِأَجْلِ الْمَالِ قِيَاسًا عَلَى مَا إِذَا تَعَذَّرَ عَلَى الْمَرْأَةِ شِوَارُهَا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ مِنَ الصَّدَاقِ قَدْرُ مَا يُعْلَمُ أَنَّ الزَّوْجَ زَادَهُ لِأَجْلِهِ مَعَ أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ انْتِزَاعَهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ الْأَتْبَاعِ مَقْصُودَةً بِالْأَعْوَاضِ أَمْرٌ مَقْطُوعٌ بِهِ بَلْ نَقُولُ التَّبَعَ قَدْ يَرْتَفِعُ عَنْهُ التَّحْرِيمُ الثَّابِتُ لَهُ مُنْفَرِدًا كَحِلْيَةِ السَّيْفِ التَّابِعَةِ لَهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ بَيْعُهَا مُنْفَرِدَةً بِجِنْسِهَا وَيَجُوزُ تَبَعًا قَالَ صَاحِبُ النُّكَتِ يَحُطُّ مِنَ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ الْإِمَامَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِمَامَةَ لَوْ عَقَدَ عَلَيْهَا مُنْفَرِدَةً صَحَّ وَكُرِهَ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ وَمَالِ الْعَبْدِ الْخَامِسُ مِنَ الْبَيَانِ قَالَ سَحْنُونٌ إِذَا كَانَ الْمُؤَذِّنُونَ إِذَا صعدوا الْمنَار

(2/67)


عَايَنُوا مَا فِي الدُّورِ وَطَلَبَ أَهْلُهَا مَنْعُهُمْ مِنَ الصُّعُودِ مُنِعُوا وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الدُّورِ عَلَى الْبُعْدِ بَيْنَهُمُ الْفِنَاءُ الْوَاسِعُ وَالسِّكَّةُ الْوَاسِعَةُ لِأَنَّ هَذَا مِنَ الضَّرَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ قَالَ صَاحب الْبَيَان وَهَذَا على أصل مَالك فِي أَنَّ الِاطِّلَاعَ مِنَ الضَّرَرِ الْوَاجِبِ الْإِزَالَةِ وَمَنْ يَرَى مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ اطِّلَاعًا عَلَى جَارِهِ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ وَيُقَالُ لِلْجَارِ اسْتُرْ عَلَى نَفْسِكَ يُفَرِّقُ بِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ لَيْسَ بِمَالك بل طَالب مَنْدُوبًا بِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ قَالَ وَهَذَا حُكْمُ الدُّورِ الْبَعِيدَةِ إِلَّا أَنْ لَا يَتَبَيَّنَ فِيهَا الذُّكُورُ مِنَ الْإِنَاث والهبآت

الْفَصْل الرَّابِع فِيمَا يُؤذن لَهُ
وَهُوَ الصَّلَوَاتُ الْمَفْرُوضَةُ عَلَى الْأَعْيَانِ الْمُؤَدَّاةُ فِي مَسَاجِد الْجَمَاعَات وَالْأَيمَة حَيْثُ كَانُوا فَالْمَفْرُوضَةُ احْتِرَازٌ مِنَ النَّوَافِلِ لِعَدَمِ التَّوْقِيتِ فِيهَا وَأَمَّا صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ فَتَوَفُّرُ الدَّوَاعِي عَلَيْهَا مُغْنٍ عَنِ الْإِعْلَامِ وَلَا يُنَادَى لَهَا الصَّلَاة جَامِعَة وعَلى الْأَعْيَانِ احْتِرَازٌ مِنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ وَقتهَا حَتَّى يعلم بِهِ بل سنتها وُجُودُ الْمَيِّتِ لَا الْوَقْتُ وَالْأَذَانُ إِنَّمَا هُوَ إِعْلَامٌ بِالْأَوْقَاتِ وَقَوْلُنَا الْمُؤَادَّةُ احْتِرَازٌ مِنَ الْفَوَائِتِ فَفِي الْكتاب من نسي صلوَات كَثِيرَة تجزيه الْإِقَامَةُ لِكُلِّ صَلَاةٍ بِلَا أَذَانٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُؤَذِّنُ لَهَا وَتَرَدَّدَ الشَّافِعِيُّ وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَة فِي صلَاته عَلَيْهِ السَّلَام يَوْمَ الْوَادِي لَمَّا نَامُوا عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى

(2/68)


طَلَعَتِ الشَّمْسُ هَلْ أَذَّنَ لَهَا أَمْ لَا فَفِي الْمُوَطَّأِ أَمَرَ بِالْإِقَامَةِ فَصَلَّى بِهِمْ وَلَمْ يَذْكُرْ أَذَانَا وَفِي أَبِي دَاوُدَ ذَكَرَ الْأَذَانَ وَهُوَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ صَلَاتِهِ بِهِمْ مَنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِن الله تَعَالَى يَقُول {أقِم الصَّلَاة لذكري} وَهُوَ يَقْتَضِي عَدَمَ الِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهَا وَالْأَذَانُ شُغْلٌ عَنْهَا وَقَوْلنَا فِي جماعات الْمَسَاجِد احْتِرَازٌ مِنَ الْوَاحِدِ إِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِالْإِقَامَةِ وَرُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنه يُؤذن سرا وَقَوْلنَا وَالْأَيمَة حَيْثُ كَانُوا فَفِي الْكِتَابِ إِذَا خَرَجَ إِمَامُ الْمِصْرِ فِي الْجِنَازَةِ فَتَحْضُرُهُ الصَّلَاةُ يُؤَذَّنُ لَهَا وَيُقَامُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قِيلَ هُوَ إِمَامُ الْجَامِع المجمعة لِأَنَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَهُ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ فَيَتَوَقَّى أَمْرَهُ لِيَجْتَمِعَ لَهُ النَّاسُ وَكَذَلِكَ كُلُّ إِمَامٍ مَشْهُورٍ يُؤَذَّنُ لَهُ لِيَجْتَمِعُوا
فُرُوعٌ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يُنَادَى لِصَلَاةٍ قَبْلَ وَقْتِهَا إِلَّا الصُّبْحُ وَوَافَقَهُ الشَّافِعِيُّ وَخَالَفَنَا أَبُو حنيفَة وَسوى بَين سَائِر الصَّلَوَات لما فِي البُخَارِيّ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام
قَالَ إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادي ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ

(2/69)


فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَذَانَيْهِمَا إِلَّا أَنْ يَرْقَى ذَا وَيَنْزِلَ ذَا وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى ذَلِكَ يَنْقُلُهُ الْخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ نَقْلًا مُتَوَاتِرًا وَلَمَّا اطَّلَعَ أَبُو يُوسُفَ عَلَى ذَلِكَ رَجَعَ عَنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ تَأْتِي فِي وَقْتِ نَوْمٍ وَحَاجَةٍ إِلَى الِاغْتِسَالِ لِكَثْرَةِ الِاجْتِمَاعِ بِالنِّسَاءِ لَيْلًا وَفِي النَّاسِ الْبَطِيءُ وَالسَّرِيعُ والفضيلة فِي التلغيس فَيتَعَيَّن الْأَذَانُ قَبْلَ الْفَجْرِ احْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
قَالَ لِبِلَالٍ لَا تُؤَذِّنْ حَتَّى يَسْتَبِينَ لَكَ الْفَجْرُ وَمَدَّ يَدَيْهِ عَرْضًا وَلِأَنَّ الْأَذَانَ قَبْلَ الْوَقْتِ كَذِبٌ فَيَحْرُمُ وَجَوَابُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَدِيثَ طَعَنَ فِيهِ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ وَلَوْ سَلَّمْنَا صِحَّتَهُ فَيُحْمَلُ الْأَذَانُ عَلَى الْإِقَامَةِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُشَابَهَةِ وَلِأَنَّهَا إِعْلَامٌ فِي نَفْسِهَا وَالْإِعْلَامُ هُوَ الْأَذَانُ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّهُ إِعْلَامٌ بِوَقْتِ التَّأَهُّبِ لِلصَّلَاةِ لَا بِوَقْتِ فِعْلِهَا فَلَيْسَ كَذِبًا
فَرْعٌ إِذَا قُلْنَا بِتَقْدِيمِ أَذَانِهَا عَلَى وَقْتِهَا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ الْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ اللَّيْلِ غَيْرَ مَحْدُودٍ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ
لَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ سُحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَالسُّحُورُ آخِرُ اللَّيْلِ وَقَالَ ابْنُ

(2/70)


وَهْبٍ سُدُسُ اللَّيْلِ الْأَخِيرُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ حِينِ خُرُوجِ وَقْتِ الْعِشَاءِ نِصْفَ اللَّيْلِ وَنقل الْمَازرِيّ يُؤذن لَهما بَعْدَ الْعِشَاءِ وَإِنْ صَلَّيْتَ أَوَّلَ اللَّيْلِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ
إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْفَجْرِ فَجَازَ تَقْدِيمُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا كَالنِّيَّةِ مَعَ الصَّوْمِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْأَذَانَ حِينَئِذٍ إِعْلَامٌ بِالتَّأَهُّبِ لِلنَّوْمِ لَا لِلصَّلَاةِ فَهُوَ عَلَى خِلَافِ حِكْمَةِ الْأَذَانِ فَلَا يُشْرَعُ الثَّانِي أَنْكَرَ فِي الْكِتَابِ تَقْدِيمَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ عَلَى الزَّوَالِ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ فَإِنَّهُ جَوَّزَ أَذَانَهَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ ظُهْرًا فَحُكْمُهَا حُكْمُ الظُّهْرِ وَإِن كَانَت بَدَلا وَالْبدل يتبع الْمُبدل الثَّالِثُ فِي الْجَوَاهِرِ إِذَا جَمَعَ الْإِمَامُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ يُؤَذِّنُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَهُوَ فِي الْكِتَابِ وَالْأُولَى فَقَطْ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَلَا يُؤَذِّنُ مُطْلَقًا حَكَاهُ صَاحِبُ الْجُلَّابِ وَيُقِيمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَهَذِهِ الْمَقَالَاتُ مَحْكِيَّةٌ فِي جَمْعِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَمَّا غَيْرُ الْإِمَامِ فَتُجْزِئُهُمْ إِقَامَتَانِ لِلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَكْفِي إِقَامَةُ الْأُولَى حُجَّةُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْأَذَان للصَّلَاة فِي حق الأيمة مِنْ شَعَائِرِهَا فَلَا يُتْرَكُ مَعَ إِمْكَانِهِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ تَوَفُّرُ الْجَمْعِ لِلثَّانِيَةِ كَمَا لَا يَمْنَعُهُ لِلْأُولَى وَقِيَاسًا عَلَى الْإِقَامَةِ

(2/71)


حُجَّةُ الثَّانِي مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ لَمَّا وَصَفَ حَجَّةَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ فَقَالَ فِي الْجَمْعِ بِعَرَفَةَ ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا وَقَالَ فِيهِ حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا حُجَّةُ الثَّالِثِ مَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَمَعَ بِمُزْدَلِفَةَ فَلَمْ يَذْكُرْ أَذَانًا وَذَكَرَ الْإِقَامَةَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَلِأَنَّ الْأَذَانَ إِعْلَامٌ لِلْغَائِبِ وَالْجَمْعُ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ حَضَرَ حُجَّةُ الرَّابِعِ مَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَصَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ يَحْتَمِلُ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَلِأَنَّ الْجَمْعَ يُوجِبُ تَعَلُّقَ إِحْدَى الصَّلَاتَيْنِ بِالْأُخْرَى فَكَأَنَّ الْإِقَامَةَ الْأُولَى وَقَعَتْ لَهُمَا جَمِيعًا الرَّابِعُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي قَوْمٍ بَنَوْا مَسْجِدًا فَتَنَازَعُوا فِيهِ فَاقْتَسَمُوهُ بِجِدَارٍ لَيْسَ لَهُمْ قِسْمَتُهُ قَالَ أَشْهَبُ فَإِنْ فَعَلُوا لَمْ يَجْزِهِمْ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ مَسْجِدَانِ مُتَلَاصِقَانِ أَوْ مَسْجِدٌ فَوْقَ مَسْجِدٍ لِأَنَّ الْأَذَانَ مِنْ شَعَائِر الْمَسَاجِد

(2/72)


الْفَصْل الْخَامِس فِي الْإِقَامَة
فَفِي الْجُلَّابِ هِيَ عَشْرُ كَلِمَاتٍ يُرِيدُ عَشْرَ جمل من الْكَلَام وَإِلَّا فَهُوَ اثْنَان وَثَلَاثُونَ كَلِمَةً وَهَذَا مَجَازٌ مَشْهُورٌ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ بِاسْمِ الْجُزْءِ كَمَا أَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْقَصِيدَةَ كَلِمَةً وَهِيَ مَرَّةً مَرَّةً إِلَّا التَّكْبِيرُ خِلَافًا لِ (ح) فِي قَوْلِهِ هِيَ مرَّتَيْنِ وَكَذَلِكَ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ وَخِلَافًا لِ (ش) فِي قَوْلِهِ هِيَ مَرَّةً مَرَّةً إِلَّا التَّكْبِيرُ وَالْإِقَامَةُ لَنَا مَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ وَالْأَحَادِيثُ قَدْ وَرَدَتْ عَلَى وَفْقِ الْمَذَاهِبِ كلهَا لَكِن أرجحها مَا وَافق عمل الْمَدِينَةِ وَفِي الْجُلَّابِ هِيَ سُنَّةٌ آكَدُ مِنَ الْأَذَانِ وَفِي الْكِتَابِ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ وَلَا إِقَامَةٌ وَإِنْ أَقَمْنَ فَحَسَنٌ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَجَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَ عَلَيْهَا أَذَانٌ وَلَا إِقَامَةٌ وَاسْتِحْسَانُ إِقَامَتِهِنَّ لِلشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا إِذَا أَقَمْنَ لِأَنْفُسِهِنَّ لَا لِلْجَمَاعَاتِ لِأَنَّهُمَا ذكر فَأَشْبَهت النّسخ قَالَ

(2/73)


صَاحب الطّراز وَرُوِيَ عَن مَالك عَدَمُ الِاسْتِحْسَانِ لِأَنَّ أَزْوَاجَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُنَّ ذَلِكَ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيّ فِي كَونه يُقيم أَنَّ الصَّبِيَّ يُؤْمَرُ بِذَلِكَ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَيُمَرَّنُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا يُنْكَرُ رَفْعُ صَوْتِهِ
فُرُوعٌ عَشَرَةٌ الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا بَأْسَ أَنْ يُقِيمَ غَيْرُ مَنْ أَذَّنَ خِلَافًا لِ (ش) فِي الْكَرَاهَةِ مُحْتَجًّا بِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّ زِيَادَ بْنَ الْحَارِث قَالَ أَمرنِي عَلَيْهِ السَّلَام أَن أذن فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَأَذَّنْتُ فَأَرَادَ بِلَالٌ أَنْ يُقِيمَ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّ أَخَا صُدَاءٍ أذن فَمن أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ أَمْرِ الْإِمَامِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ بِالْإِمَامَةِ مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا بِالْفَتْوَى لِأَنَّ زِيَادًا كَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ فَأَرَادَ عَلَيْهِ السَّلَامُ تأليفه لما فِي أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَازِنِيِّ حِينَ رَأَى الْأَذَانَ فِي مَنَامِهِ فَأَمَرَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يُلْقِيَهُ عَلَى بِلَالٍ فَفَعَلَ فَأَذَّنَ بِلَالٌ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَا رَأَيْتُهُ وَأَنَا كُنْتُ أُرِيدُهُ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَقِمْ أَنْتَ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ عَنِ الْأَذَانِ بِدَلِيلِ تَوَجُّهِهَا عَلَى الْمُنْفَرِدِ دُونَهُ فَجَازَ أَنْ يَقَعَا مِنِ اثْنَيْنِ كَالْإِقَامَةِ وَالْإِمَامَةِ الثَّانِي قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا يُقِيمُ رَاكِبًا وَفِي الْجُلَّابِ رِوَايَتَانِ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يُنَادِي بِالصَّلَاةِ عَلَى الْبَعِيرِ

(2/74)


فَإِذَا نَزَلَ أَقَامَ وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَفْعَله لِأَن السّنة إِيصَال الْإِقَامَةِ بِالصَّلَاةِ وَالنُّزُولُ عَنِ الدَّابَّةِ وَعَقْلُهَا وَإِصْلَاحُ الْمَتَاع طول الثَّالِث إِذا كَانَ الْمُسْتَحبّ إيصالها بِالصَّلَاةِ فَهَل يبعد الْمُؤَذّن عَن الإِمَام مِثْلِ الْجَامِعِ الْوَاسِعِ يَخْرُجُ إِلَى بَابِهِ أَوْ يَصْعَدُ عَلَى سَطْحِهِ فَيُقِيمُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَفْعَلُ إِنْ كَانَ يُسْمِعُ مَنْ حَوْلَهُ وَإِلَّا فَهُوَ خطأ وَقَالَ مَالك فِي الْمَجْمُوعَةِ وَأَشْهَبُ يُقِيمُ فِي الصَّحْنِ وَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سَمِعَ الْإِقَامَةَ وَهُوَ بِالْبَقِيعِ فَأَسْرَعَ الْمَشْيَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَلَوْ كَانَتِ الْإِقَامَةُ فِي دَاخِلِ الْمَسْجِدِ لَمْ يَسْمَعْهَا وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ الْخَفِيفِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ مَا لَمْ يُحْرِمِ الْإِمَامُ فَإِذَا أَحْرَمَ فَلَا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ وَلَا يُقِيمُ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ إِقَامَةِ الْمُؤَذِّنِ الرَّابِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِنْ نَسِيَ الْإِقَامَةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ تَعَمَّدَ فَلْيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَعِنْدَ ابْنِ كِنَانَةَ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ فَقَدْ جَوَّزَ النَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ لِلْفَذِّ تَرْكَ الْإِقَامَةِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَذَانِ
فَرْعٌ مُرَتَّبٌ قَالَ فَلَوْ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُؤثر نقصا فَسجدَ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الطُّلَيْطِلِيِّ يُعِيدُ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ فِي الصَّلَاةِ مَا لَيْسَ مِنْهَا كَمَنْ زَادَ جَاهِلًا الْخَامِسُ قَالَ لَو تَركهَا جهلا حَتَّى أَحْرَمَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا

(2/75)


يَقْطَعُ قَالَ وَلَوْ أَنَّهُ بَعْدَ إِحْرَامِهِ أَقَامَ وَصلى فقد أَسَاءَ وليستغفر الله تَعَالَى قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ يُرِيدُ أَنَّهُ أَقَامَ ثُمَّ أَحْرَمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَكُونُ قَدْ خَرَجَ مِنَ الْإِحْرَام الأول بنيته وَقَوله الْمنَافِي لَهُ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ وَلَوْ تَمَادَى عَلَى إِحْرَامِهِ الْأَوَّلِ أَعَادَ الصَّلَاةَ سُؤَالٌ كَيْفَ يُطْلَقُ لَفْظُ الِاسْتِغْفَارِ الْمُخْتَصُّ بِالذُّنُوبِ فِي ترك السّنَن وَتركهَا لَيْسَ ذَنبا حَتَّى يسْتَغْفر جَوَابه أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُحْرِمُ الْعَبْدَ مِنَ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِالنَّوَافِلِ وَالْفَرَائِضِ عُقُوبَةً لَهُ عَلَى ذَنْبِهِ وَيُعِينُهُ عَلَى التَّقَرُّبِ بِسَبَبِ طَاعَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لنهدينهم سبلنا} وَلقَوْله تَعَالَى {فَأَما من أعْطى وَاتَّقَى} إِلَى قَوْله {فسنيسره لليسرى} (وَأما من بخل وَاسْتغْنى) إِلَى قَوْله {فسنيسره للعسرى} فَإِذَا اسْتَغْفَرَ مِنْ ذُنُوبِهِ غُفِرَتْ لَهُ بِفَضْلِ الله وَأمن حِينَئِذٍ من الِابْتِلَاء بالمؤاخذة بالحرمان السَّادِسُ مَنْ خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ تَرَكَ الْإِقَامَةَ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ تَقْدِيمًا لِلْفَرْضِ عَلَى فَضِيلَةِ الْإِقَامَةِ وَيَشْكُلُ عَلَيْهِ تَرْكُ الْإِسْرَاعِ الشَّدِيدِ وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ حِفْظًا لِلْخُشُوعِ السَّابِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ صَلَّى أَهْلُهُ لَا تُجْزِئُهُ إِقَامَتُهُمْ

(2/76)


وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَأَكُّدِ الْإِقَامَةِ وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ يُقِيمُ أَحَبُّ إِلَيَّ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهَا أُهْبَةٌ لِلصَّلَاةِ وَلِذَلِكَ شُرِعَتْ فِي الْفَوَائِتِ وَجْهُ الثَّانِي أَنَّهَا دُعَاءٌ لِلصَّلَاةِ وَهَذَا إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّ الْفَذِّ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْكِتَابِ مَنْ صَلَّى فِي بَيته لَا تكفيه إِقَامَة أهل مصر وَلِلشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ قَدْ أَدَّى فِيهِ حَقَّ الْإِقَامَةِ فَلَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْفَذِّ كَمَا لَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْجَمَاعَةِ الْكَائِنِينَ فِي الْمَسْجِدِ حُجَّةُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُمْ فِي صلواتهم فَأشبه مَسْجِدا آخر ومسافر مَعَ مُقِيمٍ الثَّامِنُ قَالَ فِي الْكِتَابِ يَنْتَظِرُ الْإِمَامُ بَعْدَ الْإِقَامَةِ قَلِيلًا قَدْرَ مَا تَسْتَوِي الصُّفُوفُ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَلَا يَكُونُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقُرْآنِ شَيْءٌ وَقَدْ كَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُوَكِّلَانِ رَجُلًا لِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ فَإِذَا أخبروهما بِذَلِكَ كَبَّرَا وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ كَبَّرَ الْإِمَامُ مُحْتَجًّا بِمَا يُرْوَى أَنَّ بِلَالًا قَالَ يَا رَسُول الله إِنَّك لتستغني بأمين وَلَا يصدق الْمُؤَذِّنَ فِي قَوْلِهِ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ لَنَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنه قَالَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي قَدْ خَرَجْتُ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى تَأَخُّرِ خُرُوجِهِ وَلِأَنَّ الْمُنْفَرِدَ لَا يُحْرِمُ حَتَّى يَفْرُغَ وَكَذَلِكَ الْجَمَاعَةُ وَجَوَابُهُمْ أَنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ فِي الصِّحَاحِ وَلَا مَشْهُور وَلَعَلَّ السَّبق يتَفَاوَت بقراءتهما لَا بِتَعْجِيلِ الْإِحْرَامِ وَأَمَّا التَّصْدِيقُ فَإِنَّ مَعْنَى قد قَامَت الصَّلَاة تأهبوا لَهَا كَمَا نقُول قَدْ قَامَتِ الْحَرْبُ فَالْكُلُّ صَادِقٌ سَوَاءٌ أَحْرَمَ الْإِمَامُ أَوْ تَأَخَّرَ فَإِذَا كَانَتْ إِخْبَارًا عَنِ التَّأَهُّبِ فَهُوَ حَاصِلٌ فَلَا كَذِبَ فِي التَّأَخُّرِ وَأَمَّا تَسْوِيَةُ الصُّفُوفِ فَفِي

(2/77)


مُسْلِمٍ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ وَيَقُولُ اسْتَوُوا فِي الصُّفُوفِ وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ وَفِي الْبُخَارِيِّ رَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنَّا يُلْزِقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ وَفِي أَبِي دَاوُدَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ
أَقِيمُوا الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ وَلَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قطع صفا قطعه الله
التَّاسِعُ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا تَوْقِيتَ لِقِيَامِ النَّاسِ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَإِنَّ فِيهِمُ الْقَوِيَّ وَالضَّعِيفَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَامَ الْإِمَامُ فَإِنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ بِالْمُسَارَعَةِ فَيَمْتَثِلُ وَقَالَ زُفَرُ عِنْدَ قَوْلِهِ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ يَقُومُونَ بِقَدْرِ مَا إِذَا اسْتَوَتِ الصُّفُوفُ وَفَرَغَتِ الْإِقَامَةُ الْعَاشِرُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ مَالِكٌ إِذَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ وَهُوَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى إِنْ طَمَعَ فِي فَرَاغِهَا قَبْلَ رُكُوعِ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الْأُولَى أَتَمَّهَا وَدَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ قَبْلَ الْحَاضِرَةِ وَإِنْ يَئِسَ قَطَعَهَا وَدخل مَعَه ثمَّ اسْتَأْنف الصَّلَاتَيْنِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُتِمَّهَا رَكْعَتَيْنِ إِنْ كَانَ قَدْ رَكَعَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تُبْطِلُوا أَعمالكُم} إِلَّا أَن يخَاف فَوَات رَكْعَة الْإِمَامِ فَيَقْطَعَ مِنْ رَكْعَةٍ بِسَلَامٍ قَالَ فَإِنْ كَانَ يُصَلِّي تِلْكَ الصَّلَاةَ بِعَيْنِهَا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ إِنْ لَمْ يَرْكَعْ قَطَعَ وَإِنْ أَمْكَنَهُ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ رُكُوعِ الْإِمَامِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَصَلَاتُهُ مَعَ الْإِمَامِ إِنَّمَا هِيَ نَافِلَةٌ لِامْتِنَاعِ صَلَاة الْعَصْر قبل الظُّهْرِ وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يُصَلِّي نَافِلَة وَلم

(2/78)


يُصَلِّي الْفَرِيضَة وَإِنَّمَا جَوَّزنَا هَهُنَا ذَلِكَ لِمَا فِي الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْإِقَامَة من تعريضه لِسُوءِ الظَّنِّ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ وَيَخْرُجُ

(2/79)