الكافي
في فقه أهل المدينة المالكي
كتاب الحج
باب فرض الحج ومن
يجب عليه ومتى يجب وما يجب فيه
قال الله عز وجل: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ
حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ
سَبِيلاً}.
يجب الحج على كل من استطاع إليه سبيلا من
الرجال والنساء إذا كانوا أحرارا بالغين غير
مغلوب على عقولهم والاستطاعة القدرة بالبدن
وما يبلغ من الزاد راجلا وراكبا إذا كان
الطريق آمنا وليس وجود الزاد والراحلة عند عدم
الطاقة باستطاعة عند مالك ومن عجز عنه ببدنه
ولم يستمسك على راحلته سقط عنه عند مالك فرضه
ولم يلزمه أن يحج
(1/356)
عنه غيره من
ماله ولو حج عنه غيره من ماله ولو حج من يكفف
الناس ممن لا شيء معه اجزأه ولا بأس عند مالك
بذلك وكذلك عنده من كان عليه دين إذا كان له
به وفاء أو كان يرجو القضاء ويبدأ الأغرب عنده
بالحج قبل النكاح إذا لم يقدر عليهما جميعا
وليس على الرجل أن يستأذن أبويه في أداء فرض
قد وجب عليه ولا يتطوع إلا بإذنهما أو إذن
الباقي منهما.
ولا يجب الحج إلا مرة في الدهر ولا يحج أحدا
عن أحد لا عن صحيح ولا عن مريض في حياته وجائز
الحج عمن أوصى إذا مات ومن أهل المدينة من
أجاز الحج عن المريض الذي لا يرجى برؤه في
حياته ولم يره مالك ومذهبه في الذي يستأجر عن
نفسه من يحج عنه لمرض أو غيره أنه لا يفسخ
إجازته ولا يجب لأحد أن يؤاجر نفسه في الحج
ومن مات قبل أن يحج لم يلزمورثته أن يحجوا عنه
ولا يحجوا من ماله أحدا فإن أوصى بذلك فوصيته
في ثلثه ولا يتطوع أحد بالحج قبل أداء فرضه
ولا يحج أحد عن غيره حتى يحج عن نفسه فإذا فعل
أجزأ عنه عند مالك على كراهية منه وعند غيره
لا يجزئ.
ومن تطوع بالحج قبل فرضه لم ينقلب ذلك إلى
فرضه عند مالك.
ووقت الحج حين عمله وذلك قبل عرفة بيوم ويوم
عرفة ويوم النحر ويومان بعده لمن تعجل وثلاثة
أيام لمن استكمل.
وأشهر الحج التي يجوز أن يحرم فيها به شوال
وذو القعدة وذو الحجة إلى ليلة النحر منه قبل
طلوع الفجر منها ولا يجوز لأحد أن يحرم بالحج
في غير أشهر الحج وان فعل فقد أساء ويلزمه ذلك
عند مالك وعند غير مالك يعود إحرامه عمرة ولو
اعتمر قبل أن يحج
(1/357)
أجزأه ولا بأس
بذلك.
والاختيار عند مالك ان يبدأ بالحج إذا كان في
وقته وقد اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
قبل أن يحج إلا أن حين نزول فرض الحج مختلف
فيه ووقت وجوب الحج عندنا ما بين أن يجب على
المرء بالاستطاعة التي قدمنا ذكرها إلى أن
يموت ولا يقضى عليه بالتفريط حتى يموت وقد قيل
إنه يجب بأول أوقات الإمكان وأنه مفرط إن لم
يبادر إلى أداء فرضه في فور استطاعته وكلا
القولين عن أصحاب مالك وغيرهم من أهل المدينة
وغيرها.
وقد اختلف أصحاب أبي حنيفة وأصحاب الشافعي على
هذين القولين والصحيح عن الشافعي أنه على
التراخي لا على الفور وهو قول سحنون وهو
الصحيح عندي والحجة فيه أقوى من جهة النظر ومن
جهة الأثر وقد ذكرتها في غير هذا الموضع وإذا
أحرم بالحج والإحرام الإهلال والنية لما يقصد
له من حج أو عمرة وسواء تكلم بهذا أو لم يتكلم
إذا اعتقده ونواه حرم عليه حلق الشعر وتقليم
الأظافر ولبس
(1/358)
المخيط وقتل
الصيد وأكله إن صاده أو صيد من أجله ووطء
النساء والتلذذ بشيء منهن والطيب والتلبية في
الحج مسنونة غير مفروضة ومن تركها في حجة كله
فعليه دم وان تركها حينا وأتى بها حينا فلا
شيء عليه.
وفرائض الحج أربع أولها الاحرام على حسب ما
وصفنا والثاني الوقوف بعرفة نهارا أو ليلا ولا
يجزأ عند مالك وأصحابه الوقوف بالنهار عن
الوقوف بالليل ولا بد من الجمع بينهما بالوقوف
أو الوقوف ليلا وعند جمهور العلماء يجزأ
النهار من الليل إذا كان بعد الزوال والليل من
النهار لمن فاته الوقوف بالنهار وبه أقول
لحديث عروة بن مضرس ولأن أكثر أهل العلم عليه
ولا يجزأ الوقوف بالنهار قبل الزوال بإجماع
ولا حكم له وإنما أول وقت الوقوف بعد جمع
الصلاتين: الظهر والعصر في أول وقت الظهر وأقل
ما يجزأ من الوقوف بها أن يدخلها الحاج قاصدا
إليها لأداء فرائضه وان لم يقف بها ولم يدع
وأجاز مالك وقوفه بها مع ما عليه والثالث
السعي بين الصفا والمروة والرابع طواف الإفاضة
يوم النحر بعد رمي جمرة العقبة هذا قول مالك
وسائر أهل العلم كافة في طواف الإفاضة وروى
ابن وهب وابن نافع وأشهب عن مالك قال: من نسي
الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة حين
يقدم من مكة فليس عليه ان يرجع من منزله
وليهد.
قال: وإن كان الطواف الواجب هو طواف الإفاضة
فليرجع من حيث ذكر وان كان من الأندلس حتى
يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة وليهد
وان
(1/359)
كان أصاب
النساء رجع فطاف وسعى ثم اعتمر وأهدى وقال في
الموطأ: من نسي طواف الإفاضة رجع إليه أبدا
وزاد بعض رواته لأنه الطواف الذي يحل به.
قال إسماعيل بن إسحاق: طواف القادم سنة وهو
ساقط عن المراهق وعن المكي وعن كل من يحرم
بالحج من مكة.
قال: والطواف الواجب الذي لا يسقط بوجه من
الوجوه طواف الإفاضة وهو الطواف الذي يكون بعد
عرفة قال الله عز وجل: {ثُمَّ لْيَقْضُوا
تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ
وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}.
قال: فهذا هو الطواف المفترض في كتاب الله وهو
طواف الإفاضة وهو الذي يحل به الحاج من إحرامه
كله.
قال أبو عمر: ما ذكره إسماعيل في طواف الإفاضة
هو قول مالك عند أهل المدينة وهي رواية ابن
وهب وابن نافع وأشهب عنه وهو قول جمهور أهل
العلم من فقهاء الحجاز والعراق.
وقد روى ابن القاسم وابن عبد الحكم عن مالك:
أن طواف القدوم طواف واجب وطواف الإفاضة واجب.
وقال ابن القاسم في غير موضع من المدونة ورواه
أيضا عن مالك: الطواف الواجب طواف القادم
بمكة. وقال: الطوافان الواجبان طواف الدخول
المتصل بالسعي وطواف الإفاضة فسماهما جميعا
واجبين في مواضع من الأسدية.
وقال: من نسي الطواف في حين دخول مكة أو نسي
شوطا منه أو نسي السعي أو شوطا منه حتى رجع
إلى بلده ثم ذكره فإن يكن أصاب النساء رجع إلى
مكة
(1/360)
حتى يطوف
بالبيت ويركع ويسعى بين الصفا والمروة ثم يهدي
وان أصاب النساء رجع فطاف وسعى ثم اعتمر وأهدى
وهو كقوله فيمن نسي طواف الإفاضة سواء وسوى في
ذلك بين من نسي شوطا من طواف القادم مكة وبين
من نسي السعي شوطا فعلى هذه الرواية عنده
الطوافان جميعا واجبان والسعي أيضا لأن ما لا
بد من عمله والانصراف إليه ولا يجبر بالدم فهو
فرض لا شك عندهم فيه.
ومن قال: الطوافان واجبان رأى أن كل واحد
منهما ينوب عن صاحبه ويقضي عن الحاج فرض طوافه
بالبيت إذا نسي الآخر أو دخل عليه فيه ما
يفسده ولم يذكر ذلك حتى رجع إلى بلده ويدلك
على ذلك من قول مالك ما ذكره ابن عبد الحكم
عنه فيمن أهل بالحج من مكة ومن هو أهلها أو
غيرهم أنه لا يطوف ولا يسعى حتى يرجع من منى
لأنه لا يطوف الحاج المكي بالبيت ويسعى قبل
عرفة إلا إذا قدم من الحل.
قال فإن طاف الذي أحرم من مكة وسعى قبل خروجه
إلى منى فليعد ذلك إذا رجع من منى بعد رمي
الجمرة فان لم يفعل حتى يخرج إلى بلاده فليهد
هديا.
قال أبو عمر: معلوم عند الجميع أنه لو طاف
للإفاضة وسعى لم يؤمر بهدي لأنه قد رمى الجمرة
بمنى بعد وقوفه بعرفة وقال ابن عبد الحكم في
موضع آخر من كتابه: إن طاف الذي يحرم من مكة
أعاد الطواف قبل أن يصدر فإن صدر ولم يطف
بالبيت فليهرق دما وقال أبو عمر فإذا كان طواف
الذي يحرم بالحج من مكة وسعيه في حين خروجه من
مكة إلى منى ينوب عنده مع الدم عن طواف
الإفاضة فيما ذكره
(1/361)
ابن عبد الحكم
عن مالك وكذلك ذكر أبو الفرج عنه كان طواف
القادم من الحل وسعيه أولى بذلك لأنه وضع
الطواف في موضعه ولمم يضعه الذي شأنه أن يحرم
من مكة في موضعه.
وروى ابن القاسم وغيره عن مالك فيمن طاف طواف
الإفاضة على غير وضوء أنه يرجع من بلده فيفيض
ألا أن يكون طاف تطوعا بعد فعل ذلك.
وكذلك ذكر أبو الفرج إلا أنه لم يقل بعد ذلك ،
وقد أجمع مالك وأصحابه على أن طواف الإفاضة
فرض وأن من نسيه أو طافه على غير وضوء ثم تطوع
بعده بطواف طافه قبل خروجه من مكة أنه يجزئه
تطوعه عن الواجب المفترض عليه من طوافه.
وكذلك أجمعوا أن من فعل في حجه شيئا تطوع به
من عمل الحج وذلك الشيء واجب في الحج قد جاء
وقته فإن تطوعه ذلك يصير للواجب لا للتطوع
لأنه عمل من عمل الحج في حين الحج بخلاف
الصلاة فإذا كان التطوع ينوب في الحج عن الفرض
لما وصفنا كان الطواف لدخول مكة أحرى أن ينوب
عن طواف الإفاضة مع الدم لأن أقل أحواله أن
يكون سنة فهو أقوى من التطوع إلا أن إسماعيل
وغيره وهو مذهب ابن القاسم لا ينوب عندهم عن
طواف الافاضة إلا ما كان من الطواف بعد رمي
جمرة العقبة يوم النحر أو بعده للوداع كان
الطواف أو تطوعا.
ورواية ابن عبد الحكم عن مالك بخلاف ذلك لأن
فيها أن طواف الدخول مع السعي ينوب عن طواف
الإفاضة لمن رجع إلى بلده مع الهدي كما ينوب
طواف الإفاضة مع السعي لمن لم يطف ولم يسع حين
دخوله مكة مع الهدى أيضا عن
(1/362)
طواف القدوم
ومن قال هذا: قال: إنما قيل لطواف الدخول واجب
وطواف الإفاضة واجب لأن بعضها ينوب عن بعض على
ما وصفنا ، ولأنه قد روي عن مالك أنه يرجع من
نسي أحدهما من بلده كما يرجع إلى الآخر على ما
ذكرنا ولأن الله عز وجل لم يفرض على الحاج إلا
طوافا واحدا بقوله: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ
بِالْحَجِّ} وقال في سياق الآية: {ثُمَّ
لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا
نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ
الْعَتِيقِ} والواو في هذه الآية وغيرها عندهم
لا توجب رتبة إلا بتوقيف، ومن طاف بالبيت يوم
التروية فقد طاف للحج في وقته وحين عمله.
وأما من قال من أصحابنا: إنه لا يجزأ من طواف
الإفاضة إلا ما كان بعد الوقوف بعرفة وبعد رمي
الجمرة فمن حجته أن الله تعالى ذكر الحج وقال:
{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} وهو كل ما يحل
منه الحاج برمي الجمرة {وَلْيُوفُوا
نُذُورَهُمْ} أي يأتوا بما وجب عليهم
{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}
فذكر ذلك بعد إلقاء التفث وهو عطف بالواو على
ثم، وثم توجب الرتبة فلا يكون الطواف المفترض
الواجب إلا بعد ذلك لأن الأكثر من العلماء
يعتدون بالنية في عمل الحج وهو عندهم كالصلاة
وسائر الفرائض ولا يجزئ عندهم التطوع فيه عن
الفرض وقول مالك وأصحابه ما قدمنا ذكره وبالله
التوفيق
(1/363)
باب العمل في الحج
إذا وصل الحاج إلى الميقات الذي وقت رسول الله
صلى الله عليه وسلم لأهل تلك الناحية تجرد
ولبس ثياب إحرامه بعد أن يغتسل ثم أحرم وسنفرد
للمواقيت وحكمها بابا بعد هذا إن شاء الله.
ويستحب له أن يكون إحرامه بأثر صلاة يصليها
قاصدا لذلك ولو أحرم بأثر صلاة مكتوبة أو
نافلة أجزأه وأحب إلى مالك أن يركع ركعتين إن
كان وقتا يركع فيه ثم يحرم ومن لم يفعل وأحرم
دون أن يصلي أو في غير وقت صلاة فلا حرج
والاختيار ما ذكرنا وان لم يخف فوتا فحسن أن
ينتظر وقتا فحسن أن ينتظر وقتا يجوز فيه
الركوع ثم يركع ويخرج فإذا استوت به راحلته
قائمة أهل وان كان ماشيا فإذا أخذ في المشي
أحرم ويهل بما شاء من حج أو عمرة والإهلال أن
يقول: "لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك
إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك" وينوي
ما شاء من حج أو عمرة وإن زاد فقال: "لبيك إله
الحق" أو زاد ما كان ابن عمر يزيده في التلبية
وهو قوله: " لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك
والرغباء إليك والعمل" قال:فلا بأس وإن ساق
هديا قلده نعلا وأشعره وإن قدر جلله في ميقاته
قبل إهلاله.
وسنفرد للهدي وأحكامه بابا بعد أن شاء الله.
وإفراد الحج عندنا أفضل وهو الاختيار ومن تمتع
بالعمرة إلى الحج فلا حرج.
وكذلك القران، والقرآن أن يقرن بين
(1/364)
الحج والعمرة
في إحرامه فيقول: "لبيك اللهم بعمرة وحجة معا"
وان نوى الجمع بينهما بقلبه ولم ينطق به لسانه
أجزأه والأحسن أن يذكر ولو مرة واحدة أو مرات.
وسيأتي ذكر التمتع والقران وحكمهما في باب
مفرد بعد هذا الكتاب بعون الله.
ثم لا يزال المحرم ملبيا طريقه كله ليلا
ونهارا على كل شرف من الأرض وعند ازدحام
الرفاق وأدبار الصلوات النوافل والمكتوبات وفي
منزله وكيف ما أمكنه ما لم يضر بنفسه فلا يكلف
الله نفسا إلا وسعها ولا عليه ان يشق على نفسه
في رفع صوته.
وقال مالك: لا يرفع المحرم صوته بالإهلال في
مساجد الجماعة ليسمع نفسه ومن يليه إلا المسجد
الحرام ومسجد منى هذه رواية ابن القاسم عنه
وروى عنه ابن نافع أنه لا بأس بذلك.
وليس على النساء رفع الصوت بالتلبية ويجزئهن
أن يسمعن أنفسهن ويكره لهن رفع أصواتهن.
ولا يزال المحرم يلبي كذلك حتى يأتي مكة
فيدخلها من حيث تيسر ويستحب له أن يدخلها من
كداء إن أمكنه.
وكذلك يستحب له أن يغتسل بذي طوى لدخول مكة
فإذا رأى البيت قال: اللهم زد هذا البيت شرفا
وتعظيما ومهابة وتكريما وزد من شرفه وعظمة ممن
حجه أو اعتمر تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة
وليس هذا القول من سنن الحج ولا من أمره ولم
يعرفه مالك فيما ذكر عنه بعض اصحابه وقد روى
ذلك عن جماعة من سلف أهل المدينة.
وقد روي عن
(1/365)
مالك أيضا وأول
ما يبدأ به إذا قدم مكة دخول المسجد للطواف
بالبيت سبعا يرمل منهن في ثلاث ويمشي أربعا
والرمل هو الخبب دون شدة السعي ولو نسي ان
يرمل بالثلاثة الأطواف لم يرمل في شيء من
الأربعة لأنها مواضع مشي لا رمل فيها ولو تعمد
ترك الرمل ومشى في أشواطه كلها لم يكن عليه
شيء لأنه لم يسقط شيئا من نفس العمل وإنما
أسقط هيئة عمل.
فقد قيل: عليه الدم والأول تحصيل المذهب.
واستحب مالك الكف عن التلبية في الطواف للحج
فإن فعل لم ير به بأسا قال: ولا بأس بذلك على
الصفا والمروة .
قال: وأما المعتمر فلا يلبي في طواف ولا سعي
ويبدأ في طوافه باستلام الحجر الأسود فان لم
يصل إليه كبر تلقاءه ويقول عند ابتدائه الطواف
واستلامه الحجر: "بسم الله الرحمن الرحيم
والله أكبر اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك
ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله
عليه وسلم" وإن لم يفعل ذلك فلا حرج.
ويقول كلما حاذى الحجر الأسود في الثلاثة
الأشواط التي يرمل فيها: "اللهم اجعله حجا
مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا".
ويقول في الأربعة الأطراف: "اللهم اغفر وارحم
واعف عما تعلم فإنك الأعز الأكرم اللهم آتنا
في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب
النار".
وان لم يفعل فلا حرج وليس عند مالك في شيء من
ذلك كله قول موقت وإذا ابتدأ الطواف من الحجر
الأسود أو حذاءه أخذ عن يمينه إذا استلمه وجعل
البيت عن يساره،
(1/366)
ثم يطوف حتى
ينتهي إليه فان لم يطف كما ذكرنا ونكس طوافه
لم يجزه وكان عليه إعادته على حسب ما يأتي
ذكره ولا يجزئه أقل من سبعة أطواف كلها من
وراء الحجر ويستلم الحجر في أطوافه كلها ويكون
فيها كلها طاهرا طهارة كاملة تجوز له بها
الصلاة لأن الطواف صلاة على ما روي في الحديث:
"الطواف صلاة إلا أن الله أحل فيه المنطق فيمن
نطق فلا ينطق إلا بخير" .
فإذا فرغ من طوافه صلى خلف المقام إن أمكنه
ركعتين وإلا فحيث تيسر له من المسجد ما خلا
الحجر يقرأ فيهما مع أم القرآن بقل هو الله
أحد، وقل يا أيها الكافرون، وإن قرأ بغيرهما
فلا حرج.
ثم يعود إلى الركن الأسود فيستلمه ثم يخرج إلى
الصفا من باب الصفا فيرقى عليها حتى يبدو له
البيت إن قدر على ذلك ومقام النساء منهما أسفل
من مقام الرجال فيذكر الله عليها بالتهليل
والتكبير والدعاء والتحميد فهذه سنة الذكر في
الطواف والسعي دون التلبية ولو لبى في ذلك لم
يخرج ولا يحد مالك في ذلك شيئا من الذكر وأقله
ثلاث تكبيرات ويستحب غيره من العلماء لمن رقي
على الصفا ساعيا في حجة أو عمرة ان يستقبل
البيت فيكبر ثلاثا ثم يقول: "الحمد لله على ما
هدانا وعلى ما أبلانا وأولانا لا إله إلا الله
وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي
ويميت،
(1/367)
وهو حي لا يموت
بيده الخير وهو على كل شيء قدير لا إله إلا
الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو
كره الكافرون" ثم يدعو بما شاء وإن شاء كرر
هذا القول ويكبر ويدعو بين التكبير بما شاء من
دين ودنيا ثم ينزل عن الصفا فيمشي حتى إذا كان
في بطن المسيل دون الميل الأخضر المعلق في ركن
المسجد بنحو من خمسة أذرع سعى سعيا حتى يخرج
من المسيل ويحاذي الميلين الأخضرين بفناء
المسجد ثم يمشي فيرقى على المروة حتى يبدو له
البيت إن بدا ثم يصنع عليها مثل ما صنع على
الصفا ويعد ذلك شوطا واحدا ثم يأتي بتمام سبعة
أشواط على هذه الصفة بعد الاقبال من الصفا
شوطا والرجوع من المروة شوطا حتى يتمها سبعا
يبدأ بالصفا ويختم بالمروة ويذكر الله كثيرا
على كل واحدة منهما.
وإن بدأ بالمروة ألقى ذلك الشوط وبنى على
الصفا حتى يتم سعيه سبعا ويعوم على الصفا
والمروة ولا يجلس إلا من عذر وأقل ما يجزأئه
أن يستوفي ما بينهما مشيا أو سعيا وإن لم يذكر
الله فيهما وليس على النساء رمل بالبيت ولا
الاشتداد بين الصفا والمروة ويمشين على هيئتهن
وينبغي للمشهورة بالجمال ألا تطوف إلا ليلا
وان طافت نهارا وأسدلت ثوبها على وجهها استحب
ذلك لها وطافت في ستر.
ولا يجزأ السعي بين الصفا والمروة إلا بنية
لما قصد له من حج أو عمرة ولا يجوز إلا بعد
طواف الدخول أو بعد طواف الإفاضة أو بعد طواف
تام على طهارة وإن كان تطوعا عند مالك ولا
ينبغي عنده مع ذلك أن يجعل أحد سعيه إلا بعد
طواف الدخول أو بعد طواف الإفاضة فإن
(1/368)
نسي أن يصل
سعيه بأحد هذين الطوافين حتى تباعد وأتى بلده
أجزأه سعيه وكان عليه هدي وسنبين ذلك إن شاء
الله.
ولو سعى على غير طهارة فمكروه له ذلك. ويجزئه
مع ذلك ان كان طوافه الذي وصله به على طهارة
لأن الطواف لا يجزأ إلا على طهارة وفي ثياب
طاهرة إلا أن من طاف على غير وضوء فلا طواف له
ومن طاف في ثياب غير طاهرة أعاد ما لم يبعد
فإن طال أو تباعد فلا شيء عليه.
ولا يتحدث أحد في طوافه ولا يأكل ولا يشرب في
أضعافه فان ذلك مكروه له وأقلال الكلام في
الطواف سنة ولا يضر من تكلم فيه في حاجة وإنما
يؤمر بإقلال الكلام فيه للإقبال على الذكر ،
ولا يقرأ عند مالك في الطواف إلا أن يكون شيئا
يسيرا كالذكر على اختلاف في ذلك من قول مالك
وتحصيل مذهبه أنه لا يقرأ في الطواف وغيره ولا
يرى بقراءة القرآن في الطواف بأسا ولا يقطع
طوافه بصلاة نافلة ولا جنازة ويقطع للفريضة.
فإذا فرغ بنى فإن تنفل قبل أن يتمه ابتدأ ولو
بقي عليه من طوافه شوط ونحو فطافه بعد الإقامة
وقبل الإحرام بالصلاة لم يحرج إن شاء الله.
ولا يجوز تقديم السعي على الطواف ولا تفريق
أحدهما عن الآخر فإن فرقهما تفريقا فاحشا
أعادهما جميعا وإن ذكر عند فراغه أعاد السعي
حتى يطوف بعد الطواف وليس عليه غير ذلك.
ومن قدم مكة في وقت ضيق يخشى إن اشتغل بالطواف
أن يفوته الوقوف بعرفة قبل الفجر وهذا هو الذي
يسميه أصحابنا المراهق ترك الطواف والسعي فإذا
انصرف من منى إلى مكة لطواف الإفاضة سعى بعده
متصلا به،
(1/369)
وإن ترك طواف
الدخول وهو غير مراهق وخرج إلى منى عامدا
لتركه طاف وسعى إذا انصرف من منى وأهدى هديا،
وإن ترك ذلك ناسيا فلم يطف للدخول ولا سعى
ناسيا لم ير عليه ابن القاسم دما إذا سعى مع
طواف الإفاضة.
وغيره من أصحاب مالك يرى عليه ذلك وكل من كانت
حجته مكية لإهلاله بها من مكة من أهلها كان أو
متمتعا فلا يطوف ولا يسعى حتى يرجع من منى
لأنه لا يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة
إلا من جاء من الحل فإن أحرم من مكة وطاف وسعى
أعاد السعي بعد طواف الإفاضة فان لم يعده حتى
رجع إلى بلاده فليهد هديا يجزيه عند مالك
وأكثر أصحابه، وليس هو بمنزلة من طاف طواف
الدخول على غير وضوء وسعى بعده هذا يرجع إليه
من بلده إن لم يسع مع طواف الإفاضة وان بعد
وهو كمن ترك السعي أو نسيه فلم يسع بين الصفا
والمروة حتى رجع إلى بلده.
وقال القاضي إسماعيل بن إسحاق: كان مالك يشدد
فيمن ترك السعي بين الصفا والمروة ولا يبلغ
بهما الغرض وقد بلغني أنه ربما لبى في ذلك.
ولا بأس بطواف المحرم من مكة تطوعا ولو أحدث
بعد طوافه وركوعه سعى على غير وضوء ولو أحدث
في سعيه استحب له مالك ان يتوضأ فإن تمادى على
سعيه محدثا فلا شيء عليه فإذا أكمل القارن أو
المفرد الطواف أو السعي بقيا على إحرامهما إلى
يوم النحر والمتمع حكمه إذا طاف وسعى أن يحلق
أو يقصر ثم هو حلال الى يوم الرويه وسيأتي حكم
المتمتع وحكمه وحكم القران في باب بعد هذا إن
شاء الله.
(1/370)
ويستحب لأهل
مكة أن لا يؤخروا إحرامهم إلى يوم التروية
فإذا جاء يوم التروية وهو اليوم الذي يليه يوم
عرفة وهو اليوم الذي يدعوه عامة أهل بلدنا يوم
منى خرج الحاج كلهم إلى منى فوافوا بها صلاة
الظهر ثم صلوا بها العصر والمغرب والعشاء
والصبح كل صلاة في وقتها وباتوا بها والمبيت
بمنى ليلة عرفة سنة وهو عند مالك مستحب ومن
غدا يوم عرفة من مكة إليها ولم يأت منى قبلها
فلا شيء عليه عنده ثم غدوا إلى عرفة بعد طلوع
الشمس كل أحد على قدر طاقته ليوافق صلاة الطهر
في أول وقتها بعرفة وإذا زالت الشمس قطع
المحرمون التلبية إلا من أحرم بالحج بعرفة
فإنه لا يزال يلبي حتى يرمي جمرة العقبة.
وأما من أحرم من الميقات فأظهر قوليه أنه يقطع
التلبية إذا زالت الشمس يوم عرف وقد قال: إذا
وقف بعرفة وقال مرة أخرى: إذا راح إلى الموقف
وقال أيضا: إذا راح إلى المسجد وكل ذلك إذا
دخل الحرم ومن أحرم بالعمرة من الميقات قطع
التلبية إذا دخل الحرم.
وأما من أحرم من الجعرانة بعمرة فإنه يقطع
التلبية إذا دخل بيوت مكة ولو أحرم بها من
التنعيم قطعها إذا رأى البيت هذا قول مالك،
وغيره يقول: لا يقطع المعتمر التلبية حتى يدخل
المسجد ويأخذ في الطواف وكل ذلك حسن معمول به
إلا أن الاختيار عند مالك قطع التلبية للحاج
عند زوال الشمس من يوم عرفة وقال في موطئه على
ذلك الأمر عندنا ويجمع الإمام بالناس بين
صلاتي الظهر والعصر في أول وقت الظهر بعرفة
بعد أن يخطب بهم خطبة يعرفهم فيها الوقوف
بعرفة والدفع منها إلى
(1/371)
المزدلفة
ويعلمهم شرائع حجهم وتعظيم قدر يومهم وموقفهم
ولا يلبي في خطبته ويتحرى بفراغه منها فراغ
المؤذنين بالأذان فإن جمع بين الصلاتين
بأذانين وإقامتين لكل صلاة منهما أذان وإقامة
كليلة المطر فهو تحصيل مذهب مالك.
وقد روي عنه وقال بعض أصحابه: إنه يجمع بين
الصلاتين بعرفة بأذان وإقامتين. قال عبد
الملك: وعلى هذا أكثر العلماء وذلك محفوظ في
حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا
يتطوع أحد بعد الصلاة وصلاتهم صلاة سفر لا
يجهر فيها بالقراءة في يوم جمعة كان ذلك او
غيره ولا يصلي الحاج صلاة عيد بمنى ولا صلاة
جمعة وليس عليهم أضحية وسنتهم الهدي لا
ينتظرون فيه إمامهم فإذا فرغوا من الصلاتين في
أول وقت الظهر راحوا إلى الموقف وعرفة كلها:
جبالها وسهولها موقف إلا بطن عرنة يقفون
للدعاء بالمغفرة وحط الاوزار وتقبل الأعمال
وما شاءوا من الدعاء للدين والدنيا إلى أن
تغرب الشمس.
والوقوف بها راكبا عند مالك لمن قدر عليه أفضل
وحيث ما وقف من سهل أو جبل فسواء الا بطن عرنة
وعرفة ما جاوز بطن عرنة الذي فيه المسجد إلى
الجبال كلها التي عليها ومن وقف بعرفة فلا
يجزئه الوقوف في المسجد ويجزي عند مالك وأكثر
أصحابه على كراهيتهم لذلك.
وقال اصبغ: لا يجزأ الوقوف في المسجد لأنه من
بطن عرنة وبطن عرنة هو الوادي الذي يلي المسجد
ولا معتمد بعرفة قبل الزوال وإنما العمل في
الوقوف بها بعد الزوال إلى أن تغيب الشمس وهم
بها ومن دفع قبل غروب الشمس لزمه عند مالك
الرجوع إليها
(1/372)
والوقوف بها
ليلا فإن لم يفعل حتى طلع الفجر فقد فاته
الوقوف وفاته بفوته الحج كله ومن فاته الوقوف
بها نهارا بعد الزوال ووقف ليلا فعليه دم إذا
كان قادرا على الوقوف وان كان مراهقا معذورا
فال شيء عليه فإذا استيقن الإمام والناس غروب
الشمس بعرفة دفع بهم الإمام إلى المزدلفة وهي
المشعر الحرام وهي جمع كل هذا اسم للموضع
فيسير الإمام بالناس سير العنق فإذا وجد أحدهم
فرجة زاد فوق العنق شيئا حتى يأتي المزدلفة
فيصلي بها الإمام والناس المغرب والعشاء جمعا
على ما ذكرنا من الأذان والإقامة لكل صلاة وهو
قول مالك وقد ذكرنا الاختلاف في ذلك في كتاب
التمهيد ومن لم يدفع مع الإمام من عرفة فليصل
المغرب في وقتها والعشاء في وقتها ولو تمادى
إلى المزدلفة فجمع بين الصلاتين بها وحده لم
يخرج لأنه سفر ولقول رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "الصلاة أمامك" فلهذا أجزنا أن يؤخر
الصلاة حتى يأتي المزدلفة ولا يصلي قبلها
والأول قول مالك، ثم يبيت بها حتى يصبح فإن لم
يبت بها فعليه دم ومن قام بها أكثر ليله فلا
شيء عليه لأن المبيت ليلة النحر سنة مؤكدة عند
مالك وأصحابه لا فرض ويبيت الناس كلهم بها تلك
الليلة إلى آخرها ورخص للضعفة أن يخرجوا منها
قبل الفجر ومن جاء المزدلفة ولم ينخ بها فليهد
بدنة ومن نزل بالمزدلفة قبل الفجر ثم رحل قبل
الصبح إلى منى فلا شيء عليه ومن مر بالمزدلفة
بعد طلوع الشمس فلا يقف ومن تخلف بالمزدلفة
لعذر أو غير عذر حتى غابت الشمس من يوم النحر
فعليه هدي ويأخذ الناس منها حصى
(1/373)
الجمار إن
أمكنهم فإذا أصبحوا صلوا الصبح مغلسين بها
ووقفوا عند المشعر الحرام حتى يسفروا قليلا
للذكر والدعاء ثم نهضوا إلى منى قبل طلوع
الشمس في الأسفار الأعلى وليس السنة ان يسفروا
جدا.
والمزدلفة كلها جبالها وشعابها وبطونها منزل
وموقف وليس المأزمان من المزدلفة والدفع منها
على هيئة الدفع من عرفة ويستحب له أن يحرك
ببطن محسر قدر رمية بحجر فإن لم يفعل فلا حرج
فإذا أتوا منى وذلك غدوة يوم النحر رموا جمرة
العقبة بها ضحى ذلك اليوم ركبانا ان قدروا ولا
يستحب الركوب في غيرها من الجمار ويرمونها
بسبع حصيات يكبرون مع كل حصاة ويرمها الرامي
كيف تيسر له من أسفل العقبة أو من أعلاها ووقت
رمي هذه الجمرة من طلوع الفجر إلى زوال الشمس
ولا يجوز تأخيرها بعد الزوال إلا لمريض أو ناس
ولا دم على من رمى بها قبل الغروب وإن كان
مسيئا فإذا طلع الفجر من يوم النحر حل النحر
والرمي بمنى فإذا رمى جمرة العقبة لم يقف
عندها لدعاء ولا لغيره ولكنه يعجل الانصراف
إلى نحر هديه ان كان معه فينحره بمنى ثم يحلق
رأسه أو يقصر والحلق أفضل ولا يحلق حتى ينحر
هديه فان حلق قبل أن ينحر أو نحر قبل أن يحلق
أو قبل أن يرمي فلا حرج ولا يحلق حتى يرمي فإن
حلق قبل الرمي فعليه عند مالك الفدية ويحل
برمي جمرة العقبة كل ما حرم عليه من اللباس
والفتك كله إلا النساء والطيب والصيد عند مالك
ومن تطيب عنده بعد الرمي وقبل الافاضة لم ير
عليه فدية لما جاءء في ذلك ومن صاد عنده بعد
أن
(1/374)
رمى جمرة
العقبة وقبل ان يفيض كان عليه الجزاء.
ويقطع الحاج التلبيه بأول حصاة يرميها من جمرة
العقبة وعلى هذا أكثر أهل العلم بالمدينة
وغيرها وثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم
وهو جائز مباح عند مالك إلا أن مذهبه ما قدمت
لك لما ذكره في موطئه عن علي بن أبي طالب أنه
كان يقطع التلبية في الحج إذا زاغت الشمس يوم
عرفة.
وعن عائشة انها كانت تترك التلبية إذا راحت
إلى الموقف.
وكان ابن عمر يدع التلبية في الحج إذا انتهى
إلى الحرم حتى يطوف البيت ويسعى ثم يلبي حتى
يغدو من منى إلى عرفة وكل ذلك واسع عند مالك
ومن حلق أو قصر فليعم بذلك رأسه كله ولا يجزئه
الاقتصار على بعضه والرجال والنساء في ذلك
سواء إلا أن سنة النساء التقصير وليس عليهن
حلاق في حج ولا عمرة فإن آذاهن القمل حلقن
وليس لما يقصر من الشعر حد في الطول والقصر
ومن عقص رأسه أو ضفره أو لبده فعليه الحلاق
ولا سبيل له حينئذ إلى التقصير.
وحصى الجمار مثل حصى الخذف ثبت ذلك عن النبي
صلى الله عليه وسلم وقدر ذلك أصغر من الانمله
قليلا طولا وعرضا وكان مالك يستحب أكثر من ذلك
قليلا ولا حرج في ذلك إن شاء الله فإذا رمى
جمرة العقبة يوم النحر ونحر وحلق انصرف إلى
مكة لطواف الافاضة فطاف بالبيت سبعا على حسب
ما ذكرنا في طواف الدخول إلا الرمل فإنه لا
يرمل إلا في طواف دخول مكة خاصة ولا سعي بين
الصفا والمروة ان كان قد سعى مع طواف الدخول
وان لم يكن سعى فليسع مع طواف الإفاضة ثم يعود
إلى منى
(1/375)
فيبيت بها
ليالي منى كلها فان بات بمكة ولم يبت بمنى
فعليه دم وكذلك أن ترك المبيت بمنى ليلة من
لياليها كاملة أو جلها ولا بأس بتأخير الافاضة
إلى آخر أيام التشريق والفضل في تعجيلها فأن
أخرها حتى ينسلخ ذو الحجة فعليه دم وإذا فرغ
من طواف الافاضة فقد تم حجه وقضى نسكه وحل له
كل شيء حرم عليه من النساء والطيب والصيد وغير
ذلك ولم يبق عليه من النساء والطيب والصيد
وغير ذلك ولم يبق عليه من نسكه غير الرمي
والمبيت بمنى ووداع البيت ثم ينصرف بعد طواف
الإفاضة إلى منى لرمي الجمار وذكر الله في
الأيام المعدودات وهي أيام التشريق وهي
الثلاثة الأيام بعد يوم النحر وهي أيام الرمي
وأيام منى كل ذلك اسم لها فمن تعجل منها في
يومين فلا إثم عليه ومن تأخر إلىى اليوم
الثالث فلا إثم عليه ولا يبيت أحد من الحجاج
فيها إلا بمنى ولا يطوف أحد طواف الإفاضة قبل
أن يرمي جمرة العقبة فإن أفاض قبل الرمي فليرم
ثم ليحلق ثم ليفض فإن لم يفعل فلا حرج وكذلك
من أفاض قبل الحلاق والفضل كله في الاتيان بكل
شيء على رتبته والرمي في هذه الثلاثة الأيام
بعد الزوال في كل يوم منها.
ومن رمى فيها قبل الزوال أعاد الرمي ويرمي كل
يوم منها ثلاث جمرات كل جمرة منها بسبع حصيات
ماشيا يكبر في ذلك كله أيضا مع كل حصاة يفعل
ذلك في كل يوم من هذه الأيام إلا أن يتعجل في
يومين منها ويستحب له أن يرميها بعد الزوال
وقبل صلاة الظهر والنهار كله لها وقت فإن
رماها بعد الغروب فقد أساء وأثم إن لم يكن له
عذر مرض أو نسيان واختلف قول مالك في إيجاب
الدم عليه
(1/376)
لذلك ويكون
وجهه في حال رميه إلى الكعبة ويرتب الجمرات
ويجمعهن ولا يفرقهن ولا ينكسهن يبدأ بالجمرة
الأولى فيرميها بسبع حصيات رميا ولا يضعها
وضعا ولا يرمي بحصاتين أو أكثر في مرة فإن فعل
عد حصاة واحدة فإذا فرغ من رميها بسبع حصيات
تقدم امامها فوقف طويلا للدعاء بما تيسر ثم
يرمي الثانية وهي الوسطى وينصرف عنها ذات
الشمال في بطن المسيل ويطيل الوقوف عندها
للدعاء ثم يرمي الثالثة بموضع جمرة العقبة
بسبع حصيات أيضا يرميها من أسفلها ولا يقف
عندها ولو رماها من فوقها اجزأه ويكبر في ذلك
مع كل حصاة يرميها وسنة الذكر في رمي الجمار
التكبير دون غيره من الذكر ويرمي الجمار في
أيام منى ماشيا بخلاف جمرة النحر وتكون الجمار
طاهرة غير نجسة ولا مما قد رمي به قبل فإن رمى
بما قد رمي بما قد رمي به لم يجزه.
وقد قال عنه ابن القاسم: إن كان ذلك في حصاة
واحدة أجزأه ونزلت بابن القاسم فأفتى بهذا ولا
ينبغي أن تؤخذ الجمار من حصى المسجد الحرام
ويستحب أهل العلم أخذها من المزدلفة فإن لم
يكن فمن كل موضع طاهر ولا يجزي فيه المدر ولا
شيء غير الحجر وإذا أخذ حصاة الجمار من موضع
طاهر لم يغسلها ولو لم يغسل الجمار النجسة أو
رمى بما قد رمي به فقد روي عن مالك أنه قال
أساء وأجزأ عنه.
ومن نكس الجمار فرمى الأخيرة ثم الوسطى ثم
الأولى أعاد الوسطى ثم الأخيرة وكذلك لو رمى
الوسطى ثم الأولى أعاد الوسطى ثم الآخرة وكذلك
لو رمى الوسطى ثم الأخيرة ثم الأولى أعاد
(1/377)
الوسطى ثم
الآخرة ولو رمى الأولى ثم الأخيرة ثم الوسطى
أعاد الأخيرة فقط وإن لم يذكر حتى تباعد أعاد
الرمي كله وكذلك ان فرق الرمي تفريقا فاحشا
أعاده كله وقد قيل إن الترتيب في رمي الجمار
مستحب غير واجب عند مالك ومن بقي في يده حصاة
لا يدري من أي الجمار هي جعلها من الأولى ورمى
بعدها الوسطى والأخيرة فإن طال استأنف جميعا
ولا ينصرف أحد إلى بلده حتى يودع البيت
بالطواف سبعا فإن ذلك سنة ونسك لا يسقط إلا عن
الحائض وحدها وهو عند مالك مستحب لا يرى فيه
دما وعند غيره سنة يجبر بالدم ولا ينصرف إليها
عند مالك من تباعد عنها وقد كان عمر بن الخطاب
رضي الله عنه يرد من لم يودع البيت من مر
الظهران وينبغي أن يكون وداعه للبيت متصلا
بنهوضه عنه بعد كل عمل يعمله من سائر ما يحتاج
إليه في خروجه.
وإن اشتغل بعد الوداع فاشترى أو باع وما يتلبث
فيه أو عاد مريضا أو زار أخا وأقام عنده أو
نحو ذلك كله عاد للوداع حتى يكون صدوره ونهوضه
بعد ركوعه لطواف الوادع متصلا به ولا يقيم
بمكة بعد وداعه إلا مقام مجتاز ويستحب له إذا
فرغ من ركعتي الطواف ان يقف بين الركن والباب
أو حيث أمكنه فيحمد الله ويشكره على ما من به
عليه وهداه إليه ويكثر من الدعاء فيما شاء من
دين ودنيا ويجتهد في ذلك فإنه موضع رغبة ومكان
إجابة إن شاء الله وليكن من دعائه إن شاء:
اللهم إني عبدك حملتني على ماسخرت بنعمتك
لعبادك وما كانوا له مقرنين حتى بلغتني بيتك
الحرام وقضيت عني فريضتك فإن
(1/378)
كنت تباركت
قبلت ورضيت فازدد عنى رضى وإلا فمن الآن قبل
انثنائي عن بيتك غير متبدل بك ولا راغب عنك
اللهم قني شر نفسي وكل ما ينقص أجري أو يحبط
عملي واجمع لي خيري الدنيا والآخرة وأطولي
البعد وسهل لي الحزن واقدمني سالما إلى أهلي
سالمين يا أرحم الراحمين ويصلي على النبي صلى
الله عليه وسلم وينصرف
(1/379)
باب المواقيت في الحج وحكمها
وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل
المدينة ذا الحليفة فهي ميقات أهلها وميقات كل
من مر بها مريدا للحج قاصدا إلى البيت.
ولأهل الشام ومصر والمغرب الجحفة إذا سلكوا
طريق الساحل وإلا فذو الحليفة إن مروا بها.
ولأهل اليمن يلملم. ولأهل نجد قرنا ووقت عمر
بن الخطاب رضي الله عنه لأهل العراق ذات عرق.
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت ذلك
فميقات أهل العراق وبلاد فارس وما وراءها من
بلاد خراسان كلها ذات عرق وان أحرموا من
العقيق فحسن ومن أهل من الجحفة فالوادى كله
مهل له ويستحب أن يحرم من أوله
(1/379)
والمواقيت
لأهلها وكل من مر بها من غير أهلها ممن أراد
حجا أو عمرة ومن كان منزله دون الميقات إلى
مكة أهل من منزله ولا يحب مالك لأحد أن يحرم
قبل ميقاته فإن فعل لزمه وكره ذلك له وغيره من
أهل العلم بالمدينة وغيرها لا يكرهه والمكي
يحرم بحجه من مكة ويحرم لعمرته من أى الحل شاء
ومن سلك على عير طريق المواقيت برا أو بحرا
أحرم من حذوها ومن كان من غير أهل الشام أو
مصر أو المغرب فمر بذي الحليفة مريدا لحج أو
عمرة فإن تعداه إلى الجحفة أو غيرها فعليه دم
وليس ذلك على من كانت الجحفة ميقاته والاختيار
لأهل الشام والمغرب إذا مروا بذي الحليفة
مريدين لحج أو عمرة أن يحرموا منها فإن أخروا
إحرامهم إلى الجحفة فلا شيء عليهم وليس لمن
أراد حجا أو عمرة أو غيره أن يجاوز الميقات
إلا محرما ومن جاوز الميقات لحاجة له دون مكة
ولا يريد دخول مكة ولا يذكر حجا ولا عمرة ثم
بدا له وعزم على الإحرام بحج أو عمرة أحرم من
مكانه ولا رجوع عليه قريبا كان أو بعيدا ولا
شيء عليه ولو جاوز الميقات يريد دخول مكة
حلالا ثم أحرم فعليه دم وقيل لا دم عليه
وكلاهما قول مالك ومن جاوز الميقات مريدا للحج
أو العمرة رجع إلى ميقاته فأحرم منه فإن أحرم
بعده فعليه دم وسواء تعمد ذلك أو نسيه أو جهله
ولا يرجع من وصفنا حاله إلى ميقاته بعد إحرامه
مراهقا كان أو غيره لأنه قد لزمه الدم ولا وجه
لرجوعه وإنما يرجع عند مالك مريدا للحج أو
العمرة إلى ميقاته ما لم يحرم فإن أحرم لم
(1/380)
يرجع وعليه دم
وكذلك عنده من شارف مكة غير محرم لم يرجع أيضا
وأحرم من مكانه وأتى بالدم ومن لم يشارف مكة
ولكنه خاف فوات الحج إن رجع إلى الميقات أحرم
من موضعه ذلك وكان عليه دم لمجاوزته الميقات
مريدا للحج أو العمرة حلالا والدم في هذا
الباب كله لا ينوب عنه طعام وإنما فيه الهدي
أو الصيام كالمتمتع سواء عند مالك ومن أردف
الحج على العمرة بعد أن جاوز الميقات غير مريد
لحج ولا عمرة فلا شيء عليه غير دم القران ومن
كان منزله خلف الميقات دون مكة فأخر الإحرام
عن منزله فهو بمنزلة من أخر الإحرام عن ميقاته
في سائر ما ذكرنا من أحكامه ولا يجوز لغير مكي
أن يدخل مكة حلالا وأقل ما عليه في دخولها
عمرة إلا أن يكون من أهل القرى المجاورة لها
المترددين بالحطب والفواكه إليها كأهل جدة
وعسفان وقديد ومر الظهران فلا بأس بدخول هؤلاء
بغير إحرام وكذلك من خرج من مكة ورجع إليها من
قريب لحاجة والغسل عند الميقات للاحرام سنة
مسنونة ويغتسل كل محرم لذلك حتى الحائض
والنفساء
(1/381)
باب الإفراد والتمتع والقران
الإحرام بالحج على ثلاثة أوجه كلها مباح جائز
وهي إفراد الحج والتمتع بالعمرة إلى الحج
والقران وهو جمع
(1/381)
العمرة والحج
معا وإحرام رابع وهو إفراد العمرة في غير أشهر
الحج لمن يريد في عامه حجا
فأما إفراد الحج فهو أن يهل الإنسان بالحج
خالصا من موضعه أو من ميقات بلده ثم يمضي في
عمل حجه حتى يتمه على حسب ما ذكرنا في باب
العمل في الحج وهو الأفضل عند مالك وهو أفضل
عنده من القران ومن التمتع.
والتمتع هو: أن يعتمر الإنسان في أشهر الحج أو
يتحلل من عمرته في أشهر الحج وإن كان قد أحرم
بها في غيرها ثم بحج من عامه ذلك الرجوع إلى
بلده فإذا فعل ذلك كان متمتعا ووجب عليه ما
استيسر من الهدي هذا إن لم يكن أهله حاضري
المسجد الحرام وهم عند مالك أهل مكة وأهل ذي
طوى لأنها من مكة ومن كان من حاضري المسجد
الحرام وتمتع فلا هدي عليه ولا صيام وكذلك كل
من كان من سائر الآفاق وكانت عمرته في غير
أشهر الحج لا شيء عليه أيضا وكل من رجع إلى
بلده بعد عمرته في أشهر الحج ثم حج من عامه
فلا شيء عليه لأنه جاء بالعمرة في سفر وبالحج
في سفر ثان والهدي إنما وجب والله أعلم على
غير المكي إذا اعتمر وحج من عامه ولم ينصرف
إلى بلده لإسقاطه أحد السفرين إلى البيت من
بلده فإن رجع إلى غير بلده ثم حج من عامه كان
متمتعا وعليه ما استيسر من الهدي إلا أن يكون
الأفق الذي انصرف إليه في البعد مثل أفقه أو
نحوه فإن كان كذلك فلا شيء عليه ويستحب
للمتمتع هدي بدنة أو بقرة وتجزئ شاة فإن لم
يجد هديا صام ثلاثة أيام في الحج بعد إحرامه
به آخرها يوم عرفة ولا يجزئه أن يصوم بعد
(1/382)
إحرامه بالعمرة
وهو يريد التمتع حتى يحرم بالحج وإنما يصوم ما
بين إحرامه بالحج إلى يوم عرفة فإن يفعل صام
أيام التشريق عند مالك وجماعة من أهل المدينة
ومنهم من لا يجيز له صيام أيام التشريق لنهي
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام أيام
منى والاختيار له عند مالك تقديم الصيام في
أول الإحرام بالحج فإن لم يصم أيام التشريق
صام بعد ذلك ثلاثة وسبعة موصولة إن شاء أو غير
موصولة ومعنى قوله عز وجل: {وَسَبْعَةٍ إِذَا
رَجَعْتُمْ} يعنى من منى عند مالك أقام بمكة
أولا ويصوم الثلاثة أيام في الحج المتمتع
والقارن والمفسد لحجه والذي يفوته فيقضيه
والناسي لحلق رأسه من العمرة كل هؤلاء يصوم
إذا لم يجد الهدي ثلاثة أيام في الحج وسبعة
إذا رجع وكذلك من تعدى الميقات عند مالك.
وأما من وطئ أهله بعد رمي جمرة العقبة وقبل
الإفاضة أو ترك المبيت في المزدلفة أو ترك رمي
جمرة أو عجز عن بعض المشي إلى مكة فكل هؤلاء
إذا لم يجد الهدي صام ثلاثة وسبعة بعدها حيث
شاء في الحج وغير الحج بمكة وغيرها ولا إطعام
في شيء من هذه الدماء وإنما هو هدي أو صيام
وهذا كله تحصيل مذهب مالك عند أصحابه.
ومن خرج من بلده يريد المقام بمكة فدخلها في
أشهر الحج بعمرة ثم أقام بها حتى حج فعليه دم
المتعة في ذلك العام ثم لا دم عليه بعد ما دام
ساكنا بمكة ومن خرج عن مكة من أهلها فسكن
غيرها ثم قدمها معتمرا وحج من عامه فعليه دم
المتعة ومن كان له بمكة أهل وبغيرها مالك
وقال: هو من مشكلات الأمور واستحب له أن يأتي
بدم المتعة إن تمتع
(1/383)
بالعمرة إلى
الحج وإذا مات المتمتع قبل أن يرمي جمرة
العقبة فليس عليه دم المتعة عند مالك.
وقال أشهب: ذلك عليه واجب وهو القياس عندي على
أصلهم في سياقه هديه معه وتقديمه صيامه في أول
إحرامه.
والقران أن يحرم بعمرة وحجة معا يجمعهما
باحرام واحد يقول: "لبيك اللهم لبيك بعمرة
وحجة معا" ذلك نية فإن أحرم بعمرة ثم أردفها
بحج قبل أن يبتدئ الطواف بالبيت كان قارنا
وكذلك لو أردف الحج على العمرة ما لم يركع
ركعتي الطواف، كل ذلك قول مالك وأصحابه.
وعلى القارن هدي ويستحب له أن يهدي بدنة أو
بقرة وتجزئه شاة وهو في ذلك كالمتمتع ولا يصح
الإحرام بحجتين ولا بعمرتين معا ولا يجوز
إدخال حج على حج ولا عمرة على عمرة على حج
وإذا طاف المعتمر شوطا واحدا لعمرته ثم أحرم
بالحج صار قارنا وسقط عنه باقي عمرته ولزمه دم
القران وكذلك من أحرم بالحج في أشواط طوافه أو
بعد فراغه منه قبل ركوعه.
وقال أشهب: إذا طاف لعمرته شوطا واحدا لم
يلزمه الإحرام به ولم يكن قارنا ومضى على
عمرته حتى يتمها ثم يحرم بالحج إن شاء.
فإن فرغ من طوافه وركوعه ثم أحرم بالحج قبل
سعيه ففيه قولان:
أحدهما: أنه قارن مبطل لعمرته يلزمه دم
القران.
والآخر: أنه يتمادى في عمرته ولا شيء عليه إلا
أن يشاء أن يحرم بالحج بعد ذلك.
ولو أحرم بالحج بعد طوافه وسعيه قبل حلاقه أو
تقصيره لزمه الإحرام به ولم يكن قارنا وكان
متمتعا إن كانت عمرته في أشهر الحج وعليه دمان
دم لتمتعه ودم لتأخير حلاقه وكلاهما هدي فإن
لم يجد ما
(1/384)
استيسر منه صام
كما ذكرنا وينوب الطعام والصيام لمن لم يجد
الهدي عن جزاء الصيد وكفارة الأذى دون سائر
الدماء ولا مدخل للإطعام في غيرهما وهدي
المتمتع والقران على الترتيب وأما كفارة الصيد
ونسك الأذى فكلاهما على التخيير ومن أحرم
بعمرة وساق هديا تطوع به ثم أدخل الحج على
العمرة فصار قارنا أجزأه هدي عمرته عن هدي
قرانه وقد قيل فيه: لا يجزئه وعليه هدي القران
وكلاهما قول مالك.
وإذا حاضت المرأه قبل أن تطوف بالبيت وقد كانت
أحرمت بعمرة ولم تكن حجت فريضتها وأرادت العام
قضاء حجتها أحرمت بالحج وأدخلته على العمرة
وصارت قارنة وعملت أعمال الحج كلها من الوقوف
والرمي ثم تنتظر حتى تطهر وتطوف وتسعى فإذا
فرغت من حجتها اعتمرت عمرة مستأنفة وإن اقتصرت
على قرانها أجزأها عن حجتها وعمرتها.
ويجزي القارن أن يطوف لحجته وعمرته طوافا
واحدا وسعيا واحدا كالمفرد سواء.
وذكر ابن عبد الحكم عن مالك قال: ومن قرن فأخر
طوافه حتى صدر فذلك يجزئه لعمرته وحجته
وإفاضته ووداعه إذا كان ذلك عند خروجه وإن قتل
القارن صيدا لم يكن عله الإجزاء واحد وفيما
يفادى منه فدية واحدة.
ولا يحل القارن للحج مع العمرة حتى يحل منهما
جميعا مع الناس يوم النحر ومن قرن من أهل مكة
كمن تمتع منهم ولا هدي عليه وأكثر أصحاب مالك
لا يرون على المكي إذا قرن دما ويروونه عن
مالك ومنهم من يرى ذلك عليه وكان مالك يقول:
لا أحب للمكي أن يقرن قال: وما
(1/385)
سمعت أن مكيا
قرن .
وقال غيره: المكي وغير المكي في القران سواء
ولا يحرم المكي إذا قرن إلا من الحل فإن لم
يكن قارنا أحرم من مكة ولو أحرم من خارج الحرم
لم يضره لأنه زاد.
وقد قيل: لا بأس أن يحرم القارن المكي من مكة
والقول الأول رواية ابن القاسم واختياره لأن
العمرة لا يحرم بها إلا من الحل
(1/386)
باب مال لا جناح على المحرم في فعله
لا بأس على المحرم بقتل كل ما عدا على الناس
في الأغلب مثل الأسد والذئب والنمر والفهد
وكذلك لا بأس عليه بقتل الحيات والعقارب
والفارة والغراب والحدأة إلا أن مالكا قال: لا
يقتل الغراب ولا الحدأة إلا أن يضراه ويقتل
الفارة والعقرب والحية وإن لم تضره ولا بأس أن
يحتجم المحرم إذا لم يحلق مواضع محاجمه وله أن
يفقأ دمله وينكأ جرحه ويعصر بثره ويقطع عرقه
إن احتاج إلى ذلك كله.
وقد قيل: لا يحتجم المحرم إلا من ضرورة ولا
بأس أن يأخذ من شارب الحلال وأظفاره وأما أن
يحلق شعر حلال أو محرم فلا لما يخاف عليه من
قتل الدواب.
ومن أيقن من المحرمين أنه سلم عند حلق رأس
الحلال من قتل الدواب فلا شيء عليه ولا بأس أن
يلقي دواب الأرض عن نفسه مثل البرغوث وشبهه من
القراد
(1/386)
والحمنان
والحلم ولا يلقي شيئا من ذلك عن بعيره فإن فعل
أطعم شيئا ولا يلقي القملة وشبهها من دواب
جسده عن نفسه.
وصيد البحر حلال للمحرم والطافي منه وغير
الطافي سواء ولا بأس أن يدهن المحرم باطن كفيه
وقدميه بالزيت والسمن ولو دهن بذلك رأسه أو
باطن ساقيه افتدى عند مالك ولا بأس أن يغتسل
لمحرم تبردا كما يغتسل جنبا إلا أنه لا يغمس
في الماء رأسه هذا قول ابن القاسم وروايته عن
مالك وأجاز ابن وهب وأشهب ذلك وعلى جواز
الانغماس أكثر العلماء وإن دخل المحرم الحمام
للتداوي به دون التنظيف فيه فلا بأس عليه ولا
يدخل المحرم الحمام لينقي درنه فإن فعل افتدى
عند مالك.
وقال عنه ابن عبد الحكم: إن خاف أن يكون قتل
شيئا من الدواب أحب إلى أن يفتدي والوجه عند
مالك في غسل المحرم رأسه أن يصب عليه ويحرك
شعره بيديه وما تساقط من شعر لحيته ورأسه في
وضوئه أو غسله فلا شيء عليه في ذلك وكذلك ما
انحلق من شعر ساقيه في ركوبه ولا بأس أن يستظل
المحرم بظل الفساطيط والبيوت وشبهها وجائز أن
يحمل على رأسه متاعا إذا اضطر إليه ولا يستظل
على المحمل فإن فعل فقد اختلف قول مالك في ذلك
وأصحه عنه أن الفدية عليه استحبابا غير واجبة
(1/387)
باب جملة ما على المحرم اجتنابه مما لا يفسد
حجته والحكم في ذلك
لا يتطيب المحرم ولا يأكل شيئا فيه طيب إلا أن
لا يوجد للطيب طعم ولا رائحة ولا يلبس ثوبا
مسه طيب زعفران أو غيره حتى يذهب لون الطيب
وريحه منه وأفضل ما يلبسه المحرم من الثياب
البيض ولا يكتحل بكحل فيه طيب ولا يلبس المحرم
قميصا ولا مخيطا ولا عمامة ولا سراويل ولا
خفين إلا أن يعدم النعلين فيقطع حينئذ الخفين
أسفل من الكعبين ويلبسهما وإن وجد النعلين
غاليين جدا جاز له لباس الخفين المقطوعين ولا
بأس أن يأتزر كما له أن يرتدي إلا أنه يكره له
أن يستثفر بالمؤتزر عند الركوب والنزول فإن
فعل فلا شيء عليه ولا يشد فوق مئزره تكة ولا
خيطا ولا بأس بلبسه المهماز والمنطقة لحفظه
نفقته فإن نفدت نفقته ألقاها وإلا افتدى ان
أمسكها وإحرام الرجل في رأسه ووجهه فإن نفدت
نفقته ألقاها وإلا افتدى ان أمسكها وإحرام
الرجل في رأسه ووجهه والمرأة تلبس ما شاءت من
الثياب غير القفازين والبرقع والنقاب ولا تغطي
وجهها وإحرامها في وجهها وكفيها ولا بأس بسدل
ثوبها على وجهها لتستره من غيرها ولتسدله من
فوق رأسها ولا ترفعه من تحت ذقنها ولا تشده
على رأسها بإبرة ولا غيرها ولا يحلق المحرم
رأسه ولا رأس غيره من محرم أو حلال ولا يقتل
دواب جسده ولا يطرحها عن نفسه فإن طرح قملة عن
ثوبه أو جسده أطعم قبضة من طعام ولا يطلي ولا
يقلم أظفاره فإن فعل شيئا مما ذكر في هذا
الباب افتدى ولا يدخل المحرم
(1/388)
الحمام قاصدا
إلى إلقاء درنه فإن فعل ذلك فعليه الفدية وكل
ما فيه معنى الرفاهية وإزالة الشعث وإنقاء
الدرن فهو من إلقاء التفث وحكمه حكم لباس
الثياب وحلق الشعر وتقليم الأظفار واستعمال
الطيب فإن فعل ذلك كله أو شيئا منه ناسيا أو
جاهلا أو مضطرا في فور واحد فعليه في جميعه
فدية واحدة وإن فرقه في مواطن كثيرة فعليه لكل
شيء فدية إلا أن يكون في مرض واحد فكرر
استعمال ما يحتاج إليه من ذلك فإن كان كذلك
ففدية واحدة ولا ينبغي لأحد أن يأتي شيئا مما
أمرنا باجتنابه من غير ضرورة ليسارة الفدية
عليه وإنما الرخصة في ذلك للضرورة والفدية أن
يطعم ستة مساكين مدين من حنطة لكل مسكين أو
يصوم ثلاثة أيام أو ينسك بشاة وهو مخير في ذلك
كله إن شاء فعل حيث شاء والاختيار أن يأتي
بالفدية حيبث وجبت عليه وسواء فعل شيئا مما
ذكرنا في هذا الباب ناسيا أو عامدا عند مالك
وان أطعم شعيرا أو ذرة مقدار المدين من الحنطة
فأطعم ذلك مسكينا والنسيكة ما تكون ضحية قال
مالك ولا يجب في الفدية جذع وينوب الإطعام
والصيام في فدية الإذى وجزاء الصيد دون سائر
الدماء والتخيير فيهما دون ما سواهما ومن
افتدى قبل أن يجب عليه لم يجزه ومن اكتحل بكحل
لا طيب فيه لضرورة فلا شيء عليه وإن كان لغير
ضرورة فعليه الفدية وقال عبد الملك ليس فيه
فدية ومن نتف شعرة أو شعرتين لم يكن عليه شيء
ولو أطعم شيئا ولو قبضة من طعام كان حسنا وكل
شيء خفيف من هذا الباب ففيه صدقة وليس فيه دم
ولو قلم ظفرا واحدا
(1/389)
أو بعض ظفر
أطعم مسكينا واحدا وليس للمحرم أن ينكح ولا
ينكح غيره ولا يخطب لنفسه ولا لغيره والمرأة
والرجل في ذلك سواء وللمحرم أن يراجع امرأته
ولو كانت محرمه.
(1/390)
باب ما ينهى عنه المحرم من الصيد
ليس للمحرم قتل شيء من الصيد ولا ذبحه ولا أكل
شيء منه إذا صاده أو صيد من أجله إلا أن
الجزاء على من أكل صيدا صيد من أجله استحباب
وهو على كل من قتل الصيد أكله أو لم يأكله
إيجاب وكذلك لو أكل ما صاده المحرم ففيه
الجزاء وهو مع ذلك ميتة عند مالك ولا يحل له
الصيد حتى يطوف طواف الإفاضة وإن كان معتمرا
فحتى يتم سعيه وإن صاد قبل ذلك فعليه الجزاء
ولا يجوز له شراء صيد ولا ملكه ولا حبسه في
يده ومن أحرم وعنده صيد لم يزل ملكه عنه ولم
يجز له ذبحه حتى يحل من إحرامه ولا يمسكه بعد
إحرامه في يده ولا يصحبه في رفقته فإن أمسكه
في يده فعليه إرساله فإن لم يرسله حتى مات في
يده فعليه جزاؤه فإن أمسكه في يده فعليه
إرساله فإن فإن أرسله فلا شيء عليه.
ومن اشترى طائرا وهو محرم فقصه فإنه يرسله في
موضع يكبر فيه ريشه فإن فعل لم يكن عليه شيء
وإن لم يخرج ريشه ولم يكبر جزاه.
ولو نازع محرم حلالا صيدا في يده ليرسله فمات
فعلى الممسك منهما جزاؤه ولو كانا محرمين كان
على كل واحد منهما جزاء
(1/390)
كامل ومن حفر
بئرا للسبع فوقع فيه صيد وتلف فعليه جزاؤه ولو
كانت البئر لغير ذلك في فنائه أو غير فنائه لم
يكن عليه شيء.
ولو نشب صيد في أطناب فسطاط محرم فعطب لم يكن
عليه شيء عند مالك وقال ابن القاسم يجزيه.
ومن رآه الصيد ففزع منه فعطب فلا جزاء عليه
وقال ابن القاسم عليه جزاؤه .
ومن أفزع الصيد فعليه عندهما جزاؤه إن مات ومن
لم يأمر باصطياد صيد ولا صيد من أجله جاز له
أكله ولم يكن عليه شيء ، وسواء عند مالك ما
يؤكل لحمه من الصيد وما لا يؤكل كل ذلك لا
يجوز للمحرم قتله.
وكل من ساعد قاتل الصيد في الحرم او في
الإحرام فعليه الجزاء.
وإذا اضطر المحرم وخشي ذهاب نفسه من الجوع أكل
الميتة ولم يصطد. وما صاده المحرم وذبحه من
الصيد فهو ميتة لا يأكله عند مالك حلال ولا
محرم ولا يكره ما صاده الحلال للمحرم إلا ما
كان من ذلك بعد إحرامه وأما ما صاده قبل
الإحرام فلا بأس به.
ولو دل محرم حلالا على صيد أو ناوله رمحا أو
سيفا فقتل به الصيد فقد أثم ولا جزاء عليه
وقتل المحرم الصيد خطأ أو عمدا سواء في وجوب
الجزاء وإذا قتل حلال وحرام صيدا فعلى الحرام
جزاء كامل إلا أن يكون في الحرم فيكون على كل
واحد منهما جزاء كامل.
ومن كان في الحل ورمى صيدا في الحرم أو كان في
الحرم ورمى صيدا في الحل فعليه جزاؤه ولا يؤكل
ولو أرسل كلبه في الحرم على صيد فصاده في الحل
لم يؤكل وعليه جزاؤه ولو أرسلت كلبه في الحل
على صيد فقتله الكلب في الحرم فلا جزاء عليه
إلا أن
(1/391)
يكون أرسله
بقرب الحرم ولا يؤكل عند مالك في الوجهين
جميعا.
ومن قتل صيدا ثم أكله فليس عليه إلا جزاء واحد
والجزاء عندنا كفارة لا فدية وإذا قتل قوم
محرمون أو محلون في الحرم صيدا واحدا فعلى كل
واحد منهم الجزاء والحلال فيما يصيده في الحرم
كالمحرم في الحل والحرم وحرمة الحرم والإحرام
إذا اجتمعا لم يجب بهما إلا جزاء واحد والقارن
والمفرد في ذلك سواء وما كان للمحرم قتله من
الصيد فجائز للحلال قتله في الحرم ولا يذبح
المحرم شيئا من الطير المستأنس إذا كان اصله
مستوحشا ولا حمام الأبراج وأما الدجاج والأوز
فمثل البقر والغنم.
ولا يجوز لحلال ولا لحرام قطع شيء من شجر
الحرم المباح ولا كسره ولا أن يحش في الحرم
ولا بأس بقطع كل ما غرسه الآدميون من النخل
والشجر وقد رخص في الرعي في الحرم وفي الهش من
شجره الغنم ولا كفارة على من قطع شيئا من شجر
الحرم عند مالك.
وكره مالك للمحرم قتل الضبع والثعلب والهر
ورأى على من قتل شيئا منهما الجزاء والطير
المستوحش كله: سباعه وغير سباعه يجزيها
المحمرم إذا قتل شيئا منها إلا الحدأه والغراب
وكره له قتل الخنزير والقرد والوزغ فإن خاف
شيئا من ذلك على نفسه أو ماله جاز له قتله.
وفرق مالك بين فراخ الغربان وصغار الحيات
والفار فأجاز قتل الصغير من الفأر والحية
والعقرب وكره قتل فراخ الغربان لأنها تضر في
صغرها.
وقد قال في الحية الصغيرة: لا يقتلها المحرم
قال: ولا يقتل المحرم من دواب الأرض إلا ما
يخافه على نفسه ولا يقرد المحرم دابته ولا
(1/392)
بعيره عند مالك
أخذ فيه بقول ابن عمر وخالفه غيره فأجازوه
إتباعا لعمر ويجوز عند مالك للمحرم طرح العلق
عن الدابة والبعير وعن نفسه ولا يجوز عنده قتل
الزنبور ولا البق ولا الذباب ومن قتل شيئا من
ذلك أطعم ما تيسر ومن قتل جرادة فعليه حفنة من
طعام وفي الكثير منه قيمته من الطعام وغير
مالك لا يكره للمحرم قتل شيء من الحيوان
المستوحش ولا سائر دواب الأرض وهوامها إلا ما
كان صيدا يؤكل
(1/393)
باب الحكم في جزاء الصيد
ما قتل المحرم من الصيد فعليه جزاؤه وما يجزي
من الصيد شيئان دواب وطير فيجزي ما كان من
الدواب بنظيره من الغنم ففي النعامة بدنة وفي
حمار الوحش وبقر الوحش بقرة وفي الظبي شاة
وأقل ما يجزأ من الجزاء عند مالك ما استيسر من
الهدي وكان ضحية وذلك الجذع من الضأن والثني
مما سواه وما لم يبلغ جزاؤه ذلك ففيه إطعام أو
صيام وفي صغار الصيد عند مالك مثل ما في كباره
ولا يفدي شيء عنده بعناق ولا بجفرة.
قال مالك: وذلك مثل الدية الصغير والكبير فيها
سواء وقوله هذا عندي خلاف اصله لأن الجزاء
عنده كفارة لا دية ولذلك يوجب على الجماعة إذا
اشتركوا في قتل صيد جزاء كاملا على كل واحد
منهم وهذا مجرى الكفارة على الصغير والكبير لا
مجرى الدية وفي الضب عنده واليربوع قيمتهما
طعاما ومن أهل المدينة من يخالفه
(1/393)
في صغار الصيد
وفي اعتبار الجذع والثني ويقول بقول عمر في
الأرنب عناق وفي اليربوع جفرة وفي الحمام كله
قيمته إلا حمام مكة خاصة فإن في الحمامة منه
شاة اتباعا للسلف في ذلك والدبس والغمري كله
حمام.
وحكى ابن عبد الحكم عن مالك ان في حمام مكة
وفراخها: شاة، قال: وكذلك حمام الحرم قال: وفي
حمام الحل حكومة قال: ومن أحرم من مكة فأغلق
باب بيته على حمام فمات فعليه في كل فرخ شاة
وفي بيض النعامة عشر ثمن الدية عند مالك وفي
بيص الحمامة المكية عنده عشر ثمن الشاة وأكثر
العلماء يرون في بيض كل طائر القيمة ومن قتل
صيدا بعد صيد فعليه كل مرة جزاؤه ومن صاد صيدا
فقطع يده أو رجله أو شيئا من أعضائه وسلمت
نفسه وصح ولحق بالصيد فلا شيء عليه وقد قيل
عليه من الجزاء بقدر ما نقصه والأول قول مالك.
ولو ذهب فلم يدر ما فعل فعليه جزاؤه ولو زمن
الصيد ولم يلحق بالصيد أو تركه تخوفا فعليه
جزاؤه جزاء كاملا وكفارة الصيد على التخيير لا
على الترتيب يحكم بها على قاتله حكمان ذوا عدل
يخيران المحكوم عليه فإن اختار الهدي أو
الإطعام أو الصيام حكما عليه بمثل ما يختار
موسرا كان أو معسرا فإن لم يحكم عليه حكمان
فهو بالخيار أيضا فإن اختار الهدي حكما عليه
بما مضى من السنة في ذلك لا يعدلان عنها وإن
اختار الحكم بالطعام حكما عليه بقيمة الصيد
طعاما بسعر موضعه الذي أصيب فيه فإن لم يكن
فأقرب المدن إليه فيطعم كل مسكين بمد النبي
عليه السلام وإن اختار الصيام
(1/394)
حكما عليه أن
يصوم مكان كل مد يوما بالغا ما بلغ من الأيام
ولا ينظر في ذلك إلا شهرين ولا إلى أكثر ويقوم
الصيد حيث أصيب طعاما ولا يقوم المثل من النعم
فإن قوم الصيد دراهم ثم قومت الدراهم طعاما
جاز والأول أصوب عند مالك والتقويم إلى
الحكمين والإطعام في الموضع الذي أصاب فيه
الصيد حرما كان أو غير حرم فإن لم يكن ثم طعام
ففي أقرب المواضع إليه مما يوجد فيه الطعام
هذا هو المختار إلا يذبح الجزاء ولا يطعم عنه
إلا حيث وجبت الجزاء وأما الصيام فجائز بكل
مكان ولو أطعم في كل مكان أجزأ عند مالك ويطعم
كل مسكين مدا أو يصوم مكان كل مد يوما ويستأنف
الحكم في كل ما مضت فيه حكومة أو لم تمض ولو
اجتزأ بحكومة الصحابة فيما حكموا به من جزاء
الصيد كان حسنا.
وقد روي عن مالك أنه ما عدا حمام مكة وحمار
الوحش والظبي والنعامة لا بد فيه من الحكومة
ويجتزئ في هذه الأربع بحكومة من مضى من السلف
رحمهم الله.
(1/395)
باب ذكر ما يفسد الحج والعمرة والحكم في ذلك
قال الله عز وجل: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ
مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ
فَلا رَفَثَ} الآية .
قال مالك: الرفث إصابة النساء،
(1/395)
فحرام على
المحرم وطء النساء ومن أحرم بحج أو عمرة فليس
له أن يطأ امرأته ولا يتلذذ منها بشيء وإن لم
تكن محرمة والذي يفسد إحرامه عند مالك إنزال
الماء الدافق ما لم يكن احتلاما وكذلك مغيب
الحشفة وكذلك عند مالك من قبل أو باشر أو أدام
النظر فأنزل ومن نظر نظرة فأنزل لم يكن عليه
غير الهدي ومن قبل أو باشر ولم ينزل فعليه دم
وتجزئ شاة وقد قيل لا يفسد الحج إلا ما يوجب
المهر والحد والأول قول مالك وفساد الحج يكون
بما ذكرنا من الوطء والإنزال قبل الوقوف بعرفة
عند جماعة أهل العلم بالمدينة وغيرها وكذلك
عند مالك من وطئ بعد عرفة قبل رمي جمرة العقبة
ناسيا أو عامدا إلا أن يكون أفاض قبل ذلك فإن
كان قد طاف للإفاضة قبل رمي جمرة العقبة ثم
وطيء كان عليه هدى وحجة تامه وإنما يفسد حج
الواطيء قبل الرمي والإفاضة عند مالك إذا كان
ذلك منه يوم النحر في أوله أو آخره.
وأما إذا كان وطؤه بعد يوم النحر فحجه تام
وعليه العمرة والحج إن لم يكن طاف للإفاضة ولا
رمى وإن كان قد طاف ولم يرم كان عليه الهدي
خاصة وهذا كله تحصيل مذهب مالك وعليه أكثر
أصحابه ومنهم من قال: إنه إن وطئ يوم النحر
قبل الرمي فسد حجه وسواء كان قد أفاض قبل ذلك
أو لم يفض وهذا قول ابن وهب وأشهب والأول
أصوب.
وقال إسماعيل بن إسحاق: قول مالك فيمن وطئ قبل
الإفاضة بعد رمي الجمرة أن عليه العمرة والهدي
قول مستحسن على ما روي عن ابن عباس وعكرمة
وفسره عبد الملك: ليكون طوافه بالبيت في إحرام
صحيح
وأما القياس في ذلك: فما روي عن عمر بن
(1/396)
الخطاب وعن غير
واحد من التابعين فيمن وقع على امرأته وهو حاج
قبل أن يطوف بالبيت أن عليه الحج من قابل لأن
الطواف بالبيت واجب لا يجوز أن يتركه بوجه من
الوجوه قال الله عز وجل: {وَأَذِّنْ فِي
النَّاسِ بِالْحَجِّ} إلى قوله:
{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}
فكان هذا الطواف واجبا وهو طواف الإفاضة قال:
فلما كان هذا الطواف واجبا في كتاب الله ثم
غشي الحاج قبل أن يفعله كان مفسدا لحجه ولا
يجب في القياس أن يكون الطواف الصحيح للعمرة
يقوم مقام الطواف الذي كان واجبا للحج ولكنه
ضرب من الاستحسان وقول مالك إنه أحسن ما سمع
بذلك عليه هذا كله كلام إسماعيل في مختصره
المبسوط له.
وقد قال ابن نافع عن مالك: الطواف الواجب هو
طواف الإفاضة وإليه يرجع من لم يطفه من بلده
ولو كان من الأندلس حتى يطوفه ومن أفسد حجه
بشيء مما ذكر فقد انتقض إحرامه وفسد حجه وعليه
أن يمضي في حجته حتى يكملها ويحل منها بما يحل
به من لم يفسد حجه سواء ثم عليه بدلها بحجة
أخرى من قابل والهدي وسواء كان حجه فرضا أو
تطوعا ولا يجوز له المقام على إحرامه إلى قابل
ليقضي به حجه فإن أقام إلى قابل على إحرامه
فحج به كان حجه فاسدا وعليه قضاؤه ولا يجوز له
أن يجدد في حجه الفاسد إحراما ويقضي به ما
أفسد وهو على الحج الفاسد حتى يتمه ثم يقضيه
من قابل ويهدي ولا شيء عليه من قضاء الإحرام
الذي جدده جاهلا لقضاء ما أفسده
(1/397)
في عامه فإن لم
يجد الهدي صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا
رجع وكل من وجب عليه صيام ثلاثة أيام في الحج
وسبعة إذا رجع لعدم قدرته عل الهدي لم يكن
عليه أن يطعم وإنما هو هدي أو صيام ويهل
المفسد لحجه من حيث كان أهل لحجته التي أفسدها
يعني من ميقاتها وإن كان مما هو أبعد من
الميقات لم يكن عليه عند مالك أن يحرم إلا من
الميقات وكذلك العمرة إذا أفسدها بالوطء كان
عليه بدلها من حيث أحرم بها وهدي ويفترقان في
حج قابل من حيث أحرما وكذلك العمرة ومن أفسد
حجه قارنا قضاه قارنا وإن أفسده مفردا قضاه
مفردا ولا يقضي إفرادا عن قران وكذلك لا يقضي
قرانا عن إفراد عند مالك وقال عبد الملك يجزئه
ولا يفرق القارن حجه فيتمتع في قضاء ما أفسد
قارنا وعلى القارن إذا أفسد حجه هدي الفساد
وهدي لقرانه لحجة القضاء يسوقهما جميعا حين
يحرم لحجة القضاء ولو قدم هدي الفساد كره له
مالك ذلك وأجزأه وإذا أفسد القارن حجه ولم يجد
هديا صام ستة أيام في الحج وأربعة عشر إذا رجع
ويفرق بين الستة بالفطر إن شاء.
ومن وطئ عند مالك قبل تمام السبعة الأشواط من
طواف الإفاضة ناسيا لشوط أو شوطين وقد كان رمى
الجمرة فهو بمنزلة من لم يطف وعليه عنده
العمرة والهدي ولو وطئ بعد تمام الطواف قبل أن
يركع الركعتين أعاد الإفاضة فطاف وركع ثم
اعتمر وأهدى فإن كان قد رجع إلى أهله ركع
ركعتين حيث كان وأهدى وإن جامع المعتمر قبل
تمام الطواف والسعي فقد أفسد عمرته وإن جامع
بعد تمام السعي وقبل الحلاق فعليه دم وعمرته
(1/398)
تامة ومن أفسد
عمرته مضى فيها حتى يتمها ثم يبدلها وأهدى
هديا وإذا ذكر المعتمر بعد تمام عمرته أنه طاف
على غير طهارة في أكثر ظنه تطهر وطاف وسعى
وأمر الموسى على رأسه وأهدى ولو وطئ أهله ثم
ذكر أن طوافه وسعيه لعمرته كان جنبا أو على
غير وضوء كان عليه بدل عمرته والهدي.
ومن وطئ مرارا وهو محرم فليس عليه إلا هدي
واحد وإن اكره امرأته على الوطء وهي محرمة كان
عليه أن يحجها ويهدي عنها كما يهدي عن نفسه.
وإن طاوعته فعليها أن تحج وتهدي ومن أفسد
بالوطء حجه ثم قضاه فأفسد بالوطء حجة القضاء
أيضا كان عليه قضاؤها ووجب عليه حجتان، قاله
مالك وابن القاسم وهو تحصيل المذهب.
وقال ابن وهب: عليه حجة واحدة وهديان .
وقال عبد الملك: ليس عليه إلا حجة واحدة قضاء
تجزأ منهما جميعا كأنهما جميعا واحدا أفسده
مرتين قال: وإنما الثاني من الهدي هو الأول
لأنه أراده فلم يتم له فبقي عليه كما هو ذكره
ابن المواز عن عبد الملك
(1/399)
باب فيمن فاته الحج بحصر مرض أو عدو أو خطأ في
عدة أيام العشر
من أحصره المرض فإنه لا يحله إلا الطواف
بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والحلاق ولو
أقام سنين فإذا وصل البيت بعد فوات الحج عمل
عمل العمرة وقطع التلبية عند دخوله الحرم،
(1/399)
وكذلك الذي
فاته الحج سواء بأي وجه فاته وعليهما جميعا حج
قابل والهدي للفوات يسوق هديه مع حجة القضاء
ولا يجزئ واحد منهما الهدي الذي ساقه معه حين
أحصر بالمرض لو فاته الحج فإن لم يجد الهدي
الذي ساقه معه حين أحصر بالمرض لو فاته الحج
فإن لم يجد الهدي صام صوم المتمتع ثلاثة أيام
في الحج وسبعة إذا رجع تلك عشرة كاملة ولا
ينبغس لمن فاته الحج لمرض أو عذر أو غير ذلك
أن يعجل الهدي في عمرته التي يحل بها ولكن
يؤخره إلى حجة القضاء إن كان ممن يرى على
المحصر بعدو هديا فقد رآه بعض أصحاب مالك
وجماعة من العلماء وإن عجله كرهه له مالك
وأجزأ عنه ومن أصحابه من قال: لا يجزئه ووجه
قوله ضعيف وقول مالك أصح.
وأما من أحصر بعدو غالب من فتنة أو غيرها فلهم
قتال العدو ولهم تركه والتربص فإن كشف الله
ذلك عنهم ورجوا إدراك حجهم نهضوا وإن يئسوا من
زوال العدو نحر منهم من كان معه هدي وحلق كل
واحد منهم وحل وسواء كان ذلك في الحل أو الحرم
ولا هدي على واحد منهم ولا قضاء بحج ولا عمرة
إلا أن يكون ضرورة لم يكن حج فيكون عليه الحج
على حسب وجوبه عليه وكذلك العمرة عند من
أوجبها فرضا ومن أهل المدينة من يقول إن الهدي
على المحصر بعدو واجب ولا يحل إلا بهدي أو شرك
في دم أقله سبع بدنة أو بقرة ثم يحلق.
وأما مالك فلا هدي عنده على من حصره العدو إلا
أن يكون ساقه فينحره والحلاق سنة ونسك يجب على
الحاج المقيم على حجه وعلى من فاته الحج وعلى
من أحصر في الحج وأقام على حجه إلى القابل
فإنه بحج ولا هدي عليه وليس ذلك كمن فسد حجه
(1/400)
لأنه لا يقام
على حج فاسد وكل من فاته الحج تحلل بعمل عمرة
وعليه الحج من قابل والهدي فإن لم يجد الهدي
صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع.
والاحصار بمكة وغيرها سواء لمن صد عن البيت
بعد أن أحرم وفوات الحج بفوت عرفة فمن وقف
بعرفة على سنة الوقوف بها من بعد صلاة الظهر
إلى طلوع الفجر أو أدرك الوقوف بها ليلا ولو
أقل ساعة قبل طلوع الفجر فلم يفته الحج ومن لم
يدرك شيئا من ذلك فقد فاته الحج وليس عليه عمل
ما بقي من مناسك الحج وهو عند مالك بالخيار إن
شاء أقام على إحرامه إلى قابل فأتم حجه وأجزأه
ولا شيء عليه وإن شاء تحلل بعمرة ثم قضى قابلا
وأهدى والاختيار أن يتحلل ولا يقيم على إحرامه
إلى قابل وقد استحب مالك لمن أقام على إحرامه
إلى قابل أن يهل أيضا احتياطا وإن أقام على
إحرامه ولم يتحلل منه حتى دخلت شهور الحج من
قابل لم يجز له التحلل ولزمه المقام حتى يحج.
ومن قدم مكة فطاف وسعى عند قدومه ثم مرض ففاته
الوقوف بعرفة لم يجزه الطواف الأول وسعيه عن
طواف تحلله وليطف وليسع مرة أخرى لتحلله وإذا
أخطأت الجماعة هلال ذي الحجة فوقفوا قبل عرفة
بيوم أو وقفوا يوم النحر أجزأهم قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "أضحاكم حين تضحون وفطركم
حين تفطرون" أي باجتهادكم.
وروي عن ابن عباس والحسن البصري في قول
(1/401)
الله عز وجل:
{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ
حَرَجٍ} ، قالا هذا في تقديم الأهلة وتأخيرها
في الفطر والأضحى والصوم
(1/402)
باب الهدي
تقلد الهدي وتشعر وكذلك البقر إن كان لها
أسنمة وإلا قلدت ولم تشعر والغنم لا تقلد ولا
تشعر فمن كان من أهل المدينة وساق هديا قلده
وأشعره بذي الحليفة وكذلك سائر أهل الآفاق
يقلدون ويشعرون حيث يحرمون والتقليد أن يجعل
في عنقها حبل فيه نعل أو نعلان والأشعار الشق
يشق في سنامها الأيسر عند مالك وعند غيره في
الأيمن وكلاهما حسن، وقد روي عن مالك في
الأيمن والأول أشهر عنه.
وإذا قلد الهدي أو أشعره فقد وجب ولا يجوز
بيعه ولا هبته وإن مات موهبه ولم يورث عنه
ونفد لوجهه ولا يجوز في الهدايا والضحايا إلا
الجذع من الضأن والثني مما سواه.
والدم في الحج على وجهين: دم هدي ودم نسك ،
فالهدي: ما كان جزاء صيد أو دم متعة أو قران
وما وجب لتجاوز الميقات أو ترك رمي الجمار
والمبيت بمنى والمزدلفة وما أشبه ذلك من نقصان
مناسك الحج.
وأما دم النسك: فهو ما كان في تخير الفدية في
الأذى مما يوجبه إلغاء التفث وطلب رفاهة النفس
على ما قدمنا ذكره في باب ما يجتنبه المحرم.
(1/402)
والهدي هديان:
واجب وتطوع ويؤكل من الهدي كله واجبه وتطوعه
إلا أربعة أشياء:
1-جزاء الصيد 2- وفدية الأذى 3- ونذر المساكين
4- وهدي التطوع إذا عطب قبل محله.
وأما الهدي الواجب إذا عطب قبل محله فإنه يأكل
منه صاحبه إن شاء لأن عليه بدله ولا بدل عليه
في غير الواجب ان عطب قبل محله إلا أن يأكل
منه ومن أكل من هدي لا يجوز الأكل منه ففيه
قولان:
أحدهما: أنه يبدل الهدي كله ،
والآخر: أنه لا يبدل إلا مقدار ما أكله منه
والأول أشهر عن مالك والآخر اختيار عبد الملك
بن عبد العزيز وهو قول الشافعي.
وقد روي عن مالك أنه أكل من نذر المساكين شيئا
لم يكن عليه إلا مقدار ما أكل وان أكل من جزاء
الصيد أو من فدية الأذى جزاه كله وأتى بفديته
كاملة والهدي على من قرن أو تمتع أو فسد حجه
أو ترك الرمي أو نحو ذلك بدنة فإن لم يجد
فبقرة فإن لم يجد فشاة فإن لم يجد فصيام دون
إطعام ولو أهدى شاة كره له مالك ذلك واجزأه
وإذا حدث بالهدي عيب بعد التقليد أجزأ وقد قيل
لا يجزأ والأول تحصيل مذهب مالك فإن قلده وبه
عيب لا يجزئ مثله ولم يكن علم به رجع بأرشه
على بائعه واستعان به في ثمن غيره وان كان
الهدي تطوعا فقيل يصنع بالأرش ما شاء وقيل إنه
يصرفه في هدي مثله ان بلغه وإلا تصدق به.
والسنة أن ينحر الهدي التطوع إذا عطب قبل محله
ثم يضع قلادته في دمه ويخلي بين الناس وبينه
يأكلونه ولا يأكل منه صاحبه ولا يطعم ولا
يتصدق فإن أكل أو أطعم أو تصدق فالأشهر عن
مالك أنه
(1/403)
إن أكل منه
شيئا ضمنه كله ولا ينحر هدي التطوع قبل يوم
النحر فإن فعل لم يجزه عند مالك ومن ساق هديا
واجبا فضل قبل الوقوف بعرفة ثم وجده بمنى ففيه
عن مالك روايتان احداهما ينحره بمنى ثم يبدله
بهدي آخر ينحره بمكة بعد خروجه أيام منى
والآخر أنه يؤخره وينحره بمكة ويجزئه عن واحد
وهذا أولى ومن ضل هديه ولم يجد غيره أخر
الصيام إلى منى ثم صام ولو وجد من يسلفه كان
حسنا أن يستلف منه وأن أخر الصيام حتى رجع إلى
بلده فقدر على الهدي أهدى ولم يصم ولا تركب
البدنة إلا من ضرورة وولا يشرب من لبنها إلا
كذلك بعد ري فصيلها ولا يشترك القوم في
الهدايا ولا الضحايا وقد روي عن مالك أنه
يشترك في هدي المعتمرين وفي التطوع دون الواجب
وعند غير مالك يشترك السبعة في البدنة والبقرة
في الهدي والتطوع وفي الواجب ولا ينحر الهدي
إلا بمنى ومكة ولا ينحر منه بمنى إلا ما وقف
بعرفة وإن فاته أن يقف بعرفة ساقه من الحل
فينحره بمكة بعد خروجه من منى وأن نحره بمكة
في أيام منى اجزأه وإذا أخطأ رجلان حاجان
هديهما فذبح كل واحد منهما هدي صحابه عن نفسه
وكانا قد أوقفاهما بعرفة اجزأهما ولم يكن
عليهما شيء ولو كانا معتمرين ضمن كل واحد
منهما قيمة ما ذبح ولم يجز عن واحد منهما
واستأنفا الهدي وليس وقف الباعة وقفا ولا بد
أن يقفه هو بنفسه أو يأمر من يقفه فإن وقف
بأمره فسواء البائع في ذلك حينئذ وغيره وينحر
البدن قياما مقيدة ولا يعقلها إلا أن تصعب ولا
تعرقب إلا أن يخاف أن يضعف عنها ولا يقوى
(1/404)
عليها وتنحر
باركه أفضل من أن تعرقب وتضجع البقر والغنم
ولا ينحر أحد قبل الفجر يوم النحر فإذا طلع
الفجر حل النحر بمنى وليس عليهم انتظار نحر
إمامهم والمنحر منى لكل حاج ومكة لكل معتمر
ولو نحر الحاج بمكة والمعتمر بمنى لم يخرج
واحد منهما إن شاء الله
(1/405)
باب ما لا يجبر بالدم دون الاتيان به
قد تقدم في أول كتاب الحج بتعيين فرائضه وهي
أربع أولها الإحرام ثم الوقوف بعرفة والطواف
بالبيت والسعي بين الصفا والمروة فمن لم ينو
حجا ولا عمرة ولا أحرم بواحد منهما بنيته له
وقصد إليه فلا حج له ومن لم يقف بعرفة أقل وقت
ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر من يوم
النحر فلا حج له ومن لم يطف طواف الإفاضة رجع
إليه من بلاده قال مالك في موطئه من نسي طواف
الإفاضة حتى يخرج من مكة ويرجع إلى بلده كان
عليه أن يرجع فيفيض وإن كان أصاب النساء رجع
فأفاض ثم اعتمر وأهدى ولم يذكر مالك طوافه قبل
ولا بعد ولا راعى شيئا من ذلك وهذا مذهب أهل
المدينة من أصحابه وغيرهم.
أما أهل مصر والمغرب فجملة مذهب مالك عندهم في
ذلك أن الطواف في حين دخول مكة وطواف الإفاضة
كلاهما عنده واجب وكلاهما ينوب عن الآخر مع
الهدي لمن نسي ذلك ولم يأت به حتى رجع إلى
بلاده والتطوع
(1/405)
أيضا في ذلك
ينوب عنده عن الواجب وطواف الصدر أيضا كذلك
على ما بينا عنه في صدر هذا الكتاب فمن لم يطف
لدخوله مكة ناسيا أو تاركا أو طافه ولم يكمله
سبعا أو طافه منكوسا أو على غير طهارة أو أحدث
فيه فتوضأ وبنى ولم يستأنف أو طافه بغير نية
لما قصده من حج أو عمرة أو لم يدخل الحجر في
طوافه أو لم يكمله من الحجر إله لم يجزه في
ذلك كله طوافه وان في حكم من لم يطف ولزمه
الرجوع إليه قريبا كان أو بعيدا إلا أن يكون
طاف بعده للإفاضة وسعى أو طاف تطوعا وسعى فإن
كان طاف تطوعا ثم أبعد ولبس الثياب ووطئ
النساء كان عليه دم وكان له طوافه تطوعا عما
وجب عليه وكذلك لو عرض له مثل ذلك في طواف
الإفاضة عاد إليه ولو من بلده لأنه فرض واجب
فطافه إلا أن يكون طاف بعده تطوعا أو للوداع
فيجزئه عند مالك من العودة وعليه دم ومن أخر
طوافه الموصول بالسعي قارنا كان و مفردا ثم
طاف للإفاضة وصدر فلم يودع البيت اجزأه طواف
الإفاضة عن ذلك كله إن كان معه سعي ولم يختلف
قول مالك في وجوب الدم على من ترك طواف القدوم
عامدا لأنه عنده من مسنونات الحج المؤكدات
واختلف قوله إذا تركه أو ترك شيئا من سنن الحج
معذورا فقال مرة عليه دم وقال مرة لا دم عليه
وأما طواف الوداع فهو عنده مستحب لا يجب على
تاركه شيء لأنه لما كان عمله بعد استباحة وطء
النساء والعبيد أشبه التطوع الذي لا شيء على
تاركه وقد تقدم اختلاف لفظ ما في المدونة وما
ذكره أبو الفرج وما رواه ابن عبد الحكم في
مراعاة
(1/406)
الطواف التطوع
أو غيره قبل الإفاضة أو بعدها في أول باب من
هذا الكتاب وقال ابن القاسم لو طاف بغير نية
وسعى كان عليه أن يعود فيطوف بنية ويسعى فإن
لم يفعل حتى رجع إلى بلاده أو تباعد اجزأه ذلك
وكان عليه الهدي وهذا ما قدمت لك من أصلهم في
عمل الحج أنه يجزأ فيه عندهم التطوع عن الواجب
إلا في الإحرام خاصة.
ومن ترك من طوافه أو سعيه شوطا واحدا أو أكثر
لم يجزه وكان عليه أن يأتي به بانيا أن كان
قريبا أو مستأنفا أن تباعد فإن لم يذكره حتى
رجع إلى بلاده عاد على بقية إحرامه فطاف وسعى
وأهدى لتأخيره ذلك العمل عن وقته فإن وطئ أهله
اعتمر وأهدى وكل من سعى بأثر طواف لم يتم سبعا
أو بأثر طواف على غير طهارة كان كمن لم يسع
لأن من شرط السعي عند مالك وأصحابه أن يكون
بأثر طواف مجزئ متصل به وعلى هذا الذي وصفنا
حاله الرجوع من بلده حتى يأتي الطواف والسعى
فإن كان لم يطف للإفاضة كان حراما من النساء
والطيب والصيد وكان عليه مع ذلك دم وقد خفف
مالك مرة عنه الدم في ذلك وجعله كالمراهق.
وقد روي عن مالك فيمن طاف للإفاضة من غير سعي
من غير سعي ولم يكن طاف معي ولا سعى قبل ذلك
حتى خرج من مكة ان عليه عمرة وهديا ويجزئه من
ذلك كله ومن ترك من السعي ذراعا لم يجزه حتى
يسعى فيتم ما بين الصفا والمروة فإن صار إلى
بلده وكان معتمرا كان حراما من كل شيء وان كان
حاجا قد رمى الجمرة وحلق كان حراما من النساء
والطيب والصيد عند مالك ثم يرجع فيبتدئ طوافه
وسعيه.
ومن طاف
(1/407)
لعمرته على غير
وضوء فهو كمن لم يطف وعليه أن يرجع من بلده
حراما حتى يطوف ويسعى ويهدي لتأخيره السعي عن
زمانه وليس الهدي واجبا عليه.
ولو طاف المتمتع أو المكي قبل خروجه إلى منى
وسعى كان عليه أن يطوف للإفاضة ويسعى بعد
انصرافه من منى فإن طاف ولم يسع حتى أتى بلده
أجزأه السعي الأول وعليه هدي ومن لم يسع بين
الصفا والمروة حتى رمى الجمرة فقد حل له من
الثياب وغيرها ما حل للذي طاف وسعى
(1/408)
باب الإجارة على الحج والعمرة والوصية بذلك
الإجارة على الحج جائزة عن الميت إذا أوصى بها
فإن كان الموصي لم يحج عن نفسه لم يجز أن
يستأجر عنه صبي ولا عبد ويجوز ذلك في التطوع
ومن تطوع بالحج أو العمرة عن غيره بعد أن حج
عن نفسه فحسن إذا كان عن الميت وإذا أوصى أن
يحج عنه وارثه فذلك جائز وله إجارة مثله وما
زاد على ذلك فهو وصية إن أجازه الورثة جاز
والا رجع ميراثا.
ويكره أن يتطوع بالحج قبل أن يؤدي فرضه وأن
يؤاجر نفسه في ذلك فإن فعل شيئا من ذلك نفذ
عند مالك وإذا أوصى بوصايا فأخذ الوصي الثلث
وقاسم الورثة ثم دفع المال إلى من يحج فتلف
المال أو تلف في يد الموصي فلا تبعة على
الورثة.
والإجارة عند مالك في الحج على وجهين: إجارة
مضمونة
(1/408)
وإجارة على
البلاغ فالمضمونة تكون على حجة موصوفة من مكان
معلوم بأجرة معلومة فيكون له الفضل من نفقته
وعليه النقص وان مات قبل الفراغ من الحج كان
له من الأجرة بحساب ما عمل وأخذ الباقي منه أو
من ماله وأجرة البلاغ أن يدفع رجل إلى رجل آخر
مالا ينفقه في الحج عن الميت فإن فضل شيء رده
على من استأجره وان عجز المال عن نفقته وجب
على مستأجره تمام نفقته وكذلك لو ضاع المال
بعد الاحرام لزم من استأجره نفقته ولو ضاع قبل
أن يحرم رجع ولم ينفذ لوجهه وهذا الوجه أكثر
أهل العلم لا يجيزونه ومن أوصى أن يحج عنه رجل
بعينه فأبى ذلك الرجل دفعت الحجة إلى غيره إن
كان الموصى له لم يحج عن نفسه وان كان قد حج
عن نفسه بطلت الوصية ورجع المال ميراثا.
ومن أوصى أن يحج عنه بمال معلوم فوجد من يحج
عنه بأقل رد الباقي على ورثته إلا أن يوصى
بذلك لرجل بعينه فيكون المال كله له ومن
استأجر على أن يحج مفردا فحج قارنا فأكثر
أصحاب مالك على أنه يجزئ عن الموصي وعلى
المستأجر الدم.
وقال ابن القاسم لا يجزئ وعليه الإعادة ولو
تمتع جاز على قول مالك وعلى قياس قول ابن
القاسم لا يجزئه والصواب عندي أنه يجزئه وعليه
الدم وليس للمستأجر في الحج أن يستأجر غيره
إلا أن يجعل ذلك إليه أو يؤذن له فيه ولو
استؤجر على الحج في عام بعينه فعاقه عائق وحج
في العام الذي يليه أجزأه ويجوز الاستيجار على
العمر كما يجوز على الحج
(1/409)
باب رمي الجمار
قد تقدم في باب العمل في الحج ذكر وقت رمي
جمرة العقبة انه من طلوع الشمس إلى زوالها فمن
نسي رمي جمرة لعقبة يومن الننحر حتى امسى
فيستحب له الهدي وليس بواجب عليه ومن نسيها
يوم النحر ورماها أيام التشريق نحر بدنه ومن
نسي حصاة واحدة من جمرة حتى مضت أيام الرمي.
كان عليه شاة فإن نسي الجمرة كلها كان عليه
بقرة أو بدنة ووقت الرمي في أيام منى من زوال
الشمس إلى غروبها ومن نسي رمي يوم من أيام منى
أو أخره إلى الليل رمى ليلا ولا شيء عليه هذا
قوله في موطئه.
وقد روي عنه أن عليه دما وليس بشيء لأنه لم
يختلف قوله أنه لو رماه من الغد لم يكن عليه
شيء ومن ترك الرمي يوما ورمى يوما بعده ثم ذكر
ذلك اليوم الثالث بعد رميه رمى لليوم الذي ترك
الرمي فيه ثم يعيد رمي يومه ولا يعيد اليوم
الأوسط ويرمي عن الصبي والمريض اللذين لا
يطيقان الرمي ويستحب للذي يرمي عنهما أن لا
يرمي عن أحدهما حتى يرمي عن نفسه ولا يجوز أن
يكون رميه عنه وعن غيره واحدا ولو فعل لم يجزه
عن نفسه ولا عن غيره.
وينبغي للمريض أن يتحرى وقت الرمي فيكبر وإذا
صح المريض في أيام الرمي رمى عن نفسه وعليه مع
ذلك دم عند مالك ومن ترك الرمي في يوم من أيام
منى حتى انقضت فعليه دم وتجزئه شاة ولو ترك
الرمي في الأيام الثلاثة كلها فعليه بدنة أو
بقرة في الاختيار وتجزئه شاة ويجوز
(1/410)
لرعاء الإبل
إذا رموا جمرة العقبة يوم النحر أن يخرجوا عن
منى لرعيهم ويقيمون فيه يوما وليلة ثم يأتون
في الثالث من يوم النحر وهو النفر الأول
فيرمون لليوم الذي مضى ولليوم الذي هم فيه
ويتعجلون إن شاءوا أو يقيموا فإن اقاموا رموا
في اليوم الرابع من يوم النحر ولأهل الآفاق أن
يتعجلوا في اليوم الثالث من يوم النحر.
وهو الثاني من أيام التشريق يرمون بعد الزوال
وينفرون نهارا ولا ينفرون ليلا ويكره لأهل مكة
التعجيل في النفر الأول وكذلك الاختيار لامام
الحاج ان يقيم إلى النفر الثاني ويكره له أن
يكون نفره قبل ذلك
(1/411)
باب الحج بالصبيان
لا يجب على من لم يبلغ من الرجال والنساء الحج
وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج
بالصبيان الصغار وقد بينا في كتاب التمهيد من
معاني الحج بالصبيان ما في كفاية وبيان فجائز
أن يحج بالصبيان الصغار ذكورهم وإناثهم
المراضع منهم وغير المرضع إلا أن المرضع ونحوه
لا يجرد للاحرام ويجرد غيرهم من المتحركين
بأنفسهم يجردون من الميقات وينوي أولياؤهم
بذلك الإحرام ويجتنبون ما يجتنب الكبار ولا
بأس أن يؤخر إحرام الصبي عن الميقات إلى الحرم
أو إلى قربه.
وان تكلم الصبي لبى عن نفسه وان لم يتكلم لم
(1/411)
يلب عنه وان
احتاج إلى دواء فيه طيب أو احتاج إلى إماطة
أذى فعله به وليه وفدى عنه.
واختلف قول مالك وأصحابه في جزاء الصيد يقتله
الصبي:
فقال بعضهم: هو كجنايته يكون في ماله.
وقال بعضهم: هو في مال الولي. وهو الأشهر عن
مالك.
ويطاف بالصبي ويسعى ويرمى عنه ان لم يستطع فعل
ذلك بنفسه ولا يركع عنه وان قدر ركع عن نفسه
ولا يطوف به إلا من طاف لنفسه وجائز أن يسعى
عنه من لم يسع لنفسه ومن سعى بالصبي ينوي به
السعي عن نفسه وعن الصبي أجزأهما ذلك عند مالك
ويكره له أن يطوف به ينوي الطواف عنه وعن نفسه
فإن فعل أعاد الطواف عن نفسه استحبابا ويجزئ
عن الصبي.
وقد قيل إنه يعيد عن نفسه إيجابا وعن الصبي
استحبابا والأول تحصيل المذهب والقول عندهم في
الرمي عنه وعن نفسه كالقول في الطواف عنه وعن
نفسه وإذا حج الولي بالصغير فما زاد على نفقته
في الحضر فمن مال وليه إذا لم يخف عليه ضيعة
في الحضر فإن خاف ذلك عليه فالنفقة كلها من
مال الصبي وإذا بلغ الصبي في حجته مضى عليها
حتى يتمها ولا تجزئه عن فرضه
(1/412)
باب في حج العبد وذوات الزوج
إن استأذن العبد سيده في الحج فحسن أن يأذن له
فإن لم يفعل فليس ذلك عليه.
قال مالك: فإن حج معه فلا نرى أن
(1/412)
يمنعه ولا يحج
العبد إلا بإذن السيد فإن أذن له فأحرم بالحج
لم يكن له منعه وإن أحرم بغير اذن سيده فالسيد
بالخيار في فسخ إحرامه أو تركه فإن فسخه فعليه
القضاء إذا عتق ولو أذن له سيده في القضاء وهو
رقيق اجزأه ولو عتق فحج به ينوي القضاء
والفريضة أجزأه عن القضاء ولم يجزه عن الفريضة
وحكم العبد إذا عتق بعد حجه أو بعد إحرامه
بالحج كحكم الصبي يبلغ بعد حجه أو في حجه ولا
يجزئه حجه ذلك عن حجة الإسلام.
وإذا أعتق العبد ليلة عرفة ولم يكن أحرم فأحرم
ووقف بعرفة أجزأه عن فرضه فإن كان أحرم بالحج
قبل ذلك تمادى في حجه وليس له رفض احرامه
وتجديد احرام آخر للوقوف بعرفة وعليه التمادي
في حجة حتى يتمه ولا يجزئه عن حجة الإسلام
وكذلك الصبي يبلغ ليلة عرفة ولم يكن أحرم سواء
في ذلك وليس على السيد جزاء ما قتل عبده
المحرم من الصيد.
ولو نذر العبد حجا ثم عتق لزمه ما اعتقده من
النذر في حال الرق ومن بلغ من الصبيان أو عتق
من العبيد بعد ليلة النحر فلا خلاف بين
العلماء أنه يتمادى في حجه فيتمه ولا يجزئه من
حجة الإسلام وإذا أسلم الكافر وأدرك الوقوف
بعرفة أجزأه عن حجة الإسلام وإذا تطوعت المرأة
بالحج بغير اذن زوجها فحللها بعد إحرامها
فعليها القضاء.
وقال سحنون: لا قضاء على المرأة إذا طلقت ولا
على العبد إذا عتق فيما حللا منه ومن أكره
امرأته على الوطء وفسد حجها ثم فارقها وتزوجت
لم يكن لزوجها منعها من أداء ما وجب عليها
ومؤونتها على المطلق لها لأنه لما أكرهها كان
عليه أن
(1/413)
يحجها ومن أذن
لامرأته في الحج ثم أكرهها على الوطء كان عليه
أن يحجها ومن أذن لجاريته في الحج فأحرمت ثم
باعها لم يكن للمشترى أن يحللها ولا أن يمنعها
من المضي في إحرامها وذلك عيب إن شاء رضي
المشتري به وإن شاء رده
(1/414)
باب جامع الحج
جائز عند مالك الطواف تطوعا وواجبا بعد العصر
وبعد الصبح إلا أنه لا يكون إلا أسبوعا واحدا
لأنه لا يلزم الطائف أن يصلي بأثر كل أسبوع
ركعتين ولا تطوع عنده في هذين الوقتين وجائز
أن يركع الركعتين إذا غربت الشمس قبل صلاة
المغرب وجائز أيضا أن يؤخرهما حتى يصلي المغرب
ثم يركعهما بعدها قبل أن يتنفل وتقديم المغرب
على الركوع أولى وأحب إلينا ويكره مالك وأكثر
الفقهاء أن أن يطوف المرء أسابيع ثم يجمع
ركوعها ومن أفاض في يوم جمعة فليرجع إلى منى
ويدع الجمعة وإذا لم تطف المرأة للإفاضة لحيض
أو نفاس حبس عليها كريما أقصى ما يحبس الدم
النساء في الحيض والنفاس ولا حجة للكرى بأن
يقول لم أعلم أنها حامل.
وقال ابن المواز: كيف يحبس عليها الكرى وحده
يعرض ليقطع به في الطريق ويقصر الصلاة بعرفة
عند مالك كل من شهدها من أهل مكة ومنى وسائر
الآفاق إلا أهل عرفة وكذلك أهل متى لا يقصرون
بمنى ويقصرون في غيرها من المشاهد كلها وكذلك
(1/414)
أهل المزدلفة
لا يقصرون بها ويقصرون بعرفة ومنى ويقصر أهل
مكة بعرفة ومنى ويتمون بمكة هذا قول مالك
وأصحابه وأما سائر أهل العلم فيقولون لا يقصر
في شيء من تلك المشاهد إلا مسافر بينه وبين
بلده مسافة يقصر في مثلها إذا كان سفره متصلا
لم تنقضه إقامة.
ويستحب المقام بالمحصب عند الصدر من منى قبل
دخوله مكة ويصلي به الأوقات إلى العشاء
الأخيرة ثم يدخل مكة ليلا ومن ترك ذلك فلا شيء
عليه ويستحب النزول بالمعرس لمن قفل إلى
المدينة والصلاة فيه ولو قدمه في غير وقت صلاة
انتظر به الصلاة إلا أن يخاف فوت رفقته فان
كان ذلك جاز له أن ينفر قبل أن يصلي ومن صدر
من منى فطاف للإفاضة ونفر أجزأه ذلك عن إفاضته
ووداعه ودخول البيت كلما قدر عليه حسن والصلاة
فيه نافلة حسن ولا يدخله أحد بنعليه والمعتمر
إذا انصرف بأثر سعيه وطوافه لم يكن عليه وداع.
ويستحب لمن بات بمكة بعد أن ودع أن يعيد
الوداع حين خروجه.
ومن نسي طواف الإفاضة وقد ودع أجزأه وداعه عن
إفاضته إذا بعد وإذا ارتد الرجل بعد أن حج ثم
تاب عن ردته فعليه حجة أخرى وأجاز مالك حج
الأغلف ولا بأس بأخذ إذخر الحرم والسناء
للحلال والحرام وما جاز للحلال أن يفعله في
شجر الحرم جاز للمحرم
(1/415)
باب خطب الحج
خطب الحج عند مالك وأصحابه ثلاث خطب كلها
مسنونة،
(1/415)
أولها: قبل يوم
التروية بيوم وهو اليوم السابع من ذي الحجة
يخطب فيه الإمام بمكة خطبة واحدة بعد الظهر
ويعلمهم فيها المناسك.
والثانية: يوم عرفة قبل الصلاة إذا سكت المؤذن
من الأذان بين يدي الإمام كما يفعل في الجمعة
وهي خطبتان يفصل بينهما بجلوس وإن شاء أذن
المؤذن حين يجلس الإمام من الخطبة الأولى
فيها.
والثالثة: بمنى يوم ثاني النحر وهو يوم القر
يخطب بعد الظهر خطبة واحدة يعلمهم فيها بأن
النفر الأول في اليوم الثاني من ذلك اليوم ولا
خطبة عند مالك وأصحابه يوم النحر وعليه أكثر
الناس.
وروي عن سعيد بن المسيب في خطبة الحج مثل قول
مالك وكان الزهري يقول: الخطبة الثالثة إنما
كانت يوم النحر فأخرها الأمراء للشغل
(1/416)
باب العمرة
العمرة عند مالك وأصحابه غير مفترضة وهي عنده
واجبة وجوب سنة لا يجوز لأحد قدر عليها تركها
وهي أوكد من الوتر ومن أهل المدينة جماعة
يرونها مفترضة كالحج وهو قول ابن عمر وابن
عباس وجائز عملها قبل الحج ومعه وبعده في أشهر
الحج وفي غيرها.
ومن كان حاجا مفردا لم يعتمر حتى يفرغ من حجه
ولا يعتمر أحد من الحاج حتى تغرب الشمس من آخر
أيام التشريق ولا بأس أن يهل أهل الآفاق في
أيام التشريق بالعمرة وأما الحج فلا،
(1/416)
فإن رمى في آخر
أيام التشريق وأحرم بعمرة بعد رميه وقبل غروب
الشمس لزمه الإحرام لها ومضى فيها حتى يتمهى
فإن اتمها قبل غروب الشمس لم تجزه فإن أحرم
بها قبل رميه لم يلزمه عملها ولا قضاؤها عند
مالك وكره مالك العمرة في السنة والواحدة
مرارا وأجازها جماعة من علماء أهل المدينة
وغيرهم وجائز عند مالك أن يعتمر في ذي الحجة
وأخرى في المحرم وان قرب ما بينهما والعمرة من
الميقات أفضل منها من الجعرانة والتنعيم ولا
يجوز لمكي أن يحرم بعمرة حتى يخرج إلى الحل
وعمل العمرة بعد الإحرام بها أن يلبي قاصدا
إلى البيت فإذا أخذ في الطواف قطع التلبية وإن
شاء قطعها إذا رأى البيت وإن شاء إذا دخل
المسجد هذا كله لمن أحرم من التنعيم وأما من
أحرم من الميقات أو الجعرانة فقد بينا وجوه
ذلك فيما مضى من هذا الكتاب فإذا طاف سبعا
وسعا سبعا على سنة الطواف والسعي على حسب ما
قدمنا ذكره في الحج حلق رأسه وتمت عمرته وان
قصر من شعره اجزأ ذلك عنه والحلاق أفضل وقد
مضى من أحكام العمرة في باب وجوب الحج وباب
التمتع ما فيه كفاية
(1/417)
|