الكافي في فقه أهل المدينة المالكي

كتاب الضحايا
باب وجوب الأضحية وعلى من تجب وما يجب فيها
...
كتاب الضحايا
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
باب وجوب الأضحية وعلى من تجب وما يجب فيها
الأضحية عند مالك سنة تجب على كل من وجد سعة من الرجال والنساء الأحرار وهي من السنة المؤكدة التي يحمل الناس عليها ولا يسامحون في تركها كصلاة العيدين وشبهها وأهل الحاضرة والبادية والمقيم والمسافر في ذلك سواء إلا الحاج بمنى فإنهم لا ضحية عليهم وسنتهم الهدي.
وقال مالك: الصدقة بثمن الضحية بمنى أحب إلي ويضحى عن اليتيم طفلا كان أو بالغا كما تخرج عنه زكاة الفطر ولا يضحى عن العبد ولا عليه أن يضحي عن نفسه ولا بأس أن يضحي الرجل عن أم ولده والضحية عند مالك مخالفة للهدي لأن الهدي يجب بالقول وبالتقليد وبالاشعار ولا تجب الضحية

(1/418)


عنده إلا بالذبح خاصة إلا أن يوجبها بالقول قبل ذلك ومن مات يوم النحر قبل أن يضحي كانت ضحيته موروثة عنه كسائر ماله بخلاف الهدي ولو مات بعد ذبحها لم يرثها عنه ورثته وصنعوا بها من الأكل والصدقة ما كان له أن يصنع فيها ولا يقتسمون لحمها على سبيل الميراث وما أصاب الضحية قبل ذبحها من العيوب كان على صاحبها بدلها بخلاف الهدي أيضا ومن وجد بضحيته عيبا ردها واشترى بثمنها مثلها ولا يشتري بأقل من ذلك الثمن ولا بأس أن يبيع الرجل أضحيته ويشتري أفضل منها بأكثر من ثمنها ولا ينبغي أن ينقص منها شيئا هذا إذا لم يوجبها ومن أخرج ثمنا لأضحية وأوجبه لذلك فيستحب له أن لا يرد شيئا منه إلى ماله وان اخرجه بغير إيجاب وفضل منه فضل صنع به ما شاء ومن اشترى ضحية عجفاء فسمنت قبل الذبح اجزأت عنه ولو اشتراها سمينة فحدث بها عيب مفسد قبل أن يذبحها ولو بعد أن أضجعها للذبح لم تجز عنه وكان عليه بدلها أن قدر عليها وما عرض لها بعد تمام ذكاتها لم يضرها ومن ضاعت أضحيته فأبدلها ثم وجدها في أيام الذبح او بعدها فليس عليه ذبحها فإن ضاعت ولم يبدلها ووجدها في أيام الذبح ذبحها وان وجدها بعد ذلك فليس عليه ذبحها وهي ماله يصنع بها ما شاء.
ولا بأس أن يضحي الرجل عنه وعن أهل بيته بالشاة الواحدة وكذلك البقرة والبدنة وسواء كانوا عند مالك سبعة أو أكثر إذا كان هو منفردا بها ويشركهم في أجرها ولا يجوز عنده أن يشترك اثنان فما فوقهما في ضحية واحدة ولا في هدي واحد،

(1/419)


على أن يخرجوا الثمن من قبل أنفسهم ويقسموا اللحم على قدر ذلك وهذا الوجه الذي كرهه مالك أجازه أكثر العلماء من أهل المدينة وغيرهم إذا كانوا سبعة فما دونهم واشتركوا في بدنة أو بقرة وإن كانوا أكثر من سبعة لم يجز عن واحد منهم والشاة لا تجزي عندهم إلا عن واحد وإذا اشترى جماعة ضحايا فاختلطت فذبح كل واحد منهم أضحية جاز لهم أن يصطلحوا عليها ويقسموها ويضحي كل واحد منهم بالشاة التي تصير إليه وإن اختلطت فذبح كل واحد منهم ضحية غيره عن نفسه لم يجز ذلك عند مالك عن واحد منهم ويضمن كل واحد منهم ضحية صاحبه بقيمتها وكان على كل واحد منهم أن يضحى إن علم ذلك في أيام النحر

(1/420)


باب سن الأضحية وأي الضحايا أفضل وما يتقى فيها من العيوب
السن التي تجزأ في الضحايا الجذع من الضأن فما فوقه والثني فما فوقه من المعز والإبل والبقر والجذع من الضأن ابن عشرة أشهر إلى سنة ونحوها وأقل سن الجذع من الضأن ستة أشهر وما زاد عليها إلى العشر أبعد من الإشكال والثني من الضأن والمعز ما قد أثنى وهو ابن سنتين أو دخل في سنتين أو نحوها وكذلك البقر.
وقيل: إذا دخل في السنة الثالثة فهو الثني من البقر ، وقيل: إذا دخل في الرابعة، والثني من الإبل ما قد

(1/420)


ألقى ثنيته أيضا وهو ابن خمس سنين.وقيل: ست سنين.
وأفضل الضحايا عند مالك: فحول الضأن ثم خصيانها ثم إناثها ثم فحول المعز ثم خصيانها ثم إناثها ثم البقر والإبل وأما في الهدايا فالإبل أفضل ثم البقر ثم المعز ثم الضان.
قال مالك: الإبل في الهدايا أفضل ما تقرب به. وعند غير مالك، الهدايا والضحايا في ذلك سواء الإبل مقدمة في الفضل عندهم ثم البقر ثم الضأن ثم المعز والعفراء أفضل من السوداء إذا ساوتها في الثمن والسمن ولا خلاف أن الثني من الضأن أفضل من الجذع ويتقي في الضحايا من العيوب العوراء البين عورها والعرجاء البين عرجها وهي التي لا تلحق الغنم والمريضة البين مرضها والعجفاء التي لا تنقى وهي التي لا شحم لها ولا مخ في عظامها لهزالها والعيب اليسير في العين لا بأس به.
وجائز أن يضحى بالصغيرة الأذنين فإن كانت مخلوقة بغير أذنين لم تجز ولا بأس بالشق اليسير في الأذن وكذلك القطع اليسير كالميسم وشبهه والشق أهون من القطع فإن كان أكثر الأذن مقطوعا لم يجز والنصف عند أصحابه كثير ولا يحفظون عن مالك فيه حدا ويجيء على أصله أن ما زاد على ثلثه كثير ويخرج أيضا على أصله أن الثلث كثير وان حكم الثلث حكم ما فوقه.
ولا بأس عنده بالمثقوبة الأذن إذا كان ثقبا يسيرا وكذلك القطع والجدع إذا كان يسيرا ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن يضحى بالشرقاء ولا بالخرقاء ولا بأعضب القرن" والشرقاء المشقوقة

(1/421)


الأذن كلها باثنين أو أكثر والخرقاء أن يكون في الأذن ثقب مستدير وفي الحديث النهي عن أن يضحى بالمقابلة والمدابرة وتلك نحو الشرقاء والخرقاء.
وقد قيل: المقابلة أن يقطع من مقدم أذنها شيء ثم يترك معلقا لا يبين كأنها زنمة والمدابرة أن يصنع مثل ذلك يموخرة الأذن من الشاة والأعضب القرن إذا ذهب نصفه ولا بأس أن يضحى عند مالك بالشاة الهيماء إذا كان سقوط أسنانها من الكبر والهرم وكانت سمينة فإن كانت ساقطة الأسنان وهي فتية لم يجز أن يضحى بها لأنه عيب غير خفيف والنقصان كله مكروه إلا أنه لا بأس بالخصي الأجم وكره مالك المكسورة القرن إذا كان يدمى فإن لم يدم فهي مثل الجلحاء ولا بأس بها وأما الأبتر فإن كان مستأصل الذنب لم يجز أن يضحى به وإن كان القطع يسيرا كالطرف وشبهه فلا بأس به وإن قطع منه ثلثه أو أكثر لم يجز.
وقد قيل يجوز ما لم يكن لا ذنب له ولا تجوز الجرباء إذا كان لها مرضا لأنه يضر بلحمها ولا بأس بالبدنة المدبورة إذا كان خفيفا وإن كان دبرا بينا لم يجز.
ولا بأس أن يضحى بالشاة الثولاء إذا كانت سمينة والشاة الحمرة وهي التي بشمت من الأكل كالفرس إذا سنق من الشعير لا يجوز أن يصحى بها لأنه بين مرضها.
ومن وجد عيبا بضحيته بعد ذبحها كان عند البائع بها فإن كان عيبا يجوز معها أخذ أرشه وانتفع به وأجراه مجرى ضحيته ويستحب له أن يتصدق

(1/422)


به فإن كان عيبا لا يجزئ معه صنع به ما شاء وأبدلها إن كان في أيام النحر

(1/423)


باب وقت ذبح الضحايا
أيام الذبح يوم النحر ويومان بعده وهي الأيام المعلومات وأولها أفضلها للذبائح فيه ضحيته ثم الثاني ثم الثالث ولا يضحى في اليوم الرابع عن مالك وأكثر أهل المدينة.
وقد روي عن بعضهم إجازة ذلك ولا يضحى بليل عند مالك وأصحابه فإن فعل لم تجزه عندهم ومن ذبح يوم النحر قبل الصلات لم تجزه.
وكذلك عند مالك إن ذبح بعد الصلاة قبل الإمام لم يجزه أيضا إلا أن يكون الإمام لم يذبح فيجزئه إن تحرى مقدرا ذبح الإمام ثم يذبح وإذا انصرفوا من المصلى جاز الذبح فيما قرب وبعد وأهل البوادي يتحرون أقرب القرى والمدن إليهم فيذبحون بعد ذبح الإمام الذي يليهم فإن تحروا فذبحوا قبل ذبح الإمام وبعد الصلاة فقد نجوا ولو كان ذلك قبل ذبح الإمام وبعد الصلاة أجزأهم وقد قيل عن مالك لا يجزئهم والأول تحصيل مذهبه

(1/423)


باب العمل في الضحايا
الأفضل في ذبح الضحية أن يباشر بالرجل ذبح ضحيته بيده ولا يأمر بذلك غيره فإن لم يفعل فلا حرج إذا ذبح له غيره بأمره وإذا كان له من يقوم بأمره كالابن والوكيل وذبح له بغير إذنه جاز.
ولو ذبح رجل ضحيته بغير إذنه ضمنها وغرم قيمتها ويبتاع بالقيمة ربها غيرها بدلا منها ولو غصبها رجل فذبحها عن نفسه ضمن قيمتها ولم تجز عنه ويستحب له إذا ولدت الضحية أن يذبح ولدها معها وليس ذلك بواجب عند مالك ولا يذبح الضحية ولا النسك كله إلا مسلم فإن ذبحها غير مسلم لم تجز.
وقد قيل: تجزأ مع الكراهة وهو قول أشهب والأول تحصيل المذهب وبه أقول.
ويأكل الرجل من أضحيته ويطعم الفقراء والأغنياء إن شاء نيا ومطبوخا ولا يطعم منها إلا مسلما وليس لما يطعم منها ويتصدق به ولا لما يأكل حد عند مالك وقد بينا في كتاب التمهيد هذا المعنى عند قوله صلى الله عليه وسلم: "كلوا وتصدقوا وادخروا".
ولا بأس بالانتفاع بجلود الضحايا ولا يباع شيء منها ولا يبادل لحمها بغيره ولا يعطى في دباغ جلدها شيء منها ولا يعطى الجازر شيئا من لحمها على ذبحها وسلخها فان باع الجلد تصدق بثمنه وينبغي أن يعلم الرأس بعلامة لئلا يختلط في الفرن فان اختلطا فليحلل كل واحد منهما صاحبه مما صار من فضل ذلك إليه

(1/424)


ولا ضمان عله ولا بأس بشرب لبن الضحية ما لم يضر بها بعد ري ولدها ويستحب له أن لا يجز صوفها حتى يذبحها.

(1/425)


باب العقيقة
العقيقة سنة مرغوب فيها، ومعناها: الذبح عن المولود يوم سابعه ما يجوز ضحية من الأزواج الثمانية ولا تكون من الوحش ولا من الطير.
وقد قيل عن مالك: إنها لا تكون إلا من الغنم دون الإبل والبقر ويتصدق بلحمها ويؤكل منها كحكم الضحايا.
واختلف عن مالك أيهما أوكد في السنة الضحية أو العقيقة؟ :
فروي عنه الضحية، وروي عنه العقيقة أوكد، وكلاهما عندي سواء لأنها من شرائع الإسلام فعلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بهما وأقرهما.
وروى عنه معن بن عيسى فيمن كان سابع ابنه يوم النحر أنه أحب إليه أن يعق عنه ويترك الضحية وكان مالك لا يعتد باليوم الذي يولد فيه المولود في أيام أسبوعه إلا أن يولد قبل الفجر وإلا ألغى ذلك اليوم وكان يستحب أن يسمي الصبي يوم السابع ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الغلام مرتهن بعقيقته يذبح عنه يوم سابعه ويسمى".
وقد أوضحنا معاني هذا الباب في كتاب التمهيد والحمد لله ولا عقيقة بعد يوم السابع وهو

(1/425)


الأشهر عن مالك.
وقد روي أنه يعق عنه في سابع ثان إذا عاق عن الأول عائق ويعق عن الغلام وعن الجارية بشاة شاة عن كل واحد منهما هما عند مالك في ذلك سواء ولو عق عن الغلام بشاتين وعن الجارية بشاة كان حسنا وسواء كانت الشاة ذكرا أو أنثى وحلق رأس المولود والصدقة بوزن شعره فضة أو ذهبا لمن لا يقدر على العقيقة حسن وليس بواجب ولا سنة وتذبح العقيقية في صدر النهار ومن ذبحها ليلا كان كمن ذبح ضحيتة ليلا عند ابن القاسم وغيره يكره ذلك ويجيزه ويتقى فيها من العيوب ما يتقى في الضحية ويوكل منها ويطعم ولا بأس بكسر عظمها ولا يلطخ الصبي بشيء من دمها والحكم فيها أن يهدى إلى الجيران منها نيا ومطبوخا وهذا أفضل من الني ولا يطعم منها ولا من الضحايا كافر ولو دعا الناس إليها من غير مباهاة لم يكن بذلك بأس

(1/426)