الكافي في فقه أهل المدينة المالكي

كتاب الأشربة
كتاب الأشربة
...
كتاب الأشربة
الخمر شراب العنب المسكر وكل شراب أسكر كثيره أو قليله فهو خمر وكثيره وقليله حرام من جميع الأشربة وهو قول جماعة من أهل الحجاز والشام وما خالف هذا القول باطل بالسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم لقوله وقد سئل عن البتع وهو شراب العسل فقال: "كل شراب أسكر فهو حرام" وقال صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر خمر وكل خمر حرام" وقال عليه السلام: "ما أسكر كثيره فقليله حرام" وقال: "ما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام" .
والذي يحل من الأشربة ما لا يسكر كثيره من عصير العنب وغيره ولا بأس بشرب العصير ما لم يغل ولا بأس به إذا طبخ طبخا لا يسكر بعده الكثير منه ولا ينبغي أن ينقص

(1/442)


طبخه من ذهاب الثلثين.
وكل شراب لا يسكر منه فهو مباح ما لم تكن عليه معاقرة فإن كانت هناك معاقرة لم يجز والمعاقرة عند جماعة من أهل العلم مكروهة كراهية شديدة على الشراب المباح وعلى غير المباح حرام ولا يخلل أحد خمرا فإن خللها فبئس ما فعل وليستغفر الله وليأكلها إن شاء وقد قيل لا يأكلها إلا أن تعود خلا بغير صنيع آدمي وهو الأشهر عن مالك وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبه أقول.
وقد قيل: إنها حرام إذا خللها الآدمي إلا أن يكون نصرانيا ولا يجمع التمر والزبيب بنبيذ ولا يخلط نبيذ تمر ونبيذ زبيب والخليطان من جميع الأشربة التي يصنعها الناس لا يجوز شربها إلا أنه لا يحد شاربها إذا لم يسكر الكثير منها.
وسيأتي ذكر حد الخمر في كتاب الحدود إن شاء الله.
والنهى عن الخليطين لم يجئ مجئ تحريم المسكر فلهذا صار شرب الخليطين مكروها من غير تحريم.
وصفة الخليطين أن يجمع بين نوعين يحتمل كل واحد منهما ان ينبذ عل حدته وذلك انه إذا جمع بينهما أسرعت الشدة إلى ذلك الشراب والنهي عن ذلك كالنهي عن الانتباذ في الأوعية الضاربة.
وقد كره مالك أن يخلط من الأنبذة ما قد نبذ مفترقا كنبيذ تمر ونبيذ زبيب يجعلان في إناء واحد ثم يشربان معا وكان يكره إذا خلطا للخل أيضا وكل صنفين من التمر والزبيب إذا خلطا في الانتباذ فهما خليطان كالزبيب الاحمر والأسود والتمر الصيحاني والعجوة والبسر المطرق ولا بأس بشرب البتع إذا لم يسكر كثيرة.
وقد قيل فيه: إنه من الخليطين والأول قول مالك وكره مالك الانتباذ

(1/443)


في الدباء والمزفت دون غيرهما من الأوعية وغيره من العلماء يخالفه فيجيز الانتباذ في كل وعاء لمن شربه حلوا حلالا.
ولا يحل لمسلم أن يملك خمرا ولا شرابا مسكرا ويراق عليه وتكسر ظروفها عنده أدبا له ويعاقب بقدر ما يعلم منه إلا أن يشربها فيضرب الحد تاما ثمانين جلدة ومن أسلم وعنده خمر أريقت عليه ولم يعاقب إلا أن يتقدم في ذلك إليه ولا يحل لمسلم أن يؤاجر نفسه أو دابته في شيء من عمل الخمر فإن فعل تصدق بذلك وليستغفر الله

(1/444)


باب مختصر القول في المكاسب
من المكاسب المجتمع على تحريمها الربا ومهور البغاء والسحت والرشاوي وأخذ الأجرة على النياحة والغناء وعلى الكهانة وادعاء الغيب وأخبار السماء وعلى الرمز واللعب والباطل كله ومن كسب الحرام المجتمع عليه أيضا الغصب والسرقة وكل ما لا تطيب به نفس مالكه من مال مسلم أو ذمي وهو ما يستباح الناس قتله وينبغي للمسلم أن يجتنب الشبهات فإن فعل ذلك فقد استبرأ لدينه ولا يقطع بتحريم شيء من الشبهات إلا بما بان تحريمه وارتفعت الشبهة فيه والورع عنه مع ذلك أفضل وأقرب للتقوى ولو بايع رجل رجلا ممن يتهم بمال حرام لم يفسخ بيعه إلا ان يكون البيع وقع على شيء بعينه يعرف أنه حرام فإن كان ذلك فسخ البيع فيه، ولا بأس بأكل

(1/444)


طعام من ماله حلال وحرام وإذا كان الأغلب منه الحرام وجب اجتنابه في الورع ولا يقطع أنه حرام إلا أن يعرف شيء بعينه حراما وكسب الحجام ليس بحرام لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه على ذلك ولا يعطيه حراما واختلاف الآثار فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن فيه بعض الدناءة.

(1/445)