الكافي في فقه أهل المدينة المالكي

كتاب الأطعمة
باب ما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل منه
...
باب ما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل منه
لا يحل أكل الحمار الأهلي ولا تعمل الذكاة فيه للحمه ولا لجلده ولا بد لمن أراد تطهير جلده من دباغه ولا يؤكل عند مالك الحمار الوحشي إذا استأنس وعمل عليه وركب لأنه قد صار أهليا وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الأهلية وهو عند مالك على اصله لا بأس بأكله وكما يؤكل الإنسي لو توحش فكذلك لايمتنع من أكل الوحشي إذا تأنس ولا تؤكل الخيل عند مالك كراهية لا تحريما ولا يجوز أكل البغال كما لا يجوز أكل الحمر ولا يؤكل الفيل ولا الفأر ولا الوزغ ولا يجوز أكل ذي ناب من السباع وكل

(1/436)


ما افترس وأكل اللحم فهو سبع هذا هو المشهور عن مالك وقد روي عنه أنه لا بأس بأكل الثعلب والوبر ولم يجعلهما مثل الأسد والذئب والفهد والنمر والضبع ولا يجوز أكل الهر وحشيا ولا إنسيا وجائز أكل الأرنب ولا بأس عند مالك بأكل الطير كله سباعها وغير سباعها ما كان منها يأكل الجيف وما لم يأكلا ذا مخلب كان او غير ذي مخلب ولا بأس بأكل الضب واليربوع والورل وجائز عند مالك اكل الحيات إذا ذكيت وكذلك الأفاعي والعظاية والقنفذ والضفدع ومن نعلماء المدينة جماعة لا يجيزون أكل سباع الطير ولا ما أكل الجيف منها ولا الجلالة من الدواب وغيرها ولا أكل شيء من خشاش الأرض وهوامها مثل الحيات والأوزاغ والفار وما أشبهه وكل ما يجوز قتله فلا يجوز عند هولاء أكله ولا تعمل الذكاة عندهم فيه وهو قول أشهب وعروة وجماعة من المدنيين وغيرهم ولا بأس بأكل ميت الحيتان طافيا أو راسبا وصيد البحر كله حلال إلا أن مالكا يكره خنزير الماء لا سمه وكذلك كلب الماء عنده ولا بأس بأكل السرطان والسلحفاة والضفدع ولا يضر صيد المجوس للحيتان لأنها لا يحتاج إلى ذكاتها ولا يؤكل عند مالك من الجراد ما مات حتف أنفه وإنما يؤكل منه عنده ما حصل موته بفعل آدمي أو معالجته كقطعه أو طرحه في النار ونحو ذلك وغير مالك يجيز أكل الجراد كيف ما مات وحكمه عندهم حكم الحيتان.

(1/437)


باب ما يحل من طعام أهل الكتاب وغيرهم من أهل الكفر
الذي يحل لنا من طعام أهل الكتاب ذبائحهم وما لا يحرم علينا من سائر طعامهم غير الذبائح مما يحتاج إلى زكاة وقد كان مالك يكره ما ذبحوه إذا وجد ما ذبحه المسلم وكره أن تكون لهم أسواق يبيعون فيها ما يذبحون وهذا منه رحمه الله تنزه وكذلك ينبغي أن يتنزه عن ذبائح اليهودي والنصراني مع وجود ذبائح المسلمين ألا ترى أنه لا يجوز لكتابي أن يذبح نسكا لمسلم والأصل أن ذبائح أهل الكتاب حلال وذلك ما لا يختلف فيه لقول الله تبارك وتعالى: { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ } وتأويله عند أهل العلم ذبائحهم.
وأما ما حرم علينا من طعامهم فليس بداخل تحت عموم الخطاب وكره مالك شحوم اليهود واكل ما نحروا من الإبل وسائر كل ذي ظفر واكثر أهل العلم لا يرون بذلك بأسا ولا بأس بأكل طعام عبدة الأوثان المشركين والمجوس وسائر من لا كتاب له من الكفار ما لم يكن من ذبائحهم ولم يحتج إلى ذكاة إلا الجبن لما فيه من أبقحة الميتة وإذا كان أب الصبي مجوسيا وأمه كتابية فحكمه حكم أبيه عند مالك وعند غيره لا تؤكل ذبيحة الصبي إن كان أحد أبويه ممن لا تجوز ذبيحته وكره مالك ما صنعه الكفار لأعيادهم من الطعام وخشي أن يكون مما أهل

(1/438)


لغير الله به ولا بأس بالشرب في آنية الكفار كلهم إذا غسلت ونظفت ما لم تكن ذهبا أو فضة أو جلد خنزير.
وأجاز مالك وجماعة من أهل العلم سعة الانتفاع بشعر الخنزير في الخرز وغيره وأجمع المسلمون على تحريم لحمه وشحمه وكل شيء منه ما عدا الانتفاع بشعر أنثاه وذكره

(1/439)


باب حكم الميتة
أكل كل ميتة من حيوان البر حرام إلا عند الاضطرار إليها لخوف ذهاب النفس وجائز عند مالك للمضطر أن يشبع من الميتة ويتزود منها لحاجة إليها حتى يجد الذكي او غيره من الطعام الحلال فيحرم عليه ما بيده منها وغيره لا يجيز له منها إلا ما يحبس رمقه ويرد نفسه لأنه من كان في حاله تلك لم تحل له أولا ومن كان في سفر معصية واضطر إلى الميتة لم يأكلها حتى يفارق المعصية وقد قيل يأكلها إذا خشي ذهاب نفسه.
والميتة عند مالك أحل للمضطر المحرم من قتل الصيد في الحرم أو في الإحرام وأكله إلا أن تكون الميتة متغيرة الرائحة يخاف على نفسه منها فيصطاد حينئذ في الحرم ويأكل ما يمسك به نفسه على حكم الميتة عنده على ما قدمنا ذكره عنه ومن وجد ميتة ومالا لغيره لم يحل له أكل الميتة إلا أن يخشى أن تقطع يده فإن لم يخف ذلك اكل من مال غيره وضمنه إذا أيسر وقد قيل لا ضمان عليه فيما اضطر إليه والصواب وجوب الضمان عليه كما لو اضطر إلى لقطة عنده فأكلها قبل مرور الحول

(1/439)


وما كان مثلها ضمنها ولا يشرب المضطر خمرا ولا يتعالج أحد بالخمر ولا بشيء من النجاسات كلها وإذا اختنق الإنسان أو كانت في حلقه غصة ولم يجد ماء ولا مائعا حلالا فجائز له شرب الخمر ليدفع بها تلك الغصة وهذه مسألة أبي الفرج القاضي من روايته وهي محفوظة له ولا تؤكل بيضة أخرجت من دجاجة ميتة وكذلك لبن الميتة لأنه في ظروف نجس لأنه يموت بموت الشاة.
وإذا سلق بيض فوجد في بعضها فرخ لم يؤكل منه شيء لأنه نجس كله وإذا وجد في البيضة دم حرم أكلها وإذا وقعت ميتة أو شيء من النجاسات في طعام أو شراب أو مات فيه حيوان له دم فإن كان الطعام أو الشراب جامدا طرحت الميتة والنجاسات وما حولها وانتفع بباقيه وإن كان ذائبا أريق كله وإن كان زيتا فلا بأس باستعماله في الصابون للغسل ولا بأس بالاستصباح به في غير المساجد ولا يجوز أكله ولا بيعه ولا تطهر الأدهان النجسة بغسلها وهذا تحصيل مذهب مالك وطائفة من المدنيين ومنهم من أجاز غسل البان النجس والزيت النجس وليس لقائل ذلك سلف وجائز أن يعلف الدواب نجس الطعم إذا كانت منها مما لا يؤكل لحمه ولا بأس بالانتفاع بشعر الميت وصوفها ولا يجوز الانتفاع بريشها ولا عصبها ولا عظمها ومن أهل المدينة من يجيز الانتفاع بمداس العاج وأمشاطه منهم عروة وابن شهاب وتحصيل مذهب مالك كراهية ذلك وجلود الميتة نجسة وهي بعد الدباغ طاهرة إلا أن مالكا يجعل طهارتها مخصوصة بالانتفاع بها واستعمالها في اليابسات وفي الماء وحده دون سائر المائعات وكان

(1/440)


يكره في خاصة نفسه استعمالها في الماء ولم يضيق ذلك على غيره ولا يجوز عنده بيعها ولا الصلاة عليها وأما غيره من أهل المدينة فإنه يذهب في طهارة جلود الميتة إذا دبغت إلى أنها طاهرة كاملة في كل شيء من البيع واستعمالها في الماء وغيره وعلى هذا أكثر أهل العلم وإليه ذهب عبد الله بن وهب لعموم قول النبي عليه السلام أيما إهاب دبغ فقد طهر وما يؤكل لحمه ما لا يؤكل سواء في طهارة جلده بالدباغ عند مالك وأكثر أصحابه.

(1/441)