الكافي
في فقه أهل المدينة المالكي كتاب الصيد
باب ما يجوز أن
يصطاد به من الجوارح المكلبة والسلاح القاطعة
ومن يجوز صيده
...
كتاب الصيد
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا
محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
باب ما يجوز أن يصطاد به من الجوارح المكلبة
والسلاح القاطعة ومن يجوز صيده
الجوارح التي يجوز أن يصاد بها الكلب والفهد
والباز والشوذنيق والرخم والعقاب والشاهين
وسائر الصقور ومن أشبهها من سباع الطير ولا
يجوز صيد جارحة ليس معلما ولا صيد معلم شركة
غير معلم إلا أن تدرك ذكاته ولا يضر أكل
المعلم من الصيد عند مالك وأكثر أهل المدينة
وجائز عندهم أكل ما أكل منه الكلب المعلم من
الصيد ولو لم تبق إلا بضعة واحدة وتعليمه
عندهم أن يشلى فيشتلي ويزجر فينزجر ويرسل
فيسترسل ويطيع إذا نبه ويسارع إذا صيح عليه
ويتكرر منه ذلك كله حتى يعلم منه أنه
(1/431)
قد فهم وتعلم
فهذا حد التعليم لا ماسواه وليس بأن لا يأكل
والباز في ذلك والكلب سواء ومن اصطاد المعلم
بغير إرسال فلا يؤكل إلا إن يدرك ذكاته وكل ما
صاد به الإنسان من جميع السلاح والسيوف
والسهام والرماح وكل ما له حد من الحديد وغيره
إذا كان قاطعا نافذا للمقاتل فالذكاة واقعة به
أين ما ضرب الصيد منه إذا أصاب له مقتلا وسمى
الله عليه في حين رميه إياه وكل ما مات بقتل
السهم وسائر السلاح جائز أكله لأن الضرب
بالسلاح وإرسال السهم الذي ينفذ المقاتل
كمباشرة الذابح للذبح وهذا كله في الممتنع
المستوحش غير المقدور عليه.
فأما المقدور عليه المتمكن به فقد مضى حكمه في
الذبائح ولا يؤكل من صيد الحبالة والفخ والشرك
والبندقية إلا ما أدركت ذكاته والحجر
كالبندقية إذا رض ودق فإن كان له حد فجرح بحده
وقتل جاز أكل ما قتل.
وكذلك ما أصاب المعراض بعرضه لم يجز أكله إلا
أن تدرك ذكاته ومن نسي التسمية على الإرسال
فهو كمن نسيها على الذبح وكذلك من تعمد
كمتعمده على الذبيحة وقد مضى ذكره في الذبائح
ومن جاز أكل ذبيحته جاز أكل صيده بجارحه
وسلاحه ولا يؤكل من صيد من لا تؤكل ذبيحته إلا
ما أدركت ذكاته.
(1/432)
باب جامع في الصيد
من رمى صيدا فوقع في الماء أو تردى من جبل أو
رماه
(1/432)
في الهواء فوقع
في الأرض فإن كان قد أصاب مقاتله وأنفذها قبل
أن يقع إلى الأرض أو قبل أن يتردى أو يقع في
الماء فقد تمت ذكاته لأن ما بلغ منه مبلغ
الذبح لم يضره ما ناله بعد وإن كان لم ينفذ
مقاتله فلا يؤكل إلا أن تدرك ذكاته ومن شك فيه
من ذلك لم يؤكل وما ضرب من الصيد فقطع بنصفين
أو بأن رأسه أكل جميعه وأكل الرأس والبدن وإن
قطع يده أو رجله ومات من ذلك أكل كله حاشا يده
أو رجله.
وقد روي عن مالك وغيره من أهل المدينة أنه
يؤكل جميعه قليلة وكثيرة لأن الضربة البينة
الاصطياد ذكاة له وما قطع من حي فهو ميتة إذا
عاش ذلك الحي أو لم يكن صيدا.
وكره مالك أكل صيد أهل الكتاب ولم يحرمه لقول
الله عز وجل: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ
وَرِمَاحُكُمْ} ، يعنى أهل الإيمان وهو عند
جمهور أهل العلم مثل ذبائحهم.
ولا بأس بالاصطياد بكلب المجوس ومن أرسل كلبه
فغاب عنه أو أرسل سهمه ولم يره ثم وجد الكلب
أو السهم قد أنفذ مقاتل الصيد فلا بأس بأكله
ما لم يبت خوفا من أن يكون أعان عليه بعض دواب
الأرض.
وقد قيل: إن غاب عنه طويلا فلا يأكله سواء بات
عنه أو لم يبت وهذا قول من قال: كل ما أصميت
ودع ما أنميت.
وقد قيل: يأكله وإن بات عنه إذا أصاب سهمه أو
كلبه قد أنفذ مقاتله وهذا هو المعمول به في
تحصيل المذهب.
ولو أرسل كلبه على صيد فأخذ منها واحدا وقتله
جاز أكله وإذا عدل الكلب في إرساله
(1/433)
عن الصيد إلى
جيفه رآها ثم اندفع بعد ذلك من قبل نفسه دون
ان يشليه مرسله لم يجز أكل ما قتل إذا كان بعد
حين وإذا كان عدوله يسيرا كضرب من طلبه للصيد
لم يضره وإذا انفلت الكلب في طلب الصيد فأشلاه
صاحبه بعد ذلك أو زجره فلا يأكل ما صاده.
وقد قيل: إذا أشلاه بعد حروجه فانشلى وسمى
عليه جاز أكل صيده والأول قول مالك ومن رأى
شيئا يظنه خنزيرا أو سبعا فرمي على أنه خنزير
فقتله فإذا هو صيد لم يؤكل ومن أخذ من أفواه
الكلاب حيا من الصيد قد عقرته الكلاب فلم تدرك
ذكاته من غير تقصير حتى مات فإنه يؤكل إلا أن
يفرط في ذكاته فإنه لا يؤكل وما صيد بالسهم
المسموم لم يؤكل إلا أن يكون السهم بذاته قتله
وأنفذ مقاتله فإن أنفذ مقاتله السهم قبل أن
يسري السم فيه جاز أكله إلا أنه يكره أكله
خوفا من داء السم فإن أشكل أمره وجب الكف عنه
ولا يؤكل إلا أن يصح أن السهم قتله دون السم
وما لم تنب فيه الكلاب وتجرحه لم يؤكل وقد قيل
يؤكل إذا مات من صدمة الكلب وإن لم ينب فيه
ولم يجرحه وهو قول أشهب.
وقد روي عن مالك ذلك وإذا ند البعير فلم يقدر
على أخذه أو نحره أو ذبحه بين الحلق واللبة
فيذكي لم يؤكل عند مالك وأصحابه وعند سائر أهل
العلم إذا استوحش المستأنس وند وامتنع جاز
قتله بما يجوز به قتل الصيد وإذا أرسل رجلان
كلبين فاشتركا في قتل صيد كان بينهما وإذا نفذ
أحدهما مقاتله قبل إدراك الآخر له فهو للأول
الذي قتله دون الثاني.
ولو أخذ رجل صيدا ثم افلت منه
(1/434)
فصاده غيره فهو
للأول إلا أن يلحق بالوحش ويمنتع فيكون لمن
صاده ثانية ومن وقع في الفخ والحبالة فلربها
فإن الجأ الصيد إليها أحد ولولاها لم يتهيأ له
اخذها فربها فيه شريكه ومن وقع في الجيح
المنصوب في الجبل من ذناب النحل فهو كالحبالة
والفخ وحمام الأبرجة ترد على أهلها ان أستطيع
على ذلك وكذلك نحل الجياح وقد روي عنه وقاله
بعض أصحابه وليس على من حصل الحمام أو النحل
عنده أن يرده وإن وقعت سمكة في سفينة فهي
لآخذها دون رب السفينة وليس لصاحب البركة
والغدير أن يمنع من صيد سمكها إلا أن يكون قد
حظر عليها ولو ألجأت الكلاب صيدا فدخل في بيت
أحد أو داره فهو للصائد ومرسل الكلاب دون صاحب
البيت وإن دخل في البيت من غير اضطرار الكلاب
له فهو لرب البيت.
(1/435)
|