الكافي
في فقه أهل المدينة المالكي
كتاب الطلاق
باب حكم الطلاق
وسنته
الطلاق للعدة مباح وان كرهت المرأة مسيئة كانت
أو محسنة قبل الدخول وبعده إلا أن مكثر الطلاق
مذموم وليس ذلك من محاسن الأخلاق وطلاق كل
مسلم عاقل بالغ يلزمه وسواء كان عبدا أو حرا
أو مالكا لنفسه أو مولى عليه وطلاق السكران
وعتاقه لازم له عند مالك وأكثر أهل المدينة
وطلاق المكره لا يلزم إذا أكره عليه ولم تكن
له فيه نية ولا يجوز طلاق الصبي حتى يحتلم ولا
المجنون ولا المغمى عليه حتى يفيق ولا المعتود
المطبق وكان مالك لا يرى طلاق الكافر يلزمه في
حال كفره وخالفه في ذلك غيره ويلزم الأخرس
طلاقه إذا طلق بإشارة مفهومة او كتاب وللطلاق
سنة لا ينبغي أن تتعدى ومن تعداها عصى ربه
وظلم نفسه ولزمه فعله والسنة إنما جاءت في
طلاق المدخول بها وليس في طلاق غير المدخول
بها سنة ولا بدعة ولمطلقها أن يطلقها متى شاء
(2/571)
وكم شاء
والواحدة تبينها والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا
غيره وكذلك الحامل السنة ولا بدعة في طلاق
واحدة منهن فإذا طلقها مطلقها واحدة كان لها
ذلك متى شاء من الأوقات والأحوال ولا يكون
عاصيا لربه بتلك الطلقة إذا لم يتبعها طلاقا
آخر في عدتها فإن أتبع واحدة منهن طلاقا في
عدتها أو أوقع عليها ثلاث تطليقات مجتمعات لم
يكن مطلقا للسنة عند مالك وخالفه طائفة في ذلك
فرأوها للسنة لازمة والسنة في طلاق المدخول
بها أن يطلق الرجل امرأته التي يريد طلاقها
وهي طاهر من حيضتها قبل أن يجامعها طلقة واحدة
ويتركها تمضي في عدتها ولا يردفها طلاقا في
طهرها وفي سائر عدتها فان كان له مذهب في
مراجعتها راجعها قبل أن تنقضي عدتها وإلا
تركها حتى تنقضي عدتها بالأقراء إن كانت ممن
تحيض أو بتمام ثلاثة أشهر إن كانت ممن لا يحيض
ثم تبين منه بانقضاء عدتها وتملك نفسها فان
أراد مراجعتها استأنف نكاحها برضاها وبصداق
وولي والسنة في الطلاق عند مالك تقتضي معنيين
وهما الموضع والعدد لا يزيد على طلقة واحدة
ولا يوقعه إلا في طهر لم يمس فيه فان طلقها في
طهر جامعها فيه أو حائضا أو نفساء فهو طلاق
بدعة لا طلاق سنة وهو فيه معتد حدود ربه عاص
ظالم لنفسه ويلزمه فعله وليس الطلاق من
القربات التي لا تقع إلا على سنتها ومن المحال
والجهل أن يلزم المطيع لربه المتبع في طلاقه
سنة نبيه الطلاق ولا يلزم به العاصي ان خالف
لما امر به فيه ولم يختلف فقهاء الأمصار وأئمة
الهدى فيمن طلق
(2/572)
باب ألفاظ الطلاق
للطلاق صريح من الألفاظ وكناية فصريحه ما نطق
به القرآن من الطلاق والسراح والفراق قال الله
عز وجل فطلقوهن لعدتهنالطلاق وقال فامسكوهن
بمعروف أو سرحوهن بمعروفالطلاق وقال أو
فارقوهن بمعروفالطلاق ولم يختلف في من قال
لامرأته قد طلقتك أنه من صريح الطلاق في
المدخول بها أو غير المدخول بها واختلف قول
مالك في من قال لامرأته قد فارقتك أو سرحتك
على ما يأتي بعد هذا الباب إن شاء الله ومن
قال لامرأته أنت طالق فهي واحدة إلا أن ينوي
أكثر من ذلك فإن نوى بقوله انت طالق اثنتين أو
ثلاثا لزمه ما نوى وان لم ينو شيئا فهي واحدة
يملك الرجعة ولو قال أنت طالق وقال أردت من
وثاق لم يقبل قوله ولزمه الطلاق إلا أن يكون
هنالك ما يدل على صدقه ومن قال أنت طالق
(2/572)
باب الطلاق بصفة والى أجل وتكرير الطلاق
وتبعيضه والاستثناء فيه
كل طلاق بصفة فهو يقع بوجودها ومن طلق إلى أجل
فإن كان الأجل آتيا لا محالة وكان يبلغه عمره
ويكون إتيانه مع بقاء نكاحه وقع الطلاق في
الوقت حين تكلم ولم ينتظر به الأجل مثل قوله
أنت طالق إلى شهر أو إلى سنة أو إلى غد أو في
غد ونحو ذلك فإن طلقها إلى أجل لا يبلغه عمره
مثل قوله أنت طالق إلى ألف سنة أو بعد ألف سنة
أو ما لا أشبه ذلك من الزمان البعيد فالجواب
على أصول مالك يتوجه في ذلك على وجهين أحدهما
أنها تطلق في الحال وجعل قوله إلى ألف سنة
كالندم واستدراك ما سبق فيه ولآخر أنهما لا
تطلق بحال وهو القياس لأنها صفة لا تقع وهو حي
كأنه قال أنت طالق بعد موتي وان قال إذا مات
فلان فأنت طالق طلقت في الوقت وقد اختلف جوابه
في قوله إذا مت أنا فانت طالق وإذا مت أنت
(2/577)
فانت طالق أو
أنت طالق يوم أموت أو يوم تموتين قيل تطلق
الآن رواية ابن وهب وقيل لا شيء عليه رواية
ابن القاسم وكذلك اختلف قوله في قول الرجل
لامرأته وهي حائض إذا طهرت فأنت طالق فمرة قال
لا تطلق حتى تطهر وبه قال عبد الملك ومرة قال
أوقع الطلاق في الحال ولو قال لها أنت طالق
إلى الجذاذ أوإلى العصير أو إلى الحصاد أو إلى
قدوم الحاج طلقت في الحال وإذا قال لامرأته
إذا وضعت فأنت طالق لم تطلق حتى تضع حملها وقد
قيل عنه تطلق في الحال فإن كان في بطنها ولدان
فعن مالك في ذلك روايتان احداهما أنها لا تطلق
حتى تضع الحمل كله هذه رواية ابن وهب والأخرى
أنها تطلق بأول ولد تضعه ومن قال لامرأته أنت
طالق إذا أمطرت السماء غدا فأنت طالق لم تطلق
غدا إلا بوجود المطر في غده ولو قال لها أنت
طالق لتمطرن السماء غدا طلقت في الحال عند ابن
القاسم ولم تطلق عند أشهب إلا أن تمطر السماء
في غد ولو قال لها أنت طالق إن لم يكن في هذه
اللوزة حبتان تطلقت عند مالك في الحال وسواء
وجد في اللوزة إذا كسرت حبتان أو لم يوجد وعند
غير مالك لا يقع عليه طلاق إذا وجد في اللوزة
حبتان وهو قول أشهب ومن قال لزوجته أنت طالق
إذا قدم فلان لم تطلق حتى يقدم فلان ويعلم
قدومه وله أن يطأها حتى يستيقن قدومه ومن قال
لامرأته أنت طالق إذا دخلت الدار لم تطلق حتى
تدخلها وكذلك سائر الصفات التي قد تكون وقد لا
تكون
(2/578)
ومن قال
لامرأته أنت طالق وأنت طالق وأنت طالق كانت
ثلاثا إلا أن يريد التكرير وقد قيل لا ينوي
هاهنا ولو قال أنت طالق ثم أنت طالق ثم أنت
طالق كانت ثلاثا ولم ينو ولو قال لها أنت طالق
إذا حملت ففيها عن مالك روايتان إحداهما أنه
إذا وطئها مرة طلقت عليه عقب وطئه والرواية
الأخرى أنه يطأها في كل طهر مرة ثم يمسك عنها
فإن حملت طلقت وان حاضت لم تطلق وانتظر طهرها
فوطئها ثم هكذا أبدا حتى يظهر حملها ولو قال
أنت طالق إن لم يكن بك حمل طلقت عليه في الحال
كان بها حمل أو لم يكن عند مالك ولو قال لها
أنت طالق إذا وطئتك لم تطلق حتى يطأها فإذا
وطئها طلقت بالايلاج ونوى مع ذلك رجعتها وثبت
على نكاحها ولو قال ان وطئتك فأنت طالق ثلاثا
لم يجز له وطئها لأنها تحرم بالإيلاج الأول
وليس له أن يجامعها وهو اختيار عبد الملك وقال
الاخراج في حرام لا الايلاج وقد روي عن مالك
انه لا تطلق عليه حتى يطأها فإذا أولج طلقت
ولم يقع إخراجه في حرام لأنه لا بد منه ولو
قال لها أنت طالق كلما وطئتك طلقت عليه بوطئه
مرتين بتطليقتين وراجعها عند الإيلاج في
المرتين ولا يجوز له أن يطأها مرة ثالثة لأ
أنها تحرم عليه تحريما لا رجوع له إليها إلا
بعد زوج ولو قال لأربع نسوة له أيتكن رقدت
معها الليلة وقمت عنها من غير أن نطأها
فصواحبها طوالق فرقد مع احداهن وقام عنها دون
ان يطأها ثم فعل ذلك بالثانية والثالثة وجب
عليه الإمتناع من الرابعة ولم يجز له أن يرقد
معها لأنها قد بانت منه بثلاث ولزم صواحبها
(2/579)
تطليقتان ولو
وطأ واحدة منهن كانت رجعية وأما الرابعة فلا
سبيل له إليها إلا بعد زوج ولو قال لامرأته
أنت طالق واعتدي كانت تطليقتين إلا أن يريد
إعلامها أن العدة عليها وكذلك لو قال لها أنت
طالق اعتدي والطلاق لا يتبعض فلو طلق بعض
تطليقة كانت تطليقة كاملة وأن طلق طلقة ونصفا
كانت تطليقتين وإن طلق تطليقتين ونصفا كانت
ثلاثا وان قال لأربع نسوة بينكن طلقة طلقن
كلهن واحدة وان قال بينكن خمس تطليقات طلقن
اثنتين وان قال بينكن تسع تطليقات إلى ما فوق
هذا طلقن ثلاثا وان طلق بعض امرأته طلقت طلاقا
كاملا وان قال يدك أو رجلك أو اصبعك أو شعرك
أو فرجك أو شيء منها طالق طلقت ولو قال ها أنت
طالق إن لم أكن من أهل الجنة أو إن لم أكن من
أهل النار طلقت عليه عند مالك ولو قال لها أنت
طالق إن كنت تحبيني أو إن كنت تبغضيني استحب
له مالك أن يلتزم طالقها ولا يقبل قولها ومن
قال أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين إلا واحدة فله
استثناؤه إذا كان استثناؤه جائزا في اللغة
معروفا وأبقى ما يقع الاستثاء فإن قال أنت
طالق ثلاثا إلا ثلاثا لم ينفعه الاستثناء
ولزمه ثلاث تطليقات لان هذا نادم غير مستثنى
والله أعلم وليس في الطلاق ولا العتاق استثناء
بإن شاء الله وإنما هو الاستثناء في اليمين
بالله خاصة فمن قال لامرأته أنت طالق إن شاء
الله طلقت عند مالك وإن علق المشيئة بأدمي لم
تطلق حتى يعلم أنه شاء فإن لم تعلم مشيئته لم
تطلق ومن قال لامرأته أنت طالق إن شاء هذا
الحجر أو الحائط أو فلان قد مات لم تطلق في
شيء من ذلك كله وقد
(2/580)
قيل أنه نادم
في الحجر والحائط وأنه يلزمه الطلاق والأول
أصح ومن قال أنت طالق ان فعلت كذا وكذا إلا أن
يشاء الله طلقت ولم ينفعه الاستثناء وقد قيل
ان له هاهنا ثنياه إذا أراد في الفعل دون
الطلاق
(2/581)
باب جامع الإيمان بالطلاق
من حلق بالطلاق أو غيره ألا يفعل شيئا ثم فعله
عامدا أو ناسيا حنث وإن أكره أو غلب أو فاته
من غير تفريط لم يحنث ولو قال أنت طالق إلا أن
يبدو لي لزمه الطلاق ولم ينفعه قوله أن يبدو
لي ولو قال أنت طالق إن فعلت كذا وكذا إلا أن
يبدو لي في ذلك إذا أراد ألا أن يبدو لي في
ذلك الفعل أو يبدل الله ما في نفسه من ذلك وإن
قال إن لم أطلقك فأنت طالق طلقت في الوقت إن
لم يطلقها وإن طلقها فحسبه وإن قال لها أنت
طالق إن لم أتزوج عليك أو إن لم أتسر عليك فإن
ضرب لذلك أجلا استحب له أن يكف عن وطئها وليس
ذلك بواجب عليه وقيل له أن يطأها كالذي يقول
لامرأته أنت طالق إن لم يقدم فلان وهذا أصح عن
مالك وأشبه بما عليه جمهور أهل العلم فإن
انقضى الأجل قبل أن يتزوج حنث وطلقت عليه وإن
لم يضرب لذلك أجلا لم يكن له أن يطأها عند
كثير من أصحاب مالك ويضرب له أجلا الإيلاء
عندهم وقيل هو مرتهن بيمينه أبدا فإن مات قبل
أن يتزوج عليها أو يتسرى توارثا لأن
(2/581)
الحنث لا يلحقه
إلا بموته والميت لا يلحقه طلاق ومن حلف ألا
يفعل شيئا ففعل بعضه حنث عند مالك وكذلك عنده
من حلف أن يفعله ففعل بعضه وقد روي عنه وهو
قول أكثر أهل العلم أنه لا يحنث في الوجهين
والأول تحصيل مذهبه وقد بينا معاني هذا الباب
في الإيمان ومن حلف بطلاق امرأته إن فعلت شيئا
ذكره ثم طلقها طلقة أو طلقتين ثم راجعها وفعلت
ذلك رجعت عليه اليمين ولو طلقها طلقة أو
طلقتين أو ثلاثا ثم راجعها بعد زوج وفعلت لم
ترجع عليه اليمين
(2/582)
باب الشك في الطلاق وعودة المرأة على بقية
طلاق العصمة وفي الطلاق قبل النكاح
كان مالك رحمه الله يرى فيمن حلف بالطلاق على
شيء ثم شك هل حنث أم لا أن يفارق امرأته ولا
يجبره على ذلك وقال ابن القاسم يلزمه الطلاق
ولم يختلف أنه لو شك هل طلقها أم لا أنه ليس
عليه شيء ولا يلزمه شيء وأنه على نكاحه ولو
أيقن أنه حلف بالطلاق ولم يدر أبواحدة حلف أو
باثنتين أو بثلاث ثم حنث لزمه عند مالك الثلاث
ولم يختلف قول مالك في من طلق امرأة من نسائه
ولم يدر أيتهم المطلقة انهن يطلقن عليه كلهن
ومن قال لا أدري حلفت فحنثت أم لا فلا شيء
عليه ولم يختلف العلماء في من شك في طلاقه
ومات
(2/582)
على شكه في ذلك
أن امرأته ترثه ولو شهد رجلان عليه بطلاق
امرأة من نسائه ولم يعرفاها بعينها وهو جاحد
لذلك حلف وأقر معهن وورثته وورثهن ومن طلق
امرأته واحدة أو أثنتين ثم تزوجت زوجا وفارقها
ثم راجعها الأول فإنها تكون عنده على ما بقي
من طلاقها وإنما يهدم الزوج الثلاث ولا يهدم
ما دونها ومن طلق دون الثلاث فنكاحه لها بعد
زوج وقبله سواء ومن حلف بطلاق امرأة بعينها إن
نكحا لزمه ذلك وإن قال كل بكر أو ثيب أنكحها
فهي طالق لزمه وكذلك إن خص قبيلة أو ضرب أجلا
يبلغه عمره أو خص بلدة أو عم واستثنى شيئا من
ذلك العموم فإن عم دون استثناء فلا شيء عليه
لأنه حرم على نفسه من النساء ما أحل الله له
ولو قال كل بكر أتزوجها فهي طالق ثم قال بعد
ذلك كل ثيب أنكحها فهي طالق لزمه ذلك في
الابكار دون الثيبات وقد قيل يلزمه اليمينان
جميعا والأول أصح وإذا قال لامرأة أجنبية إن
تزوجتك فأنت طالق فتزوجها لزمه طلاقها فإن عاد
وتزوجها ثانية لم تطلق عليه إلا ان يقول كلما
تزوجتك فأنت طالق فإن قال ذلك طلقت عليه كلما
تزوجها ولو قال كل امرأة أتزوجها من بلد كذا
فهي طالق فتزوج من ذلك البلد امرأة طلقت عليه
ثم كلما عاد فتزوج منها امرأة طلقت عليه ومن
قال كل امرأة أنكحها حاشا فلانة فهو عند مالك
كمن عم لا يلزمه شيء لأنه يمكن أن تمنعه أو
تموت وكذلك عنده في المرأتين والثلاث ومن أشبه
ذلك فإن كثرن لزمه لأنه استثنى من العموم مالا
يضيق على نفسه ما أباح الله من النكاح وما
يؤمن عليه معه العنت
(2/583)
وليس هذا كمن
قال لامرأته كل امرأة أنكحها عليك فهي طالق
لأنه لا يخشى على من في عصمته امرأة عنت ولأنه
يطلقها وينكح ما شاء ولو قال لامرأته كل امرأة
أتزوجها عليك ما عشت فهي طالق لزمه ما دامت في
عصمته فإن طلقها ثم تزوج في حياتها طلقت أيضا
إلا أن يريد ما عشت في عصمتي أو زوجة لي وإن
قال لامرأة في عصمته كل امرأة أتزوجها سواك
فهي طالق لم يلزمه شيء
(2/584)
باب طلاق المريض
كل مريض مثبت المرض طلق امرأته في مرضه ثم مات
من ذلك المرض ورثته امرأته عند مالك وجمهور
أهل المدينة وعليه أكثر أهل العلم اتباعا
لعثمان في توريث امرأة عبد الرحمن بن عوف رضي
الله عنهما وسواء عند مالك مات في العدة أو
بعد انقضاء العدة وسواء عند مالك طلقها واحدة
أو أثنتين أو ثلاثا اتباعا لقضاء عثمان بمحضر
جماعة من الصحابه والطلاق البت والخلع وغير
ذلك سواء إذا كان المرض مخوفا عليه ومات منه
فإن طلقها في مرضه قبل الدخول بها كان لها نصف
الصداق ولا عدة عليها للوفاة ولا للطلاق وترثه
إن مات في مرضه ذلك وإن كانت مدخولا بها اعتدت
من يوم طلاقه فإن كان طلاقه بائنا ومات في
العدة لم تنتقل عدتها وإن كان طلاقها غير بائن
انتقلت عدتها إلى عدة الوفاة فإن ماتت امرأة
المطلق
(2/584)
في المرض لم
يرثها إلا أن يكون طلاقه إياها رجعيا وتموت في
العدة ولو تزوجت المطلقة في المرض أزواجا كلهم
يطلقونها في مرضه لورثت كل من مات منهم عند
مالك وإن كانت تحت زوج وكل يمين بالطلاق
انعقدت في الصحة وقع الحنث بها والحالف مريض
فهو طلاق في مرض ترثه امرأته وكذلك التخيير
والتمليك واللعان كل ما وقع من ذلك في المرض
ومات ورثته امرأته على حسب ما وصفنا فإن صح من
مرضه الذي طلق فيه ثم مرض مرضا آخر فمات منه
قبل انقضاء العدة لم ترثه ولو طلق المسلم
زوجته كتابية في مرضه فأسلمت قبل موته ورثته
في العدة وبعدها عند مالك وكذلك لو طلقها في
مرضه وهي أمة فأعتقت قبل موته ورثته في العدة
وبعدها إذا كان موته من ذلك المرض ومن طلق
امرأته في صحته طلقة رجعية ثم أبتها في العدة
وهو مريض لم ترثه إلا ما دامت في العدة فإن
مات بعد العدة لم ترثه وقد قيل إنها ترثه بعد
انقضاء العدة لأنه إنما أبتها في مرضه وفرض
ميراثها لأنها كانت ترثه ولو مات في عدتها ومن
أهل المدينة من يقول لا ترث مبتوتة في مرض ولا
صحة وبالله التوفيق
(2/585)
باب طلاق الكفار
وإذا طلق الكافر ذميا كان أو حربيا زوجته ثم
أسلم
(2/585)
وهي عنده لم
يفرق بينهما ولم يلزمه طلاقها وكذلك لو أعتق
عبده ثم أسلم وهو عنده لم يلزمه عتقه و كذلك
لو حلف بالطلاق أو العتق أو غير ذلك من
الإيمان في كفره ثم أسلم ففعل شيئا من ذلك في
إسلامه وحنث لم يلزمه حنثه ولا شيء عليه ولو
أسلمت امرأته قبله فطلقها ثم أسلم في عدتها
ثبت على نكاحه ولم يلزمه طلاقها هذا كله قول
مالك وأصحابه وغيرهم يخالفهم في ذلك فيلزم
المشرك الطلاق في شركه كما يلزم المسلم قياسا
على نكاحه في الكفر
(2/586)
باب الشهادات بالطلاق
إذا سمع رجلان عدلان رجلا يطلق امرأته أو يعتق
عبده أو أمته لزمهما أن يشهدا بذلك عند الحاكم
وإن لم يشهدهما المطلق أو المعتق على نفسه
وسواء ادعت المرأة أو العبد ذلك أو لم يدعياه
لأنه من حقوق الله عز وجل ولا يشهدا في شهادة
السماع في الحقوق حتى يسألهما صاحب الحق ويطلب
شهدتهما ولا يجوز في الشهادة على الشهادة
السماع حتى يشهدهما الشاهدان على شهادتهما
وأما أن يسمع رجل رجلا يقول أشهدني فلان بكذا
فلا يجوز له أن يشهد على شهادته حتى يشهده على
ذلك ولا يجوز في الطلاق إلا شهادة رجلين عدلين
ولا يجوز فيه شهادة النساء ولا شاهد ويمين ولا
رجل وامرأتان ولا يجوز فيه إلا شهادة رجلين
يشهدان على واحد بإيقاع الطلاق
(2/586)
أو بإقرار
بالطلاق وإن اختلف الشاهدان فقال أحدهما طلق
واحدة وقال الآخر طلق اثنتين أو ثلاثا ثبتت
واحدة وحلف على نفي الأخرى فإن حلف بريء منها
وإن نكل ففيها روايتان عن مالك إحداهما أنه
تلزمه تطليقة أخرى والأخرى أنه لا يلزمه إلا
تطليقة واحدة بشهادتهما ويحبس حتى يحلف على
الأخرى فإن طال حبسه ترك وكذلك لو شهد واحد
بواحدة وآخر باثنتين وآخرى بثلاث كانت اثنتين
وعلى هذا فاعمل في مثل ذلك ولو شهد أحدهما على
طلاقه والآخر على إقراره بالطلاق لزمه الطلاق
عند مالك وأكثر أصحابه ولو شهد رجلان على رجل
بطلاق امرأته في زمنين مختلفين لزمه الطلاق
وكانت شهادتهما مضمومة بعضها إلى بعض عاملة
ولو شهد أحدهما أنه علق طلاقها بفعل والآخر
أنه فعل لم تضم شهادتهما ولم يلزمه الطلاق لأن
الشهادة على الأقوال مضمومة عند مالك والشهادة
على الأفعال غير مضمومة إلا أن يثبت على فعل
واحد شاهدان ولو أشهد وكتم الشهود شهادتهم
بالطلاق إلى أن مات ثم شهدوا بذلك بعد موته لم
تقبل شهادتهم إذا كانوا حضورا مع الزوجين
(2/587)
باب التخيير والتمليك
من خير امرأته فقال اختاري فاختارت زوجها لم
يلزمه طلاق وثبت على نكاحها وإن اختارت فراقة
وكانت مدخولا
(2/587)
بها لم تبن
بأقل من ثلاث وإن اختارت نفسها بأقل من ثلاث
لم يلزمه من ذلك شيء فإن قضت بثلاث لزما ثلاث
ولا نكرة له إلا في التي لم يدخل بها بخلاف
التمليك فإن التي لم يدخل بها له مناكرتها في
التخيير والتمليك إذا زادت على واحدة لأنها
تبين في الحال وأما التي قد دخل بها فليس له
مناكرتها إذا خيرها تخييرا مطلقا لم يقيده
بعدد فأما إذا خيرها في عدد بعينه مثل واحدة
أو اثنتين لم تكن لها الزيادة على ما جعل
إليها وقد قالت طائفة من أهل المدينة له
المناكرة في التخيير وفي التمليك سوا في
المدخول بها وغير المدخول بها والأول قول مالك
وقال آخرون من المدنيين وغيرهم التمليك
والتخيير سواء والقضاء ما قضت فيهما جميعا وهو
قول عبد العزيز بن أبي سلمة قال ابن شعبان وقد
اختاره كثير من أصحابنا وهو قول جماعة من أهل
المدينة قال أبو عمر على مذهب هذا القول أكثر
الفقهاء والأول تحصيل مذهب مالك والتخيير على
المجلس فإن لم تختر ولم تقض بشيء حتى افترقا
من مجلسهما بطل ما كان من ذلك إليها وهذا أحد
قولي مالك وعليه أكثر الفقهاء وقد قال مالك إن
ذلك بيدها ما لم توقف أو توطأ أو تباشر فعلى
هذا القول إن منعت نفسها ولم تختر شيئا كان له
رفعها إلى الحاكم لتوقع أو تسقط فإن أبت سقط
(2/588)
الحاكم تمليكها
وعلى القول الأول إذا حدث في غير ذلك من حديث
أو عمر أو شيء أو ما ليس من التمليك في شيء
سقط تمليكها واحتج بعض أصحابنا في هذا بقول
الله عز وجل فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في
حديث غيره النساء والذي يفارق فيه التمليك
التخيير عند مالك وأصحابه انه إذا ملك امرأته
كان له أن يقول ملكتك بعض الطلاق دون جميعه أو
ملكتك واحدة أو ملكتك أكثر ويحلف على ذلك وكان
للمرأة أن تقضي بالبعض من ذلك أيضا بخلاف
التخيير والتمليك قوله أمرك بيدك أو طلاقك
بيدك أو طلقي نفسك ونحو هذا من القول وما جعل
إليها من ذلك يكون بيدها تقضي فيه ما شاءت ما
داما في مجلسهما وقد قال مالك أيضا إن الذي
بيدها ثابت لا يلزمها قيامها من المجلس على ما
ذكرنا عنه في التخيير فعلى هذا القول الآخر من
ملك امرأته أمرها فقالت قد قبلت أو رضيت أو
اخترت ثم افترقا قبل أن توقع طلاقا فالتمليك
ثابت فإن قالت قبلت أمري فإن أردت الطلاق فذلك
لها وإن لم ترد الطلاق لم يكن طلاقا وإن قالت
قد قبلت واخترت نفسي لزمه بهذا القول الطلاق
فإن قالت لم أرد طلاقا بعد قولها اخترت نفسي
لم يقبل قولها وإن قالت قد قبلت التمليك ثم
سئلت ما أردت فقالت ما أردت شيئا لم يلزم
الزوج شيء وكل من قال لزوجته أمرك بيدك فقالت
قد قبلت سئلت ماذا أرادت بقولها قد قبلت فإن
أرادت الطلاق طلقت طلقة رجعية وإن قالت
(2/589)
أردت اثنتين أو
ثلاثا كان له ان يناكرها ويحلف على ما أراده
بتمليكه إياها من الطلاق وإن قالت لم أرد شيئا
فلا شيء على الزوج إذا ناكرها لم يحل له أن
يحلف إلا على مانوى في حين التمليك فإن لم ينو
شيئا فالقضاء ما قضت والمملكة قبل البناء
وبعده سواء له أن يناكرها لو قضت بأكثر من
واحدة ويحلف على ذلك وإذا قضت المملكة بالثلاث
ولم ينكر عليها في الوقت لزمه فإن ناكرها وقال
لم أرد بالتمليك إلا طلقة واحدة فالقول قوله
مع يمينه وإن لم تكن له نية فلها أن توقع ما
شاءت من عدد الطلاق ولا مناكرة له عليها وإن
ملكها الثلاثة مداحا وقضت بهن لم يكن له أن
يناكرها وإن ملكها بشرط فوجد الشرط ملكت أمرها
وألا لم تملكه وإن ملكها بصفة لا بد من كونها
في العادة لزمه ذلك وإن ملكها إلى أجل ملكت
نفسها في الحال وإن ملكها بصفة قد توجد وقد
تفقد لم تملك نفسها في الحال حتى توجد الصفة
وإن ملكها على عوض كان الطلاق بائنا وإن ملكها
بصفة قد توجد الصفة وإن ملكها على عوض كان
الطلاق بائنا وإن ملكها على غير عوض متبرعا
لذلك ولم يكن في حين عقد نكاحها ولا شرط ذلك
عليه لها بالقضاء ما قضت إلا أن يناكرها فيحلف
أنه نوى واحدة ويكون أملك بها ولو ملكها أمرها
عند عقد نكاحها معه فالقضاء ما قضت إلا أن
يناكرها فيحلف أنه نوى واحدة ويكون أملك بها
ولو ملكها أمرها عند عقد نكاحها معه أن تزوج
عليها أو تسرى أو غاب عنها أو أخرجها من دارها
أو ضربها فتزوج أو فعل شيئا من ذلك فأمرها
بيدها ولها أن تطلق نفسها ثلاثا إن شاءت أو ما
شاءت من الطلاق لم يكن له مناكرتها وإنما يكون
له عند مالك مناكرتها
(2/590)
إن ملكها طائعا
بغير شرط ولا في حين عقد النكاح وذكره ابن وهب
في موطئه وذكر إسماعيل عن أبي ثابت عن ابن وهب
قال قال مالك في الذي يشترط لامرأته على نفسه
عند عقد نكاحه إن نكحت عليك أو تسريت أو أضررت
بك فأمرك بيدك ثم يفعل فتطلق نفسها البته
فيقول ما ملكتك إلا واحدة قال مالك القول
قولها ولا سبيل له عليها إلا بعد زوج قال ولو
ملكها وهي في عصمته طائعا متبرعا كان القول
قوله ويحلف أنه ما ملكها إلا واحدة قال
ولايشبه هذا الذي يشترطون عليه في أصل النكاح
قلت وما الفرق ينهما قال لأن هذا تبرع به
والآخر شرطوا عليه فلو كان له أن يرتجعها لم
ينفعها شرطها والذي تبرع بذلك من غير شرط
فالقول قوله ويحلف وطلقته رجعية وليس كذلك ما
كان في أصل النكاح وعند عقده وذكره ابن عبد
الحكم عن مالك قال ومن ملك امرأته وشرط ذلك في
عقد النكاح أن تزوج عليها فتزوج فطلقت نفسها
فقال لم أرد إلا واحدة فليس ذلك له وقد بانت
منه وإنما ينوي في الذي ملكها طائعا من غير
شرط ولو ملكها أمرها عند عقد نكاحها أن تزوج
عليها فتزوج وطلقت نفسها ثلاثا لم يكن له
مناكرتها عند مالك وإن ملكها طائعا من غير شرط
كان له مناكرتها عند مالك
(2/591)
باب خيار الأمة تعتق تحت العبد
إذا عتقت الأمة تحت العبد أو تحت من لم تكمل
فيه الحرية فهي بالخيار إن شاءت أقامت معه وإن
شاءت فارقته وخيارها باق ما لم يمسها فإن
وطئها أو قبلها أو باشرها مطاوعة فلا خيار لها
عند مالك وسواء علمت أن لها الخيار أو لم تعلم
إذا علمت بعتقها وقد قال أنها إن لم تعلم فلا
خيار لها والأول تحصيل مذهب مالك ولا تصدق
أنها لم تعلم ولا خيار لها حتى تعتق كلها ولا
خيار لها إن كانت تحت حر ولو عتق زوجها قبل
خيارها نفسها سقط خيارها وإن كان اختيارها
نفسها قبل الدخول فلا صداق لها وإذا أرادت
فراق زوجها رفعت ذلك إلى السلطان واختارت
نفسها وهي تطليقة بائنة وقد قال بعض أصحاب
مالك إنها رجعية وليس بشيء وتحصيل مذهب مالك
أنها إذا اختارت نفسها ثم عتق زوجها في عدتها
لم يملك رجعتها ولها ان تطلق نفسها ثلاثا على
اختلاف من قول مالك في ذلك فمرة أجاز ذلك لها
على حديث بريرة ومرة قال ليس لها أن توقع إلا
واحدة وهي بائنة وإن طلقت نفسها ثلاثا لم تحل
له إلا بعد زوج وتطليقتان هاهنا كالثلاث لأن
زوجها عبد وعدتها إذا اختارت نفسها عدة الحرة
ثلاثة قروء
(2/592)
باب الخلع
للرجل أن يخالع امرأته بصداقها كله وبأقل
وبأكثر إذا رضيت بذلك وكانت مالكة أمرها ولم
يضارها لتفتدي منه فإن افتدت منه على إكراه أو
على اضرار كان لها رد ما أخذ ولزمه الطلاق
واختلف عن مالك في رجعيته هاهنا فقيل عنه إذا
صرف ما أخذ منها كان له الرجعة عليها في عدتها
وقيل بل هو طلاق بائن لأنه خلع ولو قصد إلى
ايقاع الخلع على غير عوض كان عند مالك خلعا
وكان الطلاق بائنا وقد قيل عنه لا يكون بائنا
إلا بوجود العوض وهذا أصح قوليه عندي وعند أهل
العلم والنظر والمختلعة هي التي تختلع من كل
الذي لها والمفتدية التي تفتدي ببعضه وتأخذ
بعضه وذلك كله سواء وهي طلقة بائنة سماها أو
لم يسميها لا رجعة له في العدة عليها وله
نكاحها في العدة وبعدها برضاها بولي وصداق قبل
زوج وبعد لأنها تعتد من مائه إذا لم يدخل بها
غيره وإذا راجع المختلع امرأته على حكم النكاح
الجديد كانت عنده على تطليقتين لأن الخلع ليس
بفسخ عند مالك وإنما هو طلاق بائن ومن نوى
بالخلع تطليقتين أو ثلاثا لزمه ذلك والطلاق مع
الخلع تطليقتين إذا كان ذلك في فور واحد فإن
لم يكن لم يلحقها طلاق والخلع جائز عند
السلطان وعند غير السلطان ولا يلحق المختلعة
طلاق ولو طلقت في عدتها ولا نفقة لها إلا أن
تكون حاملا ولها السكنى حاملا كانت أو غير
حامل وجائز لمن طلق طلاقا بائنا أو طلاق خلع
أن يتزوج خامسة سواها في عدتها ويتزوج أختها
وعمتها
(2/593)
وخالتها إن شاء
في عدتها لأن حكمها حكم الأجنبيات لا ترثه ولا
يرثها ولا يلزمها طلاقه ولا ظهاره وكل من جاز
طلاقه جاز خلعه وأما المرأة فلا يجوز خلعها
إلا أن تكون مالكة أمرها والوكالة في الخلع
جائزة والخلع بصفة وإلى أجل جائز والخلع جائز
عند مالك على ثمرة لم يبد صلاحها أو على جمل
شارد أو عبد آبق أو نحو ذلك من وجوه الغرر
بخلاف البيوع والنكاح وله المطالبة بذلك كله
فإن سلم كان له وإن لم يسلم فلا شيء له عليها
وقد قيل إنه إن لم يسلم وعدم ذلك ففيها
روايتان إحداهما له الوسط من ذلك أو قيمته
والأخرى له مهر مثلها والأول قول مالك ولو
خالعها على عبد فاستحق من يده رجع عليها
بقيمته وكذلك لو خرج حرا رجع بقيمته عليها لو
كان عبدا هذا اختيار ابن القاسم وقال غيره من
أصحاب مالك لا يرجع عليها بشيء ولو خالعها على
عبد آبق على أن يعطيا من عنده مالا لم يجز لأن
الغرر لا يجوز في البيوع وهذا بيع ويقضي عليها
برد المال عليه الذي أخذت منه ويكون لها في
العبد بقدر المال الذي ردته ويكون للزوج باقيه
ولو هلك العبد كان هلاكه منها وردت عليه ما
أخذت منه وإذا أقر الرجل أنه خالع امرأته على
مال فانكرته كان القول قولها مع يمينها في
المال ولزمه الطلاق إلا أن يذكر أنه اشترط
عليها أنها إن دفعت المال إليه فهي طالق
وأنكرت ذلك فلا يلزمه الطلاق ولا يكون له مال
ولو قال رجل لآخر طلق امرأتك على ألف
(2/594)
درهم ففعل لزمه
دفع الألف إليه ولو اختلعت منه بنفقة العدة
وسكناها جاز إذا كان ذلك على كراء المسكن وإن
كان على الخروج من منزله لم يجز ومضى الخلع
ونفذ ولم تخرج ولو اختلعت منه برضاع ابنها منه
حولين جاز وفي الخلع بنفقتها على الذين بعد
الحولين مدة معلومة قولان احدهما يجوز والثاني
لا يجوز ومن أجاز الخلع على الجمل الشارد
والعبد الأبق ونحو ذلك من الغرر لزمه أن يجيز
هذا ومن اشترط على امرأته في الخلع نفقة حملها
وهي لا شيء لها فعليه النفقة إذا لم يكن لها
ما تنفق وإن أيسرت بعد ذلك اتبعها بما أنفق
وأخذه منها قال مالك ومن الحق يكلف الرجل
بنفقة ولده وإن اشترط على أمه نفقته إذا لم
يكن لها ما تنفق عليه ومن صالح امرأته على
رضاع ابنه فماتت كان له أن يأخذ نفقة رضاعه من
ميراثها فإن مات الصبي بعد سنة قال مالك فلم
تر أحدا يتبع بمثل هذا ولو اتبعه كان له في
ذلك قول قال ابن عبد الحكم قد قيل أن ذلك ليس
عليه وهو بمنزلة من صالح امرأته على نفقة
الحمل ورضاعه فأسقطته فلا تتبع بشيء من ذلك
قال وكذلك الرجل يبتاع الوصيف بخمسة دنانير
على أن البائع كفله فمات الصبي فليس عليه شيء
وليس هذا إذا حقق تبايعا ولو اشترط عليها في
الخلع الرجعة كان الشرط باطلا وقد قيل أن ذلك
له ويكون طلاقا رجعيا ويرد ما أخذ وكل ذلك قول
مالك والخلع من المريض جائز لأنه آخذ وإن مات
ورثته امرأته لأنه طلاق في مرض وإن خالعته وهي
مريضة على مال أعطته وماتت لم يرثها لأنه صحيح
والطلاق بيده
(2/595)
وإن ماتت كان
له الأقل مما أعطته ومن الميراث وقد قيل إن
خلع المريض لا يجوز إلا بصداق مثلها فأقل وما
زاد فهي وصية والأول قول مالك
(2/596)
باب الحكمين
إذا ساء ما بين الزوجين وتفاقم أمرهما وتكرر
شكواهما ولا بينة مع واحد منهما ولم يقدر على
الاصلاح بينهما بعث الإمام أو القاضي أو
الحاكم إن ارتفعا إليه حكمين حكما من أهل
الرجل وحكما من أهل المرأة من أهل العدالة
وحسن النظر والبصر بالفقة فإن لم يكن في
أهلهما من هذه حاله بعث الإمام من غير أهلهما
عدلين عالمين ولا يبعث من غير أهلهما حتى يعدم
ذلك في أهلهما وهذا إذا لم يدر ممن الإساءة
منهما ولم يوقف على حقيقة أمرهما وأما أن عرف
الظالم منهما فإنه يؤخذ منه الحق لصاحبه ويجبر
على إزالة الضرر وإذا بعث الإمام الحكمين
وأمرهما بالإصلاح فإن عليهما أن يسعيا في
الإصلاح جهدهما فإن لم يستطيعا كان عليهما ان
رأيا أن يفرقا فرقا وإن رأيا أن يجمعا جمعا
وتفريقهما جائز على الزوجين وسواء وافق حكم
قاضي البلد أو خالفه وكلهما الزوجان أو لم
يوكلاهما والفراق في ذلك طلاق بائن وللزوجين
أن يبعثا الحكمين دون السلطان فإن كان الظلم
من الزوج فرقا بغير شيء وليس لهما أن يأخذا من
الزوجة شيئا على أن يطلقها
(2/596)
وقد قيل ذلك
جائز وإن كان الظلم منها أخذا منها ما رأياه
وكان خلعا وفرقا بينهما والتطليقة بائنة في
ذلك على كل حال سواء أخذا له منها شيئا أم لا
وليس لهما الفراق بأكثر من واحدة وقد قيل
إنهما إن اجتمعا على الفرقة بثلاث لزمه والأول
تحصيل مذهب مالك ولو جعل الزوج إلى الحكمين أن
يفرق بثلاث لزمه ولو حكم أحدهما بالتفرقة ولم
يحكم به الآخر أو حكم أحدهما بمال وأبي الآخر
لم يلزم من ذلك شيء إلا ما اجتمعا عليه وكذلك
كل حكمين حكما في أمر ما وأما الرسولان
بالطلاق فبخلاف ذلك لأنه إذا بلغه أحدهما كان
لازما وكان يحيى بن يحيى يفتي في الحال التي
يحتاج فيها إلى ارسال الحكمين بدار أمين وجرى
العمل بذلك عندنا
(2/597)
باب الإيلاء
يلزم الإيلاء كل من جاز طلاقة من حر وعبد
والسكران يلزمه الإيلاء وكذلك السفيه والمولى
عليه إذا كان بالغا غير مجنون وكذلك الخصي إذا
لم يكن مجبوبا والشيخ إذا كان فيه بقية نشاط
وإيلاء الأخرس بما يفهم عنه من كتاب أو إشارة
مفهومة لازم له وكذلك الإعجمي إذا آلا بلسانه
والإيلاء أن يحلف بالله أو باسم من أسماء الله
أو صفة من صفاته أن لا يطأ امرأته والآلية
اليمين وكل يمين يمنع الوفاء بها من الجماع
بكل حال ولا يقدر صاحبها
(2/597)
على جماع
امرأته من أجلها إلا بأن يحنث فهو بها مول إذا
كانت يمينه على أكثر من أربعة أشهر وكانت مما
يلزمه الحنث فيها بالوطء وكل يمين يلزم المسلم
الوفاء بها كالعتق والطلاق والصدقة فالحالف
بها أن لا يطأ امرأته مول وكل يمين يمنع من
الجماع في حال ولا يمنع منه في حال لم يكن
الحالف بها موليا وكذلك من حلف أن لا يطأ في
دار بعينها وهو ساكن معها فيها فإن شكت منه
امرأته إلى الحاكم أمره أن يخرج من تلك الدار
أو يجامعها ويحنث نفسه ويكفر ولا يترك على ترك
جماعها وإذا حلف أن لا يطأها في مصره أو بلده
فهو مول ومن آلى بمكني من اللفظ يمنع الجماع
كان موليا إن أراد الجماع ومن كانت يمينه أن
لا يطأ امرأته مدة تكون من أربعة أشهر ولو
بيوم فما زاد أو أطلق اليمين من غير مدة فهو
مول يلزمه حكم الإيلاء إن طالبته امرأته وإن
كانت المدة التي حلف وإن كان حالفا في اللغة
ولكنه إن وطئها قبل الأجل حنث في يمينه ولزمه
كفارتها هذا حكم الحر وأما العبد فايلاؤه
شهران في الحرة والأمة والإيلاء من كل زوجة
حرة أو مملوكة مسلمة أو ذمية ولا إيلاء في
الإماء فإن حلف أن لا يطأ امرأته مدة أكثر من
أربعة أشهر فانقضت الأربعة الأشهر ولم تطالبا
امرأته ولا رافعته إلى السلطان لتوقفه لم
يلزمه شيء عند مالك وأصحابه وأكثر أهل المدينة
ومن علماء أهل المدينة من يقول إنه يلزمه
بالأربعة الأشهر طلقة واحدة رجعية ومنهم ومن
غيرهم من يقول إنه يلزمه
(2/598)
طلقة بائنة
بانقضاء الأربعة الأشهر والصحيح عندنا ما ذهب
إليه مالك وأصحابه وذلك أن المولي لا يلزمه
طلاق حتى يوقفه السلطان لمطالبة زوجته له
ليفيء فيراجع امرأته بالوطء ويكفر يمينه أو
يطلق ولا يتركه السلطان حتى يفيء أو يطلق
والفيء الجماع في من تمكن مجامعتها وهذا إذا
كانت المرأة بالغة أو مثلها يوطأ ولها الخيار
في مخاصمته وتركه ولا يضرها سكوتها إذا قامت
في مدة الإيلاء وأجل المولي من يوم حلف لامن
يوم تخاصمه امرأته أو ترافعه إلى الحاكم فإن
خاصمته ولم ترض بامتناعه من الوطء ضرب له
الحاكم أربع أشهر من يوم حلف لا من يوم تخاصمه
فإن وطيء فقد فاء إلى حق الزوجة وكفر عن يمينه
وإن لم يفيء طلق عليه وطلاقه رجعي فإن حل أجل
المولى وهو مريض أو غائب أو مجنون وقف في
موضعه فإما كفر عن يمينه إذا قدر على الكفارة
وإلا طلق عليه وقد قيل في المريض إذا فاء
بلسانه وإن لم يكفر انه لا يطلق عليه حتى يصح
فإن صح إما فاء وإما طلق عليه ولو طلق على
المريض ومات من مرضه ورثته امرأته واختلف قول
مالك متى تكون فيئة المولي ومتى تطلق عليه
فقال مرة ذلك في الأربعة الأشهر فإن انفضت ولم
يفيء طلق عليه الحاكم ولم يأمره بالفيئة ومرة
قال الأربعة الأشهر توسعة والإيقاف بعدها وهذا
الأشهر وهو الصواب إن شاء الله وإذا وفق بعدها
فقال أنا أفيء فإن ظهر منه لدد وتسويف قال له
الحاكم إن مسستها إلى يوم كذا وإلا طلقت عليك
فإن لم يفعل لأيام يضربها له اجلا فرق بينهما
بتطليقه وإن وافى أجل المولي حيض
(2/599)
المرأة طلق
عليه وهي حائض وقد قيل ينتظر طهرها فإن ادعت
المرأة انقضاء الأربعة الأشهر وأنكر الرجل
فالقول قوله مع يمينه لأنه لا يوفق إلا بعد
انقضائها ولا يكون الفيء إلا بالجماع المعهود
فإن وفق المولي فطلق أو طلق عليه الحاكم ثم
راجع في العدة وحقق الرجعة بالمسيس فهي امرأته
وسقط إيلاؤه وإن لم يمسها حتى انقضت عدتها وهو
قادر على مسيسها لا يمنعه من ذلك عذر مرض أتو
سجن أو شبه ذلك فقد بانت منه امرأته عند مالك
بانقضاء عدتها إذا لم يحقق رجعتها بوطئه ولا
سبيل له إليها إلا بنكاح جديد فإن كان له عذر
فارتجاعه لها صحيح وهي امرأته ولو طلق على
المولي فلم يراجعها حتى انقضت عدتها ثم نكحها
رجع عليه الإيلاء فإن لم يمسها وطالبته وقف
لها أيضا فإن فاء بجماعه إياها أو بتفكير
يمينه فحسبه وإن طلق عليه فهي طلقة بائنة لأنه
لم يمس بعد المراجعة ولو راجعها فانقضت
الأربعة الأشهر قبل أن تنقضي عدتها لم يكن لها
أن توقفه إلا أنه إن لم يطأ حتى تنقضي بانت
منه لأنه لا تصح رجعة المولي إلا بالوطء قبل
انقضاء العدة ولو آلا من ارمرأته ثم طلقها
طلقة رجعية كان لها أن ترفعه إلى السلطان في
عدتها فإن طلقها كانت طلقتين وإن انقضت العدة
قبل الأربعة الأشهر بطل الإيلاء لأنها ليست
بزوجة ولا يلزمه بانقضاء الأربعة الأشهر شيء
وإذا آلا الرجل من امرأته ثم طلقها واحدة أو
اثنتين ثم راجعها رجع عليه الإيلاء ولو طلقها
ثلاثا ثم رجعت إليه لم يرجع عليه الإيلاء وقد
قيل يرجع عليه ومن كانت له امرأتان فحلف بطلاق
إحداهما أن لا يطأ الأخرى فماتت المحلوف
بطلاقها
(2/600)
سقط عنه
الإيلاء ولو حلف لكل واحدة منهما بطلاق الأخرى
أن لا يطأها فهو بذلك مول منهما وإن رافعته
واحدة منهما إلى الحاكم ضرب له أجل أربعة أشهر
من يوم رافعته وإن رافعتاه جميعا ضرب له فيهما
أجل الإيلاء من يوم رافعتاه ثم يوقف عند
انقضاء الأجل فإن فاء في واحدة حنث في الأخرى
وإن لم يفيء في واحدة منهما طلقتا عليه جميعا
وإنما صار الأجل في هذا الوجه من يوم يرفع إلى
الحاكم لا من يوم حلف لأنه في الإيلاء المطلق
إذا وطيء حنث وسقط الإيلاء وفي هذا الوجه إذا
قال أنت طالق إن لم أفعل كذا وكذا فلا يسقط
يمينه في الوطء إذا لم يفعل ما حلف عليه ومن
حلف بالطلاق أن لا يفعل شيئا ذكره فلا إيلاء
لأنه لم يمنعه يمينه من وطء زوجته فهو بخلاف
من حلف بالطلاق ليفعلن وإن لم يفعل على ما
ذكرت لك ولو حلف بعتق عبده أن لا يطأ امرأته
فمات العبد سقط الإيلاء وكذلك لو باعه سقط
الإيلاء أيضا عنه ولو اشتراه بعد أو وهب له
فقبله عاد الإيلاء ولو ورثه لم يعد الإيلاء
عليه ولو حلف بعتق رقبة أو عتق عبد فطلق
فاشترى عبدا فأعتقه لم يسقط الإيلاء عنه عند
مالك قال ابن القاسم يسقط الإيلاء عنه قياسا
على جواز تقديم كفارة اليمين بالله عز وجل قبل
الحنث وقيل في اليمين بالله عز وجل أن الإيلاء
لا يسقط عنه بالكفارة إلا أن تكون يمينه في
شيء بعينه مثل عتق رقبة بعينها أو طلاق امرأة
أخرى له بعينها فيسقط وإذا آلا الرجل من
امرأته ثم طلقها واحدة أو اثنتين ثم راجعها
رجع عليه الإيلاء ولو طلقها ثلاثا ثم رجعت
إليه لم يرجع عليه الإيلاء
(2/601)
وقد قيل يرجع
عليه ولو رضي الذمي في الإيلاء بحكمنا حكمنا
عليه بذلك وللجميع تربص أربعة أشهر وإن ادعت
المرأة مضيها وأنكر الرجل فالقول قوله مع
يمينه لأنه لا يوقف إلا بعد انقضائها وإذا آلى
الرجل من نسوة ثلاث أو أربع بيمين واحدة فهو
مول منهن كلهن يوقف لمن طالبته منهن فإن وطيء
واحدة منهن حنث وانحلت اليمين وبقي عليه حكم
الإيلاء في رفع الضرر عن الزوجات الباقيات في
إيقاع الوطء فإن لم يطأ وأبى فرق بينه وبين من
لم يطأ منهن وأقر عنده منهن من لم تطالبه وإن
ماتت منهن واحدة أو طلقها فهو مول من البواقي
وكفارة واحدة تجزئه في حنثه عن جميعهن وقد قيل
عن كل واحدة كفارة والأول قول ابن القاسم
وروايته والفيء الجماع المعهود إن قدر عليه
فإن لم يقدر عليه بعذر مقبول من مرض مانع أو
حبس أو عجز لكبر لا يمكنه الوطء إلى الجماع
معه فاء بلسانه فإذا أمكنه الجماع فاء وإلا
طلق عليه وإذا صح عذر ولم يكن لامرأته مطالبته
وأدنى ما يجزيء من الفيء أن تغيب الحشفة في
القبل إن كانت ثيبا والافتضاض إن كانت بكرا
ولو قال قد أصبتها وأنكرت ذلك فالقول قوله إن
كانت ثيبا مع يمينه وقولها إن كانت بكرا ولو
أصابها في وقت أو حال لا يجوز له أن يصيبها
فيه اثم وخرج من الإيلاء وقد قيل لا يخرج منه
إلا بوطء غير محظور ومن امتنع من وطء امرأته
بغير يمين حلفها اضرارا بها أمر بوطئها فإن
أبى فأقام على امتناعه مضرا بها فرق بينه
وبينها بغير أجل وقد قيل يضرب له أجل الإيلاء
وقد قيل لا يدخل على الرجل
(2/602)
إيلاء في هجرته
زوجته وإن أقام سنين لا يغشاها ولكنه يؤمر
بتقوى الله في أن لا يمسكها ضرارا وإذا طال
المسافر الغيبة عامدا للضرر أمر بالقدوم على
امرأته فإن أبى فرق الحاكم بينهما لأن العلة
عدم الوطء فسواء وجد ذلك بيمين أو بغير يمين
كما يطلق على المولي وعلى المعسر بالنفقة
والعنين ومن حلف أن لا يطأ امرأته حتى تفطم
ولدها ليلا يغيل ولدها ولم يرد ضررا حتى أمد
الرضاع لم يكن لزوجته عند مالك مطالبته في ذلك
وكذلك المريض الذي يكون الوطء مضرا به فيولي
لذلك من امرأته وكذلك من عن بعد إصابته أهله
لا إيلاء عليه
(2/603)
باب الظهار
الظهار من كل زوج يجوز طلاقه لازم له في كل
زوجة وكذلك عند مالك من يجوز له وطئها من
أمائه إذا ظاهر منهن لزمه الظهار فيهن وبظهار
السكران يلزمه وكذلك الأخرس بما يفهم عنه
وظهار المولى عليه يلزمه إذا كان بالغا غير
مجنون والظهار أن يقول الزوج أنت علي كظهر أمي
هذا أصل الظهار وإنما ذكر الله الظهر والله
أعلم كناية عن البطن وسرا فان قال أنت علي
كامي ولم يذكر الظهر أو قال أنت علي مثل أمي
فإن أراد الظهار فله نيته وان اراد الطلاق كان
مطلقا البتة عند مالك وان لم تكن له نية في
طلاق ولا ظهار كان مظاهرا ولا ينصرف صريح
الظهار إلى الطلاق كما لا ينصرف
(2/603)
صريح الطلاق
وكنايته المعروفة له إلى الظهار وكناية الظهار
خاصة تنصرف بالنية إلى الطلاق البت والظهار
والظهار بذوات المحارم مثل الظهار بالام وكذلك
عند مالك إذا قال كظهر أبي أو غلامي أو كظهر
زيد أو كظهر أجنبية لا يحل له وطئها في حين
يمينه وفي الأجنبية اختلاف عند مالك وأصحابه
منهم من لا يرى الظهار إلا بذوات المحارم خاصة
ولا يرى الظهار بغيرهن ومنهم من لا يجعله شيئا
ومنهم من يجعله في الأجنبية طلاقا والأول قول
مالك وقد روي عنه نصا ان الظهار بغير ذوات
المحارم ليس بشيء والمجتمع عليه في الظهار قول
الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي وهو قول
المنكر والزور الذي عنى الله بقوله
{وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ
الْقَوْلِ وَزُوراً} المجادلة2فمن قال هذا
القول حرم عليه وطء امرأته فان عاد لما قاله
لزمته كفارة الظهار لقوله عز وجل {وَالَّذِينَ
يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ
يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ} المجادلة الآية3وهذا يدل على أن
كفارة الظهار لا تلزم بالقول خاصة حتى ينضم
إليه العود والعود عند مالك العزم على امساكها
بعد التظاهر منها وقد روي عنه أنه العزم على
وطئها وقيل العود الوطء نفسه وقيل إذا أتبعها
طلاقا بعد قوله أنت علي كظهر أمي لزمته
الكفارة والأول تحصيل المذهب والظهار عند مالك
من الأمة كالظهار من الزوجة وكذلك هو من أم
الولد وكل
(2/604)
من يحل وطئها
ولا يلزم الظهار في المعتقة إلى أجل ولا في
المكاتبة ومن ظاهر من زوجته أو أمته فماتت
الزوجة أو طلقها أو ماتت الأمة أو باعها قبل
أن يكفر فلا كفارة عليه في واحدة منهن حتى
ترجع إليه بنكاح أو بشراء أو غير ذلك من وجوه
الملك فإذا رجعت إليه لم يطأها حتى يكفر وسواء
كان طلاقه للزوجة واحدة أو ثلاثا ولو تظاهر من
عضو من امرأته أو جزء منهما كان مظاهرا ولو
حلف بالظهار ان فعل كذا وكذا لاشياء مختلفة ثم
حنث في واحدة منها لم يطأها حتى يكفر ثم إن
حنث في غيرها فلا كفارة عليه ولو تظاهر من
أربع نسوة بكلمة واحدة كقوله لهن انتن علي
كظهر أمي كان مظاهرا منهن وفي كل واحدة منهن
كفارة وان قال لاربع نسوة ان تزوجتكن فانتن
علي كظهر أمي فتزوج إحداهن لم يقربها حتى يكفر
ثم سقط عنه اليمين في سائرهن وقد قيل لا يطأ
البواقي منهن حتى يكفر والأول هو المذهب ولو
قال كلما تزوجت امرأة فالمرأة التي تزوجتها
علي كظهر أمي لزمه كلما تزوج كفارة بعد كفارة
بخلاف قوله كل امرأة اتزوجها علي كظهر أمي لأن
هاهنا تجزئه كفارة واحدة ولو قال لامرأته أنت
علي كظهر أمي وأنت طالق البتة لزمه الطلاق
والظهار معا ولم يكفر حتى ينكحها بعد زوج ولا
يطأها إذا نكحها حتى يكفر ولو قال لامرأته أنت
طالق البتة وأنت علي كظهر أمي لزمه الطلاق ولم
يلزمه الظهار لأن المبتوتة لا يلحقها الظهار
ولو قال لاجنبية أنت طالق ان تزوجتك وأنت علي
كظهر أمي ان تزوجتك وأنت طالق فكلاهما سواء
ويلزمه الطلاق والظهار معا إذا تزوجها
(2/605)
وتحرم عليه
بالطلاق وإذا نكحها بعد ذلك لم يطأها حتى يكفر
وان قال كل امرأة اتزوجها فهي علي كظهر أمي
لزمه عند مالك الظهار بخلاف الطلاق لأن تحريم
الظهار ينحل بالكفارة وتحريم الطلاق لا ينحل
بكفارة وتجزئة كفارة واحدة ومن قال أنت علي
كظهر أمي إن لم أفعل كذا فلا يطأ حتى يفعل كذا
وإن قال أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا فلا
يمتنع من وطء زوجته أبدا حتى يفعل ذلك إلا أنه
اختلف عن مالك في من قال لامرأته أنت علي كظهر
أمي إن وطئتك فروي عنه أنه لا تلزمه كفارة ولا
يجوز له أن يكفر حتى يطأ ويحنث وهو الصحيح
وروي عنه أنه إذا أجمع على الوطء كفر قبل أن
يطأ وليس بشيء ولا يقرب المظاهر امرأته ولا
يباشرها ولا يتلذذ منها بشيء حتى يكفر فان
وطئها قبل أن يكفر استغفر الله وأمسك عنها حتى
يكفر كفارة واحدة
(2/606)
باب كفارة الظهار
قد ذكرنا ما يوجب الكفارة على المظاهر من
القول ثم العود والكفارة عتق رقبة ليس فيها
عيب مفسد ولا زمانه تمنع من العمل والاكتساب
ولا شعبة من الحرية ولا مدبرة ولا أم ولد ولا
مكاتبة ولا معتقة إلى أجل ولا مخدمة ولا تكون
ممن يعتق عليه بالملك من قرابته ولا ممن تشتري
بشرط العتق لأنه قد يهضم له من ثمنها فيكون
بائعا كالشريك له فيها ولا يجزيء
(2/606)
المرضع ومن صام
وصلى افضل إن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن
مرض فيهما ثم صح بنى فان فرط بعد صحته أبتدأ
وكذلك لو أفطر ناسيا أو بعذر أو اجتهاد بنى ما
لم يؤخر البناء فإن أخره ابتدأ الشهرين
متتابعين فإن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا
هكذا على الترتيب لا سبيل إلى الصيام إلا عند
العجز عن الرقبة وكذلك لا سبيل إلى الإطعام
إلا عند عدم الاستطاعة على الصيام فمن لم يطق
الصيام وجب عليه إطعام ستين مسكينا لكل مسكين
مد النبي عليه السلام وان أطعم مدا بمد هشام
وهو مدان إلا ثلثا أو أطعم مدا ونصفا بمد
النبي صلى الله عليه وسلم أجزأه وأفضل ذلك
مدان بمد النبي عليه السلام لان الله عز وجل
لم يقل في كفارة الظهار من أوسط فواجب قصد
الشبع ومن ظاهر من امته واجد لرقبتها فيعتقها
عن حنثه فيها إن كان راغبا في وطئها ثم يخطبها
الى نفسها فإن رضيت به تزوجها ومن تظاهر من أم
ولده وأراد وطئها ولا مال له غيرها فهو من أهل
الصيام أو الإطعام ولا يجزيء عتق أم الولد عن
كفارة منها ولا من غيرها وكل نوع من كارة
الظهار قبل المسيس كما قال الله تعالى من قبل
ان يتماسا المجادلة وليس سكوته في الاطعام عن
ذكر المسيس يبيح له ذلك لأنه محمول على ما
قبله ولو وطئها في تضاعيف إطعامه أو صيامه
ليلا أو نهارا قبل أن يكمل الصيام أو يتم
الاطعام بطل ما مضى من صيامه أو إطعامه ووجب
عليه ابتداء الكفارة وله أن يطأ
(2/607)
غيرها من نسائه
في ليالي صومه لكفارته ولو وطيء المظاهر
امرأته قبل أن يكفر لم يكن عليه بعد ذلك إلا
كفارة واحدة ولا يطأ بعد ذلك حتى يكفر ومن
تطاول مرضه طولا لا يرجى برؤه كان بمنزلة
العاجز من كبر وجاز له العدول عن الصيام إلى
الإطعام ولو كان مرضه فيما يرجى برؤه ومن
اشتدت حاجته إلى وطء امرأته كان الاختيار له
أن ينتظر البرء حتى يقدر على الصيام ولو كفر
بالاطعام ولم ينتظر القدرة على الصيام أجزأه
ومن تظاهر وهو معسر ثم أيسر لم يجزه الصيام
وان تظاهر وهو موسر ثم أعسر قبل أن يكفر صام
وإنما ينظر حاله يوم يكفر ولو جامعها في عدمه
وعسره فلم يصم حتى أيسر لزمه العتق ولو ابتدأ
بالصوم ثم أيسر فإن كان مضى من صومه صالح نحو
الجمعة وشبهها تمادى وان كان اليوم واليومين
ونحوهما ترك الصوم وعاد إلى العتق وليس ذلك
بواجب عليه ألا ترى أنه غير واجب على من طرأ
عليه الماء وهو قد دخل بالتيمم في الصلاة أن
يقطع ويبتدئ الطهارة بالماء عند مالك ولو أعتق
رقبتين عن كفارتي ظهار وقتل أو فطر في رمضان
وأشرك بينهما في كل واحدة منهما لم يجزه وهو
بمنزلة من أعتق رقبة واحدة عن كفارتين وكذلك
لو صام عنهما أربعة اشهر حتى يصوم عن كل واحدة
شهرين وقد قيل ان ذلك يجزئه ولو ظاهر من
امرأتين فاعتق رقبة عن احداهما بغير عينها لم
يجز له وطء واحدة منهما حتى يكفر الكفارة
الأخرى ولو عين كفارة عن إحداهما جاز له أن
يطأها قبل أن يكفر عن الأخرى ولو ظاهر من أربع
نسوة
(2/608)
فاعتق عنهن
ثلاث رقبات وصام شهرين لم يجزه العتق ولا
الصيام لأنه إنما اعتق عن كل واحدة ثلاثة
أرباع رقبة وصام عن كل واحدة خمسة عشر يوما
فإن كفر عنهن بالاطعام جاز له أن يطعم عنهن
مائتي مسكين وأربعين مسكينا وان لم يقدر بخلاف
العتق والصيام لأن صيام الشهرين لا يفرق
والإطعام يفرق وظهار العبد كظهار الحر وكفارته
ككفارته غير أنه لا يصح منه التكفير بالعتق
وسواء اذن له في ذلك سيده أو لم يأذن له
وليكفر بالصيام فإن عجز عنه كفر بالإطعام أن
أذن له سيده وإن منعه منه انتظر القدرة على
الصوم وليس لسيده أن يمنعه من الصوم وقد قيل
أن له منعه من الصوم اذا خاف أن يضعفه ذلك عن
خدمته وعمله فإن منعه من الصوم أطعم عنه ستين
مسكينا وبالله التوفيق
(2/609)
باب اللعان
كل من جاز طلاقه وظهاره جاز لعانه ولا لعان
بين الحر المسلم والزوجة الأمة أو الذمية بنفس
الزنى ومجرد القذف لأنه ليس على من قذف أمة أو
ذمية حد إلا أنه يؤدب ويزجر فإن استبرأ الزوج
الأمة أو الذمية بحيضة فما فوقها وظهر منها
بعد ذلك حمل فانكره لاعنها لنفي الولد ولا
يلاعن واحدة منهما إلا لنفي ولدها وقد قيل أن
اللعان بينهما كهو بين الحرين المسلمين إلا
أنه لا حد على من قذف أمة أو ذمية واللعان بين
(2/609)
كل زوجين
مسلمين عدلين كانا أو فاسقين لأنها عندنا
أيمان لا شهادات وتلتعن النصرانية من زوجها
المسلم في الموضع الذي تعظمه من كنيستها بمثل
ما تلتعن به المسلمة فان التعن زوجها وأبت هي
من اللعان انتفى عنه الحمل وكانت زوجته بحالها
وان قذف الزوجة الأمة والذمية بأنه رآهما
تزنيان وادعى ذلك فلا حد عليه ولا لعان إلا أن
يخاف حملا وهما زوجتاه فإن خاف حملا لاعنهما
وقد رأى بعض أهل العلم تعزيره أدبا إذا قذفهما
أو واحدة منهما ولا لعان بين الرجل وبين أمته
ولا بينه وبين أم ولده وقد قيل لا ينتفي ولد
الأمة عنه إلا بيمين واحدة بخلاف اللعان وقد
قيل إنه اذا نفى ولد أم الولد لاعن والأول
تحصيل مذهب مالك وهو الصواب وإنما يجب اللعان
بين الزوجين الحرين المسلمين عند مالك بأحد
أمرين إما استراء رحم لا وطء بعده حتى يظهر
حمل فينكره فإن أكره لاعنها للحمل ولم ينتظر
وضعه أو رؤية زنى يصفه كما يصف الشهود ثم لا
يطأ بعده فبهذين أو باحدهما يجب اللعان في
تحصيل مذهب مالك وأقل الاستبراء في ذلك حيضة
واحدة وقد روي عن مالك ان الحر المسلم يلاعن
الحرة المسلمة بالقذف المجرد وهو قول أكثر
الفقهاء والأول تحصيل مذهبه فان نفى حملها ولم
يدع استبراء فلمالك فيها قولان أحدهما أنه
يلاعنها والآخر أنه يحد ويلحق به الولد ولا
يلاعن وإذا لاعنها برؤية زنى ثم أتت بولد فقد
اختلف قوله في لحوق الولد وسقوطه واللعان بين
العبد والحرة كهو بين الحر والحرة وإذا عقد
الرجل نكاح امرأة ولم يبن بها حتى ظهر بها حمل
وادعت
(2/610)
أنه منه وأنكره
لاعنها إذا أمكن أن يكون منه وكان لها نصف
الصداق وإذا قال لها رأيتك تزني قبل أن أتزوجك
فإنه يحد ولا يلاعن فإن نفى حملها ولم يكن دخل
بها والتعن وأبت هي من اللعان ضربت مائة جلدة
كما لو صدقته وتقر تحته كما كانت وتبرأ من
الحمل ولكنه لا يقربها حتى تضع وإذا طلق الرجل
امرأته ثلاثا فزعم أنه رآها تزني في عدتها فله
أن يلاعنها لأنه يخاف أن تأتي بحمل من ذلك
الزنى فيلحق به ولو طلقها حاملا وهو مقر
بحملها طلاقا باتا ثم زعم أنه رآها تزني حد
ولم يلاعن وإذا قال أنت طالق ثلاثا يا زانية
أو قال لها يا زانية أنت طالق ثلاثا نكل عند
مالك بحد عن الوجهين جميعا ولا لعان ولا
ملاعنة بين الزوجين بعد انقضاء العدة إلا في
مسألة واحدة وهي أن يكون الرجل عائبا فتأتي
امرأته بولد في مغيبة وهو لا يعلم فيطلقها
فتنقضى عدتها ثم يقوم فينفيه فله أن يلاعنها
هاهنا بعد العدة وكذلك لو قدم بعد وفاتها ونفى
الولد لاعن لنفيه وهي ميتة بعد مدة العدة
ويرثها لأنها ماتت قبل وقوع الفرقة بينهما ولو
نكح امرأة في عدتها فأتت بولد فأنكره فإن جاءت
به لستة أشهر وقبل حيضة فهو لاحق بالزوج الأول
إلا أن ينفيه باللعان فيلحق بالثاني ولا لعان
عليها معه لانه رده إلى فراش الثاني وقد قيل
أنها ان لم تحض في الستة الأشهر إنه لا يرجع
الى فراش الثاني وعليها الالتعان مع الأول فيه
فإن جاءت به لستة أشهر بعد حيضة فهو لاحق
بالثاني فإن أنكره لم ينفه بلعان ولا لعان
عليها معه فان التعن رجع الولد إلى فراش الأول
فإن نفاه الأول لاعنها وانتفى الولد منهما
جميعا فان استلحقه
(2/611)
بعد ذلك أحدهما
لحق به ولا حد على واحد منهما في ذلك وقد قيل
يحد الأول خاصة إذا استلحقه وسقوط الحد عنهما
أولى لأن كل واحد منهما رده إلى فراش صاحبه
وان جاءت به لدون ستة أشهر من يوم نكاحها
الثاني فلا مدخل له فيه ويلاعن الأول وحده
عليه
(2/612)
باب كيفية اللعان
كيفية اللعان أن يقول الحاكم للملاعن قل أشهد
بالله لرأيتها تزني ورأيت فرج الزاني في فرجها
كالمرود في المكحلة وما وطئتها بعد رؤيتي وإن
شاء قال لقد زنت وما وطئتها بعد زناها يردد ما
شاء من هذين اللفظين أربع مرات فان نكل عن هذه
الايمان أو عن شيء منها حد وان نفى حملها قال
أشهد بالله لقد استبرأتها وما وطئتها بعد وما
هذا الحمل مني ويشير إليه يحلف بذلك أربع مرات
ويقول في كل يمين منها واني لمن الصادقين في
قولي هذا عليها ثم يقول له في الخامسة قل علي
لعنة الله ان كنت من الكاذبين وإن شاء قال ان
كنت كاذبا فيما ذكرت عنها فإن فعل ذلك سقط عنه
الحد وانتفى عنه الولد وأما الفرقة فلا تقع
إلا بعد تمام تلاعنهما جميعا فإذا فرغ الرجل
من لعانه قامت المرأة بعده فحلفت بالله أربع
إيمان تقول فيها أشهد بالله أنك لكاذب أو أنه
لمن الكاذبين فيما ادعاه علي وذكره عني وان
كانت حاملا قالت وان حملي هذا منه
(2/612)
ثم تقول في
الخامسة وعلي غضب الله إن كان صادقا أو إن كان
من الصادقين في قوله ذلك وإن شاءت قالت أشهد
بالله ما زنيت تكرر ذلك اربع مرات ثم تقول في
الخامسة غضب الله عليها إن كان من الصادقين
فإن نكلت المرأة حدت إن لم يكن دخل بها وان
كان دخل بها رجمت ومن أوجب اللعان بالقذف قال
يقول في كل شهادة من الأربع شهادات أشهد بالله
أني لصادق فيما رميت به فلانة من الزنى ويقول
في الخامسة علي لعنة الله إن كنت كاذبا فيما
رميت به فلانه من الزنى وتقول المرأة أشهد
بالله أنه لكاذب فيما رماني به من الزنى أربع
مرات وتقول في الخامسة علي غضب الله إن كان
صادقا فيما رماني به من الزنى ويبدأ بالرجل
قبل المرأة على كل حال فإن نكلت المرأة حدت إن
لم يكن دخل بها فان دخل بها رجمت وكذلك لو
حصنها غيره ولو التعنت المرأة قبل الزوج ثم
التعن الزوج ثم فرق الإمام بينهما لم تقع
الفرقة حتى تقوم المراة فتلتعن بعد الرجل ولو
فرق الإمام بينهما بعد التعان الرجل قبل أن
تلتعن المرأة لم تقع بذلك فرقة لأن اللعان لم
يتم ومن قذف امرأته قبل تمام اللعان جلد الحد
كاملا
(2/613)
باب جامع أحكام اللعان
إذا عقد الرجل نكاح امرأة وأمكنه وطؤها بوجه
من
(2/613)
الوجوه ثم أتت
بولد لستة أشهر من يوم العقد إلى أقصى ما تلده
النساء وذلك خمس سنين عند مالك وطائفة من اهل
العلم بالمدينة ومنهم من يقول أربع سنين ومن
أصحاب مالك من يقول يلحق الولد إلى ست سنين
وإلى سبع سنين والأول تحصيل مذهبه وهو الصواب
إن شاء الله فإن جاءت به إلى خمس سنين لحق به
ولدها وسواء أقر بوطئها أو لم يقر ولا ينتفي
عنه ولده الا بلعان وإذا أتت المرأة بولد
فأنكر الزوج أن يكون ولدته وادعى أنها لقطته
فالقول قولها ولا تحتاج إلى بينه على ولادتها
بخلاف الأمة المملوكة فإن جاء الزوج ببينة
أنها لم تلده نفي عنه وإذا فرغ المتلاعنان من
تلاعنهما جميعا تفرقا وخرج كل واحد منهما على
باب من المسجد الجامع غير الباب الذي يخرج
عليه صاحبه ولو خرجا من باب واحد لم يضر ذلك
لعانهما ولا يكون اللعان إلا في مسجد جامع
بحضرة السلطان أو من يقوم مقامه من الحكام
وبتمام العان تقع الفرقة بين الملاعنين فلا
يجتمعان أبدا ولا يتوارثان ولا تحل له
مراجعتها أبدا لا قبل زوج ولا بعده فإن اكذب
نفسه بعد تمام اللعان بينهما جلد الحد ولحق به
الولد ولا سبيل له إليها ولا ميراث بينهما
سواء مات احدهما في العدة أو بعد انقضائها وان
أكذب نفسه قبل أن يتم التعان المرأة جلد الحد
ولحق به الوبد وبقيت زوجنه بحالها ومن مات
منهما قبل تمام التعانهما توارثا وفرقة
المتلاعنين فسخ بغير طلاق ولا يحتاج إلى إيقاع
الحاكم لها وإذا التعن الرجل وماتت المرأة قبل
أن تلتعن درأ الرجل بتلاعنه الحد عن نفسه وله
ميراثها ولو قذفها وماتت قبل أن
(2/614)
يلاعنها جلد
الحد ان لم يلاعن فإن التعن سقط عنه الحد
وورثها وإذا التعن الرجل ومات قبل أن تلتعن
المرأة فإن التعنت بعد موته فلا حد عليها ولا
ميراث لها وان نكلت عن اللعان فلها ميراثها
منه وعليه الحد وحدها إن كان قد ابتنى بها
الرجم وإن كان لم يبن بها ولم يكن لها زوج
قبله جلدت مائة وإذا قال الرجل رأيت زوجتي
تزني قيل له لاعنها ولم يسأل عن وطئه إياها
قبل رؤيته لها وإذا قال رأيتها تزني وقد
وطئتها بعد ذلك فعليه الحد والولد لا حق به
ولا سبيل له إلا اللعان وإذا لاعنها برؤية زنى
ثم أتت بولد فعن مالك في ذلك روايتان إحداهما
أنه يلزمه إذا لم ينفه بلعان في ذلك والأخرى
أنه يلاعن عليه أيضا ويسقط عنه وإذا ظهر بها
حمل فأقر به ثم أدعى أنه رآها تزني فقد اختلف
قول مالك في ذلك على ثلاثة أوجه احدها أنه
يلحق به الولد بعد أن يحد ولا لعان والآخر أنه
يلاعن وينفى عنه الولد الذي أقر به والثالث أن
يلحق به الولد لاقراره به ويسقط عنه الحد وهو
أصحها وإذا أقرت المرأة بالزنى الذي رماها به
وجاءت بولد فعن مالك فيه روايتان إحداهما أنه
يسقط الولد عنه بغير لعان والأخرى أنه لا يسقط
إلا باللعان ولو شهد أربعة على امرأة بالزنى
أحدهم زوجها حد الثلاثة ولاعن الزوج وإذا ذكر
الرجل ان امرأته اغتصبت نفسها وأقرت بذلك
وأنكر الزوج حملها انتفى عنه ولدها بغير لعان
فيما روى المصريون عن مالك أنه رجع إلى ذلك
وروى المدنيون عنه أنه لا ينتفي الولد
بإقرارهما بذلك حتى يلتعنا جميعا وتقول المرأة
في يمينها لقد اغتصبت وغلبت على
(2/615)
نفسي وما زنيت
مطاوعة فإذا كمل تلاعنهما فرق بينهما ولا حد
عليهما ويلحق الولد بها ولا يجتمعان أبدا ولو
أتت المراة بولد فقال ليس ابني وصدقته انتفى
عنه ويلحق الولد بها ولا حد عليها ولا لعان
وقد قيل إنه لا ينتفي عنه إلا بلعان وكل من
أقر بولده أو بحمل امرأته لم ينتف عنه أبدا
وإن نفاه جلد الحد وان علم به ولم ينفه ووطيء
بعد علمه لم يكن له نفيه وكذلك ان سكت بعد
علمه به أقل من مدة يمكنه نفيه فيها لم يكن له
نفيه بعد وان نفاه بعد ذلك جلد الحد ولم ينتف
عنه ولو قذف امرأته ثم جامعها جلد الحد ولم
يلاعن وإذا ولدت المرأة اثنين فأقر الزوج
باحدهما ونفى الآخر لحقا به جميعا وسقط قوله
وان نفاهما جميعا لان واحدا وسقطا عنه جميعا
ولو رمى امرأته برجل بعينه فطلب الرجل حقه في
ذلك جلد له الزوج ولاعن امرأته
(2/616)
باب متعة المطلقة
لكل مطلقة متعة إلا ثلاث نسوة الملاعنة
والمختلعة والتي طلقت قبل أن تمس وقد فرض لها
فحسبها نصف الصداق والمدخول بها وغير المدخول
بها في ذلك سواء والحر والعبد عند مالك سواء
والزوجات المسلمات والذميات في ذلك سواء إلا
(2/616)
من ذكرنا منهن
ولا حد في المتعة إلا أن الموسر فيها بقدره
والمعسر بقدره وهي موكولة إليه يعطي فيها ما
طابت به نفسه من غير حكم يلزمه وهي مستحبة
يؤمر الملطق بها ولا يجبر عليها ولكنه يندب
إليها وهي من أخلاق المحسنين المتقين والسلطان
هو الذي يأمر بها ويحض عليها هذا كله قول مالك
وأصحابه
(2/617)
باب الرجعة وحكمها وحكم المطلقة طلاق السنة
إذا طلق الرجل امرأته الطلاق الذي أذن الله له
فيه فله مراجعتها ما دامت في عدتها وإن كرهت
دون صداق ولا ولي وعليه نفقتها وكسوتها حتى
تنقضي عدتها بثلاث حيض أو ثلاثة اشهر ولا رجعة
إلا لمطلق امرأة قد دخل بها ومسها ولم يبت
طلاقها وهو كل من طلق واحدة أو اثنتين وإذا
انقضت العدة سقطت الرجعة والاشهاد في الرجعة
واجب وجوب سنة يشهد ذوي عدل كما قال عز وجل
وتمام الرجعة الكلام ولو قال قد راجعتك ولم
يشهد كانت رجعة ويشهد فيما يستقبل ولو وطأ
امرأته التي قد طلقها يريد بوطئه مراجعتها كان
مراجعا ويشهد فيما يستقبل وان ينو بوطئه
مراجعتها لم تكن مراجعة عند مالك وقد قيل وطئه
مراجعة على كل حال نواها أو لم ينوها وروي ذلك
عن طائفة من أصحاب مالك وإليه ذهب الليث وكان
مالك يقول إذا وطيء ولم ينو الرجعة فهو وطء
(2/617)
فاسد ولا يعود
لوطئها حتى يستبرئها من مائه الفاسد وله
مراجعتها في بقية العدة الأولى وليس له عدة في
هذا الاستبراء ومن قبل أو باشر ينوي بذلك
الرجعة كانت رجعة وان لم ينو بالقبلة
والمباشرة الرجعة كان آثما وليس بمراجعة
والسنة أن يشهد قبل أن يطأ أو يباشر وكل رجعة
تصح بمجرد القول إلا رجعة المولى والمعسر
بالنفقة فإن رجعة المولى لا تصح عند مالك إلا
بالوطء ورجعة المعسر لا تصح إلا باليسار وكل
من جاز طلاقه جازت رجعته وللمطلقة التي يملك
زوجها رجعتها السكنى والنفقة ويتوارثان ما لم
تنقض العدة فإذا انقضت العدة وقعت البينونة
وسقطت الموارثة وما لم تنقض عدتها فإنه يلحقها
طلاقه وإيلاؤه وظهاره ولا يجوز له في عدتها أن
يتزوج خامسة سواها ولا أختها ولا عمتها ولا
خالتها وهي كالزوجة في أحكامها كلها إلا أنه
لا ينبغي له أن يمسها إلا أن ينوي بذلك رجعتها
ينبغي له أن لا ينظر إليها بنظرة لذة ولا يخلو
معها فإن خلا بها كره ذلك وقال مالك في
المطلقة الرجعية إذا منعت نفسها زوجها قبل أن
يشهد قد أصابت وله الرجعة ما لم تر أول الحيضة
الثالثة في الحرة والثانية في الأمة ومن ارتجع
امرأته في عدتها ثم طلقها قبل أن يمسها لم تكن
عليها عدة وتثبت على عدتها الأولى ومن ادعى
بعد انقضاء العدة أنه راجع امرأته في العدة لم
يقبل قوله إلا بالبينة فإن أقام بينة أنه
ارتجعها في العدة ولم تعلم المرأة بذلك لم
يضرها جهلها بذلك وكانت زوجته وان كانت قد
تزوجت ولم يدخل بها زوجها ثم أقام الأول
البينة على رجعتها فعن مالك في ذلك روايتان
إحداهما أن الأول
(2/618)
أحق بها
والأخرى أن الثاني أحق بها فإن كان الثاني قد
دخل بها فلا سبيل للأول إليها
(2/619)
باب العدة
لا عدة على مطلقة لم يدخل بها زوجها دخول مسيس
ومسها ثم طلقها إلا المتوفي عنها فانها تعتد
على كل حال عدة الوفاة وإذا دخل الرجل بامرأته
الحرة ومسها ثم طلقها وهي ممن تحيض فعدتها
ثلاثة قروء والأقراء الأطهار والقرء ما بين
الحيضتين من الطهر وسواء في ذلك الحرة المسلمة
والكتابية وأما الزوجة الأمة وأم الولد ومن
فيها شعبة من الرق فعدتها من طلاق زوجها قرءآن
وسواء كان زوجها حرا أو عبدا ومن طلق امرأته
في آخر القرء احتسبت به لأن المراد من القرء
الخروج من الطهر إلى الدم فإذا طعنت في الدم
من الحيضة الثالثة وهي حرة بانت وان كانت أمة
فإذا طعنت في الدم من الحيضة الثانية بانت ولو
طلقت الحرة حائضا لم تعتد بتلك الحيضة من
عدتها فان لم يراجعها زوجها وتمادت في عدتها
لم تنقض عدتها حتى تطعن في الدم من الحيضة
الرابعة فإن كانت الحرة المطلقة ممن لا تحيض
لصغر أو ممن يئست من المحيض فعدتها ثلاثة أشهر
من يوم الطلاق فإن طلقها في بعض يوم فروي عن
مالك أنها تلغيه وتبتدئ العدة من اليوم الذي
يليه وروي عنه انها تحتسب بما مضى منه وتجلس
إلى مثل الساعة التي طلقت
(2/619)
فيها وكذلك عدة
المطلقة الأمة ومن فيها شيء من الرق ثلاثة
أشهر لأن الرحم لا يبرأ عنده بأقل من ثلاثة
اشهر إلا مع الحيض وقد قيل في الأمة التي لا
تحيض عدتها شهر ونصف والأول قول مالك وأصحابه
ولو حاضت الصغيرة قبل استكمال ثلاثة أشهر
استقبلت عدتها بالحيض والحامل أبدا مطلقة كانت
أو متوفى عنها زوجها أن تضع ما في بطنها أمة
كانت أو حرة أو مسلمة أو ذمية لا عدة لكل حامل
غير الوضع والسقط والمضغة من الولد في ذلك
سواء وعدة المستحاضة سنة سواء علمت دم حيضتها
من دم استحاضتها وميزت ذلك أو لم تميزه عدتها
في ذلك كله عند مالك في تحصيل مذهبه سنة منها
تسعة أشهر استبراء وثلاثة عدة وقد قيل أن
المستحاضة إذا كان دمها ينفصل فعلمت إقبال
حيضتها وإدبارها اعتدت ثلاثة قروء وهذا أصح في
النظر وأثبت في القياس وقد قيل في المرتابة
التي ترتفع حيضتها وهي لا تدري ما يرفعها أنها
تنتظر سنة من يوم طلقها زوجها منها تسعة أشهر
استبراء وثلاثة عدة فإن طلقت فحاضت حيضة أو
حيضتين ثم ارتفعت حيضتها لغير يأس منها انتظرت
أيضا سنة من يوم طهرت من حيضتها فعلى قياس هذا
القول تتم الحرة المتوفى عنها المرتابة بعد
التسعة أشهر أربعة أشهر وعشرا والأمة شهرين
وخمس ليال بعد التسعة الأشهر وقال ابن القاسم
التسعة الأشهر براءة للارحام ما لم تسترب
نفسها في حمل فإن كان ذلك جلست ما بينها وبين
خمس سنين وهذا أكثر الحمل وقد روي عن مالك
أربع سنين وروي عنه ست وسبع والأول أصح عنه
وعدة الحرة
(2/620)
المسلمة أو
الكتابية مدخول بها أو غير مدخول بها من وفاة
زوجها إذا كانت غير حامل أربعة أشهر وعشرة
أيام وعدة الأمة المتوفى عنها زوجها شهران
وخمس ليال فإن كن حوامل فعدتهن وضع الحمل أو
إسقاطه وعدة المختلعة والملاعنة والمرتدة
وامرأة المرتد وكل من يلحقها طلاق أو فسخ نكاح
كعدة المطلقة سواء وإذا مات زوج المعتدة التي
يملك الزوج رجعتها استقبلت عدة الوفاة أربعة
أشهر وعشرة أيام وورثته ان كان حرين وان كانت
أمة اعتدت شهرين وخمس ليال ولم ترثه فان اعتقت
الأمة المطلقة طلاقا رجعيا وزوجها عبد فلم
تختر فراقه حتى مات وهي في عدة منه اعتدت عدة
الحرة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا
لأن المطلقة الرجعية حكمها حكم الزوجات فلذلك
تستقبل عدة الوفاة والأمة اذا طلقت أو توفي
عنها زوجها ثم عتقت لم تنتقل إلى عدة الحرة
لأن العدة وقعت عليها يوم فارقها زوجها أو مات
عنها زوجها وهي أمة والعدة من يوم الوفاة ومن
يوم الطلاق ومن قال من يوم يبلغها الخبر فليس
بشيء عندهم ومن طلق امرأته طلاقا رجعيا ثم
راجعها في عدتها ثم طلقها بعد الرجعة لزمها
استئناف العدة من الطلاق الثاني بعد رجعته
وسواء عند مالك وطئها أو لم يطأها ولو طلقها
في عدتها قبل أن يرتجعها لزمها الطلاق وثبت
على ما مضى من عدتها ولم تستأنف عدة ولو كان
الطلاق بائنا ثم نكحها في عدتها أو بعد انقضاء
عدتها ثم طلقها قبل أن يطأها فلا عدة عليها من
الطلاق الثاني وتتم عدتها من الطلاق الأول إن
كانت لم تكملها ولو وطئها بعد أن نكحها
استأنفت
(2/621)
العدة من يوم
طلقها الطلاق الثاني وعدة أم الولد من وفاة
سيدها حيضة إن كانت ممن تحيض وإلا فثلاثة أشهر
ولا يجزئها إلا حيضة مستأنفة بعد وفاة زوجها
ولو مات سيدها وهي حائض لم تجزها تلك الحيضة
عند مالك وقال إسماعيل يجزؤها كما يجزيء الحرة
ذلك من قرئها وإن كانت مستحاضة أو مسترابة
فتسعة أشهر وعدتها من وفاة زوجها عدة الأمة
شهران وخمس ليال فإن كانت تحت زوج ومات سيدها
فلا عدة عليها منه وإن مات السيد والزوج ولم
يعلم أولهما موتا اعتدت أقصى الأجلين أربعة
أشهر وعشرا ولا تحتاج فيها إلى حيضة إلا أن
يكون بين موتيهما أكثر من شهرين وخمس ليال ولا
يعلم مع ذلك أيهما مات قبل صاحبه فإن كان كذلك
لم يكن بد من حيضة مع الأربعة الأشهر والعشر
فان انقضت شهورها قبل الحيض انتظرت حيضتها ولا
تجوز مواعدة أم الولد قبل أن تحيض ولا إحداد
عليها
(2/622)
باب الإحداد
الاحداد واجب على المتوفى عنها زوجها حتى
تنقضي عدتها بشهورها أو بوضع حملها حرة كانت
أو أمة مسلمة كانت أو ذمية صغيرة أو كبيرة وقد
قيل لا إحداد على ذمية ولا صغيرة والأول تحصيل
مذهب مالك وهو الصحيح وقد ذكرنا الحجة لذلك في
كتاب التمهيد ولا إحداد مطلقة رجعية كانت أو
مبتوتة أو بائنا والاحداد هو اجتناب جميع ما
(2/622)
يتزين به
النساء من حلى وصبغ وكحل وخضاب وثياب مصبوغة
ملونة أو بيض يلبس منها للزينة وقد قيل إنه لا
بأس بلبس البياض والسواد الأدكن والصواب أنها
لا يجوز لها شيء تتزين به بياضا ولا غيره وأما
الحلي والخاتم وما فوقه فلا يجوز للحاد لبسه
وكذلك الطيب كله مؤنثه ومذكره وان اضطرت إلى
الكحل اكتحلت ليلا ومسحته بالنهار ولا تقرب
شيئا من الأدهان المطيبة كدهان البان والورد
والبنفسج والخيري ولا بأس بالزيت والسيرج
والسمن وكل ما لازينة فيه فلا بأس للحاد من
النساء به لأنها منعت من التزويج ومعانيه
(2/623)
باب السكنى في العدة
يلزم المعتدة من الوفاة والطلاق أيضا المبيت
في بيتها لا تخرج عنه إلا من عذر وأمر لا بد
لها منه ولا تجد من يقوم لها به ولا بأس عليها
أن تخرج نهارا في حوائجها وكذلك عند مالك
خروجها في طرفي النهار والليل عند انتشار
الناس في أوله قدر هدوئهم في آخره ولا بأس
بذلك ويستحب أن لا تغرب الشمس عليها إلا في
بيتها ولا يجوز لها أن تبيت إلا في منزلها فإن
خرجت في ليلة من عدتها فباتت في غير منزلها
أثمت في فعلها ولا يجوز لها أن تفعل ذلك في
باقي عدتها ولها أن تبني على ما مضى منها ولا
(2/623)
تستأنف العدة
ولا يحل لها الانتقال من دارها حتى تنقضي
عدتها إلا أن تخاف عورة منزلها أو شبه ذلك مما
لا يمكنها المقام معه فتنتقل حينئذ ثم تقيم
حيث انتقلت حتى تنقضي عدتها وإن كان المسكن
لزوجها لم يجز لورثته أن يخرجوها منه حتى
تنقضي عدتها وكذلك إن كان مسكنها مستأجرا أو
كان زوجها قد أدى أجرته فإن كان كذلك كانت أحق
بسكناه من سائر ورثته وإن لم يكن المسكن له
ولم يؤد أجرته كان لأربابه إخراجها منه ويستحب
لهم أن لا يفعلوا ذلك فإن أخرجوها منه جاز لها
أن تسكن غيره حتى تتم عدتها ولم يكن على
الورثة استئجار مسكن غيره وسواء كان للميت مال
أو لم يكن وعليها أن تستأجر لنفسها من مالها
وإن كان زوجها بدويا فمات عنها وتركها في منزل
البادية لم تنتقل عنه فإن انتقل أهلها كان لها
أن تنتقل معهم وليس لها ان تنتقل مع أهل زوجها
وهذا إذا توفي عنها زوجها في البادية فإن توفي
في حضر وقرار لم يكن لها أن تنتقل بانتقال
أهلها ولا بانتقال أهل زوجها
(2/624)
باب الحضانة
الأم أولى بحضانة ولدها وبرضاعة من غيرها إذا
طلقها زوجها أبدا ما لم تتزوج فإن تزوجت
فالجدة أم الأم أولى إن لم يكن زوجها أجنبيا
فإن كانت متزوجة من أجنبي سقطت حضانتها وكذلك
كل امرأة تزوجت أجنبيا من الصبي يبطل
(2/624)
حقها من الرضاع
والحضانة والخالة أخت الأم أحق برضاع الولد من
ابيه إذا لم يكن له جدة على ما وصفنا والجدة
أم الأب أولى بالولد من الأب وقد قيل أن الأب
أولى بابنه من الجدة أم الأب وهذا عندي إذا لم
تكن له زوجة أجنبية ثم الأخت بعد الأب ثم
العمة وهذا إذا كان كل واحد من هؤلاء مأمونا
على الولد وكان عنده في حرز وكفاية فإن لم يكن
كذلك لم يكن لها حق في الحضانة وإنما ينظر في
ذلك لما يحوط الصبي ومن يحسن إليه في حفظه
وتعليمه الخير وهذا على قول من قال أن الحضانة
من حق الولد وقد روي ذلك عن مالك وقال به
طائفة من أصحابه ولذلك لا يرون حضانة لفاجرة
ولا لضعيفة عاجزة عن القيام بحق الصبي لمرض أو
زمانة وذكر ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون عن
مالك في الحضانة الأم ثم الجدة للأم ثم الخالة
ثم الجدة للأب ثم أخت الصبي ثم عمة الصبي ثم
ابنة أخت الصبي ثم الأب والجدة للأب أولى من
الأخت والأخت أولى من العمة والعمة أولى من
بعد هؤلاء من جميع الرجال الأولياء وليس لابنة
الخالة ولا لابنة العمة ولا لبنات أخوات الصبي
من حضانته شيء فإذا كان الحاضن لا يخاف منه
على الطفل تضييع ولا دخول فساد كان حاضنا له
أبدا حتى يبلغ الغلام وقد قيل حتى يثغر وحتى
تتزوج الجارية إلا أن يريد الأب سفر نقلة
واستيطان فيكون حينئذ أحق بولده من أمه وغيرها
إن لم ترد الانتقال مع ولدها ولو أراد الخروج
لتجارة لم يكن ذلك له وكذلك أولياء الصبي
الذين يلون ماله إذا انتقلوا للاستيطان فإن
انتقلت الأم معهم فهي على
(2/625)
حضانتها وليس
لها أن تنقل ولدها عن موضع سكنى الأب إلا فيما
يقرب نحو المسافة التي لا تقصر الصلاة فيها
ولو شرط عليها في حين انتقاله عن بلدها أنه لا
يترك ولده عندها إلا أن تلتزم نفقته ومؤونته
سنين معلومة فالتزمت ذلك ثم ماتت لم يتبع بذلك
ورثتها في تركتها وقد قيل ذلك دين يؤخذ من
تركتها والأول أصح إن شاء الله كما لو مات
الولد أو كما لو صالحها على نفقة الحمل
والرضاع فأسقطت لم يتبع بشيء من ذلك وقد قال
مالك في الرجل يبتاع الوصيف بخمسة دنانير على
أن البائع يكفله فمات الصبي فليس عليه شيء قال
وليس هذا أراد تعاملا وإذا تزوجت الأم لم ينزع
منها ولدها حتى يدخل بها زوجها فإن طلقها لم
يكن لها الرجوع عند مالك في الأشهر عندنا من
مذهبه وقد ذكر اسماعيل القاضي وذكره ابن خويز
منداد أيضا عن مالك أنه اختلف قوله في ذلك
فقال مرة يرد إليها ومرة قال لا يرد وإذا تركت
المرأة حضانة ولدها ولم ترد أخذه وهي فارغة
غير مشغولة بزوج ثم أرادت بعد ذلك أخذه نظر
فإن كان تركها له من عذر كان لها أخذه وإن
كانت تركته رفضا أو مقتا لم يكن لها بعد ذلك
أخذه لأنها ربما ردته بعد أيام فلم يقبل غيرها
وأم الولد إذا عتقت وولدها صغير فسبيلها في
ولدها سبيل الحرة المطلقة فإن كانت نصرانية
وأب ولدها مسلم فهي أيضا أحق بالحضانة إلا أن
(2/626)
يخاف منها أن
تسقي الطفل خمرا أو تطعمه خنزيرا فإن كان ذلك
فالأب أولى لأن ولده على دين أبيه
(2/627)
باب نفقات المطلقات
المطلقة التي يملك رجعتها لها السكنى والنفقة
حاملا كانت أو غير حامل ما دامت في عدتها
والمبتوتة لها السكنى ولا نفقة لها إلا أن
تكون حاملا فإن كانت حاملا كان لها السكنى
والنفقة وكل مطلقة بائن كالمختلعة وغيرها فيه
بمنزلة المبتوتة والسكنى لكل مطلقة حامل وغير
حامل مبتوتة وغير مبتوتة ولا سكنى ولا نفقة
لمطلقة لا عدة عليها وهي التي لم يدخل بها
وللمتوفي عنها زوجها حاملا وغير حامل السكنى
فلا نفقة ونفقتها على نفسها من نصيبها من
الميراث حتى تضع حملها أو من سائر مالها
والنفقة للزوجة على حال الرجل إن كان معسرا أو
موسرا ويعتبر ايضا حالها أيضا إذا كان زوجها
غنيا وكانت ممن يخدم مثلها في طعامها وكسوتها
ونفقة خادمها وأجرة مسكنها وجميع مؤنتها قال
الله عز وجل {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ
سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ
فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا
يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا
آتَاهَا} الطلاق ومن دفع إلى امرأة نفقة سنة
أو نحوها ثم طلقها البتة رجع عليها بماله من
ذلك عندها وأخذه إن وجده وإن لم يجده
(2/627)
أتبعها به دينا
ولو طلقها وهو غائب ولم يعلمها حتى نفدت
النفقة لم يكن له عليها شيء لأن التفريط جاء
من قبله ولو مات كان لورثته محاسبتها لأنه ليس
لها أن تنفق من ماله إلا في حياته وترد ما فضل
بيدها من يوم مات ولا يجب للمرأة نفقة في مال
زوجها إذا مات حاملا كانت أو غير حامل ورضاع
المولود إذا ولدته في حصته من ميراثه فإن لم
يكن له مال فرضاعه في بيت مال المسلمين وليس
على وارثه ولا عصبته ولا عصبة أبيه شيء من
نفقته ولا على أمه رضاعة موسرة كانت أو معسرة
إلا أن لا يقبل الرضاع من غيرها فيلزمها
إرضاعه وإذا ادعت المبتوتة الحمل لم تعط نفقة
حتى يظهر حملها بحركته فإذا تحرك حملها أعطيت
نفقة الحمل كله من أوله إلى آخره وإذا أعطيت
نفقة حملها ثم انغش الحمل فلمالك في ذلك قولان
أحدهما أنه لا يرجع عليها بشيء والآخر أنه
يرجع عليها بما دفع إليها والمعمول به أن تأخذ
نفقتها شهرا بشهر ونحو ذلك
(2/628)
باب نفقة الآباء والأبناء والأمهات
...
No pages
(2/)
باب نفقة الآباء والأبناء والأمهات
لا يجب على الإنسان نفقة على أحد من جهة
القرابة إلا الأبناء الصغار الفقراء والأبوين
إذا كانا فقيرين لا يقدران على الاكتساب ينفق
الرجل على الذكر من بنيه إذا لم يكن له مال
حتى يبلغ مبلغ الرجال وينفق على الأنثى حتى
يدخل بها زوجها أو تكون معنسة جدا فإذا بلغ
الغلام أو دخل بالجارية زوجها
(2/628)
سقطت النفقة عن
أبيهما فغذا بلغ الغلام صحيحا ثم زمن لم تعد
النفقة على أبوية عند مالك وكذلك الجارية لو
مات عنها زوجها أو طلقها بعد الدخول بها لم
تعد نفقتها على أبيها وقال عبد الملك إن بلغ
الغلام مجنونا أو زمنا لم تسقط نفقته عن أبيه
ببلوغه ونفقة الآباء والأبناء تجب باليسر
وتسقط بالعسر ولا تثبت دينا في الذمة ولا
يحاسب بها الغرماء في الفلس ولا يلزم الإنفاق
على جد ولا على جدة من قبل الأب ولا من قبل
الأم ولا على أحد من الإخوة وسائر ذوي المحارم
ولا على بني البنين ولا على بني البنات
والنفقة تجب للأبوين مسلمين كانا أو كافرين
صحيحين كانا أو زمينين إذا كانا محتاجين ويخرج
عنهما صدقة الفطر وينفق على زوجة أبيه كانت
أمه أو أجنبية وليس عليه عند مالك أن يزوج
أباه وقد رآه بعض أصحابه إذا لم يستغن عن ذلك
وليس على الابن أن يعطي أباه مالا يغزو به أو
يحج ولا يجب على الأم نفقة ولدها مع وجود الأب
ولا مع عدمه فقيرة كانت أو غنية ولا يجب على
امرأة أن تنفق على أحد إلا على أبويها الفقراء
أو ما ملكت يمينها وتلزم الأبناء النفقة على
أبيهم وعلى زوجته إن كان عديما لا يقدر على
الإنفاق إذا كان عدمه قد لحقه بعد الدخول
والنفقة على قدر الجدة ما يعيش به الذي ينفق
عليه من طعام وكسوة وغير ذلك مما لاغنى عنه من
المؤونة ولا حد في ذلك على الموسع قدره وعلى
المقتر قدره ولا يقضي بالعالي في شيء من ذلك
كله وإنما يقضي بالوسط
(2/629)
باب نفقة المماليك والدواب
وتجب النفقة على السيد لكل مملوك له ذكر أو
أنثى صغيرا أو كبيرا على قدر السيد وحال
المملوك بالمعروف ولا يكلف من العمل مالا يطيق
عليه الدوام ويجبر الرجل على أن يعلف دوابه أو
يرعاها إن كان في رعيها ما يقوم بها أو يبيعها
أو يذبح ما يجوز ذبحها ولا يترك يعذبها بالجوع
وغيره
(2/630)
باب الاستبراء
على كل من ملك أمة بأي وجهة ملكها بشراء أو
هبة أو ميراث إذا وطئها أن يستبرئها بحيضة
كاملة إن كانت ممن تحيض أو بثلاثة أشهر إن
كانت ممن لا تحيض من صغر أو كبر إلا أن تكون
صغيرة لا يحمل مثلها فلا استبراء فيها وإن
كانت حاملا فحتى تضع ما في بطنها أو تسقطه
تاما أو ناقصا أو مضغة أو علقة ولا يحتاج في
استبراء الأمة إذا كانت ممن تحيض إلى أكثر من
حيضة واحدة فإنها تبرئها فإن ارتفع حيضها لم
يقربها إلى تمام تسعة أشهر ولا شيء عليه بعد
ذلك والمستحاضة كذلك الا أن ترى قبل ذلك دم
حيضة فيكون لها الاستبراء وقد قيل لا يطأ
المستحاضة إلا بعد سنة من يوم استبرائها إلا
أن تستريب نفسها بحمل فإن ارتابت لم يطأها حتى
يستبرئها من تلك الريبة إلى أن تبلغ خمس سنين
وذلك أقصى مدة الحمل فلا
(2/630)
ريبة بعد هذه
المدة ولا يقبلها ولا يباشرها ولا يتلذذ بشيء
منها بعد شرائه لها قبل أن تحيض عنده كراهية
لا تحريما وأما الوطء فلا يحل إلا بعد
الاستبراء وإذا ظهر دمها وصح أنها حائض جاز له
الاستمتاع منها بما يستمتع من الحائض وإذا غاب
المشتري على الجارية ثم تقابلا فلا يطأها
البائع حتى يستبرئها بحيضة وإن لم يغب عليها
المشتري ولا أمكنه وطئها سقط الاستبراء عنه
والاستبراء واجب فيما يشتري من النساء وما بيع
على الصبيان وفي كل ملك حادث إلا ما وصفناه في
الإقالة ومن ابتاع أمة طلقها زوجها قبل الدخول
بها استبرأها بحيضة وقد قيل لا استبراء عليه
فيها ولو كان زوجها قد دخل بها ثم طلقها
وباعها سيدها لم يجز للمشتري وطؤها إلا بعد
حيضتين لأنها عدتها ومن اشترى زوجته انفسخ
نكاحه ولم يكن عليه استبراء فإن باعها قبل أن
يطأها بعد ملكه لم يطأها المشتري إلا بعد
حيضتين ولو وطئها ثم باعها لم يكن على مشتريها
استبراء بالحيضة ومن اشترى أمه معتدة من طلاق
وفاة فواجب عليه اسبتراؤها بانقضاء عدتها وإذا
زنت الحرة أو غصبت على نفسها وجب عليها
الاستبراء من وطئها بثلاث حيض فإن كانت ذات
زوج وجب على زوجها الامتناع من وطئها حتى
ينقضي استبراؤها وإن لم تكن ذات زوج لم يجز
لها أن تنكح إلا بعد أن تستبرئ نفسها بثلاث
حيض ولو كانت الزانية أو المغتصبة أمة اجزأه
في استبرائها حيضة ذات زوج كانت أو غير زوج
إلا أن تكون حاملا فلا يجوز لها أن تنكح ولا
لزوجها إن كانت ذات زوج أن يطأها حتى تضع
حملها وكذلك مشتريها لا يطأها
(2/631)
حتى تحيض أو
تضع حملها نجز كتاب الطلاق بحمد الله وعونه
وفي كتاب البيوع في باب العهدة والمواضعة
مسائل من هذا الباب
(2/632)
|