الكافي
في فقه أهل المدينة المالكي كتاب الشركة
باب الشركة وما
يجوز فيها من الأموال
...
كتاب الشركة
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
تسليما
باب الشركة وما يجوز فيها من الأموال
اصل الشركة التساوي في رؤوس المال والأعمال
والوضعية والربح فإن اختلفت مقادير رؤوس أموال
الشريكين كان الربح والوضعية على قدر رأس مال
كل واحد منهما ووجه الشركة أن يشتركا في جنس
واحد من المال دراهم كان أو دنانير أو عروضا
أو طعاما على اختلاف من قول مالك في الطعام
وهذا هو المعمول به اذا اعتدلا في وزن ذلك او
كيله وعينه وجنسه وصفته ويستويان في ذلك
ويعملان على أن يبيع كل واحد منهما نصف ما
أخرجه بنصف ما أخرج صاحبه قال ابن القاسم إذا
كان الطعام نوعا واحدا
(2/780)
متساويا في
الجودة والمكيلة فلا باس بالشركة ويخلطان
الذهب والورق ولا بأس أن يخلطاهما إذا
ابرزاهما قال مالك ولو جعل كل واحد من
الشريكين ماله في صرة على حدة ثم قبض أحد
الشريكين الصريتن وذهبت عنده احدن الصرتين
فالمصيبة منهما جميعا وإن لم يخلطا اذا ابرزا
ذلك وصار عند أحدهما ولو جعل أحدهما خمسمائة
درهم وخمسين دينارا عيونا وجعل الآخر خمسمائة
درهم وخمسين دينارا مثلها جاز ولو جعل احدهما
خمسمائة درهم والآخر خمسين دينارا لم يجز
وسواء باعه نصف الدراهم بنصف الدنانير أو لم
يبعه لإنه صرف وشركة ولا يجوز عند مالك وأكثر
أصحابه أن يجتمعا لإن الصرف عندهم لا يجوز معه
عقد غيره فهذا لا يجوز أن يخرج أحدهما ذهبا
بقيمة ورق صاحبه ويجوز عند أشهب أن يخرج
أحدهما ذهبا والآخر ورقا على أن يبيع كل واحد
منهما بنصف مال صاحبه إذا اعتدلا في المال
والربح بينهما نصفان والوضيعة مثل ذلك ويكون
عملهما سواء أو قريبا من السواء وإن لم يعتدلا
في المال فالربح والعمل بينهما على قدر رؤوس
أموالهما ولا يجوز أن يكون المال من الشريكين
متفاضلا والربح متماثلا ولا أن يكون المال
متماثلا والربح متفاضلا ولو أخرج أحدهما الفا
والآخر ألفين وعملا فيه معتدلين وشرطا أن
الربح بينهما نصفان لم يجز وكان الربح
والخسران بينهما على قدر المالين ورجع صاحب
الألف على صاحب الألفين وأجرة المثل في حصة
الألف
(2/781)
ولا بأس
بالشركة على أن يخرج أحدهما طعاما أو عروضا
والآخر دنانير أو دراهم ويشتركان على القيم
فإن اعتدلت قيمة الطعام أو العروض مع المال
فجائز على أن الربح والوضيعة بينهما سواء
والعمل أيضا بينهما بالسوية ولا يجوز أن يأتي
أحدهما بدراهم مسكوكة والآخر بسبائك أو بتبر
غير مسكوك ولو اشتركا بعيون ذهب أو ورق مختلفة
العيون والسكك الا ان مخرجهما ووزنهما واحد
جاز ذلك فإن كان لعيون احدهما فضل وقد استويا
فيهما ثم افترقا وفي أيديهما ناض أو عروض
اقتسما على وزن مال كل واحد منهما ولم يلتفت
إلى فضل عيون احدهما ولا يجوز أن يعطي لفضل
عيونه شيئا زائدا لان الزيادة في ذلك ربا ولا
بأس بالشركة بالعرض مثله أو مخالفا له على أن
الربح والوضيعة والعمل على كل واحد منهما على
قد قيمة ماله ولا تجوز الشركة بالطعام إذا
اختلف مثل القمح والشعير أو صنف من القمح
بغيره أو عدس بفول أو تمر بزبيب أو زيت بسمن
أو عسل أو سمن بقر بسمن غنم أو زيت أحمر بأسود
أو شيء بشيء من صنفه ليس مثله في عينه وجودته
وحاله ولا تجوز الشركة بهذا كله وما كان مثله
لا على الكيل ولا على القيمة وإذا اشتركا
بعرضين مختلفين على القيم وباع كل واحد منهما
عرضه بأكثر مما قومه به فإنما لكل واحد منهما
قدر عرضه يوم قوم وليس له ما بيع به إذا
تقاوما في أصل الشركة لأن كل واحد منهما باع
نصف عرضه بنصف عرض صاحبه فصار لكل واحد منهما
من كل عرض نصفه إلا ترى أنه لو نزل
(2/782)
بأحد العرضين
تلف لكان بينهما ولو اشتركا في عرضين شركة
فاسدة ثم افترقا لم يلتفت في هذه الى ما قوما
به ورجع كل واحد منهما إلى الثمن الذي بيع به
عرضه فاقتسما عليه الربح ولو اخرج أحدهما أكثر
من الذي أخرج صاحبه واشترطا ان يكون الربح
بينهما سواء لم يجز ورد حتى يكون الربح
والوضيعة بينهما على قدر رؤوس أموالهما ولصاحب
القليل أجر مثله في نصف فضل مال صاحبه إن كانا
استويا في العمل
(2/783)
باب تصرف الشريك في مال الشركة وما يلزمه في
ذلك
وإذا اشتركا شركة عنان في سلعة موصوفة أو
بعينها لم يكن لأحدهما بيعها بغير اذن صاحبه
وهذه شركة الاعيان في كل شيء معين معلوم
يشتريانه وأما شركة المفاوضة فهي أن يفوض كل
واحد منهما النظر الى صاحبه بما رآه فيميز بين
ما شراه من أنواع تجرهما وما باع كل واحد
منهما واشترى فهو جائز على صاحبه ونفقتهما
جميعا من المال لأنهما يعملان جميعا فيه فإن
كانت نفقة احدهما أكثر من نفقة صاحبه لعيال أو
غير ذلك حسبت على كل واحد منهما نفقته في نفسه
وعياله وما انفرد به واحد منهما من عمل في غير
تجرهما مثل قراض يأخذه لا يشغله عن عمله أو
حرث يقيمه منفردا به لم يشركه صاحبه في شيء
منه فهو كالميراث
(2/783)
يرثه وما
اشتراه أحدهما من طعام لمنزله وكسوته فهو له
خاصة وإن طلب صاحبه نصفه لم يحكم له به وحسبه
أن يأخذ من المال مثل ما أخذ صاحبه وإذا
افترقا اقتسما كل مالهما من العين والدين
وسائر مالهما نصفين ولا يجوز أن يخرج أحدهما
إلى رجل في دين والآخر إلى غيره في مثله ولا
يجوز لأحدهما في المال أن يهب ولا أن يحابي
ولا يصنع معروفا إلا بإذن صاحبه إلا أن يكون
مما يعود على متجرهما فيه عائدة فيستغني في
ذلك عن إذن صاحبه والشركاء أمناء بعضهم على
بعض ما أدعى أحدهم من تلف مال او وضيعة فهو
مصدق ما لم يبين خلاف قوله وإن اتهم حلف
(2/784)
باب شركة الذمم وشركة الأبدان في الأعمال
لا تجوز الشركة على الذمم إلا بالأموال
وصناعات الأيدي في الأعمال إذا اتفقت واجتمع
الشركان في موضع واحد ويجوز عند مالك شركة
الابدان كالمعلمين والمطببين والخياطين
والصباغين والحدادين والغواصين في البحر
والصيادين إذا كان كل واحد منهما يعمل في مثل
عمل صاحبه وفي موضع واحد فإن لم يكونا في موضع
واحد لم يجز وكذلك إن لم يعملا عملا واحدا لم
يجز ولا بأس أن يشتركا في العمل الواحد على
السواء وإن كان احدهما أفضل عملا من صاحبه إذا
اشترطت المساواة في العمل
(2/784)
واشتركا في ذلك
على غير السوية مثل أن يكون لأحدهما الثلث
وللآخر الثلثان ونحو ذلك من التفاضل لم يجز
إلا أن يكون العمل بقدر ذلك الجزء فإن كان
عمله بقدر ذلك الجزء جازت الشركة ولو اصطاد
احد الصيادين الطير والآخر الحيتان لم يجز
وكذلك إن كانت الصنعة واحدة في مكانين مفترقين
لم يجز وفي كتاب الاقضية قسمة الشركاء للديون
ودخول بعضهم على بعض فيما قبض أحدهم بإذن
صاحبه وبغير إذنه
(2/785)
|