الكافي
في فقه أهل المدينة المالكي كتاب الوكالات
باب ما تنعقد به
الوكالة وتصرف الوكيل
...
كتاب الوكالات
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
باب ما تنعقد به الوكالة وتصرف الوكيل
كل من جاز فعله جاز توكيله والوكالة تنقسم
قسمين فمن وكل في شيء بعينه لم يجز له أن
يتعداه إلى غيره ولا يتعدى ما حد له فيه وجائز
له أن يقبض ثمن ما أمر ببيعه إلا أن ينهى عن
ذلك ويستغنى أن يقال له اقبض الثمن لان الإذان
لقبض الثمن ومن وكل لعقد نكاح فليس بوكيل في
قبض الصداق إلا أن يوكل على ذلك بخلاف البيع
وليس للوكيل أن يوكل إلا أن يجعل ذلك إليه
موكله ولا يجوز له أن يضع من ثمن ما باعه ولا
ينظر به ولا يقيل من بيعه ولا يجوز له من
التصرف إلا ما ذكر له في عقد الوكالة وأما
الوكيل المفوض إليه فله أن يقيل وأن يؤخر وأن
يهضم
(2/786)
الشيء على وجه
نظر وينفذ فعله في المعروف والصدقة إذا كان
لذلك وجه وفعله كله محمول على وجه النظر حتى
يتبين خلاف ذلك فإذا بان تعديه وإفساده ضمن
وما خالف فيه الوكيل المفوض إليه وغيره مما
امر به فهو متعد ولموكله تضمينه إن شاء ذلك
والوكالة جائزة في البيع والابتياع والانكاح
واقتضاء الديون وقضائها وكل ما للإنسان فعله
فله أن يوكل فيه والوكالة في الخصومة جائزة من
الحاضر والغائب برضى الخصم وبغير رضاه إذا كان
على أمر معروف وإذا شرع المتخاصمان في
المناظرة بين يدي الحاكم لم يكن لأحدهما أن
يوكل لإنه عند مالك ضرب من اللدد الا أن يخاف
من خصمه استطالة بسبب أو نحوه فيجوز له حينئذ
أن يوكل من يناظر عنه ولا يجوز أن يستأجر خصما
على أنه ان أدرك حقه كان له ما جعل له وإن لم
يدركه فلا شيء له عليه بل يجعل له جعلا معلوما
على كل حال والا فيكون له اجر مثله وإذا بان
لدد الوكيل المخاصم وطلبه للباطل وقطع الحق
منع من تعرضه للوكالة واختلف قول مالك في قبول
اقرار الوكيل بالخصومة عند القاضي على موكله
فمرة اجازه ومرة اباه وقال لا يلزم موكله ما
أقر به عليه ولا يقبل القاضي ذلك منه وجرى
العمل عندنا على انه جعل إليه الاقرار عليه
لزمه ما أقر به عند القاضي
(2/787)
وزعم ابن خويز
منداد ان تحصيل مذهب مالك عندهم انه لا يلزمه
اقراره وهذا في غير المفوض إليه
قال وقد اتفق الفقهاء فيمن قال ما أقر به على
فلان فهو لازم له أنه لا يلزمه وما أقر به
الوكيل المفوض إليه من قبض دين أو ابراء غريم
أو دفع مال إلى من وكله فالقول في جميع ذلك
كله عند مالك قوله ولا يمين عليه إلا ان يتهم
فيحلف وقال مالك ما فعله الوكيل المفوض إليه
بعد موت الموكل له ماض على ورثته لازم لهم إذا
لم يعلم بموت موكله فإن علم بموت موكله وفعل
شيئا دون الورثة فهو متعد وما تلف برأيه وفعله
ذلك ضمنه
واختلف قول مالك في الوكيل يعزله موكله ويشهد
بعزله فينفذ ما وكل به بعد ذلك وهو لا يعلم
فروي عنه ان تصرفه بعد ذلك مردود سواء علم
بالعزل أو لم يعلم وهو قول ابن القاسم وبه
اقول قياسا على اتفاقهم انه لو وكله ببيع شيء
ثم باعه الموكل أن ذلك خروج للوكيل عن الوكالة
وعزل وإن لم يعلم وروي عن مالك أنه إن علم
بالعزل فتصرفه باطل وإن لم يعلم فتصرفه صحيح
لأنه على ما جعل إليه
(2/788)
حتى يصح عنده
عزله ومن امر رجلا ببيع سلعة له ثم باعها هو
وباعها الوكيل فالأول من المشترين أولاهما بها
إلا أن يكون الآخر قد قبضها فيكون أولى بها
وقاله ربيعة لأنه قد ضمنها وغيره يخالفه في
ذلك وقد مضى وجه من هذا المعنى
(2/789)
باب أمانة الوكيل وما يقبل قوله فيه
الوكيل أمين لا ضمان عليه فيما دفع إليه إلا
ما جنت يداه أو أوتي فيه من قبل نفسه بتضييع
أو تعمد فساد وكذلك هو أمين لا ضمان عليه في
رد ما دفع إليه ولا في ثمن ما أمر ببيعه إذا
ادعى رد ذلك إلى من دفعه إليه وثمنه إلى من
امر ببيعه ولا يمين عليه إذا لم يكن متهما
وهذا عند مالك فيما بينك وبين وكيلك فأما من
أمرته بالدفع إلى غيرك فعليه البينة أنه قد
دفع ما أمر بدفعه استدلالا بأمر الله عز وجل
الأوصياء أن يشهدوا على اليتامى إذا دفعوا
اموالهم إليهم لأنهم والله أعلم غير الذين
ائتمنوهم على ذلك والرسول وكيل امين في براءة
نفسه مصدق فيما ادعى ذهابه من يده وغير مصدق
في براءة من أمر بالقبض منه إذا ادعى مع
(2/789)
القبض التلف
ولا يبرأ الدافع إليه ببينة يقيمها عليه إلا
أن يكون القابض وكيلا مفوضا إليه أو وصيا
فيصدق بخلاف الوكيل المخصوص والوصي إذا قال
قبضت من غريم الميت ما كان عليه وضاع منه صدق
وبرئ الغريم فإن ادعى الغرماء الدفع إلى الوصي
وأنكر حلف فإن نكل عن اليمين غرم عند ابن هرمز
وابن القاسم قليل ذلك وكثيره وهو قول مالك في
اليسير وتوقف في الكثير
ومن وكل ببيع سلعة فباعها بما لا يشبه بياعات
الناس ضمن وكذلك اذا وكل بشراء شيء فاشتراه
بما لا يتغابن الناس بمثله ضمن وليس للوكيل ان
يبيع بنسيئة الا بإذن رب المال وليس له أن
يخالف شيئا مما أمر به ولو أمره رب المال أن
يشتري نوعا من المتاع فاشترى غيره ضمن وكان
ربحه ووضيعته له دون رب المال ولو ابتاع ذلك
النوع مشاركا فيه غيره فربح مع الشريك او خسر
فالخسارة عليه والربح لرب المال ومن وكل على
شراء شيء بثمن فاشتراه بأقل لزم الأمر ولم يكن
له خيار ولو اشتراه بأكثر كان الأمر مخيرا في
امضاء او تضمينه ما أخذ منه
(2/790)
وليس للوكيل أن
يبيع لنفسه ما وكل بيعه لا بأقصى ما يعطى فيه
ولا بأكثر إلا أن يشتري بعضه بسعر ما باع
وجائز له ان يرتهن من نفسه ما امر برهنه ومن
وكل ببيع سلعة فباعها بغير الدراهم والدنانير
لم يلزم الامر واستحب مالك ان يباع العرض فإن
كان فيه فضل عن قيمة المبيع كان للأمر وإن كان
فيه نقصان ضمن الوكيل ولو امر رجلا أن يشتري
له عبدا فاشترى له من يعتق عليه كأبيه أو ابنه
فإن علم ذلك وتعمده فقد تعدى ولا يلزم الأمر
وعليه الضمان وإن لم يعلم لزم الأمر وعتق عليه
ولو دفع إليه دراهم ليشتري له بها سلعة
فاشتراها وهلكت الدراهم بعد الشراء فإنه يرجع
بمثلها على الأمر وكذلك عند مالك لو لم يدفع
إليه الدراهم حتى اشتراها ثم دفعها إليه فهلكت
يرجع بها أيضا على الأمر إلا أن يكون المامور
غرمها من ماله ثم دفعها إليه الأمر فضاعت فلا
شيء حينئذ عليه لأنه دين قد أداه ومن وكل
بشراء شيء من الحيوان فاشتراه معيبا عيبا
مفسدا لم يلزم الأمر وإن كان عيبا يسيرا غير
مضر لزمه ومن وكل ببيع شيء فقال قد بعته من
فلان بكذا وجحد فلان البيع ولا بينة للوكيل
ضمن الثمن عند مالك لأنه أتلفه حين لم يشهد
عليه وعند جمهور أهل العلم انه لا يضمن وكذلك
عند مالك اذا دفع اليه دراهم وأمره أن يدفعها
إلى فلان فدفعها إليه ولم يشهد وجحدها فلان
ضمن الرسول إلا أن يشترط على الدافع أنه لا
يشهد وان القول قوله فينفعه ذلك ولا ضمان عليه
ومن وكل بشراء
(2/791)
سلعة بعينها
فوجد الموكل عيبا بها فالقيام فيه الى ربها
وليس على الوكيل القيام بردها ولو باع الوكيل
سلعة واستحقت رجع المبتاع على الموكل دون
الوكيل قال اسماعيل وان كان الوكيل قد قبض ثمن
السلعة من المبتاع وطالبه المبتاع بما قبض منه
جمع بينه وبين الموكل حتى يخرج الى المبتاع من
الثمن هذا إذا صحت الوكالة أو كان المبتاع
عالما بها ومن وكل على قبض مال من رجل فقال قد
قبضته وضاع مني لم يصدق في براءة من عليه
المال عند مالك وهو مصدق في براءة نفسه والمال
باق على الذي هو عليه إلا أن يقيم البينة
بالدفع إليه وجمهور الفقهاء غير مالك يرون ذلك
براءة للدافع ويصدقون الوكيل وقد قال مالك ما
يشبه ذلك لإنه قال لو كان الوكيل مفوضا إليه
في الشراء والبيع والقبض كان مصدقا وبريء
الغريم
(2/792)
باب اختلاف الوكيل والموكل
ولو اختلف الوكيل والموكل فقال الوكيل امرتني
ببيعه بعشرة وقال الآخر بخمسة عشر فالقول قول
الآمر الا ان يأتي بأمر مستنكر لا يباع بمثله
وإذا قال الوكيل امرتني أن أبيع بالنظرة
وأنكره الموكل فالقول قول الموكل الآمر ولو
اذن له في البيع بالنسيئة فقال الوكيل شهرين
وقال الأمر شهرا فالقول قول المأمور عند مالك
ولو قال له الوكيل أمرتني أن اشتري بألف وقال
الموكل أمرتك بخمسمائة فالقول قول الأمر أيضا
(2/792)
|