الكافي في فقه أهل المدينة المالكي

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم
كتاب الحمالة والكفالة
والضمان والكفالة والحمالة اسماء معناها واحد فمن قال أنا كفيل بما لك على فلان أو أنا حميل أو زعيم فهو ضامن والضمان في الحقوق الثابتة كلها جائز فإن لم يكن الحق ثابتا لازما لم يجز الضمان فيه وضمان كتابة المكاتب باطل ولا بأس بضمان المجهول عند مالك ومن ضمن عن رجل مالا وهو لا يعرف قدره لزمه ما قامت به البينة عليه ومن قال لرجل عامل فلانا وأنا ضامن لما تعامله به لزمه ما ثبت عليه مما يعامل به مثله ولا تجوز الحمالة في شيء من الحدود والقصاص ولا الجراح التي فيها

(2/793)


قصاص ولا بأس بالضمان في الجراح التي يؤول حكمها الى المال وضمان الوجه إن لم يشترط البراءة من ضمان المال فهو ضامن له على حسبه لو ضمن المال ولو اشترط البراءة من المال فقال أنا كفيل بوجه فلان ولا شيء علي من الحق الذي هو عليه ولم يأت به لم يلزمه شيء من ذلك الحق ومن ضمن لرجل وجه رجل إلى أجل ولم يشترط البراءة من المال في دين يدعيه عليه فإن اتى به في الأجل أو بعده وجمع بينه وبين صاحبه وأشهد عليه بذلك فقد برئ من ضمانه وليس عليه أن يحضره مجلس الحاكم إلا أن يشترط ذلك في ضمانه وإن لم يأت به ضمن ما ثبت عليه ومن ضمن وجه رجل بدين عليه إلى أجل فمتى أتى به بعد افتراقهما فقد برىء وأن لم يأت به عند الأجل ضرب له فيه أجل بعد أجل كما لو ضمن المال وغاب المضمون عنه فإن لم يأت به ضمن المال إن كان المضمون وجهه قد غاب غيبة بعيدة أو أفلس أو مات عن غير شيء وإن كان مع المضمون عنه مال بيع من ماله ما يتأدى منه حق المضمون له وبرئ الضامن فإن قصر ماله عن وفاء الدين رجع ما بقي على الضامن ومن ضمن على رجل مالا فليس عليه تبعة حتى يستبرئ مال المديان فإن كان له مال قضي دينه من ماله وبرئت ذمة المتحمل فإن لم يكن له مال غرم الحميل وقد كان مالك يقول في الضامن والمضمون عنه أن للطالب أن يأخذ أيهما شاء بحقه فعلى هذا القول لرب الحق أن يطالب الضامن والمضمون عنه فإن أداه المضمون عنه

(2/794)


سقط عن الضامن وإن أدى الضامن رجع به على المضمون عنه وهو قول جماعة من اهل العلم ثم رجع مالك فقال:لا تبعة للطالب على الضامن حتى لا يوجد للمضمون عنه مال ويتلوم عليه لفلس لحقه أو لانقطاع غيبه أو لموته عن شيء يتركه فحينئذ يتبع الضامن ومن ضمن عن رجل مالا لزمه بغير اذنه لم يكن له مطالبته به قبل ادائه فإن اداه عنه كان له أن يرجع به عليه ومن ضمن عن رجل مالا بغير اذنه فللضامن أن يطالب الذي عليه المال ان كان حالا بأدائه إلى ربه ليبرأ الضامن من ضمانه أو من يأمن فلسه
وإذا تحمل رجل يدين لرجل على رجل وفلس من عليه الحق وضرب المتحمل بدينه مع غرمائه في مال الغريم ولم يكن في ذلك وفاء من حقه رجع المتحمل له على الحميل بباقي ماله وأخذه منه فمتى ثاب للمفلس مال قام الحميل فضرب مع غرمائه بقدر ما غرم عنه يكون في ذلك كغريم من الغرماء ويتلوم على الضامن إذا كانت غيبة المتحمل عنه قريبة مرجوة فإن غاب غيبة انقطاع غرم اليه ما تحمل به ومن ضمن عن رجل مالا إلى أجل فمات الضامن من قبل حلول الاجل فعلى قول مالك الاول يؤخذ المال كله من تركة الضامن الميت فيدفع الى رب المال ويرجع ورثة الضامن على المضمون عنه إذا حل الاجل وعلى القول الآخر يوقف من مال الضامن بقدر الحق حتى يحل الاجل فإن أمكن أخذ المال من الغريم لم يكن إلى ما وقف سبيل وإن لم

(2/795)


يمكن اخذ المال من الغريم دفع ما وقف من مال الضامن من الميت إلى رب الحق واتبع ورثة الضامن الغريم بذلك وإن مات الذي عليه الحق قبل حلول الاجل أخذ المال من تركته وبرئ الضامن وإن لم يكن له مال لم يؤخذ من الضامن شيء حتى يحل الاجل ومن باع من رجلين سلعة لدين فكتب عليهما ان كل واحد منهما ضامن حيهما عن ميتهما ومليهما عن معدمهما ومات احد الرجلين والآخر حاضر أو غائب وشاء رب الحق أن يأخذ حقه اجمع من الميت وذلك قبل حلول الأجل فذلك له لإن الميت اذا مات حل ما عليه من الديون فإن أخذ من مال الميت ما عليهما جميعا اتبع ورثة الميت شريك الميت بنصف ذلك إذا حل الاجل والفلس مثل الموت ههنا ويضرب للغريم مع غرماء المفلس بما عقد عليهما جميعا فإن استوفى حقه رجع المفلس على شريكه بما أخذ في نصيبه عند حلول الأجل

(2/796)