الكافي
في فقه أهل المدينة المالكي
كتاب الاقرار
كل بالغ حر جائز الفعل رشيد فاقراره جائز على
نفسه في كل ما يقر به في ماله في صحته وكذلك
اقراره على نفسه في بدنه لما يوجب قصاصا أو
حدا في مرضه وصحته سواء واقرار المحجور عليه
والطفل لكل من أقر له باطل واقرار المسلم
للكافر والكافر للمسلم والرجال للنساء والنساء
للرجال سواء وكل من اقر لوارث او غير وارث في
صحته بشيء من الاموال والديون أو البراءة أو
قبض أثمان المبيعات فاقراره جائز عليه لا
تلحقه فيه تهمة ولا يظن به توليج والاجنبي في
ذلك والوارث سواء وكذلك القريب والبعيد والعدو
والصديق في الاقرار في الصحة سواء ولا يحتاج
من أقر او أشهد على نفسه في الصحة ببيع شيء او
قبض ثمنه الى معاينة قبض الثمن ولا وجه له الا
ان يكون المقر له ممن يعرف بالقهر والاكراه
والتعدي ويأتي مدعي ذلك بما يعرف به صحة تهمته
فليزمه اليمين حينئذ بأنه دفع الثمن ما تشهد
به بينته واما اقرار المريض لبعض
(2/886)
ورثته في مرضه
الذي مات منه فقد اختلف قول مالك في ذلك فمرة
قال اقراره نافذ جائز حتى تتبين التهمة فيه
بالتوليج وهو محمول على الجواز حتى تصح التهمة
فيه بانقطاع او ميل او عداوة سائر الورثة هذا
اذا كان ممن يورث كلالة واما من ورثه بنوه فلا
تهمة تلحقه لغيرهم فإن أقر لاحد بنيه دون
غيرهم اعتبر في ذلك ما ذكرنا مثل ان يقر للعاق
دون البار فيجوز اقراره ولو أقر للبار لم يجز
ومرة قال اقرار المريض لوارثه في مرضه الذي
مات فيه محمول على الوصية لا يجوز الا لمن لا
يتهم فيه او لمن يظهر له ما يدفع التهمة عنه
مثل ان يقيم بينة انه كان يتقاضاه يطلبه في
حياته وصحته بما اقر له به في مرضه ونحو ذلك
فإن قامت بينة له بذلك قضي له به والا فاقرار
المريض للوارث مردود اذا لم تؤمن صحته والاول
أصح عندي واقرار المريض لغير الوارث ومن لا
يتهم عليه كاقرار الصحيح ولو اقر لامرأته بدين
في مرضه ثم صح فقال اردت باقراري ذلك التوليج
لم يقبل قوله ولزمه اقراره وكذلك كل من أقر
بدين في مرضه لمن يتهم عليه أو لا يتهم عليه
ثم صح لزمه إذا أنكره وإن مات بعد صحته أخذ من
رأس ماله ومن أقر لوارثه في مرضه ثم ولد له
قبل موته من يحجبه عن الميراث صح إقراره فإن
مات الولد وعاد وارثا فإقراره لازم له لأن
الإقرار كالدين إذا ثبت مرة لم يبطل إلا
بالخروج منه والإقرار للوارث ينبغي أن يكون
موقوفا لا يقضي ببطلانه ولا بصحته حتى ينظر هل
يصح أو
(2/887)
يبطل ولو أقر
المريض لزوجته بصداق لم ينفعها ذلك إذا
ورثتهكلالة أو كان بها صبا إلا أن يتبين
انقطاعه عنها أو انحرافه إلى غيرها ولم يتهم
فيها فإن كان ذلك جاز إقراره لها ومتى كان
للميت ولد منها أو من غيرها نفذ إقراره لها
بمهرها وبغير مهرها ولم يتهم مع الولد باتوليج
لها وكذلك لو أقرت المريضة بقبض صداقها من
زوجها لم يجز إقرارها لأنها تتهم أن يكون ذلك
وصية له منها فإن لم تتهم في ذلك لأولادها منه
أو من غيره جاز إقرارها وإقرار المريض الذي
يورث كلالة للصديق الملاطف بدين غير جائز لا
في رأس مال المقر ولا في ثلثه وقد قال إن ذلك
جائز له في ثلثه كالوصايا فإن ورثه بنوه جاز
إقراره على كل حال ومن أقر لغيره بشيء كان ذلك
متصلا بالإقرار ومنفصلا عنه وفيها اختلاف كثير
ولو أقر بوديعة لرجل وادعى أنه دفعها إليه كان
مصدقا ولو أقر بدين إلى أجل كان القول قوله
إلا أن يأتي بمستنكر من الأجل وقد قال إن
القول قول المقر له أن قال أنه حال ويحلف
والأول أصح لأنه لو شاء لم يقر ولا فرق عند
مالك بين قول المقر أعطيتني أو أخذت منك ولو
أقر بسرقة شيء يجب فيه القطع من ملك رجل
وأننكر رب الشيء المسروق أن يكون له لزمه عند
مالك قيمته والقطع بسرقته فإن شاء رب السرقة
أخذها وإن شاء تركها ولو أقر لرجل بمال قراضا
أو وديعة وقال قد تلفت وقال ربه بل كان قرضا
وهو عليك كان القول قول رب المال المقر له هذا
تحصيل
(2/888)
مذهب مالك ومن
أصحابه جماعة يرون القول في هذا قول المقر مع
يمينه وهو الأقيس إذا وصل قوله وقد تلف
بإقراره ولو أقر أنه غصب كيسا فيه ألف درهم
وادعى ربه أن فيه ألفين فالقول قول المقر هذا
تحصيل المذهب ولو قال ربها غصبتها وقال المقر
بل أودعتنيها فالقول قوله مع يمينه ومن أقر
بعدد واستثنى منه في نفس كلامه قبل استثناؤه
إن كان معروفا فيما يستعمل من كلام الناس وإن
كان المقر عربيا أو بصيرا بلسان العربحمل على
ما يجوز في اللسان ولو أقر رجل بالعبودية لغير
من هو في يده لم يصدق في ذلك ومن أقر لرجل
بسكنى دار وأن له عنده الكراء فليس ذلك مما
يثبت له الملك إن طلبه حتى تشهد له بينة على
أصل مكله ومن أقر في أمة هي بيده أنها ولدت من
بائعها عتقت عليه كما لو ابتاع عبدا وأقر أن
بائعه كان قد أعتقه ولو أقر رجل وعليه دين بأن
أمته ولدت منه ولا يعرف ذلك إلا من قوله لم
يصدق على ذلك فإن أدى الدين كانت أم ولده ومن
أقر بأخ وأنكره أخوه أو أخوته لم يأخذ من نصيب
من جحد شيئا ولم يثبت نسبه ولزم المقر به في
نصيبه مقدار ما كان نصيبه لو أقر سائر الورثة
ومن أقر بدين على ابنه حلف المقر له مع إقراره
إن كان عدلا واستحق حقه وإن لم كين عدلا أو
كانالقاضي لا يقضي باليمين مع الشاهد لزمه
مقدار حصته من الدين ولو أقرت له بدين على
زوجها لزمها من الدين بمقدار ما كان يجب عليها
لو اعترف جميع الورثة وكذلك من أقر بوصية ومن
أقر في
(2/889)
مال في يده أنه
قراض وقال ربه أنه وديعة كان القول قول المقر
لأنه لو لم يقر ما لزمه غير اليمين وفيها قول
آخر لمالك وأصحابه أيضا أن القول قول رب المال
أنه وديعة وفيها قول ثالث أنهم أيضا قالوا إن
علم أن المقر حركه واشترى به وشرع في ذلك
فالقول قول ربه لأنه لا يعمل فيه مودعا وأن لم
يحركه فالقول قول المقر ولو أقر أحد الورثة
بعتق عبد من الميراث وقال إن الميت أعتقه وأبى
سائر الورثة من تصديقه وجب عليهم أن يبيعوا
العبد فإذا حصل بيد المقر نصيبه من ثمنه اشترى
به رقبة فأعتقها فإن لم تبلغ ذلك فنصف رقبة
فإن لم يكن أعان به في آخر نجوم مكاتب ولو
كانوا جماعة عبيد فأقر بعض الورثة على الميت
أنه أعتق واحدا منم بعنيه لم يحلف ذلك العبد
مع تلك الورثة ويستحق العتق لأن العتق لا
يستحق بيمين وشاهد ولا بد فيه من شاهدين فإن
اقتسموا العبيد فوقع المقر يعتقه منهم في حصة
المقر أعتق عليه ومن أقر لرجل بعشرة دنانير
ناقصة وزعم المقر له أنها لست بناقصة فالقول
قول المقر مع يمينه ومن أقر لامرأته بدين من
سلف أو مهر وقال قد قضيتك لم يقبل قوله إلا
ببينة وليس ذلك كمثل ما يبيع لها ويشتري ويقبض
فذلك وكالة منها له ليس في ذلك لها إلا يمينه
ومن قال عند الموت لفلان عندي عشرة دنانير ولي
عليه خمسة فأنكر المقر له بالعشرة أن يكون له
عليه خمسة قضي له بالعشرة وعلى الورثة البينة
الخمسة وهذا خلاف من أوصى لرجل بعشرة دنانير
من ماله وقال لي
(2/890)
عليه خمسة
فأنكرالموصى له الخمسة فهذا لا يقضي له إلا
بالخمسة لأنه حيقن قال لي عليه مسة فلم يوص له
إلا بالخمسة وروى عيسى عن ابن القاسم في رجل
أتى مجلس قوم فقال أشهدكم أن لي على فلان كذا
وكذا دينارا وفلان ذلك مع القوم جالس في ذلك
المجلس فسكت ولم يقل نعم ولا لا ولا سأله
الشهود عن شيسء فلما قام يطلبه انكره قال ابن
القاسم ذلك لازم له إذا سكت ولم يقل لا وقال
غيره لا يلزمه إلا أن يقول نعم ومن أتى قوما
فقال أشهدكم أني قبضت من فلان المائة دينار
التي كانت لي عليه ولا شيء لي قبله منها فلقي
الشهةود ذلك الرجل فقالوا قد أشهدنا فلان أنه
قبض منك المائة دينار التي زعم أنها كانت له
عليك فقال كذب ما كان له علي شيء وإنما أسلفته
المائة دينار التي ذكر فقال ابن القاسم
والمخزومي القول قول الذي زعم أنه أسلفه مع
يمينه إن لم تقم للآخر بينة وقال غيرهما القول
قول المقر
(2/891)
|