المدخل
لابن الحاج [فَصْلٌ فِي سَلَامِ الْعِيدِ]
قَدْ اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِ
الرَّجُلِ لِأَخِيهِ يَوْمَ الْعِيدِ تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكَ
وَغَفَرَ لَنَا وَلَك عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:
جَائِزٌ لِأَنَّهُ قَوْلٌ حَسَنٌ.
مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْيَهُودِ.
مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَدُعَاءُ الْمُؤْمِنِ لِأَخِيهِ
مُسْتَحَبٌّ.
الرَّابِعُ: لَا يَبْتَدِئُ بِهِ فَإِنْ قَالَ لَهُ أَحَدٌ رَدَّ عَلَيْهِ
مِثْلَهُ.
وَإِذَا كَانَ اخْتِلَافُهُمْ فِي هَذَا الدُّعَاءِ الْحَسَنِ
(2/287)
مَعَ تَقَدُّمِ حُدُوثِهِ فَمَا بَالُكَ بِقَوْلِ الْقَائِلِ عِيدٌ
مُبَارَكٌ مُجَرَّدًا عَنْ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ مَعَ أَنَّهُ مُتَأَخِّرُ
الْحُدُوثِ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى أَنْ يَكْرَهُوهُ، وَهُوَ مِثْلُ
قَوْلِهِمْ يَوْمٌ مُبَارَكٌ وَلَيْلَةٌ مُبَارَكَةٌ وَصَبَّحَكَ اللَّهُ
بِالْخَيْرِ وَمَسَّاكَ بِالْخَيْرِ. وَقَدْ كَرِهَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ
اللَّهِ عَلَيْهِمْ كُلَّ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُهُ.
وَأَمَّا الْمُعَانَقَةُ فَقَدْ كَرِهَهَا مَالِكٌ وَأَجَازَهَا ابْنُ
عُيَيْنَةَ أَعْنِي عِنْدَ اللِّقَاءِ مِنْ غَيْبَةٍ كَانَتْ. وَأَمَّا فِي
الْعِيدِ لِمَنْ هُوَ حَاضِرٌ مَعَكَ فَلَا. وَأَمَّا الْمُصَافَحَةُ
فَإِنَّهَا وُضِعَتْ فِي الشَّرْعِ عِنْدَ لِقَاءِ الْمُؤْمِنِ لِأَخِيهِ.
وَأَمَّا فِي الْعِيدَيْنِ عَلَى مَا اعْتَادَهُ بَعْضُهُمْ عِنْدَ
الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ يَتَصَافَحُونَ فَلَا أَعْرِفُهُ. لَكِنْ قَالَ
الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ النُّعْمَانِ: - رَحِمَهُ
اللَّهُ - إنَّهُ أَدْرَكَ بِمَدِينَةِ فَاسَ وَالْعُلَمَاءُ الْعَامِلُونَ
بِعِلْمِهِمْ بِهَا مُتَوَافِرُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا فَرَغُوا مِنْ
صَلَاةِ الْعِيدِ صَافَحَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَإِنْ كَانَ يُسَاعِدُهُ
النَّقْلُ عَنْ السَّلَفِ فَيَا حَبَّذَا وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْ عَنْهُمْ
فَتَرْكُهُ أَوْلَى
[فَصْلٌ فِي خُرُوجِ النِّسَاءِ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ]
ِ قَدْ تَقَدَّمَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَمَرَ النِّسَاءَ بِالْخُرُوجِ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ فِي الْمُصَلَّى
حَتَّى الْحُيَّضَ وَرَبَّاتِ الْخُدُورِ» وَذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا
كَانَ عَلَيْهِ فِي وَقْتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ
التَّسَتُّرِ وَتَرْكِ الزِّينَةِ وَالصِّيَانَةِ وَالتَّعَفُّفِ وَأَنَّ
مُرُوطَهُنَّ تَنْجَرُّ خَلْفَهُنَّ مِنْ شِبْرٍ إلَى ذِرَاعٍ
وَبُعْدِهِنَّ مِنْ الرِّجَالِ، وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - لَوْ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ بَعْدَهُ لَمَنَعْهُنَّ الْمَسَاجِدَ
كَمَا مُنِعَهُ نِسَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ
فَيَتَعَيَّنُ مَنْعُهُنَّ فِي هَذَا الزَّمَانِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِمَا
فِي خُرُوجِهِنَّ مِنْ الْفِتَنِ الَّتِي لَا تَكَادُ تَخْفَى، وَمَا
يُتَوَقَّعُ مِنْ ضِدِّ الْعِبَادَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا. |