النوادر
والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الطهارة
قال أبو محمد عبد الله بن أبي زيد الفقيه: الحمدُ لله الذي بسَط نعمتَه،
وأقام حُجَّتَه، وأظْهر حكمَته، وتمَّم إعْذارَه ونَذَارَته بمحمدٍ نبيِّه
عليه السلام، فأَوْضَحَ به الدليلَ، وأنْهَج به السبيلَ، وأكْمَلَ به
دِينَه، وأَوْضَح به شريعتَه، فبلَّغ إلى الناس ما أُرْسِلَ به إليهم،
وبيَّن ما افْتَرَضَ اللهُ عليهم، وسَنَّ لهم وعَلَّمَهم، وأدَّبهم
وأرْشَدَهم، ثم مضَى صلى الله عليه وسلم حَمِيدًا فَقِيدًا، فأبْقَى كتابَ
اللهِ لأُمَّتِه نُورًا مُبِينًا، وسُنَّته حِصْنًا حَصِينًا، وأصْحابَه
حَبْلاً مَتِينًا، وجعل اللهُ سبحانه سَبِيلَهم الأَقْوَمَ، ومِنْهَاجَهم
الأَسْلَمَ، وطَرِيقَتَهم الْمُثْلَى، واسْتِنْبَاطَهم الأَوْلَى،
وتَوَاعَدَ مَن اتَّبَعَ غيرَ سَبِيلِهم أنْ {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى
وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء: 115)، ووَسَّع لهم
ولِمَن اتَّبَعَهم بإحْسان، في الاسْتِدْلالِ ممَّا أُجْمِلَ لهم مِن
جَوَامِعِ الْكَلِم في كتابِه، وعلى لسانِ نبيِّه، وأَذِنَ لهم في
الاجتهادِ في أحكامِهم، والحوادثِ
(1/3)
النَّازلةِ بهم، ممَّا ليس بِنَصٍّ عندهم
في الكتابِ والسُّنَّةِ نَصًّا لا يُخْتَلَفُ في تَأْوِيلِهِ، وأَوْجَدَهم
السَّبِيلَ إلى أنْ يَجِدُوا في الأُصول لكلِّ حادثةٍ مِثْلاً، ولكلِّ
فَرْعٍ عندهم أَصْلاً، ووَسَّع له في اسْتِدْلالِهم، وعَمَّهم بالأجر في
اخْتلافِهم، قال الله تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا
آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} (الأنبياء: 79)، وجعل ذلك لهذه الأُمَّةِ
رَحْمَةً عَمَّهم بها، وتَوْسِعَةً وفضيلةً خَصَّهم بفَضْلِها، وجعل ما
يَخْرُجُ عن اسْتِنْباطِهم، ويَتَّسِعُ فيه الاحْتمالُ في اسْتِدْلالِهم،
ويَجْرِي به الاجتهادُ في حَوادثِهم، يَخْرُج إلى حلال بَيِّنٍ، أو حَرامٍ
بَيِّنٍ، أو شُبْهَةٍ تُتَّقَى، وجعل الرسولُ عليه السلام تَوَقِّيَ
الشُّبُهاتِ أَبْرَأَ للمرءِ في سلامةِ دينهِ وعِرْضِه.
فالحمدُ للهِ الذي مَنَّ بِكِفَايتِه، وأَنْعَمَ بهدايتِه، ورَفَقَ بنا في
التَّكْليفِ في عبادتِه، وجعل النجاةَ للمُتَأَخِّرين في اتِّباعِ سَبِيلِ
المُتَقَدِّمين، ولم يُوَسِّعْ لِمَنْ بَعْدَهم أَنْ يَرْغَبَ عن
إجْماعِهم، أو يَخْرُجَ عن اخْتلافِهم، أو يَعْدِلَ عن تَأْوِيلِهم
وَمِنْهَاجِهم.
وَقد اخْتُلِفَ في إجْماعِ مَن كان بالمدينةِ من الصَّدْرِ الأوَّل، وفي
اجْتماعِ الجمهورِ مِن كلِّ قَرْن، والذي ذهبْنا إليه أنَّ ذلك لا يَسَع
خِلاَفُه، كالإجْمَاعِ الذي يُخَالَفُ فيه، وإن كان هذا مَقْطُوعًا به، ولا
يُقْطَعُ بالأوَّل وقد أَوْرَدْنا لذلك ولِمَا يُشْبِهُه كتابًا
سَمَّيْنَاه (كتابَ الاقْتِدَاء)، وقُلْنَا:
(1/4)
إنه ليس لأحدٍ أَنْ يُحْدِثَ قولاً أو
تَأْويلاً لم يَسْبِقْهُ به سَلَفٌ , وإنه إذا ثَبَت عن صاحبٍ قَوْلٌ لا
يُحْفَظُ عن غيرِه من الصحابةِ خِلاَفٌ له ولا وِفَاقٌ , أنَّه لا يسَع
خِلافُه. وقال ذلك معَنا الشافعيُّ , وأهلُ العراقِ , فكلُّ قولٍ نَقُولُه
, وتأويلٍ مِنْ مُجْمَلٍ نَتَأَوَّلُه , فعَن سَلَفٍ سَابقٍ قُلْنَا , أو
مِن أَصْلٍ من الأصول المذكورةِ اسْتَنْبَطْنَا.
عَصَمَنَا اللهُ وإيَّاكم من الهَوَى , والعُدولِ عن الطريقةِ المُثْلَى ,
وصلَّى اللهُ على محمدٍ نبيِّه , وعلَى آلِه وسلَّم.
أمَّا بعد , يسَّرنا اللهُ وإيَّاكم لرعايةِ حُقُوقِه, وهدانا إلى توفيقِه,
فقد انْتَهَى إليَّ ما رغبتَ فيه , مِنْ جَمْعِ النَّوادرِ والزِّيادات
علَى ما في (المُدَوَّنة) مِن غيرِها من الأُمَّهات , مِن مَسائلِ مالكٍ
وأصحابِه , وذكرْتَ ما كَثُرَ عليك مِن دَواوِينِهم , مَع رَغْبَتِك في
نوادرِها وفوائدِها , وشَرْحِ مُشْكِلٍ في بعضها, واخْتلافٍ من الأقاويلِ
يشتملُ عليه كثيرٌ منها، وهي مع ذلك فأكثرُها بعضُها مِنْ بعضٍ يتَكَرَّر
في بَسْطِها، ويُبْسَط على كَثْرَةِ التَّبْيِين فيها، ولَعَمْرِي إنَّ
العنايةَ بقليلِ ذلك كُلِّه وكثيرِه محمودةٌ، والخيرَ في ذلك كلِّه
مَأْمولٌ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وكُلٍّ ينْتَهِي إلى ما يُسِّرَ
إليه، وأُعِين عليه، وذلك مِن اللهِ سبحانَه حكمةٌ يَنْفَعُ بها، ورحمةٌ
وَسَّع فيها، وعنايةٌ يَأْجُرُ عليها، ودرجةٌ إن شاء اللهُ يَرْفَعُ بها
مَنْ صَحَّتْ مَقَاصِدُه فيها، بارَك الله لنا ولك فيما يَسَّرنا إليه
والعلمُ لا يأْتِي إلاَّ بالعنايةِ والمُباحثةِ والمُلازمةِ، مع هدايةِ
اللهِ وتَوْفِيقِه، قال أبو الدَّرْدَاء: العلمُ بالتَّعَلُّمِ، والحِلْمُ
بالتَّحَلُّم. وقال ابنُ المُسَيَّب: إنْ كنتُ
(1/5)
لأسيرُ الليالي والأيام في طلب الحديث
الواحد. وقد كان يرحل إلى المدينة في المسألة الواحدة. وقد عُنِي موسى
صَلَّى الله عليه في طلب المزيد من العلم إلى ما عندَه، وقال: {هَلْ
أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} (الكهف:
66)، وأوصى لقمان ابنه بمجالسة العلماء ومزاحمتهم بالرُّكَبِ. قال مالك:
أقمت خمس عشرة سنة أغدو من منزلي إلى ابن هرمز، فأقيم عنده إلى صلاة الظهر.
مع ملازمته لغيره، وكثرة عنايته. وأقام ابن القاسم متغَرِّبًا عن وطنه
عشرين سنة في رحلتيه، ثم لم يرجع حتى مات مالك. ومما روي عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنَّه قال: «مَنْهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ؛ مَنْهُومٌ فِي
الْعِلْمِ لاَ يَشْبَعُ مِنْهُ، وَمَنْهُومٌ فِي دُنْيَا لاَ يَشْبَعُ
مِنْهَا». قال ابن مسعود: لا يستويان؛ المنهوم في العلم يزداد به خشية
الرحمن، والمنهوم في المال يُؤَدِّيه إلى طُغيان. وفي بعض الحديث:
«اللَّهُمَّ لاَ فَقْرٌ يُنْسِينِي، ولا غِنًى يُطْغِينِي».
(1/6)
وقيل: إن طالب العلم يحتاج إلى البكور فيه،
واستدامة الصبر على طلبه، وشدة الحرص عليه، وإذا كان الحريص لا يُقْلِعُ،
والمنهومُ لا يَشْبَعُ، والحوادثُ تَحُولُ دون الأمل، فصرف الجُهْد
والهِمَّةِ إلى ما يُتَعَجَّلُ بَرَكَتُه، مِن التَّفَقُّه في دينِ الله،
وتتأجَّلُ غِبْطَتُه مِن العملِ به، أوْلَى مِن الاستكثار من الأسفار بلا
تفَقُّهٍ، والتَّحَلِّي بغير تَحْقيقٍ.
قال الحسن: إن هذا الدين ليس بالتحلي ولا بالتمنِّي، ولكن ما وَقَرَ في
القلوب، وصَدَّقَتْه الأعمال. قال ابن هرمز: ما طَلَبْنا هذا الأَمْرَ
حَقَّ طَلَبِه. قال غيره: وأرْجَى الناسِ في نَيْلِ ما يَبْقَى مَن جَدَّ
في طَلَبِه، واسْتَدامَ الصبرَ عليه وأوْطَنَه. وممَّا تَمَثَّل به
سَحْنُون:
أَخْلِقُ بِذِي الصَّبْرِ أنْ يَحْظَى بِحَاجَتِهِ ... ومُدْمِنِ الْقَرْعِ
لِلأَبْوَابِ أَنْ يَلِجَا
وتمثَّل غَيرُه في حَمْلِ الأسْفارِ بلا تَفَقُّهٍ، فقال:
(1/7)
زَوَامِلُ لِلأَسْفَارِ لا عِلْمَ
عِنْدَهُمْ ... بِجَيِّدِهَا إِلاَّ كَعِلْمِ الأَبَاعِرِ
لَعَمْرُكَ مَا تَدْري المَطِيُّ إِذا غَدَا ... بِأَحمالِهِ أَوْ رَاحَ
مَا فِي الغَرَائِرِ
وكان يُقالُ: لا يؤْخَذُ العلم من كُتُبِيٍّ، ولا القرآنُ من مُصْحَفِيٍّ.
وإنْ كانت الكتبُ في آخرِ الزمانِ خزائنُ العلوم؛ فإنَّ مَفاتيحَ
مَغالِقِها الصُّدورُ، وقد كان العِلْمُ في الصَّدْرِ الأوَّل خزائِنُه
الصدورُ ولم تكن كُتُبٌ، وصار في آخِرِ الزمانِ أكثرُه في الكتبِ وأقَلُّه
في الصدور، وكثُرت الكتبُ بالشَّرْح والتَّأْلِيد والتَّفْسير لِمَا قال
أهلُ المدينةِ وكَثُر التَّقْصير، وإن كان مُتَقَدِّمُو أهلِ المدينةِ
أقلَّ تَكَلُّفًا مِن غيرِهم، وكانوا أَعْلَمَ الناس بالأُصولِ مِن
الأحكامِ والسُّنَنِ، وما تكلَّم فيه الصحابةُ ومَن بعدَهم من التَّأويل،
وما اخْتَلَفُوا من الحوادث، وإنَّما وُلِّفَتِ الكتبُ في القرن الثالث.
قال مالك: لم يكنْ عندَ ابن شهاب كتابٌ إلاَّ كتابٌ فيه نَسَبُ قومِه. وكان
عند أبي قلابة حِمْلُ بغْلٍ كتبًا , وإنَّما كَثُرَ حَمْلُ الفِقْهِ عن أهل
المدينة على قِلَّةِ تكَلُّفِهم للتأليف والتأليد لحاجة الناس إليهم، ولم
يضعْ مالك كتابًا غير الموطَّأ، لَمَّا سأله المنصور في تأليفه، فاقتصد
فيه، ولم يُكْثِر، وأنت كما ترى قلة تكلفه قد نُقِلَ عنه إلى العراق نحوٌ
من سبعين ألف مسألة. قال شيوخ البغداديين: هذا غيرُ ما زاد علينا أهلُ
العراق ومصر والمغرب؛ لأن أهل الآفاق كانوا يقصدون إليه رحلة وبحثًا في
الفقه والحديث، مع قصد الأمراء وغيرهم من بلده وسائر البلدان، في النوازل
وغيرها، فكثُرت الحاجة إليه، هذا مع كثرة توَقُّفه في الفتوى، والهروب
منها، وكثرة قوله: لا أدري. فتأمَّلْ هذا
(1/8)
كلَّه يدُلُّك على جلالة حال الرَّجُل في
ذلك العصر الذي كان فيه خيار الناس وكثرة الرغبة إليه، واجتماع القول على
نقائه وتمامه، واختيارهم لاختياره، وذلك لما تأكَّد عند أهل العصر من
جلالته في الدين، والنفاذ في الفقه والحديث، وجودة العقل والسلامة من
الريب، وقد ذكرنا في كتاب (الذبِّ) عن غير شيء من مذاهبه بعض مناقبه
وأحواله، ومَحَلَّه عند أئمَّة الناس في عصره، جعلنا الله وإيَّاكم ممَّن
اتَّبع سبيل الذين مَضَوْا بإحسان.
وإن كان مَن تقدَّم أهل المدينة يكرهون تأليد السُّؤَال، قال مالك: لم يكن
الذين مضوا أكثر الناس مسائل، وأُراهم إنَّما يكرهون التكلُّف إلى ما ينتهي
إلى التنطُّع، ولا يكرهون ما يُبَيَّنُ به للمتَعَلِّم مُشْكِلاً، وما
يَعرِض من النوازل، وكان يقال: إذا نزل الشيء أُعِينَ عليه صاحبه، ولعمري
إن السؤال يفتح العلم. قال ابن شهاب: العلم خزائن ويفتحها السؤال. وقال
غيره: السؤال نصف العلم. قال ابن عباس: يُحْتاجُ للعلم لسانٌ سئولٌ، وقلب
عَقُولٌ. وربما قال زيد بن أسلم لبعض من يخلط في سؤاله: اذهب فتعَلَّمْ
تَسَل، ثم تأتي.
قال أبو محمد: وذكرت -وفَّقنا الله وإيَّاك إلى مَحَابِّه- ما كَثُرَ من
الكتب مع ما قلَّ من الحرص والرغبة، وضَعُفَ من الطلب والعناية، والحاجة
إلى ما افترق في كثرة الكتب من شرح وتفسير وزيادة معنًى شديدة، ورَغِبْتَ
في أن نستثير العزيمة وتفتح بابًا إلى شدَّة الرغبة بما رغبتَ فيه من
اختصار ما افترق من ذلك في أُمَّهات الدواوين من تآليف المتعقِّبين،
وذكرْتَ أن ما في
(1/9)
كتاب محمد بن إبراهيم ابن الْمَوَّاز،
والكتاب المستخرج من الأسمعة، استخراج العتبي، والكتب المسماة الواضحة
والسماع المضاف إليها المنسوبة إلى ابن حبيب، والكتب المسماة المَجْمُوعَة
المنسوبة إلى ابن عبدوس، والكتب الفقهية من تأليف محمد ابن سحنون، أن هذه
الدواوين تشتمل على أكثر ما رَغِبْتَ فيه من النوادر
(1/10)
والزيادات، ورغبتَ في استخراج ذلك منها
وجَمْعِه باختصار من اللفظ في طلب المعنى، وتقصِّي ذلك وإن انبسط بعض
البسط، والقناعة بما يُذْكَرُ في أحدها عن تكراره، والزيادة إليه ما زاد في
غيره؛ ليكون ذلك كتابًا جامعًا لما افترق في هذه الدواوين من الفوائد،
وغرائب المسائل، وزيادات المعاني على ما في المدونة، وليكون لمن جمَعه مع
المدونة أو مع مختصرها مَقْنَعٌ بهما، وغِنًى بالاقتصار عليهما؛ لتَجْمع
بذلك رغبَتُه، وتيتجمَّ همَّتُه، وتعظم مع قلَّة العناية بالجمع فائدته،
وقد رغبتُ في العناية بذلك، لِمَا رَجَوْتُ إن شاء الله من بركة ذلك،
والنفع له لمن رسمه، ولكل من تعلَّمه، وأنا أفي لك، إن شاء الله، بنوادر
هذه الدواوين المذكورة، وأذكر ما أمكنني وحضرني من غيرها، وبالله نستعين في
ذلك، وإيَّاه نستخير فيه، ونستمدُّه توفيقه وعصمته، ونسأله نفع ذلك وبركته،
وصَلَّى الله على نبيه محمد وعلى آله وسلَّم.
واعْلَم أن أسعد الناس بهذا الكتاب مَن تقدمت له عناية، واتسعت له رواية؛
لأنه يشتمل على كثير من اختلاف علماء المالكيين، ولا يسَعُ الاختيار من
الاختلاف للمُتَعلِّم ولا للمُقَصِّر، ومَن لم يكن فيه مَحْمَل الاختيار
للقول لتقصيره فله في اختيار المتعقِّبين من أصحابنا من نُقَّادِهم
مَقْنَعٌ، مِثْل
(1/11)
سحنون، وأصبغ، وعيسى بن دينار ومن بعدهم،
مثل: ابن الْمَوَّاز، وابن عبدوس، وابن سحنون، وابن الْمَوَّاز أكثرهم
تكلُّفًا للاختيارات، وليس يبلغ ابن حبيب في اختياره، وقوَّة رواياته مبلغ
مَن ذكرنا، والله يهدي إلى سواء السبيل.
وأنا أذكر لك رواياتي في هذه الدواوين، فأما المُسْتَخْرَجَة من السماعات
فقد حدَّثني بها أبو بكر بن محمد، عن يحيى بن عبد العزيز، عن العتبي محمد
بن أحمد.
وأما المَجْمُوعَة فقد حدَّثَني بها حبيب بن الرَّبِيع، عن محمد بن بسطام،
عن محمد بن عبدوس، عن سحنون، عن رجال مالك.
(1/12)
وأما كتب ابن الْمَوَّاز فروايتي عن درَّاس
بن إسماعيل، عن علي بن عبد الله بن أبي مطر، عن محمد بن إبراهيم بن
الْمَوَّاز، وبعضها عند عليٍّ إجازة. وأما الواضحة، والسماع فروايتي عن عبد
الله بن مسرور، عن يوسف بن يحيى المغامي، عن عبد الملك بن حبيب.
وأما كتب ابن سَحْنُون، فعن محمد بن موسى، عن أبيه، عن ابن
(1/13)
سَحْنُون، وبعضها عن محمد بن مسرور، عن غير
واحد من أصحاب ابن سَحْنُون، عنه.
ومختصر ابن عبد الحكم حدَّثني به محمد بن مسرور، عن المقدام، عن عبد الله.
وما ذكرت فيه لبكر بن العلاء، وأبي بكر الأبهري، وأبي
(1/14)
إسحاق بن الْقُرْطِيِّ فقد كتبوا إلي به،
وكلُّ ما ذكرت فيه عن ابن الجهم فقد أُخْبِرْتُ به عنه به، وكل من ذكرت فيه
من غير ذلك فبروايات عندي يكثر ذكرها.
(1/15)
في غسل اليد قبل دخولها في الإناء، وتوضُّئ
النساء قبل الرجال، أو بعدهم من إناء
واحد، وذِكْر التسمية عندَ الوُضوء، ومَسْح
الوجه بالمنديل
من الواضحة وغيرها: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المستيقط من نومه
أَنْ يُدخل يده في وَضوء حتى يغسلها، فقيل: إن ذلك لِمَا لعلَّه قد مسَّ من
نجاسة خرجت منه لا يعلم بها، أو غير نجاسة من ما يُتَقَذَّر. وقيل أيضًا:
وقد يكون ذلك لأن أكثرهم كان يستجمر بالحجارة، وقد يمَسُّ موضع ذلك. والله
أعلم.
قال ابن حبيب: وقال الحسن: معنى ذلك في الجُنُب من احتلام. قال ابن حبيب:
أو جُنُب لا يدري ما أصابت يده من ذلك، فإن أدخل هذا يده قبل أَنْ يغسلها
أفسد الماء.
وقال مالك: ينبغي لكل متوضِّئ أن لا يدع غَسل يده عند وُضوئه، قبل أَنْ
يُدخلها في الإناء على كل حال.
قال مالك في المختصر والمَجْمُوعَة، فِي مَنْ أدخل يده في الإناء قبل أَنْ
يغسلها، من جُنُب أو حائض، ومن مسَّ فرجه، أو أنثييه في نوم، فلا يفسد
الماء، وإن كان قليلاً، إلاَّ أَنْ يُوقن بنجاسة في يده، ولا ينبغي له ذلك
وإن كانت يده طاهرة، وكذلك مَن انْتَقَضَ وُضوؤه.
ومن المَجْمُوعَة: روى ابن القاسم، وابن وهب، عن مالك في الجُنُب
(1/16)
يَمَسُّ فرجَه بيمينه، ثم يُدخلها في
الإناء قبل أَنْ يغسلها، ولا يعلم أنَّه أصابت يده شيئًا، قال: يُبْدِلُ
ذلك الماء، وما ينبغي له أَنْ يَمَسَّ فرجه بيمينه.
ومن الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم، عن مالك فِي مَنْ قام من النوم، فيُدخل
يده في إنائه، قال: لا بأس به ومثله الجَرَّةُ يستيقظ أهل البيت، فيغرفون
منها، ويُدخلون أيديهم.
قال أشهب: استحبَّ مالك للمتوضِّئ أَنْ يُفْرِغ على يده اليمنى، ثم يغسلها.
وذكره ابن نافع، عن مالك في المَجْمُوعَة.
قال عيسى عن ابن القاسم: أَحَبُّ إليَّ كما جاء في الحديث، يُفْرِغُ على
يديه فيغسلهما ثلاثًا، فإن غسل يمينه، ثم أدخلها في الإناء أجزأه.
قال ابن حبيب يغسل اليمنى ثم يُفْرِغُ بها على اليسرى في الاستنجاء، ثم
يغسلها فيُنَقِّيها من الاستنجاء، ثم يتمضمض، ويستنشق.
قال عبد الملك بن الحسن، في الْعُتْبِيَّة، عن ابن وهب: ومن
(1/17)
استنجى ثم قطر منه بول، فحلب ذَكَرَه،
فليعد غسل يده قبل أَنْ يُدخلها في الإناء، وكذلك مَن أتَمَّ وضوءه، ثم خرج
منه ريح، قاله مالك استحبابًا. وقال أشهب: ليس ذلك عليه إن لم تُصِبْ يده
نجاسة، وعَهْدُه بالماء قريب، إلاَّ أَنْ يبعد ذلك.
قال أبو زيد، عن ابن القاسم: ولو أحدث بعد غسل وجهه ويديه، فليُفْرِغ على
يده، ثم يأتنف الوضوء. قال عنه عيسى: ذلك أَحَبُّ إِلَيَّ.
ومن المَجْمُوعَة، قال ابن وهب، وابن نافع، عن مالك، في المتوضِّئ يخرُج
منه ريح ويده طاهرة، فيريد الوضوء، قال: يغسل يده أَحَبُّ إليَّ.
قال عنه ابن نافع: إلاَّ أَنْ يكون عهده بالماء قريبًا.
قال ابن وهب: وقد قال قبل ذلك: لا بأس أَنْ يُدخلها إذا كانت طاهرة.
قال عنه عليٌّ: إذا توضَّأ وغسل يديه، ثم قطر منه بول، أو خرَج منه ريح،
فليغسل يده، أفضل في الاحتياط، وإن لم يفعل فذلك واسع.
قال عنه ابن نافع فيها، وفي الْعُتْبِيَّة، فِي مَنْ وجد نهرًا سائلاً، أو
غديرًا، ولا يجد ما يأخذ به منه لِيَصُبَّ على يده، فيُدخل يده فيه، ولا
يأخذ بفيه، وليس ذلك من عمل الناس أَنْ يأخذ بفيه فيَصُبَّه على يديه.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال موسى بن معاوية، عن ابن القاسم، في الرَّجُل
(1/18)
يَرِدُ الحوض فيه الماء، وليس معه إلاَّ
ثوب نجس، وليس معه ما يأخذ به، ويده قَذرة، أيتيمَّم ولا يُدخل يده فيه، أو
يدخل يده فيه ويتوضَّأ؟ قال: يَحتال إما بثوب وإما بفيه، أو ما قدر عليه،
فإن لم يقدر على حيلة فلا أدري ما أقول فيها، إلاَّ أَنْ يكون ماء كثيرًا
مَعِينًا، فلا بأس أَنْ يغتسل فيه.
ومن المَجْمُوعَة، قال ابن نافع، عن مالك، في الخدم يُدخلون أيديهم في
الماء من غير غَسل، قال: لا يَضُرُّ ذلك الماء.
قال عنه عليٌّ: قال ابن عمر: كان النساء والرجال يتوضَّأون من إناء واحد
بعهد النبي عليه السلام. قال مالك: يتوضَّأ الرجال، ثم يأتي النساء
فيتوضَّأون.
قال عنه ابن وهب: كان لزيد بن أسلم مِرْكَنٌ يتوضَّأ منه هو وأهله، وكان
(1/19)
مثله لسعد بن أبي وقاص، قال: وربما
توضَّأنا بفضلهن.
قال مالك: ولا خير في هذا التقَزُّز والتنجُّس، وأَحَبُّ إليَّ أَنْ يكون
لهم قدح يغرفون به.
قال عليٌّ: قال مالك: ما أعرف التسمية في الوضوء. وأنكرها، واستحبَّ ذلك
علي بن زياد، وقاله سفيان.
قال ابن حبيب: وما روي: «أنه لا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يُسَمِّ اللهَ». أراه
يعني أَنْ يكون نيَّتُه، ويحتمل تسمية الله سبحانه في ابتدائه، وأَحَبُّ
إليَّ أَنْ يسمِّي، وقد روي ذلك.
قال غيره: ولا يأتي من طريق يصِحُّ، والتسمية في كل شيء حسنة.
ومن المَجْمُوعَة قال ابن نافع، عن مالك: وَلا بَأْسَ بالسواك بعد الوضوء.
قال عنه عليٌّ: لا بأس بالوضوء بفضل السواك.
قال في المختصر: ومَن تسوَّك بأصبعه فلا بأس أَنْ يُعِيدَ في وضوئه.
قال عنه ابن نافع في المَجْمُوعَة: وأَحَبُّ إليَّ أَنْ يغسلها، وأرجو أَنْ
يكون واسعًا.
قال ابن حبيب: ويُكْرَهُ السواك بعُود الرُّمَّان والريحان.
ومن الْعُتْبِيَّة، والمجموع، قال ابن القاسم، عن مالك: وإذا لم
(1/20)
يَجِد سواكًا فالأصبع يجزئ من السواك.
ومن المَجْمُوعَة، قال ابن القاسم عن مالك: قال محمد بن يحيى بن حَبَّان:
أدركتُ رجالاً من أهل العلم، تكون معهم أسوكة يتسوَّكون بها لكل صلاة.
قال في الْعُتْبِيَّة ابن القاسم، عن مالك: لا بأس أَنْ يمسح وجهه بخرقة من
ماء الوضوء، وإنِّي لأفعله. قيل: نهى عنه بلال بن عبد الله بن عمر. فأنكر
ذلك , وقال: ولو قاله بلال أيؤخذ ذلك منه!
قال عنه عليٌّ في المَجْمُوعَة، قال: قلت أَفَيَفْعَلُ ذلك قبل غَسْل
رجليه، ثم يغسل رجليه بعد؟ قال: نعم، وإني لأفعل ذلك.
في الاستنجاء والاستجمار، واستقبال القبلة
للبخلاء والوطء، وذكر الارتياد للحاجة،
وذكر الوسوسة والاستنكاح
من المختصر قال مالك: لا تُسْتَقْبَلُ القبلة، ولا تُسْتَدْبَرُ لبول، أو
غائط، في الفلاة، والسطوح التي يَقر أَنْ ينحرف فيها، فأما المراحيض التي
عُمِلَت فلا بأس بذلك فيها.
(1/21)
قال غيره: وقد رأى ابن عمر النبي صلى الله
عليه وسلم على لبنتين مستقبل بيت المقدس لحاجته.
قال ابن حبيب: قال عطاء ك ويُكْره أَنْ يطأ الرَّجُل امرأته مستقبل القبلة.
قال ابن حبيب: يعني إذا أصحر بذلك.
ويُكره أَنْ يتغوَّط في ظلال الجُدُر والشجر وقارعة الطريق، وضَفَّة الماء،
وقربه، ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض.
قال غيره: ويستتر بما وجد من هدف أو جدار أو حائط نخل.
قال ابن حبيب: ولا يُكره البول قائمًا في الموضع الدَّمِثِ لا يتطاير، وَلا
بَأْسَ بالبول في الماء الجاري، ويُكره في الراكد وإن كثر، ويُكره أَنْ
يبول في المَهْوَاةِ، وليبل دونها، ويجري إليها، وذلك من ناحية الجانِّ
ومساكنها. وَلا بَأْسَ أَنْ يبول في موضع غُسله إن أتبعه ماء، وكان
منحدرًا. واللذان يذهبان إلى الخلاء فليتباعدا، وكُره أَنْ يتقاربا.
وفي كتاب آخر: ويُكره أَنْ يتحدَّث على طرفيهما، ولا يتكلَّم الرَّجُل على
طرفه.
ومن المَجْمُوعَة قال ابن نافع: وبال ابن عمر قائمًا من كِبَرٍ، وبال ابن
المسيب قائمًا.
قال غيره: وبال النبي صلى الله عليه وسلم قائمًا. ونهى أَنْ يَأْخُذَ
فَرْجَه
(1/22)
بيمينه للبول.
ومن المَجْمُوعَة قال ابن نافع عن مالك، في قول النبي عليه السلام: «وَمَنِ
اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ». إنه في الاستطابة. وقال عنه عليٌّ: إنه تأوَّله
في استجمار البخور، ثم رجع إلى أنَّه في الاستطابة.
ومن الْعُتْبِيَّة، ابن القاسم، عن مالك: ولا يُسْتَنْجَى بعظم، ولا
رَوْثٍ.
وقال: في سماع أشهب أيضًا في العظم والحُمَمَة.
قال في المَجْمُوعَة في الرَّوْثِ والحُمَمَة: ما سمعتُ فيه بنهي عامٍّ،
وقد سمعتَ ما يقال، وأما في علمي فما أرى به بأسًا.
وقال ابن نافع: أنهى عنه لِمَا جاء فيه عن النبي عليه السلام.
قال أصبغ في كتاب آخر: ومَنِ اسْتَجْمَرَ بعُودٍ أو فَحْمٍ، وهي الحممة، أو
(1/23)
بخرق أَعَادَ الصَّلاَة في الوَقْتِ، ووقته
وقت الصَّلاَة المفروضة.
قال ابن حبيب: استخفَّ مالك، ما سوى العظم والروث. وقد جاء النهي عن الحممة
والجلد والبَعْرة، فمَن استنجى بذلك، أو بحجر واحد فقد أساء، ولا شيء عليه
إذا أنقى.
ومن الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم، عن مالك: ومن استجمر بأحجار، وصَلَّى
ولم يستنجِ أجزأه.
قال عيسى، عن ابن القاسم: وكذلك من استنجى بمَدَرٍ، وإن استجمر بحجر واحد
فلا إعادة عليه للصلاة، إذا أنقى.
وقال في المختصر: ويُجْزِئُهُ أَنْ يستجمر بالأحجار، إلاَّ أَنْ يكون أصاب
ذلك غير المخرج، وغير ما لا بد منه، فإنه يُعِيد في الوَقْتِ.
ومن الْعُتْبِيَّة قال أبو زيد، عن ابن القاسم، فِي مَنْ لم يستنجِ، ولم
يستجمر: فليعد في الوَقْتِ، كالذي يصلي به في ثوبه أو جلده.
قال أبو محمد: يريد ناسيًا. في قول ابن القاسم.
قال ابن القاسم: وإن استجمر لم يُعِدْ، وكذلك لو بالغ بحجر أو بحجرين.
وقال قوم: إن عدا المخرج. فسألت مالكًا، فلم يذكر: عدا المخرج.
(1/24)
فإن قيل إن مَن مضى كانوا يبعرون. قيل له:
فإن البول منَّا ومنهم واحدٌ.
قال بعض أصحابنا: وإذا أنقى بحجر واحد فليمسح باثنين؛ ليُتِمَّ ثلاثًا.
وقال آخرون: لا بد أَنْ يُخرِج ثلاثًا نقية. وقيل: إذا أنقى بواحدة اكتفى.
قال ابن حبيب: ولا يجر لآخذ الماء أَنْ يستجمر؛ لأنه أمْرٌ قد تُرِكَ. قال
مطرف: قال لي مالك: قيل لابن شهاب: أُنشدك، هل علمتَ أن مَن مضى كان
يستجمر؟ فسكتَ. قال مالك: كَرِهَ أَنْ يذكر شيئًا صار عملُ الناس خلافه.
ومن المَجْمُوعَة قال عليٌّ، عن مالك فيمن معه ماء قليل: فليستجمر
بالحجارة، ويُنَقِّيه لوضوئه.
قال ابن نافع: قيل لمالك: أيُستنجى بالخاتم وفيه ذِكْرُ الله؟ فقال: إنه
عندي تخفيفٌ، وتَرْكُهُ أحسن، وفيه سَعَة.
قال ابن حبيب: وأكره أَنْ يستنجي به، وليُحَوِّلْه عند الاستنجاء في يده
اليمنى.
قال في المختصر: ولا يستنجي بيمينه.
قال ابن حبيب: ويُكره أَنْ يمسح بها مخرج البول، أو يتمخَّط بها، أو يغسل
بها باطن قدميه. روي عن النبي عليه السلام النهي عنه.
(1/25)
وليس الاستنجاء من سنن الوضوء، ولا من
فرائضه، لكن هو من باب غسل النجاسة، يُجزئ بغير نيَّة، وإنما الوضوء من
المضمضة إلى ما بعد ذلك.
قال ابن القاسم، عن مالك في الْعُتْبِيَّة: وَلا بَأْسَ أَنْ يستنجي
ويُؤَخِّرَ الوضوء.
ولبعض أصحابنا في الاستنجاء أنَّه يُسْتَحبُّ له أَنْ يبدأ بِغَسل مَخرج
البول، ثم يمسح الأذى منه بمَدَر أو خرقة أو غيرها، وإلاَّ فبيده، ثم يغسل
يده ويُنَقِّيها، ثم يستنجي ويُوَالي صَبَّ الماء، ويسترخي قليلاً؛
ليتمكَّن من الإنقاء، ويُجيد العَرْك حتى يُنَقِّيَ ويُزيل اللُّزُوجة،
وذلك في الإبعار أخفُّ منه في الإثلاط، ولا يَضُرُّه إن بقيت بيده رائحة
إذا أنقى.
(1/26)
ومن المختصر: وليس على الذي يستبرئ البول
أَنْ ينتفض ويتنحنح، ويقوم ويقعد، ولا يمشي، ويستبرئ ذلك بأيسره، بالنفض
والسلت الخفيف.
قال ابن القاسم عن مالك في الْعُتْبِيَّة: في الذي يُكْثر السلت ويقوم
ويقعد، قال: ليس ذلك بصواب.
قال أبو محمد: وفي باب القصد في الماء، ذكر تخفيف ربعة في سرعة التَّنَظُّف
من البول، وإبطاء ابن هرمز فيه، وقوْلَه: لا تقتدوا بي.
قال ابن نافع في المَجْمُوعَة عن مالك: ولم أسمع عن أحد ممن مضى أنَّه كان
يُقيم بعد فراغه حتى ينعصر.
ومَن وجد بللاً بعد أن تَنَظَّف فلم يَدْر من الماء هو أم من البول؟ فأرجو
أن لا شيء عليه، وما سمعتُ مَن أَعَادَ الوضوء من مثل هذا، وإذا فعل هذا
تمادى به.
قال عنه ابن القاسم: فالذي يُحِسُّ شيئًا منه بعد البول فلا تطيب نفسه،
قال: هذا من الشيطان. وكَرِهَه.
قال ابن حبيب: ويُسْتَحبُّ لسلس البول والمذي أَنْ يُعِدَّ خِرقًا يقي بها
عن ثوبه، والوضوء له وللمستحاضة لكل صلاة، مع غَسل فرجه.
قال سحنون: ليس عليه غَسل فرجه.
(1/27)
قال عليٌّ عن مالك في المَجْمُوعَة في مَن
يَجد بأثر وضوئه بللاً، أو شيئًا ينحدر من ذَكَرِه: فإن كان شيئًا يستنكحه
عند الوضوء، فلينضح إزاره، ويَلْهُو عنه، وإن أصابه المرة بعد المرة
فليتوضَّأ.
قال عنه ابن نافع: ومَن وجد بللاً في الصَّلاَة فلا ينصرف حتى يُوقن به،
فينصرف. وإنما يتمادى المستنكح.
في القصد في الماء في الوضوء والغُسل، ومقداره
من الْعُتْبِيَّة قال أصبغ: قال سفيان، وابن القاسم: الفَرَقُ ثلاثة آصُع.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يثوضَّأ منه، ويتطهَّر. وفي موضع آخر أنَّه
كان يغتسل.
(1/28)
قال ابن حبيب: وروي أنَّه اغتسل بقد الصاع،
وتوضَّأ بقدر المُدِّ، وروي أنَّه توضَّأ بقدر نصف المُدِّ.
ومن المَجْمُوعَة قال ابن نافع: قال مالك: سمعتُ مَنْ يقول إنه يُجزئ في
الطهور صاعٌ بالصاع الأول.
ومن الْعُتْبِيَّة قال عيسى عن ابن القاسم، عن مالك، ورواه في
المَجْمُوعَة، عن ابن القاسم، وابن وهب، عن مالك، قال: رأيتُ
(1/29)
عباس بن عبد الله بن معبد، وكان فاضلاً،
يتوضَّأ بِثُلُثِ مُدِّ هشام، ويَفْضُل له منه، ويصلي بالناس، فأعجب ذلك
مالكًا.
قال ابن حبيب: والقصد في الماء مُستحبٌّ، والسرف فيه مكروه.
قال مالك: كان ربيعة أسرع الناس وضوءًا، وأقلَّهم لُبْثًا في البول.
وفي الْعُتْبِيَّة من سماع ابن القاسم عن ربيعة مثله.
قال ابن حبيب: وكان ابن هرمز بطيئًا في التَّنَظُّف من البول، وفي الوضوء.
قال عنه مطرف: ويقول: إني مبتلى فلا تقتدوا بي في هذا.
وقال ابن المسيب: ومن الاعتداء في الوضوء الوضوء لكل صلاة. قال ابن حبيب:
هذا لمَنْ فعله استنانًا، فأما للرغبة في ما جاء فيه فلا بأس به.
في صفة الوضوء وترتيبه والغسل في
أعضائه والعدد فيه، والتبدئة فيه والتفرقة
في العمد والسهو، وذِكْر تخليل الأصابع
واللحية
قال محمد بن مسلمة في آية الوضوء: فيها تقديم وتأخير، والمعنى فيها: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ}، {أَوْ
جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}،
{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}
(1/30)
{وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}
{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا
وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً
فَتَيَمَّمُوا}، وقوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ}، فقيل:
مُحْدِثين. وقال زيد بن أسلم: من النوم. ويدُلُّ على قوله أنَّه ذكر آخر
الآية المُحْدِثين، فقال: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ
أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}، فجمع بهذا المحدثين.
قال مالك في المختصر: ليس في الوضوء حَدٌّ من العدد، ولا أحب أَنْ يقصر من
مرَّتين إذا عمَّتا.
قال عنه ابن حبيب: ولا أحب الواحدة، إلاَّ من العالم بالوضوء، ولا أحب أَنْ
ينقُص من اثنتين، ولا يُزادُ في المسح على الواحدة، وأمَّا غَسل القدمين
فلا حدَّ في غسلهما، وينبغي أَنْ يتعاهد عقبيه في وضوئه بالماء.
قال غيره: ويُجيد عَرْك ما لا يُداخله الماء بسرعة لجساوة برِجْلَيْه، أو
غبرة عرقوبيه، أو سقوق، حتى يُسْبِغَه. يقول النبي عليه السلام: «وَيْلٌ
لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ».
(1/31)
قال ابن حبيب: ويبدأ الوضوء بميامنه، وأكمل
الوضوء ثلاثة، وأقلُّه واحدة. قال ابن عباس: الواحدة تجزئ، والاثنتان
يُسبغان، والثالثة سَرَفٌ، والأربعُ سرفز
ومن المَجْمُوعَة قال ابن نافع: قيل لمالك: واحدة؟ قال: لا. وقال في مسح
الرأس: مرة أو مرتين، قد يقلُّ الماء فيكون مرتين، ويكثر فيكون مرة.
وقال عنه عليٌّ: مسحة واحدة.
ومن الْعُتْبِيَّة قال أشهب عن مالك: ومَن غَسَل يساره قبل يمينه من يدٍ أو
رِجْل أجزأه.
ومن المَجْمُوعَة قال عليٌّ عن مالك: إن غَسَل ذراعيه، ثم وجهه، فإن ذكر
مكانه أَعَادَ ذراعيه، وإن لم يذْكُر حتى جَفَّ استأنف الوضوء، وإن لم يذكر
حتى صَلَّى أَعَادَ الوضوء والصَّلاَة. ثم قال: لا يُعِيد الصَّلاَة وإن
كان في الوَقْتِ، ويُعِيد الوضوء لِمَا يستقبل.
قال عنه ابن نافع في استئناف الوضوء: أرى ذلك واسعًا.
ومن الواضحة: ومَن نَكَّس وضوءه وصَلَّى أجزأته صلاته. وإن تعمَّد ذلك أو
جهل ابتدأ الوضوء لِمَا يستقبل؛ كان ذلك في مسنونة أو مفروضة.
وإن كان سهوًا، فلا يُصْلِحه إلاَّ في تنكيس مفروضة، فيؤخِّر ما قدَّم، ثم
يغسلُ ما يليه، كأنْ يحضُرَه ذلك، أو بعد أن طال؛ مثل أَنْ يغسل ذراعيه قبل
وجهه، فليُعد غَسل ذراعيه، ثم يمسح برأسه وأذنيه، ثم يغسل رِجليه.
وقال ابن القاسم: هذا إذا لم يَطُلْ، فأما إنْ طال، فليُؤخِّر ما قدَّمَ من
غَسْل
(1/32)
ذراعيه، ولا يُعِيد ما بعده.
قال ابن حبيب: وبالأول أقول، وهو قول مطرِّف، وابن الماجشون.
قال أبو محمد: والذي ذكر ابن حبيب عن ابن القاسم روي نحوه عن ابن القاسم عن
مالك في المَجْمُوعَة.
قال مالك في الموطأ فِي مَنْ غسل وجهه قبل أَنْ يتمضمض. قال: يتمضمض، ولا
يُعِيد غَسْل وجهه. ولو غَسَل ذراعيه قبل وجهه أَعَادَ بعد غَسْل وجهه.
ومن الْعُتْبِيَّة قال سحنون: حَدُّ الوجه في الوضوء، دَوْرُ الوجه،
واللَّحْيُ الأسفل منه.
قال ابن حبيب: قال مالك: وليس ما خَلْفَ الصُّدْغ الذي من وراء شعر اللحية
إلى الأذن من الوجه.
قال عنه ابن القاسم: واللحية من الوجه، وليُمِرَّ عليها من فضل ماء الوجه،
ولا يجدِّده لها. قال: قال سحنون: ومَنْ لم يُمِرَّ عليها الماء أَعَادَ،
ولم تجزه صلاته، وأعاب مالك تخليها في الوضوء.
قال عنه ابن نافع في المَجْمُوعَة: ولم يأتِ النبي عليه السلام فغله في
وضوئه، وجاء أنَّه خلل أصول شعره في الجنابة.
(1/33)
قال في المختصر: ويُحرِّكها في الوضوء إن
كانت كبيرة، ولا يُخَلِّلُها، وأما في الغُسْل فليُحرِّكْها وإن صَغُرَتْ،
وتخليلها أحبُّ إلينا.
وقال بعض أصحابنا: معنى تحريكها في الوضوء تحريك اليد عليها عند مرِّ
الماء؛ ليُداخلها الماء؛ لأن الشعر ينبو عنه الماء.
ومحمد ابن عبد الحكم يرى تخليلها في الوضوء.
وقال غيره: وليتحفَّظْ من غَسْل مارِنِه بيده، وما غار من أجفانه، وأسارير
جبهته، وليس عليه غَسْل ما غار من جُرْح برأ على استِغوار كثير، وكان
خَلْقًا خُلِق به، ولا غسل ما تحت ذقنه، وما تحت الَّحْي الأسفل منه.
ومن المَجْمُوعَة قال ابن نافع عن مالك: وليس عليه أَنْ يجاوز بالغسل
المرفقين، والكعبين في الوضوء، وإنما عليه أَنْ يبلغ إليهما.
قال غيره: هذا قولُ مالك؛ ولأن (إلى) غاية، وقد قيل بإدخالهما في الغُسْل،
وإليه نحا ابن القاسم في المدونة، فذكره أبو الفرج عن مالك.
(1/34)
قال غيره: وقد تكون (إلى) بمعنى (مع)، كما
قال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} (النساء:
2)، يقول: معها. وقوله: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} (آل عمران: 52)
(الصف: 14). يقول: مع الله. وقال أبو الفرج: يُؤْمَر بغَسلها، لتوهُّم
التحفُّظ في مبلغ الغَسْل إليهما، وليُزيل ريب الاحتراس بإدخالهما في
الغَسْل.
ومن الْعُتْبِيَّة أشهب، عن مالك: سئل عن الكعب الذي إليه الوضوء، قال: هو
الملتصق بالساق، المحاذي العقب، وليس بالظاهر في ظهر القدم. ورواه ابن
نافع، عن مالك، في المَجْمُوعَة.
ومن الْعُتْبِيَّة قال أشهب، عن مالك، في قوله تعالى: {وَأَرْجُلكُمُ}،
بالنصب أم بالخفض؟ قال: إنما هو الغسل، لا يُجْزئه المسح.
قال عنه ابن نافع في المَجْمُوعَة: {وَأَرْجُلَكُمْ}، بنصب اللام، وقال:
إنما هو الغَسْل.
قال ابن حبيب: ويبالغ في غَسْل عقبيه؛ لقول النبي عليه السلام: «وَيْلٌ
لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ».
قال غيره: وهذا بمنزلة الغَسل، كما فعل الرسول عليه السلام، وسلفُ الأمة،
والعقبان عند مالك مؤَخَّر الرِّجْل.
ومن المَجْمُوعَة، قال ابن وهب وابن نافع، عن مالك: وليس عليه
(1/35)
تخليل أصابع الرجلين في وضوء، أو غُسْل،
ولا خير في الجَفاء، والغُلُوِّ.
قال عنه ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة وفي المَجْمُوعَة: ومَنْ لم يُخَلِّلْ
أصابع رِجْلَيه في وضوئه فلا شيء عليه.
قال ابن حبيب: تخليل أصابه رجليه في الوضوء مُرَغَّبٌ فيه، ولا بد من ذلك
في أصابع يديه، وأما أصابع رجليه، وإن لم يُخَلِّلْها فلا بد من إيصال
الماء إليهما.
قال مالك في الْعُتْبِيَّة، من سماع ابن القاسم: ولا خير في أَنْ يجعل
الماء بيديه، ثم ينفضهما منه، ويمسح بهما وجهه.
وروي عنه في مجموعة ابن القاسم، وابن وهب: وكَرِه ذلك. قال عنه ابن وهب:
هذا يَبْرُقُ في وجهه.
قال مالك في الْعُتْبِيَّة من سماع ابن القاسم: ولا يُجْزِئُهُ إن فعل.
وقال أصبغ في أُصوله: لا يُجْزِئُهُ حتى ينقُل الماء إلى كلِّ عضو يغسله
نقلاً. وقاله ابن حبيب.
قال عيسى عن ابن القاسم، عن مالك في الْعُتْبِيَّة: وليُدخل المتوضِّئ يديه
جميعًا في الإناء ليأخذ الماء لغَسل وجهه.
قال عيسى: ليس ذلك عليه، وليغرف باليمنى، ويصُبَّ حتى يفرغ وضوءه.
قال سحنون في المسافر لا يجد الماء فأصابه مطر: إنه يُجْزِئُهُ أَنْ ينصِبَ
له يديه، ويتوضَّأ به.
قال ابن حبيب: ولا يمسح رأسه بماء أصاب رأسه منه. قاله ابن القاسم.
(1/36)
قال ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة عن مالك:
وليس عليه تحريك خاتمه في الوضوء.
قال ابن الْمَوَّاز: ولا في الغُسْل.
ومن الْعُتْبِيَّة روى معن بن عيسى، عن عبد العزيز ابن أبي سلمة، قال: إن
كان ضَيِّقًا فأُحِلُّه، وأما الواسع فلا. وقاله ابن حبيب.
قال محمد بن خالد، عن ابن القاسم، عن مالك، فِي مَنْ توضَّأ على نهر،
فحرَّك فيه رِجْليه، فلا يُجْزِئُهُ إلاَّ غسلهما بيده.
قال ابن القاسم: وإن قدر على غَسْلِ إحداهما بالأخرى أجزأه.
في مسح الرأس والأذنين، وفي المضمضة،
والاستنشاق، وفِي مَنْ نسي بعض مسنون
الوضوء أو مفروضه، أو بعض غَسْلِه
قال ابن حبيب: مفروض الوضوء ما ذُكِر منه في القرآن، ومسنونه المضمضة،
والاستنشاق، ومسح الأذنين، ومَن نسي من مفروضه شيئًا،
(1/37)
أَعَادَ الصَّلاَة أبدًا، ومن نسي من
مسنونه لم يُعِدْ. هذا قول مالك وأصحابه. وليأخذ الماء لمسح رأسه بيديه، ثم
يُرْسِلُه، أو يَصُبَّه من يد إلى يد، ثم يمسح رأسه بيديه من أصل منابت شعر
جبهته إلى حدِّ شعر القفا، ثم يعيدهما إلى حيث بدأ.
قال غيره: وشعر الصدغين من الرأس يدخل في المسح.
قال ابن حبيب: ثم يأخذ الماء لمسح أذنيه مرَّة بإصبعيه، ظاهر أذنيه،
وباطنهما، ويُدخل إصبعيه في صماخيه، ولا يتبع غضونهما، والمرأة كذلك،
وتُدخل يديها تحت الشعر من القفا في رَدّش يديها بالمسح حتى تَعُمَّ الشعر،
وإن كان لها ضفائر مُرْسَلة على ظهرها أو كان شعرها مسدولاً، فعليها أن
تَعُمَّه كلَّه بيديها؛ حتى تأتي على آخره، تُدخل يديها من تحته،
فتُحَوِّلُه بِرَدِّ يديها به وبضفائرها إلى مُقَدَّم رأسها، فإن أمكنها
جمعُهُ في قبضتها جمعته، وإن لم يُمْكِنْها إلاَّ الماء يُنْقَل بيديها
فعلتْ، وإن شاءت أخذت الماء بآنية، وإن شاءت اكتفت بالأولى، وكذلك تفعل
ذوات القرون. وقاله مطرف، وابن الماجشون، وروياه عن مالك.
ومن الْعُتْبِيَّة، روى موسى بن معاوية، عن ابن القاسم، في ذي الشعر:
(1/38)
هل يَمْسَحُ أعلاه، ولا يُمِرُّ يديه على
جميعه إلى أطرافه؟ قال: قال مالك: يُمِرُّ يديه من مُقَدَّم رأسه إلى قفاه،
ثم يُعيدهما من تحت شعره إلى مُقَدَّمه، والمرأة كذلك.
ومن كتاب آخر: واختُلِفَ في معنى الحديث: «بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ».
فقيل: إنه مِن حدِّ منابت شعره، وقيل: بناصيته. لقوله: «فَأَقْبَلَ بِهِمَا
وَأَدْبَرَ». أنَّه أقبل بهما إلى جبهته، ثم أدبر إلى قفاه، ثم ردَّهما إلى
حيث بدأ من ناصيته، وكلٌّ واسع، والأوَّل أولى.
قال أبن القاسم في الْعُتْبِيَّة، من رواية موسى: ومن مسح رأسه بيده واحدة،
أو بإصبع حتى أوعبه أجزأه. لعلَّه يريد يكون بإصبعه الماء.
قال غيره: ولا يُؤْمَر بذلك.
قال مالك في المختصر: ويُستحبُّ له أَنْ يُجَدِّد الماء لأُذُنيه.
قال محمد بن مسلمة: إن شاء جدَّد لهما الماء وإن شاء مسحهما بماء مسح به
رأسه.
قال مالك في المختصر: ويُدخل إصبعيه في صماخيه، في مَسْح أذنيه.
(1/39)
قال ابن حبيب: وإن كثَّرت المرأة شعرها
بصوف أو شعر؛ لم يُجزئها أن تمسح عليه حتى تنتزعه، إذا لم يَصِلْ إلى شعرها
من أَجْلِه.
وقال موسى بن معاوية في الْعُتْبِيَّة عن ابن القاسم، عن مالك: وليضْغَثَاه
في الجنابة، وإن كان مضفورًا.
قال ابن القاسم عن مالك في سماعه فِي مَنْ مسح مُقدِّمَ رأسه: فلا
يُجْزِئُهُ، ويُعِيد الصَّلاَة.
وقال البرقي، عن أشهب: لا يُعِيد.
وقال: وأما مَنْ مسح بعض رأسه فليعد.
وقال موسى، عن ابن القاسم في مَنْ نَسي بعض رأسه: أَعَادَ في الوَقْتِ
وبعده. ورواه عن مالك في المَجْمُوعَة.
وقال محمد بن مسلمة في موضع آخر: إن مسح ثُلُثَيْه أجزأه.
وقال أبو الفرج: إن مَسَح ثُلُثه أجزأه. قاله بعض أصحاب مالك.
ومن المَجْمُوعَة قال ابن القاسم: سئل مالك عن الذي يَمْسَح رأسه بفَضْل
ذراعيه. قال: لا أُحِبُّ ذلك.
وقال ابن حبيب، عن ابن الماجشون: ومَنْ مسح رأسه بِبَلَلِ ذراعيه، لم
يُجْزِئُهُ، ولْيَمْسَحْ رأسه فقط، فإن طال في نسيانه، ويبتدئ الوضوء في
العَمْد، والجهل، وإن قرب منه الماء وبلحيته الماء فلا يمسحُ به رأسه إلاَّ
أَنْ يبعُدَ منه الماء فليمسحْ به، وله أَنْ يمسح رأسه برشِّ المطر،
يَنْصِبُ له يديه إذا بَعُدَ عنه الماء، لا بما أصاب الرأس منه.
(1/40)
قال ابن القاسم: ولم يقُلْه في بلل اللحية.
قال ابن القرطي: وإن غسل رأسه أجزأه من المسح. وقاله ابن حبيب في
الخُفَّيْن.
قال ابن حبيب: ومَنْ مسح أذنيه بالماء الذي مسحَ به رأسه، فهو كمَنْ لم
يمسحْهُما. قال مالك: ولا يُعِيد الصَّلاَة.
ومن المَجْمُوعَة روى ابن القاسم، وابن وهب، وابن نافع، وعليٌّ، عن مالك في
مَنْ جمع المضمضة والاستنشاق في غَرْفة واحدة: فلا بأس به إذا أخذ من الماء
ما يكفيها لهما جميعًا. قالوا عنه إلاَّ عليّ: وإن تمضمض بغرفة، واستنثر
بأخرى فواسعٌ.
قال ابن القاسم: قيل له: أفثلاثٌ. فأبى أَنْ يَحُدَّ فيه حدًّا. وذكر نحو
هذا في المختصر، وفي الْعُتْبِيَّة من سماع أشهب.
قال ابن حبيب: ولْيُبَالِغْ في الاستنشاق، ما لم يكنْ صائمًا، كما جاء
الأثر، سيما بأثر النوم.
ومن المَجْمُوعَة قال ابن وهب: قيل لمالك: استنثر من غير أَنْ يضع يده على
أنفه؟ فأنكر ذلك، وقال: هكذا يفعل الحمار.
قال عنه ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة: والاستنثار أَنْ يجعلَ يده على أنفه
ويستنثر.
(1/41)
قال ابن سحنون: قال أشهب: مَنْ تَرَكَ
غَسْلَ أذنيه في الجنابة، ما ظهر منها من باطن وظاهر غسلهما وأَعَادَ
الصَّلاَة.
قال مالك في المختصر في مَنْ ترك المضمضة والاستنشاق بأثر الوضوء،
فليتمضمض، ويستنشق، ولا يُعيدُ ما بعد ذلك، بخلاف ما ينسى من المفروض.
قال ابن حبيب: في المسنون كلِّه إن ذَكَرَه، وقد طال، فعل ما نسي، ولم
يُعِدْ ما بعده، وإن ذَكَرَ بعض وضوئه، وهو جالس على وضوئه، فعل ما نسي
وأَعَادَ ما يليه، كان مسنونًا أو مفروضًا، وإن ذكره بعد أن فارق وضوءه،
فإن كان من مسنونه قضى ما نسي فقط، طال أو لم يَطُلْ، ولا يعيدُ إن صَلَّى،
ولو كان من مفروضه، وطال ذلك فليبتدئ الوضوء إن كان ذلك مما يُغْسل منه وإن
كان مما يُمسح منه مَسَحَه فقط. قاله مطرف، وابن الماجشون عن مالك.
قال في الْعُتْبِيَّة: إن كان ما نسي من الوضوء مما ذُكِر في القرآن، غَسَل
ذلك بعينه، ويعيدُ ما صَلَّى.
وفي رواية ابن القاسم، أن ذلك سواء، ويقضي ما نسي فقط في الطُّولِ.
وقال عبد العزيز بن أبي سلمة في غير الواضحة: يبتدئ الوضوء إن طال ذلك، كان
مما يُغْسَل أو يُمْسَح. قال حبيب بن الربيع مولى ابن أبي سليمان: وما ذكر
ابن حبيب من روايته عن مالك، في تفريقه بين ما يُغْسل وما يُمْسَحُ: إنَّ
هذا غَلَطٌ ممنْ نَقَلَه عن مالك.
(1/42)
قال: وذهب محمد بن عبد الله بن عبد الحكم
إلى أن تبعيضه في العمي والسهو سواء لا يُبْطِلُهُ، على ما روي عن ابن عمر
في تأخير مَسْحِ الخُفَّيْن.
قال ابن القاسم: لم يأخُذ مالك بما روي عن ابن عمر في هذا، وروى عليٌّ عن
مالك في المَجْمُوعَة: إذا أخَّرَ مَسْحَ خُفَّيْه حتى حضرت الصَّلاَة، قال
عنه محمد بن مسلمة في كتابه: إذا أخَّرهُ سهوًا حتى جَفَّ وضوءُه، قالا عن
مالك ك فإنه يَمْسَحُهُما، ويصلي ولا يخْلَعُ.
وفي سماع ابن وهب عن مالك، فِي مَنْ عجز ماؤه في الوضوء، فقام لأخذه أو بعث
مَنْ يأتيه به، قال: يبني على وضوئه، ولا يستأنف.
ومن كتاب ابن سحنون: ومَنْ ذَكَرَ مَسْحَ رأسِه، فتشاغل عن مَسْحِه
وتَرَكَه، أنَّ وضوءه مُنْتَقِضٌ.
قال ابن حبيب: ومن ذكر لُمْعَةً من غُسْلِه، بحضرة الماء، غسلها وحدها،
وإنْ لم يكُنْ بحضرة الماء وتركها جهلاً، أو ناسيًا، أَعَادَ الغُسْلَ، وإن
كان ناسيًا، غَسَل اللُّمْعَةَ، وأَعَادَ الصَّلاَة، وهو كمن توضَّأ، ثم
ذكر لُمْعَةً لم يُصِبْها الماءُ، سبيلهما واحدٌ، وقد فسَّرْتُ لك ذلك.
قال أبو محمد: وهذا خلاف أصله الذي حكاه عن مالك، في مَنْ ذَكَرَ بعض أعضاء
الوضوء، وقد قال مالك: إنه يبتدئ في الوضوء، ولا فَرْقَ بَيْنَ نِسْيَانِ
لُمْعَةٍ أو عضو.
ومن الْعُتْبِيَّة، من غير رواية أبي بكر بن محمد، قال أشهب في مَنْ
تَوَضَّأَ للصبح فصلاَّها، ثم تَوَضَّأَ للظهر من غير حَدَثٍ، فصلى الظهر
والعصر، ثم
(1/43)
ذكر مسح رأسه، من أحد الوضوءين، لا يدريه:
إنه يمسح رأسه، ويُعِيد الصبح فقط، إلاَّ أَنْ يكون الوضوء الثاني عن
حَدَثٍ، فيُعيد جميع الصلوات. وهذه الرواية أراها غلطًا؛ لأنه إن كان
الوضوء الثاني مجزئًا، فلا معنى لمسحه رأسه، وإن لم يُجْزِ؛ لأنه لم يقصد
به الفرض، فليعد الصلوات، وكذلك قال ابن سحنون، عن أبيه: يُعِيد الصلوات
كلها، وإن لم يتوضَّأ لحدث؛ لأنه قصد به النافلة.
وأعرف لبعض أصحابنا في مَن ذكر لُمْعَة من الوضوء من أحد يديه لا يدري من
أيِّ يدٍ، إلاَّ أنَّه يعلم موضعها من أحد اليدين، أنَّه إن كان يحضره
الماء غسل ذلك الموضع من يده اليمنى، ثم غسل يده اليسرى، وإعاد بقيَّة
وضوئه، وإن طال ذلك، غسل ذلك الموضع من اليدين جميعًا.
قال ابن سَحْنُون: قال أشهب: ومن نسي غَسْل لحيته في الجنابة أَعَادَ،
وأَعَادَ الصَّلاَة.
قال محمد بن مسلمة: ومَن تَوَضَّأَ فغسل أعضاءه، وفي بعض أعضائه نجاسة لم
يُنَقِّها، فكأنه ترك موضعها، فلم يغسله في وضوئه، فليعد صلاته أبدًا،
إلاَّ أَنْ يكون في الرأس، فإنما يُعِيد في الوَقْتِ؛ لأن تَرْك مَسْح بعض
الرأس لا شيء.
(1/44)
في النية في الوضوء والغُسْل، ومن
تَوَضَّأَ لغير
الفريضة، أو تطهر كذلك
من الْعُتْبِيَّة، والمَجْمُوعَة، قال في الْعُتْبِيَّة: أشهب عن مالك، وفي
المَجْمُوعَة: وابن نافع عنه، في قوله تعالى: {يَوْمَ تُبْلَى
السَّرَائِرُ} (الطارق: 9)، قال: الوضوء من السرائر، ومنها الصوم
والصَّلاَة.
قال عنه ابن حبيب: إن شاء قال: فعلتُ. ولم يفعل.
قال في المَجْمُوعَة، والْعُتْبِيَّة، يقول: صَلَّيْتُ. ولم يُصَلِّ.
قال في هذه الكتب: ومن السرائر، ومنها الصوم والصَّلاَة.
قال عنه ابن حبيب: ما في القلوب يَجزي الله به العباد.
قال في المختصر: ومن تَوَضَّأَ لنافلة، أو لجنازة، أو لمَسِّ مصحف، أو
ليكون على طُهر، فليُصَلِّ به الفريضة، وإن لم ينو شيئًا من ذلك فلا يصلي
به.
قال ابن نافع في المَجْمُوعَة، قال مالك: ربما أَرْسل إليَّ الأميرُ،
فأتَوَضَّأُ أريد الطهر، ثم أصلي به.
وذكر موسى بن معاوية في الْعُتْبِيَّة، عن ابن القاسم، في مَن تَوَضَّأَ أو
تيمَّم ليُعَلِّمَ رجلاً، فلا يُجْزِئُهُ حتى ينوي به الصَّلاَة.
(1/45)
قال سحنون في كتاب ابنه: إن مَعْنَى ما
رَوَى معنٌ، عن مالك، فِي مَنْ تَوَضَّأَ لنافلة، قال: أَحَبُّ إليَّ أَنْ
يتَوَضَّأَ لكُلِّ صلاة. فمعناه أَنْ يُسْتَحَبَّ له طُهْر، لا على
الإيجاب.
ومِن قول أصحابنا أن مَن تَوَضَّأَ مُكْرَهًا لم يُجْزِهِ.
قال ابن حبيب: ومَن تَوَضَّأَ تنظيفًا، أو تَبَرُّدًا، أو ليُعَلِّمَ
رجلاً، أو ليتَعَلَّمَ هو لم يُجزه، حتى ينوي به الصَّلاَة، أو ليكون على
طُهْر، أو لنوم، أو ليدخل على الأميرِ، أو لمَسِّ مصحف، فليُصَلِّ بذلك،
وَلا بَأْسَ أَنْ يُوضِّئ المريض الذي لا يقدر، وكذلك الزَّمِن، كما فعل
ابن عمر. يريد وينوي هو به الوضوء.
ومن الْعُتْبِيَّة، روى عيسى، عن ابن القاسم، وذكر ابن القاسم في
المجمومعة، في الجُنُب يدخل الحمام، فلمَّا أخذ في الطُّهْر نسي جنابته،
قال: يُجْزِئُهُ. وهو كمن أمرَ أَنْ يُصَبَّ له الماء ثم نسي جنابته، وكذلك
الذي ذهب إلى البحر لذلك، ثم نسي عند الطُّهْر.
ومن غير الْعُتْبِيَّة: وقال سحنون مثله في البحر والنهر أنَّه يُجْزِئُهُ.
وقال في الحمام: لا يُجْزِئُهُ.
وقال عيسى، عن ابن القاسم، في مَن تَطَهَّر للجنابة، ولم ينو الجمعة، أو
(1/46)
للجمعة، ولم يذكر الجنابة، فلا يُجْزِئُهُ.
وكذلك إن تَطَهَّرَ ينوي إن كانت أصابَتْه جنابة نسيها فهذا لها، ثم يذكرُ
أنَّه كان جُنُبًا، فلا يُجْزِئُهُ لذلك.
وقال عيسى: يُجْزِئُهُ. وقد قال ابن كنانة إذا تَطَهَّرَ للجمعة، ولم يذكر
الجنابة، إنه يُجْزِئُهُ. فكيف بهذا.
قال ابن حبيب: أَجْمَعَ مالكٌ وأصحابه أنَّ مَنِ اغتسل للجنابة لا ينوي
الجمعة، أنَّه لا يُجْزِئُهُ عن الجمعة؛ لأنها لسُنَّة لا لنجاسة، فلا
يُجْزِئُهُ نيَّتُه في غيره.
وأما إنْ نوى الجمعة ونسي الجنابة، فروى مطرف، وابن الماجشون، وابن كنانة،
وابن نافع، وأشهب، وابن وهب، عن مالك، وأَفْتَوْا به أنَّه يُجْزِئُهُ.
وروى عنه ابن القاسم أنَّه لا يُجْزِئُهُ. وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ.
والأول أَحَبُّ إليَّ، كمن تَوَضَّأَ لنافلة.
ومن كتاب ابن سحنون، وعن المرأة تتطَهَّرُ للحيضة، ولا تذكر جنابة كانت قبل
الحيضة أنَّه يُجزئها. وقال ابن القاسم في المَجْمُوعَة وهو عن مالك في
كتاب آخر.
قال سحنون: وإن تطَهَّرتْ للجنابة، ولم تذكر الحيضة إنه لا يُجزئها، وقال
غيره –ونحوُه في كتاب أبي الفرج-: إنه يُجزئها؛ لأنه فَرْضٌ عن فَرْض.
وقاله محمد ابن عبد الحكم.
وقال سحنون في مَنْ نسي جنابة، وصَلَّى، ثم أجنب، فتَطَهَّرَ، ولا يذكرُ
(1/47)
الأُولى: إنه يُجْزِئُهُ لهما، ويُعِيد ما
صَلَّى بينهما.
وأعرف لبعض أصحابنا في مَنْ تَوَضَّأَ بماء نجس، ولم يعلم، ثم اغتسل في
البحر تبرُّدًا، فإنه يُجْزِئُهُ من طهارة أعضائه التي مَسَّها الماء النجس
في الوضوء، إلاَّ أَنْ يكون نجسًا لا اختلاف في نجاسته، كالذي تغيَّرَ
لوْنُه وطعْمُه، فلا يُجْزِئُهُ، حتى يُعيد الوضوء بنيَّة.
ذِكْرُ ما يُوجِبُ الوضوء من الأحداث، ومَنْ
شكَّ في الحدث، وذِكْرُ المَنِيِّ والوَدْي
قال ابن حبيب: ينتقض الوضوء لتسعة أوجه؛ من الغائط، والبول، والمَذْي،
والوَدْي، والريح، والصوت، ومَسِّ الذَكَر، والملامسة، والنوم. يريد
البَيِّن.
وقال غيره: لثلاثة أوجه؛ لما يخرج من المخرجين من المعتادات، عدا المنيَّ
ودم الحيض والنِّفاس، ولزوال العقل بنوم أو سُكْر أو إغماء أو جنون، ونحوه،
والملامسة لِلَّذَّة، ويدخل في ذلك مسُّ الذَّكر.
قال مالك في المختصر: ومَنْ خرج من دُبُرِه دمٌ، فلا وضوء عليه، ولا مِنْ
قَيء، ولا قلس، ولا رُعَاف.
ومن المَجْمُوعَة قال عنه ابن نافع في مَنْ خرج من دُبُره دُودٌ: فلا وضوء
عليه. قال ابن نافع: إلاَّ أَنْ يخرج عليها أذًى.
قال ابن القاسم: وكذلك الحصاة من الإحليل إلاَّ أَنْ يخرُج عليها أذًى.
قال:
(1/48)
وذهب محمد بن عبد الحكم إلى أن مَنْ خرج من
دُبُره دُودٌ نَقِيٌّ، أو دمٌ صافٍ، أنَّ عليه الوضوء. وهذا خلاف أصولنا في
المعتادات.
ومن المَجْمُوعَة قال ابن نافع عن مالك، قال: المَذْي والودي فيهما الوضوء،
والمذي هو الذي يدور في سبيل من سبل الشهوة.
قال ابن حبيب: وهو رقيق إلى الصُّفرة.
قال مالك في رواية عليٍّ: ففيه غَسْل الذَّكَر كلِّه والوضوءُ. وقال
البغداديُّون من أصحابنا: إن معنى غَسْل الذَّكَر منه مَخْرَج الأذى. وفي
المدونة من رواية عليٍّ عن مالك ما يدُلُّ على أن الذَّكَر كلَّهُ يُغْسَل
منه، على ما جاء في ظاهر الحديث بقوله: «اغْسِلْ ذَكَرَكَ».
قال يحيى بن عمر في مَنْ لم يغسل إلاَّ مَخرَجَ الأذى منه وصَلَّى: لم
يُعِدِ الصَّلاَة.
قال أبو محمد: يريد: ويَغْسله لِمَا يَسْتَقبل ويتَوَضَّأُ. وينبغي أَنْ
يجوز غَسْلُه بغير نيَّة، كالنجاسة والتَّحرُّز منها.
قال مالك من رواية ابن نافع في المَجْمُوعَة: والودي الذي يكون من
(1/49)
الحمَّام بأثر البول أبْيَضُ خاثرٌ.
قال ابن حبيب: وإذا أمْذَتِ المرأة توضَّأت، وهو بَلَّةٌ تكون منها عند
اللذة والشهوة، وعليها الوضوء من الودي، وهو الماء الخاثر الذي ينحدر منها
ومن الرَّجُل من حمَّامٍ أو من إِبْرِدَةٍ.
ومَنْ أَنْعَظَ في صلاته فَلْيَذْكُرِ الموت. قال الحسن: يُتِمُّ صلاته،
وينظر، فإن أمذى تَوَضَّأَ وأعادها. وهو قول مالك. قال عنه ابن نافع: لا
وضوء في الإنعاظ، إلاَّ أن يُمْذِيَ. وقال بعض أصحابنا في الإنعاظ
البَيِّنِ: لا ينكسر إلاَّ عن مذي.
قال مالك في المختصر: ومن نام ساجدًا أو مضطجعًا تَوَضَّأَ، ولا يتوضأ من
نام جالسًا، إلاَّ أن يطول نومه، وكذلك المستند، وأخفُّ ذلك المُحتبي؛ إذ
لا يكاد يَثْبُتُ، ومَنْ خَفَقَ –يريد تلمَّم- فعليه الوضوء.
ومن العتبية، قال ابن القاسم: قال مالك: من نام ساجدًا، وطال ذلك،
فَلْيَتَوَضَّأْ أَحَبُّ إِلَيَّ. قيل: فقاعدًا؟ قال: لا يتَوَضَّأ، إلاَّ
أن يطول. ومن الناس من ينام في المسجد حتى يذهب ليل طويلٌ وهو قاعدٌ،
فأمَّا في يوم الجمعة وشِبهه فلا شيء فيه. قيل: رُبَّما رأى الرؤيا؟ قال:
تلك أحلام، وكان ابن عمر ينام جالسًا ثم يُصَلِّي ولا يتَوَضَّأ.
قال عليٌّ، عن مالك في المجموعة: وقد كان شيوخنا ينامون جلوسًا ولا
يتَوَضَّئون، وأكثر ذلك يوم الجمعة. قال عنه ابن نافع: إلاَّ أن يطول. قال
عنه ابن القاسم: إلاَّ المحتبي.
ومن المجموعة، قال عليٌّ، عن مالك، في من نام مضطجعًا، قال: إن استثقل
تَوَضَّأَ.
(1/50)
قال عنه ابن نافع في من اهْتَمَّ حتى ذهب
عقله: إنَّ عليه الوضوء.
وقال عنه أبو القاسم عليٌّ، وابن نافع، فيمن استثقل نومًا وهو قاعدٌ، قال:
أَحَبُّ إليَّ أن يتَوَضَّأ.
قال ابن حبيب: ومن نام مضطجعًا أو ساندًا، أو ساجدًا، فليتوضَّأ، وذلك إذا
خالط النومُ قلبه، وذهل عقله، ولم يَدْرِ ما فَعَلَ، وليس في نوم القائم
والراكع والراكب والجالس غير مُتَساند وضوءٌ، وهذا خافق غير مستثقل، وكذلك
روي عن ابن عمر، وابن عباس، وابن المسيب، وغيره. ومن نام مضطجعًا، فلم
يستثقلْ، ولا ذهل عليه عقله، فلا وضوء عليه، وفعله مكحول حتى غطَّ ولم
يتَوَضَّأ. وقال: أنا أعلم ببطني.
ومن المجموعة، قال ابن نافعن عن مالك: ومن وجد بللاً في الصلاة، فلا ينصرف
حتى يوقن به، فينصرف وإنما يتمادى المستنكح.
قال ابن حبيب: وإذا خُيِّلَ إليه أنَّ ريحًا خرج منه، فلا يتَوَضَّأ إلاَّ
أن يوقن به، وإن دخله الشكُّ بالحِسِّ فلا شيء عليه، بخلاف من شكَّ هل بال
أو أحدث أو لم يفعل، هذا يعيد الوضوء.
ومن صرعه جانٌّ فأذهب عقله، ثم أفاق بحدثان ذلك، تَوَضَّأَ، ولا غُسْل
عليه، إلاَّ أن يجد بَلَّة المَنِيِّ. وإن بقي مخبَّلاً يومًا أو أيامًا،
فليغتسل، لاحتمال أن يُجْنِبَ ولا يعلم.
ما يوجب الوضوء من: الملامسة،
والمباشرة، والقبلة، ومسِّ الفرج، وفي من
صَلَّى بعد مسِّ الذَّكَر، أو بعد القبلة، ولم يتوضَّأ
من المجموعة: قال مالك: ليس في قُبْلَة أحد الزوجين الآخر لغير
(1/51)
شهوة وضوءٌ، في مرض أو غيره، ولا في قبلة
الصبية ومَسِّ فرجها وضوء، إلاَّ أن يكون للذة.
قال عنه ابن القاسم، وابن وهب، نحوه في مَسِّ فرج الصبية والصبيِّ.
وقال عليٌّ، عن مالك، في قُبْلَة أحد الزوجين لصاحبه على الفم لشهوة،
فعليهما الوضوء. وكذلك إن أكرهها في الفم. وإذا قبَّلَها على غير الفم
لشهوة فلا وضوء عليه هي، إلاَّ أن تَلْتَذَّ. وكذلك روى ابن القاسم في غير
الفم.
قال عنه عليٌّ: ليس في مَسِّ فرج الصبية والصبي وضوء. قال أبو محمد: يريد
لغير لذَّة.
قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون، وابن عبد الحكم: من استُغْفِل أو
أُكْرِهَ في قُبْلَة أو ملامسة، فلا وضوء عليه، إلاَّ أن يتراخى أو
يلتَذَّ.
قال أصبغ: أمَّا القُبْلة فليتوضَّأ، وأن أُكْرِه أو استُغْفِلَ، لِمَا جاء
أن في القُبْلة الوضوء مُجْمَلاً بلا تفصيل.
وقال مالك: لا وضوء في قُبْلَة الرَّجُل صاحبه لوداع أو نحوه، إلاَّ أن
يلتذَّ، ولا في مَسِّ المرأة ذَكَرَ زوجها لمُدَاواة، لغير لذَّة.
ومن تعمَّدَ مَسَّ امرأته بيده لملاعبة، قال عبد الملك: فليتوضَّأ،
الْتَذَّ أو لم يلْتَذَّ، وإن ضربَها بثوب لِلَذَّةٍ فلا وضوء عليه.
ومن المختصر: وإذا دهنت امرأةٌ رأس زوجها أو لحيته لغير لَذَّة، فلا وضوء
عليها.
قال فيه: وفي العتبية من رواية أشهب، عن مالك: ولو مَسَّ شعْرَها
(1/52)
للَذَّة تَوَضَّأَ، وإن مَسَّهُ استحسانًا،
أو لغير ذلك، فلا شيء عليه.
قال مالك في المجموعة، والْعُتْبِيَّة: وما علمتُ مَنْ يَمَسُّ شعر امرأته
تلذُّذًا.
ومن العتبية: روى عيسى، عن ابن القاسم، عن مالك، في المريض تَغْمِزُ
امرأتُه رِجْلَيْه، أو رأسَه، فلا وضوء فيه، إلاَّ أن يَلْتَذَّ، ولا وضوءَ
في مُنَاولة أحدهما الآخر شيئًا، وإن تماسَّا.
قال: والجَسَّة من فوق الثوب ومن تحته سواءٌ، إنْ كانت لِلَذَّة ففيها
الوضوء.
قال عليٌّ، عن مالك في المجموعة، والعتبية: إلاَّ من فوق ثوب كثيف لا
تَصِلُ يده بمَجَسَّته إلى جسدها، فلا شيء عليه، فإنْ كان ثوبًا خفيفًا
فعليه الوضوء، ولا وضوء عليه في قُبْلَتِه ابنته أو أخته.
قال أشهب عن مالك، في مَنْ باشر زوجته بعد الغُسْل: يتَوَضَّأ، ولا يَغْسل
جسده من مباشرته إياها. ومَنْ قَبَّلَتْه امرأته كارهًا قد غَلبتْه،
فلْيَتَوَضَّأْ.
وروى عيسى عن ابن القاسم، في المريض لا يجدُ للنساء نَشْطَة، فأراد أن
يُجَرِّب نفسه، فمسَّ ذراع زوجته، فلم يجد لَذَّة، فعليه الوضوء، قد وجد
اللَّذَّة في قلبه حين قصد لذلك.
قال سحنون في العتبية، وابن حبيب: وإذا فَلَّتْ زوجَها، أو دَهَنَتْهُ
(1/53)
فمَن الْتَذَّ وقد تَلْتَذُّ بالكلام.
وقاله ابن القاسم في المجموعة.
واختَلف عن مالك في مَسِّ الذَّكَر بغير تعمُّدٍ، فروى عنه ابن القاسم في
المجموعة: أَحَبُّ إِلَيَّ أنْ يتَوَضَّأ. وروى عنه ابن وهب، في العتبية،
من رواية سحنون، أنه لا يعيد الوضوء إلاَّ في تعمُّدِ مَسِّه.
قيل لمالك: فإن مَسَّه على غلالة خفيفة؟ قال: لا وضوء عليه.
وقال عيسى، عن ابن وهب: وإذا خطرتْ يده على الذَّكَر من غير تعمُّدٍ فلا
وضوء عليه. قال: ومالك يرى عليه الوضوء.
قال ابن حبيب: وقال أبن هرمز: لا وضوء في مَسِّ الذَّكَرِ على غير تعمُّدِ
لمْسِه.
ورويناه عن عليِّ بن أبي طالب كقول ابن هرمز، والوضوء أولى، خطَرَتْ يده
عليه أو تعمَّد مسَّه، وأخذ غير واحد من البغداديين برواية ابن وهب، ورأوا
أنه من ناحية الملامسة، وأن الأغلب على مَنْ تعمَّد مسَّه اللَّذَّة، وكذلك
مسُّ المرأة فرجها. وأما غير تعمُّدٍ، أو لغير لَذَّة، فيحتمل أن يكون معنى
رواية ابن القاسم فيه على الاستحباب والاحتياط. وأخذ سحنون بقول ابن القاسم
أنه يتَوَضَّأ في العمْدِ وغيره.
ومن أصل سماع ابن وهب، قال ابن وهب: سمعت مالكًا يقول: لستُ أُوجِب الوضوءَ
مِن مَسِّ الفَرْجِ، وأَحَبُّ إِلَيَّ أن يتَوَضَّأ.
قال أبو محمد: قال ابن وهب: سألت مالكًا عن الوضوء من مَسِّ الذَّكَر،
(1/54)
فقال: حَسَنٌ، وليس بسُنَّةٍ. قال مَرَّةً
أُخْرى: أَحَبُّ إِلَيَّ أن يتَوَضَّأ.
ومن العتبية، أشهب عن مالك، في من تَوَضَّأَ، ثم جَسَّ فَرْجَه قَبْل غَسْل
رجليه، قال: ينتقض وضوءه، وروى عنه أشهب في العتبية: سئل أيعيد الصلاة مَنْ
مَسَّ الذَّكَر؟ قال: لا أوجبه. فروجع، فقال: يعيد في الوَقْتِ وإلاَّ فلا.
ومن المختصر: ولا وضوء على مَن مسَّ فرجه بعَقِبه، أو مَسَّ دُبُرَه بيده.
ومن كتاب ابن سحنون، قال سحنون: ولا وضوء على المرأة مِنْ مَسِّ فرجها.
وأنكر رواية عليٍّ عن مالك، أن عليها الوضوء. قال في الواضحة: عليها الوضوء
إذا قَبَضَتْ عليه، أو أجْرَتْ يدها على تفْريجه متعمِّدةً، وليس في
مَسِّها لجوانبها وضوء.
وقال مالك، في رواية ابن القاسم: لا وضوء عليها في مَسِّها فَرْجِها.
وفي المختصر قال: ويُسْتَحَبُّ لها الوضوء مِنْ مَسِّ فرجها. قال في كتاب
آخر: إذا ألطَفَتْ.
ومن العتبية، روى سحنون، عن ابن القاسم، في مَنْ مَسَّ ذَكَرَه، ثم صَلَّى،
ولم يتَوَضَّأ، قال: لا يعيد في وقت ولا غيره، ويعيد الوضوء. وقال يعيد في
الوَقْتِ. وقاله مالك. وضَعَّف ابن القاسم الإعادة منه. وقال سحنون: لا
يعيد في وقت ولا غيره.
وروى ابن نافع في المجموعة، عن مالك، أنه استَحَبَّ أن يعيد في الوَقْتِ،
وليس بواجب. وقال ابن نافع: يعيد أبدًا. وقال ابن حبيب: يعيد أبدًا في
العمد، وإن لم يتعمَّدْ مَسَّه أعاد في الوَقْتِ. وقال سحنون في كتاب ابنه
(1/55)
في هذا وفي مَنْ قَبَّل امرأته لِلَذَّة
وصَلَّى ولم يتَوَضَّأ: يعيد أبدًا ما لم يَطُلْ. وكذلك مُصَلِّي صلاتين
بتيمُّم واحد، يعيد الثانية، ما لم يَطُلْ، فإذا جاوز اليوم واليومين وأكثر
فلا يعيد.
وروى عيسى عن ابن القاسم، أنه يعيد في القُبْلة لِلَذَّة أبدًا.
في الوضوء من ما مَسَّتِ النار، ومَن ارتَدَّ ثم
تاب، هل يتَوَضَّأ؟
ومن المختصر: ولا وضوء مِنْ ما مَسَّتِ النار، ومَنْ أكل دَسَمًا فليغسلْ
يده، إنْ كان فيها وضوءٌ، ويتمضمض، فإن لم يفعلْ فلا شيء عليه. وفي موضع
آخر: ذلك أَحَبُّ إِلَيَّ، إنْ كان قريبًا مِنْ أَكْلِه.
قال عنه أشهب في الْعُتْبِيَّة: سئل عن الوضوء بالماء الساخن، قال: لا بأس
به. قيل له: يعني الوضوء مما مَسَّتِ النار. قال: فالدُّهْنُ من ما مَسَّتِ
النار، وإني لأَدَّهن بعد الوضوء. وبعد هذا ذكر غَسْل اليد من الطعام.
ومن العتبية , روى موسى بن معاوية، عن ابن القاسم، وذكره ابن القاسم في
المجموعة، في من ارْتَدَّ وهو على وضوء، ثم تابَ، فأَحبُّ إِلَيَّ أن
يَأْتَنِف الوضوء. قال يحيى بن عمر: بل ذلك واجب عليه؛ لأن الكفر أحبط
عمله.
في وضوء الجُنُبِ والحائض عند النوم
ومن المجموعة، سئل مالك عن قول النبي عليه السلام لعمر، إذْ سأله عن
(1/56)
نوم الجُنُب، فقال: «تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ
ذَكَرَكَ».
ثم قال ابن نافع: قيل لمالك: الوضوء قبل غَسْل الذَّكَرِ؟ قال: ربما قدَّمَ
النبي ووخَّر. قيل: أيتَوَضَّأ مَرَّة للنوم؟ قال: أخاف أنْ ليس هذا
وضوءًا، وليُتَمِّم وضوءَه. يريد: يُسبغ.
قال ابن حبيب ك وما لم يُرِدِ الجنب النوم فليس عليه أنْ يتَوَضَّأ، إلاَّ
أنْ يشاء، وليركبْ ويذهب في حوائجه.
قال مالك في المجموعة، والواضحة: وإن تَوَضَّأَ الجُنُبُ للنوم، ثم بال، أو
خرجَ منه بقيةٌ من مَنِيٍّ، فلا يعيد الوضوء.
قال في الواضحة: ويُكْمِلُ الجنب الوضوء للنوم.
ولم يُعْجِبْ مالكًا تَرْكُ الجُنُب غَسْلَ رجليه عند وضوئه للنوم، كما جاء
عن ابن عمر.
قال ابن حبيب: ومن أخذ بفِعْل ابن عمر، في تركه غَسْل رجليه، فلا حرج، وقد
روى عمرو بن شعيب للنبي عليه السلام، قال: «يَكْفِيهِ غَرْفَةٌ لِوَجْهِهِ
وَغَرْفَةٌ لِيَدَيْهِ».
(1/57)
وقد روي أنه عليه السلام كان ينام جُنُبًا،
لا يَمَسُّ ماءً، ومحمله عندنا أنه لم يحضره الماء، وأنه يتمَّمَ.
ويُسْتَحَبُّ الوضوء من غير جنابة، قال ابن حبيب: وإذا لم يجد الجُنُبُ
الماء فلا ينام حتى يتيمَّمَ.
ومن العتبية، قال ابن القاسم، عن مالك: ولا ينام الجُنُبُ في نهاره حتى
يتَوَضَّأ. قال عنه ابن نافع، في المجموعة: وإنما الوضوء له شيء
أُلْزِمَهُ، لا على وجه الخوف عليه، وكذلك الوضوءُ من الغَمْرِ، فإنْ لم
يفعل فليستغفر الله.
وقال في المختصر: وليس على الحائض وضوء عند النوم.
ما يجب من الوضوء على المستحاضة وسلس
البول، والمذي
من العتبية، قال أشهب، عن مالك: الوضوء للمستحاضة مستحبٌّ، ولو صَلَّتْ
صلاتين بوضوء واحد لم تُعِدْ. وقال فيمَن استنكحه المذيُ سنين، قال: لا
يَلْتَفِتْ إلى ذلك.
قال ابن حبيب: ويُستَحَبُّ لِسَلَسِ البول والمذي أن يُعِدَّ خِرَقًا يقي
بها عن ثوبه، والوضوء له وللمستحاضة كُلَّ صلاة مستحبٌّ، مع غَسْل الفرج.
عن سحنون أنه ليس عليه غَسْل فرجه.
(1/58)
ومن العتبية، ابن القاسم عن مالك، في سلس
البول أن يتَوَضَّأ لكُلِّ صلاة، ولو كان الشتاء، واشتدَّ عليه الوضوء فقرن
بين الصلاتين، لم أرَ بذلك بأسًا.
قال مالك في المختصر: وإن اشتدَّ عليه البردُ، فقرن، جاز له ذلك، وأرجو أن
يكون من ذلك كله في سعة، والوضوء له أحبُّ إلينا.
ومن المجموعة روى عليٌّ، عن مالك في سلس البول، والمذي: يتَوَضَّأ لكل
صلاة، إن قوي، وإلاَّ رجوت أن يكون في سعة. وقال في سلس البول: إذا آذاه
الوضوء، فاشتدَّ عليه البردُ، فلا وضوء عليه، ولو قرن بين الصلاتين جاز له
ذلك. وقال عنه في الذي يقطر البول لا ينقطِعُ عنه: إنه لا وضوء عليه، إلاَّ
أن يعمَدَ للبول. قال ابن كنانة: وأَحَبُّ إِلَيَّ لو تَوَضَّأَ لكل صلاة.
ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، قال مالك، في المستحاضة تصلي صلاتين بوضوء واحد،
قال: تُعِيدُ الثانية في الوَقْتِ. وقال عنه ابن القاسم: لا شيء عليها وهذا
أحبُّ إلينا.
ذِكْرُ ما يُجب الغُسْل
قال مالك وأصحابه: يوجب الغُسْل خروج الماء الدافق لِلَذَّة من وَطْءٍ، أو
احتلامٍ، ويوجبه مغيب الحَشَفَة في الفرج، ويوجبه رؤية الطُّهْر للمرأة من
الحيضة والنفاس.
قال ابن حبيب ك مغيب الحَشَفة يوجب الغُسْل، ويُوجب الصداق، ويوجب الإحصان،
والإحلال، ويُفْسِد الحجَّ والصوم، ويوجب الحدَّ على الزاني.
(1/59)
وإذا أدْخَلت زوجة العِنِّين ذَكَرَه في
فرجها، قال في كتاب ابن شعبان: فذلك يُوجب الغُسل عليها. وأعرفُ فيه
اختلافًا في غير كتاب القُرْطِيِّ.
ومن كتاب ابن محمد وغيره، في الشيخ لا ينتشر، فأدَخْلَتْ ذَكَرَه في فرجها،
فإنْ لم ينتعشْ فلا يُحِلُّها.
قال ابن المواز: قال ابن القاسم، في مقطوع الحشفة ويطأ: إن ذلك يوجب
الغُسْل والحَدَّ.
قال سحنون، في كتاب ابنه: وأما مَنْ أمْنَى للَدْغَةٍ أو ضربة بسيف، فلا
غُسْل عليه، وإنما الغُسْل على مَنْ خرج ذلك منه لِلَذَّة.
ومن كتاب آخر قال سحنون: ومَن به جَرَبٌ، فنزل الحوض، فلذَّ له الحَكُّ حتى
أمْنَى، فعليه الغُسْلُ.
وقال في خيَّاطَيْن تسابقا في الخياطة، فسبق أحدُهما الآخر، فأمنى، فعليه
الغُسْل.
وقال ابن شعبان: اختُلف في الذي أنْزل مِن لَذَّة الحَكِّ لجَرَبٍ به، وفي
صاحب اللَّدْغة والضربة بالسيف.
ومن العتبية، والمجموعة، قال ابن نافع، عن مالك في مَن أصاب أهْله دون
الفرج، فأنزل، فدخل من مائه في فرجها، ولم تلتذَّ هي، فقال: وما يُدريها أن
ذلك دخلها، هي لا تعلمُ ذلك، ولكن إن الْتَذَّت فلتغتسل.
ومن المجموعة، قال عليٌّ عن مالك: ومن انتبه فوجد بللاً على إحليله،
(1/60)
لا يرى غير ذلك، ولا يَذْكُرُ أنه رأى في
نومه شيئًا، فلا غُسْل عليه، إلاَّ أن يرى الماء الدافق، أو يجده في ثوبه.
قيل عند ابن نافع: ولعلَّه عَرَقَ. قيل: قد أيقن أنه ليس بعَرَقٍ، ولا يدري
أَمْذَى هو أو أَمْنى. قال: لا أدري ما هذا. قال ابن نافع: إن شكَّ اغتسل.
ومن كتاب ابن سحنون، وعن النائم يجدُ المَنِيَّ ولا يجد اللَّذَّة، قال:
وما يدريه ما كان في نومه، فعليه الغُسْل.
ومن العتبية، روى موسى بن معاوية، عن ابن القاسم، عن مالك، وعن النصراني
يتَوَضَّأ أو يتطهَّر، ويُصيبُ سُنَّة ذلك، ثم يُسْلِمُ، فلا يجزئه إلى
غُسْلٌ ينوي به الإسلام، مُجْمِعًا عليه، ولا يجزئه الوضوء. قال في موضع
آخر: لأنه جُنُبٌ. وفي كتاب الصلاة في باب صلاة الصبيان، ذِكْرِ غُسْل مَنْ
أسلم.
قال ابن القاسم: لا يُكْرِهُ المسلمُ امرأته النصرانية على الحيضة على
الغُسْل من الحيضة.
ومَنْ رأى في ثوبه احتلامًا في السوق، فليرجعْ، وإن طلعت الشمس حتى
يتطهَّرَ ويُصلِّيَ الصبح.
قال أشهب، عن مالك: لا يُكْرِهُ المسلم امرأته النصرانية على الغُسْل من
الحيضة. وبه قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم؛ إذ لا نيَّة لها. وأكثر
الرواة عن مالك بخلافه.
(1/61)
قال ابن شعبان: ومَنْ أَكْرَهَ زوجته
الكتابية على الغُسْل من الحيضة، ثم أسلمت مكانها، لم يُجْزِها من غُسْل
الإسلام؛ إذ لم تَنْوِهِ.
قال ابن سحنون: إذا وُطِئَت الصغيرة ممن تُؤْمر بالصلاة، فلتغتسل، فإن
صَلَّتْ بغير غُسْلٍ أَعَادَتْ. وقاله أشهب. قال سحنون: تُعِيدُ بقرب ذلك،
ما لم يَطُلْ، مثل اليوم والأيام، وفي مختصر الوقار: لا تغتسل.
وقال أشهب: ولا غُسْل على كبيرة من وطْء صغير. يريد: إلاَّ أن تُنْزل هي.
وقال ابن حبيب، عن أصبغ في كتاب الحدود: إن عليها الغُسْل من وطء الصغير.
ومن المجموعة، روى ابن القاسم، وابن وهب، عن مالك، في من وطئ امرأة في
دُبُرها، أن عليهما الغُسْل؛ لأن الله تعالى سمَّاه فاحشة. قال أشهب: وذلك
إذا جاوز موضع الختان. قال ابن شعبان: وكذلك مَن فعله بذَكَرٍ أو ببهيمة،
أو فعلته امرأة بذَكَرِ بهيمة.
في صفة الغُسْل
ومن المختصر، والواضحة، والمجموعة، على ما في حديث عائشة رضي الله عنها،
قال: ويبدأ الجُنُب فيغسل يديه، ثم يتنظَّف من
(1/62)
الأذى، ثم يتَوَضَّأ وضوء الصلاة، ثم
يُخَلِّل أصول شعره بالماء، وفي الحديث: ثم يغمس يديه في الماء فيُخَلِّل
بأصابعه أُصُولَ شَعْرِ رَأْسِهِ، حَتَّى يَسْتَبْرِئَ الْبَشَرَةَ، ثُمَّ
يَغْرِفُ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثَ غَرَفَاتٍ مِنْ مَاءٍ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ
يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ.
قال عليٌّ، عن مالك، في المجموعة: والعمل في الغُسْل على هذا.
قال ابن حبيب: يُدْخِل أصابعه في الماء أو يحمل منه بيدَيْه، فيُخَلِّل
أصول شعر رأسه مرارًا، حتى يَبُلَّ البشرة.
وقال عليٌّ، عن مالك، في المجموعة: يغرف على رأسه، ويُخَلِّل شعره. قال
أشهب، عن مالك في العتبية، وعليه تخليل لحيته في غُسْل الجنابة. قيل له في
موضع آخر: أيُخَلِّلها في غُسْله من الجنابة؟ قال: نعم، ويُحَرِّكُها.
واحتجَّ في الموضعين بأن النبي عليه السلام خلَّل أُصول شعر رأسه. وكذلك
روى عنه ابن القاسم، وابن وهب في المجموعة أنه يُخَلِّل لحيته في الغُسْل
ويحرِّكُها.
وقال في العتبية، وفي رواية ابن القاسم: إن ذلك ليس عليه تخليلٌ في اللحية.
قال ابن حبيب: ثم يَحْفِنُ على رأسه ثلاث حفنات، يُحَرِّك في كل مرة بذلك
يديه على رأسه ولحيته، إن لم يكفِه لكثرة شعره زاد، ولا أحبُّ أن يَنْقُض
من ثلاثة، وإنْ خفَّ شعره، ثم يصبُّ الماء على جنبه الأيمن حفنًا وغرْفًا،
يُمِرُّ بذلك يديه
(1/63)
من غير طلب الإنقاء، ثم على جانبه الأيسر
من أصل عنُقه إلى رجليه، من أمامه وخلفه، حيثما بلغت يده، ثم يُفيض الماء
على جسده، حتى يبلغ به ما لم تأخذْ يداه، ويُكْرَه الإسراف في صبِّ الماء.
وكذلك المرأة في غُسْلها، ولا تَنْقُض لها عِفاصًا، ولتَضْغَثْهُ.
قال ابن حبيب: ومَنْ ترك تخليل لحيته في ذلك وأصابع رجليه لم يُجْزِه،
وكذلك تارك الأذنين. ولا شيء عليه في السماخ.
وقال سحنون في العتبية، في البادن لا يقدر أن يَعُمَّ بدنه، فلْيَجْعَلْ
مَن يلي ذلك له، أو يُعَالِجْ ذلك بخرقة.
قال عليٌّ عن مالك في المجموعة: وليُتِمَّ وضوءه قبل غُسْله، وليس العملُ
على تأخير غَسْل الرجلين، ولا على نَضْحِ الماء في العَيْنين، وكان ابن عمر
يُؤَخِّرُ عمل رجليه بعد الغُسْل. وذلك واسع.
قال عنه ابن القاسم، وابن نافع: وإن لم يتَوَضَّأ قبل الغُسْل ولا بعده
أجزأه الغُسْل إذا أمَرَّ يديه على موضع الوضوء.
قا عنه ابن القاسم: وإن انتبه المجنون عند طلوع الشمس، فلْيَتَوَضَّأْ
ويغتسل، فإن اغتسل ولم يتَوَضَّأ أجزأه.
ومن كتاب آخر، وهو قول مالك: إنَّ الجُنُب ليس الوضوء عليه بواجب، وإنما
الفرض عليه الغُسْل.
ومن العتبية قال سحنون في الجُنُب المُسافرِ ولا ماءَ معه فأصابَهُ
(1/64)
مطرٌ، فليتجَرَّدْ له، ويغتسلْ بما يُصيبه
منه، إذا أصابه ما يَبُلُّ جلده، فذلك عليه. ورواه موسى بن معاوية عن ابن
القاسم، وقال: إذا عمَّ جسده بذلك.
قال ابن القاسم عن مالك: ولا بأس بالغُسْل في الفضاء. وأنكرَ ما ذُكِرَ فيه
من النهي.
قال في المجموعة: وكان الناس يُسافرون بغير أقبية، وأول مَن ضرب فسطاطًا
عثمان، وذكَر أنه كان يستحي أن يغتسل بالعراء.
قال عليٌّ عن مالك، في الجُنُب يغتسل وعليه مِنْطَقةٌ، قال: فإن حرَّكَها
حتى يَصِلَ الماء لِمَا تحتها أجزأه.
قال عنه عليٌّ: وإذا تَوَضَّأَ الجُنُب , ووخَّرَ غَسْل رجليه حتى جَفَّ
وضوءه، فليُجَدِّدِ الوضوء عند الغُسْل.
في من رأى في ثوبه احتلامًا، أو امرأة رأت دمًا لا
تدري متى كان، وفي مَن تَطَهَّر لمَغِيبِ
الحَشَفَةِ، أو لإنْزَالٍ ثم خَرجَ منه المَنِيُّ، أو
لاعَبَ ثم صَلَّى بوضوء ثم خرج منه المَنِيُّ
من المجموعة قال ابن القاسم وعليٌّ، عن مالك، وذكره ابن حبيب عن ابن
الْمَاجِشُون عن مالك، في مَنْ وَجد في ثوبه احتلامًا، لا يدري متى كان
فليغتسلْ.
قال في الواضحة: ويغسلُ ما رأى في ثوبه، وينْضَحُ ما لم يَرَ.
قال في الكتابَيْن: ويُعيد ما صَلَّى بعد أحْدَثِ نوم نامه فيه.
قال سحنون في المجموعة: فإن كان غيره نام فيه قبله، فلا شيء على الأول.
قال مالك في الواضحة: وإن كان لابِسُه لا يَنْزِعُهُ أعاد من أَوَّل يوم
نام فيه.
(1/65)
قال محمد بن مسلمة في من نام في ثوبه، ثم
رفعه فلم يلبَسْهُ شهرًا، ثم رأى فيه احتلامًا؛ فليُعِدْ صلاة شهرٍ؛ لأن
آخر ثومٍ نامه فيه منذ شهرٍ، ولو كان يلبِسُهُ مستيقظًا لم يحسب الاستيقاظ؛
لأنه لا يحتلم إلاَّ نائمًا، ولو كان نام فيه بعد ذلك، لم يُعِدْ إلاَّ من
أقرب ذلك.
قال ابن القاسم، في المجموعة، وذكر مثله ابن حبيب، في امرأة رأتْ في ثوبها
دم حيضة، وقد لبسَتْهُ نقيًّا، ولا تدري متى كان، وهل حاضتْ أم لا: فإن
كانت لا تنزِعُه، ويَلِي جسدها؛ اغتسلتْ، وأَعَادَتِ الصلاة من يوم
لبِسَتْه، وتُعِيدُ الصوم الواجب. يريد في الصوم: ما لم تجاوزْ أقصى أيام
الحيض. قال: وإن كانت تنزِعُه وتَلْبَسه، أعادتْ من أحدث لُبْسٍ لبِسَتْه.
وقال ابن حبيب، في الصوم: إنها إنما تُعِيدُ يومًا واحدًا؛ لأن دم الحيض
انقطع مكانه، فصارت كالجُنُب، يصوم وهو جُنُبٌ.
قال ابن حبيب: فإن لم ينْضَحِ الجُنُبُ والحائضُ ثوبيهما، وصَلَّيا فيه
–يريد: ولم يريا فيه شيئًا- فلا يُعيدَا، بخلاف مَنْ شَكَّ هل أصاب ثوبه
نجاسة. هذا يعيد في العمد والجهل الصلاة أبدًا، وفي السهو في الوَقْتِ،
وينضحُ هذين؛ لِتَطِيبَ النفسُ، ولينضحا لمَا يستقبلا.
ومن العتبية وروى أبو زيد، عن ابن القاسم، في الجُنُب إذا لم ينضحْ، ما لم
يرَ في الثوب الذي نام فيه، أنه يعيد الصلاة في الوَقْتِ. قال عيسى عن ابن
القاسم، في من اغْتَسل لمُجاوزة الختان ولم يُنْزِلْ، ثم خرجَ منه الماء
الدافقُ: فلا غُسْل عليه، ولْيتَوَضَّأ. قال يحيى بن عمر: لأنه خرج بغير
لَذَّة. قال ابن المواز: ولأنه قد اغتسل لهذا الماء، فلا غُسْل عليه.
(1/66)
وقاله سحنون في كتاب أبيه، وقال أيضًا:
يعيد الغُسْل. قال: وقاله بعض أصحابنا: يعيد الغُسْل ولا يعيد الصلاة.
وقال عيسى، عن ابن القاسم، في مَنْ تَذَكَّر فوجد اللَّذَّة، ثم صَلَّى بعد
وقت، ثم خرج منه الماء الدافق، قال: أحسنُ ذلك أنْ يغتسلَ، وليس بالقويِّ.
ثم رجعَ، فقال: يغتَسِلُ.
قال يحيى بن عمر: الغُسْل عليه واجب. وكذلك روى عليُّ بن زياد، عن مالك في
المجموعة في مَنْ لاعَبَ فوجد لَذَّة الجماع ولم يُنْزَلْ، ثم صَلَّى، ثم
خرج منه الماء، قال: يغتسلُ ويعيد الصلاة. وقاله ابن كنانة، وقاله أصبغ؛
لأن الماء قد زايل موضعه أولاً. وقال ابن الْمَوَّاز: يغتسل، ولا يُعِيد
الصَّلاَة؛ لأنه إنما صار جُنُبًا بخروج الماء.
ومن المختصر، قال: ومَنْ خرجَ الماءُ بعد غُسْلِه، فليس عليه إلاَّ الوضوء.
ومن المجموعة، قال مالك، من رواية عليٍّ، وابن القاسم، وابن وهب، وابن
نافع، في الجُنُب يغتسلُ، ثم يخرجُ منه بقيَّة من نوع مَنِيٍّ، وقد بال أو
لم يَبُلْ، فليغْسِلْ ذلك، وليتَوَضَّأ. قال عنه ابن القاسم: ويعيد
الصَّلاَة.
وقال ابن القاسم أيضًا عن مالك، في مَنْ رأى في منامه أنه احتلم، فلمَّا
استيقظ لم يجدْ بللاً، فتوضأ وصَلَّى، ثم خرج منه المَنِيُّ بغير لَذَّة:
فليغتسلْ، ولا يعيد الصلاة؛ لأنه صَلَّى قبل يخرج منه شيء، وإنما يغتسِلُ
لأنه ماءٌ خرجَ
(1/67)
من لَذَّة تقدَّمَتْ. وكذلك مَنْ رأى أنه
جامع أهله، فإن انتبه ولم يَخْرُجْ منه المَنِيُّ، فلا شيء عليه، ولو وجد
المَنِيَّ ولم يرَ في منامه شيئًا، فليغتسلْ. والمرأة كالرجل في ما يرى في
المنام.
في الغُسْل في الماء الدائم، وفي تناوُله الماء في
غُسْله بعد خروجه من حوض الحمَّام
ومن المختصر قال مالك: ولا يغتَسِلُ الجُنُب في البئر، ولا في الماء
الدائم، ولا في بركة إلاَّ البِرَكَ العِظَامَ. ورواه عنه ابن وهب، في
المجموعة.
ومن العتبية، روى ابن القاسم، عن مالك، قال: وإن اغْتَسَلَ جُنُبٌ في بئرٍ
مَعِينٍ، لم يُفْسِدْه. وقال عنه أيضًا: هو ماء دائم، وقد نُهِيَ عن
الغُسْلِ في الماء الدائم. قيل له: وإنْ كَثُرَ ماؤها؟ قال: نعم، هو ماءٌ
مُقيمٌ، وإن كان مَعِينًا.
قال في رواية ابن وهب في المجموعة: فرُوجع، وقيل: ربما كانت بركة كثيرة؟
قال: إدِّ ما سَمِعْتَ، وحَسْبُك. قال عنه هو وعليٌّ: إلاَّ أن يُضْطَرَّ
إليه، ولم يَجِدْ ما يَغْتَرِفُ به، فليغتَسِلْ فيه، إذا كان يَحْمِلُ ذلك.
وقال عنه عليٌّ: ولا يَغْتَسِلُ في الجُبِّ، فإنْ فعلَ أجزأه. قال عنه ابن
نافع: إذا اغتَسَلَ في مثل البِرَكِ العظام لم يُفسِدْها.
ومن العتبية، روى ابن القاسم، عن مالك، وعن مَنْ دخل حوض الحمام
(1/68)
وهو مليءٌ، أيُجْزِئه من طُهْرِه؟ قال:
نعم، إن كان طاهرًا. قال ابن القاسم: يريد الماء والرَّجُل.
قال مالك: ولا يغتسلُ الجُنُبُ في الماء الراكد، وإن غَسَلَ عنه الأذى. قال
ابن القاسم: لا أرى به بأسًا إنْ غسل عنه الأذى. ولو أن الماء كثيرٌ
يَحْمِلُ ما وقع فيه، جاز وإن لم يَغْسِلْ عنه الأذى.
قال في كتاب ابن حبيب: ومَنِ اغتَسلَ في بئر، وفي بَدَنِه أذًى، أجزأه، ولم
يُنَجِّسْه، وأحبُّ إليَّ لو نُزِع منها شيء. قال مالك في موضع آخر: ولا
يُنْزع منها شيء.
ومن العتبية، وروى أبو زيد عن ابن القاسم، في مَنْ دخل الحمَّام، فدخل
الحوض النجس، ثم يتطَهَّرُ، ويغسلُ يدَيْهِ، ويتَوَضَّأ، وهو يرفعُ يديه
إلى وجهه، ثم يعيدهما إلى الطَّهُور قبل يغسلهما، وفي وجهه ذلك الماء النجس
من الحوض، قال: لا بأس به، وهذا سهلٌ أجازه الناس.
وقال أبو بكر بن محمد: وله أنْ ينزع المئزر، ويتناول ماء الطَّهور
لاغتساله، من غير غَسْل اليد أو المَطْهَرة. يريد: لأنه ماءٌ جارٍ.
في الوضوء والغُسْل بفضل النصراني والجُنُبِ،
بِسُؤْرِه، أو بما وَلَغَ فيه الكلابُ والسباعُ
والدَّوابُّ والدَّجاجُ، أو بما قد تُوُضِّئ به
من العتبية قال ابن القاسم، عن مالك: لا يتَوَضَّأ بفَضْلِ وُضُوءِ
(1/69)
النصراني، ولا بأس بِفَضْل شرابه، وقد
كَرِهَه غيرَ مرَّة. وكذلك روى عنه أشهب. وابن نافع، في المجموعة.
وقال مالك في الكتابين: لا يتَوَضَّأ من بُيوتِ النصارى. قال عنه أشهب: إنه
كَرِهَه.
قال سحنون: إذا أمِنْتَ أن يشربَ النصرانيُّ خَمْرًا، أو يأكل خنزيرًا، فلا
بأس بفضل سؤْرِه في ضرورة، أو غير ضرورة.
وروى سحنون عن ابن القاسم في العتبية، قال: ومَنْ لم يجدْ إلاَّ سُؤْر
النصرانيِّ؛ تيَمَّم، وهو كالدجاجة المُخْلاةِ تأكل القذر، أو الكلبِ يأكل
القذر.
وروى عنه أبو زيد، في حياض بالريف يغتسل فيها النصراني والجنب، أيتَوَضَّأ
منها؟ قال: لا يُجزئ الجنب الغُسْل فيها؛ لأنه نجس. فإن لم يَقْرَبها
نَجِسٌ ولا نصرانيٌّ؛ فلا بأس بالوضوء منها. وإنْ كان يَشْربُ فيها الكلاب
وإن كان يَشْرَبُ منها الخنازير؛ فلا يتَوَضَّأ منها.
قال ابن القاسم، وابن وهب، عن مالك في المجموعة: إذا كان ماؤها كثيرًا،
والنصارى يدخلونها، فيغتسلون فيها؛ فلا يُعجِبُني أن يتَوَضَّأ منها.
قال أبو زيد، عن ابن القاسم، في العتبية، ومن المجموعة، قال ابن نافع
لمالك: فالوضوء من بُيوتِ النصارى، وربما كانوا عبيدًا للمسلمين؟ فقال:
(1/70)
أَكْرَهُ ذلك، هم أنْجاسٌ، لا يتَطَهَّرون.
قال ابن حبيب: لا يتَوَضَّأ بسؤر النصرانيِّ، ولا بما أدخل يده فيه، ولا
بما في بيته، ولا في آنيته، إلاَّ أن يُضْطَرَّ، وإن فعله غيرَ مُضْطَرٍّ
لم يُعِدْ صَلاتَه، وليتَوَضَّأ لِمَا يَسْتَقْبِلُ، إلاَّ ما كان مِنْ
حياض النصارى، فليَتَيَمَّمْ أوْلَى به؛ لانْغِماسهم فيها وهم أجْنابٌ.
وكذلك قال مُطَرِّف، وابن عبد الحكم.
قال ابن حبيب: ولاك يتَوَضَّأ من سؤر المخمور، ولا من أنيته ولا من بيته،
إذا كان الخمر الغالبة عليه.
وقال أصبغ: ومَنْ لم يَجِدْ إلاَّ ماءً قد تُوِضِّئَ به مَرَّةً،
فلْيَتَيَمَّمْ؛ لأنه غُسالةٌ. وقال ابن القاسم: يتَوَضَّأ به، إن كان
الأول طاهِرَ الأعضاء.
قال ابن حبيب: وإذا وَلَغَ الهِرُّ في وضوئك فلا بأس به، وإن وجَدْت عنه
غِنًى فغيرُه أَحَبُّ إِلَيَّ منه، إلاَّ أن ترى بخَطْمِه دمًا.
وروى ابن القاسم، عن مالك، في العتبية: ولا بأس بالوضوء من ماء ولغت فيه
الهرَّةُ.
قال مالك: ولا بأس أن يُؤْكَلَ من موضع أَكَلَتِ الفأرة من الخبر.
ومن المختصر: ولا بأس بالوضوء بفَضْلِ جميع الدَّوابِّ والطَّيْرِ، إلاَّ
أن تكون بموضع يُصيب فيه الأذى. ولا بأس بفضل الهِرِّ، إذا لم يَكُنْ
بخَطْمِه أذًى. ولا يتَوَضَّأ بفضل الكلْب الضَّاري أو غيره، ويَغْسِلُ
منهُ الإناءَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، إلاَّ أنْ يكون كالحوض، فلا بأس بذلك. ولا
يتَوَضَّأ بفضل الخنزير. وتَرْكُ الوضوء بما شَرِبَ منه النصرانيُّ أَحَبُّ
إِلَيَّ، فإنْ تَوَضَّأَ به فلا شيء عليه. ولا بأس بفضل
(1/71)
الجُنُبِ والحائض.
ومن المجموعة، قال أصحاب مالك عنه، ابن القاسم وغيرهن في الماء يَلَغُ فيه
الكلب: غيرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ منه. قال عنه ابن وهب، وابن نافع: الضارِي
وغيرُه سواءٌ. قال عنه ابن نافع: إلاَّ أن يُضْطَرَّ إليه فيتَوَضَّأ به.
قال سحنون: الكلب أيْسَرَ من السَّبُعِ، وقد قال عمرُ: إنَّا نَرِدُ على
السباع. قال: والهِرُّ أيْسَرُهما؛ لأنها ممَّا يتّخِذُهُ الناسُ.
قال أبو بكر بن الجهم: وذكَر نحوه ابن سحنون في كتاب الجوابات إنه اختَلَفَ
قولُ مالكٍ في غَسْل الإناء من وُلُوغ الكَلْب، فقيل: إنه جعل معنى الحديث
في الكلب الذي لم يؤْذَنْ في اتِّخاذِه. وقيل: إنه جعله عامًّا في كل كلبٍ.
والقوْلُ الأوَّلُ قول أحمد بن المُعَذِّل.
وروى ابن وهب عن مالك، في موضع آخر، أنَّ الإناءَ يُغْسَلُ مِن وُلُوغِه في
ماءٍ أو لبن.
وقال ابن حبيب، قال مالك: يُغْسلُ في الماء واللبن، ويُؤْكَلُ اللَّبَنُ
ويُطْرَحُ الماء؛ لجواز طَرْحِه، وأنه يجدُ أفضل منه، فإنه لم يجدْ غيرَهُ
تَوَضَّأَ به، وإنْ وَلَغَ وفي خَطْمِه دمٌ أو قَذَرٌ، فلا يتَوَضَّأ به،
فإنْ فعل ولم يعْلَمْ، ثم عَلِمَ، أعادَ في الوَقْتِ، وإنْ فعل
(1/72)
ذلك جَهْلاً به، أعاد أبدًا.
وفي رواية ابن القاسم: يُغْسَلُ في الماء وَحْدَه، على ظاهر الحديث.
وكَرِهَ بعضُ العلماء سُؤْر الدوابِّ التي تأكل أرواثها. وأجاز ابن القاسم
فَضْلها، إلاَّ أن يرى ذلك في أفواهها عند شُرْبِها؛ لأن أكثرها يفْعَلُ
ذلك، وأحبُّ إليَّ تَرْكُه عند وُجود غيره، إلاَّ أن يرى ذلك في أفواهها
إذا شَرِبَتْ، فإنه نَجِسٌ، فأمَّ الجَلاَّلةُ المُخَلاَّةُ تأكلُ القذر،
فلا يتَوَضَّأ بسؤرها، ولْيَتَيَمَّمْ، وإذا لمْ يجدْ إلاَّ ما شرِبَتْ منه
دجاجة مُخَلاَّة تأكل القذر، أو طيرٌ يأكل الجيَفَ؛ تَيَمَّمَ. ومَنْ
تَوَضَّأَ به عامِدًا أو جاهلاً وصَلَّى؛ أعاد أبدًا، وإن لم يعلمْ أعاد في
الوَقْتِ.
وفرَّق في المدونة في رواية ابن القاسم -بين الماء والطعام فيها، وساوى
بينهما في رواية عليٍّ - أنه لا يَنْجُسُ إلاَّ أن يرى في منقارها أذًى
عندَ شُرْبِها.
ومن العتبية، روى أشهب عن مالك في دجاجة شَرِبَتْ من وَضُوءٍ، فإن كان
منقارُها طاهِرًا فلا بأس.
قال عنه ابن وهب في المجموعة: إذا كانت بمكان تُصِيبُ فيه الأذى كرِهْتُه،
وإلاَّ فلا بَأْسَ به. وإن لم يَجِدْ في منقارها أذًى، والسباع كالكلب، لا
يتَوَضَّأ بفضلها إلاَّ الهِرَّة فيه، فلا بأس بفضلها، إنْ لمْ يكُنْ في
خَطْمِها أذًى.
قال عنه ابن نافع: ولا يُغْسَلُ الإناءُ مِن فَضل الهِرِّ.
(1/73)
في البئر، أو الماء الراكد، تموت فيه
الدابة، أو
تَحُلُّ فيه النجاسةُ، وفي الماء تتغَيَّر رائحته لغَيْر
نجاسة
من المختصر: ولا يتَوَضَّأ بماء وقعت فيه مَيْتَةٌ إلاَّ أن يكون كثيرًا
جدًّا، لا تُغَيِّرُ منه ريحًا ولا طَعْمًا، فلا بأس به. وإذا ماتتْ دجاجة
في بئر، فليُنْزَفْ حتى يصفوَ، ويُغْسَل منه الثيابُ، وتُعادُ الصلاة في
الوَقْتِ، ولا يُؤْكَلُ ما عُجِنَ به، وعن أُخْرِجَتْ حين ماتتْ ولم
تتغيَّر، فلْيُنْزَفْ منه، ثم يتَوَضَّأ منه، وأمَّا الماء الغالبُ عليه
النجاسة فيُعادُ منه الصلاة إبدًا.
ومن العتبية قال ابن القاسم، عن مالك: إذا تغيَّر لونُه وطعمُه، أعاد
أبدًا. قال سحنون: لأنه خرجَ عن حَدِّ الماءِ.
قال عليٌّ، عن مالك، في المجموعة: إذا تغَيَّر لَوْنُ الماءِ أو طَعْمُه أو
ريحُه، مِن نجاسةٍ وقعَتْ فيه، لم يصْلُحْ شُرْبُه، ولا الوضوءُ به، كان
مَعِينًا، أو مِن الشتاء.
ومن العتبية، وروى أشهب عن مالك، في بئر ماتتْ فيه فأرة، فتَمَعَّطَتْ،
قال: لا يُعْجِبُني أكْلُ ما عُجِنَ به أو طُبِخَ من اللَّحمِ. قيل:
فالثيابُ؟ قال: لو غُسِلَتْ. وقال نحوه في الهرِّ تموتُ فيها. فال:
والآبارُ تختَلِفُ: رُبَّ بئرٍ يُنْزَفُ كُلَّ يومٍ، وآخَرُ يُسْتَقَى منه
كُلَّ يومٍ فَتَتَّسِعُ، فلْيُنْزَفْ منها قَدْرُ ما يُطَيِّبُها، وتُعادُ
منها الصلاة في الوَقْتِ.
(1/74)
قال في موضع آخرَ، عن مالك: إنْ كان الماءُ
شديدًا مُنْتِنًا؛ غُسِلَت الثيابُ، وإنْ كان خفيفًا نُضِحَتْ، وتُعادُ
الصلاة في الوَقْتِ.
ومن المجموعة، قال المغيرة، في البئر تقع فيها الميتة: فلا يُؤْكل ما
عُجِنَ بمائِه، ولا بأس أنْ يَطْعَمه دوابّ ذاتُ لبنٍ، أو يُسْقَى بها شجرٌ
فيها ثمرٌ، أو لا ثمر فيها.
قال عنه عليٌّ: وإذا كانت إلى جانب هذه البئر بئرٌ، فذلك يختلفُ، رُبَّ بئر
في الصفا والحَجَر لا يَصِلُ إليها من ماءٍ الأُخْرى، ورُبَّ أرضٍ رِخْوةٍ
يَصِلُ إليها.
قال ابن حبيب: إذا غَلَبَ على البئْر ما وقع فيها – يعني من نجاسة – فما
عُولِج به مِنْ عَجين أو طعام، فلا يجوز أن يُطْعَمَ لدَجاج أو حمامٍ، ولا
لنصرانيٍّ أو يهوديٍّ، فهو كالميتة.
ومن المجموعة قال عليٌّ، عن مالك في البئر تقع فيها الميتة، قال: رُبَّ بئر
قليلة الماء، وأخرى ماؤها كثيرٌ. قيل: فيُنْزَع منها أربعون دَلْوًا؟ قال:
الدلاء مختلِفة. قال: وإذا تَزَلَّعَتْ فيها الفأرة، أو سالَ من دمها ولم
يتزَلَّعْ، فليُنْزَفْ إلاَّ أن يَغْلِبَهُم الماء. قال في التي سال منها:
فإنْ غَلَبَهم نُزِعَ منها حتى لا يبقى من النَّجَس شيء، وإنْ لم تتزَلَّعْ
ولا سال منها شيء، فليُنْزَعْ منها شيء. قال ابن كنانة: على قَدْر ما
يَطِيبُ.
قال ابن نافع، عن مالك: فإن أرْوَحَتْ؛ نُزِعَ منها حتى تذهب الرائحة.
(1/75)
قال: وتُغْسَلُ الثِّيابُ، وإنْ كان شيئًا
خَفِيفًا نُضِحَتْ، ونرجو فيه سَعَةً. وفي رواية ابن القاسم: يغْتَسِلُ.
ومن الواضحة: ولا خيرَ في الوضوء والشُّربِ من الغُدُرِ والبِرَكِ العِظَام
يقعُ فيها الميتة، إلاَّ العظام جدًّا فلا بأس به. فإن أرْوحَتْ، ما لم
يتغيَّر الطَّعْمُ واللَّوْنُ، فمُخْتَلَفٌ. وقد تتغَيَّرُ رائحة الماء من
غير شيء.
وما مات في بئرٍ من فأرة أو دجاجة أو شاة، فأمَّا آبار الدُّور فيُماحُ
منها حتى يَطيبَ، لا حَدَّ فيها، ويُنْزَعُ من التي تغَيَّرَتْ أكثرُ.
وأمَّا آبار السَّواني، فلا يُنَجِّسُها، وإن كان جَزُورًا، وإن أرْوَحَتْ،
ما لم يتغَيَّرِ الطَّعْمُ واللَّوْنُ وغيرهُ يرى الرائحة كاللَّوْنِ
والطَّعْمِ.
قال ابن حبيب: وإن لم تَتَغَيَّرْ آبار الدُّورِ، فليُغْسَلْ منها الثيابُ،
وتعاد الصلاة في الوَقْتِ، ويُطْعَمُ ما عُجِنَ به للبهائم والنصارى. وقاله
لي في كُلِّ ما ذكرتُ ابنُ الماجشون، وابن عبد الحكم، وأصبغ. وما وقع من
ذلك في الجُبِّ والماجل أنجَسَهُ، كالبِرَكِ الصغيرةِ والحَوْض.
قال أبو الفرج: روى أبو مصعب، عن مالك، أن الماء كُلَّهُ طَهورٌ، إلاَّ ما
تغيَّرَ لوْنُهُ أو طعمه أو ريحُهُ، لِنَحَسٍ حَلَّ فيه، مَعِينًا كان أوْ
غيرَه.
قال غيرُ واحدٍ من البغداديين: وهذا الأصل عند مالكٍ، وما وقع له غيرُ هذا
فعلى الاستحبابِ والكراهية.
ومن العتبية، من سماع أشهب، وعن بئْر نَتُنَ ماؤُها، فنُزِفَتْ وهو بحاله،
قال: يُنْزَفُ يومَيْنِ وثلاثةً، فإنْ طابَتْ وإلاَّ لم يُتَوَضَّأ منها.
(1/76)
قال في موضع آخر: وأخاف أن يكونَ
تَسْقِيهَا قَنَاةُ مِرْحَاضٍ، فلْيَخْتَبِرْه مَنْ يعرفُ ذلك. فقيل: فإن
لم يكن من ذلك؟ قال: لو أعلم أنه ليس منه لم أرَ به بأسًا بالوضوء منه.
قال عيسى: قال ابن وهب في الدابَّة تموت في جُبٍّ فيه ماء السماء،
فَتَنْتَفِخُ وتَنْشَقُّ، والماء كثيرٌ لم يتغيَّرْ إلاَّ ما قَرُبَ منها،
فأُخرِجَتْ وحُرِّكَ الماءُ فذهبتِ الرائحة، قال: يُنْزَع منه حتى يذهب
دسَمُ الميتة والرائحة واللون إن كان لونٌ، فَيَطِيبُ بذلك إن كان كثيرًا.
وقال ابن القاسم: لا خير فيه، ولم أسمعْ مالكًا أرخص فيه قطُّ.
ومن سماع موسى، من ابن القاسم، وعن حوضٍ تغيَّر ريحه، ولا يُرَى فيه أثرُ
ميتة، والدوابُّ تشرب منه، فلا بأس به، إذا لم يَرَوْا نجاسة يُعْلَمُ ذلك
منها.
ومن سماع ابن القاسم من مالك، وعن الماء الكثير يقع فيه القطرة من البول أو
الخمر، قال: لا يُنَجِّسُهُ لوضوء أو شُرْبٍ، وكذلك الطعام والوَدَكُ،
إلاَّ أن يكون يسيرًا. قال سحنون: يعني الطعام والماء والودك يسيرٌ.
قال: ولا أرى أن يُؤْكل قمحٌ أُبِلَّ بماء بئرٍ وقعت فيه فأرة.
ولا بأس بالماء يُدْخلُ فيه السِّواك وقد أدْخَلَه في فيه، وكذلك أُصْبُعه.
وفي رواية أشهب: ولو غَسَلَهُ كان أَحَبُّ إِلَيَّ، وذلك واسع.
ومن المجموعة، ابن القاسم، وعليٌّ عن مالك، في الجُنُبِ يُجْعَلُ له الماء
للغُسْلِ، فيُدْخِلُ أُصْبُعَه فيه؛ ليَعْرِفَ بَرْدَه من حرِّه، قال: لا
يُنَجِّسُهُ، إن لم
(1/77)
يكن في أصبعه أذًى.
ومن العتبية، قال موسى، عن ابن القاسم، في إناء وقع فيه قطرة من بول صبيٍّ
أو دابَّة أو دم، فإن كان مثل الجرار لم يُفْسِدْهُ، وإن كان مثل إناءِ
الوضوء أَفْسَدَه، ولا يُفْسِدُهُ لُعابُ كلبٍ أو سؤرُ دابَّة، ويفسد
رَوْثُ الدابَّة، إلاَّ الماء الكثير.
وفي جُبٍّ ماتت فيه حيَّةٌ أو دابَّةٌ، قال مالك: لا خير فيه. قال ابن
القاسم: فأمَّا الرَّوْثُ يُوجدُ عليه طافيًا، فلا يُفْسِدُه، ولا بأس به.
ومن العتبية، من رواية غيري: ورَوْثُ الدابَّة مثل بَوْلِها، إذا كان الماء
كثيرًا فوقع فيه القليل أو الكثير، أو يقع في الزيت فإن ذلك لا يُفْسِدُهُ.
قال: وما طُبِخَ أو عُجِنَ بماءٍ نَجِسٍ، من بِئْرٍ أو جُبٍّ، فليُغْسَلِ
اللَّحمُ ويُؤْكلْ، ولا يُؤْكَلُ الخبز.
وقال أشهب، عن مالك: لا يُؤْكَلُ اللحمُ. قال موسى: وروي عن ابن عباس
يُطْرَحُ المَرَقُ ويُغْسَلُ اللَّحْمُ.
قال ابن سحنون عن أبيه: لا يُطْعِمُ الخبزَ رفيقَهُ النصرانيَّ، وله أن لا
يمنعَهم منه.
قال ابن حبيب: روى ابن الماجشون عن مالك، في الماء المَشْكُوك فيه، وهو
ماءُ البئرِ تموت فيه الدابَّة، وما يَشْرَبُ منه الدجاج المُخَلاَّةُ، فلا
يتغيَّرُ إنما
(1/78)
استُحِقَّ أنْ لا يُغْسَلَ منه الثَّوبُ
المرتقع الذي يُفْسِدُه الغَسْلُ، وأن يُصَلَّى به كذلك ويُبَاعَ،
ويُسْتَحَبُّ أن يُغْسَلَ ما سواه، ويُغْسَلَ ما أصابَ من الجسدِ،
ويُجْتَنَبَ أَكْلُ ما عُجِنَ به وطُبِخَ، ويُطْعَمَ للكافر والداجن، ويعيد
مَنْ صَلَّى به في الوَقْتِ.
قال ابن حبيب: وما وقع فيه من خَشَاشِ الأرض من ماء أو طعام لم يُفْسِدْهُ،
ومن ذلك العقربُ والخُنْفَساءُ والعِرْسا والعقربانُ والجُعْلان وبناتُ
وَرْدَانِ، والجِنَّانَّةُ، والحَرْجَل، والجُنْدَب، والقُنْبُضة،
والزُّنْبُور، واليعسوب.
ومن المجموعة قال ابن نافع، عن مالك، قال: سَمِعْتُ أن ما لا لحمَ له ولا
دم لا يُنَجِّسُ ما ماتَ فيه من الماء.
قال في المختصر: وما وقعتْ فيه الخُنْفَساء، والعقربُ، والصَّرَّارُ، وما
لا لحمَ له، فلا بأس به. ولا يُتَوَضَّأ بما وقعت فيه حيَّةٌ أو وَزَغَةٌ،
ولا شَحْمةُ الأرض إذا ماتت فيه.
(1/79)
ومن المجموعة، قال ابن غانم، عن مالك، في
غدير تَرِدُها الماشية، فتبول فيها وتروث، فيتغيَّرُ طعم الماء ولونه: فلا
يُعجبني الوضوء به، ولا أُحرِّمُه.
قال في المختصر، وغيره: مَنْ تَوَضَّأَ بما مُزِجَ بعَسَلٍ أو بغيره من
الأشربة وصَلَّى أعاد أبدًا.
ومن المجموعة قال عنه عليٌّ: لا بأس بالوضوء بالماء يتغيَّرُ ريحه من حَمَأ
أو طُحْلُب، إذا لم يجدْ غيره.
قال عنه ابن القاسم في البئر يتغيَّر بحمأة أو للحرِّ: لا بأس بالوضوء به.
وكذلك ما في الطُّرُق من غدير أو حوض يتغيَّرُ، أو بئر لا يُدْرَى لم ذلك.
قال عنه ابن نافع، في ماء قليل مُسْتَنْقَعٍ في الفَحْص من ماء السماء: لا
بأس بالوضوء منه، وإن لم يجدْ غيره اغتسل به لجنابته.
قال عنه ابن وهب، في البئر يمتلئ من النيل إذا زاد، ثم يُقيم بعد زواله
شهورًا لا يُسْتَقى منها، فتتغيَّرُ رائحتُها وطعمُها لغير شيء: فلا بأس
بالوضوء منها.
قال عنه عليٌّ، في الجُبِّ تقع فيه الدَّابَّة، فلا يُقْدَرُ على خروجها،
وماؤها كثير، قال: لا يُتَوَضَّأ منه ولا يُشْرب، وهم يَجِدُون عنه غنًى.
ورأيتُ لابن سَحْنُون ولم أَرْوِه، في البئر تقعُ فيه الميتة فيُسْقى منه
فلا تخْرُج، ويُنْزَلُ فيه فلا تُوجَدُ، وقد أُمِيحَ منها، قال: لا بأس
بالوضوء منها.
(1/80)
ومن الْعُتْبِيَّة، رَوَى أشهب عن مالك وهو
في المجموعة رواية ابن نافع عن مالك، في خليج الإسكندرية تجري فيه السفن،
وإذا جرى النيل صفا ماؤه وابْيَضَّ، وإذا ذهب النيل رَكَدَ ماؤه وتغيّر،
والمراحيض إليه جارية، فقال: لا يُعجبني إذا جرى إليه المراحيض، وتغيَّر
لونه، قال ابن عمر: اجْعَلْ بينك وبين الحرام سُتْرة من الحلال، ولا
تُحَرِّمْه. قال مالك: فعليك بما لا شَكَّ فيه، ودع الناس، ولعلَّهم في
سعة.
قال عنه ابن القاسم: ومَنْ وقع عليه ماء من سقف، فهو في سَعَةٍ، ما لم
يُوقِنْ بنَجَسٍ.
قال عيسى، عن ابن القاسم، في العسكر يسيل عليك من مائه، فيُسأل أَهْلُه
فيقولون: طاهرٌ. قال: فلْيُصَدِّقْهم، إلاَّ أن يكونوا نصارى.
قال ابن حبيب: وَلا بَأْسَ بالبول في الماء الجاري، ويُكْرَه في الراكِد
وإن كثر.
قال ابن الْمَاجِشُون: لا بأس بما يَنْتَضِحُ في الإناء من المُغْتَسِل.
قيل: فإن كان يُبالُ فيه؟ قال: إن كان أَزْلٌ فلا بأس بذلك، وإن لم يكن
أَزْلٌ ويُسْتَنْقَعُ فيه فهو نَجِسٌ.
(1/81)
حُكْمُ النَّجاسةِ في الثَّوْب والجَسَدِ،
ومَنْ صَلَّى
بذلك، وذِكْرُ الدَّمِ والمَنِيِّ، وأَرْوَاثِ الدَّوَابِّ
وأَبْوَالِهَا وأَلْبَانِهَا، وبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُه، ومَا
يَخْرُجُ مِن ما يَشْرَبُ النَّجَاسَةِ مِنْهَا، وذِكْرُ لَبَنِ
النِّسَاءِ
من المجموعة، قال ابن القاسم، عن مالك: لا يُطَهِّرُ الثوبَ النَّجِسَ
إلاَّ الماء.
قال عنه ابن وهب وعليٌّ: وغَسْلُ المَنِيِّ واجب، مُجْتَمَعٌ عليه عندنا،
والفَرْكُ باطلٌ، ولا يُبالي بالأثر بعد الغَسْل.
قال عنه عليٌّ: فإن لم يجد المسافر ما يَغْسِله به مسحه بتراب، وصَلَّى به،
خير من صلاته عُرْيَانًا.
ومن الْعُتْبِيَّة، من سماع أشهب، وذَكَرَه ابن نافع في المجموعة، قال:
ومَنْ تَجَفَّف من الغُسْل في ثوب فيه دَمٌ فإمَّا يَسيرٌ لا يخْرُجُ
بالتَّجْفيف، فلا شيء عليه إلاَّ غَسْل الدَّم. فإمَّا الكثيف ممَّا يُخاف
أنْ يخْرُجَ بِبَلَلِ التَّجْفِيف، فَلْيَغْسِلْ جسده، أو ما أصاب ذلك منه،
ولا يُعِيد الصَّلاَة لهذا، ولا يغْسِل بقية الثوب، إلاَّ أن يكون خرج منه
ما أصاب الثوب.
قال عنه ابن القاسم في مَنْ وجد في قطيفته وَزَغَةً ماتت، وبات عليها، ولم
يجدْ
(1/82)
قال مالك: وَلا بَأْسَ بالسيف في الغزو فيه
الدم أن لا يُغْسَلَ.
قال في المختصر: ويُصَلَّى به.
قال عيسى، في روايته عن ابن القاسم، عن مالك: مَسَحَهُ من الدم أو لم
يَمْسَحْهُ. قال عيسى: يريد في الجهاد، وفي الصيد الذي هو عَيْشُه.
قال ابن القاسم: واخْتَلَفَ قولُ مالكٍ في رَوْثِ الدوابِّ الرَّطْبِ في
الخُفِّ، فقال: يُغْسَلُ. ثم قال: يُمْسَحُ، ويُصَلِّي به، ولو نَزَعَهُ
كان أَحَبُّ إليَّ، وليس بضَيِّقٍ إن لم يَفْعَلْ.
ورَوَى ابن وهب، في كُتُبه للنبي عليه السلام، في النعل، أن التراب لها
طَهُورٌ.
قال ابن القاسم: قال مالك: لا يُجْزِئ مَسْحُ الخُفِّ من خُرْوِ الكلابِ
وشِبْهِها، ولا من العَذِرَةِ والبول.
قال مالك: وإذا وُقِدَ على الخُبز رَوْثُ الحمير لم يُؤْكَلْ، وإن طُبِخَتْ
به قِدْرٌ، فَأَكْلُها خفيف، وهو يُكْرَه. قاله سَحْنُون، من سماع أشهب.
(1/83)
قال مالك، في مَن تَوَضَّأَ، ثم وَطِئَ على
المَوْضِعِ القَذِرِ الجافِّ: فلا بأس به، قد وَسَّع الله سبحانه على هذه
الأُمَّة.
قال أبو بكر بن محمد: إذا مشى بعد ذلك على أرْضٍ طاهرة؛ لما رُوِيَ أن
الذَّيْلَ يُطَهِّرُه ما بعده.
ومن المجموعة، قال ابن القاسم، عن مالك في مَعْنَى الحديث في الدِّرْعِ
يُطَهِّرُه ما بعده: إنه في القِشْبِ اليابس.
قال ابن نافع عن مالك، في المكان اليابس الذي لا يَعْلَقُ بالثوب؟ قال نعم.
قال أبو بكر بن محمد: وقال بعض أصحابنا: إن مَعْنَى ما رُوِيَ في المرأة،
في جَرِّ ذَيْلها، أن الدِّرْعَ يُطَهِّرُه ما بعده، إنما تَسْحَبُ ذَيْلها
على أرض نديَّة نَجِسَةٍ أو إزارَها، وقد أُرْخِصَ لها أن تُرْخِيَه، وهي
تَجُرُّه بعد ذلك الأرض على أرضٍ طاهرة، فذلك لها طَهورٌ.
قال محمد بن مسلمة: إنما يَعْنِي تمُرُّ به على أرض يابسة أو نجاسة لا
تَعْلَقُ.
قال أشهب، عن مالك: في مَنِ اضْطَجَعَ على فراش نَجِسٍ فعَرِقَ، قال: لو
غَسَلَ شِقَّه ذلك؟ قيل: إنه يَتَقَلَّبُ. قال: يغسلُ ما يخاف أن يكون ما
أصابه.
(1/84)
ومن نام في ثوب فيه الجنابة فعَرِقَ،
فأَحَبُّ إليَّ أن يَغْسِلَ جلده، أو ما أصاب ذلك منه.
قال عيسى، عن ابن القاسم، في مَنْ لَصَقَ بجدار مرحاض نَدِيٍّ، فإن كان
يُشْبِهُ البَلَلَ غَسَلَهُ، وإن كان يُشْبِهُ الغبار فليَرُشَّه.
ومن المجموعة، قال عليٌّ، عن مالك: ومَنْ صَلَّى بثوب أصابه عَرَقُ
دابَّةٍ، فلا بأس به، وغَسْلُه أَحَبُّ إليَّ.
ومن المختصر: ولا يُصَلِّي ببول الخيل والدوابِّ.
ومن الْعُتْبِيَّة: من سماع ابن القاسم، قال: وما أصابه من بول الفرس في
الغزو، فأرجو أن يكون خفيفًا إن لم يجدْ مَنْ يُمْسِكُه، وأمَّا في بَلَد
الإسلام فليَتَّقْهِ جُهْدَه، ودين الله يُسْرٌ.
وقال ابن القاسم في خُرْوِ البازي: تُعادُ منه الصَّلاَة في الوَقْتِ،
إلاَّ أن يُصيبَ ذَكِيًّا. وفي الحمام يُصِيبُ أرواثَ الدوابِّ، فأَحَبُّ
إليَّ أن يُعِيد مَنْ صَلَّى بخُرْوِها. وقال مالك: هو خفيفٌ، وغَسْلُه
أَحَبُّ إليَّ. وقال أشهب، في موضع آخر: هو طاهرٌ.
وقال سَحْنُون: إذا شَرِبَتِ الأنْعَامُ ممَّا نَجُسَ، فَبَوْلُها نَجِسٌ.
قال غيرُه في كتاب آخَرَ: وأمَّا ما يَنْقَلِبُ عينُه مِثْل أَلْبَانِها،
وقدْ تَغَذَّتْ بنَجَاسَةٍ، أو تَغَذَّتْ به النَّحلُ، فلا بَأْسَ
باللَّبنِ والعَسَلِ، وكذلك قَمْحٌ نَجِسٌ، فزُرِعَ فنَبَتَ، أو ماءٌ
نَجِسٌ، سُقِيَ به شجرٌ، فأثْمَرَتْ، وكذلك ما ذَبَلَ مِن الأُصولِ
والبَقْلِ وغيرِه.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال عيسى، عن ابن القاسم: لا بَأْسَ أن تُسْقَى
الأنْعَام
(1/85)
من ماءٍ تَمُوتُ فيه الدَّابَّة، ويُعْلَف
النَّحْلُ العَسَلَ الذي ماتَتْ فيه الفَأْرَة. قال سَحْنُون: ثم يكون
بَوْلُ هذه الأنْعَام نَجِسًا. قال يَحْيَى بن عمر: وأَلْبَانُها طاهِرَة.
وكذلك ما يخرُجُ من هذه النَّحْلِ من العَسَلِ يُؤْكَلُ.
وفي كتاب الذَّبَائِح من هذا الْمَعْنَى. قال مالك، في المختصر: وبَوْلُ
الأنْعَامِ والوَحْشِ من ما يُؤْكَل لحمه ليس بنَجِسٍ.
ومن المجموعة، قال عنه ابن وهب: وليس عليه غَسْلُ بَوْلِ الأنعام من
ثَوْبِه. قال عنه عليٌّ: غَسْلُه أَحَبُّ إليَّ، ولم يكونوا يَرَوْنَ به
بأسًا ولا بشُرْبِه.
قال عنه ابن القاسم: وكذلك أَبْوَالُ الظِّبَاء، وما أُكِلَ لَحْمُه، إلاَّ
ما يُصِيبُ الأذَى منها. وقال عنه ابنُ نافع، في أَبْوَالِ الظِّبَاء: لا
أَدْرِي ما أَبْوَالُها. وقال ابن نافع: لا بَأْسَ به.
ومن سماع أشهب في الْعُتْبِيَّة: ولم يَحُدَّ مالك في الدم قَدْرَ
الدِّرْهَم.
قال عنه عليٌّ في المجموعة: إنَّ قَدْرَ الدِّرْهَم منه ليس بواجب أن
تُعَادَ منه الصَّلاَة، ولكن الفاشي المُشْتَهِرُ الكثيرُ.
وقال ابن حبيب: سئل مالكٌ عن قَدْر الدِّرْهَم من الدم، فرآه كثيرًا، وسئل
عن قَدْرِ الخِنْصَر، فرآه قليلاً. وقال عَطَاءٌ وغيرُه: قَدْرُ الدِّرْهَم
قليلٌ. وقال مالكٌ: أَحَبُّ إليَّ.
ولغير ابن حبيب من أصحابنا، أن قدر الدِّرْهَم قليل.
قال ابن حبيب ك سئل ابن المسيب عن قَدْر العدسة منه. فقال ك لو كان في ثوبي
قَدْر عدسات ما أَعَدْتُ منه صَلاتي.
(1/86)
ورَوَى ابن القاسم، عن مالك، أنَّه قال: لا
تُعَادُ الصَّلاَة من قليل الدم يكون في الثوب، كان دم حيضة أو غيرها.
ورَوَى ابن وهب عن مالك، أنه يُعِيد الصَّلاَة من قليل الدم، دم الحيضة
خاصة في الوَقْتِ، إن الله سبحانه سمَّاه أذًى. وهذا في المبسوط، وفي غيره،
رواية ابن وهب، عن مالك.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال يحيى بن يحيى، في لبن الحمارة يُصَلَّى به في ثوبه:
فلْيُعِدْ في الوَقْتِ. وقد ذكرنا في كتاب الصيد زيادة في هذا.
ومن المجموعة، قال المغيرة في لبن المرأة يصيب الثوب، فيُصَلَّى به: إنه لا
يعاد منه الصلاةُ، ويُغْسَلُ موضعه، وكذلك كُلُّ لبن حلَّ شُرْبُه. وأما
لبن الأُتُنِ تعاد منه في الوَقْتِ؛ إذ لا يُؤْكَل لحمها.
ومن الْعُتْبِيَّة رَوَى عيسى، عن ابن وهب، في مَن صَلَّى بثوب نَجِسٍ، أنه
يُعِيد الصَّلاَة أبدًا. وقال مالك: يُعِيد في الوَقْتِ.
وقد ذكرنا في كتاب الصَّلاَة بابًا في النجاسة فيما يُصَلَّى به، وذكْر
مَنْ صَلَّى بثوب نَجِس، وقوْلَ أشهب إنه يُعِيد في الوَقْتِ في تعمُّدِه،
وغير ذلك من هذا المعنى. وأخبرَنَا أبو بكر، عن يحيى بن عمر، عن أبي
الطاهر، عن ابن
(1/87)
وهب، أنه قال: إنما يُعِيد أبدًا مَنْ
صَلَّى بدم حيضة، أو دم ميتة، أو بول، أو رجيع، أو احتلام.
وفي كتاب الصَّلاَة ذِكْرُ الصَّلاَة في أعطان الإبل.
في الثَّوْبِ يُشَكُّ في نَجَاسَتِهِ، وذِكْرُ النَّضْحِ،
وذِكْرُ ثَوْبِ الحَائِضِ والنَّصْرَانِيِّ، وفي
التَّنَظُّفِ ممَّا لُبِسَ بِنَجِسٍ، وهل تُزَالُ النَّجاسةُ
بالماء المُضَافِ
ومن الْعُتْبِيَّة، من سماع ابن القاسم، قال مالك: النضح تخفيف.
قال ابن القاسم: يُرِيد فيما شَكَّ فيه. وفي الحديث: «اغْسِلْ ذَكَرَكَ
وأُنْثَيَيْكَ، وَانْضَحْ». قال إسماعيل القاضي: ويدُلُّ ما ذُكِرَ في
الحديثِ من نَضْحِ الحصير الذي اسْوَدَّ من طُولِ ما لُبِسَ، أن ذلك
طَهُورٌ لما شك فيه. والله أعلم.
(1/88)
قال أبو محمد: والذي ذكره إسماعيلُ رَوَاهُ
ابن نافع، عن مالك، أنه احْتَجَّ به.
ومن سَمَاع ابن القاسم، قال مالك: ومَنْ بالَتْ دابَّتُه قريبًا منه، فما
أَيْقَنَ أنَّه أصابَ ثَوْبَه غَسَله، وإنْ شَكَّ نَضَحَه، وكذلك إنْ ظَنَّ
أنَّ في ثَوْبِه نجاسةً، فلْيَرُشَّه، وإنْ أَيْقَنَ ولم يعلم المَوْضِعَ،
غَسَلَهُ كُلَّه، وإنْ عَرَفَ الناحيةَ غَسَلَ تلك الناحية.
قال أبو زيد، عن ابن القاسم، في الذي يَحْتَلِمُ في ثَوْبِهِ، فيَغْسِلُ
منه ما رأى، ولم يَنْضَح ما لم يَرَهُ، فصَلَّى فيه فَلْيَنْضَحْه،
ويُعِيدُ في الوَقْتِ. وقال ابن حبيب: لا يُعِيدُ هذا.
ومن المجموعة قال ابن القاسم، في مَنْ شَكَّ في نجاسة، هل أصابتْ ثَوْبَه؟
فصَلَّى فيه، ولم يَرْشُشْه بالماء، فلْيُعِدْ في الوَقْتِ. وقاله
سَحْنُون. قال ابن نافع، عن مالك: والحائضُ تَنْضَحُ ما لم تَرَ، وقد نضحَ
النبي عليه السلام الحصير الذي اسْوَدَّ من طُولِ ما لُبِسَ.
قال عليٌّ، عن مالك، في مَنْ بَالَ في ريح، فظَنَّ أنَّ الريح رَدَّتْ إليه
من بَوْلِهِ، فلْيَغْسِلْه إنْ أَيْقَنَ بذلك، ولا يَنْضَحْهُ.
قال عنه ابن نافع، في ثَوْبِ الحائض تَلْبِسُه وتَغْتَسِلُ فيه، فلْتُصَلِّ
فيه من غير غَسْلٍ ولا نَضْحٍ.
وقال ابن حبيب: ولْتَنْضَحِ الحائِضُ والجُنُبُ ثَوْبَه، وإن لم يَنْضَحَا
وصَلَّيَا فيه
(1/89)
فلا يُعِيدَا؛ لأنَّ نَضْحَهُما لتَطِيبَ
النَّفْسُ، ولْيَنْضَحَا لِمَا يَسْتَقْبِلاَ، بخلافِ مَنْ شَكَّ: هل أصابَ
ثوبَه نجاسةٌ، ثم تَرَكَ النَّضْحَ.
وعن مَنِ ابْتَاعَ الرِّداءَ من السُّوقِ، فإنْ قَدَرَ أن يَسْأَلَ عنه
صاحِبَه، وإلاَّ فهو من غَسْلِه في سَعَةٍ.
قال مالك، في المختصر: ويُصَلِّي بالثَّوْبِ الجديد يُشْتَرَى من النصراني،
وإن كان يَسْقُوه للحَوْكِ بماء الخَمْرِ، وأمَّا ما لَبِسَه، فلا يُصَلِّي
فيه، وإن كان جديدًا. ونحوه في الْعُتْبِيَّة، من سماع ابن القاسم. وزاد:
ولا يَلْبَسُ خُفَّ النصرانيِّ. يَعْنِي الذي لَبِسَه.
قال عنه ابن نافع، في المجموعة: وإذا أَسْلَمَ النصرانيُّ فلا يُصَلِّي في
ثيابه حتى يَغْسِلَها. يُرِيد التي لَبِسَ.
وقال محمد ابن عبد الحكم: يُصَلِّي بما لَبِسَ النصراني.
ومن الْعُتْبِيَّة أشهب، عن مالك: ومَنْ نَتَفَ إِبِطَه أو مَسَّه، فحَسَنٌ
أن يَغسِلَ يَدَيْه. قال في المجموعة: وما ذلك عليه.
قال في الْعُتْبِيَّة: وأما البَيْضُ فإن كان له ريحٌ، فلْيُغْسَلْ من
الثَّوْبِ، وإن لم يكن له ريح فلا بأس به.
قال مالك: ومَنْ بيده رائحة اللحم النِّيءِ، فأَحَبُّ إليَّ ألاَّ
يُصَلِّيَ حتى يَغْسِلَه.
قال يحيى بن عمر، وأبو الفرج البغدادي: اخْتُلِفَ في إزالة النجاسة بالماء
المضاف الطاهرن فقيل: يجوز ذلك. وقيل: لا يُطَهِّرُه إلاَّ الماء
المُطْلَقُ. وهذا الصواب.
(1/90)
في الماء المشكوك فيه، وفي الماءين
والثوبين
أحدهما نجس
من كتاب سَحْنُون، عن أبيه، وهو لعبد الملك: ومَن لم يجدْ إلاَّ ماءً
مشكوكًا فيه، كماء البئر تموت فيه الدَّابَّةُ، أو يَلَغُ فيه الكلبُ، فقال
سَحْنُون: يتَيَمَّمُ ويَدَعُه. وقال أيضًا مع عبد الملك: يتَوَضَّأ به
ويُصَلِّي. قال ابن سَحْنُون: وأنا أرى أن يتَيَمَّمَ ويُصَلِّيَ ثم
يتَوَضَّأ به ويُصَلِّي ولا يبدأ بِالوُضُوءِ، فلعلَّه يُنَجِّسُ أعضاءَه،
وهو من أهل التَّيَمُّم.
قالا: ولو كان معه – مع ذلك – ثوبان؛ أحدهما نَجِسٌ لا يَدْريه، فليُصَلِّ
بتَيَمُّمٍ ووُضوء في كل ثوب، ولا يُعِيد بِتَيَمُّمِهِ، فإن صَلَّى هكذا
الظهرَ فَلْيَأْتَنِف العَصْرَ التَّيَمُّمَ، ولا يُعِيدُ الوضوءَ،
ويُصَلِّي في كُلِّ ثَوْبٍ عَصْرًا، عَرَفَ الثَّوْبَ الذي صَلَّى به الظهر
أو جهله.
وإن كان معه ماءان؛ أحدهما نَجِسٌ لا يدريه، فقال: يتَيَمَّم، ويدعهما.
وقال: يصلي صلاة بوضوء من هذا، ثم يعيدها بوضوء من الآخر. وقال محمد:
يتحَرَّى أحدهما، فيتوضأ به ويُصَلِّي ويجزئه، كما لو كان ماءيه ماء واحد
منهما طاهر، وكما يتحرَّى القِبْلَة إذا عُمِّيَتْ.
قال سَحْنُون: ثم إن جاءت صلاة أخرى، وعلم الذي تَوَضَّأَ به أخرى، فإنه
يُصَلِّي، ثم يَتَوَضَّأ بالآخر ويُعِيد، وإن لم يعلَمْه، أو أحْدَثَ،
صَلَّى بكُلٍّ صلاةً، كأوَّلِ مرَّة، ولو كان معه – مع ذلك – ثوبان؛ أحدهما
نجس،
(1/91)
فَلْيَتَوَضَّأْ بأحد الماءين، ويُصَلِّي
في كُلِّ ثوب صلاة، ثم يَتَوَضَّأ بالماء الآخر، ويُصَلِّي في كُلِّ ثوب
صلاة، ثم إن حضرتْ صلاةٌ أخرى، وعرف ما تَوَضَّأَ به أخرى، صَلَّى في كُلِّ
ثوب صلاة، ثم تَوَضَّأَ بالأول وأعاد في كُلِّ ثوبٍ صلاةً، وإن لم
يَعْرِفْهُ صَلَّى بوضوء في كُلِّ ثوبٍ صلاتين مع كُلِّ وُضوء. وهذا الباب
بأسْرِه ذَكَره ابن حبيب، عن عبد الملك بن الماجشون، إلاَّ قول محمد منه.
وقول سَحْنُون في الماءين أحدهما نَجِسٌ أنه يتَيَمَّم ويدعهما، وفي الماء
المشكوك فيه، أنه يتَيَمَّم ويدعه، فليس هذا قول عبد الملك، وقوله مثل ما
ذكر في القول الآخر سواء.
وقال محمد بن مسلمة، في الماءين أحدهما نَجِسٌ أو مياهٌ واحد منها نَجِسٌ:
إنه يَتَوَضَّأ بواحد، ويُصَلِّي، ثم يَغْسِلُ ما أصابه من الماء الأول
بالماء الثاني، ثم يَتَوَضَّأ أيضًا منه، ويُصَلِّي، ثم إن جاءت صلاة ثانية
فَلْيُصَلِّ إن لم يَنْتَقِضْ وضوءه، ثم يأخذ الماء الأول إن عرفه، فيغسل
منه ما أصابه من الماء الآخر، ثم يَتَوَضَّأ ويُصَلِّي، وإذا جاءت الصلاة
الثانية، وقد انتقض وضوءه، فَلْيَتَوَضَّأْ من الماء الآخر، ولا يغسل أثره؛
لأنه هو، ويُصَلِّي، ثم يغسل من الماء الأول، ثم يَتَوَضَّأ منه ويُصَلِّي،
وكذلك لو كانت ثلاث مياه، منها ماءان نجسان، صَلَّى ثلاث صلوات، يَتَوَضَّأ
من أحدهم ثم يُصَلِّي، ثم يغسل من الآخر موضع الماء، ثم يَتَوَضَّأ
ويُصَلِّي، ثم يغسل من الثالث، ثم يَتَوَضَّأ ويُصَلِّي، وكذلك إن كانت
مياهٌ أكثر من هذه إلاَّ أن تكثر المياه، فليس عليه أن يغسل ثلاثين مرة.
يريد: لأن هذا حرجٌ. قال وكذلك إذا كثرت الثياب، وليس فيها إلاَّ ثوب واحد
(1/92)
طاهر، فإنه يصير كمن معه مائة ثوب، منها
نَجِسٌ مجهول.
في المسح على الخفَّين
من الْعُتْبِيَّة وغيرها، رَوَى ابن وهب، وابن القاسم، وابن عبد الحكم،
وغيره، أن للمقيم والمسافر أن يمسح على خُفَّيْهِ، ليس لذلك حَدٌّ من
الأيام.
قال عنه ابن نافع، في المجموعة: حَدُّه للحاضر من الجمعة إلى الجمعة. قال
عنه عليٌّ وابن القاسم: والرجال والنساء في ذلك سواء. وكذلك في المختصر.
قال غير واحد من البغداديين من أصحابنا: وما ذُكِرَ في الرسالة المنسوبة
إلى مالكٍ، كَتَبَ بها إلى هارون الرشيد من التوقيت في المسح، بأن شيوخنا
ذكروا أنها لم تَصِحَّ عن مالك، وفيها أحاديث لا تَصِحُّ عنده. وقال عبد
الرحمن بن مهديٍّ: لا أصل لحديث التوقيت.
ومن الْعُتْبِيَّة قال أصبغ: المسح في الحضر لا شَكَّ فيه، ورأيتُ ابن وهب
يمسح في داره بمصر.
ورَوَى ابن القاسم عن مالك، قال: لا أفعله في الحضر. ولم يُحْفَظ عن النبي
عليه السلام، ولا عن الخلفاء بالمدينة أنهم مَسَحُوا في الحضر. ورَوَى نحوه
ابن وهب، وابن نافع في المجموعة.
وقال عنه أيضًا ابن وهب: لا أمسح في حضر ولا في سفر. وكأنه كَرِهَه. ثم
رَوَى ابن وهب، في موضع آخر مما حدَّثَنا به أبو بكر، أن
(1/93)
آخر ما فارقْتُهُ عليه إجازة المسح في
الحضر والسفر.
وقال ابن حبيب، قال مُطَرِّف، وابن المَاجِشُون: لم يَخْتَلِفْ فيه أهل
السُّنَّة، وما عَلِمْنا مالكًا ولا غيره من علمائنا أنكر ذلك في الحضر
والسفر.
قال ابن حبيب: لا يرتاب فيه إلاَّ مخذول.
قال ابن حبيب: أراني مُطَرِّف، وابن المَاجِشُون صفة المسح على
الخُفَّيْنِ، وكلاهما وضعَ يَدَه اليسرى تحت أطراف أصابعه من باطن قدمه
اليمنى، ووضع يده اليمنى على أطراف أصابعه من ظاهر قدمه اليمنى، فأمرَّهُما
حتى جمعهما عند الكعبين، وفعل بالقدم اليسرى مثل ذلك، غير أنه جعل يده
اليمنى تحت القدم اليسرى، واليد اليسرى من فوقها. وذكر أن مالكًا أراهما
المسح هكذا، وأن ابن شهاب وصف له هكذا.
قال مالك في المختصر: يأخذ الماء بيديه، ثم يُسَرِّحُه، ثم يمسح بيد من فوق
الخُفِّ، ويدٍ من تحته إلى حَدِّ الوضوء، ولا يَتَّبع غُضونه.
قال محمد ابن عبد الحكم: يجعل يده اليمنى على ظاهر أطراف أصابع رجله
اليمنى، ويده اليسرى على مؤخِّر خُفِّه من عقبه، فيذهب بها إلى تحت خُفِّه
إلى آخر أصابعه، ويذهب باليمنى على ظاهر رجله إلى عقبه؛ لأن الخُفَّ ربما
مشى به على قَشْبٍ رَطْبٍ، فلو مسح باليسرى أسفله من الأصابع إلى ظاهر
العقب لَمَسَّ عَقِبَ خُفِّه برطوبة يده من آثار القَشْبِ.
قال ابن حبيب: يُرسِلُ الماء من يده، ثم يمسح، ولو غَسَلَه ينوي به المسح
(1/94)
أجزأه ويمسح لما يَسْتَقْبِلُ، وليس بواجب.
ولو غسل طينًا بِخُفِّه ليمسح عليه، ثم نسي المسح، لم يُجْزِه عن المسح،
ولْيَمْسَحْ ويُعِيد الصلاة.
قال موسى بن معاوية، عن ابن القاسم، في الْعُتْبِيَّة، في مَنْ مسح بأصابعه
أو بإصبع واحد خُفَّيْه، أو رأسه: إن ذلك يُجْزِئُه إذا عَمَّ بذلك.
قال ابن حبيب: والخُفُّ المُتَخَرِّقُ إن كان فاحِشًا لا يُعَدُّ به
الخُفُّ خُفًّا، فلا يُمْسَح عليه، وإن لم يكن فاحِشًا مُسِحَ، وإن أَشْكَل
عليك فَاخْلَعْ.
قال في المختصر: ولا يُمْسَح على خُفٍّ مُتَخَرِّقٍ إلاَّ أن يكون يسيرًا.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال سَحْنُون: ولا بأس بالرُّكُوب بالمهامز، وللمسافر
أن يَمْسَح عليهما، ولا ينزعهما، وهذا خفيف.
قال مالك في المختصر: لا يَمْسَح على جورب فوق خُفٍّ، ولا يَمْسَح مُحْرِمٌ
على خُفَّيْنِ.
قال ابن القاسم، في المجموعة: لأنه دون الكعبين، فلا يَمْسَح عليهما
مُحْرِم ولا غيره، وإن كانا إلى الكعبين أو فوقهما، فليمسح عليهما غير
المُحْرِم.
(1/95)
قال ابن عبدوس: رَوَى عليٌّ عن مالك، أنه
لا يَمْسَح على الجوربين – لعلَّ ابن القاسم يريد لأن المُحْرِم مُتَعَدٍّ
في لباس ما يبلغُ الكعبين، إلاَّ أن يكون من عِلَّة فلْيَمْسَحْ – إلاَّ أن
يُخْرَزَ على موضع القدم جلدٌ، فلْيَمْسَحْ. وأباه في رواية ابن القاسم وإن
خُرِزَ عليهما جلد.
قال ابن حبيب: والجُرْمُوقان الخُفَّان الغليظان لا ساقَيْن لهما، ومَنْ
مَسَحَ على خُفَّيْهِ ثم لَبِسَ عليهما آخَرَيْن فليس عليه مسحهما، إلاَّ
لوضوء مُؤْتَنَفٍ، ولو أحدث وخُفَّاه عليه، ثم لَبِسَ عليهما الآخرين، فلا
يمسحهما، وليمسح على الأسفلين.
ومن الْعُتْبِيَّة قال عيسى، عن ابن القاسم: ومن لَبِسَ خُفًّا فوق خُفٍّ،
فليمسح الأعلى، ثم إن نزعه مسح الأسفل، فغن نزع فردًا من الأعلى، مسح تلك
الرِّجْلَ على الأسفل، ويُجْزِئُه.
وقال ابن سَحْنُون عن أبيه: يَنْزِعُ الآخَرَ، ويمسح على الأسفلين.
قال ابن حبيب: فإن أخَّرَ ذلك ابتدأ الوضوء.
قال ابن القاسم في رواية عيسى: ثم إن لَبِسَ الفرد الذي نزع، ثم أحدث، مسح
عليهما.
وقال بعض البغداديين: اختلف قولُ مالكٍ في المسح على خُفّ فوق خُفٍّ، فقال:
يَمْسَحُ. وقال: لا يَمْسَحُ. والأَوْلَى أن يَمْسَحُ.
قال مالك في غير موضع: وإنما يَمْسَحُ مَنْ أدخل رجليه في الخُفَّيْنِ
(1/96)
طاهرتين بطُهْر الوضوء. يريدُ: لا بطُهْر
التَّيَمُّم.
ومن الْعُتْبِيَّة قال أصبغ: إذا تَيَمَّمَ، ثم لَبِسَ خُفَّيْهِ، ثم
صَلَّى، فله المسحُ عليهما إن وَجَدَ الماء؛ لأنه أدخلهما بطُهْر
التَّيَمُّم، ولو صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ، ثم لَبِسَهُمَا لم يَمْسَحْ؛
لانتقاض تَيَمُّمه بتمام صلاته.
وقال سَحْنُون: لا يَمْسَح، وإن لبسهما قبل الصلاة.
قال ابن حبيب: قال مُطَرِّف، وابن المَاجِشُون، وابن عبد الحكم: لا
يَمْسَحُ؛ لأن مُنْتَهَى طُهْرِ التَّيَمُّم فراغ تلك الصلاة. وكقول مالك
في المرأة تعمل الحناء، فتَعْمَدُ إلى لباس الخُفِّ؛ لتَمْسَحَ: إن ذلك لا
يُجْزِئها. وكذلك مَنْ لبسه لينام أو ليبول ليَمْسَحَ، فلا يُجْزِئه إن
فعل.
قال ابن سَحْنُون، قيل لسحنون: قال بعض أصحابنا في التي تعمَلُ الحناء، ثم
تَلْبَسُ الخُفَّيْنِ، لتمسَحَ عليهما: إنه يكْرَهُ ذلك لها، فإن فعلتْ ذلك
أجزأها. قال: لا أرى ذلك , ولْتُعِدْ.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال سَحْنُون: ولو تَوَضَّأَ، فغسل رِجْلَه اليمين،
فلبس عليه خُفَّهُ، ثم غسَل الأخرى، ثم أخلها الخُفَّ، فلا يمسح إن أحدث؛
لأنه أدخل الأولى قبل تمام الوضوء، إلاَّ أن يكون نزعهما.
قال في كتاب ابنه: أو خلع اليمين فقط. قال في الكتابين: قبل أن يُحْدِث، ثم
لَبِسَ ما نزع قبل الحدث فليمسح. ولو لبسهما بعد تمام الوضوء عنده، ثم
ذَكَرَ مسحَ رأسه فمسحه، فلا يَمْسَحْ عليهما إن أحدث،
(1/97)
إلاَّ أن يجعلهما بعد مسح الرأس، ثم
يلبسهما قبل الحدث، فليَمْسَحْ.
قال مُطَرِّف، في الذي غسل اليمين، فأدخلهما الخُفَّ، ثم غَسَلَ الأخرى
فأدخلها، ثم أحدث: إنه يَمْسَحُ عليهما.
قال موسى، عن ابن القاسم: ومَنْ ليس معه من الماء إلاَّ ما يَتَوَضَّأ به،
فجهل، فغسل رجليه، ثم لَبِسَ خُفَّيْهِ، ثم أتمَّ وضوءهُ، قال مالك:
أَحَبُّ إِلَيَّ أن يَغْسِل رِجْلَيْهِ بعد وضوئه، فإن لم يفعل فلا شيء
عليه. يريد: إن مَسَحَ عليهما.
قال ابن حبيب: قال مُطَرِّف: ومَنْ مَسَحَ ليُدْرِكَ الصلاةَ، ونِيَّتُهُ
أن يَنْزِعَ فيَغْسِلَ إذا صَلَّى، فذلك يُجْزِئه.
ومَنْ تَوَضَّأَ، ومسح خُفَّيْهِ، ينوي إذا حضرت الصلاة نزعَ وغَسَلَ
رِجْلَيْهِ، لم يُجْزِهِ، ولْيَبْتَدِئ الوضوء، كمُتَعَمِّدِ تأخير
غَسْلِهما. وقاله ابن المَاجِشُون، وابن عبد الحكم، وأصبغ.
وقالوا في مسافر مسح على خُفَّيْهِ، فأصابت خُفَّهُ نجاسةٌ، ولا ماء معه:
إنه يَنْزِعُهُ، ويتَيَمَّم.
من المجموعة، قال ابن القاسم: لم يأخُذْ مالكٌ بفِعْلِ ابن عمر في تأخير
المسح، وقال عنه عليٌّ: إذا أَخَّرَ مَسْحَهما في الوضوء، فحضرت الصلاة،
فلْيَمْسَحْهُما، ويُصَلِّي، ولا يَخْلَعُ. وقال عنه أيضًا: فلَوْ سَهَا عن
مَسْحِهما حتى صَلَّى، فإنه يَمْسَحُ، ويُعِيدُ الصلاة، ولا يُعِيدُ
الوضوء.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال أشهب عن مالك، في مَنْ مَسَحَ على خُفَّيْهِ ثم
أحَسَّ فيه حَصَاة، فنَزَعَه، فأخرجها، ثم لَبِسَه، قال: يَنْبَغِي أن
يَغْسِلَ قَدَمَيْهِ مكانه. يريد: قَدَمَيْهِ جَمِيعًا.
(1/98)
ومن المجموعة، قال عنه ابن القاسم، وابن
نافع، وعليٌّ: إنْ نَزَعَ أحدهما؛ لضيق وَجَدَه، أو لغير ذلك، فَأَحَبُّ
إِلَيَّ أن يَنْزِعَ الآخَرَ، ثم يغسِلَ قَدَمَيْهِ جَمِيعًا مكانه، فإن
أَخَّرَ ذلك فلْيَأْتَنِفِ الوضوء.
وفي أصل سماع ابن وهب، قال مالك: ولو نزع خُفَّيْهِ، وأقام طويلاً لم يغسلْ
رِجْلَيْهِ، فَأَحَبُّ إِلَيَّ أن يأتنف الوضوء، وإن غسل رِجْلَيْهِ
وصَلَّى أجزأه.
قال ابن القاسم، وعليٌّ، عن مالك في المجموعة: إن أَخَّرَ غَسْلَ
رِجْلَيْهِ ساعة، أعاد الوضوء.
ومن الْعُتْبِيَّة، رَوَى أبو زيد، عن ابن القاسم، في مَنْ تَوَضَّأَ،
ومَسَحَ على خُفَّيْهِ، ثم صَلَّى، ثم انْخَرَقَ خُفُّهُ خَرْقًا لا
يُمْسَحُ على مِثْلِهِ، فلْيَنْزِعْه مكانه، وليَغْسِلْ رِجْلَيْهِ.
قال ابن سَحْنُون، عن أبيه في مَنْ مَسَحَ أعلى الخُفِّ، وصَلَّى، قال:
يُجْزِئه. ثم رجع فقال: يُعِيدُ في الْوَقْتِ.
وقال ابن نافع فيه، وفي الْمُتَيَمِّم إلى الكُوعَيْنِ، أو بِضَرْبَة
وَاحِدَة: يُعِيدُ أبدًا.
وقال سَحْنُون، وابن حبيب: ولو مَسَحَ أسْفَلَه فقط، أعاد أبدًا. وحكى محمد
بن عبد الحكم، أن أشهب قال: يُجْزِئه ذلك.
(1/99)
في المسح على الجبائر، أو على
الحناء وشبه ذلك، وفي مَنْ حلق
رأسه بعد أن مسحه
ومِنْ قول مالك إجازة المسح على الجبائر لضرورة في وضوءٍ، أو غُسْلٍ، إذا
لم يَقْدِرْ أن يُباشِرَ العُضْوَ بغَسْلٍ، أو بمَسْحٍ، إن لم يقْدِرْ على
الغَسْل.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال سَحْنُون، عن ابن القاسم، في الجبائر تَسْقُطُ في
الصلاة، وقد مسحهما في وضوء أن تَيَمُّمٍ: فلْيَقْطَعْ حتى يُعِيدَها،
ويَمْسَحَ عليهما.
قال ابن حبيب: قال ابن المَاجِشُون، وابن عبد الحكم، وأصبغ، في مَنْ
تَطَهَّرَ فمَسَحَ على شَجَّة أو كسر مستورٍ، ثم بَرِئَ فنَسِيَ غَسْلَه
حتى صَلَّى، ولم يكن في موضع يأخذه غَسْلُ الوضوء بعد ذلك، فلْيَغْسِلْه
فقط، ويُعِيدُ ما صَلَّى، ولو تَرَكَه جَهْلاً أو تهاونًا ابتدأ الغَسْلَ.
وقد ذكرْنَا الاختلاف في تأخير مَسْحِ الخُفِّ.
ومن كتاب آخر لبعض أصحابنا: وإذا سقطت الجبائر، ولم يَعْلَمْ، أو نَسِيَ
غَسْلَها، وقد كان يَمْسَحُ عليها في غُسْل الجنابة، فإن كانت في غير مواضع
الوضوء، غَسَلَ موضعها، وأعاد ما صَلَّى بعد سقوطها، ولو تَطَهَّرَ للجنابة
بعد ذلك لم يُعِدْ إلاَّ ما صَلَّى قبل طُهْرِهِ الثاني، وما
(1/100)
أَدْرَكَ وقته ممَّا صَلَّى بعد طُهْره،
وكذلك إن كانت في موضعٍ يُغْسَلُ من الوضوء، أجزأه توضِّيه بعد ذلك، وأعاد
ما صَلَّى قبل توضِّيه هذا، وما أدْرَكَ وقته مما كان صَلَّى.
قال ابن حبيب: ومَن انكسر ظُفُره فكساه مصطكا، فَلْيَتَوَضَّأْ به كذلك.
ومن المجموعة، قال ابن نافع في العين تُدَمُّ بدمام: فلا بأس أن يَمْسَحَ
عليها. وعن مَنْ تقَرَّحَتْ أسافِلُ رِجْلَيْهِ من الثَّلجِ فيُداوِيه
بذَرُورٍ فيَمْسَحُ عليه، وليس عليهما خِرَقٌ، فذلك جائزٌ، وليس عليه أن
يتَيَمَّمَ بعد ذلك، كما لا يتَيَمَّمُ الماسِحُ على الجبائر.
قال مالك: ومَنْ في رأسه جُرْحٌ، وهو جُنُبٌ، فله أن يَدَعَ غَسْل رأسه، هو
ما يقدِرُ عليه. وقال فيه، وفي الْعُتْبِيَّة أيضًا مالكٌ: يَغْسِلُ،
ويُنَكِّبُ الماء عن جراحاته، فإذا برئ غَسَلَها. يريد: يَدَعُ غَسْلَ رأسه
وجراحاته، ويَمْسَحُ على ذلك أو على خِرَقٍ تكون عليه.
ومن الْعُتْبِيَّة رَوَى أشهب، عن مالك، في المرأة تَخْضِبُ يديها وهي
جُنُبٌ أو حائض، قال: نعم، وكُنَّ النساءُ يتحرَّيْنَ ذلك.
ومن المجموعة، وقال ابن القاسم: ومَنْ تَوَضَّأَ على مدادٍ على يدِه
(1/101)
لم يَضُرَّه. قال في كتاب آخر: فأمَّا على
عَجِينٍ لَصِقَ بيده، فلا يُجْزِئُه حتى يَنْزِعَه.
قال ابن سَحْنُون: قال سَحْنُون: أخبرني عليٌّ، عن مالك، في المرأة على
وضوء فتَخْضِبُ يَدَيْها، أنها لا تُصَلِّي حتى تَنْزِعَه.
قال عليٌّ، عن مالك، في المجموعة ولا يُمْسَحُ على اللحية عليها الحِنَّاء
حتى يُنْزَعَ، وكذلك ما على الرأس منها.
قال في المختصر: وأرجو أن تكون صلاة الرَّجُل بالخضاب واسعًا، ولا يَمْسَحُ
على الحناء في الوضوء ولْيَنْزَعْه، وليباشر الشعر.
قال ابن نافع عن مالك، في مَن قصَّ أظفارَه وحَلَق رأسه، وهو على وضوء،
فليس عليه مَسُّ ذلك بالماء، ولا أكْرَهُ له قصَّ ذلك.
ومن الْعُتْبِيَّة، من سماع ابن القاسم، في مَنْ تنكسر أظفاره، فيجعل عليها
عِلْكًا، لأنْ تَنْبُتَ، أيَتَوَضَّأُ على العِلكِ؟ قال: أرجو أن يكون في
سَعَة.
قال ابن القاسم عن مالك، في المجموعة: لا بأس بذلك.
(1/102)
في التَّيَمُّم على صفته وذِكْرِ
ما يُتَيَمَّمُ عليه، وذِكْرِ النِّيَّة فيه،
وفي مَنْ لم يجِدْ ماءً ولا تُرابًا
قال الله سبحانه: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا
فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} (المائدة: 6).
قال غير واحد من العلماء وقاله ابن حبيب: التَّيَمُّم القصد، كقوله: {وَلَا
آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} (المائدة: 2).
والصعيد، قال ابن حبيب: التراب الطيِّبُ الطَّاهِرُ. وقال غيره: الصعيد
الأرض بعَيْنها. ومنه قوله تعالى: {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} (الكهف:
40). فلا نُبالي بما صعد منها ترابٌ أو حجرٌ.
قال أبو الفرج البغدادي، وغيره: الواجب عند مالك التَّيَمُّم إلى
الكُوعَيْنِ، ويُسْتَحَبُّ بلوغ المرفقين، قال: والذي قال هو ظاهر القرآن،
بقوله: {وأيديكم}، فهذا المعقول من اليدين، ولا يُلْحَقُ بهما ما عداهما
إلاَّ بدليل.
قال غيره، وقد اختلفت الأحاديث في الكُوعَيْنِ، والمرفقين، قالوا: ولذلك
نرى أن من تَيَمَّمَ إلى الكُوعَيْنِ يُعِيدُ في الْوَقْتِ، ونرى أن من
تَيَمَّمَ بِضَرْبَة
(1/103)
وَاحِدَةٍ للوجه واليدين لا يُعِيدُ؛ لأنه
قد جاء الحديث بمثله.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال ابن القاسم عن مالك، إنه تَيَمَّمَ بِضَرْبَة
وَاحِدَة للوجه والْيَدَيْنِ رجوت أن يُجْزِئه. قال ابن القاسم: ولا
يُعِيدُ في وقتٍ ولا غيره.
قال مالك، في المختصر: لا إعادة عليه. قال ابن حبيب: وقيل يُعِيد في
الْوَقْتِ. قال ابن سَحْنُون: قال ابن نافع: يُعِيدُ أبدًا. وكذلك قال في
المختصر في الْمُتَيَمِّم إلى الكُوعَيْنِ.
قال ابن القاسم، عن مالك، في الْعُتْبِيَّة، في مَنْ أفتى بِالتَّيَمُّمِ
إلى الكُوعَيْنِ، فعَمِلَ به، فلا يُعِيدُ في الْوَقْتِ، وكذلك في المختصر.
قال: ويتَيَمَّم الأَقْطَعُ. وكذلك في الْعُتْبِيَّة، من سماع ابن
(1/104)
القاسم، قيل له: كيف يتَيَمَّمُ؟ قال: كما
يَتَوَضَّأ. قيل: يُوَضِّيه غيره. قال: كذلك يتَيَمَّمُ، ولقد سمعتُ
رَجُلاً عظيمًا يقول: التَّيَمُّم إلى المَنْكِبَيْنِ. ولَعَجَبًا كيف
قاله. قال سَحْنُون: هو ابن شهاب.
قال مالك، في المختصر، وفي الواضحة: يضع الْمُتَيَمِّم يَدَيْه على الصعيد،
ثم يرفعهما غيرَ قابض بهما شَيْئًا، وإن علق بهما شيء من التراب فلا بأس أن
ينفضهما نفضًا خفيفًا، ثم يَمْسَحُ بهما وجهه مرَّةً وَاحِدَة، ثم
يُعِيدُهما إلى الأرض، ثم يمسح اليمنى باليسرى، ثم اليسرى باليمنى إلى
الْمِرْفَقَيْنِ، من فوق اليد وباطنها.
قال ابن حبيب: يذهب باليسرى على اليمنى إلى المرفق، ثم يُعِيدُها على باطن
اليد إلى أصل الكَفِّ، ثم يُحَوِّلُ تلك الكَفَّ اليمين على ظاهِرِ أصابع
اليسرى ذاهبًا إلى المرفق، ثم يُعِيدُها على باطن اليسرى إلى أطراف
أصابعها.
وذكر هذه الصفة عن مُطَرِّف وابن المَاجِشُون، عن مالك، عن ابن شهاب.
وفي صفة غير ابن حبيب، أنه إذا بَلَغَ باليسرى على أصل كَفِّ اليمنى، تمادى
إلى آخر أصابع اليمنى، ثم يَمْسَحُ باليسرى باليمنى، وهو أحسن.
قال في المختصر: وإذا لم يجدْ إلاَّ طينًا تَيَمَّمَ به، وجَفَّفَهُ في
يديه قليلاً. وقال في كتاب آخر: يُخَفَّفُ وضع يديه عليه. قال ابن حبيب:
يُخَفَّفُ وضع يديه على الطين، ثم يُخَفَّفُهما قليلاً، ويُحَرِّك بعضهما
إلى
(1/105)
بعض يسيرًا، إن كان فيهما ما يُؤْذِيهِ، ثم
يَمْسَحُ وجهه، ويصنع كذلك ليديه.
قال ابن الْقُرْطِيِّ: وليس عليه متابعة الغضون في التَّيَمُّم، وعليه
تخليل أصابعه فيه. وما رأيته لغيره.
قال ابن حبيب، عن مالك: والتَّيَمُّم للحَدَثِ والجنابة سواء.
قال في المختصر: ولو تَيَمَّمَ لا ينوي الجنابة. لم يُجْزِهِ، ويُعِيدُ ما
صَلَّى أبدًا.
قال ابن حبيب: وليس عليك أن تَعْلَق يَدُك اليمنى بالصعيد، ما دُمْتَ
تُجْري عليها اليسرى.
ومن الْعُتْبِيَّة، رَوَى أبو زيد عن ابن القاسم، في جُنُبٍ تَيَمَّمَ
للوضوء ناسيًا لجنابته، فلا يُجْزِئه. ولو تَيَمَّمَ للجنابة أجزأه عن نية
الوضوء.
ومن أصل سماع ابن وهب: ومَنْ تَيَمَّمَ للوضوء ناسيًا للجنابة وصَلَّى، أنه
يُعِيدُ التَّيَمُّمَ والصلاة في الْوَقْتِ، وإن خرجَ الوقت لم يُعِدْ؛ لأن
التَّيَمُّمَ لهما واحد.
وقال في المختصر: يُعِيدُ أبدًا حتى ينوي به الجنابة. وفي رواية الأبهريِّ:
يُعِيدُ في الْوَقْتِ.
قال عيسى، عن ابن القاسم: وإذا لم تَقْدِرِ النفساء على الغُسْل
تَيَمَّمَتْ، ولا بأس أن ترفع إليها ترابًا في طبق، وكذلك إلى المَحْمل
للمُسافِر، يري أن ينتقل.
(1/106)
قال ابن الْمَوَّاز: وكذلك المريض على
سريره.
قال عيسى عن ابن القاسم: وللمريض أن يتَيَمَّمَ بالجدار إن كان طوبًا نيئًا
من ضرورة، مثل أن لا يجدَ مَنْ يُوَضِّيه ولا يُيَمِّمُهُ.
وقال ابن الْمَوَّاز، عن ابن القاسم: لا يتَيَمَّمُ عليه وهو طُوبٌ أو
حجارة إلاَّ من ضرورة، فإنْ كُسِيَ بجِيرٍ أو بجِبْسٍ، فلا يتَيَمَّمُ
عليه.
قال ابن حبيب: إن كان حجرًا أو آجُرًّا، فلا يتَيَمَّم عليه، إلاَّ أن لا
يجد مَنْ يُناوِلُه التراب، فلْيَتَيَمَّمْ عليه ثم لا يُعِيدُ.
قال ابن حبيب: ولا يجوز التَّيَمُّم باللِّبْدِ، فإن فَعَلَ ذلك مضطرًّا أو
غير مضطرٍّ أعاد أبدًا؛ لأنه لا يشاكل الصعيد.
ومن المجموعة قال عليٌّ، عن مالك: ومَنْ لم يجدِ الصعيد، ووجد الثلج أو ماء
جامدًا، أو الحجارة، فليتَيَمَّمْ على ذلك. قال المغيرة إلاَّ أن يقْدِرَ
على إزالة الثلج. قال ابن حبيب: قال مالك: يتَيَمَّم على الثلج. وقال ابن
عبد الحكم: لا يتَيَمَّم عليه. وبه أقول. وذَكَرَ الأبهريُّ أن أشهب رَوَى
عن مالك أنه لا يتَيَمَّمُ على الثلج.
قال ابن حبيب: ومَن صَلَّى بذلك، فإن وجد الصعيد في الْوَقْتِ أعاد، ولا
يُعِيدُ بعد الوقتِ، ولو فعله واجدًا للصعيد أعاد أبدًا.
وإن تَيَمَّمَ بالحصباء أو الجبل واجدًا للتراب أعاد في الْوَقْتِ، ولو
فعله غيرَ واجد لم يُعِدْ.
(1/107)
ومَن تَيَمَّمَ على لبَدٍ أعاد أبدًا، وإن
كان مُضْطَرًّا.
قال أَصْبَغُ: ومَنْ تَيَمَّمَ بصعيد نجس عالمًا أعاد أبدًا.
قال ابن حبيب: وإن لم يَعْلَمْ لم يُعِدْ إلاَّ في الْوَقْتِ.
قال أبو الفرج، في قول مالك، في مَنْ تَيَمَّمَ على موضعٍ نَجِسٍ أنه
يُعِيدُ في الْوَقْتِ. فأراه يريد إذا خالطتها نجاسة، ثم لم يطهُرْ
طُهُورًا يُحْكَمُ لها به، فيصير كماء مشكوك فيه، أو مُصَلٍّ بثوب نَجِس،
أو على موضع نَجِسٍ، فإن لم يُرِدْ هذا فلعلَّه فرَّق بين الأرض والماء، أن
الماء ينقل المُحْدِثَ إلى كمال الطهارة، والتَّيَمُّم إنما ينْقِلُ به عن
حُكْمِ الحَدَث إلى وجود الماء. والذي ذكر أبو الفرج عن مالك إنما هو عندنا
لابن القاسم.
ومن الْعُتْبِيَّة رَوَى موسى بن معاوية، عن ابن القاسم، قال: ولا بأس أن
يتَيَمَّم بتراب قد تَيَمَّمَ به مَرَّةً.
وقال ابن سَحْنُون، عن أبيه: ومَنْ تَيَمَّمَ على حجر أو ثلج واجدَا
للتراب، أجزأه في الحجر، ووقف في الثلج.
ومن المجموعة، قال ابن القاسم عن مالك: لا بأس بالصلاة في السباخ،
والتَّيَمُّم بترابها. قال عنه ابن نافع: وبالوضوء بمائها.
ومن الْعُتْبِيَّة رَوَى أبو زيد، عن ابن القاسم، في مريض لم يَجِدْ مَنْ
يُناوِلُه ماءً ولا تُرَابًا، فلْيُصَلِّ كذلك، ويُعِيد أبدًا.
(1/108)
وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال أَصْبَغُ: لا
يُصَلِّي إلاَّ بوضوء أو تَيَمُّمٍ.
قال ابْنُ الْمَوَّاز، عَنْ أَصْبَغَ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في الهارب من
العَدُوِّ، أو مَنْ ربطه اللصوص: إنْ صَلَّى بغير وضوء أعاد أبدًا. قال
أَصْبَغُ: إلاَّ أَنْ يتَيَمَّمَ. وكذلك مريض لم يجدْ مَنْ يُناوِله ماءً
ولا تُرَابًا، ولا عنده جِدارٌ، فإن صَلَّى كذلك أعاد أبدًا، ولا يتَيَمَّم
على الفراش.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، في الخائف لا يجدُ أنْ يَنْزِلَ عن دَابَّتِهِ لوضوءٍ
أو تَيَمُّمٍ. قال مُطَرِّف، وابن المَاجِشُون، وابن عبد الحكم: يُصَلِّي
كذلك، ويُعِيد أبدًا، وكذلك الأسير والمريض لا يجدُ ماءً.
في مَنْ له التَّيَمُّم لعدم الماء أو
المريض أو غيره، ومتى يتَيَمَّم
قال مالك في الموطأ: ومَنْ تَيَمَّمَ لعدم الماء مِنْ مُسَافِرٍ، وصَلَّى
فليس مَنْ صَلَّى بالوضوء أتمَّ منه صلاة؛ لأن كليْهما قد فعل ما أُمِرَ
به.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وغيره: وإنما ذَكَرَ الله عَزَّ وَجَلَّ التَّيَمُّم
لصحيح مسافر أو مريض حاضر.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك: إن المريض الحاضر والمسافر دخلا في آية
التَّيَمُّم.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ عبد الحكم، في حَاضِرٍ لم يجدِ الماءَ،
فتَيَمَّمَ وصَلَّى، ثم وَجَدَ الماء بعد الوقت، فعليه أَنْ يُعِيدَ؛ لأن
الله تبارك وتعالى إنما
(1/109)
ذَكَرَ التَّيَمُّم في المريض والمسافر.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: واختلف قولُ مالك في الحاضر الصحيح، يخافُ فواتَ
الوقت، ولم يجد الماء، فقال: يتَيَمَّمُ ويُصَلِّي ولا يُعِيدُ. ثم رجع في
البئر الطويلة يخاف أن استقى خروج الوقت، أنه يتَيَمَّمُ، ثم إذا وجَدَ
الماءَ أعادَ، وإن خرجَ الوقت. وبهذا أقولُ. وجعله ابن القاسم كالمسافر،
وليس بمنزلته، وكذلك المُسَجَّنِين يُحْبَسُ عنهم الماءُ إلى آخرِ الوقت،
فليُصَلُّوا بِالتَّيَمُّمِ، ثم يُعِيدُوا إذا وجدوا الماء.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ومَنْ سار مسيرًا لا تُقْصَرُ في مثله الصلاةُ، فهو
كَالْحَاضِرِ، يُؤْمَرُ بِالتَّيَمُّمِ، ثم يُعِيدُ كَالْحَاضِرِ.
ومن الْعُتْبِيَّة رَوَى عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في الحَضَرِيِّ
يخافُ طلوع الشمس إن استقى الماءَ، فلْيتَيَمَّمْ. وقال: لا يتَيَمَّم.
وقال في موضع آخر: قال مالك: يتَيَمَّمُ ويُعِيدُ بِالْوُضُوءِ.
قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: قال مالك في الحضريِّ في مَنْزِلِهِ إنْ ذَهَبَ
ليأْتِيَ بِالْمَاءِ طلعت الشمس، قال: يتَيَمَّمُ. وله قولٌ آخرُ في
الإعادة. وقال أيضًا: يطلبه وإن طلعتْ، إلاَّ أن يكون له عُذْرٌ. وقال: لو
صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ ثم أعاد بِالْمَاءِ. وقال: إن بَعُدَ منه تَيَمَّمَ،
وإن قَرُبَ منه فلا يُصَلِّي حتى يأتيه.
ومن المجموعة رَوَى ابن القاسم، عن مالك في المقيم يخرُجُ في بعض نواحي
القرية، فتحين الصلاة ولا ماء معه، قال: يطلُبُ الماءَ وإنْ
(1/110)
فات الوقت، إلاَّ أن يكون له عذرٌ، فلو
تَيَمَّمَ وصَلَّى ثم أعاد إذا وجد الماء. ثم قال: إن كان الماء بعيدًا
تَيَمَّمَ وصَلَّى، وإن كان قريبًا فلا يُصَلِّي حتى يأتي الماء
فيَتَوَضَّأ.
وفي المختصر: ولا يُصَلِّي في الحضر على الجِنَازَةِ بِالتَّيَمُّمِ، وهو
يَقْدِرُ على الماء.
ومن الْعُتْبِيَّة، من سماع ابن القاسم، في مَنْ خرج من مَنْزِلِهِ إلى
مَنْزِلٍ آخر، فغَرَبت الشمسُ، وقد بَقِيَ له مثل ميلٍ أو مِيلَيْنِ، فلا
يتَيَمَّمُ حتى يأْتِيَ المنزلَ فيَتَوَضَّأ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال مُطَرِّف، وابن المَاجِشُون، وابن عبد الحكم،
وأصبغ، في المرأة لا تخرجُ وليس في دارها ماءٌ، ولا تجدُ من يأتيها به
فلْتُؤَخِّرْ إلى آخر الوقت، ثم تخرجُ فتطلب الماءَ إنْ خافتْ فوات الوقت.
ومن الْعُتْبِيَّة، من سماع ابن القاسم: وعن المسافر يكون الماء متنحِّيًا
عن طريقه، فإن كان ممَّن يشُقُّ عليه المُضِيُّ إليه فليتيمَّمْ. قال
سَحْنُون: لا يَعْدِلُ إليه في الميلين وإن أَمِنَ. وكذلك مَنْ خرَجَ من
قريةٍ إلى قرية لا يُقْصَرُ في مثلها.
قال مالك: وإن خافوا السَّرِقَ في نُزولِهِم في المناهل بليلٍ، فنزلوا
دُونَه بثلاثة أميالٍ، وتيمَّمُوا للصبح، فلا يُعجبني، ولْيَبْعَثُوا مَنْ
يأتيهم بِالْمَاءِ. وعن مسافر، الماء منه على نصف ميل أو ميل، ويخافُ
سباعًا، أو سِلابَةً، أو عليه فيه مشقة، فليتَيَمَّم.
(1/111)
ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ نافع، عن مالك،
ومثله في المختصر، ونحوه في الْعُتْبِيَّة، من سماع ابن القاسم، في مَنْ
معه ماء، ويخاف العَطَشَ، فليتَيَمَّمْ. قيل: أيخاف الموتَ أو الضَّرَرَ؟
قال: كلُّ ذلك.
قال عنه ابن القاسم، في الْعُتْبِيَّة، في مَنْ معه ماءٌ قليلٌ فاسْتقاهُ
رَجُلٌ، فإن خاف عليه أَسْقَاهُ، ويتَيَمَّم، وإن لم يبلُغْ منه الخوفُ
فلا.
قال في المختصر، وغيره: وليس على مَنْ لا ماءَ معه أن يشتريه بأضعاف ثمنه،
إلاَّ أن يجدَه بِثَمَنِه، أو بما يُشْبِهُه. قال في كتاب آخر: إن كان معه
دراهم تُعِينُه.
قال عنه ابن نافع، في المجموعة: وليس عليه شراءُ القِرْبَة بِعشرةِ
دراهِمَ، وإن كان كثيرَ الدراهِمِ، ولكنْ بالثَّمَنِ المعروفِ. وقال عنه
ابنُ القَاسِم نحوه.
ومن الْعُتْبِيَّة، ابن القاسم، عن مالك: ولا بأس أن يَسْأَل المسافرُ
أصحابَه الماءَ في موضع كثير الماء، فأمَّا في موضع يتعذَّرُ فيه ففيه
سَعَةٌ أنْ لا يسأَلَهم، إن شاء الله.
قال عنه أشهب: وإنما على المسافر أنْ يَطْلُبَ الماءَ مِمَّنْ يَلِيه، أو
مِمَّنْ يرجو أن يُعْطِيَه، وليس عليه أن يطلب أربعينَ رَجُلاً.
قَالَ ابْنُ عبد الحكم، وابن القاسم نحوه. قال: إنْ عَلِمَ أنَّهم
يمْنَعُونه فلا يسْألُهم.
(1/112)
قال ابن حبيب: قال مُطَرِّف، وابن
المَاجِشُون، وابن عبد الحكم، وأصبغُ، في مَنْ تَيَمَّمَ ونَسِيَ الماء في
رَحْلِهِ وصَلَّى، فلْيُعِدْ أبدًا نسيَهُ أو خَفِيَ عنه أو لم يعلمْ به.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك في المجموعة: لا إعادة عليه. وإن أعاد
فحسَنٌ. وذلك في المختصر. وفي المدونة: يُعِيدُ في الْوَقْتِ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، عن مَنْ ذكَر مِن أصحاب مالك وأصبغَ، إنْ وجدَه في
رُفقةٍ عظيمة لم يكُنْ عليه طَلَبُه إلاَّ مِمَّنْ حوله وما قَرُبَ، فإن لم
يَفْعَلْ فقد أساءَ ولا يُعِيدُ، وإن كانت رُفْقَةً قليلة فلم يطلبْه
فليُعِدْ في الْوَقْتِ، إلاَّ أنْ يكونَ مَنْ معَه مثلَ الرَّجُل والرجلين،
وشِبْهَ ذلك وهم متقاربون، فلْيُعِدْ أبدًا، وهذا كرحْلِه.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال أبو زيد، عن ابن القاسم: وإن سأل بعضَ مَنْ معه فلم
يجدْ، ثم وجَدَه عندَ بعض رُفَقَائِهِ، فإنْ كان مِمَّنْ لا يمْنَعُهُ
أعادَ في الْوَقْتِ، وإن كان مِمَّنْ يمنعُه فلا يُعِيدُ. وقال مالك: إذا
تَيَمَّمُوا ثم وَجَدُوا بِئْرًا أو غديرًا قريبةً منْهم أعادوا في
الْوَقْتِ.
ومن المجموعة، قال عليٌّ، عن مالك: ومَنْ طلَب الماءَ فلم يَجدْهُ في
سَفَرٍ أو مُقَامٍ، فَتَيَمَّمَ وصَلَّى، ثم وَجَدَ الماءَ، لم يكُنْ عليه
أَنْ يُعِيدَ، وإن كان في الْوَقْتِ؛ لأنه عَمِلَ ما أُمِرَ به.
وقال عليُّ بن زياد، في جُنُبٍ مُسَافرٍ اغتسل بما معه من الماءِ وصَلَّى،
فبقي عليه قدرُ الدرهم، فلا يُجْزِئه، ولْيَتَيَمَّمْ ولْيُعِدِ الصلاة.
(1/113)
قال عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: ومَنْ به
حَقْن ولا ماء معه، فلْيُصَلِّ به، إلاَّ أنْ يشْغَلَهُ فَلْيَبُلْ
ولْيتَيَمَّمْ.
وإذا مَسَّتْ رِجْلُ المسافر نَجاسةٌ، ولم يجدِ الماءَ، مسحها بالتراب
وصَلَّى، وإن وجدَ الماء في الْوَقْتِ غسلها وأعاد.
ومن كتاب ابن سَحْنُون: ومن تَيَمَّمَ ثم وجدَ الماءَ، فَتَوَضَّأَ به
فصَلَّى أو لم يُصَلِّ، ثم علم أنه نَجسٌ، فلا يُنْتَقَضُ تَيَمُّمه؛ لأنه
ليس بماء يجوز له به الطهارة. وقد تقدَّمَ بابٌ في الماء المشكوك فيه.
ومن المجموعة، قال عليٌّ، عن مالك في مَنْ لا يجدُ الماءَ أيَتَوَضَّأ
بالندى أم يتَيَمَّم؟ قال: يتَيَمَّمُ، إلاَّ أن يقدرَ أن يجمَع مِن
النَّدَى ما يَتَوَضَّأ به.
قال في المختصر: وإن لم يجدْ إلاَّ نبيذًا أو ماءً ممزوجًا بعَسَلٍ
تَيَمَّمَ. ورَوَى موسى عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في الْعُتْبِيَّة مثله في
النبيذ، وقال: ولا يَغْسِلُ به نجاسة. قال موسى: قال الحسنُ: لا يَتَوَضَّأ
بنبيذ ولا غيره.
ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ نافع، عن مالك: ومن لم يجدِ الماءَ؟ قال:
فليتَيَمَّم في الْوَقْتِ الوسط، وإن رجا الماء فحتَّى يخاف فوات الوقت.
وقَالَ ابْنُ كنانة: إذا لم يجدِ الماءَ فلا يتَيَمَّم حتى يخاف فوات
الوقت. وقاله ابن وهب عن مالك، وقال: ولا أُحِبُّ أن يتأخَّرَ جدًّا وإنْ
رجا الماءَ.
(1/114)
وقال المغيرة: ومَنْ كان في حصار وهو يرى
الماء ولا يَصِلُ إليه، فإنْ دَخل الوقتُ تَيَمَّمَ، ثم لا يُعِيد وإنْ
وجدَه في الْوَقْتِ.
قال مالك في المختصر: ويتَيَمَّم الخائف إذا كان يرى الماء ولا يقدر أن
يخرج، ويُعِيدُ إنْ أَمِنَ في الْوَقْتِ.
قَالَ ابْنُ عبدوس، في قول ابن القاسم إنَّ المريضَ والخائفَ والمسافر
يتَيَمَّمون وسط الوقت، ثم إنْ وجدُوه في الْوَقْتِ لم يُعِدِ المسافر
وأعاد الآخران. قَالَ ابْنُ عبدوس: في وَقْتِ الصلاة المفروضة. قال عبد
الله: ويعني بالمريض ها هنا الذي يجد الماء ولم يجدْ مَنْ يُناوله إياه،
والمسافر هو الذي لا عِلْمَ عنده من الماء من المسافرين، والخائف هو الذي
يَعْلَمُ موضع الماء منهم ويخاف أن لا يُدْرِكَه في الْوَقْتِ، ومثله
الخائف من سباعٍ أو لصوص.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: والمسافر المؤيس من الماء يتَيَمَّم أول الوقت، والذي
يرجوه في الوقت فليؤخِّرْ إلى آخره، عَلِمَ مكانه أو لم يعلم، وآخِرُ الوقت
في هذا في الظهر أن يبلغ مثله بعد ظلِّ الزوال، وفي العصر أن يبلغ مثليه،
والمغرب قبل غيبوبة الشفق، والعشاء ثلث اليل. وقاله مُطَرِّف، وعبد الملك،
وابن عبد الحكم، وأصبغ.
ومَنْ أُمِرَ منهم بِالتَّيَمُّمِ آخِرَ الوقت فَتَيَمَّمَ في أول الوقت
وصَلَّى، وإنه إن وجد الماء في الْوَقْتِ فلْيُعِدْ، وإلاَّ لم يُعِدْ، فإن
وجدَه في الْوَقْتِ فجهل
(1/115)
ومَنْ علم أنه يُدْرِكُه في الْوَقْتِ،
فَتَيَمَّمَ في أوله وصَلَّى، وجهلَ بأنه إنْ وجدَه في الْوَقْتِ أعاد،
فإنْ لم يَفْعلْ حتى خرج الوقت فلْيُعِدْ أبدًا.
وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لا يُعِيدُ إلاَّ في الْوَقْتِ، ولا يُعِيدُ
الأولَ. ولا أقول به.
قال مُطَرِّف، عن مالك: ومَنْ لا يقْدِرُ من المرضى على مَسِّ الماء،
تَيَمَّمَ في الْوَقْتِ الذي يُصَلِّي فيه الناس، وأما مريضٌ لا يجد مَنْ
يُنَاوِله الماء، أو لا يجد من يُوَضِّيه، ويَضْعُف هو عن ذلك،
فلْيَتَيَمَّمْ آخرَ الوقت، ثم إنْ قَدِرَ على الماء في بقية الوقت أعاد،
والخائف كذلك.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال مالك: وإذا خاف المسافر الجُنُبُ إنِ اغْتَسَلَ
الموتَ أو العِلَّةَ الشديدة، فلْيَتَيَمَّمْ، ويُصَلِّي، ولا يُعِيدُ في
وقت ولا غيره.
قال مُطَرِّف، وابن المَاجِشُون، وأصبغ، في المريض: إنه يَتَوَضَّأ، فإنْ
خِيفَ عليه ضرره تَيَمَّمَ إن قدر، أو يُمِّمَ إنْ لم يَقْدِرْ.
قالوا: وإن أخذه العَرَقُ، ويقدر أن يَتَوَضَّأ ويُصَلِّي قائمًا، ولكنْ
إنْ فعل قُطِعَ عنه العَرَقُ، وخاف دوام العِلَّة؛ فلْيَتْرُكْ،
ويتَيَمَّم، ويُصَلِّي إلى القبلة إيماءً، فإن خرج الوقت قبل زوال العرق لم
يُعِدْ.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال عبد الملك بن الحسن، قَالَ ابْنُ وهب: إذا لم
يَقْدِر المبطون على الوضوء تَيَمَّمَ، وكذلك المائد في البحر.
قال عيسى: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وإذا لم تَقْدِرِ النفساء على الغُسْلِ
تَيَمَّمَتْ، ولا بأس أنْ يُرْفَع إليها الماء في طبق.
(1/116)
في مَنْ تَيَمَّمَ لصلاة فصَلَّى به
غيره، من نافلة أو فريضة،
وكيف إن كان تيممه لنافلة،
وفي التَّيَمُّم لنافلة أو لِمَسِّ مصحف
قال مالك، وأصحابه: لا يتَيَمَّمُ لصلاة قبل وقتها، ولا يُصَلِّي صلاتن
بتيمم واحد.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال يحيى بن يحيى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في مَنْ
صَلَّى الظهر والعصر بتَيَمُّمٍ واحد، أو صَلَّى به صلوات جَهْلاً أو
نِسْيانًا، فَلْيُعِدْ ما زاد على وَاحِدَة في الْوَقْتِ، ولو أعاد أبدًا
كان أَحَبُّ إِلَيَّ.
قال عنه ابن الْمَوَّاز: يُعِيدُ أبدًا. وقال هو وابن حبيب، عَنْ أَصْبَغَ:
إن كان وقت الصلاتين مُشْتَرَكًا كالظهر والعصر، أعاد الثانية في
الْوَقْتِ، وإنْ كانتا كالعصر والمغرب أعاد الثانية أبدًا. وقال هذا معنى
قول ابن القاسم.
وقال سَحْنُون، في كتاب ابنه: يُعِيدُ الثانية ما لمْ يَطُلْ مثل
اليوْمَيْنِ وأكثر قليلاً فلا يُعِيدُ، وكذلك إن صَلَّى قبلها ركعتي الفجر
بعد أن كان قال في هذه: يُعِيدُ في الْوَقْتِ. وفي الفريضة: أبدًا.
قَالَ ابْنُ نافع، في المجموعة، عن مالك، في الذي يَجْمَعُ بين الصلاتين:
فلْيَتَيَمَّمْ لكل صلاة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ومن تَيَمَّمَ لصلاة، ثم
ذَكَرَ صلاةً قَبْلَها، فَلْيُعِدِ التَّيَمُّمَ لها، ويبدأُ بها، وإن
صَلاَّها بِالتَّيَمُّمِ الأول أعاد أبدًا.
(1/117)
وذكر أبو الفرج، عن مالك في ذاكر صلوات، أن
له قضاءهنَّ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ. وأُخْبِرْتُ عن بعض متأخِّرِي أصحابنا في
المريض لا يَقْدِرُ على مَسِّ الماء، أنَّ له أنْ يَجْمَعَ بينَ صلاتين
بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ.
قال أبو زيد، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ في الْعُتْبِيَّة، في جُنُبٍ لا
يَقْدِرُ أن يَمَسَّ جِلْدُهُ الماءَ، فلْيَتَيَمَّمْ لكل صلاة، وإن صَلَّى
صلاتين بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ أعاد. يريد: الثانية.
ومن كتاب ابن سَحْنُون: وقَالَ ابْنُ القاسم في مَنْ تَيَمَّمَ لركعتي
الفحر، وصَلَّى به الصبح، أو تَيَمَّمَ لنافلة، فَصَلَّى به الظهر: إنه
يُعِيدُ في الْوَقْتِ.
ورَوَى أبو إسحاق البرقي، عن أشهب، أنه يُجْزِئُهُ في صلاته الصبح
بِتَيَمُّم ركعتي الفجر، ولا يُجْزِئه إذا تَيَمَّمَ لنافلة، فَصَلَّى به
الظهر.
ومن الواضحة: ومَنْ تَيَمَّمَ لنافلة فَصَلَّى به فريضة أعاد أبدًا. ولو
تَيَمَّمَ للفريضة فَتَنَفَّلَ قبلها، ثم صلاها، أعاد في الْوَقْتِ. ومَنْ
تَيَمَّمَ للنوم، أو لِمَسِّ مصحف، فَصَلَّى به أعاد أبدًا. وله أن يُوتِرَ
بِتَيَمُّم العشاء، ويُصَلِّيَها من التَّنَفُّل بما يشاء.
وقال سَحْنُون مثله، في المجموعة، وقال في كتاب ابنه: لا يُوتِرُ
بِتَيَمُّم العشاء، فإنْ فعل فلا شيء عليه.
ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، في مَنْ تَيَمَّمَ للنوم، ولا ينوي
به تَيَمُّمَ الصلاة، فلا يَتَنَفَّلُ به، ولا يَمَسُّ به المصحف.
(1/118)
قال ابن حبيب، قال مالك: وإنْ تَيَمَّمَ
مسافر للنومِ، أو لِمَسِّ مصحف، فله التَّنَفُّل به، وله مَسُّ المصحف
بِتَيَمُّم النوم.
قال حبيب بن الربيع، قال مالك وأصحابه: لا بأس أن يتَيَمَّم لتَّنَفُّل، أو
لقراءة مصحف. وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: لا يتَيَمَّم لنافلة؛ لأنه ليسَ
بضرُورَة، وإنما يتَيَمَّمُ للفريضة التي لا بُدَّ منها.
قال مالك، في المختصر: وللمُتَيَمِّمِ أن يَتَنَفَّل به، ما لم يَطُلْ ذلك.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، في المجموعة: ومَنْ تَيَمَّمَ للوِتْرِ بعدَ الفجر
فله أن يركع به الفجر، وإن تَيَمَّمَ لنافلة فله أن يُوتِرَ بذلك.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال موسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: ومَنْ تَيَمَّمَ
للتَّنَفُّلِ في غير وقت فريضة، ثم تأخَّر تَنَفُّلُهُ، فلا يَتَنَفَّل
بذلك. قال عنه أبو زيد: فلا يركع للضحى بِتَيَمُّم الصبح. قال في كتاب ابن
الْمَوَّاز: وإن لم يزلْ في المسجد. وقال أبو زيد عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ في
الْعُتْبِيَّة: ومَنْ تَيَمَّمَ لنافلة، ثم خرجَ من المسجد لحاجة، ثم عاد
فلا يَتَنَفَّل به، ولا يَمَسُّ المصحف. ولو تَنَفَّلَ حين تَيَمَّمَ، ثم
جلسَ في المسجد يتحدَّثُ، ثم شاء أن يَتَنَفَّلَ، فإن طال ذلك فلا
يَفْعَلْ.
ومن المجموعة قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك: وللمسافر الجُنُبِ لا يجدُ
ماءً أنْ يتَيَمَّمَ لِمَسِّ المصحف، ويقرأَ فيه، ويسْجُدَ إنْ مَرَّ
بسجْدَةٍ.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال سَحْنُون، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: ومَنْ تَيَمَّمَ،
ثم نزعَ
(1/119)
خُفَّيْهِ لم ينتقضْ تَيَمُّمُهُ.
في الماء بين نفر لا يكفي إلاَّ
أحدهم
من الْعُتْبِيَّة، قال سَحْنُون في قوم تَيَمَّمُوا، ثم وَجَدُوا من الماء
كفاية أحدهم، فَبَدَرَ إليه رَجُلٌ منهم، فتَوَضَّأَ منه، فلا ينتقض
تَيَمُّمُ الباقين إذا لم يَمْلِكُون، وهو كالصيد، ولو أَعْطَوْهُ لأحدهم
باختيارٍ منهم، انتقضَ تَيَمُّمُهم أجمعين. وقال سَحْنُون، في المجموعة: لا
ينتقضُ إلاَّ تَيَمُّمُ المُسَلَّمِ إليه.
قَالَ ابْنُ سَحْنُون عن أبيه: وإذا وجدَ المُتيمِّمانِ ما يكفي أحدَهما،
فلا يَنْتَقِضُ إلاَّ تَيَمُّمُ مَنْ أُسْلِمَ إليه.
قال في المجموعة: لا يَنْتَقِض تَيَمُّمُ أحدهما، إلاَّ أن يُسَلِّمَه
أحدُهما إلى صاحبه، فيَنْتَقِضُ تَيَمُّمُ المُسَلَّمِ إليه.
وقال سَحْنُون في الْعُتْبِيَّة: ولو أعطاهُما إيَّاهُ رَجُلٌ، فقال: قد
وَهَبْتُه لأحدهما. فمَنْ أسْلَمَه إلى صاحبه انْتَقَضَ تَيَمُّمُ التارك
له. وكذلك في الجماعة يقول: هو لأحدِكم. إلاَّ في العدد الكثير، كالجيش،
فلا يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُ الباقين، وإنْ قَلُّوا.
ولو قال: هذا لكم. فلا يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُ الباقين.
ومن سماع موسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وعن نفر في سفر ماتَ أحدُهم، وآخَرُ
جُنُبٌ، والثالث على غير وضوء، ولهم من الماء ما يكفي
(1/120)
واحدًا للغُسْلِ، فإنْ كانَ للمَيِّتِ
غُسِّلَ به, وإنْ كان بينهم فالحيُّ أَوْلَى به من المَيِّتِ، ويُيَمَّمُ
الميِّتُ. قال يحيى بن عمر: وعلى مَنِ اغتسل به حصَّةُ الميت، إن كان له
ثمن.
في وطء المسافر أهله، والجريح، وشبهه
قا مالك: لا يطأُ المسافر أهله التي رأَتِ الطُّهْرَ من الحيضة، حتى يكون
معه ما يتطهَّران به.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ولو تَيَمَّمَتْ ومعه هو ما يتطهَّرُ به فلا
يطؤها. بذلك قال سَحْنُون: لا يطؤها حتى يكونَ معهما ما تتطهَّرُ هي به
للحيضة، ثم ما يَتَطَهَّرَانِ جميعًا من الجنابة، ولا يطؤها
بِالتَّيَمُّمِ؛ لأن بأوَّلِ الملاقاة يَنْتَقِضُ التَّيَمُّم، ولا بُدَّ
لها من الغُسْلِ.
وفي كتاب ابن شعبان: أنَّ له وطأها بِالتَّيَمُّمِ. قال: وقد اختَلَف قولُ
مالكٍ في إكراه النصرانية على غُسْلِها من الحيضة.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا يُقَبِّلُ المسافرُ أهله إذا كان من وضوء في عدم
الماء، ولا يطؤها إلاَّ أن يضُرَّ به طولُ السفر في الحاجة إلى أهله. وقاله
ابن المَاجِشُون، وقاله أصبغ، ورَوَى فيه حديثًا.
(1/121)
قال ابن حبيب: والْمَجْدُورُ،
والمَخْضُوبُ، والمَجْرُوحُ الذي غيَّرَتِ الجِراحُ جَسَدَه أو جُلَّهُ،
يتَيَمَّمُونَ للجنابة وللوضوء، وليس عليهم أن يغتسلوا بالماء، ولا بأس أن
يطئوا نساءهم؛ لأن أمرهم يطولُ، بخلاف المسافر لا يجدُ ماءً، إلاَّ أن
يطولَ ذلك بالمسافر جِدًّا، فيجوز له وطءُ امرأته.
وقَالَ ابْنُ وهب، عن مالك في سماعه: إنه يُكْرَهُ لِلْمُسَافَرِ لا ماءَ
معه أنْ يُجَامِعَ. وقال عنه ابن القاسم: ليس له أن يُدْخِلَ على نفسه
أكثرَ من الحَدَثِ.
ومن الْعُتْبِيَّة، ابن القاسم، عن مالك في مَنْ تُصِيبُهُ الشجَّةُ أو
تَنْكَسِرُ يدُه، فيرْبِط عليها عِصَابةً، أيُصِيبُ أهلَهُ؟ قال: أرجو
ألاَّ يكونَ به بأسٌ، ولعلَّ ذلك يطولُ عليه، ويحتاجُ إلى أهله، وليس
كاِلْمُسَافَرِ.
في مَسِّ المصحف وقراءة القرآن،
ودُخُولِ المسجدِ للجُنُبِ والحائضِ،
أو لغيرِ متوضِّئ، ومَسّ ما فيه ذِكْرُ الله
قال مالك، في المختصر: أرجو أن يكونَ مسُّ الصبيان المصاحف للتعليم على غير
وضوء خفيفًا، ولا بأس بإمساكهم الألواح.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك، في الْعُتْبِيَّة: إنه استخفَّ للرَّجُلِ
(1/122)
والصبي يتعلَّمُ إمساك اللوح فيه القرآن
على غير وضوء. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وكذلك المُعَلِّمُ يَشْكُلُ ألواح
الصبيان.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا يَمَسُّ مَنْ ليس على وضوء مصحفًا ولا جُزْءًا،
ولا ورقة، ولا لوْحًا، ويُكْرَه ذلك للمُعَلِّمِ إلاَّ على وضوء.
ويُسْتَخَفُّ للصبيان مَسُّ الأجْزَاءِ للتعليم، كالألواح والأكتاف،
ويُكْرَهُ لهم مَسُّ المصحف الجامع إلاَّ على وضوء.
ومن الْعُتْبِيَّة قال أبو زيد: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لا بأس أن
تَمْسِكَ الحائضُ اللوح تَقْرَأُ فيه وتَكْتُبُ فيه القرآنَ، على وجه
التعليم.
ورَوَى أشهب عن مالك، قال: لا أرى لغير مُتَوَضِّئ مَسَّ اللوح فيه
القرآنُ، ولا بأس بما تُعَلِّقُهُ الحائض والصبيان من القرآن إذا أُخْرِزَ
عليه، أو جُعِلَ في شيء يَكِنُّه، ولا بأس أنْ يُكْتَبَ للحُبْلَى يُعَلَّق
عليها من القرآن وذِكْرِ الله وأسمائه، وأما ما لا يُعْرَفُ، والكتابُ
العبرانيُّ فأكرهُهُ. وكَرِهَ العَقْدَ في الخيط.
قال مالك في المختصر: ولا بأس بأن تقرأ الحائض القرآن، بخلاف الجُنُبِ.
وذَكَرَ الأبهري، أنَّ قول مالك اختلفَ في قراءَتِها القرآن. قَالَ ابْنُ
حَبِيبٍ: إلاَّ أنها لا تَدْخُلُ المسجد، ولا مسجد بيتها.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا بأس أن يقرأ الرَّجُلُ القرآن قائمًا، وقاعدًا،
وماشيًا، وراكبًا، ومضطجعًا، ما لم يكُنْ جُنُبًا. ومن كتَبَ الآية
والآيتين على غير
(1/123)
وضوء، أو قرأ كتابًا فيه آياتٌ من القرآن،
فهذا خفيفٌ. وإذا كان غيرُهُ يُمْسِكُ له المصحفَ، ويُصَفَّحُ له الورق،
فلا بأس أن يقرأ هذا فيه.
قال لي أبو بكر: ولا يُصَفِّحُ له الورق بعودٍ أو غَيْرِه.
قال ابن حبيب: لا يجوز لِلْجُنُبِ أن يقرأ القرآنَ، لا نَظَرًا ولا
ظاهِرًا، حتى يَغْتَسلَ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إلاَّ أنَّ مالكًا قال: لا
بأس أنْ يقرأ الجُنُبُ الآيات عند نوم أو عند رَوْعٍ. قال مالك: ولقد
حرَصْتُ أنْ أجِدَ في قراءة الجُنُبِ القرآن رُخْصَةً فما وَجَدْتُها.
قال مالك، في المختصر: لا يقرأ لجُنُبُ إلاَّ الآياتِ اليسيرة.
ومن الْعُتْبِيَّة قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: اسْتَخَفَّ مالكٌ في الخَاتَمِ
المنقوش، وهو في الشمال، إن اسْتَنْجَى به، قال: لو نَزَعه كانَ أَحَبُّ
إِلَيَّ، وفيه سَعَة، ولم يكنْ مَنْ مضى يَتَحَفَّظ من هذا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وأنا أسْتَنْجِي به، وفيه ذِكْرُ الله سبحانه.
وكَرِهَ ابن حبيب أن يُسْتَنْجَى به.
قال موسى: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ في الْعُتْبِيَّة: لا بأس أن يَتَوَضَّأ
الرَّجُلُ في صحن المسجد وضوءًا ظاهرًا، وتركُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ. قال لنا
أبو
(1/124)
بكر: وقد فعله موسى بن معاوية في صحن
مسجده. قال سَحْنُون: لا يَنْبَغِي ذلك. وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: كَرِهَهُ
مالك، وإنْ كان في طَسْتٍ.
ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قال مالك في المساجد تكون في
البيوت: أكْرَهُ لِلْحَائِضِ أن تَدْخُلَهَا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال
مالك: لا يجلس الجُنُبُ والحائض في مسجد بيتهما، ولا يَدْخُلا المسجد لا
مُجْتَازَيْنِ ولا لجلوس فيه.
ومن المجموعة قال عنه ابن نافع: ولا يَمُرُّ جُنُبٌ ولا حائض في المسجد
مَرًّا. ولا بأس أن يجلس فيه غيرُ مُتَوَضِّئ.
وقال بعض أصحابنا في مَنْ نام في المسجد فَاحْتَلَمَ، قال: يَنْبَغِي أن
يتَيَمَّمَ لخروجه منه. وقد ذَكَرْنا في آخِرِ اختصار الصلاة بابًا في
المصاحف، وبابًا في المساجد، ففي ذلك من هذا المعنى.
في الْحَيْضِ والطُّهْرِ، ومَبْلَغِ القرْءِ
والْحَيْضَة
من المجموعة، قال عبد الملك: لا تكون حَيْضَةٌ يَبْرأ بها الرَّحِمُ أقلَّ
من خمسة أيام، ولكِنْ تَدَعُ فيه الصلاة، وهو كالتَّرِيَّةِ، ولا يُفَرِّقُ
بين حَيْضَتَيْنِ من الطُّهْرِ أقلُّ من خمسة أيام، وهذا مأخوذ من عُرْفِ
النساء،
(1/125)
أو أنه مما جُرِّبَ وعُرِفَ من عُرْف
النساء.
قال المغيرة: ومَنْ قَلَّ دمُها كثُرَ أيام طُهْرِها، ومَنْ قلَّ طُهْرُها
كَثُرَ دَمُتها. قَالَ ابْنُ دينار: لولا ذلك لَحَلَّتِ الْمُطَلَّقَة في
أَقَلَّ مِنَ الشَّهْرِ. قال ربيعة: لا تَحِلُّ في أقلَّ من خمسة وأربعين
ليلة، وبلَغَنا مِثله عن مالك، وعبد العزيز. وقال سَحْنُون: أقلُّ
الطُّهْرِ ثمانية أيام. وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: عشرة أيام.
ورُوِيَ عن سَحْنُون: أقلُّ ما تَنْقَضِي به عِدَّةُ الْمُعْتَدَّةِ أربعون
يومًا. فهذا بَدَلٌ من قَوْلِهِ: إنه جعل أقلَّ الحَيْضِ خمسة، وأقلَّ
الطُّهْر خمسة عشر يومًا.
وقال محمد بن مسلمة: أقلُّ الحيض في الْعِدَّةِ ثلاثة أَيَّام، وأكثرُه
خَمْسَةَ عَشَرَ يومًا، وإذا كانت امرأةٌ تحيضُ يومًا وتَطْهُرُ يومًا،
فإذا كان ما لَفَّقَتْ من أيام الدَّم خَمْسَةَ عَشَرَ في كُلِّ شَهْرٍ، لم
تكن مُسْتَحَاضَةً حَتَّى تُلَفِّقَ من أيام الدم أكثر من خمسة عشر في كل
شهر أو من الطُّهْر أقل من خمسة عشر، فتكون حينئذ مُسْتَحَاضَة.
ومن كتاب ابن الْمَوَّاز: وإذا رأت المرأة دمًا بعد طُهْرِها بأيام كثيرة،
فرأته يومًا أو يومين، فلْتَدَعْ له الصلاة، ولا يكون ذلك في عِدَّةٍ، ولا
اسْتِبْرَاء حَيْضَة، ويُسْأَلُ عنه النساء, ولا تكون حَيْضَةٌ يومًا.
يريد: وتدَعُ له الصلاة، وتَغْتَسِلُ منه.
ومن المجموعة، والْعُتْبِيَّة، رواية عيسى، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ،
(1/126)
في التي يَخْتَلِطُ عليه الدم، فإنَّ
اليومَ الذي ترى فيه الدَّمَ وإن ساعةً تَحْسِبُهُ يومَ دَم. يريد: وإنِ
اغْتَسَلَتْ في باقيه وصَلَّتْ.
قال في التي لا ترى الدم إلاَّ في كل يومٍ مَرَّةً: فإنْ رأتْهُ صلاة الظهر
فتركت الصلاة، ثم رَأَتِ الطُّهْرَ قبل العصر، فلتحْسِبْهُ يومَ دمٍ،
وتَطْهُر وتُصَلِّي الظهرَ والعصر.
ومن المجموعة: قال عليٌّ، عن مالك: وما رَأَتْ من الصُّفْرَة أَيَّامَ
الْحَيْضِ أو أَيَّام الاسْتِظْهَارِ، فهو كَالدَّمِ، فإنْ رَأَتْهُ بعدَ
ذلك فهي مُسْتَحَاضَةٌ. قال عليٌّ: دمُ الْحَيْضَةِ أسودُ غليظُ، ودمُ
الاسْتِحَاضَة أَحْمَرُ رَقِيقٌ.
قال عليٌّ، عن مالك في الْمَرْأَة تَرَى الماء الأَبْيَض من غير حَيْضٍ،
قال: تتوضأ. قال عنه ابن القاسم: وكذلك إنْ رَأَتْهُ بِقُرْبِ الوِلادَةِ.
قال عنه عليٌّ: وإذا رَأَتْ أَوَّلَ اللَّيْلَ دَمًا، وانقطعَ عند
الصُّبْح، فَانْتَظَرَتْ يَوْمهَا فلم تَرَ شَيْئًا، فَلْتَغْتَسِلْ،
وتعيدُ ما تَرَكَتْ من حينِ ارْتَفَعَ. يريد: تقدير وقتِ الغُسْلِ.
ومن الْعُتْبِيَّة قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك، فِي الْمَرْأَةِ تَرَى
دمًا عند وضوئها، فإذا قامت ذهب عنها، قال: لا تَدَعُ الصلاة، إلاَّ أن
تَرَى دَمًا تُنْكِرُهُ. يريد: وتَغْتَسِلُ منه. وإنْ تَمَادَى عند كل وضوء
حَتَّى تجاوَز أيَّامها
(1/127)
والاسْتِظْهَارَ، ثم هي مُسْتَحَاضَةٌ. قال
أبو محمد: لعلَّ مالكًا يريد: تراه عند كل وضوء أبدًا، فتكون
مُسْتَحَاضَةً.
وقال عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في هذه المسألة، عن مالك: تَسُدُّ ذلك،
وتُصَلِّي، ولا غُسْل عليها، كما تَصْنَعُ الْمُسْتَحَاضَة أَوَّلَ ما
يصيبها. قال يحيى بن عمر: لا أَعْرِفُ هذه الرواية.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك في هذه المسألة: وليس على الْمَرْأَة أن
تقوم فتَنْظُرَ طُهْرَهَا قبل الفَجْر، وليس من عَمَل الناس. قال عنه عليٌّ
في المجموعة: وإِنَّمَا عليها أَنْ تَنْظُرَ عند النوم وعند صلاة
الصُّبْحِ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إذا رَأَتِ الطُّهْرَ غُدْوَةً، فلم تَدْرِ أكان قبل
صلاة الصُّبْحِ أو بعدَه، فلا تَقْضِي صَلاة اللَّيْل حَتَّى تُوقِنَ أنه
قبلَ الفجر، ولكن تَصُومُ يَوْمَهَا إن كان رمضانَ، وتقضيه احْتِيَاطًا.
ومن المجموعة، قال عليٌّ عن مالك: والقَصَّةُ الْبَيْضَاء ما ابْيَضَّ
كَالْمَنِيِّ. قال عنه ابن القاسم: فإذا كانت مِمَّنْ تَرَى القَصَّةَ،
فرَأَتِ الْجُفُوف، فلا تُصَلِّي حَتَّى تَرَاها، إلاَّ أن يكون ذلك بها.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: الْقَصَّة ما ابْيَضَّ، عَلَمٌ لِلطُّهْرِ، ومنهن من
تَرَى الْجُفُوفَ، فتلك لا يُطَهِّرُهَا الْقَصَّةُ، وأما التي علامتها
الْقَصَّة فَتَرَى الْجُفُوفَ فذلك طُهْرٌ لها؛ لأن الحيضَ أَوَّلُه دم، ثم
صُفْرَة، ثم تَرِيَّة، ثم كُدْرَة، ثم يصير رَقِيقًا
(1/128)
كَالْقَصَّةِ، ثم يَنْقَطِعُ.
قال مُطَرِّف، وابن القاسم: والتي كما بلغَتْ فلا تَطْهُر حَتَّى تَرَى
الْجُفُوفَ، ثم تَجْرِي بعد ذلك على ما يَنْكَشِف لها من علامة طُهْرِهَا.
قَالَ ابْنُ المَاجِشُون: وإذا اغتسلتْ من حَيْضَة أو نفاسٍ، ثم رَأَتْ
قطرة دمٍ أو غُسَالَة دم، لم تُعِدِ الْغُسْل، ولْتَتَوَضَّأْ، وهذا
يُسَمَّى التَّرِيَّة.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال أشهب، عن مالك، فِي الْيَائِسَةِ تدفع دفعةً أو
دَفْعَتَيْنِ: فَلْتَسْأَلْ عنه النساء، فإن كان مِثْلُها تحيض
اغْتَسَلَتْ، وكذلك التي تَنْقَطِعُ حيضتها سنين، ثم تَرَى صُفْرَةً.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إذا قُلْنَ مثلها لا تحيض. فلا تَدَعُ الصلاة لذلك،
ولكنْ تَغْتَسِلُ إذا انْقَطَعَ، فإن أَشْكَلَ فيه الأمرُ تركتِ الصلاةَ
كَالْحَيْضَةِ.
وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ في المجموعة: إذا قُلْنَ مثلها لا تحيض. فلا غُسْل
عليها منه.
قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز، قال مالكٌ: إذا قُلْنَ: مِثْلُها تحيض. كانت
حَيْضَة. فإن تَمَادَى بها، كانت مُسْتَحَاضَةً، وإن قُلْنَ: مثلها لا
تحيضُ. تَوَضَّأَتْ، وصَلَّتْ، ولم تترك الصلاة لذلك الدمِ، ولم تَغْتَسِلْ
له إذا انْقَطَعَ. ونحوه في المجموعة عن مالك.
(1/129)
في وطء الْحَائِض والنُّفَسَاء، وفي
غَسْلِ ثوبها، وهل تَتَوَضَّأ لِلنَّوْمِ
من المجموعة، قَالَ ابْنُ وهب، وعليٌّ، قال مالك في مَنْ وَطِئَ حَائِضًا:
ليس في ذلك كَفَّارَةٌ إلاَّ التَّوْبَةُ، والتَّقَرُّبُ إلى الله سبحانه.
قال عليٌّ: وكذلك إن وَطِئَهَا بعد الطُّهْرِ وقبل الْغُسْلِ.
قال عنه ابن نافع: والنُّفَسَاءُ كَالْحَائِضِ، لا يَقْرَبُهَا إلاَّ فيما
فوق الإزَار.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لا تُقْرَبُ الْحَائِضُ من حدِّ الإزار
لِلذَّرِيعَةِ، وليس بِضَيِّق إذا اجْتُنِبَ الفَرْجُ. وقاله أصبغ.
قَالَ ابْنُ حبيبك وما رُوِيَ في وَطْئِهَا من صدقة دينار ونصف دينار، وأن
ابن عباس قال: دينارٌ في أَوَّلِ الدم، وأما في الصُّفْرَة فَلْيَتَصَدَّقْ
بنصف دينار. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وليس فيه حَدٌّ، ولكن يُرْجَى
بِالصَّدَقَةِ تَكْفِير الذَّنْب.
(1/130)
قال مالك، في المختصر: وإذا اغْتَسَلَتِ
الْحَائِضُ فليس عليها غَسْلُ ثوبها، ولْتَغْتَسِلْ ما أصاب منه الدمُ،
وتَنْضَحْ ما بَقِيَ منه، إن خَافَتْ أن يكون أصابه شيء، وليس عليها الوضوء
عند النوم. وقد جرى من هذا في باب آخَرَ.
جامع القول في الْمُسْتَحَاضَةِ
ومن الواضحة، وغيرها: واختَلَفَ قولُ مالك في الْحَائِضِ يزيد دمُها على
أَيَّام حيضتها، فقال المصريون من أصحابه بِقَوْلِهِ: تَسْتَظْهِر بثلاث
على أَيَّامها ما لم تُجَاوِزْ خَمْسَةَ عَشَرَ. وقال المدنيون بِقَوْلِهِ:
لا تَسْتَظْهِرُ، وتَبْلُغُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وبالأول قال
أَصْبَغُ، وابن حبيب.
ومن كتاب آخَرَ، وقال المغيرة: لا تَسْتَظْهِرُ. وقال محمد بن مسلمة: تبلغ
إلى خَمْسَةَ عَشَرَ، لاحْتِمَال أن تَنْتَقِلَ حيضتها، فإذا رَأَتْ على
أكثر الْحَيْضِ صارت مُسْتَحَاضَةً، ثم إذا أقبلت الْحَيْضَةُ فحينئذ
تَنْظُرُ عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهنَّ من الشهر، كما قال النبي
صلى الله عليه وسلم. ولو
(1/131)
كان الْحَيْض تَجَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ
لكانت تجلس أكثر من عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن
تُسْتَحَاضَ، وهذا خلاف الخبر.
ولابن وهب رواية عن مالك أيضًا: إذا تَمَادَى بها الدَّمُ،
فَلْتَسْتَظْهِرْ بيوم أو يَوْمَيْنِ.
ولابن نافع عن مالك، في كتاب ابن سَحْنُون رواية مُنْكَرَة، أنها
تَسْتَظْهِرُ على خَمْسَةَ عَشَرَ. فأَنْكَرَ سَحْنُون أن يكون هذا من قول
مالك.
وقال أبو بكر بن الجهم – في قول مالك: تَسْتَظْهِرُ على أَيَّامهَا بثلاث،
ثم تَغْتَسِلُ وتُصَلِّي وتصوم -: فذلك عندي على أن تَقْضِيَ الصوم فيما
بعد الثلاث إلى خَمْسَةَ عَشَرَ، وتَغْتَسِلُ بعد الخمسة عشر غُسْلاً
ثانيًا، وهو الواجب، والأول احْتِيَاط، وأُحِبُّ لِزَوْجِهَا أن لا يصيبها
بعد الثلاث إلى خَمْسَةَ عَشَرَ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لا تزالُ الْمَرْأَةُ بعد استظهارها، وبعد بُلُوغ
الخمسة عشر تَوَضَّأَ وتُصَلِّي وتصوم.
ومن كتاب ابن الْمَوَّاز: ورَوَى ابن وهب، عن مالك، قال: إنَّا لنقول:
تَسْتَظْهِرُ الْحَائِضُ. وما نَدْرِي أحقٌّ هو أم لا. وقال في موضع آخر:
فَلأنْ تُصَلِّيَ وليس عليها أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَتْرُكَها وهي
عليها.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: والمختلفة أَيَّامهَا، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ:
تَسْتَظْهِرُ على
(1/132)
أكثرها. وأنا أقول: على أقلِّها. وقول ابن
حبيب على أقلِّها لا يَصِحُّ؛ لأن إحدى عاداتها في الْحَيْضِ قد تُجَاوِزُ
أقلَّها مع الاسْتِظْهَار.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإذا رَأَتْ يومًا دَمًا ويومًا طُهْرًا،
فَلْتُلَفِّقْ أَيَّام الدم حَتَّى تُجَاوِزَ أيامها والاسْتِظْهَارَ. ولو
رَأَتْ في اليوم قطرةً كان يومَ دمٍ، وإن اغْتَسَلَتْ منه ساعة انْقَطَعَ،
ما لم يَكُنْ من الدَّمَيْنِ عشرة أَيَّام. فيكون حَيْضًا مُؤْتَنَفًا. ولو
جَهِلَتِ المأمُورةُ بِالاسْتِظْهَارِ، وتَرَكَتِ الصلاة حَتَّى انْقَطَعَ،
فلا تَقْضِي إلاَّ ما زاد على خَمْسَةَ عَشَرَ.
ومن الْعُتْبِيَّة، رَوَى أبو زيد عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، قال: إذا تركتِ
الصلاة بعد أَيَّام الاسْتِظْهَارِ جَهْلاً، فر تقضيها، وإن قَضَتْهَا فهو
أَحَبُّ إِلَيَّ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إلاَّ ما زادتْ على خَمْسَةَ عَشَرَ
يومًا.
قَالَ ابْنُ عبدوس: وأنكر سَحْنُون ما ذكر في الْمُسْتَحَاضَة تقيم شهرًا
لا تُصَلِّي جاهلة لا قضاء عليها. وأنْكَرَ أنْ يُرْوَى، وقال: لا تُعْذَرُ
في الصلاة بِالْجَهْلِ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإن انْقَطَعَ عن الْمُسْتَحَاضَةِ الدمُ، اسْتُحِبَّ
لها الْغُسْلُ، فإن صَلَّتْ بغير غُسْلٍ لم تُعِدْ.
ورَوَى أشهب، عن مالك، في الْعُتْبِيَّة، قال: إذا انْقَطَعَ عَنِ
الْمُسْتَحَاضَةِ الدمُ في غير أَيَّام حيضتها، فَلْتَغْتَسِلْ، وتُصَلِّي.
قال عنه ابن القاسم، في المجموعة: أحْبَبْتُ لها أن تَغْتَسِلَ. وقال عنه
عليٌّ: الأمرُ فيها على حديثِ هشام بن عروة، فليس عليها إلاَّ غُسْلٌ
واحدٌ، وأَحْسَبُ حديثَ ابن
(1/133)
المسيب دخله وَهْمٌ، في قوله: تَغْتَسِلُ
من طُهْرٍ إلى طُهْرٍ. وأَحْسَبُه من ظُهْرٍ إلى ظُهْرٍ. وقال غير مالك:
إنه مذهبٌ لابن المسيب، تَغْتَسِلُ كُلَّ يوم، كما يُسْتَحَبُّ لها الوضوء
لكُلِّ صلاة.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ في المجموعة، عن مالك: وإن اسْتُحِيضَتْ شهرًا
فخافت أن تكون طرحت طرْحًا، قال: إن شَكَّتْ فلم تُوقِنْ أنه مِنْ حَمْلٍ،
عَمِلَتْ عَمَلَ الْحَائِضِ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإذا تَمَادَى بها الدم في البلوغ، جَلَسَتْ خَمْسَةَ
عَشَرَ يومًا، في قول مَنْ لا يَرَى الاسْتِظْهَارَ، ومن رآه يقول:
تَجْلِسُ قَدْرَ لِدَاتِها
(1/134)
بغير اسْتِظْهَار. وقال ابن كنانة وابن عبد
الحكم، وأصبغ: تَسْتَظْهِرُ على أَيَّام لِدَاتِها. وذَكَرَه ابن
الْمَوَّاز، عَنْ أَصْبَغَ.
ومن الْعُتْبِيَّة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عن مالك، في الْمُسْتَحَاضَة
تَرَى دَمًا لا تشكُّ أنه دم حيضٍ، قال: تدعُ له الصلاة، فإن تَمَادَى بها
الدمُ اسْتَظْهَرَتْ فيه بثلاث على أَيَّامهَا، وإن عاودها دمُ
الاسْتِحَاضَةِ بعد أَيَّام حيضتها، صَلَّتْ بغير اسْتِظْهَار. يريد: بعد
أن تَغْتَسِلَ. ورَوَى مثله ابن القاسم، وعليٌّ عن مالك، في المجموعة.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ك هذا قول ابن القاسم.
قَالَ ابْنُ المَاجِشُون: سواء عاودها دم الاسْتِحَاضَةِ الخفيفُ، أو دام
بها الدم العبيط دم الْحَيْض، إنها تَسْتَظْهِرُ بثلاث. فرأى هذه أن
تَسْتَظْهِرَ، ولم يَرَه في التي يتمادى بها الدم بعد أَيَّام حيضتها، ولم
تُسْتَحَضْ قبل ذلك، سواء استُحِيضَت أَوَّل بلوغها أو بعد.
وقال أَصْبَغُ: تَسْتَظْهِر هذه وتلك في الدمين جَمِيعًا. وقال مُطَرِّف:
تجلس كلهن خَمْسَةَ عَشَرَ يومًا.
وقَالَ ابْنُ المَاجِشُون: تجلس في أَوَّل الاستحاضة خَمْسَةَ عَشَرَ وفي
آخرها يقول بِالاسْتِظْهَارِ. كما ذكرنا.
وقَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: قال أَصْبَغُ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذا
تَمَادَى بِالْمُسْتَحَاضَةِ دمٌ تُنْكِرُهُ، اسْتَظْهَرَتْ بثلاث. قال
أَصْبَغُ: وقال مَرَّةً، فيما أعلم: لا تَسْتَظْهِرُ. وليس هذا بشيء.
(1/135)
في الحامل تَرَى الدم على حملها
من المجموعة، رَوَى عليُّ بن زياد، عن مالك، في الحامل تَرَى الدم، قال:
تَكُفُّ عَنِ الصَّلاَةِ أَقْصَى ما تُمْسِكُ جُلُّ الحوامل، حَتَّى تَرَى
أن ذلك منها لسُقْمٍ، ليس مما يَعْرِضُ لِلْحَوَامِلِ. قال عنه ابن نافع:
إذا رَأَتْهُ أيامًا، ثم انْقَطَعَ، فتغتسل، وتُصَلِّي، ولا تُصَلِّي في
الدم.
قال عنه ابن وهب: وكذلك في الصُّفْرَةِ والْحُمْرَة. قال في المختصر:
والْكُدْرَة.
قال أشهب: وإذا كانت من أَوَّلِ الْحَمْلِ تَحِيضُ ثم تَسْتَرِيبُ،
فَلْتَسْتَظْهِرْ، وإلاَّ فلا.
قال سَحْنُون: لم تُؤْمَرْ بِالاسْتِظْهَارِ؛ إذ لا تُرَدُّ إلى
أَيَّامهَا، لكن إلى أكثر ما تَجْلِسُ الْحَوَامِل مِنَ الدَّمِ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مذهب ابن القاسم: إن رَأَتْهُ في أَوَّل الْحَمْلِ
جَلَسَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يومًا، وفي آخره ثلاثين يومًا. وقوله في المدونة:
إن رَأَتْهُ بعد ستة أشهر ونحوها جَلَسَتْ ما بينها وبين العشرين؛ لأن
مالكًا فرَّقَ بين أَوَّله وآخِرِه، ولم يُحَدِّدْ معنى أَوَّلِ الحمل في
ثلاث شهور ونحوها.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وقَالَ ابْنُ المَاجِشُون: تَجْلِسُ خَمْسَةَ عَشَرَ،
كان في أَوَّل الحمل أو آخره؛ لِلاخْتِلافِ فيه، وأن بعض السلف لا يراهُ
حَيْضًا.
(1/136)
قَالَ ابْنُ المَاجِشُون، في المجموعة عن
مالك، وقال به: إنها تَقِفُ على أَيَّام حيضتها، ولا تحتاط كما يحتاط
غيرها.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وقال أشهب، وابن عبد الحكم، وأصبغ: تَسْتَظْهِرُ على
أَيَّامهَا في أَوَّلِهِ وآخره. ورواه أشهب، عن مالك.
وقال أشهب، في كتاب ابن الْمَوَّاز: إن مالكًا أفتى به امرأة وهي في خمسة
أو ستة أشهر. ورواه ابن وهب، عن مالك.
قال أشهب: أَوَّلُ الحمل وأخِره سواءٌ، وتَسْتَظْهِرُ في ذلك بثلاثة
أَيَّام. وأعاب قولَ مَنْ قال: ليس أَوَّلُ الحملِ كآخِره؛ لأن الدم
يَحْتَبِسُ. وقال: رأيتُ مَن قعدت عن المحيض سنة، وهي مِمَّنْ تحيض، ثم
أتاها الحيضُ، أتزيدُ في استظهارها عن تَمَادَى بها الدم على ثلاثة
أَيَّام؛ لأن دمها احْتَبَسَ، فليس هذا بشيء.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وقَالَ ابْنُ وهب: تُضَعِّفُ أَيَّام حيضتها،
وتَغْتَسِلُ؛ لأنها أكثرُ دَمًا من الحامل.
وقال مُطَرِّف، عن مالك: تَجْلِسُ في أَوَّلِ شهور الحمل أَيَّامها
والاستظهارَ، وفي الثاني تُثَنِّي أَيَّام حَيْضَتِهَا ولا تَسْتَظْهِر،
وفي الثالث تَجْلِسُ مثل أَيَّامهَا ثلاث مرات، وفي الرابع تُرَبِّعُها
هكذا، حَتَّى تبلغَ ستين ليلة، ثم لا تزيدُ. وقول أشهب أَحَبُّ إِلَى ابن
حبيب.
وأَنْكَرَ ابن المَاجِشُون في المجموعة، قول مُطَرِّف هذا الذي ذَكَرَ ابن
حبيب، وقال: ليس بقول مالك. وهذا خطأ، ولا تكونُ نفساء إلاَّ عند ولادة،
(1/137)
والاسْتِحَاضَة لمالك بها، وطرح مالكٌ فيها
أَيَّام الْحَيْضَة؛ لِلاخْتِلافِ فيها.
ومن الْعُتْبِيَّة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وأشهب، عن مالك، في الحامل
تَرَى ماءً أبيضَ. قال عنه ابن القاسم: في آخِرِ الحمل أو أَوَّلِهِ أو
وَسَطِه، فليس عليها إلاَّ الوضوء.
القول في النُّفَسَاء
من الْعُتْبِيَّة قال أشهب، عن مالك، في التي تَلِد فلا تَرَى دَمًا، قال:
تَغْتَسِلُ. قال مالك، في موضع آخَر: بلغَنَا أنها إنْ تَمَادَى الدم،
جَلَسَتْ شَهْرَيْنِ، ولم يَثْبُتْ عندنا هذا التوقيتُ ثباتَ توقيتِ
الْحَيْض، وأرى أن تُسْأَلَ عنها النساء.
قال محمد بن مسلمة: أَقْصَى النفاس شَهْرَانِ.
ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ المَاجِشُون: إنها يُرجَعُ فيها إلى الغالب من
حال النساء، كَالْحَيْضِ والاسْتِحَاضَةِ، والغالبُ في تَرَبُّصِهَا
شَهْرَانِ، فإن تَمَادَى اغْتَسَلَتْ وتَتَوَضَّأ لكُلِّ صلاة،
كَالْمُسْتَحَاضَةِ، إلاَّ أن تَرَى دَمًا جديدًا، فترجعَ إلى معنى
الاسْتِحَاضَة.
أبو محمد: يعني أنها تَتَرَبَّصُ ما دام ذلك الدم يأتيها خَمْسَةَ عَشَرَ
يومًا، ثم تصير مُسْتَحَاضَةً. قال: والذي قيل مِنْ تَرَبُّصِ النُّفَسَاء
أَرْبَعِينَ
(1/138)
ليلة أمرٌ لم يَقْوَ ولا عَمَلَ به عندنا.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإذا رَأَتِ النُّفَسَاء الْجُفُوفَ، فلا تَنْتَظِرُ،
ولْتَغْتَسِلْ، وإن قَرُبَ ذلك من ولادتها، وإن تَمَادَى بها الدم، فإن
زادَ على ستين ليلة، فَلْتَغْتَسِلْ , ولا تَسْتَظْهِرْ.
قَالَ ابْنُ المَاجِشُون: ما بين الستين إلى السبعين، والوقوف على الستين
أَحَبُّ إِلَيْنَا.
ومن المختصر، لابن عبد الحكم: وإذا طال بِالنُّفَسَاءِ الدمُ فَلْتَنْظُرْ
أَيَّام الدم، فتحْسِبُه، ولا تحْسِبُ أَيَّام الطُّهْرِ. يريد:
وتَغْتَسِلُ كلما رَأَتْهُ. فإذا اجْتَمَعَ لها من أَيَّام الدم أكثر ما
تُخْبِرُ النساء الدمَ في نفاسِهِنَّ، اغْتَسَلَتْ وصَلَّتْ، فتَتَوَضَّأ
لكل صلاة، وإن تَمَادَى بها. قال أبو بكر الأبهريُّ: يريد إذا كان من
الدَّمَيْنِ أقلُّ مِنَ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يومًا، فأما إن كان من
الدمِ خَمْسَةَ عَشَرَ يومًا، فالدم الذي بعده حيضٌ مُؤْتَنَفٌ.
في الوضوء في الصُّفْرِ، وبِالْمَاءِ الساخن،
وغَسْلِ اليد من الغَمَر، وغَسْلها من
الطعام وقبله
ومن الْعُتْبِيَّة، قَالَ ابْنُ أشهب، عن مالك، وذَكَرَها في المجموعة ابن
نافع عن مالك، قال: لا بأس بِالْوُضُوءِ في الصُّفْرِ
(1/139)
والحديد، وقد أبى ابن عمر أن يَتَوَضَّأَ
في تَوْرِ نحاسٍ، وأُراهُ نَحَاهُ ناحية الفضة.
ومن كتاب آخَرَ أن عمر بن عبد العزيز كان يُسَخَّنُ له فيه الماء للوضوء
والْغُسْلِ.
وفي كتاب البخاري، أن النبي صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ في تَوْرِ
نُحَاسٍ.
قال أشهب، عن مالك في الْعُتْبِيَّة، وذَكَرَ في المجموعة ابن نافع عن
مالك، قال: ولا بأس بِالْوُضُوءِ بِالْمَاءِ السُّخْنِ، فأما الْغُسْلُ من
ماء الحَمَّام السُّخْنِ فمن البئر أَحَبُّ إِلَيَّ، وما دخول الحَمَّامِ
بصواب.
قال عنه ابن نافع، في المجموعة: لا بأس بِالْغُسْلِ منه إن كان طاهرًا.
وقال عنه أشهب: إنه كَرِهَ غَسْلَ الرأس بالبيض، وغَسْلُ اليد بالأَرُزِّ
أخفُّ من هذا، مثلُ الأُشْنان.
قال عنه ابن القاسم: إنه كَرِهَ غَسْلَ رأسه بِاللَّبَنِ وبِالْعَسَلِ.
قال: وغيره أَحَبُّ إِلَيَّ.
قال عنه أشهب: إنه كَرِهَ غَسْلَ الْيَدِ قبلَ الطعام.
(1/140)
قال في المختصر: وإن أَكَلَ دَسَمًا غَسَلَ
يدَه، وتَمَضْمَضَ.
قال عنه ابن نافع في المجموعة: وليس بواجب، وكذلك أُحِبُّ لمن أكَلَ
رُطَبًا أو فاكهة أن يتمضمض، وذلك يختلف في قيامه إلى الصلاة بإثر ذلك أو
بعد وقت، بقدر ما يذهب عن فيه.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال عنه أشهب: كان عمر يَتَمَنْدَلُ بباطن قَدَمَيْهِ،
فقيل: أيتوضأ بدقيق أو فولٍ أو نُخالةٍ؟ قال: لا عِلْمَ لي، إن أعياهُ شيء
فبالتراب، وقد نهى عمر عن التَّنَعُّمِ، فإنه من فعْل العجم.
وأجاز ابن نافع ذلك بِالنُّخَالَةِ، وكَرِهَهُ سَحْنُون، أو بشيء مما
يُؤْكَلُ أو بِالْمِلْحِ. وتقدَّمَ في باب آخَرَ غَسْلُ اليد من الغَمَرِ.
في زَيْتِ الْفَأْرَة، وفي أَلْبَانٍ تُطْبَخُ بمائها،
وما يُنْتَفَعُ به من الْمَيْتَةِ
ومن الْعُتْبِيَّة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك: يُسْتَصْبَحُ
بِزَيْتِ الْفَأْرَة على تحفُّظٍ. قال في موضع آخر: إلاَّ في الْمَسَاجِدِ.
وخَفَّفَ دهان الْجُلُودِ به ويُغْسَلُ بعد ذلك.
(1/141)
وخَفَّفَ ابن القاسم أن يُطْبَخَ به صابون.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يعمله لنفسه، يَغْسِلُ به، ثم يُطَهِّرُ الثوبَ
بماء طاهر.
قال عنه أشهب: إنه خَفَّفَ الوضوءَ من سِقاء الْمَيْتَةِ إذا دُبِغَ. وقال:
وليس عليه غَسْلُ صوفها، إلاَّ أن يَعْلَمَ أنه أصابه شيء. قَالَ فِي
مَوْضِعٍ آخَرَ: بخلاف الرِّيشِ؛ لأن في أصوله من رُطوبتها.
قال أَصْبَغُ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، عن مالك، في بَانٍ طُبِخَ فوُجِدَ
فيه فَأْرَةٌ تَفَسَّخَتْ أو لم تَفَسَّخْ، وهي من ماء البئر الذي طُبِخَ
به، قال مالك: يُتِمُّ طَبْخَه، ويأخذ الدُّهْنَ الأول فيطبخه بماء طاهر
مرتين أو ثلاثة. قاله أصبغ إن كان كثيرًا، وأما اليسير ليس فيه كثير ضرر،
فليطرحه.
قال يحيى بن عمر: إِنَّمَا خَفَّفَه مالك؛ لاختلاف الناس في ماء البئر تموت
فيه الْفَأْرَة، ولم يَتَغَيَّر مَاؤُهَا.
وقال لنا أبو بكر بن محمد: ورَوَى ابن رشيد عَنِ ابْنِ نافع، عن مالك، في
الزيت إذا أصابته النجاسة، أنه يُغْسَلُ. وكان أبو بكر يُفتي بذلك ويحتجُّ
بقول مالك في الْبَانِ، وما رُوِيَ عن مالك من الاسْتِصْبَاحِ بِالزَّيْتِ
أولى.
(1/142)
وقَالَ ابْنُ المَاجِشُون: لا يُنْتَفَعُ
به في شيء. ولابن شهاب في بيعه بالبراة قولٌ ليس بمأخوذ به، ولم يُتْبَعْ
عليه.
وقال سَحْنُون، في فأرة وُجِدَتْ يابسةً في زيت: إنَّ ذلك خفيف، ويُبْسُها
يَدُلُّ أنهم إِنَّمَا صَبُّوا عليها الزيت وهي يابسةٌ، ولم تَمُتْ فيه.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال سَحْنُون، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: لا بأس أن
يُبَخَّرَ بلحم السباع إذا ذُكِّيَتْ، وأما إن كانت ميتة فإن لم يَعْلَقْ
بِالثِّيَابِ فلا يُعْجِبُنِي.
ومعاني هذا الباب مُسْتَوْعَبَةٌ في اختصار كتاب الصيد والذبائح.
تم الكتاب، والحمد لله رب العالمين على عونه وإحسانه، وصَلَّى الله على
محمد وآله وسلم.
(1/143)
|