النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات

بسم الله الرحمن الرحيم

في فرض الصلاة، وذكر أسمائها، والحُكْمِ في
مَنْ تَرَكَها، أو ترك شَيْئًا من أحوالها، وذِكْرِ
النوافل والمسنون منها
وفيها من كتاب ابن حبيب، وغيره:
قال: وفُرِضَتِ الصلوات الخمس في الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم وذلك بمكة قبل الهجرة بسنة، وكان الفَرْضُ قبل ذلك ركعتين بِالْغَدَاةِ ورَكْعَتَيْنِ بِالْعِشَاءِ. وأَوَّلُ ما صَلَّى جبريل بالنبي عليهما السلام صلاة الظهر، فسُمِّيَتِ الأُولى لذلك.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنَّ فَرْضَ الوضوء بماء نزل بِالْمَدِينَةِ في سورة المائدة، وكان الطَّهُور بمكة سُنَّة. قاله ابن مسعود. وذكره ابن الجهم.
ومن الْعُتْبِيَّة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قال مالك: فَرَضَ الله الصلوات في كتابه،

(1/145)


فقال تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} (الروم: 17) المغرب. قال غيره: والعشاء. قال مالك: {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} (الروم: 17) الصُّبْح، {وَعَشِيًّا} (مريم: 11) العصر، {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} (الروم: 18) الظهر. وقال سبحانه: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} (الإسراء: 78)، وهي الظهر، {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} (الإسراء: 78) العشاء، {وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ} (الإسراء: 78)، الصُّبْح.
قال في الواضحة: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} يقول: الظهر والعصر، {غَسَقِ اللَّيْلِ} قال المغرب والعشاء. وفي قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} (هود: 114) فالصبح طَرَفٌ، {وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} المغرب والعشاء. وفي قوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} (طه: 130) الصُّبْح، {وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} الظهر والعصر، {وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ} المغرب والعشاء.
وفي الْعُتْبِيَّة، ابن القاسم، عن مالك، قال: الأعرابُ يُسَمُّون المغرب الشاهد؛ لأنها لا تُقْصَرَ، وأَحَبُّ إِلَيَّ أن يقال فِي الْعَتَمَةِ صلاة العشاء؛ لقول الله تعالى: {وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ} (النور: 58). إلاَّ أن تُخَاطَبَ مَنْ لا يفْهم عنك فذلك واسعٌ.
قَالَ ابْنُ المسيب: لأنْ أنامَ عن العشاء أَحَبُّ إِلَيَّ من الحديث بعدها. قال مالك: أصاب.
وقال مالك في موطَّئِه: الصلاة الوسطى صلاة الصُّبْح. واحْتَجَّ لذلك

(1/146)


بحديث عائشة، وحفصة، فيما كتَبْنَا. والصلاة الوسطى صلاة العصر. ورواه عن عليٍّ وابن عباس. واحْتَجَّ أصحابُنا لذلك بأنها مُنْفَرِدَةٌ بوقت، واللتان قبلها واللتان بعدها مُشْتَرِكَتَا الوقت.
وذهب ابن حبيب أنها صلاة العصر، وذَكَرَ أنه قولٌ حَسَنٌ. ورواه غيره عن عليِّ بن أبي طالب.
ورَوَى مالك في الموطأ، أن زيد بن ثابت قال: هي الظُّهْرُ. قال غير واحد من

(1/147)


العلماء: ومثلُه لمالك، في كتاب ابن الْمَوَّاز.
وأجملَ اللهُ سبحانه فَرْضَ الصلاة في كتابه، من ركوع وسجود وقيام وقعود وقراءة، وبَيَّنَ ذلك النبي عليه السلام بفعله.
قَالَ ابْنُ سَحْنُون وغيره مِنْ أَصْحَابِنَا: والْقِيَام فِي الصَّلاَةِ، والرُّكُوع، والسُّجُود، والجلسة الآخِرَة، والسَّلام، وتَكْبِيرَة الإِحْرَام، كل ذلك فَرِيضَة، وقراءة أم القرآن فِي الصَّلاَةِ فَرِيضَةٌ، وما زاد عليها فسُنَّةٌ.
ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، قال مالك في مَنْ قال: الرُّكُوعُ والسُّجُودُ سُنَّةٌ. قال: قد كَفَرَ. قال الله سبحانه: و {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} (الحج: 77). وقال في القراءة: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} (الأعراف: 204).
وقال أصحابنا: قِرَاءَة أم القرآن فِي الصَّلاَةِ فَرِيضَةٌ. واخْتُلِفَ هل هي في كل ركعة فَرِيضَةٌ؟
ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، قال: وسَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات: الوِتْرُ، وصلاة الخوف، والاستسقاء، والفطر والأضحى. وقَالَ ابْنُ عبد الحكم، وأصبغ، في ركعتي الفجر: ليستا بسُنَّةٍ، وهما من الرغَائب. وقال أشهب، في كتاب الحَجِّ من المجموعة: إنهما سُنَّةٌ، ليستا كتأكيد الوِتْرِ، كما ليس غُسْلُ الْعِيدَيْنِ كغُسْلِ الجمعة، ولا غُسْلُ دخول مكة ووقوف عرفة كغُسْلِ الإِحْرَامِ في

(1/148)


التأكيد.
ومن كتاب آخر، قال بعض أصحابنا: وفي جمْعِ الصلوات سُنَّةٌ، وهي الجمعُ بعرفة ومزدلفة سُنَّة، وجَمْعُ المسافر والمريض توسعة ورخصة، وكذلك الجمْعُ ليلة المطر، وقد فعله الخُلَفاء.
ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، قال: والجمعة فَرِيضَةٌ، وبَيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم بفِعْلِه أنها ركعتان. والخُطبة فَرِيضَةٌ؛ لقول الله تعالى: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} (الجمعة: 11)، وقيل: سُنَّةٌ واجبة.
وليس إقامة صلاة الخوف بطائفتين فَرِيضَة، لكن توسعةً. ولا تُجْزِئُ من غر خوف. ولو صَلُّوا في الحرب بإمام واحد، أو بعضهم أفذاذًا، أجزأهم. ولا أُحِبُّ لهم ذلك. والجمع بعرفة ومزدلفة سُنَّةٌ، لا يسعُ تَرْكُهما. والجَمْعُ في السفر توسعة، ليس بلازم. والتشهُّد سُنَّة. والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فَرِيضَة. يريد: فَرِيضَة مُطْلَقَةً، ليست من فرائض الصلاة. قاله محمد ابن عبد الحكم، وغيره.
قال في كتاب ابن الْمَوَّاز: وقيام رمضان نافلة، ولِلخَوَاصِّ اكتسابٌ، والجمعُ فيه بِدْعةٌ حَسَنَةٌ.
والرُّكُوع بعد الظهر وقبلها، وقبل العصر، وبعد المغرب، وبعد العشاء نافلة.
وكانت صلاة اللَّيْل فريضةً فنُسِخَتْ، فهي نافلة، لا سُنَّةٌ ولا فَرِيضَةٌ.
والتَّنَفُّلُ في خسوف القمر ليس بسُنَّةٍ، وهو ترغيبٌ وترهيبٌ.
قال محمد بن مسلمة: أَوَّلُ ما فُرِضَتْ صلاة اللَّيْل في سورة المزمل، ثم خَفَّفَها فقال: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ} (المزمل: 20)، ثم نَسَخَ ذلك بالصلوات الخمس، ثم

(1/149)


قال: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} (الإسراء: 79).
قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز، قال عبد الله بن عبد الحكم: الصلاة على الميت فَرِيضَةٌ، بقَوْلِ الله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} (التوبة: 84)، وقال أَصْبَغُ: هي سُنَّةٌ.
ومن الْعُتْبِيَّة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك: ومَنْ تَرك الصلاة قيل له: صَلِّ. فإن صَلَّى، وإلاَّ قُتِلَ. ومَنْ قال: لا أُصَلِّي. استُتِيبَ، فإن صَلَّى وإلاَّ قُتِلَ. وكذلك مَنْ قال: لا أتَوَضَّأُ. قَالَ ابْنُ المَاجِشُون، وأصبغ: إنْ قال: لا أجْحَدُها، ولا أُصَلِّي. قُتِلَ.
قَالَ ابْنُ شهاب: إذا خرج الوقت، ولم يُصَلِّ، قُتِلَ.
قال محمد: وقاله حمَّاد بنُ زيد، وقال: تَرْكها كُفْرٌ يختلفون فيه. قال ذلك أيوب. فقال محمد: إنْ تَرَكَ صلاة واحدةً حَلَّ دَمُه.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَن تركها مُكَذِّبًا أو متهاونًا أو مُفَرِّطًا، أو مضيِّعًا، فهو بذلك كافرٌ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْكُفْرِ إِلاَّ تَرْكُ الصَّلاةِ». فإن رُفِعَ إلى الإمام فعاود ما تركه فإن عاد إلى تَرْكِها فأَوْقَفَه. فقال: أنا أُصَلِّي. فليبالغ في عقوبته حَتَّى يُظْهِرَ إنابته.
فإن قال: هي فَرْضٌ، ولكن لا أُصَلِّي. قُتِلَ، ولا يُسْتَتَابُ ثلاثًا، كَذَّبَ بها أو أَقِرَّ، إذا قال: لا أُصَلِّي. ولا يُؤَخَّرُ عن وقت تلك الصلاة.
وكذلك مَنْ قال عند الإمام: لا أَتَوَضَّأُ، ولا أَغْتَسِلُ من جنابةٍ، ولا أَصُومُ

(1/150)


رمضانَ.
ومَنْ تَوَضَّأَ وصَلَّى واغْتَسَلَ وصام، وقال في ذلك كله إنه غيرُ فَرْضٍ عليَّ. وكَذَّبَ به، فهي رِدَّة، فَلْيُسْتَتَبْ ثلاثًا، فإن لم يَتُبْ قُتِلَ. وإن كَذَّبَ بِالْحَجِّ فكذلك. وإن أقرَّ به، وقال: لا أَحُجُّ. قيل له: أَبْعَدَكَ الله. إذ ليس لضيق الوقت. وإن كَذَّبَ بِالزَّكَاةِ اسْتُتِيبَ كَالرِّدَّةِ. وإن أَقَرَّ بها، ومنَعَها، أُخِذَتْ منه كُرْهًا، فإن امْتَنَعَ قُوتِلَ.
وذهب ابن حبيب أن تارك الصلاة مُتَعَمِّدًا أو مُفَرِّطًا كافرٌ، وأنه إن تَرَكَ أخَواتِها متعمِّدًا، من زكاة، وصوم، وحجٍّ، فقد كَفَرَ. قال: وقاله الحكم بن عتيبة.
وقال غير ابن حبيب: إنه لا يَكْفُرُ إلاَّ بِجَحْدِ هذه الفرائض، وإلاَّ فهو ناقص الإيمان؛ ولأنه يُوارثُ، ويُصَلَّى عليه، واحتجَّ بحديث مالك، عن عُبادة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللهُ عَلَى الْعَبْدِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ». وفي آخِرِ الحديث: «ومَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وإن شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ». وهذا يُبَيِّنُ معنى الحديث الذي ذكره ابن حبيب. والله أعلم.
ومن العاشر من السِّيَر لابن سَحْنُون: أخبرني معن بن عيسى، عن مالك

(1/151)


في الأُسَارَى رَكَّعَهم العدُوُّ أيامًا لا يُصَلُّون، قال: لا صلاة عليهم إذا تُرِكُوا، إلاَّ ما أدركوا وقتها.
وعلى رواية ابن القاسم في الذين تحت الهَدْمِ: يُعِيدون. وقَالَ ابْنُ نافع: لا يُعِيدُ الذي تحت الهدم. وقال الأوزاعي في أسير مَوْثُوقٍ، قال: يُصَلِّي إيماءً. قاله سَحْنُون، قال: وإنْ أُطْلِقَ في الْوَقْتِ لم يَلْزَمْهُ أو يعيدَ، وإن عاد فحسنٌ. قال سَحْنُون: وإذا خاف القتل إنْ صَلَّى وسِعَهُ تَرْكُ الصلاة، وكذلك في تَرْكِ الوضوء والتَّيَمُّمِ.
وقال الأوزاعيُّ: لا يَدَعُ التَّيَمُّمَ والصلاة إيماءً، وإن قُتِلَ. وخالفه سَحْنُون، وقال: يسَعهُ الترْكُ بذلك.
قال سَحْنُون، في كتاب الصلاة: وعلى تاركِ الوِتْرِ وجميع الأدب.

ذِكْرُ أوقات الصلوات
ومن غير كتاب لابن حبيب، وغيره: ولمَّا فُرِضَتِ الصلوات صَلَّى جبريل بالنبي عليهما السَّلام يَوْمَيْنِ، فجعل لكل صلاة وقتين، إلاَّ المغرب، فَصَلَّى به في

(1/152)


اليومين في وقت واحد، وقال: هذه صلاة النبيين من قبلك، والوقت في ما بين هذين الوقتين.
وأَوَّل ما صَلَّى به صلاة الظهر. قال مالك، في المختصر، وغيره: ووقت الصلاة الذي لا تحَلُّ إلاَّ فيه، أنْ لا يُصَلِّيَ الظُّهر حَتَّى ترتفع الشمس عن وَسَط السماء، وذلك إذا زاد الفيء بعد نقصانه، فقد حَلَّتِ الصلاة، ويُسْتَحَبُّ لمساجدِ الجماعات أن يُؤَخِّرُوا حَتَّى يصيرَ الفيء ذِراعًا، كما قال عمر. وآخِرُ وقت الظهر أن يزيد الظِّلُّ قامةً بعد الظِّلِّ الذي زالت عليه الشمس، وهو أَوَّل وقت العصر أيضًا. ويُسْتَحَبُّ لمساجد الجماعات أن يُؤَخِّرُوا بعد ذلك قليلاً.
وآخِرُ وقتها أن يصير ظِلُّ كل شيء مثليه بعدَ ظِلِّ الزوال.
ووقت المغرب غيبوبة الشمس، وقت واحد، ووقت العشاء مغيب الشفق، وآخر ثلث اللَّيْل، ويُسْتَحَبُّ لمساجد الجماعة تأخيرها قليلاً ما لم يضُرَّ بِالنَّاسِ.
ووقت الصُّبْح انصداع الفجر إلى الإسفار الأعلى، ويُسْتَحَبُّ التغليس. كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وما رُوِيَ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: «إِذَا كَانَ الشِّتَاءُ فَعَجِّلِ الصُّبْحَ عِنْدَ أَوَّلِ الْفَجْرِ، وَأَطِلْ فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ عَلَى قَدْرِ مَا يُطِيقُ النَّاسُ، وَلا تُمِلَّهُمْ، وَعَجِّلِ الظُّهْرَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ، وَصَلِّ الْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ عَلَى مِيقَاتٍ وَاحِدْ؛ الْعَصْرَ وَالشِّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ إِذَا غَرُبَتِ الشَّمْسُ، وَصَلِّ الْعِشَاءَ وَأَعْتِمْ بِهَا؛ فَإِنَّ اللَّيْلَ طَوِيلٌ، وَإِذَا كَانَ الصَّيْفُ فَأَسْفِرْ بِالصُّبْحِ؛ فَإِنَّ اللَّيْلَ

(1/153)


قصيرٌ، وَالنَّاسُ يَنَامُونَ، وَلا تُعْتِمْ بِالْعِشَاءِ؛ فَإِنَّ اللَّيْلَ قَصِيرٌ، وَلا تُصَلِّهَا قَبْلَ الشَّفَقِ».
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فلِكُلِّ صلاة ثلاثة أوقات إلاَّ المغرب، فوقت واحد، فأول وقت الصُّبْح انصداع الفجر، وآخِرُهُ الْإِسْفَارُ الَّذِي إذَا تَمَّتِ الصَّلَاةُ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ، وَوسَطُ الْوَقْتِ بين هذين. وأَوَّل وقت الظهر زوال الشمس عن وسط السماء، وتميل عن أُفُق مُواجه القبلة، وتكون على حاجبه الأيمن، وأوسطه والفيء ذراعٌ، وآخره أن يصير ظِلُّك مثلك فتَتَّبعَ الصلاة قبل تمام القامة.
وقول ابن حبيب هذا خلاف قول مالك الذي ذكرْناه من المختصر، إذا صار الظلُّ قامة كان وقت الظهر آخِرَ وقته، ووقت العصر أَوَّل وقته. والحديث يَدُلُّ على أن جبريل صَلَّى الظهر في اليوم الثاني في الْوَقْتِ الذي صَلَّى فيه العصر في اليوم الأول، وكذلك قال أشهب، في المجموعة، في باب جَمْعِ الصلاتين، إن القامة وقت لهما يشتركان فيه.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وأَوَّلُ وقت العصر تمام القامة، وآخِرُه تمام القامتين، وأوسَطُه بين ذلك، والمغرب أن يَغْرُبَ آخرُ دَوْر الشمس في العين الحمئة، ويُقبِلَ سوادُ الليلِ من المشرق. وذَكَرَ في العشاء مثل ما في المختصر، قال: والوسط بين ذلك.
قال محمد بن مسلمة: الأوقات ثلاثة؛ وقت واجبٌ، ووقتُ ضرورةٍ، ووقتُ النسيان. ثم يذكُر، قال: ولكلِّ صلاة وَقْتان. فذكر نحو ما تقدَّم. وقال: أَوَّلُ وقت المغرب غُرُوبُ الشمسِ، فإنَّ لِمَنْ شاءَ تأخيرَها إلى مغيب الشفق فذلك له،

(1/154)


وهو منها في وقتٍ غيره أحسن منه، فإذا ذهب الشَّفَق خرج وَقْتُهَا.
ومن المجموعة، قال عليٌّ، عن مالك: الْفَجْر الْبَيَاض الْمُعْتَرِض فِي الْمَشْرِقِ، وليس بِالْبَيَاضِ السَّاطِع قبله. قَالَ ابْنُ نافع: وآخِره الإِسْفَار.
قال مالك: التَّغْلِيس بِالصُّبْحِ لِلْحَاضِرِ والمسافر أَحَبُّ إِلَيَّ، ويُسْتَحَبُّ أن يُصَلِّي الظهر والفيء ذراع في الشتاء والصيف.
قال سَحْنُون: والظلُّ في الْغَدَاة مارٌّ، فلا يزالُ ينقص حَتَّى يقفَ على ظِلِّ نصف النهار يَقِلُّ في الصيف، ثم يكْثُرُ في الشتاء، ثم يَزيد، فمِنْ ثَمَّ يُقاس ذراعٌ فهو الوقت الْمُسْتَحَبُّ، وقد دخل الوقت بأوَّلِ الزيادة والذراع رُبْعُ القامة، فكلما قِسْتَ به فَزِدْ رُبْعَه.
وقال أشهب هذا في غير الحَرِّ، وإمَّا في الحَرِّ فلا يُزادُ بها أَحَبُّ إِلَيَّ، ولا يُؤَخَّرُ إلى آخِرِ وقتها.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عن مالك، في المسافر إذا زالت الشمس أيُصَلِّي الظهر؟ قال: أَحَبُّ إِلَيَّ أن يؤخِّرَ قليلاً.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وأَوَّل وقت العصر القامة. قال أشهب: وأَحَبُّ إِلَيْنَا أن يُزادَ على ذلك ذراعٌ، سيَّما في شدَّة الحَرِّ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وأَحَبُّ إِلَيْنَا للمرء في نفسه أَوَّلُ وقت الصلاة؛ لأنه رضوان الله. وأما للمساجد فما هو أرفق بِالنَّاسِ. فيُسْتَحَبُّ في الصُّبْح في الشتاء أَوَّلُ

(1/155)


الوقت، وفي الصيف وسطُه، وفي الظهر في الصيف وَسَطُه، وبعده قليلاً، وفي الشتاء أَوَّله، والعشاء يُعَجَّلُ في الصيف إذا غاب الشَّفَق، ويؤَخَّرُ في الشتاء شَيْئًا، والعصر والمغرب سواء في الزمنين، ورُوِيَ نحوه للنبي صلى الله عليه وسلم، وعن عمر وغيره.
قال مالك: إلاَّ الجمعة فيُسْتَحَبُّ أن يُعَجَّلَ في الصيف والشتاء حين تزول الشمس، أو بعد ذلك قليلاً، وبه جاء الأثر. ونحوه في المختصر في تعجيل الجمعة.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ويُسْتَحَبُّ في استعجال العصر فيها أكثر من تعجيله في غيرها للرفق بِالنَّاسِ في انصرافهم؛ لأنهم يُهَجِّرون، ولأن الجمعة عُجِّلتْ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، في المجموعة: قلتً لمالك: أبَلَغَكَ تعجيلُ العصر يوم الجمعة؟ قال: ما سمعتُهُ من عالم، وإنهم ليفعلونه، وإن ذلك واسع.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ويُسْتَحَبُّ تأخيرُ العشاء في رمضان أكثر من غيره؛ ليُفْطِرَ الناسُ. وأُبيح لِلْمُسَافَرِ تأخيرها إلى ثُلُثِ اللَّيْل وشطره إذا احتاج، وأما الناس في أنفسهم فتأخيرها لهم عن وقت تأخير الْمَسَاجِد أَحَبُّ إِلَيْنَا، ما لم يُخَفِ النوم، ولا

(1/156)


تؤخَّرُ إلى ثلث اللَّيْل، فذلك تطفيفٌ، ولا إلى نصفه، فذلك خناقها.
وقال أشهب في كتاب آخَرَ: لا بأس أن تؤَخَّرَ إلى ثلث اللَّيْل.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، قال مالك: ويُكْرَه النوم قبلها، والحديث بعدها أكْرَهُ. وقاله ابن المسيب، ورُوِيَ للنبي صلى الله عليه وسلم.
والسُنَّةُ في الغَيْمِ تأخير الظهر، وتعجيل العصر، وتأخير المغرب؛ كي لا يشُكَّ، وتعجيل العشاء أو يتَحَرَّى زوال الْحُمْرَة، ويؤخِّرُ الصُّبْحَ حَتَّى لا يشُكَّ في الْفَجْر. قاله كُلَّه مُطَرِّف، عن مالك.
ومن المجموعة، قال أشهب، في الغيم: يُؤَخِّرُ الظهر حَتَّى لا يشكَّ، وتعجيل العصر، ويؤخِّرُ الصُّبْح والمغرب، ويؤخِّرُ العشاء؛ فإن الصلاة بعد الوقت لمن بُلِي به أهونُ منه قبله، وإن كنتُ أرجو لمَنْ صَلَّى العصر قبل القامة، والعشاء قبل مغيب الشَّفَق، أن يكون قد صَلَّى العصر، وإن كان بغير عَرَفَة، وقد يُصَلِّيها المسافر كذلك عند رحيله من المرحلة والحاجُّ بعرفة، ولو وَصَلُوا إلى مزدلفة قبل مغيب الشَّفَق لَصَلَّوْها حينئذ. وخالفه ابن القاسم في هذا.
قَالَ ابْنُ وهب، عن مالك: إنه كَرِهَ تعجيل الصلاة أَوَّلَ الوقت. قال عنه ابن القاسم: ولكن بعدما يتمكَّنُ ويذهب بعضه. وذَكَرَ هذا عنه ابن القاسم، في المدونة، في الظهر والعصر والْعَتَمَة. قيل لمالك: أيُصَلِّي المسافر الظهر إذ زالت الشمس؟ قال: أَحَبُّ إِلَيَّ أن يؤخِّرَهَا قليلاً.
قال أشهب: ولا أَحَبُّ أن تُصَلَّى صلاة في آخرها وقتها، ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم حَتَّى قُبِضَ، ومَنْ صَلَّى العصر في تَغَيُّرِ الشمس، فقد فاته من وقتها أفضل من أهله وماله، ولا أقول فاته وقتها كله حَتَّى تغرُبَ الشمس.

(1/157)


قال ابن وهب، قلنا لمالك: إن البيوت توارى في الْفَجْر، والناس في المسجد. قال: يتحرَّوْن الْفَجْر، ويركعون.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولكلِّ صلاة من المسنونات وقتٌ مُسْتَنٌّ، فوقت الوِتْرِ من بعد صلاة العشاء إلى أن تُصَلَّى الصُّبْح، ووقتُ الاستسقاء والفطر والأضحى من ضحوة إلى الزوال، ووقت الخسوف من وقت يُرَى إلى أن تَحْرُمَ الصلاة. وهذا قولُ ابن حبيب وابن وهب. وقال ابن القاسم، عن مالك: لا تُصَلَّى بعد الزوال.
وذِكْرُ الوقت في جَمْعِ الصلاتين، ووقت الصلوات في الضرورات، في مَنِ احتلم أو أسلم، وشبه ذلك في أبواب في آخِرِ هذا الجزء من الكتاب.

في الأذان، والإقامة، ومن يلزمُه ذلك وفي مَنْ
تركه، ووقت الأذان، وهل في النوافل أذان،
وقيام الناس فِي الصَّلاَةِ بعد الإقامة، والكلام
حينئذ
من المختصر: ولا يجب النداء على الناس إلاَّ في مساجد الجماعات، ومع الأئمة، ومَنْ يجتمعُ إليه لتأديته، وأما في غير ذلك فلا أذان عليه، ولا أذان على مسافر.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: والمصلِّي في منزله وحده، ومَنْ أَمَّ جماعةً في غير مسجد ليس معهم إمامُ المِصْر الذي تؤَدَّى إليه الطاعةُ، فلا يُسْتَحَبُّ الأذان لهم، إلاَّ

(1/158)


المسافر أو وحيد في فلاة، فيُرْغَبُ في أذانه؛ لما جاء فيه. وقاله ابن المسيب، ومالك. وإن أقام فقد فواسعٌ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك في المجموعة: وإن صَلَّى الصبي لنفسه فليُقِمْ.
قال مالك، في المختصر: ولا أذان في نافلة، ولا عيد ولا خسوف، ولا استسقاء.
ومن غير كتاب: ومَنْ ذَكَرَ صلوات، فليُقِمْ لكُلِّ صلاة.
ومن المجموعة، قال أشهب: وإن ذكَرَ قومٌ ظُهْرَ أمس، فلهم قضاؤها بإمام. يريد: منهم. قال: ولْيُقِمْ، ولا يؤذِّنُ؛ لأن الأذان يَزيدها فَوْتًا. وكذلك لو ذكروها مُفاوِتِين لوقتها، فخافوا إن أذَّنُوا فوتها، فليُقِيموا ويجمعوا. قيل: فإن خافوا فوتها بالإقامة؟ قال: الإقامة أخفُّ، وإن كان هذا يكون فصلاتهم إياها في الْوَقْتِ بغير إقامة أَحَبُّ إِلَيَّ من فوتها ويقيموا.
قال مالك في المختصر: ومَنْ دخل بتكبيرة في آخِرِ جلوسِ الإمام، فلا يُقِيمُ، فإن لم يُكَبِّرْ أقام.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال أشهب، عن مالك: ومَنْ أدرك السجدة الآخِرَةَ من

(1/159)


الجمعة فلم يسجدها، فليبتدئ الصلاة بإقامة.
قال سَحْنُون، فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: يَبْنِي على إحرامه ظُهْرًا إن كان أَحْرَمَ.
قال مالك، في المختصر: ومَنْ أذَّنَ في غير الوقت في غير الصُّبْحِ أعاد الأذان.
قال عنه ابن نافع، في المجموعة: ومن أذَّنَ قبل الوقت، وصَلَّى في الْوَقْتِ، فلا يُعِيدُ.
أشهب: وكذلك في الإقامة.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ويؤذّن لِلصُّبْحِ وحدَها قبل الْفَجْر، وذلك واسع من نصف اللَّيْل، وذلك آخِرُ أوقات العشاء إلى ما بعد ذلك.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال عبد الملك بن الحسن، عَنِ ابْنِ وهب: لا يؤذَّنُ لِلصُّبْحِ قبل السدس الآخِر من اللَّيْل. وقاله سَحْنُون.
ومن المجموعة، قال أشهب، وعبد الملك: ومَنْ أقام في الْوَقْتِ ثم أخَّرَ الصلاة حَتَّى تباعد وصَلَّى، فهو كمَنْ صَلَّى بغير إقامة ولا يُعِيدُ.
قال موسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في الْعُتْبِيَّة: ومَنْ صَلَّى بغير أذانٍ ولا إقامة، فلا يُعِيدُ.
وذكر ابن سَحْنُون، أن ابن كنانة قال: مَنْ صَلَّى بغير إقامة عامِدًا، فَلْيُعِدِ الصلاة.
ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك: ومن ترك الإقامة جَهْلاً حَتَّى أَحْرَمَ، فلا يقطعُ، ولو أنه بعدما أحْرَمَ أقام، فقد أساءَ، وليستغفر الله.

(1/160)


قال عليٌّ: قيل لمالك: إذا أُقيمت الصلاة متى يقوم الناس؟ قال: ما سمعتُ فيه حَدًّا، وليقوموا بقَدْرِ ما إذا اسْتَوَتِ الصفوفُ فَرَغَتِ الإقامة.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا بأس بشرب الماء بعد الإقامة، وقبل التكبير.
قال مالك، في المختصر: وإذا أَحْرَمَ الإمام فلا يتكلَّمْ أَحَدٌ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: كان ابن عمر لا يقوم حَتَّى يسمع: (قد قامت الصلاة).
في هيئة الأذان، والتطريب فيهن والدوران،
والرُّكُوع بأثره، واستقبال القِبلة فيه، والأذان
في داخل المسجد، وعلى المنار، وذِكْرِ التثويب
من المجموعة، قَالَ ابْنُ نافع، وعليٌّ عن مالك: التكبير في الأذان والإقامة سواءٌ، "الله أكبر. الله أكبر" يُثَنِّيه ولا يُرَبِّعه.
ورَوَى عنه أشهب في الْعُتْبِيَّة نحوه.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال مالك: التطريب في الأذان مُنْكَرٌ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وكذلك التحزين لغير تطريب، ولا يَنْبَغِي إماتة حروفه، والتَّغَنِّي فيه، والسُّنَّةُ فيه أن يكون مُرْسَلاً مُحْدَرًا مُسْتَعْلَنًا: يُرْفَعُ به الصوت، ولا يُدْمَجُ، وتُدْمَجُ الإقامة.

(1/161)


قال غيره، قال النخعي: الأذان جَزْمٌ، والتكبير جَزْمٌ.
ومن المجموعة، قال أشهب: وأَحَبُّ إِلَيَّ في المغرب أن يَصِلَ الإقامة بالأذان، ولا يفعل ذلك في غيرها، فإن فعلَ أجزأهم، ولْيُؤَخِّرِ الإقامة في غيرها لانتظار الناس.
ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك في مؤذِّنٍ أقام الصلاة فأخَّرَهُ الإمام لأمر يريده، فإن كان قريبًا كفَتْهُم تلك الإقامة، فإن بَعُدَ أعاد الإقامة.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا يُؤَذِّنُ في المغرب - يريد: على المنار- إلاَّ مُؤَذِّنٌ واحدٌ، ولا بأس أن يتمهَّل بعد أذانه شَيْئًا في نزوله ومشيه، ثم يُقِيمُ.
قال مالك في المختصر: وإذا أقام، فتأخَّرَ الإمام قليلاً، أجزأهم، فإن تباعدَ أعاد الإقامة، ولا يُقِيمُ أحدٌ في المسجد بعد إقامة المُؤَذِّنِ.
قال في الْعُتْبِيَّة: ولا في نفسه، فإن فعل فهو مخالِفٌ.
ومن الْعُتْبِيَّة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لا بأس أن يخرج الْمُؤَذِّن في الإقامة خارج المسجد، إن كان ذلك ليُسْمِعَ مَنْ حوله وقُرْبَه، وإن لم يُرِدْ ذلك، فذلك خطأ.
ومن المجموعة، قال عليٌّ، عن مالك، في الإقامة خارج المسجد: فإن كان على المنار، أو ظَهْرِ المسجد، فلا بأس، وإن كان ليخُصَّ رجُلاً يُسْمِعُه، فَلْيُقِمْ داخل المسجد أَحَبُّ إِلَيَّ.
قيل لأشهب: أَيُؤَذَّنُ على المنار، أو في صحن المسجد؟ قال: أَحَبُّ إِلَيَّ من الأذان أسْمَعُه للقوم، وأَحَبُّ إِلَيَّ في الإقامة أن يكون في صحن المسجد، وقُرْبَ

(1/162)


الإمام، وكُلٌّ واسعٌ، وأَحَبُّ إِلَيَّ أن يَرْفَعَ صوته بِالأَذَانِ والإقامة.
قال سَحْنُون، في الْعُتْبِيَّة، وإذا كان الْمُؤَذِّن على المنار يُعايِنُ مَنْ في الدُّور مِمَّنْ يقرب منه أو يَبْعُدُ، مُنِعَ من ذلك، وهذا من الضَّرَرِ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ورُوِيَ أن بلالاً كان يجعلُ إصبعيه في أذنيه إذا أذَّنَ، ويَسْتَقْبِلُ القبلة، يستدير بوجهه في أذانه وبدنه قائم إلى القبلة، ثم يستقبل القبلة بوجهه في آخر ذلك. وذلك واسعٌ لمن فعله أو تركه من التفاته، وجعله إصبعيه في أذنيه، وأَحَبُّ إِلَيَّ أن يجعل إصبعيه في أذنيه. وفي المدونة: وأنكر مالك دورانه لغير الإسماع.
قال في المختصر: ولا بأس أن يستدير عن يمينه وشماله وخَلْفِه. والرُّكُوع بإثر الأذان واسعٌ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أن يركع بإثر الأذان إلاَّ في المغرب. وقاله ابن شهاب.
ومن المجموعة قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وعليٌّ، عن مالك: وليس عليه استقبالُ

(1/163)


القبلة في أذانه، وواسعٌ له أن يؤذِّنَ كيف تَيَسَّرَ عليه.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال مالك: والتثويب مُحْدَثٌ مُبْتَدَعٌ.
ورَوَى أشهب، في الْعُتْبِيَّة، قال: ليس ذلك بصواب.
قال عنه ابن وهب، في المجموعة: التثويب بعد الأذان في الْفَجْر في رمضان، وغيره مُحْدَثٌ. وكَرِهَهُ.
قال عنه عليُّ بن زياد: وتَنَحْنُحُ الْمُؤَذِّنِ في السَّحَرِ في رمضانَ مُحْدَثٌ. وكَرِهَهُ.
قال: ولم يبلغني أن السَّلام على الإمام كان في الزمن الأول، وبلغني أن الْمُؤَذِّنَ جاء يؤذن عمرَ بالصلاة فوجده نائمًا، فقال: الصلاة خير من النوم. فقال له: اجعلها في نداء الصُّبْح.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ورُوِيَ أن بلالاً قال ذلك في نداء الصُّبْح، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يزيدها في الأذان. قال: ومعنى حيَّ على الصلاة هَلُمُّوا إلى الصلاة.

(1/164)


في عَدَدِ المؤذِّنِين، ومَنْ يُؤَذِّنُ لطائِفَتَيْنِ، ومكان
الْمُؤَذِّنِ، والدُّعَاء حِينَئِذٍ
من المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لا بأس أن يتخذ في غير الجامع مؤذنين وثلاثة وأربعة.
وقال مالك، في القوم في السفر أو الحرس أو المركب: فلا بأس أَنْ يُؤَذِّنَ لهم ثلاثة أو أربعة.
قال عنه عليٌّ: ولا بأس أن يُتَّخَذَ في الجامع أربعة مؤذِّنين وخمسةٌ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وقد أَذَّنَ للنبي صلى الله عليه وسلم أربعةٌ؛ بلالٌ , وأبو محذورة، وابن أم مكتوم، وسعدُ القَرَظ، ورأيتُ بِالْمَدِينَةِ ثَلاثَةَ عَشَرَ مُؤَذِّنًا، وكذلك مكة، يُؤَذِّنون معًا في أركان المسجد، إلاَّ أنَّ كُلَّ واحد لا يقتدي بأذان صاحبه. ولا بأس أن يُؤَذِّن واحد بعد واحد، مثل الخمسة والعشرة، فيما وقته واسع، كالصبح والظهر والعشاء، وفي العصر مثل الثلاثة إلى الخمسة، ولا يُؤَذِّن في المغرب إلاَّ واحد.
ومن المجموعة، قال أشهب، في مَنْ أذَّنَ لقوم، وصَلَّى معهم، فلا يُؤَذِّن لآخرين ويُقيم، فإن فعل ولم يُعِيدُوا حَتَّى صَلَّوْا أجزأهم.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال موسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في قوم بنوا مسجدًا، فتنازعوا فيه، فاقتسموه بجدار، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وأشهب: ليس لهم قَسْمُهُ. قال أشهب: فإن فعلوا لم يجزهم مُؤَذِّن واحد ولا إمام واحد.
قال في المجموعة: قَالَ ابْنُ نافع، وعليٌّ عن مالك: ولا بأس أن يقول كقول الْمُؤَذِّن مَنْ في النافلة، ويدعو بما أحبَّ.

(1/165)


قال سَحْنُون: لا يقول كقوله في فرض ولا نافلة.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وقَالَ ابْنُ وهب: لا بأس أن يقول مثله في الفرض والنافلة. واسْتَحَبَّهُ ابن حبيب.
ومن المجموعة، وفي رِوَايَة ابن القاسم، قيل: إذا قال مثله أيُثَنِّي التَّشَهُّد؟ قال: يكفيه التَّشَهُّدُ الأول، وله أَنْ يُعَجِّلَ فيه. قال عنه عليٌّ: وبعده أَحَبُّ إِلَيَّ.
ومن الْعُتْبِيَّة، ابن القاسم، عن مالك: وعن مَنْ في المسجد إذا أُقيمتِ الصلاة، أيُقيمها في نفسه؟ قال: لا.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: جاء الترغيب في القول كقول الْمُؤَذِّن، فقيل: إنه إلى حَدِّ التَّشَهُّدِ، نو كان عمرُ إذا قال: حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح. قال: لا حول ولا قوة إلاَّ بالله. ثم يقول مثله في بقية أذانه، وهو أَحَبُّ إِلَيَّ. وكانت عائشة تقول: شَهِدْتُ، وآمَنْتُ، وأَيْقَنْتُ، وصَدَّقْتُ، وأَجَبْتُ دَاعِيَ اللهِ، وكفَيْتُ مَنْ أَتَى أَنْ يُجِيبَهُ. وكُلٌّ حَسَنٌ. والدعاء حينئذ تُرْجَى بَرَكَتُهُ، وعند الزَّحْفِ، ونُزُولِ الْغَيْثِ، وتلاوة القرآن.
في أذان الجُنُبِ، والمُحْدِثِ، والصبيِّ،
والعبد، وذي الزَّمَانَةِ، والأعمى، ومَنْ لا
يُرْضى، وأذانِ الرَّاكِبِ والمُؤْتَزِرِ
قال مالك، في المختصر: والأذان على وضوء أفضل.

(1/166)


ومن الْعُتْبِيَّة رُوِيَ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، أنه لا يُؤَذِّن الجُنُب. وقال سَحْنُون في كتاب آخر: لا بأس بذلك في غير المسجد.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال أشهب عن مالك: ولا يُؤَذِّن الصبي، ولا يقيم، إلاَّ أن يكون مع نساء. أو بموضع لا يوجد غيره فليؤذن، ويقيم.
قال عنه ابن القاسم، في المجموعة: وإن صَلَّى لنفسه، فليقم. وقال في المختصر: ولا يُؤَذِّنُ –يريد: للناس- إلاَّ مَنْ بلغ.
ومن المجموعة، أشهب: وإذا كان مُؤَذِّنُ قوم أو إمامُهم لا يُرْضَى، فَلْيُقَدِّمُوا خيرًا منه، ولا يُعِيدُوا ما صلَّوْا كذلك.
ويَنْبَغِي أن يكون الْمُؤَذِّن من أفضل أهل الحيِّ، وإذا أذَّن أو أقام لقوم سكرانُ أو مجنون، لم يُجْزِهِم، فإن صَلَّوْا فلا يُعِيدُوا.
ومَنْ أَذَّنَ لقومٍ، ثم ارتدَّ، فإن أعادوا فحسنٌ، وإن اجْتَزَوْا بذلك، أجزأهم.
قال أشهب: والأعمى أَجْوَزُ أذانًا عندي وإقامةً من العبد إذا سُدِّد للوقت والقبلة، ثم العبد إذا كان رضًى، ثم الأعرابيُّ إذا كان رِضًى، ثم ولدُ الزِّنا، كُلٌّ جائزٌ به مُؤَذِّنًا وإمامًا.
ومن كتاب أبي الفرج البغدادي لمالك: ولا بأس أن يُؤَذِّن قاعدًا، وراكبًا، وجُنُبًا، ومَنْ لم يحتلمْ، وأما الإقامة فلا.
قال أبو بكر الأبهريُّ: وإِنَّمَا يُكْرَهُ أن يُقيمَ مَنْ ليس على طهارة؛ لتكون الصلاة متصلة بالإقامة، لا عمل بينهما، وكذلك إقامة الراكب؛ لئلاَّ يعمل بعدها عملاً غير الصلاة ومَنْ له عمل.

(1/167)


وقد رَوَى عنه ابن وهب، أنه لا بأس أن يُقِيمَ الراكب. وكأنه اسْتَخَفَّ نزوله في هذه الرواية.
وفي المختصر: ولا يقيمُ إلاَّ بالأرض.
ومن المجموعة، قال أشهب: ومَنْ أذَّنَ وأقام في تُبَّانٍ من شَعْر، أو سراويل، فليُعِدْهما إنْ لم يُصَلُّوا. ومَنْ صَلَّى في تُبَّانٍ من شعر، أو سراويل، أعاد في الْوَقْتِ. يريد: استحبابًا. وخالفه ابن القاسم.

في السهو في الأذان، والكلام فيه
والرعاف، والإغماء ونحو ذلك
قال مالك في المختصر: ولا يتكلَّمُ الْمُؤَذِّن في أذانه، ولا يرُدُّ سلامًا، ولا يأمر بحاجة. قال مالك في المدونة: ولا يُسَلِّم على المُلَبِّي في تلبيته. قال في غير المدونة: وكذلك الْمُؤَذِّن.
في مختصر الْوَقَارِ: ولا يَرُدُّ الْمُؤَذِّنُ السَّلام في أذانه كلامًا، ولا بأس أن يرُدَّ إشارة.
ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لا يتكلَّمُ في أذانه، فإن فعل بنى،

(1/168)


إلاَّ أن يخاف على صبيٍّ أو أعمى أو دابَّةٍ أن تقع في بئر، وشبه ذلك، فليتكلَّمْ، ويَبْنِي.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإن عَرَضَتْ له حاجة مُهِمَّةٌ، فليتكلَّمْ، ويبني.
ومن المختصر: وإن أراد أن يقيم فأَذَّنَ، أو يُؤَذِّنَ فأقام، فَلْيُعِدْ حَتَّى يكون على نية.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال أَصْبَغُ: إذا أراد أن يُؤَذِّن فأخطأ فأقام، فليبتدئ، ولو أراد الإقامة وأَذَّنَ، أجزأه لِلاخْتِلافِ فيه.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قول مالك أَحَبُّ إِلَيَّ.
ومن المجموعة، قال أشهب ومن أخذ في الإقامة، فذَكَرَ أنه الأذان فشفعها بقول: قد قامت الصلاة، فيجزئه؟ قال: بل يبتدئ في الإقامة. وإلاَّ فهو كمن صَلَّى بغير إقامة. وكذلك في الأذان يظنُّه الإقامة. وإن بدأ بالتَّشَهُّدِ بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل قوله: أشهد أن لا إله إلاَّ الله. فَلْيَقُلْ بعد ذلك: أشهد أن محمدًا رسول الله.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ومَنْ سَهَا عن بعض أذانه، فإن ذكر في مقامه، وكان قد ترك جُلَّ أذانه، فَلْيُعِدْ من موضع نسي، وإن كان مثل: حيَّ على الصلاة. مَرَّةً، فلا يُعِيدُ شَيْئًا، وإن تباعد فلا يُعِيدُ لما قَلَّ ولا ما كَثُرَ. وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وأصبغ.
ومن الْعُتْبِيَّة، رَوَى موسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في مَنْ رَعَف في الإقامة أو أَحْدَثَ، فليقطع، ويقيم غيره، وإن رعف في أذانه تَمَادَى، وإن قطع وغَسَلَ الدم، فليبتدئ، ولا يبني. وإن أقام غيره الأذان حين خرج فليبتدئ.
ومن المجموعة أشهب: وإن أخذ في الإقامة، فمات، أو أصابه لَمَمٌ، أو

(1/169)


أُغْمِيَ عليه، ثم أقام غيره، فأَحَبُّ إِلَيَّ أن يبتدئ، فإن بنى على ما بلغ الأول أجزأه.
ومن أُغْمِيَ عليه في إقامته، ثم أفاق، فَأَحَبُّ إِلَيَّ أن يبتدئ، وإن لم يبتدئ أجزأه. يريد: وقد بنى. قال: وليس كمن صَلَّى بغير إقامة. وأراه يريد: وقد تَوَضَّأَ بعد أن أفاق، أو يكون ذهب إلى أن الإقامة على غير وضوء تُجْزِئُهُ.

في الإِحْرَام، ورفع الْيَدَيْنِ، والتوجه
من المستخرجة قال سَحْنُون: ومن قال في إحرامه: "الله أجلُّ، الله أعْظَمُ، الله أعَزُّ". لم يُجْزِهِ، وأعاد أبدًا.
قال مالك في المختصر: ويرفع يديه حذو منكبيه. قلتُ: بالتوجه؟ قال: ليس بواجب، والواجب التكبير، ثم القراءة.
ومن المجموعة، ابن القاسم، قال مالك: لا يرفع يديه إلاَّ في الإِحْرَام شَيْئًا خفيفًا، والْمَرْأَة كذلك. قال عنه عليٌّ فِي الْمَرْأَةِ: ما بلغني ذلك، ويُجْزِئها أن ترفع أدنى من الرَّجُلِ.
قال عنه ابن وهب: ولا بأس أن يُحْرِمَ الرجل ويداه في ساجِه.
ومن سماع ابن وهب، قيل لمالك: أيَرْفَعُ يديه إذا رَكَعَ، وإذا رفعَ رأسَهُ من الرُّكُوع؟ قال: نعم.
قال عنه ابن القاسم، في الْعُتْبِيَّة: ولا يُعْجِبُنِي رفع الْيَدَيْنِ فِي الصَّلاَةِ للدعاء، فأما التكبير في الرُّكُوع ورفع الرأس، فقال: رُوِيَ. وليس بالأمر العامِّ. يريد: المعمول به.

(1/170)


قال عنه أشهب: ويرْفَعُ الإمام يديه إذا رفع رأسه هو ومَنْ خلْفَه، ولا ينتظرون أن يقولوا: سمع الله لمن حمده. وليس الرفع باللازم، وفيه سعة. قال: ورأيتُ مالكًا خلفَ الإمام رفع في الإِحْرَام حذو صدره, ولم يرفع حين ركع، ولا حين رفع.
ومن كتاب آخر، رَوَى يحيى بن سعيد القطان، عن مالك، عن نافع، عَنِ ابْنِ عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه في الإِحْرَام حذو صدره.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك، في القول بعد الإِحْرَام: سبحان اللهم ربنا ولك الحمد. قال: قد سمعتُ ذلك يقالُ , وما به من بأس لمن أحبَّ أن يقوله. قيل: فالإمام يُكَبِّرُ فقط ثم يقرأ؟ قال: نعم.
قال عنه ابن القاسم، في المجموعة: وإذا كبَّرَ الرجل في صلاته قرأ ولو كان ما يذكر من التوجيه حقًّا لهم، فقد صَلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخلفاء بعده، والأمراء من أهل العلم، فما عمل به عندنا.
قال عنه ابن وهب: والذي أدركت عليه الأئمة، وسمعنا من علمائنا أن يكبِّروا، ثم يقرءوا.
وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا يقول بعد الإِحْرَام ما يُذْكَرُ من التوجيه، ولا بأس به لمن شاء أن يفعله قبل الإِحْرَام.

(1/171)


في قِرَاءَة بسم الله الرحمن الرحيم في الفرائض
والنوافل، وذِكْرِ التعدُّدِ في القراءة
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وغيره: والثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده، كانوا لا يَفْتَتِحون في الفريضة ببسم الله الرحمن الرحيم، وهو الفاشي قولاً وعملاً، وإن كان بعض الصحابة – يريد ابن عباس – افتتح بها، وأسرَّها بعض التابعين، فإن ما تظاهر به العملُ أَوْلَى، وأما في النافلة فَيَفْتَتِحُ بها إن شاء، وفي السورة أيضًا إن شاء فعلَ أو تَرَكَ، إلاَّ أن يُوَاليَ بين السُّوَرِ، فيُؤْمَر أن يفصل بها بين السور.
ومن الْعُتْبِيَّة، أشهب عن مالك: ولا يقرأ بها في النافلة إلاَّ مَنْ يَعْرِضُ القرآن.
قال في المختصر: ولا بأس لمن يعرض القرآن في نوافله أن يقرأ بها. يريد: بين السور.
قال عنه ابن القاسم، في الْعُتْبِيَّة: وأما النفل فليفتتح بالحمد لله رب

(1/172)


العالمين، ويقرأ بعد ذلك بسم الله الرحمن الرحيم في افتتاح كل سورة، إذا والى بين السور. قال: ولا يَقْرَأُ بها في أَوَّل براءة.
قال عبد الملك بن الحسن، عَنِ ابْنِ وهب: وإذا سجد في آخر الأعراف، ثم قام فليفتتحْ بها في الأنفال. قال: وهو قول مالك في النوافل وقيام رمضان. قال أَصْبَغُ: فيما يوالي فيه بين السور في اللَّيْل أو النهار. قال أشهب: وليس ذلك عليه.
قال أبو زيد، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في مَنْ أوتر بالمعوذتين، قال: تَرْكُ قِرَاءَتِهِ بها بينهما أَحَبُّ إِلَيَّ.
ومن المجموعة, قال عليُّ بن زياد، في قول الله تعال: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} (النحل: 98)، قال: ذلك عندي بعد أُمِّ القرآن، لمن قرأ القرآن في غير الصلاة.

في القراءة فِي الصَّلاَةِ، وترتيبها، وصفتها
للإمام والمأموم، والسهو في ذلك، والجهر في
النوافل، وتكرير السورة فيها
من المجموعة، قال عليٌّ، عن مالك: الأمرُ عندنا أن يُسْمِعَ الإمام مَنْ خَلْفَهُ قراءته مَنِ استطاع.
قال عنه ابن القاسم: وإذا جَهَرَ الفذُّ فيما يُسَرُّ جَهْرًا خفيفًا فلا بأس. قال عنه نافع: يُسْمِعُ نفسه في بعضها، ولا يُسْمِعُها في البعض، إلاَّ أنه يُحَرِّكُ لسانه.

(1/173)


ومن الْعُتْبِيَّة، قال سَحْنُون: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذا حرَّك لسانَه، في الظهر والعصر، ولم يُسْمِعْ نفسه أجزأه، ولو أسمع يسيرًا، كان أَحَبُّ إِلَيَّ.
قال: وكَرِهَ مالك النَّبْرَ في القراءة، ولم يُعْجِبْهُ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: كَرِهَ مالك النَّبْرَ والتحقيق في القراءة. فِي الصَّلاَةِ وغيرها، وليس ذلك من شأن الفقهاء والفصحاء.
ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك: أطْوَلُ الصلوات قِرَاءَة الصُّبْح والظهر، ويُخَفِّفُ العصر والمغرب.
قال في المختصر: والعشاء أَطْوَلُ منهما.
قال أشهب، في المجموعة: قِرَاءَة الصُّبْح للإمام والفَذِّ أطول، والظهر نحوها.
واسْتَحَبَّ يحيى بن عمر في الصُّبْح أطول من الظهر.
قال أشهب: وفي العصر والمغرب بقصار المُفَصَّلِ، والعشاء فيما بين طُول هاتين وقصر هاتين.
قال عليٌّ، عن مالك: يقرأُ فيها بالحاقَّة ونحوها.
قال عنه ابن القاسم، فيه وفي الْعُتْبِيَّة، من سماع ابن القاسم: كان أبو بكر ابن حزم يُطَوِّلُ، ويقرأُ في الظهر بنحو الكهف.
قال في المجموعة: وقرأ في الصُّبْح في السَّفَرِ بعد أن أسْفَرَ ببراءة.
قال مالك: ولا بأس أن يَقْرأ المسافر فيه بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ}. وقاله في الْعُتْبِيَّة، في الظهر، فأما: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} فقصارٌ جدًّا.

(1/174)


كأنه يقول: لا.
قال أشهب، في المجموعة: والإمام أَخَفُّ من الفَذِّ في الْقِيَام، والقراءة، والرُّكُوع، والجلوس؛ لأنه يُصَلِّي بصلاة أضعفهم.
ومن الواضحة، قال: والصُّبْح والظهر نظيرتان في طول القراءة، ويُسْتَحَبُّ أن تكون الركعة الأُولَى أَطْوَلَ، ويَقْرَأُ فيهما من البقرة إلى طِوَال الْمُفَصَّلِ، إلى {عَبَسَ وَتَوَلَّى}. والعصر والمغرب نظيرتان يقرأ فيهما من {وَالضُّحَى} إلى أسفل، وأَحَبُّ إِلَيَّ أن يَقرَأُ الإمام بأطول ذلك في العصر. قال: والعشاء أطولُ، مثل: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} ونحوها. وهذا ما استحسن الناس من التقدير، وجاءتْ به الآثار، ولو قرأ بسور العشاء في المغرب ما كان به تأثير.
وأرخص مالك لِلرَّجُلِ يبادِرُ التجارةَ، أو يُستغاثُ به أو يُدْعَى لمَيِّتٍ يموتُ، وهو في الصُّبْح والظهر، أن يقرأ بالسورة القصيرة، وكذلك المسافر يُعْجلُه الكَرِيُّ وأصحابُه. ومن انتَبَهَ قُرْبَ طلوع الشمس، فخاف فوات الوقت، فله أن لا يُطَوِّلَ، وأن يقرأ من قصار سُوَرِها، وإن طَوَّلَ فَحَسَنٌ، وإما إن انتبه وقد خرج وقتها فَلْيُتِمَّ قراءتها.
قال مالك، في المختصر: وقِرَاءَة السور القصار في الصُّبْح خير من الجالس بالسور الطِّوَال. يقول: لمن به ضعف. قال: وإن افتتح الرَّجُل في الصُّبْح بسورة قصيرة فَلْيَدَعْهَا، ويقرأ طويلة.
قال في المجموعة: إلاَّ أنْ يطُولَ ذلك، فَلْيُتِمَّهَا، ويقرأ طويلة.
وقال أبو زيد، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في الْعُتْبِيَّة: ومن أراد أن يقرأ في الصُّبْح {تبارك} فافتتح فيها بـ {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} فَلْيُتِمَّهَا، ويقرأ طويلة، كان

(1/175)


إمامًا أو فَذًّا، وقد كان ابن عمر يقرأ بثلاث سور. يريد: في ركعة.
قال في المختصر: ولا بأس أن يقرأ سورتين وثلاثًا في ركعة، وبسورة وَاحِدَة أَحَبُّ إِلَيْنَا، ولا يقرأ سورة في رَكْعَتَيْنِ، فإن فعل أجزأه. قال مالك في المجموعة: لا بأس به.
وما مَرَّ من البيان، قال عنه عليٌّ، وابن القاسم: إذا بدأ بسورة وختم بأخرى، فلا شيء عليه، وقد كان بلال يقرأ من غير سورة. وإذا خرج من سورة إلى أخرى فيها سجدة ساهيًا، فإن قرأ من الأخرى يسيرًا، فليسجد السجدة، ويعاود الأولى، وإن قرأ جُلَّها سجد، وأتمَّها وركع.
قال موسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في الْعُتْبِيَّة: ومن افتتح بسورة طويلة، ثم أدركه مللٌ فركع ببعضها، فلا شيء عليه.
ومن الواضحة: وإذا افتتح في العصر بسورة طويلة سهوًا، فإن ذَكَرَ في أَوَّلها تركها، وإن قرأ بعضها أو جُلَّها ركع بذلك، ولو افتتح بقصيرة مكان طويلة، فليتركها، فإن أتمَّها قرأ معها غيرها، فإن ركع معها فلا سجود عليه، وإن قرأ في الثانية السورة التي قرأ في الأولى فَلْيُتِمَّهَا، إذا كان في أَوَّلها أو وسطها. قاله مالك، وإذا بدأ بالسورة قبل أم القرآن، قرأ أم القرآن، وأعاد السورة، ولا سجود عليه.
قال مالك: وإن كان يعتريه هذا كثيرًا، لم يُعِدِ السورة.
ومن ابتدأ سورة بِنِيَّتِها، فركع قبل تمامها، فلا شيء عليه.

(1/176)


ومن المختصر: ولا بأس أن يقرأ في الثانية بأطول من قراءته في الأولى، ولا بأس أن يقرأ في الثانية سورة قبل التي قرأ في الأولى، وقراءته بالتي بعدها أَحَبُّ إِلَيْنَا.
ومن الْعُتْبِيَّة من سماع ابن القاسم، قال مالك: كلُّه سواءٌ، ولم يَزَلْ ذلك من عَمَلِ الناسِ. وقاله سَحْنُون.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال أشهب، عن مالك: ولا بأس أن يرفع صوته بالقراءة إذا تَنَفَّلَ في بيته، ولعلَّه أنشط له وأقوى، وكانوا بِالْمَدِينَةِ يرفعون أصواتهم بذلك في جوف اللَّيْل.
قال في المختصر: لا بأس أن يَجْهَر في النافلة بالليل والنهار. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: والجهر فيها بالليل أفضل.
ومن الْعُتْبِيَّة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك، سئل عن تكرير: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} في النافلة، فكَرِهَه، وقال: هذا مما أحدثوا.
في لصلاة من لا يقرأ، وفي مَنْ قرأ بغير القرآن،
وفي الإمام ينحصر عن القراءة أصلاً أو يدَعُها
في الآخرتين
من الْعُتْبِيَّة قال أشهب، عن مالك، في الأعجمي يُصَلِّي، ولا يعرف القرآن، قال: فَلْيَتَعَلَّمْ.

(1/177)


قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وإذا قام مأموم لقضاء ما فاته، وهو أُمِّيٌّ لا يُحْسِنُ يقرأ، فيقضي كيف تيسَّرَ. يريد: يسبِّحُ، ويذكر الله، ويركع. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ويَنْبَغِي لمثل هذا ألا يُصَلِّيَ إلاَّ مأمومًا، حَتَّى يَتَعَلَّمَ ما يُصَلِّي به.
قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إن صَلَّى قارئ خلْفَ مَنْ لا يُحْسن القرآن أعاد الإمام والمأموم. يريد: لأن الأُمِّيَّ وجد قارئًا يَؤُمُّ به، فترك ذلك.
ومن المجموعة، قال أشهب: ومن قرأ في صلاته بشيء من التوراة والإنجيل والزبور، وهو يُحسن القرآن، أو لا يُحسن، فقد أفسد، وهو كالكلام، ومن يعلم أن ذلك من هذه الكتب، وكان عليه إن لم يُحسن القرآن أن يذكر الله. ولو قرأ شعرًا فيه تسبيح وتحميد لم يُجْزِه، وأعاد الصلاة.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال أبو زيد، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: لو عَلِمْتُ أن أحدًا لا يقرأ في الركعتين الآخرتين، ما صَلَّيتُ خلْفَه. يريد: لأن بعض الناس ذهب إلى أن يُسَبِّحَ فيها من غير قِرَاءَة.

في القراءة خلف الإمام، وذكر التلقين، وفي
تعايِّ الإمام، وذكر التأمين
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: اختلف السلف في القراءة خلف الإمام، فيما يُسَرُّ به، فذَكَرَ ابن حبيب، عن تسعة من الصحابة، وستة من التابعين، وعن أصحاب ابن

(1/178)


مسعود، كانوا لا يقرءون مع الإمام فيما أسَرَّ فيه، ولا فيما جَهَرَ. وذَكَرَ عن ستة من التابعين أنهم كانوا يقرءون معه فيما أسرَّ فيه. وقال مالك وأصحابه بالقراءة خلْفَه فيما أسَرَّ، إلاَّ ابن وهب، فقال: لا يقرأ. وقال الليث وعبد العزيز كقول مالك. وإِنَّمَا النهي عن القراءة معه فيما جَهَرَ للاستماع، فإما فيما أسَرَّ فلا وجه له.
وذكر ابن الْمَوَّاز، أن أشهبَ كان لا يقرأ خلفه فيما يُسرُّ، قيل له: أفَيَقْرَأ خلفه في صلاة الخسوف؟ قال: لا. قال أَصْبَغُ: بل يقرأ.
ومن المجموعة، ابن نافع، عن مالك في الإمام في صلاة الجهر: فإذا كَبَّر أمسك عن القراءة، فلا أرى أن يقرأ مَنْ خلفه في سكتة أم القرآن، وإن كان قبل قراءته.
ومن الْعُتْبِيَّة، ابن القاسم، عن مالك: ومن فرغ من السورة قبل الإمام، فليقرأ غيرها.
وقال في المختصر: إن شاء قرأ وإن شاء دعا، وإن شاء ترك، وإن لم يفرغ منها فليبتدئ في الثانية سورةً أخرى أَحَبُّ إِلَيْنَا، وإن لم يفرغ من الآية حَتَّى ركع الإمام، فليركع معه ولا يُتِمُّها.
ومن الْعُتْبِيَّة، أشهب، عن مالك: وإذا تعايى فله أن يتفكَّرَ تفَكُّرًا خفيفًا، فإن ذَكَرَ وإلاَّ خَطْرَف ذلك، وأو ابتدأ سورة أخرى.
قال عنه ابن القاسم: إذا أخطأ، ولُقِّنَ، فلم يَلْقَنْ، فلا بأس أن يتعوَّذَ، فإن لم يتعدَّها فواسع أن يركعَ، أو يقرأ عليها. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وأَحَبُّ إِلَيَّ أن يقرأ غيرها.
ومن المختصر: ولا بأس أن يفتح على الإمام في المكتوبة والنافلة، وأن يفتح

(1/179)


مَنْ ليس في صلاة على مَنْ هو في صلاة، ولا يفتح مَن في صلاة على من في صلاة إلاَّ على إمامه.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا يُلَقَّنُ المُصَلِّي مُصَلِّيًا ليس معه في صلاة، فإن فعل فقد أساء، ولا يُعِدْ لهذا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، في المجموعة: قد أفسد صلاته، وهو كالكلام.
قال أشهب: رجل في صلاة ورجل جالس يَتَعَلَّم القرآن، فاستفتح ففتح عليه المُصَلِّي، فبئس ما صنع، ولا تفسد صلاته، وقد يجوز به الرجل فيُسَبِّحُ به، ليدعوه.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا يَنْبَغِي أن يُلَقَّنَ القارئ – يريد: الإمام – وإن تعايى، أو خرج من سورة إلى أخرى، فلا يُفْتى حَتَّى يقفَ، ينتظر التلقين. قاله مالك.
قَالَ ابْنُ سَحْنُون عن أبيه: وإذا فتح على الإمام فلم يهتد، فتقدَّم الفاتح إلى جَنْبِه، فقرأ بهم بقيَّة السورة والإمام منصت، حَتَّى ركع بهم هذا الركعة الباقية، ثم سَلَّمَ بهم الأول، قال: صلاتهم كلُّهم فاسدة.
وعن إمام انحصر عن القراءة في الثانية، قال: إن خاف أن لا يَقوى على تمام الصلاة بهم حصرةً، فيستخلف ويُقَهْقِرُ إلى الصفِّ، فيُصَلِّي خلف مَنْ يتقدَّم، وكذلك لو ضعُفَ عن القراءة.
ومن الْعُتْبِيَّة، قَالَ ابْنُ نافع، عن مالك: وليس على من لم يسمع قِرَاءَة الإمام أن يقول: آمين.
ورَوَى ابن حبيب، عن مُطَرِّف، وابن المَاجِشُون، عن مالك، أن الإمام يقول: آمين. كالمأموم، على حديث أبي هريرة.

(1/180)


ومن كتاب آخر، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لا يقول الإمام: آمين. إلاَّ فيما أسَرِّ به خاصة. وقال غيره: يقال: آمين. ممدودة. وأنشد:
ويَرْحَمُ اللهُ عَبْدًا قَالَ آمِينَا
ويقال: أَمِين. مقطوعة. وأنشد:
أَمِينَ فزادَ اللهُ ما بَيْنَنَا بُعْدَا

(1/181)


جامع العمل فِي الصَّلاَةِ، من قيام، وقعود،
وركوع، وسجود، والنهوض، والتكبير،
والاعتماد، ووضع اليد على اليد
من المستخرجة، رَوَى أشهب عن مالك، أنه لا بأس أن يضع يده اليمنى على كوع اليسرى، في الفريضة والنافلة.
قال عنه عليٌّ، في المجموعة: ليس الإمساك بواجب، ولكنها عقبة.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: رَوَى مُطَرِّف، وابن المَاجِشُون، عن مالك، أنه استحسنه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وليس لكونهما من البدن حَدٌّ.
وكَرِهَ ابن عمر تغطية اللحية فِي الصَّلاَةِ، وقال: هي من الوجه. ولا يُغَطِّي أنفه، فإن فعل شَيْئًا من ذلك أساء، ولا يُعِيدُ.
ومن المجموعة، قال عليٌّ، عن مالك، في مَنْ صَلَّى النافلة: لا تأثيرَ أن يُرَوِّحَ إحدى رِجْليه، ويتحامل على الأخرى، ويُقدِّم هذه ويُؤَخِّرَ هذه.
ومن المختصر، ولا يضعُ يديه على خاصرتيه، ولا رِجْلاً على رِجْلٍ، ولا يستندُ إلى جدار في المكتوبة، واستخفَّه في النافلة، وللضعيف أن يتوكَّأ على العصا في المكتوبة والنافلة.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال أشهب، عن مالك: ولا يتطأطأ الْمُصَلِّي في الرُّكُوعِ، ولا يرفع رأسه فيه، وأحْسَنُهُ اعتدال الظهر.
ابن حبيب: ورُوِيَ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لو صُبَّ على ظَهْرِه ماءٌ فِي الرُّكُوعِ لاستقَرَّ.

(1/182)


قال ابن نافع، في المجموعة: واختار مالك أن يقول إذا رفع رأسه: ربنا لك الحمد. واستحبَّ ابن القاسم أن يقول: ولكَ الحمدُ.
ومن الْعُتْبِيَّة، ابن القاسم، عن مالك، في الذي يرفع من الرُّكُوع فلا يعتدل قائمًا حَتَّى يسجدن، قال: يُجْزِئه، ولا يعود. وقاله ابن القاسم.
قال عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وإن خَرَّ من ركوعه ساجدًا، ولم يرفعْ، فلا يُعْتَدُّ بتلك الركعة. واستحبَّ مالكٌ أن يتمادى، ويُعيدَ الصلاة. قال سَحْنُون: ورَوَى عليٌّ، عن مالك أنه لا يُعِيدُ.
قال عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وإن رفع من السُّجُود، فلم يعْتَدِلْ جالسًا حَتَّى يسجدَ، فليستغفر الله سبحانه، ولا يعود.
وذكر ابن الْمَوَّاز، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ مثله.
قال: ومن ركع، ولم يعتدل راكعًا حَتَّى رفع وسجد، فليستغفر الله.
قال محمد: والذي سجد قبل رفع رأسه من الرُّكُوع، إن فعله ساهيًا، فليرجعْ مُنْحَنِيًا إلى ركعته، ولا يرفع قائمًا، فإن فعل أعاد صلاته. وإن رجع مُحْدَوْدِبًا – يريد: ثم رفع – سجد بعد السَّلام، وأجزأته. وإن كان مأمومًا حملَ عنه إمامُهُ. يريد: سجود السهو.
ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك: ومَنْ ركع فلم يضعْ يديه على رُكْبَتَيْهِ، رفع شَيْئًا، أو نزل شَيْئًا، فذلك يُجْزِئه. وبقية هذا المعنى في باب جامعِ السهوِ، وفيه في الذي لم يَرْفَعْ من الرُّكُوع خلاف ما ذكرنا عَنِ ابْنِ الْمَوَّاز.
ومن كتاب ابن حبيب، قال: وكان ابن عمر يضع على الأرض رُكْبَتَيْهِ

(1/183)


أَوَّلاً، ثم يَدَيْهِ، ثم وجهه، ثم يرفع وجهه، ثم يَدَيْهِ، ثم رُكْبَتَيْهِ، ويضع يَدَيْهِ في السُّجُود حذو أذنيه، ويَقْرِنُ أصابعه، وكان لا يقوم من مجلسه حَتَّى يسمع: قد قامت الصلاة. وكُلُّ ذلك حسنٌ. ومالك يرى أن يفعل من ذلك كُلِّه ما تيسَّرَ عليه، ليس فيه عنده حَدٌّ.
ولا بأس لذي العلَّةِ أن يضع مرفقيه على رُكْبَتَيْهِ في سجوده، أو لمن يُطيل في النافلة السُّجُود. قاله مالك.
وليس بين السجدتين دعاء ولا تسبح، ومَنْ دعا فَلْيُخَفِّفْ.
ويُكْرَهُ لِلسَّاجِدِ أن يَشُدَّ جُمَّتَهُ فِي سُجُودِهِ، ويُسْتَحَبُّ له أن يُخَفِّفَ.
ورُوِيَ «أن أقرب ما يكون العبد من الله سبحانه إذا كان ساجدًا». وهو من قوله تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} (العلق: 19).
قال مالك: والتكبير فِي الصَّلاَةِ مع العمل. وكذلك في المختصر.
ابن حبيب، قال مالك: والمأموم يفعل مع الإمام معًا، إلاَّ الإِحْرَام، والْقِيَام من اثنتين، والسَّلام, فيفعله بعده.
ومن رفع أو خفض قبل إمامه، فليرجع حَتَّى يفعل بعده، فإن لَحِقَ الإمام فليثبت، ولا يعود، وليحسر المعتَمُّ عن جبهته لِلسُّجُودِ.
وقد استحبَّ ذلك مال، للذي يومئُ به في تَنَفُّلِهِ.
وإذا مَسَّ المُعْتَمُّ الأرض ببعض جبهته، أجزأه، وأما إن سجد على كُورِها، فإن كان كثيفًا أعاد في الْوَقْتِ، إن مَسَّ أنفُه الأرض، وأن كان قدْرَ الطاقة والطاقتين،

(1/184)


قَدْر ما يتَّقي به بَرْد الأرض وحرَّها، لم يُعِدْ. قاله ابن عبد الحكم. قال الأوزاعي: وكذلك كانت عِمَّةُ مَنْ مضى.
وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ومن سجد على جبهته دون أنفه، أجزأه، وقد أساء. ومن سجد على أنفه دون جبهته، أعاد أبدًا.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا يُجْزِئه عندي في الوجهين.
قال مالك في المجموعة: وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رئي على جبهته وأنفه أثر ماء وطين من السُّجُود، وكان المسجد على عريش مُوكَفٍ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وليكُنِ التكبير في السُّجُود أخفض منه فِي الرُّكُوعِ، وكذلك كان يفعل عمر بن عبد العزيز.
ومن سماع ابن وهب، قال مالك: وأُحِبُّ للمأموم أن لا يَجْهَر بِالتَّكْبِيرِ، وبـ "ربنا ولك الحمد". ولو جَهَر بذلك جَهْرًا يُسْمِعُ مَنْ يليه، فلا بأس بذلك، وتَرْكُ ذلك أَحَبُّ إِلَيَّ، وأَحَبُّ إِلَيَّ أن لا يَجْهَرَ معه إلاَّ بالسلام جهرًا دون ما يُسمعُ من يليه.
ومن المجموعة، ابن القاسم، عن مالك: ولا أُحِبُّ أن يضع جبهته على مكان مُرتفع من الأرض لا يَمَسُّ أنفه. قيل: فالمسجد يُرَصَّصُ باللَّبِنِ، ويُجْعَلُ لموضع السُّجُود بلاطة أو صلابة؟ قال: ما يُعْجِبُنِي، ولعلَّ ذلك يرتفع عن موضع

(1/185)


مُصَلاَّه، ولكن يُبْطِلُه كُلَّه.
ومن المختصر، ويعلُ ظهره فِي الرُّكُوعِ، ويَنْصِبُ قَدَمَيْهِ في السُّجُودِ، ولا يرمي ببصره حيث يسجد، ولا بأس أن يَمُدَّ بصره أمامه، أو يصْفَحَ فخذه، ما لم يَلْتَفِتْ.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال أشهب: رأيت مالكًا إذا نهض من الأولى والثالثة نهض كما هو، ولا يجلسُ ثم ينْهضُ. قال عنه ابن القاسم: وما رأيتُ من اقتدى به يرجِعُ على صدور قَدَمَيْهِ. قال مالك: وأَوَّل من أحْدَث الاعتماد فِي الصَّلاَةِ حَتَّى لا يُحَرِّك رِجْلَيْهِ، رَجُلٌ عندنا، وكان مُسَمَّتًا، فيعيبَ ذلك عليه، وذلك مكرُوهٌ.
واسْتَخَفَّ مالك الْقِيَام مِنَ السُّجُودِ بغير اعتمادٍ على الْيَدَيْنِ، ثم كَرِهَهُ.
قال في سماع أشهب: كذلك صلاة الناس في الاعتماد على الْيَدَيْنِ، فأما الوُثُوبُ فهذا يريد أن يُصارِعَ.
قال يحيى بن يحيى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في مَنْ سجد قابضَ أصابعِه لشيء في يده، أو لغير عذرٍ مُتَعَمِّدُا، فَلْيَسْتَغْفِرِ اللهَ سبحانه، ولا يعودُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يريد مربوطًا.
عن مالك في صلاة الْمَرْأَة بالخضاب: غيره أحسن. وقد كان خَفَّفَه، ولا بأس به إن كانت على وضوء.
قال عليٌّ، عن مالك: قال: تَجْلِسُ الْمَرْأَة على وَرْكِها الأيسرِ، وتضع فَخِذَها اليمنى على اليسرى، تَضُمُّ بعضها إلى بعض، بقَدْر طاقتها، ولا تُفَرِّجُ في ركوع

(1/186)


ولا سُجُود، ولا جلوس بخلاف الرَّجُلِ.
قال عنه ابن وهب: وعليهنَّ التشهُّد. قلت: أيُشِرْنَ بأيديهنَّ عند الإِحْرَام، وعند الرُّكُوع؟ قال: ما سمعتُ، وهو حسنٌ إن فَعَلَتْ. قيل: أفتضع يديها على فخذيها، وتشير بإصبعها؟ قال: نعم.
ومن المختصر، قال: ولينصب قَدَمَيْهِ فِي السُّجُودِ، ولا يرجعْ بين السجدتين على ظهور قَدَمَيْهِ , والجلوس في التَّشَهُّد وبين السجدتين يُفْضي بوركه الأيسر إلاَّ الأرض، وينصب قدمه اليمنى وباطن الإبهام إلى الأرض، ويَثْني اليسرى، ويضع كَفَّيْهِ في الجلستين على فخذيه، ويقبض اليمنى، ويشير بالسبابة ويبسط اليسرى، وجلسة الْمَرْأَة وشأنها كله مثل الرَّجُلِ، وإِنَّمَا تخالفه في اللباس. يريد: والانضمام، والجهر في القراءة ولإقامة.
وذكر أبو عبيد تفسير الإقعاء فِي الصَّلاَةِ الْمَنْهِيِّ عنه، أنه جلوس الرَّجُلِ على أَلْيَتَيْهِ ناصبًا فخذيه، كإقعاء الكلب. هذا قول أبي عبيد. قال: وقال أهل الحديث: هو أن يضع أَلْيَتَيْهِ على عقبيه بين السجدتين. وما ذكر أبو عبيد عن أهل الحديث رأيت مثله لبعض أصحابنا من الفقهاء.

في التَّشَهُّد، والإشارة بالإصبع، والسَّلام،
وذكر الدعاء في تشهده
من المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك: ويبدأ الْمُصَلِّي بِالتَّشَهُّدِ قبل الدعاء، والتَّشَهُّد في الجلستين سواء، والجلسة الثانية أَطْوَلُ، ويدعو فيها، وذلك واسع.

(1/187)


قال عنه عليٌّ: وليس في التَّشَهُّد الأول موضع للدعاء.
قال عنه ابن نافع: لا بأس أن يدعوَ بعده.
قال في المختصر: لا بأس أن يدعو بعده في الجلسة الأولى والثانية. ووسَّعَ ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة، في الدعاء بعده.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: والتحيات جِمَاعُ التحية، والسَّلامُ منه. وقال غيره: التحية المُلْك. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: والزاكيات صالح الأعمال، والطيبات طيبات القول، ولا يبتدئ ببسم الله، ولكنْ بالتحيات لله.
قال الحسن، وغيره، ويدخل فِي الصَّلاَةِ على آل محمد أزواجُه وذرِّيَّتُه وكُلُّ مَنْ تَبِعَ دينه. وقيل: إنَّ آل محمد كُلُّ تقيٍّ.
ولا بأس أن يقول فِي الصَّلاَةِ: اللهم افعلْ بفلان، وارحمْ فلانًا. وقَالَ ابْنُ القرطي: ولو قال: يا فلان، فعل اللهُ بكَ. كان مُتَكَلِّمًا، تفسُد صلاته. ولم أرَ هذا لغيره.
ومن الْعُتْبِيَّة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قال مالك: ومن لم يتشهدْ ناسيًا حَتَّى سلَّم الإمام فليتشهدْ، ولا يدعو بعده، ولْيُسَلِّمْ.
قال: والإشارة بالإصبع فِي التَّشَهُّدِ حسنٌ، ولا بأس أن يشير به من تحت ساجه، وهو مُلْتَفٌّ به.
قال أبو زيد: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: رأيت مالكًا يُحَرِّك السبابة فِي التَّشَهُّدِ مُلِحًّا، ورأيته إذا أراد أن يدعوَ، رفع يَدَيْهِ شَيْئًا، وظُهورهما إلى وجهه.

(1/188)


وقال يحيى بن مزين: يَنْبَغِي أن ينصب السبابة فِي التَّشَهُّدِ، وحَرْفُها إلى وجهه، ولا يُحَرِّكُها.
ومن كتاب آخر، رُوِيَ أن ابن عمر كان يُحَرِّكُهَا. وقيل: إنها مَقْمَعَةٌ للشيطان. وقيل في مَنْ ينصبُها ولا يُحَرِّكُهَا، تأويله للإخلاص أن الله أحَدٌ. وكان يحيى بن عمر إِنَّمَا يُحَرِّكُهَا عند قوله: اشهد أن لا إله إلاَّ الله.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: رُوِيَ أن الإشارة بها مَقْمَعَة للشيطان، وأن ذلك من الإخلاص. وقال مجاهد: ويُحَرِّكُهَا.
ومن المجموعة، قال عليٌّ، عن مالك: ولتضع الْمَرْأَة يَدَيْهِا على فخذيها، وتشير بإصبعها.
قال مالك: وكما تَدْخُلُ فِي الصَّلاَةِ بتكبيرة وَاحِدَة فكذلك تخرج منها بتسليمة وَاحِدَة.
قال عنه أشهب، في الْعُتْبِيَّة: وعلى ذلك كان الأمر في الأئمة، وغيرهم، وإِنَّمَا حدث بتسليمتين منذ كان بنو هاشم. وقال عنه ابن القاسم: أما الإمام فما أدركنا الأئمة إلاَّ على تسليمة تلقاء وجهه، ويتيامن قليلاً. قيل: فالْمُصَلِّي وحده، أيُسَلِّمُ تسليمتين؟ قال: لا بأس إذا فصل بالواحدة أن يُسَلِّمَ عن يساره. ومَنْ سمع تسليم الإمام فسَلَّمَ، ثم سمعه يُسَلِّمُ أخرى، فليُسَلِّمْ أخرى.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُسَلِّمُ الإمام واحدةً تلقاء وجهه، ويتيامن قليلاً، ويُسَلِّمُ الفَذُّ تسليمتين؛ وَاحِدَة عن يمينه، وأخرى عن يساره، والمأموم كذلك، وثالثةً ردٌّ على الإمام، يقول في ذلك كُلِّه: السَّلام عليكم. قاله مُطَرِّف، عن مالك.

(1/189)


قال عنه أشهب في الْعُتْبِيَّة: سلام.
قال مالك في المختصر: لا يقول: وعليك السَّلام.
ومن سماع ابن وهب، قال مالك: ولا يَحْذِفُ سلامه وتكبيره جدًّا حَتَّى لا يُفْهَمَ عنه، ولا يُطِيلُ ذلك جدًّا يُخَالِفُ، ولكن وسطًا من ذلك، وأُحِبُّ للمأموم أن لا يجهر بِالتَّكْبِيرِ، و "ربنا ولك الحمد"، ولو جهر بذلك جَهْرًا يُسْمِعُ من يليه، فلا بأس به، وترك ذلك أَحَبُّ إِلَيَّ، وأَحَبُّ إِلَيَّ أن لا يجهر معه إلاَّ بالسلام جَهْرًا دون يَسْمَعُ من يليه.
ومن الواضحة، وليحذفْ سلامه، ولا يَمُدَّهُ. قال أبو هريرة: تلك السُّنَّةُ. وكان عمر بن عبد العزيز يحذفه ويخفض به صوته.
وسلام الإمام من سُجُود السهو في الجهر به كسلام الصلاة، وإن كان دونه فحسنٌ.
قَالَ ابْنُ القرطي: وقال بعض الناس في السَّلام: سلام عليكم. وبالألف واللام أولى؛ لأن الله هو السَّلام. قال: ومن بدأ فسَلَّمَ عن يساره، ثم لم يُسَلَّمْ آخرى حَتَّى تكلم، بطلت صلاته. ولم يذكر ابن الْقُرْطِيِّ إلى من تُنْسَب هذا المسألة. ولا وجه لإفساد صلاته؛ لأنه إِنَّمَا ترك التيامن. ورأيتُ لمحمد بن عبد الحكم، قال مُطَرِّف: صلاته تامَّةٌ، ولا شيء عليه، كان عمدًا أو سهوًا، كان إمامًا أو فذًّا.
ومن المجموعة، قال عليٌّ، عن مالك: وأَحَبُّ إِلَيَّ للمأموم إذا سَلَّمَ إمامه، أن يقول: السَّلام على النبي ورحمة الله وبركاته، السَّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السَّلام عليكم. وليُسَلِّمْ بأثر سلام إمامه، ولا يثبت. قال عنه ابن

(1/190)


القاسم: إلاَّ أن يريد أن يتشهد، فليتشهدْ، ثم يُسَلِّمْ.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال أشهب: رأيت مالكًا إذا سَلَّمَ الإمام سَلَّمَ هو عن يمينه، ثم عن يساره، ثم رَدَّ على الإمام. وقاله ابن القاسم. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ثم رجع مالك إلى أن يبدأ بالردِّ على الإمام قبل يساره.
قال عبد الملك بن الحسن، عَنِ ابْنِ وهب، في إمام يُسَلِّمُ اثنتين، فقام المأموم بعد تسليمة وَاحِدَة: فقد أساء ولا يُعِيد.
قال غيره: قال الليث: له أن يقوم للقضاء قبل تسليم الثانية.
ومن المجموعة، قال عليٌّ، عن مالك: ويَنْبَغِي للمأموم أن يُخْفِيَ التسليمة الثالثة عن يساره، لئلاَّ يُقتدَى به فيها.
قال عنه ابن القاسم، في الذي يقضي بعد سلام الإمام: فليُسَلِّمْ، ولا يردُّ على الإمام. ثم قال: أَحَبُّ إِلَيَّ أن يَرُدَّ عليه. وبه أخذ ابن القاسم. قال سَحْنُون: وإن لم يُدْرِكْ غيرَ التَّشَهُّد، فلا يَرُدَّ عليه.
ومن الواضحة، ومَنْ سَلَّمَ قبل إمامه سهوًا، رجع، فسَلَّمَ، ولا سُجُود عليه. وإن رَدَّ عليه قبل يُسَلِّم لنفسه، سجد بعد السَّلام، لو تكلَّم بعد أن رَدَّ على الإمام، وقبل يُسَلِّم لنفسه، أَبْطَلَ على نفسه، ولو تكلم بعد أن سَلَّمَ الأُولَى لنفسه، قبل تسليم الثانية، لم تَفْسُدْ صلاتُه، وإن اجْتَزَأَ بالأُولَى أَجْزَأَتْهُ.

في القنوت، وذكر الدعاء فِي الصَّلاَةِ
من المجموعة، قَالَ ابْنُ وهب، عن مالك: القنوت في صلاة الصُّبْح

(1/191)


ليس بسُنَّةٍ، وأنا أفعله قبل الرُّكُوع.
قال عنه ابن القاسم، وعليُّ بن زياد: وكان الناس يقنتون في الزمان الأول قبل الرُّكُوع، وذلك واسع قبل الرُّكُوع وبعده.
قال عنه ابن نافع: والناس اليوم يقنتون بعد الرُّكُوع.
قال عنه ابن القاسم: ما أدركتُ أحدًا يعيب القنوت في الصُّبْح، وكانوا يقنتون القنوت.
قال عنه ابن نافع: وإِنَّمَا يُقْنَتُ في الصُّبْح، وإما في الوتر فلا، إلاَّ في النصف الآخر من رمضان.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عنه: ومن صَلَّى الصُّبْح وحده فلا يَدَعِ القنوت، ولا سُجُود في السهو عنه. ويُذْكَرُ عَنِ ابْنِ سَحْنُون أنه رأى فيه السُّجُود، وقول مالك أصحُّ؛ لأنه لم يرَه سُنَّةً.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ولا يَجْهَرُ بالدعاء في القنوت إمامًا ولا غيره.
قال مالك: وليس فيه دعاء موَقَّتٌ ولا وقوفٌ موَقَّتٌ.
قال عنه عليٌّ: وليدعُ فيه إن شاء لجميع حوائجه، وقد جعل الله لكل شيء قدْرًا، وإن شاء أمسك يساره بيمينه في القنوت، وإن شاء ترك، ولا أرى في الوتر قنوتًا، إلاَّ في النصف الآخر من رمضان.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: كان عمر وأبو هريرة يقنتان بعد الرُّكُوع، وكان عليُّ بن أبي طالب وعروة يقنتان قبل الرُّكُوع. ورُوِيَ أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الرُّكُوع، وهو

(1/192)


أَحَبُّ إِلَيَّ، وكان الناص يقنتون في أَيَّام عمر في رمضان، في النصف الآخر منه، في ركعة الوتر بعد الرُّكُوع، يجهر بدعائه، ويؤمِّنُ مَنْ خلْفَه إذا أنصتَ.
ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ نافع، عن مالك، في رفع الأيدي في القنوت مع الإمام في الوتر، قال: ما يُعْجِبُنِي والإمام يفعله، وما أرى في الوتر قنوتًا، ولا بأس أن يدعو في صلاته بحوائج دنياه، وقد كان عندنا رَجُلٌ يدعو في صلاته، فلا يقول إلاَّ: اللهم ارزقني. وهو كثير الدراهم، فلا أُحِبُّ هذا، ولْيَحْتَطْ، وقد دعا الصالحون فليدعُ بما دَعَوْا، وبما في القرآن: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا} (البقرة: 286) الآية. قيل أفيدعو في كُسوَتِه؟ قال: أيريد أن يذكُرَ السراويل! ليَدْعُ بما دعا الصالحون.
وله أن يدعو في قيامه فِي الصَّلاَةِ، قال عنه ابن القاسم: وفِي السُّجُودِ والجلوس، وإِنَّمَا يُكْرَهُ فِي الرُّكُوعِ.
قال عنه ابن وهب: وله أن يدعوَ فِي الصَّلاَةِ على الظالم، ويدعُوَ لآخر، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لقومٍ، ودعا على آخرين.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، في الإمام يقرأ الآية فيها ذِكْرُ النار، فيتَعَوَّذُ المأموم، قال: تَرْكُه أَحَبُّ إِلَيَّ، فإن فعل فسِرًّا.
قال عنه ابن نافع: وإن كان في نافلة فمَرَّ بآية فيها استغفار، فيستغفر، ويقول ما شاء الله، ولا بأس بذلك.
قال عنه ابن القاسم: ولا بأس في النافلة أن يسأل الله الجنة، ويستعيذه من النار.

(1/193)


في سُتْرَةِ الْمُصَلِّي، والمرورِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وسُتْرَةِ
الإمام، والصلاة بين يَدَيْهِ بصلاته
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: من شأن الصلاة أن لا يُصَلِّيَ الْمُصَلِّي إلاَّ في سُتْرَةٍ، في سَفَرٍ أو حَضَرٍ، أَمِنَ أنْ يَمُرَّ بين يَدَيْهِ أحدٌ أو لم يَأْمَنْ.
ومن الْعُتْبِيَّة، أشهب، عن مالك: وأدنى السُّتْرَة للمُصَلِّي قدر مؤخرة الرحل في الطول، في غِلَظِ الرُّمح – يريد: عودَهُ - ولا يستتر بغطاء الحمار.
وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لا بأس أن تكون السُّتْرَةُ أقلَّ من جُلَّةِ الرمح، وقد صَلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العَنَزَةِ، وهي دون جُلَّةِ الرمح، وأما القضيب والسوطُ فلا، إلاَّ أن لا يجدَ غيره.
وله أن يجعل قلنسوته سترةً، إن كان لها ارتفاعٌ، وكذلك الوسادة. وقاله مالك، وقاله عنه عليٌّ، في المجموعة وقال: إذا لم يَجِدْ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وكذلك المِرْفَقَة إن كانت طاهرة وتثبُتُ.
وبلغني عن بعض التابعين، أنَّ مَنْ مَرَّ بين يدي من صَلَّى إلى غير سترة، فإثمُ ذلك على المارِّ.
قال غيره، في كتاب آخر: إِنَّمَا نُهِيَ إنْ مَرَّ بين يدي مَنْ صَلَّى إلى

(1/194)


سترة، إن كان فيه، محكوك بالسكين.
ومن الْعُتْبِيَّة، أشهب، عن مالك: ومَنْ صَلَّى إلى الصحراء، أو في سطح غير مُحْظَرٍ، فليستتر أَحَبُّ إِلَيَّ، فإن لم يجِدْ فذلك واسع.
قال عنه ابن نافع، في المجموعة: وإن مَرَّ الوحش بين يَدَيْهِ.
قال: ولا بأس أن يُصَلِّيَ إلى ظَهْرِ رَجُلٍ، فأما إلى نبه فلا. وخَفَّفَهُ في رِوَايَة ابن نافع، في المجموعة، وقال: ويستتر أَحَبُّ إِلَيَّ. قال عنه ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة: ولا بأس أن يستتر بالبعير، ولا يستتر بالخيل والحمير؛ لنجاسة أرواثها. وكأنه لا يرى بالسُّترة بالبقرة والشاة بأسًا.
قيل: فواجب وَعْظُ مَنْ صَلَّى إلى غير سترة؟ قال: هو حسنٌ، وما أدري ما واجبٌ، ومن العلماء مَنْ يقدر أن يَعِظَ، ومنهم من لا يقدر.
وليس بصوابٍ أن يُصَلِّيَ بين يدي أسطوانتين، وبينه وبين سترته قَدْرُ صفَّيْن. قال عنه ابن القاسم في المجموعة: والدُّنُوُّ من السترة حسنٌ.
ومن كتاب آخر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُصَلِّي وبينه وبين القبلة قَدْرُ مَمَرِّ الشاة، وفي حديث آخَرَ: قَدْرُ ثلاثة أذْرُعٍ.
ومن المجموعة، قال عنه ابن القاسم: ومَنْ صَلَّى على مكان مُشْرِفٍ، فإن كان يغيبُ عنه رءوس الناس، وإلاَّ جعل سترة، والسترة أَحَبُّ إِلَيَّ، إلاَّ أن لا يجد.

(1/195)


قال عنه عليٌّ: إذا استتر الإمام برُمح، فسقط، فليُقِمْه إذا كان ذلك خفيفًا، وإن أشغله فليَدَعْه.
قال عنه ابن وهب: وعن الليث، الخطُّ باطلٌ، ولم يثبتْ عندنا فيه حديث.
قال أشهب في الْعُتْبِيَّة: ولا يجعل بين يَدَيْهِ خطًّا، وأرى ذلك واسعًا.
قال غيره، في كتاب آخر: وإِنَّمَا يخُطُّ من جهة القبلة إلى المُصَلَّى، ليس من يمينه إلى يساره، في قول مَنْ ذهب إليه. قال: وليس الخَطُّ، ولا الماءُ، ولا النار، ولا الوادي، بسترة للمُصَلِّي.
ومن المختصر، ولا يستتر بالمرأة، وأرجو أن يكون السترة بالصبيّ واسعًا.
ومن المجموعة، قال عليٌّ، عن مالك: ولا يُصَلِّي وبين يَدَيْهِ امرأة وإن كانت أُمَّه أو أُخْتَه، إلاَّ أن يكون دونها سترة، ولا إلى نائم، إلاَّ أن يكون دونه سترة ولا يُصَلِّي إلى المتحَلِّقين؛ لأن بعضهم يستقبله، وأرجو أن يكون واسعًا.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا يُصَلِّي إلى النيام.
قال مالك: وله أن يُصَلِّيَ وراء المتحدِّثين. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إن لم يُعْلُوا حديثهم.
قال عنه ابن القاسم، في المجموعة: إنه خَفَّفَ أن يُصَلِّيَ إلى الطائفينَ.
مالك: وإذا صَلَّى في المسجد الحرام إلى عمودٍ أو سترة، فليَمْنَعْ مَنْ يمُرُّ بين يَدَيْهِ.
قال: وليَرُدَّ الْمُصَلِّي المارَّ بين يَدَيْهِ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: من دابَّةٍ، أو إنسان، أو غيره.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك، في المجموعة: فإذا قضى، وجاوزَه فلا يرُدُّه، ولا يردُّه وهو ساجدٌ.

(1/196)


قال أشهب: إذا مرَّ في بُعْدٍ منه فلْيَرُدَّه بالإشارة، ولا يمشي إليه، فإن فعل، وإلاَّ تَرَكَه، وإن قرب منه فدرأه فلم يفعل، فلا ينازعه، فإن ذلك والمشي إليه أشدُّ من ممَرِّه، فإن مشى إليه، أو نازعه، لم تفسُدْ صلاته.
قال نافع، عن مالك يمنعه بالمعروف، وقد درأ رَجُلٌ رَجُلاً فكسر أنفه، فقال له عثمان: لو ترَكْتَه يمرُّ كان أهون من هذا.
قال عنه ابن القاسم: وأكْرَهُ أن يُكَلِّمَ مَنْ على يمينه مَنْ على يساره، وحَسَنٌ أن يتأخَّرَ عنهما.
قال عنه ابن نافع: إذا قضى ما فاته به الإمام، وجلس، فقام مَنْ كان يستره فمَرَّ الناسُ بين يَدَيْهِ، فلثبُتْ، ولو كان قائمًا انضمَّ إلى سُتْرَة.
قال عنه: ولا بأس بالصلاة إلى هذه الْمَسَاجِد التي تُعْمَل بالصحارى بالحجارة.
ومن الْعُتْبِيَّة قال عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، قال: وكَرِهَ مالك الصلاة بين يدي الإمام، ولا يُعِيدُ مَنْ فعله. وأجاز الليث أن يتعمَّدَ ذلك. وقال مالك: كانت دارٌ لآل عمر في قِبْلَةِ المسجد، يُصَلِّي أهلها بصلاة الإمام، فلم يَرَ به بأسًا.

في استقبال القبلة، وفي مَنْ صَلَّى إلى غيرها،
وذِكْرِ الدليل عليها
رَوَى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ». وذكرَهُ مالك في الموطأ، عن عمر بن الخطاب، وقال فيه:

(1/197)


إذا توجَّه قِبَلَ البيت. قال مالك: وعليه الأمر عندنا في مَنْ أخطأ القِبْلَة، وصَلَّى إليها فيما بين المشرق والمغرب.
قال عنه ابن القاسم: إذا كان إِنَّمَا انحرف عنها يسيرًا، فلا إعادة عليه.
قال أشهب في مرضى بيت صَلَّى بهم أحدهم في ليلٍ مُظْلِمٍ إلى غير القبلة، وهم يظنون أنهم إلى القبلة، أو كان الإمام إلى القبلة وهم إلى غيرها، أو هم إليها وهو إلى غيرها، ولم يتعَمَّدُوا، قال: إن أصاب الإمام القبلة لم يُعِدْ، وأعاد مَنْ خَلْفَه في الْوَقْتِ إذا أخطئوها، وإن أخطأ الإمام القبلة أعاد هو وهم، أصابوا القبلة أو أخطئوها.
ومن المختصر: ومن أخطأ القبلة فاستدبرها، أو غَرَّبَ، أو شرَّقَ، أعاد في الْوَقْتِ، وإن تيامن أو تياسر ولم ينحرف انحرافًا شديدًا، فلا يُعِيدُ.
ومن صَلَّى على ظهر الكعبة أعاد.
وفي المدونة: وبلغني عن مالك أن من صَلَّى فيها يُعِيدُ في الْوَقْتِ. وقال أَصْبَغُ: ومن صَلَّى فيها عامدًا أعاد أبدًا.
ومن صَلَّى فوق أبي قُبَيْس أجزأه.
وبعدَ هذا بابٌ فيما يُكْرَهُ أن يُصَلَّى فيه، فيه ذِكْرُ الصلاة في الكعبة مُسْتَوْعَبًا.
قال أبو الفرج البغدادي: إِنَّمَا يُعِيدُ في الْوَقْتِ من أخطأ القبلة؛ لأنه إِنَّمَا يُعِيدُ باجتهاد في إصابتها، وقد صَلَّى والوقت قائم باجتهاد، وليس على مَنْ عُمِّيتْ عليه الصلاة إلى كُلِّ الجهات، كما يلزم ذكرُ صلاة جميع الصلوات، وأما مقابل الكعبة

(1/198)


فهذا فرض عليه لوجهها.
ورأيت لبعض أصحابنا، أن الدليل في النهار على رسم القبلة، أن ينظرَ إذا انتهى أخِرُ نُقْصانِ الظِّلِّ، وهو على أن يَأْخُذَ في الزيادة، فإن الظِّلَّ حينئذٍ قِبالة رسم القبلة، وذلك قبل أن يأخُذ في الزيادة، فتعْرُجُ إلى المشرق، ويُسْتَدَلُّ عليها في اللَّيْل بالقُطْبِ الذي تدور عليه بنات نعش، فاجعله على كتفك الأيسر واستقبل الجنوب بما لقي بصرُك، فهو القبلة، والقُطْبُ نجم خفيٌّ وَسَطَ السمكة التي تدور عليه، ويدور عليها بنات نعش الصغرى والكبرى، ورأس السمكة أحدُ الفرقدين وذنبها الحريّ.

في لباس الرجل فِي الصَّلاَةِ، والارتداء،
وصلاة العريان، والمُكَفِّتِ، والمُتشَمِّرِ،
والمُتزرِّرِ، والصلاة في السراويل، والمؤْتَزر،
ومن عليه آلة الحرب
من الْعُتْبِيَّة قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كره مالك الصلاة بغير أردية فِي الْمَسَاجِدِ. وقال: يقول الله سبحانه: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (الأعراف: 31).
ومن الواضحة، قال: ولا بأس أن يُصَلِّيَ في بيته في ثوب واحد، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وخالف بين طرفيه، وهذا في مثل الرداء، فإن شاء ردَّ طرفيه بين

(1/199)


يديه، وأَقَرَّهُما على كَتِفَيْهِ، فإن قَصُرَ عقَدهما في قَفَاه، فإن قصر عليه ائتَزَرَ به، وإن انكشف بطنه، إذا لم يجدْ غيره، ولم يكن فيه ما يرفعه إلى فوقِ ذلك، وقد صَلَّى جابر بن عبد الله بقوم بثوب شَدَّه إلى ثُنْدُوَتَيْهِ أو فوقهما، ثم ذكر جابرٌ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم فعله. وإذا كان القميص قصيرًا يكْشفُه فِي الرُّكُوعِ فَلْيَأْتَزِرْ به. وكَرِهَ مالكٌ في الجماعة الصلاة بقميصٍ بغير رِداءٍ، إلاَّ الْمُصَلِّي في بيته، وإن كان يُستَحَبُّ له أيضًا الصلاة في ثوبين. قال: والعورة من سُرَّتِه إلى رُكْبَتَيْهِ، ولا جُناحَ عليه أن يبدُوَ منه غيرُ ذلك, ولا يُعْجِبُنِي أن يُصَلِّيَ في الغِلالة والرداءِ.
ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ نافع: قيل لمالك: قد يُصَلِّي في الغلالة لا تكادُ تَسْتُرُ؟ قال: إذا كان ثوبًا سخيفًا يَصِفُ، فلا يُعْجِبُنِي.
ومن كتاب ابن حبيب، ويُكْرَهُ أن يُصَلِّيّ في ثوب رَقِيق يَصِفُ أو خفيفٍ يَشِفُّ، فإن فَعَلَ فَلْيُعِدْ. قاله مالك، إلاَّ الرقيق الصَّفِيقُ، لا يَصِفُ إلاَّ عند الريح، فلا بأس به.
قال: ولو صَلَّى رَجُلٌ مكشوف الفخذ، لم يُعِدْ.
قال مالك: وأَكْرَهُ الصلاة في السراويل، إلاَّ أن يلتحف عليه، فلا بأس به في غير الجماعة، إلاَّ أنْ يَلْبِسَ عليه قميصًا. ولا أحبُّه إن وَجَدَ غيرَه.

(1/200)


وقال مالكٌ في (المُسْتَخْرَجَة)، و (المَجْمُوعَة) نحوَ ما ذكَر ابنُ حَبِيب، في الثَّوبِ الوَاحِدِ والصَّغِيرِ والسَّراوِيلِ.
قال عنه أَشْهَبُ في (الْعُتْبِيَّة): واسْتَبْقَحَ أنْ يَظْهَر السَّراوِيلُ.
قال: ولا بَأْسَ أَنْ يَعْقِدَ طَرَفَيِ الثَّوْبِ عليه فِي الصَّلاَةِ، إنْ لم يكُنْ مُحْرِمًا، وإنْ وجدَ غيرَه فأَحَبُّ إليَّ أنْ يأْتَزِرَ به ويتردَّى.
قال عنه ابنُ القاسم في روايةِ موسى: كَرِهَ مالِكٌ الصَّلاةَ في السَّراوِيلِ، إلاَّ أنْ لا يجدَ غيرَه، فإن كان معه إزارٌ فلْيتَوشَّحْ بِهِ ولا يرْتَدِيهِ. وكذلك قال عنه ابنُ نافعٍ في (المَجْمُوعَةِ) قال عنْه: ولْيَرْتَدِ على المِئْزَرِ.
ومن (المَجْمُوعَة) قال أَشْهَبُ في بابِ الأذانِ: ومَنْ صَلَّى في تُبَّان أو سَراويل أعادَ في الوَقْتِ.
وقال ابنُ القاسمِ: ومن صَلَّى بسراويلَ أو بمِئْزَرٍ قام على الثِّيابِ فلا يُعِيد.
وقال أَشْهَبُ في بابِ ما يُصَلَّى به: ومَنْ صَلَّى في مِئْزَر أو بِسَراوِيلَ أو قميصٍ قصيرٍ وهو إمامٌ أو غيرُ إمامٍ فصلاتُهُ تامَّةٌ إنْ كان صَفِيفًا، فإنْ كان يَشِفُّ أعادَ في الوقْتِ، وكذلك العُرْيَانُ، وإنْ لم يَبْلُغِ القميصُ رُكْبَتَيْه أو يبلُغُهما إلاَّ أنَّه إذا سجدَ انكشفَتْ عورَتُه أو فَخِذَاهُ فَلْيُعِدْ في الوقْتِ.
ومن (الْعُتْبِيَّة) قال عيسى: قال ابنُ القاسمِ في الغَرِقِ يُصَلِّي عُرْيَانًا، ثم يجدُ ثَوْبًا في الْوَقْتِ فلا إعادَةَ عليه , وبعدَ هذا القول في صَلاةِ المَغْصُوبِين لا يجدونَ ثيابًا.

(1/201)


قال ابنُ القاسمِ عن مالك في الرَّامي تحضُرُه الصَّلاةُ وعليه الأصابعُ والمصرية، فلْيَنْزِعْ ذلك، إلاَّ أنْ يكونَ في حَرْبٍ، ويخافُ أنْ يطولَ ذلك، فلْيُصَلِّ كذلك، والمُسَافِرُ عليه السَّيْفُ والقَوْسُ، فأَحَبُّ إليَّ أنْ يجعل على عاتِقَيْهِ عِمَامَة إذا صَلَّى، وما ذلك بضَيِّقٍ ولا يُصَلِّي بالقَوْسِ.
قال موسى عن ابنِ القاسم: ولا بَأْسَ أنْ يُصَلِّيَ وفي أُذُنِه دِرْهَمٌ، وأكْرَهُه في فِيهِ. ولا بَأْسَ أنْ يُصَلِّيَ وعلى رأسهِ خِرْقَةٌ أو وِقَايَةٌ ما لم يتعمَّدْ أنْ يكْفِتَ بها شَعْرًا من غُبَارٍ وغيرِه، وكذلك المُتَشَمِّر الكُمَّيْن فذلك جائزٌ ما لم يتعمَّدْ ذلك، وأمَّا مَنْ كَانَ في عملٍ فلا بَأْسَ بذلك.
قال عنه ابنُ القاسم في (المَجْمُوعَةِ): ولا يتَلَثَّم فِي الصَّلاَةِ، ولا يُغَطِّي فاهُ.
ومن (الْعُتْبِيَّةِ): أشْهَبُ عن مالك: ولا يَكْفِتُ ذو الشَّعْرِ شَعْرَهُ بعِمَامَةٍ ويُصَلِّي، إلاَّ أنْ يُرِيدَ أنْ يَسْتَدْفِئَ.
ومن كتاب ابنِ حَبِيب: ولا ينْبغي أنْ يُغَطِّيَ فَمَهُ، ولا ذَقَنَه، ولا لِحْيَتَهُ فِي الصَّلاَةِ.
قال مالكٌ: ولا بَأْسَ أنْ يُصَلِّيَ في دَارِه بالعمامَةِ، لا يَلْتَحِيَنَّ بها، فأمَّا في المسجد فلا يدَعِ الالْتِحَاءَ بها. ولا بَأْسَ أنْ يُصَلِّيَ مُطْلَقَ الأزْرارِ في الخَلاءِ والمَلاءِ.
قال مُطَرِّفٌ: ورأيْتُ مالِكًا في المسْجِدِ مُطْلَقَ الأزْرارِ، فلمَّا حضَرتِ الصَّلاةُ تزَرَّر.
وليسَ من الشَّأْنِ تقْلِيدُ السُّيوفِ والقِسِيِّ فِي الصَّلاَةِ في الحواضِرِ، ولا يعْدِل بالرِّداءِ في الحواضِرِ، فإنِ اضْطُرَّ إلى ذلك، أو كانتْ عَزِيمةً من السُّلْطَانِ لأَمْرٍ ينوبُ، فلْيَطْرَحْ على السَّيْفِ عِطَافًا؛ رِدَاءً أو سَاجًا أو عمامَةً، فإنْ لم يفْعَلْ فلا

(1/202)


حَرَجَ، فأمَّا في الثُّغُورِ، ومواضِعِ الرَّباط والجِهَادِ، وفي السَّفَرِ، فلا بَأْسَ بتَقْلِيدِ السَّيْفِ، وتنْكِيسِ القَوْسِ، والصَّلاة بذلك بغيرِ رداءٍ ولا عِطافٍ.

في اشْتِمَالِ الصَّمَّاء فِي الصَّلاَةِ، والسَّدْلِ فيها، وإلْقاء الرِّداء وهو فيها، وذِكْرِ الصَّلاة في البَرَانِسِ والخمائصِ، والصَّلاةِ في النَّعالِ
ومن (الْعُتْبِيَّة): ابنُ القاسم عن مالك: واشْتِمَالُ الصَّمَّاء أنْ يَشْتَمِلَ بالثَّوْبِ على مَنْكِبَيْهِ، ويُخْرِجَ يَدَه اليُسْرَى من تحْتِه، وليس عليه مِئْزَرٌ. وأَجَازَه إنْ كان عليه مِئْزَرٌ، ثم كَرِهَه.
قال ابنُ القاسمِ: تَرْكُه أَحَبُّ إليَّ، وليس بضَيِّقٍ في المُؤْتَزِرِ.
قال مالك: والاضْطِبَاعُ أنْ يَرْتَدِيَ، ويُخْرِجَ ثَوْبه من تحتِ يَدِه اليُمْنَى.
قال ابنُ القاسمِ: وهو من ناحِيَةِ الصَّمَّاءِ.
قال ابنُ القاسمِ عن مالك: والبَرَانِيسُ، من لِبَاسِ النَّاسِ قديمًا، ومِن لباس المُصَلِّين.
قال عنه في (المَجْمُوعَة): لا يُصَلِّي في البُرْنُسِ وَحْدَهُ، إلاَّ أنْ يكون تحته قميصٌ أو مِئْزَر أو سَرَاوِيلُ.
قال عنه: وإذا كان يشْتَمِرُ، فطَرَحَ الرَّدَاءَ عن مَنْكِبَيْه، وعليه قميصٌ، فكَرِهَهُ، وخَفَّفَه في النَّوَافِلِ. وكذلك قال عنه في (الْعُتْبِيَّة): إذا صَلَّى في إزارٍ ورداءٍ فطَرَحَه للحرِّ وهو جالِسٌ، وقال عنه: ولا بَأْسَ بالسَّدْلِ لمن لا قميصَ عليه، وعليه مِئْزَرٌ ورداءٌ، وبطنُه مُنْكَشِفَةٌ.

(1/203)


قال عنه ابنُ زياد في (المَجْمُوعَة) في مَن يجمعُ طَرَفَيْ رِدَائِه، أو ساجِه على بَطْنِهِ، ويَضَعُ يديْه عليه لِيَثْبُتَ، ولئلاَّ يَسْدِلَه، فكَرِهَ ذلك.
ومن (الواضحة): ولا بَأْسَ بالصَّلاةِ في البرَانس العربيَّةِ في الخَلْوَةِ والجماعةِ، إذا كان تحته قميصٌ أو مِئْزَرٌ أو سراوِيلُ، وإلاَّ فلا. وكان رِجَالٌ كثير من الصَّحابَةِ والتَّابِعِينَ يغْدُون بها إلى المسْجِدِ ويَرُوحون في الخمايص ذواتِ الأعْلامِ. ويُكْرَهُ الصَّلاةُ في الْبَرَانس الأَعْجَمِيَّةِ، وكذلك سيوفُهم وزِيُّهم وشَكْلُهم، يُكْرَه فِي الصَّلاَةِ وغيرِها، ولا يُعِيدُ مَنْ صَلَّى بذلك وهو طَاهِرٌ.
قال النَّخَعِيُّ: كان السَّلفُ يصلون في بَرَانِسِهِم وسِيجانِهم، ولا يُخْرِجون أَيْدِيَهُم إلاَّ للسُّجُودِ.
واسْتَحَبَّ مالكٌ أنْ يَكْشِفَ يدَيْهِ عند الإِحْرَامِ.
قال مالك: وله أنْ يُصَلِّيَ في نَعْلَيْهِ الطَّاهرتَيْن، وإنْ خَلعهُما فلْيَجْعَلْهُما عن يَسارِه، فإنْ كان في صَفٍّ جعلَهُما بين يَدَيْه، ويلبسُهما إنْ كانتا طاهرتَيْن أَحَبُّ إليَّ؛ لئلاَّ يشْغَلاه، وكلٌّ واسعٌ.
ومن (المَجْمُوعَة): قال عليٌّ عن مالك: لا بَأْسَ بالصَّلاةِ في النَّعْلَيْنِ، قد صَلَّى فيهما رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قال عنه ابنُ حَبِيب: إنْ كانتا طاهِرَتَيْنِ.

(1/204)


في لِبَاسِ المرأةِ الحُرَّةِ والأَمَة فِي الصَّلاَةِ
من (الواضحة) قال: وتُصَلِّي المرأةُ الحُرَّةُ في الدِّرْع الخَصِيفِ يسترُ ظُهورَ قَدَمَيْها في الرُّكُوعِ والسُّجُودِ، وخِمَارٍ يسْتُرُ كَتِفَيْها وقُصَّتَها ودَلاليها، ولا يَظْهَر منها غيرُ دَوْرِ الوَجْهِ والكَفَّيْنِ، وكلُّ ما غَطَّتْ به رأسها فهو خِمارٌ، ولو كان تحتَ القميص مِئْزَرٌ فهو أَبْلَغُ، وإلاَّ فَيُجْزِئُهَا، ولا يَبْدُو منها لغيرِ ذَوِي مَحْرَمٍ غيرَ ما يَبْدُو فِي الصَّلاَةِ، ولا تَلْبَسُ الخِمارَ الخفيفَ في صَلاةٍ، حتى يكونَ تحته لُفافَةٌ للشَّعْرِ، ولا تَلْبَسُ الثَّوْبَ الخَفِيفَ الذي يشِفُّ، ولا الرَّقيقَ الصَّفِيقَ الذي يَصِفُ ما تَحْتَهُ فِي الصَّلاَةِ، ولا في خُرُوجِها ودُخُولِ مَنْ يَدْخُل عليها، فأمَّا مع زَوْجِها في سَتْرِها فذلك جائزٌ.
قال الثَّوْرِيُّ: أَمْثَلُ ثِيَابِهَا إذا خرجَتْ ما يسْتُرُ، ولا يشْتَهِرُ.
ومن (الْعُتْبِيَّة): روى أَشْهَبُ عن مالكٍ قال: ولا تُصَلِّي المرأةُ باديةَ النَّحْرِ، ولِبَاسُ القميصِ لها أَحَبُّ إليَّ، وأَكْرَهُ القَرْقَلَ.
قال موسى بن معاوية، عن ابن القاسمِ: وإذا صَلَّت بغير خمارٍ، أو بثَوْبٍ يَصِفُها، أعادَتْ في الْوَقْتِ، والوقتُ للظُّهْرِ والعَصْرِ اصْفرارُ الشَّمْسِ. وإنْ صَلَّتْ في ثَوْبٍ واحدٍ مُلْتَحِفَةً بِهِ، فإنْ سَتَرَ منها ما يستُر الدِّرْعُ والخمارُ بلا اشْتِغَالٍ

(1/205)


بإمساكه فلا بأس بذلك، وإن كانت تمسكه بيدها فلا خير فيه.
ومن (المَجْمُوعَة): قال ابنُ القاسمِ: قال مالك: وإن صلت في درع وجلباب بلا خمار، فإن ستر منها الجلباب ما يستر الخمار وثبت، والدَّرع سابغ، فذلك جائز، ولا أرى إن يطل منها بثوب تطرحه عليها وهو لا يستقرُّ، وكذلك أم الولد.
قال عنه علي بن زياد: وإن صلت في ثوب مشتملة به، قد عطَّت به شعرها أعادت في الْوَقْتِ.
قال عنه ابن وهب: ولا تصلي متنقِّبة. قال عنه ابن القاسم: ولا تعيد إن فعلت. قال ابن حَبِيب: لا تصلي متنقبة أو مشتملة، فأن فعلت لم تُعِدْ. قاله ابن القاسم.
ومن المحموعة: قال أَشْهَبُ: إذا انكشف بعض رأسها، وبعض الفخذ، أو البطن، أو دراعيها، أعادت في الوقت.
وإذا صلَّت الصَّبية لم تبلغ بغير قناع، وهي ممن تؤمر بالصَّلاة، قال أَشْهَبُ: فتعيد في الْوَقْتِ. وكذلك في صَلاةِ الصَّبي عريانًا، فإن صَلَّى بغير وضوء أَعَادَ أبدًا.
قال سحنون في (كتاب أبيه): إنما يُعِيد بالقرب ما لم يَطُل، ولا يُعِيد بعد اليومين والثَّلاثة.
قال ابن حَبِيب: المأمورة بالصَّلاة من الصَّغار تستر كالكبيرة.
ومن (الْعُتْبِيَّة): قال أَشْهَبُ عن مالك في المرأة تخرج من البحر

(1/206)


عريانة، فلتصلِّ قائمة، إلاَّ أنْ يراها أحد.
قال عنه ابن القاسم: ولا بَأْسَ بالشابة العازبة ان تدع لباس القلادة والقرطين والخضاب، ولا بَأْسَ عليها أن تصلي بغير قلادة ولا قرطين، وإنَّما يفتيهن بهذا العجائز.
ومن (المَجْمُوعَة): قال ابن نافع، عن مالك: ولا تصلي الأمة في إزار وعمامة على عاتقها. يريد بالإزار: المِئْزَر.
قال ابنُ القاسمِ: وليكن على جسدها ثوب يستره.
قال ابن حَبِيب، قال أصبغ: يستر الأمة فِي الصَّلاَةِ ما يستر الرَّجل، ولو صلت هي أو الرَّجل مكشوفي البطن ما ضرَّهما، وعورتهما بين السَّرة إلى الرَّكبتين، ويجوز أن تصلي في ثوب واحد، وتخالف بين طرفيه، ولو صَلَّتْ مكشُوفَة الفَخِذ، أَعَادَتْ في الوَقْتِ، ولو صَلَّى الرَّجُل مكشوف الفَخِذِ لم يُعِدْ، والسَّتر موضوع عن الأمة، موضوع عند الرَّجال، فلذلك لم يؤمر به فِي الصَّلاَةِ، وأمُّ الولد لها عقد قوي من الحرية، فأمرت بالستر.
باب في الأمة تعتق فِي الصَّلاَةِ، وصفة خمار الحرة، أو ثوب الرَّجُل عن عورته فِي الصَّلاَةِ
قال ابن حَبِيب: وإذا أعتقت الأمة فِي الصَّلاَةِ فلتُخَمَّرْ في بَقِيَّتِهَا، فإنْ تركتْهُ جهلاً، أو لم يُمْكِنْها، أَعَادَتْ في الوَقْتِ. قاله ابن القاسم، وابن الماجشون. وقال أصبغ: لا تُعِيدُ إلاَّ أن تُعْتَقَ قبل الصَّلاة، فتَعْلَمُ فِي الصَّلاَةِ أو بعدها، فلتعدْ في

(1/207)


الوقت.
ومن (الْعُتْبِيَّة): روى عيسى عن ابن القاسم في أمة عتقت بعد ركعة من الفريضة، ورأسها منكشف، فإن لم تجد من يناولها خماراً ولا وصلت إليه فلا تعيد وإن قدرت على أخذه فلم تأخذه أو أعطيته فلم تأخذه أَعَادَتْ في الوَقْتِ؛ وكذلك العريان يُصَلِّي -يريد: إذا لم يجد - ثم يقدر فِي الصَّلاَةِ على ثوب.
وقال لسحنون: إذا أعتقت فِي الصَّلاَةِ ورأسها مكشوف فلتقطع وتبتدئ، وكذلك العريان يجدُ ثوباً فِي الصَّلاَةِ.
وقال أصبغ: إذا تمادت بعد العتق وهي تجد أن تُسْتَرَ فلم تفعل فلا تعيد في وقت ولا غيره؛ كالمتيمم يجد الماء بعد أن صَلَّى ركعة، فليتمادَ. وهذا أشَدُّ، وإنَّما استحسن لها الاستِتارُ حينئذ، وليس بواجب. فأما لو عتقت قبلَ الصَّلاةِ، فهذه تُعِيدُ، كما قال ابنُ القاسمِ، وهي كمَنْ نسي الماء في رحله، إلاَّ أن من نسيه في رحله يُعِيد أبدا عنده لأنه من أهل الماء حين هو في رحله أم جهله.
وروى موسى عن ابن القاسم، أنها إن أخذت ثوبا فِي الصَّلاَةِ حين عتقت، فاستترت به، رجوت أنْ يجزئها، وأَحَبُّ إليَّ أن لو جعلتها نافلة، إن كانت ركعة شفعتها وسلمت، وابتدأت، كمن نوى الإقامة بعد أن صَلَّى ركعة.

(1/208)


قال مالك: أَحَبُّ إليَّ أن تُعِيدَ.
قال: ولو طرح الرَّيح خمار الحرة فِي الصَّلاَةِ، فغن قرُب منها فتناولته، فلا بأس بذلك، وإن تباعد، سلَّمت، وابتدأت.
ولو أن إمامًا صَلَّى بثوب مُتَوَشِّحًا، فوقع ثوبه عنه وهو راكع، فانكشف فرجه ودبره فإن أخذه مكانه، ورفع رأسه فذلك يُجْزِئُهُ.
قال سحنون: ويُعِيد كل من نظر إلى فرجه ممن خلفه، ولا شيء على مَنْ لم ينظر. وكذلك روى أبو زيد فِي مَنْ سقط ثوبه فِي الصَّلاَةِ، أنَّه يستتر ولا شيء عليه.
قال سحنون في (كتاب أبيه): إنه إن أخذه مكانه، فصلاته وصلاة من خلفه فاسدة، وكذلك المعتقة فِي الصَّلاَةِ تستتر بعد العتق، فصلاتها فاسدة، وإن استترت مكانها. وكذلك قال في (المَجْمُوعَة) فيهما.
في ذكر النَّجاسة فيما يُصَلِّي به أو عليه، وذكر الدَّم والميتة والكيمخت، ومن رأى في ثوبه أو ثوب إمامه نجاسة، ومَنْ كَانَ بين يديه فِي الصَّلاَةِ نجاسة، أو من لا يتحفَّظ منها
وهذا الباب قد تقدَّم كثير منه في كتاب الطَّهارة، وفي باب مفرد.

(1/209)


ومن (الْعُتْبِيَّة) قال ابنُ القاسمِ عن مالك في دم الحيضة: لا تعاد الصَّلاة من قليله، وتعاد من كثيره في الوَقْتِ.
قال سحنون: وروى ابن نافع، وعلي بن زياد، وابن الأبرش عن مالك أنَّه كالبول تُعاد من يسيره في الْوَقْتِ.
قال ابن حَبِيب: كل دم من إنسان أو بهيمة أو ميتة أو غيره سواءٌ، إلاَّ دم الحيض، فيختلف في قليله. فقال ابنُ القاسمِ، ومطرف، وابن عبد الحكم، وأصبغ: لا تعاد من قليله. وقال ابن وهب، وابن الماجشون: تعاد من قليله. وبه أقول.
ومن (المَجْمُوعَة): قال ابنُ القاسمِ، عن مالك: والخمر والمسكر نجس، تعاد منه الصَّلاة، كما تعاد من النَّجاسة.
وفي كتاب الطَّهارة قول لابن وهب في الإعادة إبدًا في أربعة أشياء.
ومن (الْعُتْبِيَّة) روى موسى بن معاوية عن ابن القاسم في مَنْ صَلَّى على أرض نجسة، أو دم، أو عذرة، ولم يعلم أنَّه يُعِيد في الوَقْتِ.
وقال ابنُ القاسمِ عن مالك: من صَلَّى ببول الفارة أَعَادَ في الوَقْتِ. قال سحنون: لا يُعِيد، وقد أجازت عائشة أكلها. قال لنا أبو بكر: إن كانت بموضع لا تصل إلى النَّجاسة فلا بأس ببولها.
ومن الواضحة، قال ابن حَبِيب: بولها وبول الوطواط وبعرهما نجس. ومَنْ صَلَّى بنعليه ثم وجد فيهما نجاسة في أسفلهما أو أعلاهما أَعَادَ. ولو كانتا بين رجليه، فإن كانت في إعلاه أَعَادَ، وإن كانت في أسفله لم يُعِدْ. ولا يجزئ حكُّه من القشب الرَّطب لخِفَّةِ نزعه، بخلاف الخفِّ. وساوى ابن القاسم بينهما.

(1/210)


وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بنزعِهِ إذا كان فيه أذًى.
ومن (المَجْمُوعَة)، قال عليُّ بن زياد، عن مالك: لا بأس بالصلاة على أحلاس الدواب، إذا جعل ما يلي ظهر الدابة يلي الأرض، ويسجد على غيرها.
قال ابن حبيب: ومن لم يغسل موضع المحاجم حتى صلى فلا يُعِيد، وما روى عن سعيد بن المسيب وغيره من فتل الدم في الأصابع أكثر من هذا.
ومن صَلَّى على حصير تحته نجاسة، فلا شيء عليه.
ومن ابتاع ثوبًا من ذمي، أو ممن لا يتحفظ من المسلمين من البول والنجاسة والخمر، أو أعارهم ثوبه، أو لامرأة لا تحسن التوقي من النجاسة، فليغسله قبل أَنْ يصلي فيه.
وخفا النصراني والمسلم السوء مثل ثوبه.
ولا شيء على من بصق دمًا في الصَّلاَة، ما لم يتفاحش كثرته.
ومن (العتيبة)، قال ابن القاسم: وكره مالك أَنْ يبطن الخف بدم الطحال. قال سحنون: ومن صَلَّى به لم يُعِدْ.
قال أشهب عن مالك: ومن نسي فأرجو أنْ لا يكون عليه الإعادة. أبو محمد: أراه يريد إذا مسح أو كان ببُعْدٍ.
قال مالك: وإذا أسلم النصراني فلا يصلي حتى يغسل ثيابه ويغتسل.
قال عيسى، قال أبو محمد المخزومي: سألت مالكًا عن الكيمخت،

(1/211)


فقال: هذا تعمق قد صَلَّى الصحابة بأسيافهم وفيها الدم. وكرهه ابن القاسم، قال سحنون: وروي عن مالك قال: ما زال الناس يصلون بها وفيها الكيمخت. وقال موسى: أخبرني جرير بن عبيدة، عن إبراهيم، قال: كانوا يرون ذبائح الكيمخت طهورة ويخطُّونه في أسيافهم.
قال عبد الملك بن الحسن، قال ابن وهب: لا بأس بالصلاة على جلود الميتة إذا دُبِغت، على ظاهر الحديث، وكذلك بيعها.

(1/212)


قال يحيى بن عمر: وقول مالك لا يصلى عليها ولا تباع.
قال يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم في الجُنُبِ يحلق رأسه ويبقى من شعره في ثوبه، فلا شيء عليه، إلاَّ أَنْ يصيب الشعر نجاسة.
قال يحيى بن يحيى: وإن صَلَّى على بساط شعر الميتة، فلا شيء عليه.
ومن المَجْمُوعَة، قال ابن القاسم: استحسن مالك غسل شعر الميتة وصوفها أو وبرها، قال عنه ابن نافع: إن علم أنَّه لم يصبه أذى فلا شيء عليه، وليس الريش كذلك، ربما يكون في أصوله دم، وإنما ينتف منه الزغب، فلا بأس به.
قال عنه علي: إذا صَلَّتِ امرأة بقصَّة من شعر غيرها، لم تُعِد، وتستغفر الله.
وقال سحنون فِي مَنْ ألقي عليه وهو في الصَّلاَة ثوب نجس، فسقط عنه مكانه ولم يثبت: أرى أَنْ يبتدئ الصَّلاَة.
قال ابن الْمَوَّاز في ثياب تصبغ بالبول، قال: إن طهرت فلا بأس بها.
وقال عنه ابن نافع، في المَجْمُوعَة: وترك الصبغ بالبول أعجب إلي.
قال عنه ابن نافع: فإذا رأى في ثوبه في الصَّلاَة دمًا كثيرًا، قطع ونزعه، وَلا بَأْسَ أَنْ يضعه بين يديه، ويُخَمِّرّ الدم، ويبتدئ الصَّلاَة.
قال عنه ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة وإذا صَلَّى بشيء يكرهه مثل الماء يلغ فيه الكلب أو قليل الدم مما يستحبُّ ألا يصلي به فإن ذكر ذلك في الصَّلاَة، لم يفسد صلاته.
قال ابن حبيب: من صَلَّى على موضع نجس ولم يعلم أَعَادَ في الوَقْتِ، إن كانت في موضع قيامه أو قعوده، أو موضع سجوده، أو موضع كفَّيْه، فأما إن

(1/213)


كانت أمامه أن عن يمينه، أو يساره، فلا شيء عليه. ومن صَلَّى وأمامه ثوب فيه جنابة، ولم يعلم حتى فرغ، فلا يُعِيد. ومن تعمد الصَّلاَة إلى النجاسة، وهي أمامه، أَعَادَ صلاته، إلاَّ أن تكون بعيدة عنه جدًّا، أو يواريها عنه شيء، وإن كان دونها ما لم يوارها، فذلك كل شيء.
ومن (الْعُتْبِيَّة)، روى يحيى، عن ابن القاسم، في الإمام يرى في ثوبه نجاسة، فليستخلف، وينزعه أو يغسله، ثم يدخل مع الناس.
قال ابن حبيب: إن نزعه وعليه غيره، فليخمره ويدخل مع الإمام.
قال يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، في (الْعُتْبِيَّة): وإذا رأى المأموم النجاسة في ثوب إمامه فقدر أَنْ يريها للإمام فليفعل، فإن لم يقدر وتمادى معه، أَعَادَ أبدا أحب إلى، وإن لم يُعِدْ إلاَّ في الوَقْتِ أجزأه.
قال سحنون: إذا كان بينه وبين الإمام صفوف، فلا بأس أَنْ يخبره متكلما بما في ثوبه، ويبتدئ هذا المخبر الصَّلاَة.
قال في (كتاب أبيه): ويستخلف الإمام. وإن أخبره بالإشارة فليبن المخبر، إذا لم يعمل عملا خلفه بعد علمه بالنجاسة، ولا يقطع، إلاَّ أنْ لا يفهم عنه إلاَّ بالكلام.
ومن (الْعُتْبِيَّة)، أشهب، عن مالك: ومن صَلَّى وأمامه في الصف صبي لا يتحفظ من الوضوء، فأرجو أَنْ يكون واسعا.

(1/214)


قال عيسى، عن ابن القاسم: إن كان في الصف مجنون مطبق، لا يتوضأ ولا يتطهر، أو صبي، أو امرأة، أو كانوا حذاءه، فليتنح عنهم، أو ينحيهم، أو يبعد عنهم، فإن تمادى فلا إعادة عليه، كان عامدا أو ساهيا أو جاهلا. وقد كره أبو سلمة بن عبد الأسد، الذي كان زوج أم سلمة زوج النبي صَلَّى الله عليه وسلم أَنْ يصلى وبين يديه في الصف مأبون في دبره، وهو كمن صَلَّى وبين يديه جدار مرحاض. قال مالك: فلا شيء عليه، وكذلك الكافر والمجنون.

في مَنْ لم يجد إلاَّ ثوبا نجسا أو حريرا، وفي
إعادة الصَّلاَة فِي مَنْ صَلَّى بذلك، ووقت من
يُعِيد في ذلك، وذكر صلاة المعطوبين لا
يجدون ثيابًا
وفي الوضوء باب كثير من هذا.
ومن (الْعُتْبِيَّة)، روى أبو زيد، عن ابن القاسم، في مسافر ليس معه إلاَّ ثوبان، أحدهما نجس، بلغني عن مالك أنَّه يصلي في واحد -قال أبو محمد: يريد تحريا – قال مالك: ويُعِيد إن وجد ثوبا طاهرا في الوَقْتِ. قال ابن القاسم: وأنا أرى ان يصلي بكل واحد صلاة مكانه، ثم يُعِيد إن وجد غيرهما في الوقت.
ومن (كتاب) آخر، قال ابن الماجشون مثل قول ابن القاسم، يصلى بكل

(1/215)


ثوب صلاة. وقال سحنون يتحرى أحدهما ويصلي به، أرأيت لو كانت مائة ثوب أحدها طاهر أيصلي مائة صلاة. وقول ابن سحنون هو قول مالك ههنا، وهذه في كتاب الوضوء مستوعبة مع ما يشبهها.
ومن (المَجْمُوعَة)، قال أشهب: ومن لم يجد إلاَّ ثوبا نجسا. فصلى عريانا، فليعد بذلك الثوب في الوَقْتِ، إن لم يجد غيره.
قال سحنون: ومن صَلَّى بثوب نجس، ثم وجد حرير في الوَقْتِ فلا يُعِيد به.
ومن لم يجد إلاَّ ثوب حرير وثوبا نجسا، ولا ماء معه، فقال ابن القاسم: يصلي بالحرير. قال ابن الْمَوَّاز قال أصبغ: يصلي بالنجس. قالا: ويُعِيد في الوَقْتِ إن وجد غيره. قال أصبغ: فإن صَلَّى بالحرير فلا إعادة عليه. قال أشهب: إلاَّ أنْ لا يستره فيُعِيد في الوَقْتِ، كالعريان، ويصلي عريانا أَحَبُّ إليَّ من الصَّلاَة بالثوب الحرير.
أبو بكر، عن يحيى، عن البرقي، عن أشهب فِي مَنْ صَلَّى بثوب نجس عامدا، قال: يُعِيد في الوَقْتِ.
ولأشهب فِي مَنْ صَلَّى عريانا قول تركت ذكره، وفي باب الصَّلاَة بالحرير شيء من هذا.
ومن (المَجْمُوعَة) ابن القاسم، عن مالك، فِي مَنْ صَلَّى بثوب نصراني، ولم يعلم، ثم علم به، فتمادى لبسه له على كل حال: يُعِيد ما صلى. وروى نحوه ابن نافع.
ومن (الواضحة)، قال: ومن صَلَّى بثوب نجس عامدا، أَعَادَ أبدا. وإن لم يجد غيره صَلَّى به، فإن وجد في الوَقْتِ ماء، غسله، أو وجد غيره، أَعَادَ. والوقت فيه غروب الشمس، وفي من صَلَّى إلى غير القبلة، هذا قول عبد الملك وابن

(1/216)


عبد الحكم، وقال ابن القاسم: الاصفرار. والأول أحب إلى.
قال ابن الْمَوَّاز: روى ابن القاسم، عن مالك أن وقته الاصفرار، وفي الصبح الإسفار، وفي صلاتي الليل طلوع الفجر، في الصَّلاَة بثوب نجس أو إلى غير القبلة.
وقال مالك: في مسافر لم يجد إلاَّ ثوبا نجسا، فصلى به، فوقته غروب الشمس، وفي الصبح إلى طلوعها.
وقال في الذي يقضي ما نسى، وقد صَلَّى العصر، فليعدها ما بقى من النهار ركعة.
ومن (المَجْمُوعَة)، قال ابن الماجشون: ومن صَلَّى بثوب نجس، ثم ظن في الوَقْتِ أنَّه لم يصل، فصلى بثوب طاهر، ثم ذكرها، فليعدها في الوَقْتِ؛ لأن وقتها الذكر.
قال ابن حبيب: ومن رأى في ثوبه نجاسة، فهم بغسلها، ثم نسى حتى صَلَّى بها، فليعد في الوَقْتِ، ولو رأها في الصَّلاَة، فهم بالقطع، ثم نسى، فأتمها، فليعد أبدا، ولو رأها بعد أن سلم، وهو في الوَقْتِ، ثم نسى أَنْ يُعِيدَ حتى خرج الوقت، فليعد أبدا، ولو ذكر وقد سلم من صلاة قبلها، فصلاها، ثم نسى أَنْ يُعِيدَ هذه، فليعدها أبدا، وكذلك لو ذكرها فيها، فهم أَنْ ينصرف، ثم نسى، فأتمها، فليعد أبدا. وقال مطرف، وابن الماجشون، وروياه عن مالك.

(1/217)


وقال ابن القاسم: لا يُعِيد من ذلك كله إلاَّ ما كان في وقته.
وقال سحنون في هذه وفي التي قبلها: لا يُعِيد ذلك بعد الوقت. وكذلك ذكر ابن الْمَوَّاز عن ابن القاسم، وذكر قول عبد الملك، واختار قول ابن القاسم.
قال ابن سحنون، عن أبيه: ومن صَلَّى بثوب حرير نجس إذا لم يجد غيره، ثم وجد في الوَقْتِ ثوب حرير طاهرًا، فلا يُعِيد، إلاَّ أَنْ يجد غير حرير، وكذلك من صَلَّى بثوب نجس غير حرير، ثم وجد ثوب حرير طاهرًا.
ومن الْعُتْبِيَّة قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب فِي مَنْ ذكر صلاة منذ شهر فصلاها، فبعد أن سلام ذكر انه صلاها بثوب نجس، قال: يُعِيدها. قال يحيى بن عمر: وقول مالك وجميع أصحابنا أنَّه لا يُعِيد.
ومن المَجْمُوعَة، قال عبد الملك: من صَلَّى الجمعة بثوب نجس، فليعد ما دام وقت الظهر ظهرًا، فإن دخل وقت العصر لم يُعِدْ، وإن ذكر في الوَقْتِ ثم نسي حتى خرج الوقت، فليعدْ أبدًا. وكذلك في غير الجمعة فيما يعاد في الوَقْتِ، فيذكر في الوَقْتِ، ثم ينسى حتى يخرج الوقت.
وقال سحنون في (كتاب أبيه): واختلف في هذا عن مالك، وأَحَبُّ إليَّ أَنْ يكون وقت الجمعة الفراغ منها.
وقال ابن القاسم في المَجْمُوعَة: إن ذكر الصبح بعد أن صَلَّى الجمعة، فليصل الصبح ولا يعد الجمعة؛ لأنها قد فاتت، إذ لا تعاد إلاَّ ظهرًا. ورواه عن عبد الرحيم، عن مالك.

(1/218)


قال سحنون: وأكثر الرواة على أَنْ يُعِيدَ في الوَقْتِ ظهرا.
وقال ابن حبيب: وقت مصلَّى الجمعة بثوب نجس أَنْ يُعِيدَ ما لم تغب الشمس.
وكذلك إن ذكر صلاة بعد أن صَلَّى الجمعة نظرت إلى بقية الوقت بعد قضاء التي ذكر إلى غروب الشمس. هذا قولهم إلاَّ أشهب، فقال: وقتها الفراغ منها.
ما يكره أَنْ يصلى فيه من الأماكن، أو يصلى عفيه مما يشك فيه
من الواضحة، قال: وقد نهي عن الصَّلاَة في المقبرة، والمجزرة، والمزبلة، ومحجة الطريق، وظهر بيت الله، ومعاطن الإبل.
وتأويل ما ذكر من المقبرة أنها مقبرة المشركين؛ لأنها حفرة من حفر النار، وأما مقبرة المسلمين فلا، عامرة كانت أو داثرة. قال مالك: وكان الصحابة يصلون فيها. قال غيره: وقد صَلَّى النبي صلى الله عليه وسلم على قبر السوداء، وفي هذا دليل.

(1/219)


قال ابن حبيب فِي مَنْ صَلَّى في مقبرة المشركين وهي عامرة: أَعَادَ أبدًا في العمد والجهل، وإن كانت دارسة لم يُعِدْ وقد أخطأ. قال: ويُعِيد من صَلَّى في المجزرة والمزبلة أبدًا في العمد والجهل، ويُعِيد في السهو في الوَقْتِ. قال: ولا يصلى في الطرق التي فيها أرواث الدواب، إلاَّ من ضيق المسجد في الجمعة. قال في المدونة: في الجمعة وغيرها.
قال ابن حبيب: وقد يضيق الطريق بالمسافر، فلا يجد عن يمينه وعن يساره ما يصلي فيه فيجوز له ذلك.
ومن صَلَّى في الطريق من غير ضرورة أَعَادَ أبدا في العمد والجهل وفي السهو في الوَقْتِ.
وتجوز الصَّلاَة في الزبى من غير ضرورة، والزبى كذا تكون في خلال الطريق عافية من آثار الناس والدواب.
قال: ومن صَلَّى فوق الكعبة، أو في داخلها فريضة أَعَادَ أبدًا، في العمد والجهل، ولا يصلي فوق ظهرها نافلة، وهو كمصل إلى غير قبلة، ويصلي النافلة في داخلها كما جاء الحديث.

(1/220)


قال ابن الْمَوَّاز: قال أصبغ: من صَلَّى بالكعبة أَعَادَ أبدًا.
قال مالك في المختصر: من صَلَّى على ظهرها أَعَادَ.
قال أشهب في المَجْمُوعَة: ومن صَلَّى فوق ظهر الكعبة أَعَادَ في الوَقْتِ. وقال: ومن صَلَّى فيها، لم أر عليه إعادة. وهذا قد تقدم في باب القبلة.
قال ابن حبيب: وكره مالك الصَّلاَة في عطن الإبل، وإن بسط عليه ثوبًا طاهرًا. قال ابن حبيب: ومن صَلَّى فيه أَعَادَ أبدًا في العمد والجهل كموضع نجس، وإنما نهي عن ذلك لما يستتر به للمذاهب.

(1/221)


وقال غير ابن حبيب: وقد روي أنها مثِّلت بالشياطين، فإن تأويل النهي عن الصَّلاَة في معاطنها لنفارها فتخلط على المصلي؛ لأن أبوالها قد أجاز النبي صلى الله عليه وسلم شربها. وكل محتمل، والله أعلم.
وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم أنَّه تأول النهي عن ذلك لما يخالطها من مذاهب الناس، قال: ولو سلم من أَنْ يخرج الناس فيه، فلا بأس بالصلاة فيه.
ومن المَجْمُوعَة قال ابن القاسم: قال مالك: لا يصلى في عطن الإبل وإن لم يجدْ غيره، وإن بسط ثوبًا.

(1/222)


قال ابن الْمَوَّاز: قال أصبغ: فإن صَلَّى فيه أَعَادَ في الوَقْتِ.
قال علي بن زياد، عن مالك: لا يصلى في المجزرة والمزبلة وكل موضع غير طاهر.
قال عنه ابن القاسم في مساجد بالأفنية تمشي فيها الكلاب والدجاج وغيرها: فلا بأس أَنْ يصلى فيها.
قال مالك: وَلا بَأْسَ بالصلاة في السباخ وعلى الثلج، وفي مراح البقر والغنم.
ومن الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم عن مالك: وَلا بَأْسَ بالصلاة في الموضع الطاهر من الحمام، وأَنْ يقرأ فيه مثل الآيتين والثلاثة.
قال ابن حبيب: ولا يصلى في الكنائس إلاَّ من اضطر إليها من مسافر لمطر ونحوه، فليبسط فيها ثوبًا طاهرًا، ويصلي. وَلا بَأْسَ أَنْ يصلي فيها إن كانت دارسة عافية، إذا التجأ إليها.
ومن الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم وأشهب عن مالك: إن وجد غير الكنائس فلا أحب أَنْ يصلى فيها.
قال سحنون: أَحَبُّ إليَّ أَنْ يُعِيدَ من صَلَّى فيها؛ لضرورة أو غير ضرورة في الوَقْتِ كثوب النصراني.
قال ابن حبيب: ولا أحب الصَّلاَة في بيت من لا يتنزه عن الخمر والبول، فإن فعله أَعَادَ أبدًا، وأكره الصَّلاَة على حصير أو بساط مسدل، يمشي عليه الصبيُّ والخادم ومن لا يتحفظ، وليتخذ الرَّجُل في بيته موضعًا يصونه لصلاته، أو حصيرًا نقيًّا، فإن لم يفعل وصَلَّى حيث شاء في بيته ولا يوقن فيه بنجاسة لم يعدْ.

(1/223)


باب في الصَّلاَة على البسط والثياب أو إلى ما فيه تماثيل وفي حمل الحصباء من الشمس إلى الظل
قال ابن حبيب: وأَحَبُّ إليَّ أَنْ يتواضع المصلي بالسجود ووضع الكعبين على الأرض، أو ما تنبته الأرض من الحصر، ويدع البسط والمصليات ونحوها في ذلك، ولولا أن ذلك أقرب إلى التقوى ما مضى الأمر على تحصيب المسجدين وتحصير غيرهما بالحصر , ولو كان غير ذلك أحسن، لفرشها أهل الطول بأفضل ذلك، وَلا بَأْسَ أَنْ يقف عليها ويجلس، ولو صَلَّى في بيت غيره، أو بموضع لم يمكنه ذلك، فلا بأس إن سجد عليها، وليس الأمر في ذلك بضيق، وقد جاء فيه بعض الرخصة، وأما لحرٍّ أو بر فلا بأس بذلك.
ومن الْعُتْبِيَّة قال أشهب عن مالك: إنه كره الصَّلاَة على البسط، أو على كساء أو ساج، أو ثوب قطن، أو كتان، ولا شيء على من صَلَّى على ذلك، والصَّلاَة على التراب والجمر والخشبة أَحَبُّ إليَّ.
قال عنه ابن القاسم: وأكره حمل الحصباء من الظل إلى الشمس، وليسجد على فضل ثوبه من الحرِّ، كما فعل عمر، وأكره اتخاذ البسط فيها التصاوير، والصَّلاَة عليها إلى لضرورة.
وقال أشهب في المَجْمُوعَة: فإن فعل ذلك أو صَلَّى إلى قبلة فيها تماثيل لم يعدْ، وهو مكروه، وأما إن كان في قبلته ستر فيه تماثيل فلا أكره ذلك؛ لما جاء إلاَّ

(1/224)


ما كان رقمًا في ثوب، ولا أكره الصَّلاَة عليه للتماثيل، لكن لكراهة الصَّلاَة على البسط.
قال ابن حبيب: وأرخص مالك في قيام رمضان في فرش الطنافس في المسجد للقيام عليها والجلوس؛ لطول الصَّلاَة ولْيَلِ الأرض والحصير بوجهه ويديه. وكره فرشها في المسجد لغير القيام، إلاَّ في المصلى في العيدين يتقى فيها أذى الأرض.
ومن المَجْمُوعَة قال ابن القاسم: كره مالك أَنْ يسجد على البسط إلاَّ أَنْ يجعل عليها خُمرة أو حصيرًا.
قيل له: فالمروحة؟ قال: هي صغيرة لا تكفي إلاَّ أَنْ يضطر إليها.
قال عنه علي: والخُمرة إنما تتخذ من الجريد وتضفر بالشوك.
وقال فِي مَنْ يشتكي ركبتيه وهو يُصلي على الحجارة: فلا بأس أَنْ يجعل تحت ركبتيه شيئًا، وإن لم يقم عليه.

باب ما يكره من لباس الحرير والذهب في الصَّلاَة وغيرها
ومن الواضحة والحرير المحض محرم لبسه في الصَّلاَة وغيرها، فمن صَلَّى بثوب حرير، فإن كان عليه غيره مما يستره أجزأه، وقد أثم في لباسه، وإن لم يكن عليه غيره، أَعَادَ أبدا. ومن صَلَّى وفي كمه ثوب حرير، أو حلي ذهب، فلا شيء عليه، ولا بأس بذلك. وما مزج من الثياب، حرير بقطن، أو كتان، أو

(1/225)


صوف، فيكره، ولا يطلق فيه التحريم؛ لاختلاف السلف فيه، أجازه ابن عباس، وكرهه ابن عمر من غير تحريم، وكان ابن عمر لا يلبس الثوب فيه الشيء من الحرير. ولبس مالك ساج إبريسم، كساه إياه هارون. وكرهه في فتياه.
وأما الخز فلم يختلفوا في إجازة لباسه، وقد بلغني لباسه عن خمسة عشر من الصحابة؛ منهم عثمان، وسعيد بن زيد، وابن عباس، وخمسة عشر تابعيًّا، وكان ابن عمر يكسو ابنيه الخز، ولبس عمر بن عبد العزيز في الجمعة كساء خز أبيض. وليس بين الخز وما سداه حرير من القطن وغيره فرق إلاَّ الاتباع.
قال مالك: وقد صَلَّى الصحابة بالكيمخت في سوقهم. قال ابن حبيب: فلو جعل ذلك في زمام نعل، أو لوزة خف، أخطأ، وإن صَلَّى به – يريد: عامدا-أَعَادَ أبدًا ولا فرق فيه غير الاتباع. وقد تقدم القول في الكيخمت في باب قبل هذا.
قال ابن حبيب: ولا بأس بالعلم الحرير في الثوب وإن عظم، لم يختلف في الرخصة فيه والصلاة به، وروى فيه للنبي صَلَّى الله عليه وسلم من أصبعين إلى أربع، وعن عمر وغيره.

(1/226)


ولا يُجْعَل من الحرير لا جيب في فرو، ولا زر في ثوب، ولا يفرشه، ولا يصلي على بسطه، ولا يتكأ عليه، ولا يلتحف بلحفه، أو ما بطن بحرير، أو بمشامل الصوف المرقومة بالحرير، ولا يتقبب بحرير ولا بديباج، وهو كاللباس، بخلاف الستر من الحرير، ولا يركب عليه، ولا بأس أَنْ يعلق سترا، وأن يستمتع بثياب الحرير فيما وصفت لك.
ولا بأس أَنْ يخاط الثوب بحرير. قاله مالك.
واستخف ابن الماجشون لباس الحرير في الجهاد، والصلاة به حينئذ للترهيب على العدو، والمباهاة به. وروى ذلك عن عائشة وأنس، وغيرهما من صاحب وتابع.
والذي ذكر ابن حبيب من لباس الحرير في الغزو، ليس بمذهب مالك.
قال ابن حبيب: وقد أرخص النبي صَلَّى الله عليه وسلم في الحرير لعبد الرحمن بن عوف، وللزبير، لحكة بهما.

(1/227)


قال مالك: يُكْرَه لباسه للصبيان مع لباس الذهب كالكبار.
ومن الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم عن مالك في السيجان الإبريسمية قيامها حرير، والملاحف لها علم خرير إصبعين، قال: ما يعجبني ذلك لنفسي، وما أراه حرامًا. وكره لباس الملاحف فيها إصبع أو إصبعان أو ثلاثة حرير.
قال ابن القاسم في المَجْمُوعَة: ولم يجز مالك عن علم الحرير في الثوب إلاَّ الخط الرقيق.
ومن كتاب آخر أن ربيعة كان يجيز لباس الثوب فيه أعلام حرير نحو السبعة.
ومن الْعُتْبِيَّة قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب: ومن صَلَّى بثوب حرير وهو واجد لغيره، قال: لا يُعِيد في وقت ولا غيره. قال أشهب: إن كان عليه غيره يواريه لم يُعِدْ، وإنْ لم يكُنْ عليه غيره أَعَادَ في الوَقْتِ.
وقال في موضع آخر في المصلي وفي إصبعه خاتم ذهب: إنه لا يُعِيد.
قال أبو زيد عن ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة: وإن صَلَّى وفي كمه ثوب حرير فلا شيء عليه.
ولا يصلي بقلنسية حرير وبتكة حرير.
قال سحنون في الرابع من الأقضية: من صَلَّى بثوب حرير وعليه ما يواريه غيره، إنه يُعِيد في الوَقْتِ. وكذلك لابس الخاتم الذهب، فأما إن كان في كمه ذهب أو

(1/228)


حرير فلا إعادة عليه، إلاَّ أَنْ يشغله فيُعِيد. يريد سحنون: أبدًا.
وفي سماع أصبغ قال ابن القاسم: ومَنْ لم يجد إلاَّ ثوب حرير فليصل عريانًا أَحَبُّ إليَّ.
قال ابن الْمَوَّاز عن أصبغ: إن لم يجد إلاَّ ثوب حرير وثوب نجس ولا ماء معه، فليصل بالنجس ويُعِيد في الوَقْتِ إن وجد، فإن صَلَّى بالحرير فلا إعادة عليه.
قال أشهب: إلاَّ أنْ لا يستره فيُعِيد في الوَقْتِ، كالعريان، ويصلي عريانًا أَحَبُّ إليَّ من الثوب الحرير.
ومن كتاب آخر روى يحيى ابن بكير عن أبي المصعب، عن مالك قال: لا بأس أَنْ يُحْرِمَ الرَّجُل في ثوب فيه قدْرُ إصبع من حرير.

في الإقبال على الصَّلاَة والخشوع فيها والبكاء والمشي إليها، وذكر الله فيها جوابًا أو استرجاعا أو قعودًا أو نحو هذا، والنظر إلى الشيء فيها
من الْعُتْبِيَّة من سماع ابن القاسم قال مالك في قوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ}، قال: الإقبال عليها والخشوع فيها.

(1/229)


ولقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أَنْ ينزع من نعله شراكان جديدان جعلهما، وأَنْ يُرَدَّ فيهما الخلقان، وقال: «إني نظرت إليهما في الصَّلاَة». ولقد كره الناس تزويق المسجد حين جعل بالذهب والفسيفساء، وتأولوا أنَّه يشغل الناس في صلاتهم.
قال: وَلا بَأْسَ بالإسراع إلى الصَّلاَة عند الإقامة ما لم يسع أو يخبَّ.
قال في موضع آخر: وكره الإسراع الذي يبهر فيه.
ومن سمع مؤذن الحرس فحرَّك فرسه ليدرك الصَّلاَة فلا بأس بذلك.
وإذا أقيمت الصَّلاَة ورجلان في مؤخر المسجد مقبلان يتحدثان، فليتركا الكلام بعد إحرامه.
ومن سماع أشهب قال مالك: وقرأ عمر بن عبد العزيز في الصَّلاَة، فلما بلغ: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى}، فخنِقَتْه العَبْرَةُ فسكتَ، ثم قرأ فنابه ذلك، ثم قرأ فنابه ذلك، فتركها وقرأ: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ}.
وقال مالك: ولا أحب أَنْ يقول الماموم: فسبحان الله بكرة وأصيلا. فإن فعل فلا يُعِيد.

(1/230)


وإن سمع آية رحمة فسأل الجنة، أو آية عذاب فاستعاذ من النار فلا يكثر، وما خَفَّ من ذلك ففي نفسه، لا يرفع به صوته.
قال عنه ابن نافع في المَجْمُوعَة: وَلا بَأْسَ أَنْ يفعله في النافلة.
قال عنه أشهب في الْعُتْبِيَّة: وإن قرأ الإمام: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، فقال المأموم: كذلك الله. لم تفسد صلاته.
قال موسى بن معاوية عن ابن القاسم: ومن أخبر في الصَّلاَة بما بَشَّرَهُ، فحمد الله تعالى، أو بمصيبة فاسترجع، أو يخبر بالشيء فيقول: الحمد لله على كل حال. أو قال: الذي بنعمته تتم الصالحات. فلا يعجبني، وصلاته مجزئة.
قال أشهب في المَجْمُوعَة: إلاَّ أَنْ يريد بذلك قطع الصَّلاَة.
ومن الْعُتْبِيَّة قال موسى عن ابن القاسم قال مالك: وإذا عطس المصلي فليحمد الله في نفسه، وتركه أَحَبُّ إليَّ.
ومن الواضحة: وما جاز للرجل أَنْ يتكلم به في صلاته، من معنى الذكر والقراءة فرفع بذلك صوته لينبه رجلا، أو يستوقفه، فذلك جائز، وقد استأذن رجل على ابن مسعود وهو يصلي، فقال: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ}.
قال: وإذا سمع المأموم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، أو ذكر الجنة والنار في الصَّلاَة، أو في الخطبة، فصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، واستعاذ من النار وسأل الجنة، فلا بأس

(1/231)


بذلك، وليخَفِّف ذلك، ولا يكثر منه، قاله مالك.
ولا يجهر مع الإمام إلاَّ بالتسليم جهرًا دون يُسْمِعَ من يليه، وإن جهر كذلك بغير السلام فلا حرج.

في التسبيح للحاجة، أو للإمام في الصَّلاَة، وذكر الإشارة والتنحنح، والنفخ، والعطاس والتثاؤب
من المُسْتَخْرَجَة قال ابن القاسم عن مالك في التصفيق للنساء في الحاجة في الصَّلاَة، قال: إنه يقال ذلك، وقد جاء التسبيح. وقال بعد ذلك التسبيح أَحَبُّ إليَّ للرجال والنساء.
قال عنه عليٌّ في المَجْمُوعَة: الحديث عامٌّ فِي مَنْ نابه شيء في صلاته

(1/232)


فليسبح وما ذكر من التصفيق لهن، يعني أنهن يفعلنه إذا نابهن أمر.
قال موسى عن ابن القاسم في المصلي يدخل عليه رجل داره، أو سارق، فله أَنْ يسبِّح، وإن تعمَّد أَنْ يعلمه مكانه بذلك، والتنحنح شديدًا، كرهه مالك.
ومن كُلِّم في الصَّلاَة فأشار برأسه أو بيده فلا بأس بذلك بما خفَّ , ولا يكثر، وأما التنحنح فلا خير فيه.
قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب: وَلا بَأْسَ أَنْ يُشير في الصَّلاَة بلا ونعم.
قال مالك في المختصر: وإذا تنحنح لرجل يُسمِعه، أو نفخ في موضع سجوده، فذلك كالكلام.
قال أبو بكر الأبهري: روى ابن القاسم، عن مالك أنَّه إذا تنحنح ليُسمع إنسانًا، أو أشار إليه أنَّه لا شيء عليه. قال الأبهري: لأن التنحنح ليس بكلام، وليس له حروف هجائية.
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا سها الإمام فقال له من خلفه: سبِّح، سبح. قال: إنما القول سبحان الله، وأرجو أَنْ يحون هذا خفيفًا.
ومن الواضحة: وَلا بَأْسَ أَنْ يسبِّح للحاجة في الصَّلاَة، فإن جعل مكان ذلك: لا حول ولا قوة إلاَّ بالله، أو هلل، أو كبَّر فلا حرج، وإن قال سبِّحه. فقد أخطأ , ولا يبلغ به الإعادة.
قال ابن الماجشون: وَلا بَأْسَ بالمصافحة في الصَّلاَة، وبالإشارة، وأما بشيء يعطيه فلا أحبه، وقد يحصبه فيكرّر ليفهمه، فيشغل بردّش السلام في المكتوبة.

(1/233)


ومن أتاه أبوه ليكلمه وهو في نافلة فليخفّشف ويُسلم ويكلمه. وروي نحوه للنبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك إن نادته أمه فليبتدرها بالتسبيح، ويخفِّف ويُسلم.
ومن نفخ في موضع سجوده، أو عند الجشأ فهو كالكلام. قاله مالك. فإن كان سهوًا سجد، ولا يسجد المأموم إن نابه ذلك. وإن كان عمدًا أو جهلاً قطع وابتدأ إن كان إمامًا، وإن كان مأمومًا تمادى وأَعَادَ.
كذلك من تنحنح لإنباه رجل، أو أمَّن لكفِّه، فهو كالكلام، وليجعل مكان ذلك تسبيحًا. وقاله ابن القاسم وأصبغ.
وروى عليٌّ عن مالك في المَجْمُوعَة، قال: أكره النفخ في الصَّلاَة ولا أراه يقطع الصَّلاَة كما يقطعها الكلام.
قال ابن حبيب: وينبغي لمن تثاءب وهو قرأ في صلاة أو في غيرها أَنْ يقطع قراءته أو يسُدَّ فاه بيده. قاله مالك.
قال ابن حبيب: ويُكره العطسة الخفيفة في الصَّلاَة، وليخفضها ما استطاع، وليجعل يده على وجهه.

(1/234)


ذكر ما يستخف من العمل في الصَّلاَة وفي
المصلي يحمل شيئًا، أو يقتل عقربًا، أو
يخاف على صبي، أو من شيء فوتًا، وهل يُلقي
رداءه في الصَّلاَة
من الْعُتْبِيَّة من سماع أشهب، سئل مالك عن حمل النبي صلى الله عليه وسلم أُمامة في الصَّلاَة ووضعها إذا سجد، هل ذلك للناس؟ قال: نعم، إن لم يجد من يكفيه.
وروى موسى بن معاوية، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا انْفَلَتَتْ دَابَّةُ أَحَدِكُمْ في الصَّلاَة فَلْيتبعها حتَّى يَأْخذها ويَرْجع إلَى صَلَاتِه». وأن النبي صلى الله عليه وسلم فتح الباب في الصَّلاَة ثم غلقه وذلك في النافلة.

(1/235)


وقال عَنِ ابْنِ القاسمِ، في حمل المرأة ولدها تركع به وتسجد في الفرض: لا ينبغي ذلك، فإن فعلت ولم يشغلها عن الصَّلاَة لم تُعِد.
ومن سماع ابن القاسم، قال: وَلا بَأْسَ أَنْ يحصي الأي بيده في الصَّلاَة.
وعن من لا يجد بدًّا من أَنْ يمسك عنان فرسه في الصَّلاَة، فلا يتمكن من وضع يديه بالأرض، قال: أرجو أَنْ يكون خفيفًا، ولا يتعمد ذلك.
ولا بأس أَنْ يحول أَنْ يحول خاتمه في أصابعه لعدد الركوع، كما لو حسب بأصابعه. وكره الترويح من الحر في المكتوبة، وخففه في النافلة.
ولا بأس أَنْ يمس لحيته في الصَّلاَة، ولكن لا يعبث.
وإذا أكلت الشاه عجينا أو ثوبا وهو يصلي، فأكره أَنْ ينحرف إلى طردها في المكتوبة.
قال مالك في المختصر: ومن خشي على دابته الهلاك، أو على صبي رآه في الموت، فليقطع صلاته لذلك.
وروى موسى بن معاوية عَنِ ابْنِ القاسمِ فِي مَنْ خُطف راءه عنه في الصَّلاَة، أن له أَنْ يقطع، ويطلبه، ويبتدئ، وكره مالك نحوه في الشاة تأكل العجين والثوب، أَنْ يقطع في الفريضة. قيل: فخاف على قُلَّة أَنْ يهراق ما فيها؟ فقال: كره مالك أَنْ يفتح المصحف لينظر ما تعايى فيه، فهذا مثله.

(1/236)


وكره مالك قتل العقرب في الصَّلاَة.
قال عبد الملك بن الحسن، قال ابن القاسم عن مالك: لا يقتلها إلاَّ أن تريده. وروى عليٌّ عن مالك في المَجْمُوعَة أنَّه قال: لا بأس به، وهذا خفيف.
قال عنه ابن القاسم: ولا بأس أَنْ يسوِّي الحصباء والتراب في الصَّلاَة يكون شبه الحفرة. وكرهه في رواية أخرى.
قيل لابن القاسم في رواية موسى في قتل العقرب: فإن فعل؟ قال: قال مالك: لا شيء عليه، إنْ لم يكُنْ في ذلك شغْل عن صلاته. قال ابن القاسم: وكذلك قتل الحية والطير برمية، وقد أساء في رمي الطير بحجر يتناوله من الأرض، فإن لم يطل ذلك لم تبطل صلاته.
وروى موسى عَنِ ابْنِ القاسمِ فِي مَنْ صَلَّى بكيس كبير تحت إبطه، ويخاف إن وضعه بالأرض أَنْ يخطف، فلا يقدر على وضع كفّشه على ركبتيه، ولا بالأرض. قال: إذا خاف عليه أجزأه ذلك، وهو كقول مالك في ممسك عنان فرسه.
قال أبو زيد، عن ابن القاسم: وكره أَنْ يصلي وفي كمِّه قديد أو خبز، فإن فعل لم يُعِدْ. ومن المَجْمُوعَة روى عليٌّ عن مالك في المصلي يخاف على صبي بقرب نار، فيذهب وينحِّيه، فإن انحرف عن القبلة ابتدأ، وإن لم ينحرف بنى.

(1/237)


وخفف قتل العقرب في الصَّلاَة.
قال أشهب: ومن عبث بالحصا في الصَّلاَة متعمدًا لم تفسد صلاته.
قال ابن القاسم عن مالك: لا بأس أَنْ يمسح المصلي التراب عن وجنن إذا كثر، وأَنْ يسوي الحصا لسجوده، فأما النفخ فلا.
قال ابن حبيب: يكره مسحه التراب من جبهته وأنفه في الصَّلاَة، إلاَّ أَنْ يكثر جدًّا، فلتعجل مسحه.
ومن المَجْمُوعَة قال ابن القاسم عن مالك: وترك الترويح في الصَّلاَة أَحَبُّ إليَّ. قال عنه ابن نافع: فإن فعل فلا شيء عليه.
قال عنه ابن القاسم: وأكره أَنْ يصلي وفي فيه دينار أو درهم أو شيء.
قال عنه عليٌّ: وأكره أَنْ يصلي وفي كمه صحيفة فيها شعر، وأما طعام فجائز. وكره في رواية ابن نافع أَنْ يحمل فيه دواة أو قرطاسًا إلاَّ شيئًا خفيفًا، وكره قتل البرغوث في الصَّلاَة، فإن فعل فلا شيء عليه.
قال عنه علي: إن وجد قملة في الصَّلاَة فلا يقتلها، فإن كان في المسجد صرَّها. وقاله ابن نافع. وقال عنه ابن القاسم: وإن كان في غيره طرحها.
ومن كتاب ابن سحنون، وعن إمام مسافر صَلَّى ركعة، ثم انفلتت دابته وخاف عليها، أو على صبي، أو أعمى أَنْ يقع في نار أو بئر، أو ذكر متاعًا خاف أَنْ يتلف، فذلك عذر يبيح له أَنْ يستخلف، ولا يفسد على من خلفه شيئًا.
ومن الواضحة قال مالك: وإنما يُكره أَنْ يشَبَّكَ أَصَابِعه في الصَّلاَة.
قال ابن حبيب: ومن خاف على أعمى أو صبي أَنْ يقع في بئر، فليبتدره متكلمًا ويبتدئ، وكذلك في الشاة وغيرها تفسد طعامًا، إن كان فسادا كثيرًا، وإلاَّ فلا. ولا بأس أَنْ يمسح العرق.

(1/238)


ويُكره الترويح بمروحة، أو بكمه، أو بغير ذلك في فرض أو نافلة، أو يلقي الرداء على منكبيه للحر. قال في المختصر: إذا كان جالسًا في النافلة، ولا يفعل ذلك في قيامه.

باب في الكلام والضحك والتبسم في الصَّلاَة
ومن الْعُتْبِيَّة روى أشهب عن مالك فِي مَنْ تكلم ساهيًا في جلوسه قبل أَنْ يسلم، فليسجد بعد السَّلام. ومن تبسم سجد قبل السلام.
وقال عيسى: قال ابن القاسم: لا شيء في التبسم في سهوه ولا في عمده. قال ابن حبيب: لا شيء في التبسم في الصَّلاَة. قاله مالك والليث، وعبد العزيز، ورواه ابن القاسم، ومطرف عن مالك، وروى عنه أشهب: يسجد قبل السلام. والأول أحب إلينا.
قال عيس: قال ابن القاسم: ومن قهقه أفسد صلاته ناسيًا كان أو عامدًا، ويقطع ويبتدئ، وإن كان مع الإمام تمادى وأَعَادَ. وروى نحوه عليٌّ، عن مالك في المَجْمُوعَة.
قال عيسى في الْعُتْبِيَّة: قال إذا قهقه الإمام متعمداً أَعَادَ صلاته، وإن كان مغلوباً استخلف من يتم بهم، ويتم هو معهم، ثم يُعِيدون إذا فرغوا.

(1/239)


قال يحيى بن عمر: قوله: وإن كان مغلوباً. لا يعجبني إلى آخرها.
ومن المَجْمُوعَة قال سَحْنُونَ: إِذَا ضَحِكَ الْإِمَامُ، فَإِنْ كَانَ شَيْئًا خَفِيفًا مضى وسَجَدَ لِسَهْوِهِ بعد السلام، فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ عَامِدًا فسَدَت عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ.
ومن كتاب ابن الْمَوَّاز قال أصبغ: لا شيء في التبسم إلاَّ الفاحش منه، شبيه بالضحك، فأَحَبُّ إليَّ أَنْ يُعِيدَ في عمده، ويسجد في سهوه.
قال ابن القاسم: وإن تعمُّده وسهوه سواء.
محمد: لأنه لا يضحك إلاَّ بغلبة، إلاَّ أَنْ يصح نسيانه، مثل أَنْ ينسى أنَّه في الصَّلاَة، فيكون كالناسي بالكلام يسجد فيه بعد السلام. قاله أصبغ. ويحمله عنه الإمام، وإن شك في عمده أو سهوه تمادى مع الإمام وأَعَادَ.
ومن الواضحة قال: ومن قهقه فسدت صلاته عامدًا كان أو ساهيًا، مغلوبًا أو غير مغلوب، وليقطع، وإن كان مع إمام تمادى وأَعَادَ، وإن كان هو الإمام استخلف في السهو والغلبة، وابتدأ بهم في التعمُّد. وهكذا روى مطرف، وابن القاسم عن مالك، في ذلك كله، والضحك ساهيًا يُخالف الكلام ساهيًا.

في من صَلَّى وبه حقن أو غثيان، وهل يصلي عند حضور الطعام
من المَجْمُوعَة قال ابن نافع عن مالك: وينصرف الإمام والمأموم

(1/240)


للحقن إذا شغله، فإن انصرف فلما كان في آخر الصفوف ذهب عنه، فليبتدئ صلاته.
ولا بأس أَنْ يصلي بالحقن والغائط يحبسه، إذا كان شيئًا خفيفًا، لا يُعجله. وإذا عجله فليجعل يده على أنفه كالراعف، ويخرج فيتوضأ ويبتدئ.
قال ابن حبيب: ومعنى ما نهي عنه من الصَّلاَة بحبضرة الطعام أَنْ يكون جائعًا قد جهد واشتهاه، فيشغله ذلك في الصَّلاَة، وكذلك وهو يدافعه الأخبثان؛ الغائط والبول.
في الرعاف في الصَّلاَة وما يبنى منه، وكيف البناء فيه، وفِي مَنْ لا يكف عنه الذم كيف يصلي
من المَجْمُوعَة قال ابن نافع، وعلي، عن مالك: وقد جاء أَنْ يبني في الرعاف، ولو كان إليَّ لأحببت أَنْ يقطع، ولكن مضى الأمر على أَنْ يبني. قيل له: إني أرعف، فأتعمَّد الكلام كراهية أن أبني؟ قال: لا بأس بذلك.
قال ابن القاسم: أَحَبُّ إليَّ أَنْ يتكلم ويبتدئ بعد غسل الدم، وإن ابتدأ ولم يتكلم أَعَادَ الصَّلاَة.
قال ابن حبيب: لأنه لمَّا ابتدأ الصَّلاَة من غير سلام ولا كلام، كان كالزائد في صلاته عامدًا.
قال ابن حبيب: وإنما الرخصة في البناء في الرعاف خلف الإمام؛ ليدرك فضل الجماع، فأما الفذُّ فلا يبني.
وفي الْعُتْبِيَّة عن مالك ما يدل على أنَّه يبني الفذ. وقاله محمد بن مسلمة.

(1/241)


وروى ابن القاسم عن مالك فِي مَنْ رعف قبل أَنْ يركع ركعة بسجدتيها فلا يبني على ذلك، وليقطع ويبتدئ بإقامة وإحرام، كان مع إمام أو وحده. وإن أصابه ذلك بين ظهراني صلاته بنى، وإن رعف بعد رفع رأسه من الركوع، أو بين السجدتين بنى ولم يعتدَّ بتلك الركعة. يُريد: وقد تقدَّم له عقد ركعة.
وقال ابن حبيب فِي مَنْ رعف في بعض القراءة، وهو خلف إمام: بنى من موضع انتهى، وإن رعف وقد فرغ القراءة ولم يركع، فإذا جاء يريد وقد فرغ الإمام، فليركع ولا يقرأ، وإن رعف وهو راكع فرفع رأسه للرعاف فذلك تمام ركعة، فإذا رجع سجد، وإن رعف ساجدًا فرفع لرعافه فهو تمام لسجدته. فإذا رجع فليسجد الثانية وتتم له ركعة، وإن رعف بعد تشهُّده في الثانية فقام لرعافه، فهو قيام لصلاته، فإذا رجع بنى قائمًا، فقرأ ولم يرجعْ جالسًا، إلاَّ أَنْ يرعف في مبتدإ جلسته قبل تشهده، فليرجع، فيجلس فيتشهد، فم يقوم فيبني. وذهب ابن حبيب إلى أَنْ يبني في بعض ركعة , وأَنْ يقرأ من حيث بلغ.
ومن كتاب ابن سحنون، قال سحنون: قال أصحابنا جميعًا: إذا قيَّد ركعة بسجدتيها، وصَلَّى من الثانية الركوع، أو ركع وسجد سجدة ثم رعف، فإنه يبتدئ الثانية، ولا يبني على شيء منها.
قال ابن وهب عن مالك فِي مَنْ رعف بعد أن رفع رأسه من الركعة الأولى أو بعد سجدة منها: فليأتنف أَحَبُّ إليَّ. وكان قد قال قبل ذلك: لو بنى على ما بقي منها لأجزأه، وأما فيما يستحسن فليأتنف أربع ركعات.

(1/242)


وقال ابن وهب، وابن القاسم عن مالك فِي مَنْ رعف قبل أَنْ يركع: إنه يرجع فيبتدئ الإقامة ثم يبتدئ الصَّلاَة.
وقال سحنون: إذا قيَّد الإحرام مع الإمام ثم رعف، فإنه يبني على إحرامه، ولو رعف في الجمعة بعد أن ركع وسجد سجدة، فليبتدئها ظهرًا على إحرامه أَحَبُّ إليَّ، واستحب أشهب أَنْ يسلم ويبتدئ الظهر، وإن بنى على إحرامه أجزأه. وإن سجد سجدة، وصَلَّى ثلاث ركعات أجزأه.
وقال ابن الماجشون: إذا قيَّد في الجمعة ركعة بسجدتيها، ثم رعف في الثانية بعد ركوعه، أو بعد أن سجد سجدة منها، فليبن على ما صَلَّى من الثانية، وتكون له جمعة، وما لم يُقيِّد ركعة بسجدتيها مع الإمام في الجمعة أو في غيرها من الصلوات، فلا يبني وليبتدئ صلاته.
ومن الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم عن مَالِك: ومن رَعَفَ بعد التَّشَهُّدِ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ انْصَرَفَ فَغَسَلَ الدَّمَ، ثُمَّ رَجَعَ بغير تكبير، فيجلس ويتشهد ويسلم، وَإِنْ رَعَفَ بَعْدَ سَلَامِ إِمَامِه سَلَّمَ، ولم يضره.
قال ابن حبيب: ولا يرجع الرعاف بإحرام، ولكن يبني كما هو، بخلاف الراجع لما سها عنه. قال: ولا يفترق في بناء الراعف في الجمعة وغيرها إلاَّ في وجهين؛ أنَّه لا يتمُّ ما بقي منها إلاَّ في الجامع، وإن انصرف الإمام فإنه لا تتم له جمعة إلاَّ أَنْ يرعف بعد عقد ركعة بسجدتيها، فأما قبل أَنْ يتم ركعة بسجدتيها فهذا إن رجع وقد تم الإمام فليصل ظهرًا.
وللإمام الراعف في البناء ما لمن خلفه غير أنَّه لا يستخلف بالكلام، وليقدم رجلا بغير كلام، فإن استخلف بالكلام جهلاً أو متعمدًا، فقد قطع الصَّلاَة عليه

(1/243)


وعليهم، ولو علم أنَّه لا يستخلف بالكلام، ففعله ساهيا، بطلت صلاته دونهم، وأتمُّوا لأنفسهم. وهكذا فسَّرَ لي ابن الماجشون في كل ما فسَّرتُ لك من القول في الرعاف، وقاله من لقيت من أصحاب مالك، وكذلك بلغني عن مَنْ لم ألق منهم.
وقال ابن القاسم في المَجْمُوعَة فإن استخلف بالكلام متعمدًا لم يفسد عليهم.
وقال ابن حبيب: وإذا لم يجد الراعف الماء بقرب المسجد فليطلبه إلى أقرب ما يمكنه، إذا لم يتفاحش البعد جدًّا.
وإذا وجد الماء في مكان فجاوزه إلى غيره، فذلك قطعٌ لصلاته.
وإذا تكلَّم ناسيًا في انصرافه للماء بطلت صلاته، وإنما أرخص له البناء ما لم يتكلم أو يحدث، ولو تكلم بعد رجوعه إلى البناء لم تفسد صلاته. كذلك قال لي ابن الماجشون.
ومن كتاب ابن سحنون، تعقَّبَ مسائل لأشهب: وإذا رعف الإمام، فخرج لغسل الدم فتكلم ساهيًا، فإن كان ذلك قبل فراغ المستخلف فلا شيء عليه، وهو يحمله عنه. وكذلك من رعف خلف الإمام بعد أن صَلَّى ركعة، فخرج لغسل الدم، فتكلم ساهيًا، فلا شيء عليه. وإن رعف قبل أَنْ يقيِّد ركعة لم يحمل عنه الإمام السهو، ولو أبطل الإمام صلاته بطلت عليه؛ لأنه في حُكْمِه.
وقال سحنون في المَجْمُوعَة: إذا خرج لغسل الدم فضحك الإمام بعده متعمدًا، فأفسد صلاته لم تفسد صلاة الراعف. ولو سها الإمام لم يكن على هذا سهو، إلاَّ أَنْ يرجع فيدرك معه ركعة.

(1/244)


ومن كتاب ابن سحنون: ومن رجع بعد غسل الدم، وقد فرغ الإمام فلا يأتم به أحد فيما بقي عليه، فإن فعل فقد أفسد على نفسه، وصلاة الراعف تامَّة.
وقال المغيرة: من رعف بعد ركعة من الجمعة، فخرج لغسل الدم فحال بينه وبين المسجد واد، فليضف إليها ركعة أخرى، ثم ليصل أربعا.
قال سحنون: ومن خرج من الصَّلاَة لرعاف ثم شك في الوضوء وهو يغسل الدم، فرفع الشك باليقين، وابتدأ الوضوء، فلمَّا توضأ ذكر أنَّه على وضوء، فقد بطلت صلاته. ولو ابتدأ صلاة ثانية من غير أَنْ يتكلم، أو بعد أن تكلم، لأجزأته.
وإذا رعف الإمام أول صلاته قبل يركع أو بعد، فذلك سواء وليبن المستخلف.
ومن كتاب ابن الْمَوَّاز: ومن خرج لرعاف فقرأ الإمام بعده سجدة، فسجد لها، ثم رجع الراعف بعد سلام إمامه، فعليه أَنْ يبدأ بالسجدة فيسجدها، ثم يتمُّ صلاته.
قال ابن حبيب: ومَنْ لم ينقطع عنه دم الرعاف، فحضرته الصَّلاَة كذلك فليصل إيماء، وليس عليه أَنْ يركع ويسجد، ولا أَنْ يقوم ويقعد، فيتلطخ دمًا.
قال محمد بن مسلمة: إنما قال سعيد: يومئ إيماء. إذا كان الرعاف يضربه إذا سجد، مثل الأرمد، ومن لا يقدر على السجود ممن تضرب عليه عيناه إذا سجد، أو يضرب عليه رأسه.

(1/245)


ومن المَجْمُوعَة، ابن نافع عن مالك: ومن أدخل أصابعه الأربع في أنفه في الصَّلاَة، فاختضبت دمًا قال في كتاب ابن الْمَوَّاز: إلى الأنملة. قال في الكتابين: ولم يقطر، ولو شاء فتله. قال: لا ينصرف. قيل: فإن امتلت أصابعه الأربعة إلى الأنملة الوسطى؟ قال: هذا كثير، وليعد صلاته، فإن كان ذلك عليه فقد أَعَادَ، وإلاَّ لم يضره.
ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسم: ومن أدرك الثانية من الظهر مع الإمام بسجدتيها ثم رعف، فخرج فغسل الدم، ثم رجع بعد سلام الإمام، أنَّه يبني ثم يقضي، يأني بركعة بأم القرآن ويجلس؛ لأنها ثانيته، ثم يأتي بأخرى بأم القرآن. ويجلس كما كان يفعل مع إمامه، ثم يأتي بركعة القضاء بأم القرآن وبسورة، ويتشهد ويسلم.
وقال سحنون في كتاب أبيه: إنه يقضي ثم يبني. قال: وإنما كان يبني أولاً قبل القضاء اتباعًا لإمامه.
وقال ابن حبيب: يبدأ بالبناء قبل القضاء، كما قال ابن الْمَوَّاز، إلاَّ أنَّه قال: يأتي بالثالثة بأم القرآن ويجلس، ثم بالرابعة بأم القرآن ويقوم، ثم بركعة القضاء على ما تقدَّم. ونظيرتُها مقيم أدرك ركعة من صلاة مسافر، فهكذا يفعل عنده.
وقال ابن الْمَوَّاز: تصير صلاته كلها جلوسًا في المسألتين. قال: لأنه لا يقوم إلى قضاء إلاَّ من جلوس ز
قال ابن حبيب: وإن أدرك الأولى ورعف في الثانية، ورجع فأدرك الرابعة، فليصل إذا سلم الإمام ركعتين الثانية والثالثة، يقرأ في الثانية بأم القرآن وسورة، ويقوم في الثالثة بأم القرآن ويجلس، إذ هي آخر صلاته.
قال سحنون في المَجْمُوعَة: ولو فاتته الأولى، وصَلَّى الثانية، ورعف في

(1/246)


الثالثة، ثم أدرك الرابعة، فليقض الثالثة بأم القرآن، ثم الأولى بأم القرآن وسورة، ولو لحقها من أول كان ثانيًا فيما بقي عليه.

في من رعف في صلاة الجنازة، أو العيدين، أو رأى في ثوبه نجاسة
ومن كتاب ابن الْمَوَّاز: ومن رعف في صلاة الجنازة، فليمض فيغسل الدم، ثم يرجع إلى موضع صَلَّى عليها فيه، فيُتمَّ بقية التكبير. وكذلك في صلاة العيدين. ولو أتمَّ بافي صلاة العيدين في بيته أجزأه. وقال أشهب: إن خاف إن خرج لغسل الدم أن تفوته الجنازة وصلاة العيد، وكان لم يكبِّر على الجنازة شيئًا، ولا عقد ركعة من صلاة العيد، فليمض كما هو على صلاة العيد والجنازة، ولا ينصرف. وكذلك إن رأى في ثوبه نجاسة، وليس معه غيره، ويخاف الفوات في انصرافه، وليس مثل من على غير وضوء فيريد أَنْ يتيمم ليدركها؛ لأن التيمم ليس في سفر ولا مرض.

ذكر ما يعرض في الصَّلاَة من القيء والحدث وسيلان الدم، من ما لا يبنى فيه، ومن كان منه ما يقطع الصَّلاَة بعد التشهد
ومن الْعُتْبِيَّة، روى أشهب عن مالك في الدمَّل ينفجر في الصَّلاَة بدم

(1/247)


فإن كان كثيرًا قطع وفي اليسير يتمادى. ومن ذرعه القيء في الصَّلاَة في الجمعة فقاء كثيرًا فلا ينصرف لذلك، وينبغي نزع ذلك من المسجد.
ومن المَجْمُوعَة قال ابن القاسم عن مالك: ومن تقيَّأ عامدًا أو غير عامد في الصَّلاَة فسدت صلاته.
قال ابن القاسم: وإن تقيَّأ بلغمًا أو قلسًا، قال في رواية عيسى عن ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة: فألقاه فليتماد. وإن ابتلع القلس بعد أن أمكنه طرحه، وظهر على لسانه، أفسد صلاته. قال عنه عيسى: وأَحَبُّ إليَّ أَنْ يقضي الصَّلاَة والصيام.
قال في المَجْمُوعَة: وإن كان سهوًا بنى وسجد بعد السلام.
ومن رواية عيسى، عَنِ ابْنِ القاسمِ في الْعُتْبِيَّة: وإذا أحدث الإمام بعد التشهد، فلتُقدم من يسلم بهم، فإن تمادى حتى سلم بهم أجزأهم. قال عيسى: بل يُعِيد ويُعِيدون. قال: وتأوَّل ابن القاسم أنَّه لمَّا لم يبقَ من الصَّلاَة غير السلام، فكأنهم سلموا بعد أن خرجوا من إمامته. وليس بالقياس، كما قال إذا رعف المأموم بعد سلام الإمام إنه يفعل السلام راعفًا.
ومن المَجْمُوعَة قال عليٌّ عن مالك: ومن كان منه ما يقطع الصَّلاَة من حدث أو ضحك أو كلام، أو غيره بعد التشهد وقبل السلام بطلت صلاته، إمامًا كان أو مأمومًا.

(1/248)


في الصَّلاَة على الدابة لمرض أو خوف، والتنفل عليها، وفي الصَّلاَة على السرير، وهل يتنفل الراكب أو الماشي، وهل يصلي الخائف وهو جالس أو ماشٍ
من المُسْتَخْرَجَة من سماع ابن القاسم، قال مالك: لا يصلي المريض على محمله المكتوبة، وإن اشتدَّ مرضه وكان يومئ.
قال في المختصر: أما إن كان لا يقدر أن يصلي بالأرض، فله أَنْ يصلي في المحمل بعد أَنْ يوقف له البعير إلى القبلة. وذكر مثله ابن حبيب عن ابن عبد الحكم. وذكر العتبي مثله من رواية أشهب، عن مالك، قال: ولو صَلَّى بالأرض كان أَحَبُّ إليَّ.
وقال يحيى بن يحيى، عَنِ ابْنِ القاسمِ: يصلي في المحمل راكبه حتى لا يقدر أَنْ يصلي بالأرض إلاَّ مضطجعًا أو مستلقيًا إيماء، فحينئذ يصلي فيه، ويحبس له البعير، ويستقبل به القبلة وقال سحنون في المَجْمُوعَة: ومن صَلَّى في المحمل لشدة مرض أَعَادَ أبدًا.
ومن الواضحة، قال: ولا يصلي المكتوبة على دابته رجل ولا امرأة، إلاَّ مريض لا يقدر أَنْ يصلي إلاَّ على جنبه أو ظهره، أو هارب من عدوِّه، أو طالب له في هزيمة، قال الله سبحانه: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}.

(1/249)


قال أبو محمد: وأعرف لبعض أصحابنا أنَّه فرَّق بين الطالب والهارب غير منهزم.
ومن الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم عن مالك في المتنفل في المحمل إذا أعيى في تربُّعه، فمدَّ رجله، فأرجو أَنْ يكون خفيفًا.
ومن مال محمله، فحوَّل وجهه إلى دُبُر البعير، لم أحب أَنْ يصلي ووجهه إلى دبر البعير، ولكن يصلي على سير البعير أَحَبُّ إليَّ.
قال أشهب عن مالك: وليجعل المصلي على المحمل أو على الدابة يديه على فخذيه.
وإن استقبلته الشمس على الدابة، فأعرض بوجهه عنها وهو يصلي على الدابة، فلا بأس بذلك.
قال عنه ابن نافع في المَجْمُوعَة: قيل له: فإذا أومأ للسجود وعليه عمامة، أينزعها عن جبهته؟ قال: ذلك حسن.
قال ابن حبيب: وإذا تنفل على الدابة في سفر الإقصار، فلا ينحرف إلى جهة القبلة، وليتوجه بوجه دابته، وله مسك عنانها، وضربها بالسوط، وتحريك رجليه، إلاَّ أنَّه لا يتكلم ولا يلتفت، ولا يسجد الراكب على قربوس سرجه، ولكن يومئ.
ومن المَجْمُوعَة قال عليٌّ وابن وهب، عن مالك: ولا يصلي المسافر وهو يمشي، وإنما ذلك للراكب.
قال عنه عليٌّ: ولو قرأ الراكب سجدة فلينزل يسجدها، إلاَّ في سفر الإقصار، فليسجدها على دابته إيماء.

(1/250)


وللمصلي على الدابة ضربها في صلاته، وأَنْ يُركضها، وله أَنْ يضرب غيرها، ولا يعدل عن جهته عدولاً يصرف وجهه عن جهته، وفي المحمل إذا صَلَّى مشرِّقًا أو مغرِّبًا، فلا ينحرف إلى القبلة، وإن كان يسيرًا فلا يفعل، وليصل قِبَلَ وجهه.
قال عليٌّ، عن مالك: وإن خاف أَنْ ينزل عن دابته من اللصوص، أو من السباع، صَلَّى عليها حيث توجَّهت به، ويومئ. قال أبو محمد: يريد الفريضة.
وقال أشهب: لا يصلي عليها إيماء حيث توجهت، إلاَّ أَنْ يخاف إن وقف أَنْ يدركه من طلبه، فيضطرُّ إلى المسير، فيكون ذلك له.
وقال أشهب في الذي لا يقدر أَنْ يقف من خوف العدوِّ، قال: يصلي قاعدًا، ويومئ إلاَّ أنْ لا يخاف أَنْ يسجد على الأرض فليسجد ولا يومئ.
قال أبو محمد: ومن قول أصحابنا أن للمستأنف أَنْ يصلي في حال مشيه ومسابقته، وكذلك الهارب من عدوِّه.
قال بعض أصحابنا: ولا يتنفل المضطجع وإن كان مريضًا.
ومن الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم عن مالك: وَلا بَأْسَ بالصلاة على السرير، وهو كالدكان يكون بالأرض للمريض. قال أبو محمد: ويريد وذلك جائز للصحيح.

في صلاة أهل السفينة، وهل يتنفل فيها إلى غير القبلة، وصلاة المائد فيها، وفي صلاة المعطوبين وهم في البحر، أو خارجين منه عراة، وفِي مَنْ ربطه اللصوص، ومن وقع عليه الهدم
من المَجْمُوعَة قال عليٌّ عن مالك، في أهل السفينة يصلي بهم إمام،

(1/251)


وبعضهم بين يديه وفوقه وتحته، فإن لم يجدوا بدًّا فذلك جائز، وهو أحبُّ إلي من صلاتهم أفذاذًا.
ومن الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم عن مالك: ويصلون قيامًا، فإن لم يقدروا فقعودًا، وَلا بَأْسَ أَنْ يؤمهم أحدهم.
ومن سماع أشهب، قيل: فإن لم يقدر أحدهم أَنْ يركع أو يسجد إلاَّ على ظهر أخيه؟ قال: ولِمَ
يركبونها؟ قيل: للحجِّ والعُمْرة. قال: فلا يركبوها لحجٍّ ولا لعمرة، أيُرْكَبُ حيث لا يصلي، ويل لمن ترك الصَّلاَة. وقيل له: أيصلون جلوسًا إن لم يقدروا إلاَّ كذلك، ولا يقدرون على النزول؟ قال: ذلك لهم.
قال عبد الملك بن الحسن، عن ابن وهب: إن صَلَّى أهل السفينة جلوسًا قادرين على القيام، أعادوا أبدًا، فإن لم يقدروا صلَّوا بإمام. قال أبو محمد: يريد جلوسًا.
ومن الواضحة قال: وللمائد في السفينة أَنْ يصلي قاعدًا. ومن ركب أول الوقت في الصَّلاَة، وهو لا يصلي للميد إلاَّ قاعدًا، فجمعه في البر الصلاتين أَحَبُّ إليَّ.
قال مالك: ولا يصلي فيها إلاَّ إلى القبلة، ويستدير كلما استدارت، فإن لم يقدر فلا حرج، ولكن يفتتح أولاً إلى القبلة، وأما في النافلة فلا بأس به حيث ما توجهت كالدابة.
وقال مالك في المختصر: لا يتنفل في السفينة إلاَّ إلى القبلة على كل حال، بخلاف الدابة.
ومن الْعُتْبِيَّة من سماع أشهب: وقال في المعطوبين وأحدهم متعلق على رِجْل وواحد على لوح: فليُصلُّوا كذلك إيماء، ولا إعادة عليهم، إلاَّ أَنْ يخرجوا في

(1/252)


الوقت. قال أبو محمد: وقد قيل: لا إعادة عليهم، وقال نحوه أشهب في باب صلاة المريض.
قال ابن حبيب، في المعطوبين يخرجون من البحر عراة: فليصلوا أفذاذًا متباعدين قيامًا، وإن أمَّهم أحدهم فليكونوا صفًّا، وإمامهم في الصفِّ لا يتقدمهم، إلى في ليلة ظلماء، أو في شجر يستر بعضهم عن بعض، فَلْيَقْدُمْهم إمامُهم، ويصلوا صفوفًا إذا لم يرَ بعضهم عورة بعض. وإن كان فيهم نساء صلَّين جانبًا، والرجال جانبًا، ويتوارين ويتباعدن عن الرجال، ويصلِّين عراة قيامًا ركَّعًا وسُجَّدًا، إلاَّ أنْ لا يجدن متواريًا عن الرجال، فيصلِّين جلوسًا إيماء. وهكذا فسَّرَ لي ابن الماجشون.
ومن الْعُتْبِيَّة، روى أبو زيد، عَنِ ابْنِ القاسمِ، فِي مَنْ ربطه اللصوص أيَّامًا لا يصلي، قال: يقضي، وينبغي لهم أَنْ يصلوا كذلك إيماء، ثم إن أُطْلِقوا أعادوا ما أدركوا وقته، فإن لم يفعوا فعليهم قضاء ذلك.
قال سحنون في كتاب السَّيْر فِي مَنْ ربطه العدوُّ أيَّامًا لا يصلي، قال: أخبرني معن بن عيسى، عن مالك، أنَّه قال: لا صلاة عليهم إذا سُرِّحوا، إلاَّ ما أدركوا وقته.
وقال الأوزاعي، في الأسير الموثوق: يصلي إيماء. وقال سحنون. وإن أُطْلِقَ في الوَقْتِ لم يلزمه أَنْ يُعِيدَ، وإن أَعَادَ فحسن.
وعلى رواية ابن القاسم، في الذين تحت الهدم، قال: يُعِيدون. وقال ابن نافع: لا يُعِيد من نحت الهدم. وقد تقدَّم هذا في الباب الأول مع زيادة فيه.

في صلاة الرَّجُل في الماء والطين
ومن الْعُتْبِيَّة، قال أشهب عن مالك في السفر تحضره الصَّلاَة،

(1/253)


والأرض كلها طين، أيصلي قائما إيماء؟ قال: لا يصلي قائمًا إيماء، وليصل جالسًا في الطين، ويسجد على الطين بقدر طاقته.
وقال المغيرة في المَجْمُوعَة: يومئ إيماء، ويُعِيد في الوَقْتِ إن خرج من الماء.
وقال ابن حبيب في الطين الشديد: فلينزل عن دابته، ويصلي فيه قائمًا، ويركع متمكِّنًا ويومئ للسجود أخفض من الركوع، ويضع يديه في إيمائه على رُكبتيه ويكون جلوسه قيامًا. وكذلك إن كان في ماء، إلاَّ أَنْ يضطر إلى الركوب فليصل على دابته إيماء، ويومئ للسجود أخفض من الركوع، وأَحَبُّ إليَّ أَنْ يصبر إلى آخر الوقت إن رجا أَنْ يخرج منه. وهذا قول مالك وأصحابه، إلى ابن عبد الحكم، فقال: يسجد في الطين، ويجلس عليه. وكذلك الخضخاض من الماء الذي لا يغمره، ولا يمنعه من السجود فيه والجلوس إلاَّ إحراز ثيابه. وبالأول أقول. وليس تلوُّثُه بالطين لله بطاعة.

في صلاة المريض، والزَّمِن، والقادح، والضعيف، وفي الأعمى يسجد قبل إمامه ولا يعلم
قال ابن حبيب: قال أصبغ في قول الله سبحانه: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ}: هو في الخائف والمريض.
ومن كتاب غيره، في قول الله سبحانه: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}: إن هذا تقصير في

(1/254)


الترتيب في سرعتها لا في العدد.
وكذلك للمريض أَنْ يخفف حسب طاقته. وقال في العدو في زيادة الخوف: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} وقد صَلَّى النبي صلى الله عليه وسلم جالسا في مرضه، ولم يعذر الله سبحانه في الصَّلاَة غير مغلوب على عقله أَنْ يصلي حسب طاقته.
ومن (المَجْمُوعَة)، قال علي، عن مالك: لا يقصر المريض الصَّلاَة في الحضر لشدة مرض، فإن فعل جاهلا أَعَادَ، ولا ينبغي أَنْ يدع الوتر إلاَّ أَنْ يغلب عليه، وليس عليه ركعتا الفجر. قال عنه ابن حبيب: إذا ضعف عنها. ولا يدع الوتر بعد شفع.
ومن (المَجْمُوعَة)، قال أشهب: وإن صَلَّى بغير قراءة، قادرا عليها، أَعَادَ أبدا، فإن لم يقدر، فليقرأ في نفسه، فإن قدر على تحريك لسانه لم يجزه إلاَّ ذلك.
ومن (الْعُتْبِيَّة)، قال موسى بن معاوية، عن ابن القاسم، فِي مَنْ به الحمى

(1/255)


والنافض، يعرف وقتا يأخذه فيه النافض، فيريد أَنْ يصلي قبل الوقت خيفة ذلك، فإن زالت الشمس جمع بين الصلاتين. قاله مالك. وإن دخل الوقت والحمى عليه، فله تأخير الصَّلاَة إلى وقت يرجو انقلاعها إن كان قبل يخرج الوقت، وإن خاف خروجه صلاهما في الوَقْتِ بقدر طاقته.
وإذا لم يقدر المريض على التكبير والقراءة بلسانه، فلا يُجْزِئُهُ أَنْ ينوي ذلك بغير حركة اللسان، بقدر ما يطيق.
ومن (المَجْمُوعَة)، قال علي، عن مالك، في المريض إن لم يقدر أَنْ يصلي قائما، فليصل متربعا، ويجعل يديه على ركبتيه في ركوعه وسجوده، ويسجد على الأرض، ويثني رجليه كالصحيح، فإن شق عليه التربع صَلَّى بقدر طاقته، وإذا تم تشهد الأولى فليكبر للقيام، ثم يقرأ، فإن صَلَّى متربعا تربع لقيامه. قال ابن نافع: فإن لم يقدر أَنْ يسجد أومأ به أخفض من الركوع ويديه على ركبتيه فيهما. قال ابن القاسم: وليومئ، ولا يرفع إلى رأسه ما يسجد عليه، فإن فعل لم يعد.
قال أشهب: وكذلك إذا أومأ إلى ذلك الشيء برأسه حتى سجد عليه، وأما إن رفعه إليه حتى أمسه جبهته وأنفه من غير إيماء، لم يجزه. وكذلك إذا لم يومئ إليه في الركوع لم يجزه.
قال سحنون: فإذا لم يقدر أَنْ يصلي قاعدا، فعلى جنبه الأيمن، ووجهه إلى القبلة، كما يجعل في لحده، فإن لم يقدر فعلى ظهره. وقال ابن الْمَوَّاز: إذا لم يقدر على جنبه الأيمن فعلى جنبه الأيسر، فإن لم يقدر فعلى ظهره، ووجهه في ذلك كله

(1/256)


إلى القبلة. وقال أصبغ عن ابن القاسم. وقال ابن حبيب: إن ابن القاسم يقول: على ظهره أولى، فإن لم بقدر فعلى جنبه. والمعروف عن ابن القاسم ما ذكر غير ابن حبيب.
ومن (المَجْمُوعَة)، قال مالك: وليومئ كان على جنبه أو ظهره. قاله مالك في الذي يومئ إلى الركوع. يريد: قائما. فليمد يديه إلى ركبتيه، والمضطجع يومئ برأسه.
قال أشهب: فإن صَلَّى بعدها إيماء، ثم صح، أتمها قائما، ولو افتتحها قائما، ثم عرض له مانع، أتمها جالسا، فإن لم يقدر فمضطجعا، ويجزئه.
ومن (الْعُتْبِيَّة)، قال موسى، عن ابن القاسم: ومن صَلَّى قاعدا من مرض، ثم أفاق في الوَقْتِ، لم يعد.
وقال أشهب. (في كتاب ابن سحنون): ومن صَلَّى إيماء؛ لرعاف به، أو لخوف، أو مريض صَلَّى قاعدا، ثم زال ذلك عنه في الوقت، فلا إعادة عليه. وأما من صَلَّى عريانا أو بثوب نجس، فهذا يُعِيد في الوقت، إن وجد ثوبا طاهرا في الوَقْتِ.
ومن (الْعُتْبِيَّة)، أشهب، عن مالك: ولا بأس أَنْ يتوكأ على عصا في المكتوبة والنافلة، فله إذا كان من ضعف، وكان صفوان بن سليم يفعله فيهما.

(1/257)


يريد: لزمانته. وكذلك في (المختصر). قال: ويتوكأ قائما خير من جالس.
قال في (الكتابين): وصلاته بالسور القصار قائما في الصبح والظهر خير من صلاته جالسا بالطوال.
ومن (الْعُتْبِيَّة)، من سماع ابن القاسم، وعن المريض، قريب من المسجد يأتيه ماشيًا، أيصلي فيه جالسًا. يريد: الفريضة. قال: لا يعجبني، ولو حدث عليه شيء بعد أن أتاه لم أر بذلك بأسًا.
قال ابن حبيب: ومن حنى ظهره الكبرُ، فلا يقدر يعتدل في ركوعه ولا ف سجوده؛ فلا يُكَلَّف إلاَّ وسعه، وأَحَبُّ إليَّ أَنْ يرفع يديه من الأرض شيئًا في رفعه من السجود.
وفي موضع آخر: وصلاة المريض قائمًا متوكئًا أو مستندًا أولى من جالس، وجالس ممسوك أولى من راقد.
قال موسى في الْعُتْبِيَّة عن ابن القاسم: ولا تمسك الحائض المريض في الصَّلاَة، ولا ترقده، فإن فعل ذلك أَعَادَ في الوَقْتِ.
قال ابن القاسم: وعن الذي يقدح عينيه يصلي مستلقيًا؟ قال: لا يقدحهما. ووقف عن ذلك مالك في رواية علي بن زياد.
قال موسى بن معاوية: حدثني الهيثم بن خالد، عن الربيع، عن رجل، عن جابر بن زيد، أنَّه قال: لا بأس أَنْ يقدح الرَّجُل عينيه، ويصلي على قفاه ويومئ.
قال أبو بكر بن محمد: وقال أشهب: له أَنْ يقدح عينيه ويصلي مستلقيًا.
وروى ابن وهب عن مالك التسهيل في ذلك.
وقال ابن حبيب: كره مالك لمن يقدح عينيه، فيقيم أربعين يومًا أو أقلَّ على ظهره، ولو كان اليوم ونحوه كان خفيفًا، ولو كان يصلي جالسًا، ويومئ في الأربعين

(1/258)


يومًا، لم أر به بأسًا.
وقال مالك في الأعمى يركع قبل الإمام، ويسجد قبله، فيُسَبَّحُ به، ولا يشعر، فإذا أُخْبِر بذلك بعد السلام، فليُعِد صلاته.

في صلاة الجالس، وتنفله، وفي إمامة الجالس في المكتوبة والنافلة
قال ابن حبيب: ومعنى ما جاء من أن صلاة الجالس على النصف من صلاة القائم، في مَن قدر أَنْ يقوم في النوافل، فأما من أقعده مرض أو ضعف عن أَنْ يقوم، فهو في ثوابه كالقائم في الفرض والنافلة. ومن شاء في تنفله قام في ركعة وقعد في ثانية، أو قام بعد قعود، أو قعد بعد قيام فقرأ، ثم عاد للقيام، تداول ذلك كيف شاء، وإن شاء سجد، وإن شاء أومأ به من غير علَّة، وله أَنْ يمدَّ إحدى رجليه إذا عيى، وكذلك في المحمل، وله أَنْ يقعد بين التربُّع والاحتباء.
ومن كتاب آخر قال أشهب: إذا أحرم قائمًا في نافلة فلا يجلس لغير عذر.
ومن المَجْمُوعَة قال ابن القاسم عن مالك في تنفل المتربع: إنه يثني

(1/259)


رِجليه في السجود، ويرفع يديه عن ركبتيه إذا رفع من الركوع والسجود، وإذا تمَّ تشهده الأول كبَّر ينوي به القيام. يريد: ويتربَّع، ثم يقرأ. وجلوسه في موضع الجلوس كجلوس القيام.
ومن الْعُتْبِيَّة قال موسى، قال ابن القاسم: لا يومئ الجالس للسجود إلاَّ من علة، وإن أومأ من غير علة في النوافل أجزأه.
قال عيسى: لا يومئ من غير علة في نافلة ولا غيرها. قال ابن حبيب: له ذلك في النافلة، كما يدع القيام قادرًا عليه؛ لأنه أخف عليه.
ومن الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم: والمصلي في المحمل متربعًا إن لم يشقَّ عليه أَنْ يثني رِجليه عند سجوده فليفعل ذلك.
ومن سماع ابن القاسم، قال مالك: إذا لم يقدر الإمام على القيام، فليأمر غير يصلي بالناس والعمل على حديث ربيعة.
قال مالك: ولا ينبغي لأحد أَنْ يؤمَّ في النافلة جالسًا.
وفي سماع عيسى، قال ابن القاسم: قال مالك: لا يؤمُّ أحدٌ جالسًا، فإن أصابه في المكتوبة شيء استخلف ويرجع إلى الصفِّ، وصَلَّى بصلاة من استخلف.
وقال ابن الماجشون، ومطرف: وإن صَلَّى بهم جالسًا أجزأه هو، وعليهم الإعادة أبدًا. وذكر مثله ابن حبيب، عن مالك. وقال مالك في المَجْمُوعَة من رواية عليٍّ مثله. قال سحنون: اختلف فيها قول مالك.

(1/260)


ومن كتاب آخر، روى الوليد عن مالك أنَّه إن أمَّهُم جالسًا وهم قيام أجزأتهم. قال: وأَحَبُّ إليَّ أَنْ يصلي إى جنبه من يكون عالمًا بصلاته.
وقال مالك في المختصر: لا يؤمُّ الجالس إلاَّ من ضرورة، كأهل البحر وشبههم.
وقال موسى في الْعُتْبِيَّة، عن ابن القاسم في المرضى والمقاعد: لا بأس أَنْ يؤمَّهم أحدهم جالسًا. وروى عنه سحنون: لا يؤمُّهم أحدهم جالسًا، وإن فعل أعادوا. وأجزأ الإمام.
وذكر ابن حبيب عن مطرف، وابن الماجشون، وابن عبد الحكم، وأصبغ، أنهم أجازوا في المرضى والضعفاء والمُيَّد في السفينة أَنْ يؤمَّهم أحدهم.
قال موسى: قال ابن القاسم: لا بأس أَنْ يؤمَّ المرضى أحدهم في الفريضة، إذا كانوا كلُّهم جلوسًا، فأما إن لم يستطع الجلوس لا هو ولا هم، فلا إمامة في هذا.
قال يحيى بن عمر: فإن فعل أجزأه، وأَعَادَ القوم.
ومن المَجْمُوعَة روى ابن القاسم، وابن نافع عن مالك في الإمام يصلي قائمًا، وخلفه مرضى يصلُّون جلوسًا، ومنهم من يُومئ للركوع والسجود، قال: صلاتهم تامَّة.

باب في جمع المريض بين الصلاتين
قال ابن حبيب: وللمريض أَنْ يجمع بين الصلاتين، إن لم يَخَفْ أَنْ يُغْلَب على عقله، إذا كان ذلك أرفق به لشدة النهوض والوضوء لكل صلاة، فليجمع في

(1/261)


آخر وقت هذه وأول وقت هذه، ومقداره إذا سلَّم من المغرب أيضًا غاب الشفَقُ، كذلك المسافر، فأما إن خاف المريض أَنْ يُغلب على عقله بإغماء وشبهه، فليجمع بينهما أوَّل الوقت في صلاتي الليل وصلاتي النهار.
قال مالك في المختصر: وإذا خاف المريض أَنْ يغلب على عقله، وشقَّ عليه الوضوء فلا بأس أَنْ يجمع بين الصلاتين، يؤخِّر الظهر إلى العصر، والمغرب إلى العشاء.
قال سحنون: لا يجمع الذي يخاف أَنْ يُغلب على عقله إلاَّ في آخر وقت الظهر، وأول وقت العصر.
ومن المَجْمُوعَة قال ابن القاسم، وابن نافع عن مالك في المريض إذا اشتدَّ مرضه: لا بأس أَنْ يجمع بين الصلاتين.
ومن الْعُتْبِيَّة قال موسى: قال ابن القاسم في المريض يعرف وقتًا يأخذه فيه الحمَّى النافض، فلا يصلي قبل الوقت خيفة ذلك، فأما إن زالت الشمس، فله أَنْ يجمع حينئذ بين الظهر والعصر. قاله مالك.
ومن المَجْمُوعَة قال ابن القاسم في المريض تحضره صلاة المغرب، وهو يعرف، فيكره القيام لمكان العرق فلا بأس أَنْ يؤخر المغرب، ليجمع بين الصلاتين.
ومن الْعُتْبِيَّة من سماع ابن القاسم: ومن أصابه وعك بعد زوال الشمس، فليجمع بين الظهر والعصر، فإن أفاق من الليل صَلَّى المغرب

(1/262)


والعشاء، ما بينه وبين طلوع الفجر.
ومن المَجْمُوعَة، قال عليٌّ عن مالك في مريض جمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر، من غير ضرورة جهلاً، قال: يُعيد العصر في الوَقْتِ. وقاله ابن كنانة. ولا يُعِيدها بعد الوقت.
في جمع المسافر بين الصلاتين، والجمع بغرفة وهل يجمع الحاضر بينهما
ومن المَجْمُوعَة قال أشهب: أَحَبُّ إليَّ أن لا يجمع بين الظهر والعصر في سفر ولا حضر إلاَّ بعرفة أول الزوال وهي السُّنَّة، ومع ذلك فإن للمسافر في جمعهما ما ليس للمقيم، وإن لم يجدَّ به السير، وله في جدِّ السير من الرخصة أكثر مما له إذا لم يجدَّ، وللمقيم أيضًا في ذلك رخصة، وإن كان الفضل في غير ذلك ن والرخصة له؛ لأنه يصلي في أحد الوقتين الذي وقَّت جبريل عليه السلام، فإذا فاء الفيء قامةً كان للظهر آخر وقت، وهو العصر أول وقتها، وأول الوقت فيها أحب إلينا. وإذا ساغ ذلك للحاضر جاز للمسافر، وإن لم يجدَّ به السير، وكذلك له في المغرب والعشاء، ويكون مغيب الشفق وقتًا لهما يشتركان فيه مع ما روي من جمع المسافر ولم يذكر جدَّ السير به، وأما في جدِّ السير فيجمع عليه وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم في آخر وقت هذه وأول وقت هذه، وذلك أَنْ يقضي الظهر والفيء قامة، أو يبتدئها والفيء قامة، ثم يقيم فيصلي العصر بعدها، أو يقضي المغرب وقد غاب الشفق، أو يبتدئها حينئذ، ثم يُقيم فيصلي بعدها العشاء، وهذا في الظهر والعصر أجوز منه في المغرب والعشاء؛ لأن المغرب إنما ذُكِرَ لها وقت واحد في الحديث، قال:

(1/263)


وجِدُّ السير بمبادرة ما يُخاف فواته، أو يُسرع إلى ما يهمُّه.
قال عليٌّ، عن مالك: لا يُستحبُّ له الجمع إلاَّ في جِدِّ السير، في آخر وقت الظهر وأول وقت العصر، والمغرب والعشاء أول وقت العشاء حين يغيب الشفق، إلاَّ أَنْ ينزل قبل مغيب الشفق فليبادر بالمغرب. قال عنه عليٌّ: وإن جمعهما في أول الوقت، فإن صَلَّى العصر في أول وقت الظهر، والعشاء أول وقت المغرب، أَعَادَ الآخرة ما كان في الوَقْتِ، وإنْ لم يكُنْ عجَّلهما أول الوقت، فلا يُعِيدهما.
وقال ابن كنانة: إذا لم يجمع بينهما وصَلَّى العصر في أول وقت الظهر، والعشاء في أول وقت المغرب أعادهما في الوَقْتِ.
ومن الْعُتْبِيَّة ابن القاسم عن مالك قال: كان ابن عمر يروح بعد الزوال، فيسير أميالاً قبل أَنْ يصلي الظهر، وذلك أَحَبُّ إليَّ أَنْ يؤخِّر ذلك، وإني لأكره جمع الصلاتين في السفر، وذلك في الشتاء أخفُّ، ومن جمع ففي وسط ذلك بين الصلاتين.
قال ابن حبيب: ويجوز أيضًا للمسافر الجمع لغير جِدِّ السير إلاَّ لقطع السفر، وإن لك يَخَفْ شيئًا، ولم يبادره. وقاله ابن الماجشون وأصبغ، وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في سفره من غير أَنْ يُعْجِلَه شيء، أو يطلب عدوًّا، وفعله ابن عمر، وأنس بن مالك، وكثير من التابعين، في غير جِدِّ السير لا لشيء خافوه، ولا لأمر بادروه، إلاَّ لقطع السفر. وروى مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أَنْ يسير يومه جمع بين الظهر والعصر، وإذا أراد أَنْ يسير ليلته جمع بين المغرب والعشاء.
ومن المجمومعة قال ابن القاسم: ومن جمع بين العشاءين في الحضر، من

(1/264)


غير مرض، أَعَادَ الثانية أبدًا. يريد: إن صلاها قبل مغيب الشفق.
قال ابن كنانة: ومن جَدَّ به السير في سفر فجمع، ثم بدا له فأقام بمكانه، أو أتاه خبر ترك له جِدَّ السفر، فلا إعادة عليه.
قال ابن القاسم: ولا يجمع بين الصلاتين في الحرب، ولم أسمع بهذا، ولو فعله لم أر به بأسًا.
قال عليٌّ، عن مالك فِي مَنْ أراد أَنْ يركب البحر في وقت الظهر، فأراد أَنْ يجمع بين الصلاتين في البَرِّ، لما يعلم من مَيَدٍ يأخذه، يمنعه القيام، فليجمع بينهما في البر قائمًا، خير من أَنْ يصلي العصر في وقتها قاعدًا.
قال أشهب: وإذا أسرع الدافع من عرفة، فوصل مزدلفة قبل مغيب الشفق، جمع حينئذ، وإن قضى الصلاتين قبل مغيب الشفق. وفي المدوَّنة خالفه ابن القاسم.

في الجمع ليلة المطر
من المَجْمُوعَة قال عليٌّ، عن مالك: وسُنَّة الجمع ليلة المطر إن تمادى للمغرب. قال عنه ابن حبيب: في أول الوقت. قالا: ثم يؤخِّر شيئًا، ثم تقام الصَّلاَة. قال عنه عليٌّ: ثم يؤذَّن للعشاء في داخل المسجد في مَقْدَمِه، ثم يُقيم فيُصلِّيها، وينصرفون قبل مغيب الشفق.
وقال ابن حبيب: يؤذَّن للعشاء في صحن المسجد أذانًا ليس بالعالي، ومن شاء تنفل حينئذن. قال عنه ابن نافع: ولا يتنفل بينهما. وقال ابن عبد الحكم: يجمع

(1/265)


بينهما عند مغيب الشمس، ولا يؤخِّر المغرب. وذكر أنَّه قول ابن وهب، وأنَّه اخْتَلَفَ فيه قول مالك. وروى البرقي عن أشهب مثل قول ابن وهب.
قال مالك في سماع أشهب في الْعُتْبِيَّة: ولا يُتنفَّل بعد العشاء في المسجد.
قال ابن حبيب، ومثله في المختصر: ومن أتى وقد صَلَّى المغرب فوجدهم في العشاء، فلا يدخل معهم، وليؤخِّرْ حتى يغيب الشفق، فإن دخل معهم أساء، ولا يُعِيد. قاله أصبغ، وابن عبد الحكم. وقال ابن القاسم في المدوَّنة: يصليها معهم، ولا يصليها بعدهم. قال في المختصر: فإن وجدهم قد فرغوا منها جمعًا وخَّر حتى يغيب الشفق، إلاَّ أَنْ يكون ذلك في مسجد مكة والمدينة؛ لما يُرْجى فيهما من الفضل. يريد: فيُعْذَر أَنْ يصلي فيه قبل مغيب الشفق لفضله، كما عُذِرَ ليدرك فضل الجماعة بالجمع.
ومن الْعُتْبِيَّة من سماع ابن القاسم في المطر الدائم لا يرجون كشفه، فلهم الجمع فيه. وقال مثله ابن القاسم في المَجْمُوعَة.
قيل لمالك في سماع ابن القاسم: إن المؤذنين يؤذنون واحدًا بعد واحد للعشاء الآخرة، إرادة الإبطاء بها. قال: لا بأس بذلك. قيل له: إنه ربما ينجلي المطر، وبقي الطين أيجمعون؟ قال: نعم. قيل: وإذا كان الطين فيرجو أَنْ يكون في سعة في تخلُّفه عن المسجد؟ قال: نعم.
قال مالك: وإذا ذهب المطر وبقيت الظلمة والطين. قال عنه ابن نافع في

(1/266)


المَجْمُوعَة: وبقي اللَّثَقُ والطين، فلهم أَنْ يجمعوا، إلاَّ أَنْ يكونوا لا ينصرفون حتى يقنُتُوا، فأَحَبُّ إليَّ أن لا يجمعوا، وإن جمعوا فهم من ذلك في سعة. يريد: إذ لا بد أَنْ ينصرف بعضهم.
قال ابن حبيب: ويجوز الجمع في الوحل والظلمة، وإنْ لم يكُنْ مطر مضرٌّ ويجمع أيضًا إن كان مطرٌ وإنْ لم يكُنْ ظلمة أو كان مطر مضرٌّ. وإنْ لم يكُنْ وحل ولا ظلمة، وإنما أريد بالناس الرفق في ذلك.
وقال مالك في سماع أشهب في الْعُتْبِيَّة: ويجمعون وإن كان فيهم قريب الدار إذا خرج منها دخل المسجد من ساعته.
قال يحيى بن عمر وغيره: ويجمع معهم المعتكف في المسجد.
قيل لمالك: أيُجْمَعُ في مساجد المدينة ليلة المطر؟ قال: لا أدري، فأما مسجدنا هذا فيُجْمَعُ فيه.
قال: وَلا بَأْسَ بغير المدينة أَنْ يُجْمَعَ في غير الجامع من مساجد العشائر، وليس ذلك كالمدينة.
وروى أصبغ عن ابن القاسم في القوم يصلُّون المغرب، فهم يَتنفلون لها، إذا وقع المطر يجمعون؟ قال: لا ينبغي أَنْ يُعَجِّلوا العشاء إذا فرغوا من المغرب قبل المطر. قال أبو محمد: وأعرف فيها قولاً آخر، لا أذكر قائله.

(1/267)


في صلاة الصبيان، وصيامهم، وتفريقهم في المضاجع، وصلاة الأعجمي من المجوس، وغُسل من أسلم وصلاته
ومن الْعُتْبِيَّة روى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يؤمر الصِّبْيَانُ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَيُضْرَبُوا عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ». قال عيسى: وبه يأخذ.
قال أشهب: قال مالك: وإذا أثغر الصبي أُمِرَ بالصلاة، وأُدِّب عليها. قال عيسى عَنِ ابْنِ القاسمِ: وحينئذ يُفرَّق بينهم في المضاجع، وكذلك في السبع.
قال ابن حبيب: فإذا بلغ عشر سنين فلا يتجرَّد أحد منهم مع أحد من أبويه، ولا من إخوته أو غيرهم، إلاَّ وعلى كل واحد ثوب.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال عيسى، عَنِ ابْنِ القاسمِ: وإذا احتلم الصبي، بعد أن صَلَّى الظهر والعصر، فليُعدهما إذا بلغ قبل يخرج الوقت.
قال ابن حبيب: إن بقي من النهار خمس ركعات أعادهما، وإن صَلَّى الجمعة أَعَادَ ظهرًا، وإن بقي من أقلَّ من ذلك إلى ركعة أَعَادَ العصر؛ لأنه إنما صَلَّى قبل يجب الفرض عليه، بخلاف العبد يُعْتَق بعد أن صَلَّى الجمعة، فلا يُعِيد فإن الجمعة

(1/268)


له بدلاً من الظهر، وهي فرض عليه.
ومن المَجْمُوعَة من رواية ابن القاسم وعليٌّ، قيل لمالك: متى يؤمر الصبيان بالصلاة؟ قال: إذا بلغوا الحلم، وهو أشدُّه.
قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: أما الصوم فيؤمر به الصبي حين يُطيقه الصبي، وإن لم يحتلم. وكان عروة يأمر بنيه بالصلاة إذا عقلوها، وبالصوم إذا أطاقوه، حتى إذا بلغ الصبي أو الصبية أُكره على الصيام، فإن تأخَّر بهم الحيض والاحتلام، فإذا بلغا خمس عشرة سنة فإن جهل مولدهما فحتى يُنْبِتَا، فإن لم يُنْبِتَا حُمِلا على التقدير والتحري، إلاَّ أَنْ يُطيقاه قبل ذلك.
قال أبو محمد: والذي ذكر ابن حبيب عن عبد الملك من خمس عشرة سنة قول ابن وهب، وأمَّا ابن القاسم وغيره، في تأخير الاحتلام والحيض، لا يُحْكَم له بُكْم البلوغ حتى يبلغ سبعة عشر سنة، أو ثمانية عشر سنة، وما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز ابن عمر ابنَ خمس عشرة سنة في القتال، وقيل: ابن أربع عشرة سنة، ليس بدليل على حدِّ البلوغ؛ لأنه عليه السلام إنما نظر إليهم فمن رآه أنَّه أطاق القتال أجازه، ولم يكشف عن سنه، والإنبات أقوى في حد البلوغ، وما

(1/269)


جاء أَنْ يقتل من جرت عليه المواسي.
قال يحيى بن عمر: الذي رأى أن كل ما كان حقا عليه يطلب به له فيه خصم، فيراعى فيه في حد البلوغ الإنبات؛ لأنه ينفي عن نفسه البلوغ، وأما ما يلزمه فيما بينه وبين الله فيقلد فيه فيما يذكر من بلوغه الحلم، والصبية الحيض، وقد قال بعض البغداديين من أصحابنا: إن المرأة إذا احتلمت وجب لها بذلك حكم البلوغ، وإن لم تحض.
ومن (الْعُتْبِيَّة)، روى سحنون، عن ابن القاسم، قال: ومن أسلم فعليه أَنْ يغتسل، فإن توضأ وصَلَّى ولم يغتسل أَعَادَ أبدا، إذا قد جامع أو كان جنبا.
قال يحيى بن عمر: إن كان بلغ الحلم لزمه الغسل.
قال ابن القاسم: فإن لم يجد الماء فتيمم أجزأه، فإن لم يرد الجنابة، لأنه تيمم للإسلام يريد به الطهر، فإذا اغتسل للإسلام أجزأه وإن لم ينو الجنابة.
قال أصبغ: ومن أمسك شيئا من رقيق العجم، فليوقفه على التوحيد، والصَّلاَة وأوقاتها، والإحرام، والركوع، والسجود، والسلام، والوضوء، ويعلمهم القرآن، مثل السورتين والثلاثة، وليختن العبد ويخفض الأمة.
قال أصبغ: ويدخله في للإسلام إذا ملكه، إن كان من غير أهل الكتاب، من المجوس والزنج والسودان والصقالبة وشبههم. وفي كتاب الصوم ذكر صوم

(1/270)


العجم المجوس، وشيء من ذكر صلاتهم.
قال يحيى بن عمر، قال ابن القاسم: ومن صَلَّى المغرب أربعا جاهلا من المسألة، ومن قرب عهده من الإسلام، فليعد أبدا.
باب في مقادير الوقت، والنصراني يسلم،
والمغمى عليه يفيق، والمرأة تحيض أو تطهر،
والمسافر يظعن أو يقدم، وكيف إن ذكر
صلاة، هل هي أملك بالوقت
من (الْعُتْبِيَّة)، روى سحنون، عن ابن القاسم، عن مالك، في النصراني يسلم، والمغمى عليه يفيق، قال في (كتاب آخر): والمجنون يفيق، والصبي يحتلم. قال في (الْعُتْبِيَّة): والحائض تطهر وقد بقي من النهار خمس ركعات، فليصلوا الظهر والعصر، وإن بقي من الليل أربع ركعات صلوا المغرب والعشاء، ولو بقي من النهار أربع فاقل إلى ركعة، صلوا العصر، أو من الليل ثلاث إلى ركعة، صلوا العشاء. وكذلك روى علي، عن مالك في (المَجْمُوعَة). وقال أشهب.
وقال عبد الملك: إن كان لأربع من الليل فأقل، صلوا العشاء فقط، وإنما للمغرب من الوقت ما فوق أربع.
قال سحنون: وأكثر أصحابنا على رواية علي عن مالك. قال أبو زيد، قال ابن القاسم، في (الْعُتْبِيَّة): وإن طهرت في السفر لثلاث ركعات من الليل،

(1/271)


فليس عليها إلاَّ العشاء، ركعتين. وقاله أشهب. وقال ابن الحكم، وسحنون: تصلي المغرب والعشاء. قال سحنون: لأنها لو صَلَّتِ العشاء بقيت ركعة – يريد للمغرب – والوقت لآخر الصلاتين، وكذلك لو حاضت لهذا التقدير لم تقضهما.
وروى سحنون مثل قوله هذا عن ابن القاسم، في (المَجْمُوعَة).
قال سحنون: ومن سافر لثلاث ركعات من الليل فلم يصل صلاتي الليل فليصل المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين، ولو كانت امرأة مسافرة، فحاضت حينئذ، لم تقضهما، ولو حاضت بعد أن صَلَّتْ ركعة بسجدتيها من المغرب، لم تقضي إلاَّ المغرب.
وقال ابن حبيب، في التي طهرت في السفر لثلاث ركعات من النهار، فلتصل الظهر والعصر، وإن كان لثلاث من الليل فلا تصلي إلاَّ العشاء ركعتين. وهو قول مطرف، وابن الماجشون وروايتهما عن مالك. وقال أصبغ: واختلف فيه قول ابن عبد الحكم.
ومن (الْعُتْبِيَّة)، قال سحنون، عن ابن القاسم، في امرأة حاضت بركعة من النهار، ناسية للعصر، قال لا تقضيها. ولو كانت ناسية للظهر وقد صَلَّتِ العصر، فلا تقضي الظهر؛ لأنه وقتها.
وقال يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، في التي تحيض لأربع ركعات من النهار- يريد: فأقل – إلى ركعة، ناسية للظهر، وقد صَلَّتِ العصر أو لم تصلها، قال: فإنها تقضي الظهر. ولو حاضت لخمس ركعات، لم تقض ظهرا ولا عصرا.
ولو كانت إنما صَلَّتِ الظهر، فلا تقضي العصر، فإذا لم يبق أبدا إلاَّ قدر صلاة، فالوقت لآخر الصلاتين.
وفي رواية عيسى عنه، في التي صَلَّتِ العصر، ونسيت الظهر، وحاضت لأربع

(1/272)


ركعات لا تقضي الظهر؛ لأنها حاضت في وقتها، كمسافر صَلَّى العصر ناسيا للظهر، ودخل لأربع ركعات، فليصل الظهر حضريا، وكذلك لو لم يتم وضوءه حتى غابت الشمس.
وقال ابن حبيب في التي حاضت لركعة من النهار، ناسية للظهر، مصلية للعصر. قال، قال ابن القاسم، ومطرف وأصبغ: ذلك وقت للظهر، ولا تقضيها. وقال ابن الماجشون، وعبد الله: هو وقت للعصر، وتقضي الظهر، كصلاة خرج وقتها ولم تصلها حتى حاضت، وكذلك في التي تطهر أو تحيض، ومسافر يقدم أو يظعن، ومغمى عليه يفيق، ونصراني يسلم لمقدار صلاة من النهار، فهي العصر، صَلَّتِ الظهر أو نسيت. وأنا أحتاط، فأرى على المسافر يقدم لركعة، ناسيا للظهر، أَنْ يتمها، وأوجب على الحائض تحيض حينئذ قضاءها.
ولو صَلَّى الظهر بثوب نجس، والعصر بثوب طاهر، ثم ذكر ذلك لركعة من النهار، لم يقض الظهر، في قول ابن الماجشون وعبد الله، وفي قول الآخرين يقضيها. وبه أقول.
ولو طهرت حائض لأربع ركعات من النهار، ثم ذكرت صلاة نسيتها، فالوقت لما ذكرت عند ابن القاسم، ولا شيء عليها في غيرها.
قال أصبغ: تصلي الفائتة، وتصلي العصر. وبه أقول. وكذلك ذكر ابن الْمَوَّاز، عن ابن القاسم فيها، وفي المغمى عليه يفيق.
قال: ويبدءان بالفائتة، ثم يصليان هذه. ثم رجع ابن القاسم فقال: ليس عليهما غير الفائتة، ثم إن بقى من الوقت شيء كان للصلاة التي هما في وقتها، وإلاَّ فلا يقضياها. وقاله أصبغ.
قال محمد: والأول أصوب، وأصل مالك في (موطئه)

(1/273)


وأصحابه وأصحاب أصحابه، فِي مَنْ سافر لركعتين ناسيا للظهر والعصر، أنَّه يصلي الظهر أربعا، والعصر ركعتين.
وعلى قول أصبغ: ينبغي أَنْ يكون وقت العصر بعد فراغه من الظهر، فيصلي الظهر ركعتين، والعصر أربعا ويطرد هذا الأصل في القادم.
ومن (الْعُتْبِيَّة)، قال أشهب: ومن ذكر الصبح لركعة من النهار، ولم يصل العصر، فليبدأ بالصبح.
ومن (المَجْمُوعَة)، وقالوا - يريد: أصحاب مالك – في المفيق من الإغماء: لا يقضي إلاَّ ما أفاق في وقته. ولكن قال عبد الملك: وذلك إذا كان الإغماء يتصل بمرض قبله أو بعده متصلا، فأما صحيح يغمى عليه، أمر خفيف من الفجر إلى طلوع الشمس، ثم يفيق صحيحا، فلا نضع عنه الصَّلاَة.
قال ابن القاسم، عن مالك: إذا دخلت مسافرة إلى الحضر لأربع ركعات، ناسية للظهر والعصر، فحاضت حينئذ، فلا تقضي إلاَّ الظهر، ولو كانت لخمس لم تقض ظهرا ولا عصرا، وكذلك لو خرجت لثلاث ركعات فحاضت حينئذ، لم تقضهما.
في تقدير الوقت للحائض تطهر، ولمن أسلم
أو أفاق من الإغماء، هل هو بعد الفراغ من
الغسل او الوضوء للمفيق، أو قبل، أو كان
ثوب أحدهم نجسا، وكيف إن قدروا فأخطأوا
التقدير، أو تبينوا نجاسة الماء، أو انتفض
وضوء المتوضئ
من (المَجْمُوعَة)، قال علي، عن مالك: وإنما يلزم الحائض تطهر ما

(1/274)


أدركت وقته بعد فراغها من غسلها مجتهدة لغير توان، لا من وقت رأت الطهر.
قاله ابن القاسم، في (الْعُتْبِيَّة)، وغيرها. وقاله مطرف، وابن الماجشون، وابن عبد الحكم، في (الواضحة).
وقال سحنون، في (المَجْمُوعَة): إن فرطت، ثم أخذت في الغسل حتى غربت الشمس، أو طلعت، فلتنظر أن لو بدرت حين رأت الطهر مجتهدة، كم كان يبقى من الوقت، فتعمل على ذلك، وتقضي ما يلزمها فيه أبدا.
قال سحنون في (الْعُتْبِيَّة)، قال ابن القاسم: وكذلك المغمى عليه يفيق أيضا يراعي ما يبقى له من الوقت بعد وضوئه بغير تفريط، وأما النصراني يسلم فمن وقت أسلم استحسن ذلك فيه.
قال ابن حبيب، قال ابن الماجشون، ومطرف، وعبد الله: مراعاة الوقت في الذي أسلم أو أفاق، من وقت أسلم هذا، أو أفاق هذا.
وقال ابن سحنون، عن أبيه: إن المراعاة في الحائض تطهر، والذي يسلم، والمفيق، سواء، ينظر إلى ما يبقى من ليل أو نهار بعد غسل المغتسل، ووضوء المتوضئ، لا ما قبل ذلك. قال أبو محمد وينبغي في الصبي يحتلم أَنْ يكون مثل قولهم في الحائض تطهر، ولم يختلف فيها.
ومن (الْعُتْبِيَّة)، قال سحنون، قال ابن القاسم: فإن أحدثت الحائض بعد

(1/275)


غُسلها والمغمى بعد وضوئه، فتوضأ، فغربت الشمس، فليقضيا ما لزمهما قبل الحدث. وأما إن علما قبلَ الصَّلاةِ أن الماء الذي كان به الطهر أو الوضوء نجس، فلتعد هذه الغسل، وهذا الوضوء، بماء طاهر، ثم ينظر إلى ما بقي من الوقت بعد هذا الغسل والوضوء الثاني، فيعملان عليه، ولو لم يعلما حتى صليا، وغابت الشمس، لم يُعِيدا الصَّلاَة. وكذلك ذكره ابن حبيب، عن من ذكره من أصحاب مالك، وذكر ابن سحنون، عن أبيه، أنَّه ساوى بين الحدث ونجاسة الماء، وألزمهما ما لزمهما بعد الطهر والوضوء الأول. قال: لأن الماء النجس كان يجزئهما به الصَّلاَة إن خرج الوقت. قال أبو محمد: يريد نجسا لم يغير الماء.
وقال ابن الماجشون، عن أبي زيد، عن ابن القاسم، إنه لم ير عليهما شيئا في القياس في نجاسة الماء والحدث، وإن أَعَادَتْ فهو أحوط. ثم رجع ففرق بينهما، كما ذكر عنه في (المُسْتَخْرَجَة).
ومن (المَجْمُوعَة)، قال علي، عن مالك، في مسافرة طهرت، وليس معها ما إلاَّ ثياب نجسة من الدم، فإن غسلتها خرج الوقت. قال: إن شكت نضحتها وصَلَّتْ، وإن أيقنت صَلَّتْ بها ولم تغسلها.
ومن (الْعُتْبِيَّة)، قال أشهب، في الحائض يتم طهرها لثلاث ركعات من النهار، ثم علمت بنجاسة الماء. قال أبو محمد: يريد نجاسة لم تغيره. قال: فإن كانت إذا أَعَادَتِ الغسل غربت الشمس، فلتصل بذلك الماء في الوَقْتِ أَحَبُّ إليَّ من صلاتها بماء طاهر بعد الوقت.
قال في (المَجْمُوعَة): ثم تتطهر وتُعِيدُ الصَّلاَة احتياطا.

(1/276)


قال أشهب، في (الْعُتْبِيَّة): وإن قدرت بعد تطهرها خمس ركعات، فلما صَلَّتِ الظهر غربت الشمس، فلتصل العصر. ولو قدرت أربعا، فصلت العصر، ثم بقي من النهار بقية، فلتصل الظهر فقط، إلاَّ أَنْ يبقى من النهار بعدها ركعة فأكثر، فلتعد العصر.
قال عيسى، قال ابن القاسم: وإن قدرت خمس ركعات، فلما صَلَّتْ ركعة غربت الشمس، فلتضف إليها أخرى، وتسلم، وتصلي العصر. وكذلك لو صَلَّتْ ثلاث ركعات، ثم غربت الشمس. لأضافت رابعة، فتكون نافلة، وتصلي العصر.
قال ابن الْمَوَّاز، قال أصبغ: ولو قطعت في الوجهين كان واسعا.
قال ابن الْمَوَّاز، قال مالك: وإن قدرت أربع ركعات، فصلت العصر، وبقى قدر ركعة، فلتصل الظهر والعصر، كما كان لزمها. وكذلك ابن حبيب.
وقال: وابن القاسم يقول: لا تُعِيدُ العصر.
قال ابن الْمَوَّاز: إنما تُعِيدُ العصر إذا علمت قبل أن تسلم من العصر أن لا يبقى قدر ركعة، فإن لم تعلم حتى سلمت، فلا تعيدها.
ومن (المَجْمُوعَة)، ابن القاسم، عن مالك: وإذا تطهرت قبل الغروب، فلما صَلَّتِ الظهر غربت الشمس، فلتصل العصر.
قال أشهب: وكذلك النصراني، والمغمى عليه يفيق، والحائض تطهر، لأربع ركعات من الليل، فيلزمهم الصلاتان، فقبل تمام المغرب طلع الفجر، فليقطع، ويصلي العشاء، التي كانت لزمته. وكذلك في صلاة النهار. قال أبو محمد: وقد ذكرنا قوله: إن قدرت أربعا فكانت أكثر.

(1/277)


فِي مَنْ قدم أو ظعن وعليه صلاتا يومه، أو
إحداهما، وكيف إن ذكر صلاة فائتة، أو صَلَّى
بثوب نجس ما فات، أولم يفت، والوقت
في ذلك، وفيما يُعِيد بعد قضاء الفائتة، وكيف
إن ذكر سجدة
من الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم عن مالك فِي مَنْ دخل من سفره لخمس ركعات من النهار ناسيًا للظهر والعصر: فليُصليهما حضريَّيْن فإن دخل لأربع صَلَّى الظهر سَفَريَّة، والعصر حضريَّة، ولو كان صَلَّى العصر ونسي الظهر، فذلك وقتٌ للظهر فليصلها حضريَّة، ثم إن بقي ركعة أو أكثر أَعَادَ العصر حضرية.
ولو خرج لثلاث ناسيًا لهما صلاهما سفريتين، فإن كان لركعة أو ركعتين صَلَّى الظهر حضريًّا والعصر سفريًّا. ولو كان صَلَّى العصر دون الظهر ثم خرج لركعة صَلَّى الظهر سفريَّة ولا يُعيد العصر، إلاَّ أَنْ يبقى من النهار ركعة فيُعِيدها سفرية. وكذلك في صلاتي الليل في الدخول والخروج، في نسيان الصلاتين أو أحدهما، ولو أن الداخل لركعة ناسيا للظهر مصليًّا للعصر اشتغل بوضوء أو بغُسل حتى غربت الشمس، فليصل الظهر حضرية، كما لزمته. وكذلك يعتبر مثل هذا في الخروج.
وذكر ابن الْمَوَّاز مثله في الذي يدخل لأربعة أو يخرج لركعتين ناسيًا للظهر، مصليًّا للعصر أن الوقت للفائتة. وإلى هذا رجع ابن القاسم. وقاله أصبغ وجماعتُهم، إلاَّ ابن عبد الحكم، فقال: يصلي الداخل الظهر سفريًّا والعصر حضريًّا

(1/278)


ويصلى الخارج الظهر حضريًّا والعصر سفريًّا.
قال ابن الْمَوَّاز: ولو تعمَّد الخارج تَرْكَ الصَّلاَة حتى غابت الشمس أو يشغله بوضوء أو بغُسل، فصلى بعد غروب الشمس فذكر قبل يُسَلِّم منها سجدة من العصر. قال: ذلك سواء ذكرها قبل يُسَلِّم أو بعد أن سلَّم، صلاها قبل الغروب أو بعده، فلا بد أَنْ يُعِيدَ الظهر حضرية، والعصر سفرية. ولو نابه هذا يوم دخوله وقد دخل لما ذكرنا لم يُعِدْ إلاَّ العصر؛ لأن الظهر التب تمَّ وقد لزمته سفرية، قد أخرته إذا لم يبق لها وقت تعاد فيه، وهو وإن ذكر ذلك قبل يُسَلِّم فإنما ذكر فيها صلاة بعدها لا صلاة قبلها.
ومن المَجْمُوعَة قال ابن القاسم عن مالك فِي مَنْ ذكر صلاة فائتة قد صَلَّى بعدها صلوات: فليقضها، وما كان في وقته مما صَلَّى بعدها، والوقت في ذلك إلى غروب الشمس وطلوع الفجر، بخلاف المصلي بثوب نجس ومخطئ القبلة، جُعل وقت هذين في النهار صُفرة الشمس، وروي عن مالك إلى الغروب، وقال عليٌّ، عن مالك: إن صَلَّى الظهر بثوب نجس ثم ذكر بعد أن صَلَّى العصر، فإن اصفرَّت الشمس أَعَادَ الظهر، ولم يُعِدِ العصر، وإن لم تصفرَّ، أَعَادَ الظهر والعصر.
قال سحنون: جعل الوقت في الثوب النجس غروب الشمس.
وقال عبد الملك: إن بقي من النهار خمس ركعات أعادهما. وكذلك في صلاة الليل. فإن لم يبق من الليل إلاَّ أربعٌ ومن النهار إلاَّ أربع لم يُعِدْ شيئًا؛ لأن وقت الطهر التي صَلَّى بثوب نجس قد خرج، وهذا وقت للآخرة.

(1/279)


وفي رواية عليٍّ: يصلي المغرب ثلاثًا، ويُبقي ركعة للعشاء، فيُعِيدها. وقاله سحنون.
قال عبد الملك وسحنون: فإن سافر لأربع ركعات، ولم يصلِّ الظهر ولا العصر وذكر ظهر أمس، فقد لزمه صلاتا اليوم سفريتين، ويبدأ بظهر أمس. وكذلك لو دخل هذه الخمس ليبدأ بها وصَلَّى صلاتي يومه حضريتين. ولو دخل لأربع، صَلَّى الظهر سفريًّا والعصر حضريًّا بعد قضاء الفائتة. وإن خرج لأربع وقد صَلَّى الظهر والعصر بثوب نجس فليعدهما سفريتين. ولو خرج لركعتين لم يُعِدْ إلاَّ العصر، فإن ذكر مع ذلك ظهر أمس، وقد خرج لأربع فليصل ظهر أمس في هذه الأربع، ولا يُعِيدهما إذا لم يبق وقت يُعِيدهما أو أحدهما فيه. وكذلك في صلاتي الليل اغترق الوقت الصَّلاَة التي ذكر قبلهما.
وفي الجزء الثالث في أبواب صلاة المسافر بابٌ يقرُب معنان من معاني هذا الباب.

في الإمامة ومن هو أحق بها
من الواضحة قال ابن حبيب: ومعنى ما روي أَنْ يؤمَّ القوم

(1/280)


أقرؤهم، أن من سلف كانوا يجمعهم صلاح الحال والمعرفة، فكان حفظ القرآن مزيد فضل، ثم كثر في الناس حفظ حروفه وتضييع العمل والعلم، فأحقُّهم اليوم بالإمامة أحسنهم حالاً، وأفضلهم معرفة بدينه.
قال مالك: يؤمُّهم أعلمهم، فإذا كانت حاله حسنة وللسِّنِّ حقٌّ.
قال ابن حبيب: ولا يكون عالمًا حتى يكون قارئًا، فإن استووا فأسنُّهم.
قال غير ابن حبيب: كان الصحابة أكثرهم قرآنًا هو أفقههم؛ لأنهم كانوا يُعَلَّمونه بتفسيره، فأما اليوم فقد يقرأ من لا يفقه.
قال علي بن زيادة عن مالك في المَجْمُوعَة: أحقُّهم أكبرهم سنًّا، وأعلمهم بسُنَّة الصَّلاَة.
قال عنه ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة: إن أفقههم أحقُّ من أقرئهم ومن أسنِّهم.
قال في المختصر: يؤمُّهم أفقههم، وأفقههم أولى من أقرئهم.
قال فيه وفي الْعُتْبِيَّة من رواية ابن القاسم: وصاحب المنزل أولى. قال عنه أشهب: وإن كان عبدًا.
قال بعض أصحابنا: وإن كانت امرأة، فلها أن تُوَلِّي رجلاً يؤمُّ في منزلها.
قال ابن حبيب: وأَحَبُّ إليَّ لصاحب المنزل إن حضر من هو أعلم منه

(1/281)


وأعدل أَنْ يقدِّمه. وأهل كل مسجد أحقُّ بإمامته ممن غشيهم، إلاَّ أَنْ يحضرهم الوالي.
ويُكْرَه للرجل أَنْ يؤمَّ قومًا وهم له كارهون أو أكبرهم أو ذو النُّهى والفضل منهم وإن قَلُّوا. قال مالك: إذا خاف أَنْ يكون منهم من يكرهه، فليستأذنهم.
وكذلك في الْعُتْبِيَّة من رواية أشهب عن مالك.
قال ابن حبيب: ويُكره إمامة الَّحَّان إذا كان فيهم من هو أصوب قراءة منه، فإن لم يكن فيهم مَرْضِيُّ الحال، فالَّحَّان والألْكَنُ والأُمِّيُّ الذي معه من القرآن ما يُغْنِه في صلاته أولى من قارئ لا يُرْضَى حاله.
قال أبو محمد: قال لنا أبو بكر بن محمد: من صَلَّى خلف من يلحن في أمِّ القرآن فليعد. يريد: إلاَّ أَنْ يستوي حالهم في ذلك.
ومن المَجْمُوعَة عن مالك: لا بأس بإمامة الألكن، إذا كان عدلاً.
قال ابن القاسم في (كتاب ابن الْمَوَّاز): وإذا صَلَّى من يُحسن القرآن خلف من لا يُحسنه أَعَادَ الإمام والمأموم. قال أبو محمد: لأن الإمام وجد قارئًا يأتَمُّ به.
وقال ابن القاسم في المَجْمُوعَة: إن صَلَّى القارئ خلف من لا يُحسن القرآن لم يُجِزه.
قال سحنون: فإن ائتمَّ به أُمِّيُّون مثله، فصلاتهم تامَّةٌ. وقال ابن سحنون، عن

(1/282)


أبيه: وهذا إذا لم يجدوا من يصلون خلفه ممن يقرأ، وخافوا ذهاب الوقت، فأما إن وجدوا فصلاته فاسدة. وقال نحوه ابن حبيب.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال موسى، عن ابن القاسم في إمام أحدث، فقدَّم أمِّيًّا لا يُحسن القرآن: فليُقدِّمْ غيره. فإن تمادى وصَلَّى بهم بغير قراءة، أعادوا الصَّلاَة.
قال عليٌّ، عن مالك في المَجْمُوعَة: لا يؤمُّ العبد الأحرار، إلاَّ أَنْ يكون يقرأ وهم لا يقرأون، ليؤمَّهم في المكان الذي يحتاجون فيه إليه، ولا يؤمُّ في عيد، ولا جمعة.
ومن الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم عن مالك: ولا أرى للرجل أَنْ يؤمَّ عمَّه وإن كان أصغر منه؛ لأنه كالوالد. قال إبراهيم: إلاَّ أَنْ يُقدِّمَه. قال سحنون: وذلك إذا كان مثل ابن أخيه في العلم والفضل.

في من لا يجوز أَنْ يؤمَّ، ومن يُكْرَهُ إمامَتُه
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَئِمَّتُكُمْ شُفَعَاؤُكُمْ، فَانْظُرُوا بِمَنْ تَسْتَشْفِعُونَ». فينبغي اختيار أهل الفضل في الإمامة. قال ابن حبيب: ولا ينبغي أَنْ يأتمَّ بمن لا يعرفه، إلاَّ إمام راتب في المسجد، فلتأتمَّ به حتى تعلم منه م لا يُرضى. ومن بمسجده إمام لا يُرضَى فلينتقل إلى مسجد آخر، فإن بَعُدَ عنه فليُصَلِّ بمسجده ويُعِيد، ولا يَدَع الجماعة. قوله: ويُعِيد. يعني على الاستحباب. قال: وقاله كلَّه مطرف، وابن الماجشون، وابن عبد الحكم، وأصبغ. قال: ولا يُؤْتَمُّ

(1/283)


بمن لا يُتِمُّ ركوعه ولا سجوده، ولا خلف من عُرِفَ بالجهالة بالصلاة والوضوء، ولا خلف من يعرف بمنع الزكاة، أو شرب الخمر، أو الفسق، أو مقيم على شيء من معاصي الله سبحانه، مصرا، وإنه ليكره أَنْ يكون بين يديه في الصف المخمور والمأبون، والفاسق، فكيف بإمام الصَّلاَة. ومن ائتم بمن لا يقيم ركوعه وسجوده فليتم هو بعده، ويتمكن، ولا يعود يأتم به.
ومن (الْعُتْبِيَّة)، من سماع أشهب: ومن صَلَّى خلف سكران، أَعَادَ.
وأما من وجد منه ريح نبيذ، فلا يُعِيد من صَلَّى خلفه، ولعله نبيذ لا بأس به. وقاله ابن حبيب، عن مالك، وزاد عنه: فإن لم ينكر من عقله وصلاته شيئا، فلا يُعِيد، ولعله شراب يحل، إذا لم يعرف بشرب المسكر.
قال مالك، في (كتاب ابن الْمَوَّاز): إن أتم بهم السكران الركوع والسجود والقراءة، فصلاتهم باطلة، ولو لم يكن سكران، ولكن الخمر في فيه، وفي جوفه، فليُعِيدوا أبدا. وكذلك روى عبد الملك بن الحسن، عن ابن وهب، في (الْعُتْبِيَّة)، قال: وأما عاصر الخمر فلا يصلي خلفه، فإن فعل لم يعد.
وكذلك ذكر ابن حبيب في شاربها، كما ذكر ابن الْمَوَّاز في شاربها، وقال: إلاَّ أَنْ يكون هو الإمام الذي تؤدي إليه الطاعة، فلا يُعِيدوا، إلاَّ أَنْ يكون في حال صلاته بهم سكران، فلا يجزئهم.
ومن (المَجْمُوعَة)، قال سحنون: ولا ينبغي للقوم أَنْ يأتموا بشارب الخمر، وبائعها، ولا بالعامل بالربا، أو العامل عمل قوم لوط، وليزيلوه إن قدروا.
قال ابن القاسم: قال مالك، وَلا بَأْسَ بإمامة المحدود، إن صلحت حاله،

(1/284)


وكذلك ولد الزنا ما لم يكن راتبا. وكذلك قال في (المختصر)، فيه وفي المحدود.
قال ابن القاسم في (الْعُتْبِيَّة): ولا يؤم الأغلف والمعتوه. قال سحنون: فإن أمهم الأغلف أجزأهم، ويُعِيدون في المعتوه.
ومن (الواضحة)، قال مالك: من ترك الاختتان من غير عذر، لم تجز إمامته ولا شهادته، وإن كان من عذر، فتجوز في الوجهين.
ولا تجوز إمامة القاتل عمدا بتاتا، وإن تاب، بخلاف المحدود إذا صلحت حاله، وأجاز ابن الماجشون إمامة الخصي راتبا، في الجمعة وغيرها، وعنده كالأقطع والأعمى. وتجوز عنده إمامة العبد راتبا، إلاَّ في الجمعة، إذ ليست عليه. وإنما كره مالك إمامتهما راتبين استحسانا، ونحا بالخصي ناحية التأنيث. قال ابن نافع عن مالك في (المَجْمُوعَة): لا أرى أَنْ يؤم الخصي، وليس بالإمام التام.
ومن (كتاب ابن سحنون): وإذا ائتموا بخنثي، فإن حكم له بحكم الرجال أجزأهم، وإن حكم له بحكم النساء أعادوا أبدا. قال مالك، في (المختصر) وغيره: ولا يؤم المرأة رجالا ولا نساء، في مكتوبة ولا نافلة.
قال ابن حبيب: ومن صَلَّى خلف امرأة أو صبي، أَعَادَ أبدا.
قال النخعي، في (المدونة): لا تؤم المرأة في الفريضة.
ومن (المختصر)، ولا يؤم صبي لم يحتلم في مكتوبة، وَلا بَأْسَ به في قيام رمضان في البيوت للنساء. قيل له: فللنساء في قيام رمضان؟ قال أنس: يفعلن.

(1/285)


وكذلك روى أشهب عنه.
ولو قدَّموا المحتلم والعبد روى أشهب عنه في الْعُتْبِيَّة قال: ولو قدَّموا المحتلم والعبد كان أحب إلي.
قال ابن القاسم عن مالك: وَلا بَأْسَ أَنْ يؤمَّ الصبي الناس في النوافل خاصة، وفي قيام رمضان. ولم يُجِزه في المدونة. قال أشهب في الْعُتْبِيَّة: وَلا بَأْسَ أَنْ يؤمَّ الصبيان في المكتَبِ واحدٌ منهم.
ومن الْعُتْبِيَّة قال أشهب عن مالك: لا بأس أَنْ يؤم العبد في رمضان في أهله، وقد فعلتْه عائشة رضي الله عنها. فأما في المساجد الجامعة فلا.
ومن المَجْمُوعَة قال عليٌّ عن مالك: لا يؤمُّ العبد الأحرار، إلاَّ أَنْ يكون يقرأ، وهم لا يقرأون، فليؤمَّهم في المكان الذي يحتاجون إليه، ولا يؤمُّ في عيد ولا جمعة. وقال أشهب: والأعمى أجوز عندي أذانًا وإقامة وإمامة من العبد، إذا سُدِّدَ للوقت والقِبلة، ثم العبد إذا كان رِضًى، ثم الأعرابي إن كان رِضًى، ثم ولدُ الزِّنَى، كل ذلك جائز لا بأس به مؤذِّنٌ وإمامٌ.

(1/286)


ومن الواضحة: وَلا بَأْسَ بإمامة الأقطع والأعمى وذي العيب في بدنه، ما لم يكن العيب في دينه.
ومن الْعُتْبِيَّة قال عبد الملك بن الحسن، عن ابن وهب، قال: لا أرى أَنْ يؤمَّ الأقطع وإن حَسُنَتْ حاله، ولا الأشلُّ إذا لم يقدر أن يضع يديه بالأرض.
ومن المختصر، قال: ولا يؤمُّ الأعرابي حضريِّين، ولا المتيمِّم المتوضِّئين، فإن فعلوا أجزأهم.
قال ابن حبيب: وإنما نهى مالك عن إمامة الأعرابي وإن كان أقرأهم لجهله لسُنَّة الصَّلاَة.
قال أبو المصعب: فإن أَمَّ الصبيُّ أو الأعرابي أو العبد مضت صلاة من ائتمَّ بهم إلاَّ العبد في الجمعة والعيدين، فلا يُجْزِئ.
وقال سفيان الثوري: ويؤمُّ الأعرابي إن كان أقرأهم، ويؤمُّ وَلَدُ الزنى.
وقال ابن مُزَيْن، عن عيسى بن دينار: إنما كُرِه وَلَدُ الزنى لئلاَّ يُؤْذَى بذلك.
وقال عيسى بن دينار: وَلا بَأْسَ بإمامته، إنما عيوب الناس في أديانهم، وكذلك الأقطع والأشهل والأعمى.
قال مالك في المختصر: وَلا بَأْسَ بإمامة المجنون في حين إفاقته، وإمامة الألكن إذا كان عدلاً. وَلا بَأْسَ أَنْ يأْتمَّ الإمام –يعني الأميرَ- ببعض أصحابه. وَلا بَأْسَ أَنْ يؤمَّ الرَّجُل نساء، لا رجل معهُنَّ. قال ابن نافع عن مالك في المَجْمُوعَة: إن كان رجلاً صالحًا.
قال موسى عن ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة: ومن صَلَّى برجل عن يمينه،

(1/287)


ونساء خلفه فأحدث فاستخلفه، فليُتمَّ بالنساء. وكذلك إن لم يستخلفه، ونوى أَنْ يؤمَّهم. ومَنْ أَمَّ نساء، فمنهنَّ عن يمينه وعن يساره وخلفه وأمامه، فقد أساء وصلاتهم مُجْزِئةٌ.
قال ابن سحنون في المستنْكَح، ومن به قَرْح سائل، فليُؤْتَمَّ بغيره أحسن، فإن صَلَّى بهم أجزأهم، كان يتوضَّأ المستنكح لكل صلاة أم لا.
قال محمد بن مسلمة: لا أكره إمامة المتيمِّم لمتوضِّئين؛ لأنه عمل ما أمره الله به. وخالف مالكًا في ذلك، فقال: إلاَّ أَنْ يكون في بدنه نجاسة، فأحبُّ إلي ها هنا أَنْ يؤمَّ غيره، يصير مثل صاحب القروح والمستنكَح.
وقال سحنون عن أشهب فِي مَنْ صَلَّى خلف من لا يرى الوضوء من مَسِّ الذَّكَر، قال: لا شيء عليه. وإن صَلَّى خلف من لا يرى الوضوء من القُبلة، فليُعِد ابدًا. قال سحنون: يُعيد فيهما، وليس أبدًا، ولكن بحِدثان ذلك.

في الصَّلاَة خلف أهل البدع، ومن لا يُرضى
حاله من الولاة، وفِي مَنِ ائتمَّ بنصراني، ولم
يعلم
من الْعُتْبِيَّة قال أشهب عن مالك: ولا أحب الصَّلاَة خلف

(1/288)


الإباضية والواصلية، ولا السُّكنى معهم في بلد.
قال عنه ابن نافع: وإذا كان المسجد إمامه قدريٌّ، فلا بأس أَنْ يتقدَّمَه إلى غيره، فإن غشيه في مَحِلِّه، فلا أحب أَنْ يصلي خلفه.
ومن الواضحة: ومن صَلَّى خلف أحد من أهل الأهواء أَعَادَ أبدًا، إلاَّ أَنْ يكون هو الوالي –الذي تؤدَّى إليه الطاعة، أو قاضيه، أو خليفته على الصَّلاَة، أو صاحب شُرْطته – فيجوز أَنْ يصلي خلفهم الجمعة وغيرها، ومن أَعَادَ في الوَقْتِ منهم فحَسَنٌ، ومَنْعُ الصَّلاَة خلفهم داعية إلى الخروج من طاعتهم، وسبب إلى الدماء والفتنة. قال: وقد صَلَّى ابن عمر خلف الحجَّاج، وخلف نجدة الحروري حين وادع ابن الزبير. قال: وإن كان الوالي يُضَيِّعُ الصَّلاَة حتى يفوت الوقت فليصلوا في الوَقْتِ، وتكون صلاتهم معه نافلة كما جاء في الحديث، وكما فعل التابعون خلف الوليد. وعن بلغت بهم المخافة في صلاتهم

(1/289)


إياها في وقتها كانوا كخائف من عدوّ أظلَّه، أو سبع جاوره، ولا يقدر أَنْ يركع قائمًا، أو يسجد خيفة أَنْ يَفْجأه، فأجاز له العلماء الصَّلاَة إيماء، فكذلك هؤلاء يومِئون برءوسهم مستخفين من الظَّلَمة وأعوانهم، وكان مكحول وغيره يفعله مع الوليد يومئون بصلاة الظهر إيماء.
قال: ومَنْ أَمَّ قومًا في سفر، ثم علموا أنَّه نصراني، فليُعيدوا أبدًا، وإن ظُفِر به استُتيب كالمُرْتدِّ، فإن تاب وإلاَّ قُتِل. قال مطرف وابن الماجشون. وجعل ذلك منه إسلامًا. ولا حُجَّة له إن قال: لم أُرِدْ به الإسلام، وفعلته عبثًا ومجونًا.
ومن الْعُتْبِيَّة في كتاب المحاربين: روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، عن مالك، أنَّه قال: يُعيدون أبدًا. قيل له: أفَيُقْتل بما أظهر من الإسلام بصلاته؟ قال: لا أرى ذلك عليه.
قال سحنون: إن كان في موضع يُخاف فيه على نفسه، فدارى بذلك عن نفسه وماله، لم يُعْرَضْ له، وأَعَادَ القوم الصَّلاَة، وإن كان في موضع هو فيه آمن، فليُعرض عليه الإسلام، فإن أسلم فلا إعادة على القوم، وإن لم يُسلم قُتِل، وأعادوا الصَّلاَة. وفي كتاب ابن سحنون، قال المغيرة: إذا صَلَّى بهم ولم يعلموا أعادوا أبدًا، وعُوقب النصراني.

وجه العمل في الإمامة للإمام والمأموم
ومن كتاب ابن حبيب: وينبغي للإمام أَنْ يُخَفِّف بالناس، وليكن ركوعه وسجوده وَسَطًا. وكان عمر بن عبد العزيز يُتِمُّهما، ويُخَفِّف الجلوس والقيام.
قال مالك فيه وفي المختصر: ولا يَؤُمُّ إلاَّ برداء، إلاَّ من ضرورة. قال ابن

(1/290)


حبيب: إذا كان في المسجد، وإما في السفر أو في داره، فهو خفيف. ويُكْرَه أَنْ يصلي في المسجد بغير رداء أو يمشي فيه منفصلاً بغير رداء.
قال في المختصر: وأُحِبُّ للذي عليه القوس والسيف أَنْ يَطْرح على عاتقه عند الصَّلاَة عمامة.
وروى موسى عن ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة في إمام الحرس: لا يعجبني أَنْ يصلي بهم بالسبف بلا رداء، وليجعلْ على عاتقه عمامة.
قال عليٌّ: قال مالك في المَجْمُوعَة: لا بأس أَنْ يؤمَّ بغير إزار، إذا كان عليه رداء.
وقال ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة: لا بأس أَنْ يؤمَّ في السفر بغير رداء ولا عمامة.
قال ابن حبيب: وينبغي للنَّفر تحضرهم الصَّلاَة أَنْ يصلوا بإمامة أحدهم، ولا يُصلُّون أفذاذًا. وقد جاء النهي عن ذلك. وكذلك إن كانا رجلين فليؤمَّ أحدُهما، ويقف عن يمينه مستويًا معه، وإن كانا رجلين وصبيًا ممن يعقل أو يثبُتُ، كان هو والرَّجُل خلف الإمام، وإن كان لا يثبت كان الرَّجُل على يمين الإمام، ولا يُلتفت إلى الصبي. وإن كان معهم امرأة والصبي ممن يثبت كان الرَّجُل والصبي وراءه، والمرأة من ورائهما، وفعله النبي صلى الله عليه وسلم حين صَلَّى وراءه أَنَسٌ واليتيم والعجوز من ورائهما.

(1/291)


قال أشهب في المَجْمُوعَة: ومن أَمَّ رجلاً، فقام في موضع المأموم فقد أخطأ، ولا شيء عليه.
قال ابن حبيب: وينبغي إذا سلَّمَ الإمام أَنْ يقوم ولا يثْبُتُ، وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا يتنفَّل في مُقامه حتى يتنحَّى يمينًا أو شمالاً، وذلك في مساجد العشائر، فأما من صَلَّى بأصحابه في داره، أو فنائه، أو في سفر، فليس ذلك عليه. قاله مطرف عن مالك. وكذلك روى عنه ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة، أنَّه إذا كان في مَحَلِّه، أو في سفر، فله أَنْ ينحرف ولا يقوم. وقال: من صَلَّى وحده فله أَنْ يفعله في مكانه بعد السلام.
وروى موسى عن ابن القاسم أن الإمام إذا سلَّمَ فواسعٌ أَنْ يتنفَّل في مكانه، أو يتنحَّى شيئًا، ولكن ليَقُمْ ولا يجلس. قال مالك في سماع ابن القاسم: وذلك في مساجد الجماعات.
قال ابن حبيب: وَلا بَأْسَ أَنْ يؤمَّ بالنفر في النافلة في الصَّلاَة الضُّحى وغيرها، في الأمر الخاصِّ، فأما أَنْ يكون كثيرًا مشتَهرًا فلا. قاله مالك.
قال مالك: وَلا بَأْسَ أَنْ يَخُصَّ الإمام نفسه بالدُّعاء دون من خلفه، وأحبُّ إلينا أَنْ يُدْخِلهم في دُعائه.
قال ابن حبيب: وَلا بَأْسَ على المرضى والضعفاء والمِيد في السفينة، لا يقدرون

(1/292)


على القيام، أَنْ يؤمَّهم أحدهم؛ لأن حالتهم استوت. قال مطرف، وابن الماجشون، وابن عبد الحكم، وأصبغ. وقد ذكرنا هذا وزيادة فيه في الجزء الأول في باب صلاة المريض.
ومن عَرَضَ له وهو إمام ما منعه القيام فليستخلف ويرجع إلى الصفِّ، فإن جَهِل، فصلى بهم جالسًا وهم قيامٌ فلاته تامَّة ويُعيد مَنْ خلفه أبدًا. قاله مالك.
ومن أَمَّ قومًا في سفر فرأى قومًا أمامه يصلي بهم رجل فجهل فصلى بصلاتهم، فصلاته تُجْزِئه، ويُعِيد مَنْ خلفه أبدًا. وقاله ابن القاسم، وغيره من أصحاب مالك.
ولا ينبغي للإمام إذا أحسَّ أحدًا يدخل المسجد وهو راكع أَنْ يُطيلَ في ركوعه. قال النخعيُّ: مَنْ وراءه أعظم حقًّا عليه ممن يأتي.
في اتصال الصفوف، وسدِّ الفرج، وذكر
الصف الأول، وذكر صفوف النساء، وكيف
إن صلَّيْن بين الرجال، وفي الصَّلاَة بين يدي
الإمام، وصلاته أرفع من أصحابه
من الواضحة قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل أَنْ يُحْرِمَ: «اعْتَدِلُوا، وَتَرَاصُّوا». وكان عمر يقول: استَوُوا، استووا. فإذا استوتِ الصفوف،

(1/293)


وأُخْبِرَ بذلك كَبَّر. قال: وكان أمير المدينة يُعاقب في ذلك مَنْ خرج عن الصفِّ.
قال: ومعنى قول مالك: لا بأس بالصفوف بين الأساطين. أنَّه لم يُرِدْ بذلك من يقطع الصفوف، والذي نُهِيَ عنه.
ومن الْعُتْبِيَّة، ابن القاسم عن مالك: ومن ضاق به الصفُّ في التشهُّد فلا بأس أَنْ يَخْرُج منه أمامه. قال عنه عليٌّ في المَجْمُوعَة: أو خلفه. وقد فعله بعض العلماء. قال عنه ابن حبيب: ولا يفعله لغير عذر. قال ابن حبيب: فإن فعله لغير عذر، أساء ولا شيء عليه. وقد روى عنه ابن وهب أنَّه يُعيد. قال ابن حبيب: ولا أرى ذلك.
قال عليٌّ عن مالك في المَجْمُوعَة، في الذي يرى خللاً في الصفِّ، فليسُدَّه إن لم يُضَيِّقْ على أَحَد، أو يؤذيه لشدَّة الحرِّ، فرُبَّ خلل بين قائمين يسُدَّنه إذا جلسَا.
قال عنه ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة: وَلا بَأْسَ أَنْ يَخْرِق صفًّا إلى فرجة يراها في صفٍّ آخر.
قال عنه ابن نافع في المَجْمُوعَة: إذا رأى فرجة بين صفَّين أو ثلاثة فإن كانت وِجاهه فليمضِ إليها. قال ابن حبيب: وإن كانت عن يمينه أو يساره في أمامه فليدَعْها.
قال عنه ابن القاسم: ومَنْ رفع رأسه من الركوع فرأى فرجة في الصفِّ، فإن كان قريبًا منه تقدَّم إليها. قال ابن حبيب وإن بَعُدَتْ صبر حتى يسجد ويقوم.

(1/294)


قال ابن القاسم عن مالك في المَجْمُوعَة: ومن دخل المسجد فرأى فُرَجًا في الصفوف فليذهب إلى آخرها. قال ابن حبيب: أدناها إلى الإمام. وكان مالك يكره تقطُّع الصفوف.
قيل لمالك: فمن لم يجد مدخلاً في الصفِّ، أيجذب إلى نفسه رَجُلاً؟ قال: لا، وليقلْ وحده. ثم قال: أيطيعه ذلك الرَّجُل، إذًا هو خاسر.
ومن الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم، عن مالك: ومن رأى رجلاً خارجًا عن الصف فلا بأس أَنْ يُشير إليه أَنْ يستوي، إن كان بجنبه، وأما اعوجاج الصفِّ فلا يشتغل به عن صلاته.
ولا بأس على أهل الخيل أَنْ يُصلُّوا بإمام متباعدين، لحِصَانَةِ خيلهم. قال عنه عليٌّ في المَجْمُوعَة: وهو أَحَبُّ إليَّ من صلاتهم أفذاذًا.
قال عنه ابن القاسم: وَلا بَأْسَ أَنْ يصلي في السقائف بمكة وبينه وبين الناس فُرَجٌ، والفضل لمن قوي أَنْ يتقدَّم، وقد سجد عمرُ على ثوبه لشدَّة الحرِّ، وكذلك في صلاة الناس بالمدينة في الشقِّ الأيمن من الشمس.
قال ابن حبيب: وأرْخص مالك للعالِم مجلسُه في مؤَخَّر المسجد أو وسَطه أَنْ يُصلي بموضعه مع أصحابه، وإن بَعُدَت الصفوف عنهم، ما لم يكن فيه خروج أو تفرُّق، فلينضزُّوا إليها يسُدُّونها.
ومن المَجْمُوعَة قال ابن القاسم عن مالك: وَلا بَأْسَ أَنْ يكون بين الناس وبين إمامهم نهر صغير أو طريق. قال أشهب: إلاَّ الطريق العريض جدًّا حتى

(1/295)


يكون كأنه ليس مع الإمام، فهذا لا تُجْزِسُه صلاته، إلاَّ أَنْ يكون في الطريق قوم يُصلُّون بصلاة الإمام صفوفًا مُتَّصلة، فصلاته تامَّة.
قال عنه ابن القاسم: وإذا جمع قوم في سفر فلا بأس أَنْ يصلي النساء بصلاتهم في فساطيطهنَّ.
ومن الواضحة وغيرها، قيل لمالك في الصفِّ الأول: هل هو خارج من المقصورة؟ قال: إن كانت تُفْتَح أحيانًا وحينًا تُغلق. وقال في غير الواضحة: إن لم تُدْخلْ إلاَّ بإذن. قال في الكتابين: فالصفُّ الأول من خارجها، وإن كانت مباحة فهو داخلها، يلي الإمام. وذَكَرَ نحوه في المَجْمُوعَة.
قال عنه ابن وهب: وَلا بَأْسَ بالصلاة في المقصورة.
قال ابن حبيب: وروي أن أفضل صفوف الرجال أولها، وأفضل صفوف النساء آخرها. وينبغي أَنْ يكون صفوف النساء خلف صفوف الرجال.
ومن الْعُتْبِيَّة روى موسى عن ابن القاسم قال: قال مالك: وإن صَلَّى رجل خلف النساء أو امرأة خلف الرجال كَرِهْتُه، ولا تفسد صلاة أحد منهم.

(1/296)


ومن المَجْمُوعَة ابن القاسم عن مالك: ومن أتى المسجد وقد امتلأ المسجد بالرجال، ورِحابُه بالنساء، فصلى خلف النساء فصلاته تامَّة.
قال أشهب: وإذا صَلَّى الإمام بمكة، فقامت امرأة بحذائه حول الكعبة، فقد أساءت، وأساء من تركها، وصلاتهم تامَّة. وإن صفَّ نساء وراء الإمام، ومِنْ ورائهم صفَّ رجالٌ، فقد أساءوا وصلاتهم تامَّة. ولو قام صفُّ نساء قِبالة صفِّ الإمام حول الكعبة من الجانب الآخر فلا بأس به، إنْ لم يكُنْ وراءهنَّ صفٌّ، أو بإزائهنَّ قريب منهنَّ، وإن كنتُ أُحِبُّ أن لا يكون لهنَّ صفٌّ إلاَّ من وراء الرجال.
ومن الْعُتْبِيَّة روى أشهب عن مالك فِي مَنْ أتى مسجدًا مغلقًا قد امتلأ، فله أَنْ يصلي أسفل في الفضاء خلف الإمام، ولا يصلي أمامه، وليس كالسفينة تضيق بأهلها، فلا بأس أَنْ يكون بعضهم فيها، وبعضهم فوقها.
قال ابن حبيب: وإذا جمع أهل السفينة فليكن إمامهم تحت سقفها، فإن كان فوق سقفها فقد أخطأُوا، ويُعِيد الأسفلون في الوَقْتِ، ولا يُعِيد الإمام ومن معه.
ومن المدونة عن مالك: لا يعجبني أَنْ يكون الإمام فوق، إلاَّ أَنْ يصلوا بإمام والأسفلون بإمام. وذَكَر إذا صَلَّى الإمام أرفع مما عليه أصحابه أنهم يُعِيدون، إلاَّ في الارتفاع اليسير، مثل ما في جامع مِصْر. وقال بعض أصحابنا: في مثل الشبر وعَظْمِ الذراع خفيف. والله أعلم.
وقال أبو بكر بن محمد: إنما كَرِهَ مالك هذا لأن بني أمية فعلوه على وَجْهِ الكِبْرِ والجبروت، فرأى هذا من العبث، ومما يُفْسِدُ الصَّلاَة.

(1/297)


وروي عن عبد الله بن عبد الحكم في السُّفُن يصلي بهم إمام في أحد السفن، ففرَّقت الريح بينهم وبين إمامهم، فليستخلفوا مَنْ يُتِمُّ بهم.
ومن المَجْمُوعَة، قال مالك: كان عمر بن عبد العزيز إذا اشتدَّ الحرُّ صَلَّى خارجًا عن المقصورة في بعض سقائف المسجد، والناس يومئذ متوافرون. فلا بأس بذلك في شدَّة الحرِّ، إذا كان في المسجد سَعَةٌ لمن يُصَلِّي فيه.

في اتباع الإمام والعمل قبله
من المَجْمُوعَة قال ابن القاسم عن مالك ومثله في المختصر، قال: ولْيُحْرِم المأموم بعد أَنْ يسكت الإمام. وقال ابن القاسم: فإن أحرم معه فليُعد الإحرام، فإن لم يفعل أجزأه.
ومن الْعُتْبِيَّة سحنون عن ابن القاسم: فإن أحرم معه أجزاه، وبعدَهُ أصوب. قال سحنون في المَجْمُوعَة: هذا قول عبد العزيز، وقول مالك أنَّه يُعيد الصَّلاَة. قال ابن حبيب: قال مالك: وله أَنْ يفعل معه إلاَّ في الإحرام، والقيام من اثنتين، والسلام، فلا يفعله إلاَّ بعده.
ومن كتاب آخر: والعمل بعده في كل شيء أحسن؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم «إِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ».

(1/298)


ومن المَجْمُوعَة قال مالك: وإذا أحرم قبله فليعد الإحرام بغير سلام، فإن لم يفعل حتى فرغ أَعَادَ صلاته. وقال عبد الملك: إذا ذَكَرَ بعد ركعة تمادى وأَعَادَ.
قال ابن القاسم عن مالك: من رفع قبل إمامه يظُنُّ أنَّه رفع فليرجع ساجدًا أو راكعًا، ولا يقف ينتظره، فإن عجّل الإمام فرفع فليتمادَ معه، ويُجْزِئه.
قال عنه أشهب في الْعُتْبِيَّة: إن سجد قبله، ثم سجد الإمام وهو ساجد، فليثبُتْ ساجدًا حتى يرفع الإمام.
قال عنه ابن القاسم في المَجْمُوعَة: وكذلك إن ركع قبل إمامه.
قال ابن سحنون: رأيتُ سحنون رفع رأسه قبل الإمام، ثم رفع الإمام، فرجع سحنون فسجد مقدار ما كان الإمام ساجدًا بعده.
ومن الْعُتْبِيَّة قال عيسى: قال ابن القاسم: وإذا رفع المأموم رأسه من

(1/299)


السجدة الأولى فرأى الناس سجودًا في الثانية فظنَّ أنها الأولى، فعاد ساجدًا معهم، ثم رفعوا فعرف أنها الثانية، فليأت بسجدة أخرى ما بينه وبين أَنْ يركع الإمام الثانية، فإن لم يفعل حتى سلَّم الإمام وطال ذلك أَعَادَ الصَّلاَة، فإن لم يَطُلْ أتى بركعة وسجد بعد السلام.
قال أصبغ: وإذا كان على الإمام سجود سهوٍ بعد السلام، فظَنَّ المأموم أنَّه سلَّمَ، فسلَّم وسجد معه بعد السلام، ثم سمع سلامه، فسلَّم وسجد معه، فليعد الصَّلاَة. قال أبو محمد: لعل أصبغ يريد أنَّه سلَّمَ أولاً على شماله.
ومن المَجْمُوعَة قال أشهب في الأرمد لا يقدر أَنْ يسجد في أول سجدة الإمام: فليتأخَّرْ إلى آخرها فيسجد ويرفع أحَبُّ إلي من الإيماء.
قال ابن القاسم عن مالك في الإمام يَعْجَل في السفر، فلا أرى لمن خلفه أَنْ يُبطئ ويتمكَّن، وليَتْبَعه.
ومن كتاب ابن سحنون: وإن أحرم قوم قبل إمامهم، ثم أحدث هو قبل أَنْ يُحْرم، فقدَّم أحدهم فصلى بأصحابه، فصلاتهم فاسدة. وكذلك إن صلوا فرادى، حتى يُجدِّدوا الإحرام.
في من أتى والإمام راكع، وهل يُحرم قبل أن
يَصِلَ إلى الصفِّ، وكيف إن ركع بعد رفع الإمام
من الْعُتْبِيَّة من سماع ابن القاسم، قال: ولا ينتظر الإمام من رآه، أو

(1/300)


أحسَّه مقبلا. قال ابن حبيب: إذا كان راكعًا، فلا يمُدُّ في ركوعه لذلك.
قال النخعي: من وراءه أعظم عليه حقًّا ممن يأتي.
قال ابن القاسم عن مالك في الْعُتْبِيَّة: ومن خاف فوت الركعة إلى أَنْ يَصِلَ إلى الصفِّ، فليركع إن كان قريبًا. قال: ويَدُبُّ راكعًا مثل صفَّين وثلاثة، وما بعد فلا أُحِبُّه.
قال عنه أشهب: وإذا جاء والإمام راكع، وعند باب المسجد قوم، فليركع معهم؛ ليدرك الركعة، إلاَّ أَنْ يكونوا قِلَّة، فليتقدَّم إلى الفُرج أحب إلي.
ومن المَجْمُوعَة قال عنه ابن نافع: وإن خاف إلى أَنْ يدخل المسجد أَنْ يفوته، فليركع في خارجه على البلاط. وإذا كان رجلان يتحدَّثان، فليقطعا حديثهما، إذا أحرم الإمام في سيرهما إلى الصفوف ليُحْرِما.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال عنه أشهب: ولا يُحْرم الداخل حتى يَصِلَ إلى الصفِّ، وكذلك أَحَبُّ إليَّ إن وجده راكعًا. وإذا ركع وهو منه في بُعْدٍ يجوز له، فلا يمشي إلى الصف فيما بين الركوع والسجود، ولكن حتى يرفع من السجود. ومَنْ لم يَدْر أركع قبل رفع الإمام رأسه في الأولى، أم بعدُ، فلا يعتدُّ بها، وترك الركوع معه في هذا الحال أَحَبُّ إليَّ، إذا خاف أَنْ يُعْجِلَه، أو أَنْ يشُكَّ في ذلك.
ومن المَجْمُوعَة قال ابن الماجشون: وإذا شكَّ أَنْ يكون أدرك الركعة معه، فليتماد معه، ويُعِيد الصَّلاَة.

(1/301)


ومن المَجْمُوعَة قال عليٌّ، عن مالك: ومن دخل والإمام راكع، يطنُّ أنَّه لا يدرك الصفَّ حتى يرفع الإمام رأسه، قال: يمشي، ولا يركع. وروى ابن القاسم أنَّه يركع ويدُبُّ راكعًا إن كان بالقُرْبِ.
ابن القاسم عن مالك: وحَدُّ إدراك الركعة مع الإمام أَنْ يُمَكِّنَ يديه من ركبتيه قبل رفع الإمام رأسه.
في من ضُعِطَ أو نعس أو غفل عن الركوع حتى
رفع الإمام أو سجد، أو غفل عن السجود،
أو ذكر سجدة بعد سلام إمامه في الجمعة
وغيرها
من كتاب ابن الْمَوَّاز: من أحرم والإمام راكع، أو قائم فنعس أو ضغط، أو غفل حتى رفع الإمام رأسه من الركعة الأولى، فلا يعتدُّ بها، ولو نابه ذلك في الثانية وقد قيد معه الأولى، فليتَّبِعْه، ما لم يرفع رأسه من آخر سجدة من الثانية.
قال أصبغ، وذكره عن أشهب، وابن وهب: أنَّه إن أحرم قبل ركوع الإمام، فالأولى والثانية سواء، فيَتْبَعه، ما لم يرفع رأسه من سجودها. وجعلوه بخلاف إحرامه بعد ركوع الإمام. وهذا خلاف مالك، وابن القاسم، وعبد الملك. قال عبد الملك: وإذا عقد الأولى ونابه ذلك في الثانية فليتبعه، ما لم يرفع رأسه من ركوع الثالثة. وقال ابن القاسم، وابن عبد الحكم: ما لم يرفع رأسه من سجود التي نعس فيها إلاَّ في الجمعة.

(1/302)


وإن ضغط عن السجود في الأولى، فإن لحقَ أَنْ يسجدهما قبل رفع الإمام رأسه من ركوع الثانية فهو مدرك للثانية , وإن لم يسجدهما حتى رفع الإمام من الركوع فلا يعتدُّ بها.
ومن كتاب ابن حبيب ك ومن ضغط في الجمعة، أو نعس، أو غفل، أو حلَّ إزاره، أو زَرَّها، حتى رفع الإمام رأسه من الأولى فلا يركعها، وليتبعه في باقيها ويقضي ركعة. وكذلك لو جَهِل، فاتَّبَعه في ركوعها. ولو عقد الأولى ونابه هذا في الثانية فليتَّبِعْه بالركوع والسجود، أدركه قبل أَنْ يُسلِّمَ، أو بعد أن سَلَّمَ. ولو زُوحِمَ عن سجود الأولى وقد ركعها فليتَّبعه، ما لم يرفع من ركوع الثانية. ولو زوحم عن سجود الثانية حتى سجد الإمام فليسجدهما بعده، ويُجْزِئُهُ. هذا قول مطرف وابن الماجشون. وقاله ابن القاسم وأصبغ، إلاَّ في الرحام، فلم يَرَيَا أَنْ يتَّبعه فيه، لا في الأولى ولا في الثانية، كذلك عبد الملك، إلاَّ في سجود بعد سلام الإمام فليس يقوله.
ومن كتاب ابن الْمَوَّاز: ومن ضغظ عن سجود الأولى من الجمعة فلم يسجد السدجدة الثانية حتى رفع الإمام من ركوع الثانية قال مالك: فهذا لم يُدرك شيئًا. وإن ضغط عن الأولى، فلحقه في سجودها فركع معه في الثانية، وضغط عن سجودها، ثم سجد قبل أَنْ يُسَلِّم، فقد أدرك ركعة. وإن لم يسجد حتى سلَّم، فأحبُّ إلي أَنْ يسجدهما، ويأتي بركعة، ويسجد للسهو، ويُعيد ظُهْرًا.
وقال ابن القاسم: يُتِمُّهما أربعًا على ركعته هذه. وقاله سحنون. وقال ابن الْمَوَّاز: وقال أشهب: يُضيف إليها ركعة تكون له جمعة. وقال أصبغ: يريد: وكذلك لو لم يُدْرِكْ غير الثانية لأتمَّها بعد سلام إمامه وقضى الأولى. وابن القاسم

(1/303)


لا يرى أَنْ يُجْزِئُهُ الجمعة. وقال أصبغ: وليُتِمَّها، ويُعِيد ظهرًا احتياطًا في الوَقْتِ وغيره. واختَلَف عن ابن القاسم فروي عنه فِي مَنْ أدرك ركعة من الجمعة فبعد السلام ذكر سجدة: أنَّه يسجدها ويقضي ركعة، وتصحُّ له الجمعة. وروي عنه أنَّه يسجد ويبني عليها أربعة. قال أصبغ: يُتِمُّها ركعتين، ويُعِيدها ظهرًا، ولو قطع وابتدأ ظهرًا كان حسنًا، ولو بنى عليها ظهرًا أجزأه.
قال ابن الْمَوَّاز: ومن ضغط عن سجود الأولى، فسجدهما والإمام راكع في الثانية، فقد صحَّت له ركعة، ثم إن لم يدرك أَنْ يركع معه الثانية حتى رفع منها، فإن أدركه في سجودها تمَّتْ له ركعة، ولو لم يسجد سجدتي الأولى حتى رفع الإمام من ركوع الثانية لم يصحَّ له من الجمعة شيء، وليُسَلِّمْ مع الإمام ويبتدئ ظهرًا. وقال عبد الملك: لا يُسَلِّمُ وليَبْنِ عليها تمام أربعة ركعات، وكأنه صَلَّى وحده بغير إمام، ولا يضرُّه نية الجمعة أولاً. وهذا أحب إلينا، كقول مالك فِي مَنْ يُحرم يوم الخميس يظنُّه يوم الجمعة.
وقال ابن القاسم فِي مَنْ أدرك ركعة من الجمعة، ثم ذكر بعد سلام الإمام سجدة: إنه يسجدها، ويبني عليها ثلاث ركعات، وتُجْزِئه.
ومن الْعُتْبِيَّة، روى ابن القاسم، وأشهب، عن مالك، فِي مَنْ أحرم مع الإمام ثم نعس أو سها، حتى سجد الإمام، فإن أدركه قبل رفع رأسه من السجود فقد أدرك، وإلاَّ فلا يعتدُّ بها، وليقضِ ركعة. قال في رواية أشهب: أَحَبُّ إليَّ أَنْ يقضي ركعة.
قال عنه ابن القاسم: وإن نعس في الجلسة الأولى، فانتبه والإمام قائم، فليقُمْ، ولا يسجد.

(1/304)


وروى عيسى عن ابن القاسم، قال: قال مالك في الناعس ثلاثة أقوال، فقال: يتَّبِعه ما لم يرفع رأسه من سجود التي نعس فيها. وقال أيضًا: يتَّبعه ما لم يرفع رأسه من ركوع التي تليها. قال يحيى بن عمر: هذا قول الليث، وابن وهب. قال ابن القاسم: والقول الثالث فرَّق فيه بين الأولى والثانية، فقال: إن كانت الأولى فلا يتَّبعه رأسًا، وإن كانت غيرها فليتَّبعْه ما طمع أَنْ يدركه في سجودها. وهذا أبينها. قال: والزحام والغفلة والنعاس في ذلك سواء. وقاله أشهب، وابن وهب.
وقال يحيى بن عمر: وروى أصبع، عن أشهب، وابن وهب، أن الأولى وغيرها سواء يتَّبِعُه ما لم يرفع رأسه من سجودها. كما حكى عنه ابن الْمَوَّاز. وفي رواية العتبي، أنهما فرَّقا بين الأولى والثانية، مثل قول ابن القاسم، وفرَّق ابن القاسم بين الزحام وغيره من نعاس أو غفلة، فقال: لا يتَّبعه في الزحام، كانت الأولى أو الثانية، وليُلْغِهما. وأما إن غفل أو نعس حتى رفع الإمام رأسه من الركوع فتفترق عنده الأولى والثانية، فليُلغي الأولى ولا يتَّبعه، وإن كانت غيرها فليتَّبِعْه ما كان يدركه في السجود.
وذكر ابن حبيب مثله عن ابن القاسم وأصبغ، التفرقة بين الزحام وغيره، وقال عن عبد الملك ومطرِّف: إن المزحوم أعذرهم، ومَنْ لم يُمْكِنْه السجود إلاَّ على ظهر أخيه لم يجزه سجوده، فإن أمكنه أَنْ يسجد بعد رفع الناس رءوسهم فعل، وتُجْزِئه الجمعة، وإلاَّ بنى على إحرامه ظهرًا، وكذلك في غير الجمعة، إلاَّ أنَّه إن قَيَّد الأولى وضغط عن ركوع الثانية فليتَّبِعْه، ما لم يرفع رأسه من ركوع الثالثة،

(1/305)


ولو نابه في الرابعة أتمَّها، ولو بعد سلامه، وأجزأته.

في اختلاف نية الإمام والمأموم في صلاتين
مختلفتين، أو حضرية وسفرية
من المَجْمُوعَة قال عليٌّ، عن مالكك من خالفت نيته نية الإمام، لم تجزه صلاته، كنية الظهر والعصر والإمام في خلافهما من ظهر أو عصر، فالإمام تُجْزِئه، ولا تجزئ من خلفه.
ومن الْعُتْبِيَّة، من سماع ابن القاسم، فإن ذكر ذلك المأموم فيها انتهى وسَلَّمَ، وأَعَادَ ما عليه. وإن أدرك ركعتين سَلَّمَ، فإن أدرك ركعة أو ثلاثًا شفعهما وسَلَّمَ وابتدأ.
وقال أشهب في المُسْتَخْرَجَة: من دخل يوم الخميس يظنُّه الجمعة، أو الجمعة يظنُّه الخميس، قال يُعِيد في الوجهين. وخالف ابن القاسم.
وقال أشهب في مسافر دخل مع إمام يظنُّه مسافرًا وهو حضري، أو ظنَّه حضريًّا وهو مسافر، فصلاته تُجْزِئه في الوجهين جميعًا.
وقال ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة عن مالك، في سفريٍّ دخل مع إمام فظن أنَّه مقيم ليتمَّ معه، فإذا هو مسافر، فسلَّم الإمام من ركعتين، قال: تجزئ المأموم. قال سحنون: يُعِيد في الوَقْتِ، وهذه خطأ. وقال ابن الْمَوَّاز: قال ابن

(1/306)


القاسم: لا تُجْزِئه. وخالف روايته عن مالك. قال محمد: وقول ابن القاسم صواب. وقال ابن حبيب: تُجْزِئه؛ لأنه نوى بنيتة لم يقصدها بعمل.
قال عيسى، عن ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة: ولو مَضَوْا فلم يدر ما هم فليُتِمَّها على صلاة مقيم ويُعِيدها سفرية. قال ابن الْمَوَّاز: كذلك روى أشهب عن مالك. وقال عبد العزيز: يقطع ويبتدئ.
ومن الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم عن مالك: وإن ظنَّهم مسافرين فتبيَّن أنهم مقيمون سبقوه بركعتين، فأَحَبُّ إليَّ أَنْ يُعِيدَ. قال سحنون: والداخل سفريٌّ. وقال عيسى عن ابن القاسم: يُسَلِّم معهم ويُعِيدها سفرية. قال ابن حبيب: في الوَقْتِ.
قال ابن الْمَوَّاز: ولو قال قائل: يُتِمُّ أربعة ويُعِيد. لم أعِبْهُ للاختلاف، ولكن أَحَبُّ إليَّ أَنْ يُسَلِّم من ركعتين؛ لأنه وحده، وأما لو دخل معه من أوَّلها ثم علم بعد ركعتين، فهذا يُتِمُّ معه ويُعِيد ركعتين. وقال ابن القاسم.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال سحنون، عن ابن القاسم: وإذا تعمَّد المسافر الإتمام وخلفه أهل سفر وحضر، فليعد هو في الوَقْتِ، ويُعِيد مسافر أتَمَّ، بأن دخلوا على الإتمام، وإن دخلوا على سفرية فلمَّا تمادى تمادوا معه سهْوًا، فليُعِيدوا أبدًا. وعلى المقيمين الإعادة أبدًا؛ لأنه إن تعمَّد لا تُجْزِئه في الوَقْتِ، وإن سها فقد ائتمُّوا به في نافلة له وزيادة يسجد لها بعد السلام.

(1/307)


ومن المَجْمُوعَة، قال المغيرة في مسافر أدرك مع الإمام ركعة، ثم قضى بعده ركعة، ثم تبيَّن له أنَّه مقيم، أنَّه يصلي تمام أربعة على ما مضى، ويُسَلِّمُ، ويسجد بعد السلام، ثم يُعِيدها سفرية.
قال سحنون: وإن دخل مسافر أو مقيم مع إمام لا يدري أمقيم هو أم مسافر، ونوى صلاته، أجزأه ما صَلَّى معه، فإن خالفه، فإن كان الداخل مقيمًا أتمَّ بعده، وإن كان مسافرًا أتمَّ معه، وتُجْزِئه.
قال أشهب: وكذلك من دخل الجامع مع الإمام في صلاته، لا يدري أهي الجمعة، أم ظهر يوم الخميس، ونوى صلاة إمامه، فهذا يُجْزِئُهُ ما صادف. وإن دخل على أنها أحدهما فصادف الأخرى، فلا تُجْزِئه عند أشهب في الوجهين، ويُجْزِئُهُ في الذي نوى صلاة إمامه؛ لأن نيته غير مخالفة له، وقد قصد ما عليه، كمن أعتق نسمة عن واجب عليه، لا يدري ظهارًا أو قتل نفس، أنَّه يُجْزِئُهُ.
قال أشهب: ومن ذكر ظهر أمس فصلاها، فأْتَمَّ به رجل فيها لعصر عليه من أمس، فلا تجزئ المأموم. وإن ذكر هذا عصر أمس والآخَرُ عصر يوم آخر، فلا يَؤُمُّ أحدهما الآخر، فإن فعلا لم تجز إلاَّ الإمام. ولو كان العصران من يوم واحد أجزأهما. وقال سحنون: إلاَّ أن أحدهما لزمته سفرية، كرهت أَنْ يؤمَّ أحدهما الآخر، فإن فعلا أجزأتهما. فإن تقدَّم السفر ائتمَّ الحضري بعده. وإن تقدَّم الحضري، فإذا صَلَّى ركعتين ثبت السفري حتى يُتِمَّ الحضري، ثم يسلِّم لسلامه؛ لأنه إنما يقضي أمرًا لزمه فلا يُغَيِّرُه. وقد قال: إنه يُتِمُّ مع الحضري أربعة. وكذلك ذكر ابن سحنون، عن أبيه القولين، قال: يُتِمُّ معه. وقد قيل: لا يصلي إلاَّ ركعتين، كما كان لزمه. وذكر عن أبيه، أنَّه لم يَكْرَهْ أَنْ يَؤُمَّ أحدهما صاحبه.

(1/308)


قال سحنون في رجلين شكَّ أحدهما في ظهر أمس، وذكر الآخر نسيانه: إن الموقن إن ائتمَّ بالشاكِّ أَعَادَ المأموم خاصة، وإن تقدَّم الموقن أجزأتهما.
وروى عيسى، عن ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة، قال: إن ذكر قوم ظهرًا من يوم واحد، فلا بأس أَنْ يؤمَّهم فيه أحدهم، فإن كانت من أيام تفترق بهم، فلا يأتمُّوا بأحدهم. قال عيسى: ولا إعادة في هذا على إمام ولا على غيره.
قال ابن سحنون، عن أبيه: ومن صَلَّى في بيته، ثم أَعَادَ بالناس، فليُعِيدوا، وإن خرج الوقت، ما لم يَطُلْ ذلك؛ لاختلاف الصحابة في ذلك. قال محمد: والقياس أَنْ يُعِيدَوا أبدًا. وقال ابن حبيب: يُعِيدون أبدًا أفذاذًا.
في الإمام تفسد صلاته، أو يذكر جنابة أو
صلاة، أو يفعل ما يُبطلها، أو يستخلف ثم
يرجع فيخرج المستخلف، أو ينتظرونه ولا
يستخلف
من الْعُتْبِيَّة، قال أشهب عن مالك، في إمام أسَرَّ قراءة الصُّبْحِ، فسُبِّحَ به، فلم يَقْرَأْ حتى أتَمَّ الصَّلاَة، فقيل له، فزعم أنَّه قرأ في نفسه. قال: هذا جاهل، وما أُراه قرا، وليعد من صَلَّى خلفه في الوَقْتِ.
وفي كتاب ابن الْمَوَّاز، قال مالك: لا يُصدِّقوه، وليُعِيدوا. ولم يَذْكُرِ الوقت. وقال أصبغ: ولا يُعِيد هو إن صدق.
وروى موسى، عن ابن القاسم، في الإمام يتكَلَّمُ عامدًا، قال: فقد أفْسَدَ

(1/309)


عليه وعليهم.
ولو نعس قائمًا في صلاة النهار فاستُثْقِل، فسُبِّح به، فانتبه، فهذا خفيف، ولا شيء عليه وإن طال. ولو تمادى به النوم حتى احتلم فليستخلف كالحدث، وتجزئهم. وإن انتضح عليه البول، فليستخلف أحب إلي. ولو نزعه وكان عليه غيره، أجزأه.
وقال سحنون في المَجْمُوعَة: ولو سقط على المصلي ثوب نجس، ثم سقط عنه مكانه ولم يثبت، لرأيت أَنْ يبتدئ الصَّلاَة.
ومن سماع عيسى، قال ابن القاسم: إذا أحدث الإمام بعد التشهُّد، وسلَّمَ متعمَّدًا، فأرى أن تجزئهم. يريد المأمومين. قال عيسى: بل يُعِيد ويُعِيدون.
وإذا أحدث الإمام فاستخلف رجلاً، فقال لهم: أبْني؟ فقالوا له: ابْنِ. بطلت عليه وعليهم.
قال ابن حبيب: إذا قال: يا فلان تقدَّم. فقال: نعم. ساهيًا، فليسجد بعد السلام، وتجزئهم.
ومن المَجْمُوعَة، قال سحنون: ومن أدرك التشهد الآخِرَ، فضحك الإمام، فأفسد، فأَحَبُّ إليَّ لمدرك التشهد أَنْ يبتدئ احتياطًا، ألا تراه أنَّه قد قعد أول صلاته اتِّباعًا له. وكذلك من فاتته ركعة فاستخلفه الإمام، فأتمَّ بهم، ثم قام يقضي لنفسه فضحك، فأَحَبُّ إليَّ أَنْ يُعِيدَ القوم احتياطًا. وكأنه لم يُحِبَّه في المسألتين.
قال أشهب: ومن أحرم بعد أن سَلَّم الإمام، ولم يعلم، ثم علم، فليُتِمَّ صلاته، ولا يبتديها، ثم إن ذكر الإمام سجود السهو قبل السلام، بعد أن طال أو خرج من المسجد، بطلت على الإمام، ولم تبطل على هذا.

(1/310)


قال عليٌّ عن مالك: ومن رأى نجاسة في ثوب إمامه، فليُشِرْ إليه حتى يراها. قال سحنون: ويستخلف مَنْ يُتِمُّ بهم، فإن لم يُعْلِمْهُ حتى فرغ، أَعَادَ الإمام والذي رأى ذلك وحده.
قال ابن القاسم، عن مالك فِي مَنْ ظنَّ أنَّه أحدث أو رعف فانصرف، ثم تبيَّن له أنَّه لم يُصِبْه ذلك، فليبتدئ ولا يبني.
قال سحنون: ولو كان إمامًا، فاستخلف في الرُّعَاف، فلمَّا خرج تبيَّن له أنَّه لم يرعف، فلا تبطل على من خلفه؛ لأنه خرج بما يجوز له، وليبتدئ هو صلاته خلف المستخلف.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال عيسى عن ابن القاسم، في إمام استخلف، ثم مضى يتوضَّأ، ثم جاء فأخرج المستخلَف، وأتَمَّ بهم، فلا ينبغي ذلك، فإن فعل فينبغي إذا تمَّتِ الصَّلاَة أَنْ يُشِير إليهم حتى يقضي لنفسه، ثم يُسَلِّمَ ويُسَلِّموا. وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء فتقدَّم، وتأخَّر أبو بكر. قال يحيى بن عمر: لا يجوز هذا لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن القاسم: ولو علم قبيح ما صنع بعد أن صَلَّى الركعة فليخرجْ، ويُعِيد الرَّجُل، فإن لم يكن فغيره، ولو أنَّه حين أخرجه ابتدأ الصَّلاَة لنفسه، كان عليهم الإعادة، اتَّبَعُوه أو لم يَتَّبِعوه.
ومن المَجْمُوعَة قال عليٌّ، عن مالك: لا ينبغي للإمام، إذا ذكر جنابة وخرج، أَنْ ينتظروه ليُتِمَّ بهم، والذي فعل النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك هو له خاصٌّ،

(1/311)


وذلك أنَّه لم يفعله أحد من الأئمة بعده. وكذلك إن ذكر أنَّه على غير وضوء، أو أن عله ثوبًا نجسًا، فليستخلف. وإن لم يذكرْ حتى سلَّمَ أَعَادَ، ولم يُعِيدوا.
قال عنه ابن القاسم: وإن تعمَّد، أَعَادَ من علم ممن خلفه. يريدك وإذا علم الناس أعادوا. قال ابن القاسم: وكذلك كل من أفسد متعمِّدًا، فليُعِيدوا احتياطًا.
وإن علموا أن من صَلَّى بهم نصراني أعادوا.
وقال بعض أصحابنا في كتاب آخر: إن ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وانتظروه حتى اغتسل ثم عاد، أنَّه كان لم يُحْرم. قال: وهذا الثابت أنَّه لم يكن أحرم.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال موسى: قال ابن القاسم: ومن أَمَّ على شرف أو كُدْيَة، ومن خلفه تحته في وطاء، فإن تقارب ذلك فلا بأس به.
ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسم: قال مالك: إذا ذكر الإمام بعد ركعتين أنَّه لم يقرأ فيهما، فإن صلاته ومن خلفه منتقِضَة. وكذلك إن ذكر بعد أن سلَّم. وإن ذكر أنَّه غير متوضِّئ استخلف. وإن ذكر صلاة عليه، قال ابن القاسم: يستخلف، ثم قال: يقطعون. كما قال مالك. وقاله ابن عبد الحكم، وقاله أصبغ اتِّباعًا. والأول القياس، وبه قال سحنون أنَّه يستخلف. قال ابن عبد الحكم: لا يبني أحد بفساد صلاة إمامه، إلاَّ في الحدث.
ومن المَجْمُوعَة، قال أشهب: وإذا أصاب الإمام غَشْيٌ، أو لَمَمٌ، أو ما

(1/312)


أذهب عقله، فليُيتمَّ من خلفه صلاتهم، ويتوضَّأ هو ويبتدئ. وإن نام قائمًا تمادى؛ لأنه لو غُلِبَ سقط.
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا أحرم قوم قبل إمامهم، ثم أحدث هو قبل أَنْ يحرم، فقدَّم أحدهم فصلى بهم، أو صلَّوا فرادى فصلاتهم فاسدة، حتى يُجَدِّدوا إحرامًا. وقد تقدَّم هذا في باب آخر.

في الإمام يُسَلِّم من ركعتين، فيُسَبَّحُ به، فيبتدئ
الصَّلاَة فيُتَّبَعُ، وفي المُسْتَخْلَفِ يبتدئ الصَّلاَة
من الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم: إذا سَلَّمَ إمام من ركعتين من المغرب، فسبَّحوا به، فابتدأ الصَّلاَة واتَّبَعوه، فصلاته تُجْزِئه، ويُعِيد من خلفه أبدًا، إن لم يكونوا سَلَّموا. قال أبو محمد: إنما يصِحُّ هذا إن سَلَّم عامدًا أو تعمَّد القطع بعد سلامه ساهيًا.
ومن المَجْمُوعَة، قال أشهب في إمام سلَّم من اثنتين، فظنَّ أنها فسدت، فابتدأها، وصَلَّوا معه، فليُعِيدوا كلُّهم؛ لأنه زاد في صلاته جهلاً.
قال ابن الْمَوَّاز: إذا سَلَّمَ هو وبعض من خلفه، فظنُّوا أنها تمَّتْ، وسَلَّمَ بعضهم عالِمون، ولم يُسَلِّم بعضهم، ثم علم الإمام مكانه، فابتدأ بهم الصَّلاَة، فصلى أربعة مؤتنَفَة، واتَّبَعُوه، فقال ابن القاسم: فصلاته وصلاة من سَلَّمَ معه سهوًا أو عامِدًا تُجْزِئه، ولا تجزئ مَنْ لم يُسَلِّمْ. ولم يعجبنا هذا، ولا رأيتُ مَنْ أخذ به، وأرى صلاته وصلاة من اتَّبعه حتى أتمّ أربعًا باطلاً؛ لأن سلامه سهوٌ، لا على القطع، وإنما كان عليه أَنْ يبني، إلاَّ أَنْ يُحدث سلامًا يقطع به وإن كان

(1/313)


ذلك مكروهًا له. قال محمد: ولو اتَّبعه مَنْ سَلَّمَ ومَنْ لم يسلم في ركعتين وتركوا اتِّباعه في الخامسة حين ركعها، وقدَّموا من سَلَّم بهم، وسجدوا للسهو، كان صوابًا فمن كان منهم سلم أولاً عامدًا للقطع، فليُتِمَّ ركعتين بعد سلام الذي استخلفوه، وكذلك لو لم يُقدِّموا من يسلم بهم، ولكن سلموا أنفسهم، وأَتَمَّ الصَّلاَة المتعمِّدون أربعة أجزأهم، ولا يفعلوا هذا حتى يرفع رأسه من الخامسة، لا حين يركع؛ لأنها لا تبطل عليه إلاَّ بعد رفع رأسه منها، ثم لو استفاق بعد ذلك لم ينفعه، ولا تبطل عليهم، وكأنهم خرجوا من إمامته.
قال أبو محمد: أُراهُ جعله كمن خرج من صلاة إلى صلاة غيرها، ولو كان كمن زاد سهوًا لم يُبطلها إلاَّ بعقده السادسة، على قول ابن القاسم. ويعني أيضًا أن الإمام لم يسلم على القطع، ولو سلم على القطع وجب على من سلم على القطع ودخل معه أَنْ يتَّبِعه.
قال سحنون في المَجْمُوعَة فِي مَنْ صَلَّى بقوم، ثم أحدث، فقدَّم أحدهم، فابتدأ بهم الصَّلاَة بإحرام قطع به ما قبله، فإن تعمَّد ذلك واتَّبعوه، بطلت صلاتهم أجمعين، وإن كان سهوًا، وكثرت الزيادة فكذلك، وإن قَلَّتِ الزيادة، سجد لها، ويجدوا إن سَهَوْا بسهوه، وأجزاتهم.
قال ابن حبيب: ولو سها المستخلف، فأحرم بهم وبنى، فصلاتهم مجزئة، ويسجد بعد السلام. وأما إن ابتدأ الصَّلاَة بهم جاهلاً، فقد فسدت عليه وعليهم.
قال غير ابن حبيب: ولو قطع بسلام أو كلام، ثم ابتدأ أجزأته، وبطلت عليهم.

(1/314)


في استخلاف الإمام، وكيف يعمل
المستخلف، وكيف إن لم يستخلف فصلوا
وحدانًا، أو بإمامين، أو لم يكن خلفه إلاَّ واحد
من المَجْمُوعَة، قال علي، عن مالك: إذا أحدث الإمام، أو رعف، فليستخلف من الصف الذي يليه. قال ابن القاسم: وإن قال: يا فلان تقدم، لم يضرهم، وقد أفسد في الرعاف على نفسه خاصة. قال عنه علي: فإن استخلف وهو راكع أو ساجد. فليرفع هو بهم، وإن استخلفه بعد تمام القراءة، فلا يُعِيدها، وليركع.
ومن (الْعُتْبِيَّة)، قال أبو زيد، عن ابن القاسم: وإن قدمه في بعض القراءة، فليقرا المقدم من موضع انتهى الأول.
قال عنه عيسى، قال ابن القاسم: وإن أجدث راكعا فليرفع رأسه، ويستخلف من يدب راكعا فيرفع بهم ويسجد. قال يحيى بن عمر: يرفع رأسه بغير تكبير، فيستخلف من يرفع بهم. وقيل: يستخلف من يرفع بهم قبل أَنْ يرفع رأسه، لئلا يغتروا برفعه.
قال موسى، عن ابن القاسم: والمستخلف في الجلوس يتقدم جالسا، وفي القيام يتقدم قائما.
ومن (المَجْمُوعَة)، قال أشهب: وإن خرج ولم يستخلف، فصلوا وحدانا، أجزأهم، إلاَّ في الجمعة. وإن قدمت طائفة منهم إماما، وطائفة إماما، في غير

(1/315)


الجمعة أجزأهم. وقاله سحنون.
وفي (الْعُتْبِيَّة)، قال أشهب: وقد أخطأت الطائفة الثانية، وصاروا كمن دخل على قوم يصلون فصلوا بإمام آخر، فقد أساءوا، وتجزئهم. ولو قدموا رجلا، فصلى بهم، إلاَّ واحدا منهم صَلَّى وحده فقد أخطأ، وتُجْزِئه. وتقديمهم رجلا قبل خروج الأول من المسجد أو بعد ذلك سواء. وإن كان خلفه واحد فصلى لنفسه ينوي أَنْ يؤم نفسه قبل أَنْ يخرج الأول من المسجد، أو لم ينو، فذلك سواء.
ومن (كتاب ابن الْمَوَّاز)، قال ابن القاسم: إن صلوا أفذاذا أجزأهم. قال أصبغ وأَحَبُّ إليَّ أَنْ يُعِيدَوا، ولا أوجبه إلاَّ أَنْ يبقى مثل السلام، فلا يُعِيدوا.
قال ابن سحنون، عن أبيه: وإن قدم رجلا، فلم يتقدم حتى يتقدم غيره، وصَلَّى المستخلف وراءه، فصلاتهم تامة.
قال ابن الْمَوَّاز، قال ابن عبد الحكم: من ابتدأ الصَّلاَة بإمام، فأتمها فذا، أو ابتدأها فذا، فأتمها بإمام، فليعد. وكذلك من لزمه أَنْ يقضي فذا، فقضى بإمام. يريد: مثل قوم فاتتهم ركعة، فلا يقضوها بإمام.
وقال ابن سحنون، عن أبيه: ومن صَلَّى برجل، فأحدث، فاستخلفه، فليبن، على ما مضى. وما ذكرت من قول من قال لا يبني وإن استخلفه واحد. قال: لا يبني، استخلفه أو لم يستخلفه، فكلاهما خطأ.
قال ابن الْمَوَّاز: وإذا استخلف الإمام من أحرم خلفه في الثانية من الصبح، فليصلها، ويجلس، ثم يقوم لقضاء الأولى. وكذلك لو لم يكن خلفه غيره.

(1/316)


في الإمام يقدم من فاتته ركعة أو بقي منها
السجود، أو لم يَدْرِ ما فاته، أو أحرم بعد أن
قدمه، والمقيم يقدمه المسافر وقد فاتته ركعة،
والقوم تفوتهم الركعة، هل يصلونها بإمام؟
قال ابن القاسم، في (المَجْمُوعَة)، عن مالك: وإذا استخلف الإمام من فاتته ركعة، فليتم بهم، ثم يشير إليهم بالجلوس حتى يقضي، ثم يسلم بهم. قال سحنون: فإن كانوا كلهم فاتتهم الركعة، فمن أصحابنا من يقول: يقوم المستخلف وحده للقضاء، ثم يسلم، ثم يقضون بعده. ومنهم من يقول: إذا قام يقضي قام كل واحد منهم يصلي لنفسه، ثم يسلمون بسلامه. فإن ائتموا به أبطلوا على أنفسهم، وصلاة المستخلف تامة. قال ابن سحنون، عن أبيه: يجزئهم. ثم رجع فقال: يُعِيدون أحب إلي.
ومن (كتاب ابن الْمَوَّاز): ومن اتبعه فيها منهم، أو من غيرها، فصلاته باطل. وقال ابن عبد الحكم: من لزمه أَنْ يقضي فذا، فقضي بإمام، بطلت صلاته. وهذا موجب في باب قضاء المأموم.
قال ابن الْمَوَّاز: ومن صَلَّى وحده ركعة من الصبح، ثم أحرم معه رجل في الثانية، فأحدث، فاستخلفه، فليصل ركعة، ويجلس بتشهد، ثم يقضي الأولى. ولو كان دخل معه أحد فلا يتبعه فيما يقضي ويقضوا بعد سلامه. ومن دخل فيها منهم أو من غيرهم، فصلاته باطل، ولا يؤتم به فيه إلاَّ في البناء. وأما المقيم يدرك ركعة من صلاة المسافر، فيستخلفه في آخرها، فهذا لا يتبع في بناء ولا قضاء، ولكن ليبن، ثم يقضي ثم يسلم، ويقضي من خلفه من مقيم.

(1/317)


ومن (الْعُتْبِيَّة)، روى عيسى، عن ابن القاسم، في إمام أحدث بعد رفع رأسه من الركعة، فقدم مَنْ لم يدرك معه تلك الركعة، فليقدم هذا من قد أدركها، ويتأخر، فإن لم يفعل، وسجد بهم، فلا يتبعوه في سجوده؛ لأنها له نافلة، فلا يعتدون بتلك الركعة، وإن اتبعوه فيها فسدت صلاتهم. وكذلك روى عنه سحنون.
وروى سحنون، عن أشهب، فِي مَنْ لم يدرك معه إلاَّ السجدة الآخرة، فاستخلفه فسجدها بهم، ثم أتم لنفسه، أن صلاتهم باطل؛ لاتباعهم إياه في سجدة لا يعتد بها.
وفي (كتاب ابن الْمَوَّاز) قول مثل هذا. قال: وقد قيل: إنها تجزئهم إن سجدوا معه. وقد ذكرناه في أبواب الإمامة، في مسافر قدم حضريا بعد ركعة.
وروى ابن سحنون، عن أبيه، فِي مَنْ صَلَّى وحده ركعة، فسجد منها سجدة، وقام ساهيا، فدخل قوم خلفه فأحدث، فقدم أحدهم، وأعلمه بالسجدة، فليسجدها، ويسجدون معه، ويبني تمام صلاة الأولى ثلاث ركعات، ثم يشير إليهم بالجلوس حتى يقضي ركعة، ويسلم، ويقضون بعد سلامه.
ومن (الْعُتْبِيَّة)، روى موسى، عن ابن القاسم، عن مالك، في من صَلَّى وحده ركعة، ثم دخل معه قوم، فأحدث، فقدم أحدهم مثل ما تقدم، أنَّه يتم بهم، ثم يجلسون حتى يقضي ويسلم، ويقضون بعده أفرادا، فإن كان على الأول سجود قبل السلام سجده بهم إذا قضى ركعته، ثم يسلم، وإن كان بعد السلام سجده إذا سلم، ولا يسجد القوم حتى يقضوا ويسلموا.

(1/318)


وروى عنه سحنون، أن المستخلف إنما يسجد السجود الذي قبل السلام قبل أَنْ يقضي ركعته.
وروى موسى، عن ابن القاسم، عن مالك، فِي مَنْ صَلَّى برجل ركعة، ثم دخل معه آخر في الثانية، وثالث في الثالثة، ورابع في الرابعة، فأحدث، فقدمه، فليتم بقية الصَّلاَة، ويقوم وحده فيقضي ما عليه، فإذا سلم، سلم من أدرك أول الصَّلاَة، وقام من بقي عليه شيء ليقضي.
قال: وإذا استخلف الإمام من أحرم مكانه، ولم يَدْرِ ما صَلَّى قبله، فليشر إليهم، وليعرفوه إشارة، فإن لم يفهم ومضي في صلاته، فليسبحوا به حتى يفهم، فإن لم يجد بدا إلاَّ أَنْ يتكلم، فلا بأس.
وقال سحنون، في (المَجْمُوعَة): ينبغي أَنْ يقدم غيره ممن يعلم ما صَلَّى الإمام، فإن تمادى فإنه إذا صَلَّى ركعة فليتزحزح للقيام، فإن سبحوا به جلس وتشهد، ثم يتزحزح للقيام، فإن لم يسبحوا به، قام وعلم أنها الثالثة، وإن سبحوا به، علم أنها رابعة، فيشير إليهم بالجلوس، ثم يقضي، ثم يسلم. وإن كان كل من خلفه يجهلون ما صَلَّى، فليصل بهم على أنهم لم يفتهم من الصَّلاَة شيء. ولو أَعَادَ من خلفه كان أحوط؛ إذ لعلهم ائتموا به في القضاء. وكذلك في (كتاب ابن سحنون)، إلاَّ أن في سؤاله صَلَّى وحده، ثم دخل معه قوم فصلوا معه ركعة، ثم أحدث فقدم أحدهم، ولا يعلمون ما صَلَّى، فليأت بركعة بأم القرآن، ويجلس، ثم بركعتين بأم القرآن. وذكر ما استحب من إعادة من خلفه.
ومن (الواضحة)، ومن أحرم خلف إمام، وقد سبقه بركعة أو أكثر، فأحدث، فليقدم غيره، فإن قدمه فليقدم هذا غيره، علم ما سبقه به أو جهل، فإن

(1/319)


جهل أَنْ يخرج، وجهل ما صَلَّى قبله، فليركع ويسجد، فإذا رفع تربص، فإن قام القوم قام، وإن جلسوا جلس، وليطل الجلوس حتى يسبح به، فيعلم أنها الأولى، فيقوم.
ومن (المَجْمُوعَة)، قال سحنون، في إمام أحدث، فقدم رجلا دخل خلفه، ولم يحرم إلاَّ بعد أن قدمه، فأتم بهم الصَّلاَة، فصلاتهم فاسدة؛ لأن إحرامه لنفسه، فكأنهم أحرموا قبل إمامهم، وأما هو، فإن استخلفه على ركعة أو ثلاث، فصلاته باطل؛ لأنه جلس في غير موضع جلوس، وهو مصل لنفسه، وإن استخلفه على ركعتين، فصلاته تامة. قال ابن عبدوس: هذا على قول ابن القاسم، في متعمد ترك السورة مع أم القرآن، وعلى قول علي بن زياد يُعِيد. قال ابن حبيب: إن قدمه في أول ركعة، فصلاته تامة، وتبطل عليهم، وإن كان بعد ركعة أو أكثر، فعمل على بناء صلاة الأول، فلا صلاة له، ولا لمن خلفه.

في قضاء المأموم، والعمل فيما يدرك
ويقضي، وهل يأتم به فيما يقضي من فاته ذلك
أو غيره
من (المَجْمُوعَة)، قال ابن نافع، قال مالك: ما أدرك المأموم فهو أول صلاته، ولكن لا يقرأ فيها إلاَّ كما يقرأ الإمام، ويقضي ما فاته على نحو ما فاته، فيكون آخر صلاته. وقال أشهب: ما أدرك فهو آخرها، وما فاته فهو أولها. وكذلك في سماعه من مالك، وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم، في

(1/320)


(الْعُتْبِيَّة)، وقاله ابن حبيب، عن ابن الماجشون. وقال سحنون كقول مالك. وقال أبو محمد: ولا خلاف بين مالك وأصحابه أن القاضي إنما يقترق من الباني في القراءة فقط، لا في قيام أو جلوس، وأن كل مأموم فقاض، وكل فذ أو إمام فبان.
ومن (المَجْمُوعَة)، قال ابن القاسم وابن نافع وعلي بن زياد، قال مالك: ومن أدرك مع الإمام ركعتين من الظهر، وهو يقدر أَنْ يقرأ فيها بأم القرآن وسورة في كل ركعة، قال: لا يقرأ إلاَّ بأم القرآن، ويقضي كما فاته. قال عند ابن نافع: وإذا أدرك ركعة فليتشهد. قال عنه على: فإن أدرك التشهد، فلا يجلس إلاَّ بتكبير. قال عنه ابن نافع: ثم لا يقوم بتكبير. وقال ابن القاسم: أَحَبُّ إليَّ أَنْ يقوم بتكبير، فإن لم يفعل أجزأه.
ومن (المختصر): ومن وجد الإمام في آخر صلاته جالسا، فأحب إلينا أَنْ يكبر ويجلس، وإن وجده راكعا أو ساجدا فليكبر للإحرام، ويكبر أخرى يركع بها ويسجد، فإن لم يكبر إلاَّ واحدة للإحرام، أجزأه.
ومن (الْعُتْبِيَّة)، روى عيسى، عن ابن القاسم، عن مالك، قال: وإذا أدرك تشهد الصبح، فليحرم ويجلس، وإذا طلعت الشمس ركع للفجر. وإذا أدرك الركعة الثانية من الصبح فقنت فيها، فلا يقنت فيما يقضي،

(1/321)


ولو أدركه في القنوت بعد الركوع، فقنت، فهذا لم يدرك شيئا، وليقنت إذا قضى. ولو أدركه في الركوع في الثانية بعد أن قنت فيها، فركع معه، فإذا سلم الإمام قام هو فقضى ركعة يقنت فيها.
ومن كبر وجلس في الجمعة، فليجدد تكبيرة، ويبتدئ بها صلاته، ولا يقطع.
وقال أيضا: إن صَلَّى بإحرامه، أجزأه، وأَحَبُّ إليَّ أَنْ يكبر.
وقال عنه أشهب: يصلي بإحرامه أربعا. قال عنه أشهب: وإذا وجده ساجدا فليكبر ويسجد، ولا يرفق في مشيه حتى يرفع الإمام من السجود.
وقال ابن حبيب: إذا أدرك تشهد الصبح، فليحرم ويجلس، إلاَّ أَنْ يكون لم يركع للفجر، فليجلس ولا يحرم، فإذا سلم ركع للفجر، ثم أحرم بالصبح.
وقال ابن الماجشون: إذا جلس في التشهد وكبر، فليقم للقضاء بتكبير. وكذلك إن أدرك معه ركعة أو ثلاثا، فليقم بتكبير. وعاب قول ابن القاسم.
ومن (الْعُتْبِيَّة)، قال ابن القاسم، عن مالك: وإذا كان الإمام يسلم تسليمتين، فلا يقوم المأموم لقضاء ما عليه حتى يسلمهما.
قال عنه أشهب: وإذا قضى المأموم ركعة بقيت عليه، والإمام جالس قبل يسلم، جهل ذلك، فليعدها بعد سلام الإمام، ويسجد بعد السلام. قال أبو محمد: انظر قوله جهل. والجهل عنده كالعمد. وقال يحيى بن عمر: عليه

(1/322)


الإعادة في الجهل. وإن كان سهوا حمله الإمام عنه، إن جلس قبل أَنْ يسلم الإمام. وقد أنكرها يحيى بن عمر.
قال موسى، عن ابن القاسم: إذا فات قوما ركعة، فقضوها بإمام منهم، فأَحَبُّ إليَّ أَنْ يُعِيدَوا أبدا. وقال في رواية ابن الْمَوَّاز: قد بطلت عليهم. وقاله سحنون في (المَجْمُوعَة).
قال ابن سحنون، عن أبيه: وإذا استخلف الإمام من فاتته ركعة، فأتم صلاة إمامه، ثم قام يقضي، فاتبعه فيها من فاتته. قال: تجزئهم. ثم رجع فقال: أَحَبُّ إليَّ أَنْ يُعِيدَوا.
قال، في (المَجْمُوعَة): وصلاة المستخلف تامة. وقد تقدم هذا في باب الإمام يقدم من فاتته ركعة.
في الرجلين يؤم أحدهما الآخر، ثم يشكان في
الإمام في التشهد الآخر. , أو قبله، وكيف إن
كان أحدهما مسافرا، وفي الإمام يرجع مأموما
من (المَجْمُوعَة)، قال سحنون: إذا صَلَّى رجلان، أحدهما إمام صاحبه، فلما صارا في التشهد، لم يعلما من كان الإمام، فليتذكرا من غير طول، فإن لم

(1/323)


يذكرا سلم أحدهما، وسلم الآخر بعده فتصح صلاته، وتفسد صلاة المسلم أولا؛ لأنه سلم على شك. وإن سلما معا، ففي قول من يقول إذا أحرما معا أجزأهما، فكذلك يجزئهما في السلام. ولو كان أحدهما مسافرا، فشكا بعد ركعتين، فليسلم المسافر، ويُعِيد صلاته، ثم يتم المقيم، ولا يُعِيد؛ لأنه لا يضره كان مأموما أو إماما، فلذلك أمرت المسافر بالسلام.
قال سحنون: ولو صَلَّى رجلان، فأم أحدهما الآخر، فدخل ثالث بعد ركعة، فقدم المأموم منهما فتقدم، فأم بالاثنين، فصلاتهم فاسدة لأن المأموم لما صار إماما لإمامه، فخرج عن إمامته، وأفسد على من اتبعه وعلى نفسه. ولو أن الإمام الأول أقام على صلاة نفسه، ولم يأتم بالمتقدم، كانت صلاة الإمام الأول وحده تامة.
في إعادة الصَّلاَة في جماعة، وكيف إن بطلت
إحداهما، أو ذكر أنَّه لم يكن صلاها، أو ذكر
من أحدهما سجدة أو أنَّه صلاها على غير وضوء
من (المَجْمُوعَة)، قال أشهب، وعبد الملك: ومن صَلَّى وأَعَادَ في الجماعة، فليس يحتاج إلى علم النافلة منهما، وذلك جزاؤه بيد الله سبحانه.
ومن (الواضحة)، قال ابن الماجشون: ومعنى قول ابن عمر، إنما ذلك إلى الله سبحانه. يعني في التقبل. وأما في الاعتداد بها وإذا فرضها فهي التي قصد بها الفريضة.
ومن صَلَّى لم يلزمه أَنْ يُعِيدَ، وإن جاء المسجد قبل أَنْ يصلوا، إلاَّ أن تقام

(1/324)


الصَّلاَة وهو فيه، أو يجدهم فيها، أو يكون في مجلس قوم فصلوا جماعة، فيؤمر أَنْ يدخل معهم؛ للحديث.
وإن وجد الإمام في السجود أو الجلوس، فليجلس بغير إحرام، فإن سلم ذهب هذا، وإن كان أحرم وهو في وقت نافلة، صَلَّى ركعتين، وإلاَّ قطع.
قال مالك، في سماع أشهب، في (الْعُتْبِيَّة): إن أصابهم في آخرها جلوسا، فلا يدخل معهم.
ومن (المَجْمُوعَة)، قال ابن القاسم: ومن صَلَّى في بيته، ثم دخل مع الإمام في التشهد، يظنه التشهد الأول، فسلم، فليسلم هذا، ولا شيء عليه، وأَحَبُّ إليَّ لو تنفل بركعتين إن كانت يتنفل بعدها، وإن شاء ترك ولا شيء عليه. وقاله المغيرة، وابن الماجشون. وقال علي، عن مالك: وكان ينبغي له أَنْ يجلس ولا يحرم، فإن كانت ثانية أحرم، وإلاَّ انصرف.
ومن (المَجْمُوعَة)، (والْعُتْبِيَّة)، قال ابن القاسم: ومن صَلَّى وحده المغرب ثم دخل الإمام في آخر ركعة منها، فليضف إليها أخرى، ويسلم. ومن (كتاب آخر): ومن أَعَادَ المغرب في جماعة، فابن القاسم يرى أَنْ يشفعها برابعة. وقال ابن وهب يسلم، ويُعِيدها ثالثة.

(1/325)


ومن (الواضحة)، قال: ومن أَعَادَ المغرب فليقطع، ما لم يركع، فإن ركع، فإذا صَلَّى الثانية سلم، فإن أتمها شفعها بركعة. وكذلك لو ذكر بالمغرب، وإن طال فلا شيء عليه.
وإن صَلَّى مع واحد فأكثر، فلا يُعِيد في جماعة، إلاَّ أَنْ يدخل في المسجد الحرام، أو مسجد الرسول عليه السلام، أو مسجد إيلياء، فليعد فيها مع الجماعة، لفضل الصَّلاَة فيها. قاله مالك.
ومن (المَجْمُوعَة)، و (الْعُتْبِيَّة)، قال ابن القاسم: ومن صَلَّى صلاة العشاء في بيته، وأوتر، فلا يُعِيدها في جماعة.
قال سحنون، في (المَجْمُوعَة): فإن فعل فليعد الوتر. قال يحيى بن عمر: لا يُعِيد الوتر.
قال ابن القاسم: ومن ذكر المغرب بعد أن صَلَّى العشاء والوتر، فليصل المغرب ويُعِيد العشاء والوتر.
ومن (الْعُتْبِيَّة)، قال أشهب: ومن صَلَّى مع الإمام صلاة ظن أنَّه صلاها في بيته، ثم علم أنَّه لم
يصلها، فليعدها. ولو كان قد صلاها، ودخل معه عن يقين بذلك، ثم أحدث بعد ركعة، فلا يُعِيدها، إن أراد بها فضل الجماعة، أو نقض التي كان صَلَّى. قال ابن القاسم، في (المَجْمُوعَة) مثله. وقاله ابن الماجشون: عليه قضاء، إلاَّ أَنْ يحدث قبل عقد ركعة. وقال سحنون في (كتاب ابنه)، إذا أحدث بعد ركعة إنه يُعِيد هذه. قال: وأخبرني علي، عن مالك، أنَّه قال:

(1/326)


إذا دخل في هذه ينوي أن تكون هي فريضته، أو ينوي أن ذلك إلى الله عز وجل، يجعل أيهما شاء أَنْ يكون فريضته، فليعد هذه.
قال أشهب، في الْعُتْبِيَّة: وكذلك لو دخل في هذه على غير وضوء ثم ذكر، فلا يُعِيد إذا ذكر. وقاله مالك، قال لي مرة: وإن صَلَّى هذه متوضئًا، وذكر أن التي صَلَّى في بيته على غير وضوء، إن هذه تُجْزِئه. ورواه عيسى، وسحنون، عن ابن القاسم.
وقال عبد الملك في المَجْمُوعَة: لا تجزئة الثانية؛ لأنه لم يقصد بها الفرض. وكذلك لو ذكر أن الأولى صلاها بثوب نجس، فليعدها في الوَقْتِ. ولو صَلَّى الثانية بثوب نجس لأعادها في الوَقْتِ. ولو صلاها على غير وضوء لم يعدها؛ لأنه دخل منها في غير شيء.
وقال سحنون في (كتاب ابنه): إذا صَلَّى الأولى على غير وضوء، أو بثوب نجس، إن الثانية لا تُجْزِئه. قال يحيى: وقاله أشهب، وبه أقول.
قال سحنون: ولو تقدم في الثانية بقوم، ثم ذكر أن الأولى على غير وضوء، أو بثوب نجس، فعليه وعليهم الإعادة.
ومن (كتاب ابن سحنون) أيضًا: ومن صَلَّى المغرب في بيته، ثم تقدم فيها بقوم في المسجد فصلاها، ثم ذكر سجدة لا يدري من أي الصلاتين، فليسجد بهم سجدة، ثم يتشهد ويأتي بركعة، ويسجد قبل السلام، ويُعِيد ويُعِيدون. ولو أيقن أن هذه سالمة فعليه إعادتها، إذ لم يأت بها قضاء. لمالك. وقال ابن القاسم: إذا أيقن من خلفه بسلامة هذه أجزأتهم وأجزأته، وليسبحوا به حتى لا

(1/327)


يسجد، وينبغي له أَنْ يتبعهم. وكذلك قال: إن علم أن الأولى على غير وضوء إنه لا يُعِيد.
قال سحنون: ومن أَعَادَ المغرب في جماعة، ثم ذكر بعد سلام الإمام سجدة من إحدى الصلاتين، فصلاته مجزئة؛ لأنه قد صحَّت له إحدى الصلاتين. قال أبو محمد: هذا على أحد القولين.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال محمد بن خالد، عن ابن القاسم: ومن دخل المسجد ليُعِيد العصر في جماعة فلا يتنفل قبلها، وإن شاء انصرف، ولم يعد.
وإن صَلَّى مع واحد فأكثر فلا يُعِيد في جماعة، إلاَّ أَنْ يدخل في المسجد الحرام أو مسجد الرسول عليه السلام، أو مسجد إيليا، فليعد فيها مع الجماعة؛ لفضل الصَّلاَة قِبَلَها. قاله مالك.
قال أشهب، عن مالك في الْعُتْبِيَّة: ومن أتى ليصلي في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فلقي الناس منصرفين منه قبل أَنْ ينتهي إلى المسجد، أيُجَمِّعُ مع قوم في جماعة، أم يصلى في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فَذًّا؛ لما جاء فيه؟ قال: بل يصلي فيه فذًّا.
ومثله من توضَّأ وصَلَّى الصبح، ثم جدَّد وضوءًا عند الظهر لغير حدثٍ فصلى الظهر والعصر، ثم ذكر مسح رأسه من أحد الوضوءين. مذكورة في كتاب الوضوء، وباب المصلي على شكٍّ. فيه ما يشبه بعض معاني هذا الباب.

(1/328)


فِي مَنْ أقيمت عليه الصَّلاَة، وهو في صلاة
من المَجْمُوعَة، ومَنْ أقيمت عليه المغرب، وقد صَلَّى منها ركعة، فقال ابن القاسم مرة: يقطع. وقال أيضًا هو وأشهب: يُضيف ثانية ويُسلِّم. وكذلك إن صَلَّى اثنتين. قال أشهب: وكذلك لو قام إلى ثالثة، وركع فليرجع، ما لم يرفع رأسه منها، فإذا رفع أتمَّها وخرج. وقال ابن القاسم: إذا أمكن يديه من ركبتيه أتمَّها وخرج.
قال ابن حبيب: ومن أحرم في المغرب في غير المسجد ثم أقام قوم صلاة الجماعة فليتمادَ ولا يقطع بخلاف من أحرم في المسجد، فأقيمت عليه الصَّلاَة.
ومن المَجْمُوعَة قال عليٌّ، عن مالك فِي مَنْ صَلَّى ركعتين من الظهر، فأقيمت عليه العصر، قال: يقطع، ويدخل مع الإمام. وقال عنه ابن القاسم: إن طَمِعَ بتمامِها، وإدراك الصَّلاَة مع الإمام، وإلاَّ قطع ودخل معه وأَعَادَ الصلاتين جميعًا.
ومن الْعُتْبِيَّة، من سماع ابن القاسم: ومن دخل في صلاة، فأقيمت عليه صلاة أخرى، فإن جمع بتمامها، ويدخل مع الإمام، فعل، وإلاَّ قطع ودخل معه، فإذا سلَّمَ ابتدأ الصلاتين.
قال ابن القاسم: إن صَلَّى ركعة شفعها بركعة، وسلَّم، وإن خاف فوت ركعة الإمام قطع من ركعة بسلام، وإن كان في نافلة أتمها، إلاَّ أَنْ يخاف فوت الركعة فليقطع، فإن لم يقطع بسلام، ودخل معه فليعد.

(1/329)


قال مالك في سماع أشهب: ولو لم يركع في المكتوبة، فليُتِمَّ ركعتين، فإن خاف فوت الركعة قطع، وإن أحرم في نافلة فليُسَلِّمْ قائمًا ويدخل معه. قال عيسى: وأَحَبُّ إليَّ أَنْ يصلي ركعتين، إلاَّ أَنْ يخاف فوات الركعة، فلْيُسَلِّم على كل حال ويدخل معه.
ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، قال مالك: إذا أقيمت الصَّلاَة قبل أَنْ يركع في النافلة فأما في مسجدنا فلْيُتِمَّ، وليُتِمَّ أيضًا في غيره، إلاَّ أَنْ يخاف فوت الركعة، فليقطع، فإن كان ممن يخفف ويدرك أول ركعة، أتم ركعتيه. قال: ويقطع في المكتوبة إن لم يركع، فإن ركع شفعها.

في الجمع في المسجد مرتين
من الْعُتْبِيَّة من سماع أشهب وسئل عن مساجد الحرس، يُجمعُ فيها في الصبح والعشاءين، ولا يُجمع فيها الظهر والعصر فلا بأس لمن شاء أَنْ يجمع فيها الظهر والعصر، قومٌ بعد قوم، ولا تعاد فيها الصلوات التي تصلى فيها بإمام راتب. ولم نر ذلك في رواية ابن القاسم. ونهى أَنْ يجمع فيها، لا تلك الصلوات ولا غيرها. قال: وكره مالك الجمع مرتين في مساجد الحرس وغيرها.
وذكر في المَجْمُوعَة أن ابن القاسم روى عن مالك القولين في المسجد الذي يُجمع فيه بعض الصلوات. ثم قال: ثبت مالك على أنَّه لا تُجمع فيه لا الصَّلاَة التي قد جُمعت فيه، ولا غيرها.

(1/330)


ومن سماع أشهب، من الْعُتْبِيَّة: وإذا صَلَّى من في السفينة، ثم جاء قوم منهم كانوا نزلوا، فلا يُجمع فيها مرتين.
ومن الواضحة قال مالك: وأهل مسجد لا يأتي إمامهم، فيصلي بهم المؤذن، ثم يأتي الإمام فإن كان المؤذن يؤمُّهم إذا غاب الإمام فهو كالإمام، ولا تعاد الصَّلاَة فيه بجماعة، وإن كان المؤذن لا يصلي بهم في غيبته، فللإمام أَنْ يجمع.
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا جمع أهل المسجد، ثم جمع بعدهم قوم آخرون فقد أساءوا، ولا تفسد صلاتهم.

في من دخل من صلاة إلى صلاة، في نافلة أو
فريضة، سهوًا، أو ذكر في التي دخل فيها شيئًا
بقي عليه من الأخرى، أو سجدتي السهو
من الْعُتْبِيَّة روى عيسى عن ابن القاسم فِي مَنْ صَلَّى من الفريضة ركعتين، ثم سلَّم، أو لم يُسَلِّم، ودخل في نافلة، فإن أطال القراءة بَطَلَتِ الفريضة، وكذلك إن ركع وإن لم يُطِلْ، وإن قَرُب ولم يركع، بنى وسجد بعد السلام.
قال سحنون، عن ابن القاسم، عن مالك: من نسي السلام من الفريضة ودخل في نافلة، فإن لم يركع رجع فسَلَّم، ثم سجد للسهو، وإن ركع

(1/331)


بطلت الفريضة. وقال ابن القاسم: ويقطع من ركعته، وإن شفعها فلا بأس، وإن ذكر وهو راكع، رجع إلى مكتوبته، فبنى. قال ابن سحنون: أَحَبُّ إليَّ أَنْ يقطع الفريضة، وإن لم يرفع رأسه، ويكون ذلك في هذه خاصة عقد ركعة، لاختلاف قول مالك في عقد الركعة. قال ابن القاسم: وكذلك إن ذكر ركعة، أو سجدة من الفريضة، أو سجدتي السهو قبل السلام، مما تعاد من مثله الصَّلاَة عند التباعد.
ومن (الواضحة) قال: ومن خرج من فريضة إلى نافلة، فإن لم يطل، رجع إلى مكتوبته فأتمها، سواء ركعها أو لم يركع، وإن أطال القيام جدا، أو ركع ركعة أطال فيها القراءة، بطلت المكتوبة، وصارت نافلة مع ما هو فيه، فيسلم، ويسجد قبل السلام، كمصلي النافلة أربعا. هذا قول مطرف، وابن الماجشون، وابن عبد الحكم، وروايتهم عن مالك، وخالفوا ابن القاسم في قوله: وإن ركع بطلت الفريضة وإن لم يطل. قالوا: ولا نفرق بين طول ذلك بركوع أو غيره، فيبطل، وكذلك إذا لم يطل بركوع أو غيره أنها لا تبطل فريضته. وبهذا نقول. وكذلك القول فِي مَنْ تحولت نيته في الفريضة إلى النافلة، فعمل على ذلك، أو دخل من فريضة إلى نافلة، ثم ذكر ركعة أو سجدة من الفريضة، في قرب ذلك أو بعده. وذكر ابن الْمَوَّاز، أن ابن وهب يقول، فِي مَنْ خرج من فرض إلى نافلة: إنها لا تبطل بركعة خفيفة. كما روى ابن حبيب عن غيره.
ومن (المَجْمُوعَة)، قال المغيرة، وعبد الملك: ومن ذكر سجدتي السهو من فريضة، بعد أن صَلَّى أخرى، فسجدهما، فلا يُعِيد ما صَلَّى بعدهما، وإن كان

(1/332)


في وقته، إلاَّ أَنْ يكونا قبلَ السلام، فليعد ما هو في وقته. يريد: إذا أَعَادَ الصَّلاَة. وقال عبد الملك، وأشهب: إن سجدتي السهو قبل السلام لا تنتقض الصَّلاَة بهما، وإن طال ذلك، إلاَّ أَنْ ينتقض وضوءه؛ لأنهما ترغيم. وليسا من عماد الصَّلاَة. وهذا خلاف ابن القاسم.
ومن (الْعُتْبِيَّة)، من سماع عيسى، عن ابن القاسم، قال مالك: ومن أحرم في نافلة، فأقيمت الفريضة، فدخل فيها بغير سلام، فليقطع بسلام، ركع أو لم يركع.
قال في (كتاب ابن الْمَوَّاز): يقطع متى ما ذكر، ويسلم وهو قائم، ويدخل معهم. وكذلك في (الواضحة).
قال عيسى، عن ابن القاسم، عن مالك: ومن يدخل من نافلة في فريضة بغير سلام، قطع متى ما ذكر. وإن سلم من النافلة ولم يتمها، ودخل في فريضة، مضى في مكتوبته، ولم يُعِدِ النافلة.
ومن رواية سحنون، قال مالك: وإن لم يسلم من النافلة، عمل على ما ذكرت لها إذا ركع أو لم يركع، وطال أو لم يطل، حتى إذا دخل في الفريضة مع إمام، فليقطع متى ما ذكر، فإن لم يذكر حتى أتمها، فليعدها، ولو كان وحده وذكر على وتر، شفعها وسجد قبل السلام، وإن سلم من نافلة، ودخل في مكتوبة، ثم ذكر سجدتي السهو قبل السلام من النافلة، أو بعد السلام، فليتماد في فريضته، ركع أو لم يركع، فإذا سلم، وهما بعد السلام، فليسجدهما، وإن كانتا قبل السلام، فلا شيء عليه، وإن سجدهما فحسن للاختلاف في ذلك، وإن نسيهما

(1/333)


من نافلة، حتى دخل في نافلة، فإن كانتا بعد السلام، تمادى، ركع أو لم يركع، فإذا أتم سجدهما. وإن كانتا قبل السلام، فإن لم يركع، رجع فسجدهما، وإن ركع تمادى، ولم يقضهما، وإن قضاهما فحسن؛ للاختلاف. وهذا كله ذكر نحوه ابن الْمَوَّاز. وبقية القول في هذا في باب العمل في سجدتي السهو.
ومن (الواضحة)، قال: ومن دخل في نافلة من مكتوبة بغير سلام سهوا، فالمكتوبة منتقضة، إلاَّ أنَّه يضم ما صَلَّى منها إلى ما كان صَلَّى من نافلته، وينصرف على شفع؛ اثنتين أو أربع، إلاَّ أَنْ يذكر قبل يركع، فليرجع فيجلس ويسلم ويسجد لسهوه. ولو كان مع إمام، قطع متى ما ذكر على شفع أو وتر. هذا كله قول مالك وأصحابه أجمع.
ومن خرج من نافلة بغير سلام، فتكلم، وطال أمره، ثم دخل في فريضة، فهي تامة، كان وحده أو مأموما، وصار طول أمره فصلا، كالسلام.
ومن (كتاب ابن سحنون)، قال ابن القاسم: ومن دخل في نافلة، بغير تكبير، ثم نسي أَنْ يسلم منها، حتى دخل في فريضة، فإن الفريضة منتقضة؛ لاختلاف الناس في تكبيرة الركوع أنها تجزئ

في من ذكر صلاة، أو صلوات، في وقت
صلاة، أو عند طلوع الشمس، أو عند
غروبها
من (الْعُتْبِيَّة)، من سماع ابن القاسم، قال مالك: من ذكر صلوات في وقت صلاة -يريد: وليس فيه سعة - فإن كانت صلاة يوم فأقل، بدأ بهن،

(1/334)


وإن فات وقت التي حضر وقتها، وأما إن كانت أكثر من خمس، بدأ بالحاضرة ثم يقضي ما ذكر. وكذلك ذكر ابن حبيب، عن مالك. وذكر ابن سحنون، عن أبيه، أن خمس صلوات كثيرة، ويبدأ بالحاضرة، حتى يذكر أقل من خمس.
ومن (الْعُتْبِيَّة)، قال سحنون، وأبو زيد، عن ابن القاسم: ومن ذكر عشر صلوات، قبل أَنْ يصلي الظهر والعصر، فإن لحق أَنْ يصلها مع الظهر والعصر قبل الغروب – يريد: أو مع الظهر وركعة من العصر – فعل، وإن لم يدرك، بدأ بالظهر والعصر، ثم يصلي ما ذكر. وروى هذا عن مالك في موضع آخر، أن الوقت فيه غروب الشمس. وروى عنه اصفرار الشمس.
قال ابن القاسم، في المسألة الأولى: فإن بقي من النهار بقية، لخطأ في التقدير، أَعَادَ الظهر والعصر، إن لحقهما قبل الغروب. فإن ذكر ثلاث صلوات بدأ بهن، وإن فات وقت ما هو في وقته، ولو ذكرهن في وقت صلاة يخاف فوات وقتها، فبدأ بها، ثم قضى ما ذكر، فلم يفرغ حتى خرج الوقت في التي بدأ بها، فلا يُعِيدها.
ومن (الواضحة)، ومن ذكر صلوات في وقت الظهر، فإن كان إذا أخر الظهر إلى وقت يجوز لغيره تأخيرها إليه، تم ما ذكر من الصلوات، بدأ بهن، وإن كثرن، وإن كان إذا بدأ بهن، خرج وقت ما هو فيه، فانظر، فإن كانت خمسة بدأ بهن، وإن كانت أكثر، بدأ بما هو في وقته، وكذلك إن دخل في هذه، فإن كان يجب أَنْ يبتدئ بهن ولو ذكر آخر ما يذكر عند غيبوبة الشفق، وكذلك لو ذكرهن بعد أن دخل في هذه، فإن كان يجب أَنْ يبدأ بهن لو ذكرهن، فسدت هذه، ولكن ينصرف منها على شفع إن كان وحده، وإن كان مع إمام تمادى، إلاَّ

(1/335)


في المغرب، فإنه يقطع، كان مع أمام وحده، يقطع في الأولى، وإن كان قد صلاها، شفعها الثانية وإن كان في الثالثة، شفعها برابعة، فإن كان ما ذكر من الصلوات لا يجب أَنْ يبدأ بهن؛ لأنهن أكثر من خمس، لم يفسد هذه، وتمادى فيها، وقضاهن بعدها.
ومن (المَجْمُوعَة)، ابن القاسم، وعلي، عن مالك: ومن نسي الصبح أو قام عنها حتى بدا حاجب الشمس، فليصلها حينئذ، ولا يركع للفجر، ولم يبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم ركع للفجر يوم نام عنها. قال أشهب: بلغني عنه أنَّه عليه السلام ركع. قال علي: وقاله غير مالك، وهو أَحَبُّ إليَّ أَنْ يركع.
قال عنه ابن القاسم: ومن دخل المسجد والناس في العصر، ولم يصل الظهر، فإن لم يخش شدة حر وجد، فليخرج، فيصلي الظهر ثم يدرك العصر، وإن خشي شدة ذلك، صَلَّى معهم، ثم صَلَّى الظهر، وأَعَادَ العصر.
قال عنه علي: وإن ذكر الظهر والعصر من يومه، في وقت العصر، فبدأ بالعصر، جهلا أو سهوا، فليعدهما، وإن لم يذكر حتى ذهب يومه، لم يُعِدْ شيئا. قال: ولو ذكر الظهر والعصر بعد غروب الشمس، فبدأ بالعصر، ثم الظهر، فإن علم مكانه أعادهما، وإن طال، فلا شيء عليه. قال أبو محمد: أراه يعني يُعِيدهما، يريد العصر؛ لأنه صلاها ذاكرا لصلاة عليه. قال ابن الْمَوَّاز: فذكره لذلك فيها كأنه في وقتها، ولو لم يذكر الظهر حتى سلم من العصر، لم يُعِدْ شيئا.

(1/336)


قال سحنون، في (المَجْمُوعَة): ومن ذكر صلاة، بعد أن ركع للفجر، صلاها، ثم أَعَادَ ركعتي الفجر.
قال ابن الْمَوَّاز: ولو ذكر إحدى صلاتي العشاء، من أمس، وشك في الأخرى، وقد صَلَّى الظهر والعصر، وبقي من النهار بقية، فليصل المغرب والعشاء، وإن غابت الشمس، ولا يُعِيد من صلاة اليوم شيئا، وإن ذكر سجدة من إحدى صلاتي أمس، أو أم القرآن، فليقضهما جميعا، فإن قضاهما، ثم ذكرهما، قضى سجدة من أحدهما قبل يسلم العشاء، أو بعد، فهو سواء، لا يفسد العشاء بذلك؛ لأنه إنما يطلب صلاة واحدة، وليصلح العشاء إن كانت بالقرب، ويُعِيد المغرب وحدها.

فِي مَنْ ذكر صلاة في صلاة، أو بعد أن سلم منها
من (الْعُتْبِيَّة) من سماع أشهب: ومن أحرم في العصر، ثم ذكر الظهر، فليتم ركعتين، ثم يصلي الظهر، ثم العصر. وهذا خلاف رواية ابن القاسم.
قال عيسى: ولو ذكرها بعد أن سلم من العصر، فصلى الظهر ثم جهل أو نسي، أَعَادَ العصر حتى خرج الوقت، فلا شيء عليه.
قال ابن حبيب: ومن ذكر ظهر يومه، وهو في العصر مع الإمام، أو ذكر المغرب، وهو في العشاء، فهذا يقطع، كان على شفع أو وتر، ولا يتمادى إلاَّ ذاكرا صلاة خرج وقتها، فأما وهو في خناق من وقتها فاستدراكه فيها لبقية الوقت أولى به من صلاة صارت نافلة لا تُجْزِئه. ولو ذكر فيها صلاة فاتت، فليتماد، فإذا سلم صَلَّى التي ذكر، وأَعَادَ هذه، فإن نسي أَنْ يُعِيدَها حتى خرج وقتها فليعدها أبدا؛ لأنها صارت نافلة.

(1/337)


قال سحنون، فِي مَنْ ذكر صلاة في صلاة، فتمادى فيها، وصَلَّى بعدها أياما، ذاكرا لتلك الصَّلاَة: فإنما يُعِيد التي ذكر وما كان في وقته من الصلوات، ولا يُعِيد التي ذكرها فيها، إذا خرج وقتها.
قال ابن حبيب: وإن ذكر الفائتة بعد سلامه من هذه، فصلى التي ذكر، وسجد، ونسي إعادة هذه حتى خرج وقتها، فقال ابن القاسم: لا يُعِيدها. وقال مطرف، وعبد الملك: يُعِيدها أبدا. وذكراه عن مالك. وكذلك قالا: من ذكر في الوَقْتِ أنَّه صَلَّى بثوب نجس، ثم نسي أَنْ يُعِيدَ حتى خرج الوقت، إنه يُعِيد أبدا. وقد تقدم نحو هذا في باب آخر.
قال ابن الْمَوَّاز: لا يُعِيدها بعد الوَقْتِ، تركها نسيانا أو تعمدا، إلاَّ في قول عبد الملك، لا في الثوب النجس، ولا في التي كان عليه إعادتها بعد قضاء التي ذكر.
ومن (الْعُتْبِيَّة)، من سماع أشهب: ومن ذكر صلاة نسيها، بعد أن صَلَّى الظهر أو العصر، فصلاها، فليعد الظهر والعصر، إن أدركهما، أو واحدة وركعة من الأخرى قبل الغروب، فإن لم يدرك إلاَّ صلاة، أو ركعة منها، جعلها العصر، فإن قدر أنَّه يبقى ركعة، فصلى العصر، ثم بقي النهار ركعة، فليعد الظهر والعصر.
وقال سحنون، في (كتاب ابنه): لا يُعِيد إلاَّ الظهر، وكذلك الحائض في خطأ التقدير. وكذلك قال ابن الْمَوَّاز. وهذا مستوعب في باب مقادير الوقت.
ومن سماع أشهب، قال مالك: وإن ذكر الإمام صلوات نسيها، قطع وقطعوا وابتدأ وهم، وإن ذكر ذلك بعد أن سلم، صَلَّى ما ذكر، وأَعَادَ هذه في الوقت، وكذلك من صلاها خلفه، يُعِيدها في الوقت.

(1/338)


قال عيسى: يستخلف، وإن ذكرها بعد أن سلم فلا إعادة عليهم، وليصل هو ما ذكر، ويُعِيد التي صَلَّى إن كان في وقتها، وما كان في وقته من الصلوات. وقاله أيضا ابن القاسم، وابن كنانة، وابن دينار، ورواه عبد الملك بن الحسن، عن ابن القاسم. قال ابن حبيب: اختلفت فيها رواية ابن القاسم، روى أن الإمام يقطع بهم، ولا يستخلف. وروى أنَّه يستخلف على ما كان صَلَّى بهم قبل أَنْ يذكر، وجعله كالحدث. وبهذا قال مطرف، وابن الماجشون، وابن كنانة، وابن دينار، وغير واحد من المدينين، وبه أقول، وإنما يقطع الإمام بهم ولا يستخلف، إذا ذكر أنَّه قد صَلَّى تلك الصَّلاَة في بيته، أو إذا دخل من نافلة في مكتوبة بغير سلام، وإذا نسي الإحرام وشبه ذلك، فإنه يقطع في هذا كله، ويقطعون، ويبتدئون صلاتهم بإمام، وسواء ذكر ذلك في خلال صلاته، أو بعد أن سلم منها، فإنهم يبتدئونها بإمام، إلاَّ التي كان صلاها في بيته، فإنه إذا لم يذكر إلاَّ بعد فراغه منها، فإنما يُعِيدونها أفذاذا.
قال ابن القاسم: وإن ذكر الإمام في الجمعة صلاة نسيها، قطع وكلمهم حتى يثبتوا له، حتى يقضي ما ذكر، وأَحَبُّ إليَّ أَنْ يبتدئ الخطبة. وإن ذكرها بعد أن سلم أجزأتهم. وإن ذكر بعد ركعة، قدم من يتم بهم. وكذلك في كل صلاة، وقد قال: تبطل صلاتهم. ثم رجع إلى هذا، وبه يأخذ عيسى.
قال عيسى، وسحنون، عن ابن القاسم، فِي مَنْ صَلَّى الجمعة، ثم ذكر الصبح، فإنه يصليها، ويُعِيد ظهرا. وكذلك ذكر ابن الْمَوَّاز عنه، وأنَّه قال: وقتها النهار كله. وقال سحنون: وقتها الفراغ منها، ولا يُعِيدها. قال أصبغ: وقال الليث وأشهب وغيرهما: إن السلام من الجمعة خروج وقتها. وقد تقدم هذا

(1/339)


في باب آخر.
ومن (المَجْمُوعَة)، قال أشهب: ومن ذكر الصبح في صلاة الجمعة، فإن أيقن أنَّه إذا خرج صَلَّى الصبح، فأدرك ركعة من الجمعة، فليقطع، وإن أيقن أنَّه لا يدرك ذلك، تمادى، فإذا سلم صَلَّى الصبح، ولم يُعِدْ ظهرا، كصلاة خرج وقتها، فإن أعادها ظهرا فحسن. وفي الباب الذي قبل هذا شيء من ذكر صلاة في صلاة.
في المصلي يتمادى على شك من وضوء أو
نجاسة، أو يسلم على شك من التمام،
فيذكر، أو حالت نيته إلى نافلة، أو صلاة
أخرى، ثم ذكر، أو زاد ركعة سهوا، ثم ذكر
سجدة أو أم القرآن، أو زادها عمدا، ثم ذكر
أنها عليه
من (الْعُتْبِيَّة)، روى عيسى، عن ابن القاسم، فِي مَنْ صَلَّى ركعتين، ثم شك في الوضوء، فأتم الصَّلاَة على ذلك، ثم ذكر أنَّه على وضوء، أنها تُجْزِئه، إلاَّ أَنْ يكون نوى بها نافلة حين شك.
قال سحنون، في (المَجْمُوعَة): إن ذكر بعد ركعة أنَّه غير متوضئ فصلى ثانية، ثم ذكر أنَّه متوضئ، فصلاته فاسدة، وكذلك في الثوب النجس، وفي النافلة يدخلها بين ظهرانى صلاته، أو إمام شك أنَّه في رابعة أو ثالثة، فيسلم على

(1/340)


شكه، ثم يعلموه أنها رابعة، فقد أفسدت عليه وعليهم.
ومن (الْعُتْبِيَّة)، قال سحنون. عن أشهب، فِي مَنْ ذكر في الصَّلاَة مسح رأسه، فتمادى، ثم ذكر بعد السلام أن وضوءه تام، فصلاته باطل. ولو ظن أنَّه في نافلة فصلى ركعتين، ثم سلم، ثم ذكر مكانه، فليبن، وتُجْزِئه. قال: وذكر لي يوسف بن عمرو، عن أشهب، فِي مَنْ ظن أنَّه في عصر، فأتم صلاته، ثم ذكر أنها الظهر، فهي تُجْزِئه. وقال يحيى بن عمر: لا تُجْزِئه في المسألتين.
وقال ابن وهب، وأشهب، في التمادي على الشك في الوضوء: لا يُجْزِئُهُ.
قال ابن الْمَوَّاز: قال مالك وأصحابنا: إذا شك في الوضوء بعد ركعة فتمادى، ثم ذكر في تشهده أنَّه متوضئ، إن صلاته تامة. قال محمد: وكذلك أرى فِي مَنْ سلم من الظهر، ثم تنفل بركعتين، ثم ذكر أنَّه إنما سلم من اثنتين من الظهر، أنها تُجْزِئه من فرضه، سلم أو لم يسلم، ويسجد بعد السلام. وقاله عبد الملك.
ومن (الواضحة) و (كتاب ابن سحنون)، ومَنْ لم يَدْرِ أهو في الثالثة أم في رابعة، فسلم على شك، ثم تبين له أنَّه أتم، فصلاته مجزئة عنه، وإن تمادى بشكه، أَعَادَ الصَّلاَة، وروى ابن عبدوس، عن سحنون، أنَّه إن سلم على شَكٍّ، فقد أبطل، ولا تُجْزِئه.

(1/341)


قال ابن حبيب: ولو سَلَّم على يقين، ثم شَكَّ، لبنى في القرب.
وقال ابن سحنون، عن أبيه: إذا كان إماما، فسلم على يقين، ثم شك، فسأل من خلفه، فأخبروه أنه لم يتم، فإن سلم من اثنتين، أجزأه البناء بالقرب، وإن سلم من غير اثنتين فسألهم، بطلت صلاته وصلاة من خلفه. وقال أيضا سحنون، في الإمام في الجلوس يشك أنه في اثنتين أو في أربع، فسلم على شك، ثم سألهم، فأخبروه أنه أتم: إنها تبطل عليه وعليهم.
وقال ابن حبيب، في المسلم على شك أنه في ثلاث أو أربع، ثم تبين له أنه سلم من أربع: إنها تجزئه، كمن تزوج امرأة لها زوج غائب، لا تدري أحي هو أم ميت، ثم تبين أنه مات لمثل ما تنقضي فيه عدتها قبل نكاحه، فنكاحه ماض.
قال ابن عبدوس، قال ابن القاسم، في من ظن أنه في نافلة، فصلى ركعة، ثم علم، فقد فسدت، وليضف إليها أخرى، وتكون نافلة.
وقال علي بن زياد: فإن صَلَّى ركعة، ثم ظن أنه في سفر، فصلى ثانية على ذلك، ثم ذكر، فليتم صلاته، وتجزئه، ولا سجود عليه. وقاله ابن كنانة. قال سحنون: لأنه فرض واحد، بخلاف من صَلَّى على أنه في نافلة. وقال ابن القاسم: إنها تجزئه، ولو أعاد كان أحب إلي.
ومن (كتاب ابن المواز)، ومن صَلَّى خامسة ساهيا، ثم ذكر سجدة، من أول صلاته، وشك القوم، فليسجد بهم قبل السلام، وتجزئه. وروى عن ابن القاسم أنه يأتي بركعة، ولا يعتد بالركعة التي جاء بها ساهيا. قال عنه ابن المواز: والصواب أن تجزئه؛ لأنه قصد بها فرضه فصادفه. وقاله أشهب، وعبد الملك، وابن عبد الحكم. وكذلك قال سحنون، في (المجموعة)، في المصلي وحده.

(1/342)


وقال سحنون: وإن ذكر أم القرآن من ركعة، أجزأه سجود السهو قبل السلام، وإن ذكرها من ركعتين لا يدريهما، أعاد الصلاة.
قال ابن سحنون، عن أبيه: ومن صَلَّى بقوم الصبح ثلاثا سهوا، ثم ذكر أم القرآن من الثانية، قال: يعيدون الصلاة.
قال ابن المواز، قال عبد الملك: ومن صَلَّى خامسة في الظهر عامدا، ثم ذكر أنها رابعة، إن ذلك لا يضره. وكذلك لو صَلَّى ركعة، فظن أنه في نافلة، إذا أحرم على الفرض. وكذلك من ذكر أنه على غير وضوء، فتمادى، فصلى ركعة، ثم ذكر أنه متوضئ. قال: وإذا صَلَّى إمام الجمعة ثلاثا، ثم ذكر سجدتين لا يدري من ركعة أم من ركعتين، فليسجد سجدة، ويأتي بركعة، ويسجد بعد السلام، وتجزئهم الجمعة. ولو ذكر أنهما من ركعة ما كان عليه غير سجود السهو بعد السلام، وتجزئهم. وكذلك من صَلَّى الظهر خمسة، ثم ذكر سجدتين، لا يدري من ركعة أو من ركعتين، فليخر بسجدة، ويأتي بركعة، ويسجد قبل السلام. يريد إذ لعله نقص القراءة أو الجلوس. وقد قال أيضا ابن القاسم: إنه يأتي بركعتين، ويسجد قبل السلام.
وقال ابن حبيب، في الذي صَلَّى خامسة سهوا: إن ذكر سجدة من الرابعة قبل أن يسجد في الخامسة، فإنه يسجد سجدة للرابعة، ويتشهد، ويسلم، ويسجد بعد السلام.
وقال سحنون، في (المجموعة)، في إمام شك في الوضوء بعد ركعتين: فليستخلف، بخلاف شكه في الإحرام. ثم وقف في الوضوء. وهذا مذكور بعد هذا.

(1/343)


في السهو عن تكبيرة الإحرام، أو الشك فيها
للإمام والمأموم، وكيف إن كبر للركوع،
وذكر ما يحمله الإمام وما لا يحمله عن
المأموم، من السهو وغيره
من (كتاب ابن المواز)، قال: ولا يحمل الإمام عن المأموم تكبيرة الإحرام، ويحمل عنه باقي التكبير كله غيرها، ويحمل عنه كل سهو، إلاَّ تكبيرة الإحرام والسلام وسجدة أو ركعة، ويحمل عنه غير ذلك، نسيه أو تركه عامدا، وقد أساء في تعمده. يريد محمد: ولا تدخل الجلسة الآخرة في هذا.
ومن (العتبية)، وروى عيسى، عن ابن القاسم، أن من ترك التكبير كله ساهيا، سوى تكبيرة الإحرام، فإنه يسجد قبل السلام، فإن لم يفعل حتى تطاول ذلك، أعاد الصلاة. وكذلك في السهو عن الجلسة الأولى. ولو كان ذلك من نسيان الجهر بالقراءة، لم يعد.
قال ابن حبيب: ومن أحرم هو والإمام معا، أو أسلم كذلك، فقال أصبغ: يعيد أبدا. وخففه ابن عبد الحكم. وبقول أصبغ أقول.
ومن (كتاب ابن المواز)، ومن كبر للركوع ينوي به الإحرام والركوع، فيجزي المأموم، ولا يجزي الإمام، ولا الفذ.
وإذا ذكر المأموم تكبيرة الإحرام، وهو راكع، ولم يكن كبر لركوعه، فليقم

(1/344)


ويحرم، فإن كبر راكعا، فليقض ركعة بعد سلام الإمام، ويجزئه.
وقال أشهب، في (المجموعة): إذا ذكر، وهو راكع، تكبيرة الإحرام، فكبر للإحرام وهو راكع، لم تجزئه، وليرفع رأسه، فيحرم، ثم يقرأ، ثم يركع، إمام كان أو فذا.
ومن (كتاب ابن المواز)، ولو كان قد كبر لركوعه، لتمادى وأعاد. قاله مالك وروى عنه أنه إن طمع إذا رفع رأسه أن يحرم قبل رفع الإمام فعل، وأجزأه. وأبى ذلك ابن القاسم، وخاف أن تكون خامسة، على الاختلاف.
ولو لم يكبر لإحرام ولا لركوع، ولكن كبر للسجود، فإن ذكر قبل يركع الثانية، فيلحرم، ويقضي ركعة، وإن لم يذكر حتى ركع الثانية، وقد كبر لها أو لم يكبر، تمادى وأعاد. يريد: بعد أن يقضي ركعة. وكذلك روى علي، عن مالك، في (المجموعة).
قال، في (كتاب ابن المواز): ولا يحرم هذا، لأن تكبيره للسجود كتكبيره في ركوع الثانية.
قال ابن المواز: بل لا يجزئه تكبير السجود إن لم ينو به إحراما، فإن نوى به، أو أحرم في الثانية، أجزأه، وقضى ركعة.
قال: ومن أحرم قبل إمامه، كان كمن لم يحرم، ويقطع بغير سلام. وقال سحنون: بل يقطع بسلام. قال ابن المواز: ويحرم ما لم يكبر للركوع، فيمضي ويعيد، فإن لم يكبر لركوع ولا سجود، فليحرم في الثانية. قاله مالك وأصحابه.

(1/345)


قال ابن القاسم: إلاَّ أن هذا أحب إلي ها هنا أن يقطع بسلام، ثم يحرم.
قال: ومن صَلَّى وحده، فذكر تكبيرة الإحرام بعد ركعة، أو بعد ركعتين، وقد كبر للركوع والسجود، فليقطع بسلام. قال ابن القاسم: وإن شك المصلي وحده في الإحرام، قطع بسلام، وابتدأ كالموقن. وقال عبد الملك: يتمادى، ويتذكر فيتمها، ويعيد إن كان وحده أو إماما. ومن ذكرها من إمام، أو فذ قبل أن يركع، وقد قرأ، فأحرم وركع، ولم يقرأ في الثانية، بطلت صلاته؛ لتركه القراءة عامدا، وليقطع في ما ذكر بسلام، ويبتدئ. ولو كان مأموما أجزأته. وإن ذكرها مأموم بعد ركعة، فأحرم، ولم يقطع بسلام، فإن لم يكن كبر لركعته، أجزأته صلاته. يريد: ويقضي ركعة. ولو كبر للركعة، لم تجزئه، إلاَّ أن يقطع بسلام ثم يحرم. ولو كان وحده أو إماما، رجوت أنه تجزئه صلاته.
ومن (المجموعة)، وهو مطروح، قال أشهب، في من شك في تكبيرة الإحرام، بعد أن ركع، أو ركع وسجد، فأعاد التكبير، ثم علم أنه قد كان كبر، فليمض على صلاته من حين كبر التكبير الثاني. أراه يريد: تجزئه الصلاة. وهو قول عبد الملك.
ومن (المجموعة)، قال ابن الماجشون: إذا شك في الإحرام مأموم، أو وحده، فهو سواء، فإن كان قبل ركعة أحرم، وأجزأه، وإن كان بعد ركعة، تمادى وأعاد، وإن أيقن بعد ركعة أنه لم يحرم، وهو وحده، فليحرم، وليبتدئ صلاته بخلاف المأموم.
وروى ابن القاسم، في هذا المصلي وحده يذكر أنه لم يحرم، فليقطع بسلام. وقال سحنون فيه: بل يقطع بغير سلام.

(1/346)


قال ابن القاسم: وإن شك في الإحرام وقد ركع، قطع بسلام، وإن ابتدأ ولم يسلم، أعاد الصلاة.
وإن كان مع إمام فشك وهو راكع، فرفع رأسه ليحرم، فرفع الإمام قبل أن يحرم، فليسلم، ويدخل معه، ويقضي ركعة.
قال سحنون: إذا شك الإمام بعد ركعة في الإحرام تمادى وتذكر، فإن لم يذكر حتى سلم أعادها بهم. وقال في (كتاب ابنه): فإذا سلم سلموا ثم سألهم، فإن أيقنوا بإحرامه، فلا شيء عليه، وإن شكوا، أعاد وأعادوا. وإن شك في الوضوء، استخلف ولم يتماد. والفرق أنه لو صَلَّى ثم ذكر أنه لم يحرم، لأعاد وأعادوا، ولو ذكر أنه غير متوضئ، أعاد هو، ولم يعيدوا.
وقال، في (المجموعة): إذا صَلَّى إمام ركعتين، ثم شك في الوضوء، فليستخلف. بخلاف شكه في الإحرام. ثم وقف في الوضوء، وقال: إن كان متوضئا كيف يجوز له القطع؟
ومن (العتبية)، قال أشهب، عن مالك، في الإمام يذكر تكبيرة الإحرام، بعد أن قرأ، فليخبر من خلفه، ثم يحرم ويحرموا بعده، ولا يجزئهم أن يحرموا قبله.
ومن (الواضحة)، قال: وإذا نسي المأموم الإحرام، وكبر للركوع، فذكر وهو راكع، فليرفع رأسه، ويقطع بسلام، ويحرم ويركع، فإن رفع الإمام رأسه قبل يمكن يديه من ركبتيه فليقض ركعة، وإن ذكر بعد أن رفع رأسه، تمادى وأعاد. قال: وإن دخل معه بعد ركعة فأكثر، فنسي الإحرام، فليحرم متى ما ذكر، كبر للركوع أو لم يكبر، وليس على هذا أن يقطع بسلام ولا كلام.
وروى علي بن زياد، عن مالك، في (المجموعة)، أنه إن فاتته الأولى،

(1/347)


ونسي الإحرام حتى ركع الثانية وكبر لها، أنه يتمادى ويعيد. قال ابن المواز: بعد أن يقضي ركعة.
ومن (الواضحة)، قال: وإذا شك المأموم في الافتتاح، فهو كالموقن بتركه، إلاَّ في وجه واحد، أن هذا إن لم يكبر للركوع فليتماد، ويعيد. وقاله أصبغ.
ومن لم يحرم، وكبر للركوع، ورفع رأسه، فأمر بالتمادي مع إمامه، فجدد إحراما، فذلك ليس يقطع، ولا يغير حاله، ولا يجزئه قضاء ركعة، ويسلم مع الإمام، ويعيد. وكذلك لو ذكر أن عليه ثوبا نجسا بعد ركعة، فنزعه، ثم أحرم، فليس ذلك يقطع، وقد أبطل صلاته، وكأنه زاد فيها. وقاله ابن الماجشون، وأصبغ.
ومن شك في الإحرام، وهو وحده، فليقطع بسلام، وإن ركع بتكبير، وكذلك الإمام إذا أيقن أنه نسي الإحرام إلاَّ أنه يخبر من خلفه، فإن كان بعد طول، مثل ركعة أو ركعتين، أمر بإقامة الصلاة. وأحب إلي في المسجد الواسع الذي لعله لا يمنعهم كلامه فيه، أن يقيم الصلاة، وإن لم يطل.
ومن (العتبية)، قال يحيى بن يحيى، قال ابن القاسم: وإذا نسي المأموم تكبيرة الإحرام في الجمعة، فإنه يجزئه أن يكبر في الثانية. يريد: بعد أن يقطع. ويجعلها أول صلاته. هذا في الجمعة خاصة؛ لئلا تفوته، ولا يجوز له في غيرها.
وقال في (المجموعة): أرى أن لا يقطع، وليتماد، ثم يعيدها ظهرا. وذكر ابن حبيب، عن مالك، نحو رواية يحيى بن يحيى، أنه يقطع، وإن كان بعد ركعة، ثم

(1/348)


يحرم، ويقضي ركعة، بخلاف غير الجمعة، لئلا تفوته. وكذلك إن ذكر أنه أحرم قبله، فالجواب سواء.
ومن (المجموعة)، ابن القاسم: ومن نسي تكبيرة الإحرام من نافلة، فأقيمت الصلاة، فدخل معهم، فليسلم، متى ما ذكر، فإن أتمها أعادها.

في السهو عن القراءة
من (كتاب ابن المواز)، قال: ومن نسي القراءة من ركعة- يريد: مما فيه أكثر من ركعتين من الصلوات- فلمالك فيها ثلاثة أقاويل؛ قال تجزئه سجدتا السهو. وقال: إنه يسجد للسهو، ثم يعيد. وقال: يأتي بركعة، وتجزئه. وهذا أبعدها عند ابن القاسم وأشهب. وذكر في (المدونة) أن هذا اختيار ابن القاسم. قال محمد: ولم يختلف عنه في ركعتين، أن صلاته تبطل بترك القراءة فيهما. قال عبد الملك: فان ذكر في الثالثة أنه لم يقرأ في الأوليين تمادى وأعاد. محمد: بعد أن يسجد قبل السلام. وقاله سحنون.
قال ابن المواز: واختلف قول مالك لاختلاف من قبله، يروى عن عمر وعلي بن أبي طالب إجازة صلاة من صَلَّى بغير قراءة. قال علي: ولو لم تجزئه ما أجزأت الأمي. وذهب إليه عبد العزيز ابن أبي سلمة. وروي أن النبي عليه السلام، قال:

(1/349)


«كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن، فهي خداج». وحديث جابر: «كل ركعة». قال غير ابن المواز: والخداج النقص.
واختلف في ذلك النقص، هل يبطلها؟ قال مالك، في (المجموعة): وإني لأنكر أن يترك عمر القراءة في المغرب، فلا يذكره الصحابة. وروى علي بن زياد، عن مالك، في من صَلَّى ولم يقرأ في صلاته، قال أحب إلينا أن يعيد الصلاة.
ومن (كتاب) آخر، روي عن المغيرة، في من لم يقرأ في الظهر إلاَّ في ركعة منها، قال: تجزئه سجدتا السهو قبل السلام.
ومن (كتاب ابن المواز)، قال ابن القاسم، وأشهب، وابن عبد الحكم، وأصبغ، في تاركها من ركعة: يسجد للسهو، وتجزئه. واستحب له ابن القاسم، وأشهب أن يعيد، وأوجبا عليه في تركها من الركعتين إعادة الصلاة. وذكر عن أشهب قول آخر، أن تاركها من ركعتين لا يعيد إلاَّ ركعتين، وأما من ركعة فيتمادى، ويسجد قبل السلام، ويستحب له إعادة الصلاة. وقال ابن عبد الحكم، وأصبغ: إن تاركها من ركعتين أتى بركعتين، فأما إن سلم منها، وذكرها بقرب أو بعد، فليبتدئ الصلاة، وإن معنى قول مالك: تبطل. أنه في من

(1/350)


سلم منها. وقال أصبغ: إن ذكر بقرب سلامه، أتى بركعتين، وتجزئه، وأما من ركعة، فليتم، ويسجد قبل السلام، ويعيد من أي ركعة كانت.
ومن (الواضحة)، ومن سها عن القراءة في ركعة من الصبح، أو من الجمعة، أو مما يقصر في السفر، فليسجد قبل السلام، ويعيد، وكذلك في ركعتين من مسافر الصلوات، وأما من ركعة من صلاة هي أكثر من ركعتين، فتجزئه سجدتا السهو. لم يختلف في ذلك أصحاب مالك.
وقال ابن الماجشون: وتجزئه سجدتا السهو في تركها من ركعة، من أي صلاة كانت، ولا يعيد، وأما من ركعتين فليعد.
وقال ابن عبد الحكم، وأصبغ، في تاركها من ركعتين من الظهر أو ركعة من الصبح، أن يلغي ذلك، ويبني، ويسجد بعد السلام، ولا يعيد.
ومن (كتاب ابن المواز): وروى أصبغ، عن ابن القاسم، قال: إذا ذكرها من الركعة الأولى، وهو فيها راكع، وقد رفع رأسه ولم يسجد، فليقطع بسلام، ويبتدئ، وإن أنهى سجدتين، شفعها، وسجد قبل السلام، وإن ذكرها، وهو قائم في الثالثة، أو راكع، ولم يرفع، فليجلس، ويسجد قبل السلام، وإن ذكر بعد رفعه من الثالثة، أتم صلاته، وسجد قبل السلام، وأحب إلي أن يعيد، ولو عقد الأولى، ونسي أم القرآن من الثانية، فذكر وهو راكع فليتم الثانية، ويسجد لسهوه، ويسلم منهما. وقال أصبغ: لا يقطع، ذكر في الأولى، أو في غيرها، وليتم، ولا يبطلها بنية الإعادة، ويسجد، وتجزئه، وإن شاء أعاد، وإن شاء لم يعد. محمد: وهذا هو الصواب.
قال أشهب، في (المجموعة)، في تاركها في ركعة: يتمادى، ويعيد. ومن

(1/351)


لم يقرأ بأم القرآن حتى قرأ السورة أو بعضها، فليبتدئ في القراءة، ولا سجود عليه. قال أشهب: يسجد استحبابا.
ومن (كتاب ابن المواز)، قال مالك: وإن ذكر إمام في الثالثة أنه لم يقرأ في الأوليين، فصلاته وصلاة من خلفه باطل. وإن ذكر أنه غير متوضئ، استخلف. وإن ذكر بعد السلام أعاد، وأعادوا، في تارك القراءة، ولا يعيد في تارك الوضوء إلا هو وحده.
ومن (العتبية)، قال عيسى، عن ابن القاسم: إذا تركها الإمام من ركعتين، أعاد وأعادوا أبدا. وإن كان في صلاة، قطع وابتدأ.
قال عيسى: ومن ترك قراءة السورة التي مع أم القرآن، جاهلا أو عامدا، أعاد أبدا. وهذا قول علي بن زياد. وخالفه ابن القاسم في هذا، وأنكر سحنون قول ابن القاسم.
قال أبو زيد، عن ابن القاسم: ومن رعف بعد ركعة من الجمعة، فرجع وقد انقضت، فصلى ركعة نسي فيها أم القرآن، فليسجد قبل السلام، ويعيد ظهرا. وكذلك لو نابه ذلك في الصبح، لسجد قبل السلام، وأعادها.
ومن (كتاب ابن سحنون): ومن رفع رأسه من ركوع الثانية، ثم ذكر أم القرآن منها، فليبتدئ قراءة أم القرآن وسورة، ويسجد بعد السلام. يريد سحنون- والله أعلم – ويبني على ركعة، على القول الذي لا يجزئ فيها سجود السهو قبل السلام. ولو ذكر بعد رفعه رأسه السورة التي معها، تمادى، وسجد

(1/352)


قبل السلام. ولو ظن أنها لا تجزئه، فألغاها، وابتدأ القراءة، وركع وسجد، فقد أفسد صلاته؛ إذ زاد ركعة جهلا. فإن ذكر السورة قبل ركوعه، فليقرأها، ويبني، ولا سجود عليه للسهو، إلا أن يطيل القيام بعد فاتحة الكتاب، وقبل ذكره لترك السورة.
وقال سحنون: وإن ذكر الإمام، وهو جالس في الرابعة، أم القرآن، فأتى بركعة، فليعد ويعيدوا؛ لأنها خامسة إذ كان يجزئه سجدة السهو. يريد: في آخر أقاويل مالك.
ومن (المجموعة)، وإذا أمكن يديه من ركبتيه، ثم ذكر أنه لم يقرأ، يروي ابن القاسم عن مالك، أنه يرفع رأسه، فيقرأ ويسجد بعد السلام. وقال أشهب: إنه يتمادى، ويعيد. وقال ابن الماجشون: إذا أمكن يديه من ركبتيه، ثم ذكر أم القرآن أو السورة، يتمادى ويسجد قبل السلام وتجزئه. ثم قال: يرجع، ويقرأ، ويسجد بعد السلام.
ومسألة من صلى خمسا ثم ذكر أم القرآن من ركعة أو ركعتين، في باب المصلي يتمادى على شك.
ومن (العتبية)، من سماع أشهب: ومن شك في قراءة أم القرآن، فإن كثر هذا عليه، فليله عن ذلك، وإن كان المرة بعد المرة، فليقرأ. وكذلك سائر ما شك فيه.
وروى عيسى، عن ابن القاسم، في من شك في قراءة أم القرآن، وقد قرأ السورة، فليقرأها، ويعيد السورة، ولا سجود عليه.
وروى علي، عن مالك، في (المجموعة)، أنه ليس عليه إعادة السورة.

(1/353)


في السهو عن االإجهار والإسرار في القراءة،
وكيف إن رجع هل يسجد، وكيف إن فعل
ذلك عامدًا
من (العتبية)، من سماع أشهب عن مالك: ومن قرأ في الجهر سرا، ثم ذكر فأعاد القراءة جهرا، فلا سجود عليه. قال: ولو قرأ أم القرآن فقط، في ركعة من الصبح، فأسر بها، فلا يعيد الصلاة لذلك، وتجزئه، ولا سجود عليه.
قال عيسى، عن ابن القاسم: إن قرأها سرا، ثم ذكر، فأعادها جهرا، فليسجد بعد السلام. قال ابن المواز، عن أصبغ: إنه لا يسجد، وإن سجوده لخفيف حسن.
ومن (المجموعة)، روى ابن القاسم، عن مالك، في الإمام يسر القراءة، فيسبح به، فيقرأ، قال: يحتاط بسجوده للسهو، وما هو بالبين. قال عنه ابن نافع: لا يسجد.
وروى عيسى، عن ابن القاسم، في (العتبية)، أنه إذا أسر الإمام القراءة فيما يجهر فيه، فكلم أو أشير إليه، فتمادى، فلما فرغ قال: كنت ناسيًا. فليسجد بهم، وتجزئهم. وإن قال: تعمدت. أعاد، وأعادوا. وقال عيسى: يعيد أبدا. وقد تقدم، في باب الإمام تفسد صلاته، هذه المسألة من رواية أشهب، عن مالك، أنه إن قال: قرأت في نفسي. قال: هذا جاهل، وما أراه قرأ، وليعد من

(1/354)


خلفه في الوقت. ولم يذكر في (كتاب ابن المواز) عن مالك: في الوقت. وقال أصبغ: ولا يعيد هو إن صدق.
قال أصبغ، في (العتبية): من أسر في الجهر أو جهر في الإسرار عامدا، لم يعد، ولكن يستغفر الله.
وقال علي، في (المجموعة): إنه يعيد. وكذلك روى أبو زيد وغيره، عن ابن القاسم؛ لأن هذا عابث. وكذلك في (الواضحة).

في السهو عن تكبير الخفض والرفع وشبهه،
والسهو عن تمام الركوع والسجود، وعن
التشهد والسلام
ومن (المجموعة)، قال علي، عن مالك، في السهو عن تكبيرة واحدة غير تكبيرة الإحرام، فهو خفيف، ويسجد له. وفي رواية ابن القاسم، وفي (المختصر)، عن مالك: لا سجود في هذا. قال عنه ابن القاسم: يسجد في تكبيرتين فأكثر. وقاله عبد الملك في (سمع الله لمن حمده). ومثل ذلك قال في (المختصر).
ومن جعل موضع (سمع الله لمن حمده)، (الله أكبر) فلا سجود عليه.
قال أشهب في (المجموعة) ولا سجود عليه في ترك (آمين)، ولا في التسبيح في الركوع، ولا في القنوت.

(1/355)


ومن (الواضحة)، قال ابن الماجشون: ومن جعل موضع (سمع الله لمن حمده)، (الله أكبر) أو موضع (الله أكبر)، (سمع الله لمن حمده) فليسجد قبل السلام؛ لأنه زاد ونقص، وليس كمن نسي تكبيرة. وإن قال موضع (سمع الله لمن حمده)، (ربنا ولك الحمد) فلا سجود عليه.
ومن (المجموعة)، قال علي، عن مالك، في من ركع وسجد، ولم يرفع رأسه من الركوع ساهيا: فليسجد قبل السلام، وتجزئه تلك الركعة.
وقال ابن القاسم، في (العتبية): لا يعتد بتلك الركعة. واستحب مالك أن يتمادى ويعيد الصلاة.
وروى ابن القاسم، عن مالك، في (العتبية)، ورواه ابن وهب أيضا، عن مالك، في (كتاب ابن سحنون)، في من لم يعتدل قائما في الرفع من الركوع حتى خر ساجدًا، قال: تجزئه، ولا يعود. وقال ابن وهب: يعيد الركعة من فعل ذلك.
ومن (كتاب ابن حبيب): ومن خر من ركوعه للسجود، ولم يرفع رأسه، فليرجع إلى القيام، كالرافع من الركوع. قال في موضع آخر: يقوم محدودبًا، ثم يرفع. قال وسواء سجد أو لم يسجد، ما لم يركع الثانية، فإن ركعها تمادى، على أن يعتد بالركعة التي لم يرفع منها، كان عامدا أو ناسيا أو جاهلا، ثم يعيد صلاته، لأن ابن كنانة يرى أن تجزئه ركعته التي لم يرفع منها كان عامدا أو جاهلا. ولو ألغاها صار في قوله مصليا خامسة، فللاختلاف أمر بالاحتياط. ولو رفع رأسه في الركعة شيئا، ولم يعتدل قائما، فقد أساء، وتجزئه.

(1/356)


ومن (المجموعة)، قال سحنون، في من لا يرفع يديه من السجود من الأرض، قال بعض أصحابنا: لا تجزئه؛ لما جاء أن اليدين يسجدان، كما يسجد الوجه. وخفف ذلك بعضهم.
قال ابن القاسم، عن مالك: ومن نسي التشهد الآخر، حتي سلم الإمام، فليتشهد، ويدعو ويسلم. وإن نسي التشهد الأول، حتى قام الإمام، فليقم، ولا يتشهد.
وذكر ابن حبيب، عن مالك، في ناسي التشهد الآخر مثله، إذا ذكر بعد سلام الإمام وقبل سلامه هو. قال ولا سجود عليه. قال ولو ذكره بعد سلامه هو، فلا شيء عليه، ولا تشهد، ولا سجود. ولو كان وحده وذكر ذلك بعد سلامه، تشهد وسلم، ثم سجد لسهوه. وإن نسي تشهد الجلسة الأولى، فذكر في آخر صلاته، سجد قبل السلام. وإن ذكره بعد أن سلم، سجد متى ما ذكر، ولم يعد الصلاة لهذا. ومن نسي السلام، وكان قريبا، فإن لم يبرح من مكانه، استقبل القبلة بغير تكبير وسلم، ولا يتشهد، ويسجد للسهو، ثم يتشهد ويسلم. وإن تكلم، أو قام من مجلسه، وكان قريبا، فلكبر، ثم يجلس ويتشهد ويسلم، ثم يسجد للسهو ويتشهد ويسلم. وإن تباعد أو أحدث، ابتدأ صلاته.
ومن (المجموعة)، قال ابن القاسم: إذا نسي السلام، فرجع من قريب، فليجلس ويكبر، ثم يتشهد ويسلم ويسجد بعد السلام. ولم يذكر التكبير في رواية

(1/357)


أخرى. وقال مالك، في (المختصر): يكبر، ثم يجلس.

جامع القول في السهو، وفي من زاد أكثر
من ركعة، وفي من رجع لإصلاح ما بقي عليه
بعد أن فارق صلاته
من (المجموعة)، قال ابن نافع، عن مالك، في من نسي القيام من اثنتين، ثم رجع: إنه يسجد بعد السلام. قال عنه ابن القاسم: إذا فارق الأرض. وإن لم يعتدل قائما، فلا يرجع، وليسجد قبل السلام. فإن رجع، فليسجد بعد السلام.
قال سحنون: لا نأمره بالرجوع، فإن رجع فليتم جلوسه، ولا يقوم مكانه.
قال أشهب، وعلي: يسجد قبل السلام إذا رجع؛ لأنه مخطئ في رجوعه بعد أن قام، فلا يعتد بجلوسه. وبلغني عن ابن سحنون، أنه ذهب إلى أن صلاته تفسد برجوعه.
قال أشهب: وإذا قام، فلم يعتدل قائما حتى ذكر، فجلس، فليسجد بعد السلام.
ومن (الواضحة)، وإذا تزحزح للقيام من اثنتين، ثم ذكر فجلس، فلا سجود عليه. وإن ارتفع عن الأرض فليرجع، ما لم يستو قائما. فإذا استوى قائما، فلا يفعلها.
ومن (العتبية)، قال ابن القاسم، عن مالك: ومن أطال الجلوس في الركعة

(1/358)


الثانية، فلا يسجد لذلك. وكذلك ذكر ابن حبيب، عن مالك، وقال: أطال فيها الجلوس والتشهد، يظنها الآخرة، فلا سجود عليه. قال سحنون: إلا أن يخرجها عن حدها، فليسجد للسهو.
قال أشهب، عن مالك، في إمام جلس في الثالثة، فلما رأى من خلفه قاموا قام مكانه، فإن كان اطمأن جالسا، وأجمع على الجلوس، فليسجد، فأما الذي يتذكر وينظر ما يفعل من خلفه، فلا يسجد.
قال موسى، عن ابن القاسم، في الجالس في الركعتين، يعرض له شك فيما تقدم من صلاته، فتفكر ساعة، ثم ذكر أنه لم يسه، فلا يسجد لذلك. ولو تذكر بعد سجدة تذكرا طويلا، ثم سجد الثانية، أو تذكر راكعا، أو بعد رفع رأسه، أو ساجدا أو قاعدا، ثم ذكر، فلا سجود عليه لهذا؛ لأنه لم يعمل زيادة ولا نقصانا. وقاله مالك.
ومن (المجموعة)، قال ابن القاسم، عن مالك، في من شك أثلاثا صلى أم أربعا، فتفكر قليلا، ثم ذكر أنها ثلاثا، فلا سهو عليه.
قال أشهب: إن تفكر في قيام له أن يقوم، أو ركوع أو سجود أو جلوس، فلا سهو عليه؛ لأن ذلك يطول ويقصر فما زاد إلا التفكير. وإن كان تفكره بعد رفعه من آخر سجدتى ركعة، فأقام جالسا، أو مستوفزا على يديه وركبتيه، حتى أطال، فليسجد بعد السلام.
ومن (المجموعة)، قال ابن القاسم، عن مالك، ومن عليه ركعة قضاء،

(1/359)


فجلس شيئا بعد سلام الإمام ساهيا، فليقض ركعته، ويسجد بعد السلام وتجزئه.
ومن (كتاب ابن سحنون)، ومن أطال الجلوس جدا، فليجلس، فليسجد بعد السلام.
ومن (الواضحة)، وإذا قال الإمام: يا فلان تقدم. فسها، فقال: نعم. فليسجد بعد السلام وتجزئه. وكذلك إن سها فأحرم بهم، فأما إن ابتدأ الصلاة بهم جهلا، فسدت عليه وعليهم. قال غير ابن حبيب: ولو قطع بسلام أو كلام، ثم ابتدأ، أجزأته، وبطلت عليهم. وهذا في باب آخر.
قال مالك: في (المختصر): ومن سلم من اثنتين، ثم ذكر، رجع فأتم صلاته، ما دام قريبا. ولم ينتقض وضوءه أو يتكلم بعد ذكره، ثم يسجد بعد السلام.
من (المجموعة)، قال ابن القاسم: وكل من جاز له أن يبني بعد انصرافه، لقرب ذلك، فليرجع بإحرام. قاله مالك. قال: وكذلك رجوعه لسجوده للسهو بإحرام.
ومن (كتاب آخر) لبعض أصحابنا الأندلسيين، في من سلم من اثنتين، ثم رجع بالقرب، فإنه يكبر، ثم يجلس، ثم يبني. قاله ابن القاسم. يريد: لأن نهضة الأولى لم يفعلها لصلاته، ولكن لانصرافه، فلذلك آمره أن يجلس. وقال ابن نافع: لا يجلس. قال: وإن لم يدخل بإحرام أفسد، ولو سلم من ركعة، أو من ثلاث، دخل بإحرام ولم يجلس.
قال ابن حبيب: ومن فارق صلاته، ثم ذكر بقية منها وقد مشى أو أكل أو شرب، فليبن، ما لم يطل. وكذلك يرجع لسجوده السهو قبل السلام، فإن طال

(1/360)


في السجود قبل السلام، فإن كان ذكر القيام من اثنتين، أو لأم القرآن من ركعة، أعاد الصلاة أبدا، ولا يعيد لغير هذين من التكبير، للخفض والرفع. وإن كثر، أو غيره من سهو، فلا يعيد، ولكن يسجد للسهو متى ما ذكر. وقاله ابن عبد الحكم، وأصبغ. وبقية القول في هذا في باب بعد هذا.
قال مطرف: ومن صلى المكتوبة ستا فأكثر، فإن سجود السهو، يجزئه، ولا يعيد.
قال يحيى بن عمر: وكذلك قال أشهب فيه، وفي من صلى المغرب خمسا. قال ابن حبيب: وعاب مطرف قول من قال تبطل إذا زاد فيها مثل نصفها. واحتج بزيادة ركعة في الصبح. وقد روى مثل قول مطرف عن ابن القاسم. وقاله ابن عبد الحكم، وأصبغ. وقال ابن نافع، وابن كنانة: إن عليه أن يعيد. وقال ابن الماجشون: لا أقول بنصف الصلاة، ولكن ركعتين عندي طول من السهو يفسدها، وليست ركعة بطول في الصبح، ولا في غيرها.
وروى ابن القاسم، عن مالك، في (العتبية)، في من صلى المغرب خمسًا ساهيا، أنها تجزئه، ويسجد لسهوه بعد السلام. قال يحيى بن عمر: وهذا يرد ما روى عنه، في من زاد في صلاته مثل نصفها.
قال ابن سحنون، عن أبيه: ومن صلى مع الإمام الجمعة، فلما سلم الإمام قام المأموم فزاد ركعتين، فليعد ظهرا أبدا.

(1/361)


في من صلى شكه وسهوه أو يستنكحه ذلك،
أو عليه سهوان، أو يلزمه سجود بعد السلام
فيسجد قبل، أو يلزمه سجود قبل فيسجد بعد
من (المجموعة)، روى علي بن زياد، عن مالك، في من استنكحه السهو، فيظن أنه لم يتم صلاته، فلا شيء عليه، ولينته عن ذلك. قال عنه ابن نافع: ولا يسجد له. قال في (المختصر): ولو سجد بعد السلام كان أحب إلينا.
قال عنه ابن نافع، في (المجموعة): فأما من يعرض له المرة بعد المرة، فبخلاف ذلك. وكذلك في شكه في الإحرام، إن كان مرة، أعاد له الصلاة. وأما شكه في أم القرآن، فقد تقدم في باب آخر، أنه إن كان ذلك يعتريه المرة بعد المرة، فليعد أم القرآن، وليس عليه إعادة السورة بعدها.
ومن (العتبية)، من سماع ابن القاسم: ومن كثر عليه السهو، فليسجد بعد السلام؛ لأنه لم يوقن بالسهو، وإنما هو يتخوف، فلا يزيد صلاته بالشك. ولو أيقن أنه سها لسجد قبل السلام.
قال ابن حبيب: اختلف قول مالك، في من يشك أن يكون سها، ويستنكحه ذلك، فقال يسجد للسهو. قال لا يسجد. وأحب إلينا أن يسجد، ويجعلهما قبل السلام.
وروى عيسى، عن ابن القاسم، في (العتبية)، عن مالك: إذا كثر عليه

(1/362)


السهو ولزمه، ولا يدري أسها أو لم يسه، فليسجد بعد السلام. وأما من سها، ولم يدر أسها قبل السلام أو بعد السلام، فليسجد قبل السلام. وذكر مثله ابن المواز عن مالك، وزاد: وأما الذي سها إلا أنه قد لزمه وكثر عليه، فليبن، ولا يسجد للسهو. محمد: يريد لأنه قد استنكحه، فأما الذي يكثر عليه الشك، فلا يدري سها أو لم يسه وهو يقول: إني أخاف أن أكون سهوت ونقضت. فهذا إذا أكثر عليه فلا شيء عليه، ويجزئه سجود السهو بعد السلام.
ومن (المجموعة)، قال ابن القاسم، وأشهب، وعلي، عن مالك، في من لزمه سهو نقص وسهو زيادة، قال عنه أشهب: لا يبالي أيهما أولا، فالسجود قبل السلام يجزئه. وقاله المغيرة. وقال أشهب: وكذلك إن كان مرارا، والنقص أكثرهما أو أقلهما. وكذلك من سها زيادة مرارا، فسجود واحد يجزئه. وروى عن عبد العزيز بن أبي سلمة، في من عليه سهو نقص وسهو زيادة، أنه يسجد قبل السلام وبعد السلام.
وقال مالك، في (المجموعة): ما كان الناس يحتاطون في سجود السهو قبل ولا بعد، وكان ذلك عندهم سهلا.
ومن (كتاب ابن المواز): ومن لزمه سجدتا السهو قبل السلام، فسجدهما بعد السلام، أو لزماه بعد السلام، فسجدهما قبل السلام، عامدا أو ساهيا، فلذلك يجزئه، وهذا أفضل من الأول. يعني سجوده قبل السلام. وقد قال أبو زيد،

(1/363)


عن ابن القاسم: إنه يعيد منه الصلاة. يريد: في عمده. وكذلك في رواية عيسى. محمد: وروى أصبغ، عن ابن القاسم، أنه يعيدهما بعد السلام. قال أصبغ: وهذا انخراق، وذلك مجزئ عنه، وقد كان ابن شهاب يرى السجود كله قبل السلام، في النقص والزيادة. وقاله الليث. وقال مالك: وليتبع المأموم إمامه في سجود السهو، كان ممن يراه كله قبل السلام، أو يراه كله بعد السلام.

في العمل في سجدتي السهو، وذكر السهو فيها
من (المجموعة)، قال علي، عن مالك: وليسمع الإمام من خلفه التكبير في سجدتي السهو، والسلام منهما، ويفعلوا فيهما كفعله. قال عنه ابن القاسم: ويكبر في سجوديهما، ويتشهد، ويسلم، ولا إحرام لهما.
قال في (كتاب ابن المواز): سواء كانتا قبل السلام أو بعد السلام.
قال عنه ابن غانم، وابن نافع، في (المجموعة): يتشهد لما كان قبل السلام. وروى أيضا ابن نافع، أنه لا يتشهد إلا فيما كان بعد السلام. وقاله عبد الملك.
قال ابن المواز: وكان ابن القاسم يوجب التشهد فيهما قبل وبعد. ورواه عن مالك. وكان ابن عبد الحكم يوجبه بعد السلام، ويستحسنه فيما قبل السلام. ولم ير عبد الملك فيما قبل السلام تشهدا.
قال مالك: لا يحرم فيهما، لا فيما قبل السلام، ولا فيما بعد السلام.

(1/364)


وقال ابن وهب: ليس بعد تشهد اللتين بعد السلام دعاء، ولا تطويل.
قال ابن عبدوس، قال أشهب: وإذا سجد سجدة من سجدتي السهو بعد السلام، ثم أحدث، فأحب إلي أن يتوضأ، ويأتنف السجدتين، وإن سجد الثانية، أجزأه، فإن شاء فعل ذلك في موضعه، وإن شاء في موضع صلى، وإن كانتا قبل السلام، بطلت صلاته. ولو كان إماما، وهما بعد السلام، فأحدث بعد سجدة، فليقدم من يسجد بهم الثانية، ولو ابتدأها جميعا كان أحب إلي.
ومن (كتاب ابن المواز)، ومن انصرف من صلاته، ثم ذكر سجدتي السهو بالقرب - يريد: قبل السلام – فليسجدهما في موضع ذكرهما، إلا في الجمعة، فلا يسجدهما إلا في المسجد، وكذلك في السلام وغيره، فإن أتم ذلك في غير المسجد، لم تجزئه الجمعة.
ومن سجد سجدتين في آخر صلاته، وعليه سجدتا السهو، فلم يذكر أسجدهما لفرضه، أو لسهوه، فعليه أربع سجدات أخرى.
قال مالك: ومن صلى خلف من يرى السجود في النقص والزيادة، قبل السلام أو بعد السلام، فلا يخالفه.
قال ابن حبيب: ومن سجد لسهوه قبل السلام، ثم سها، فتكلم قبل أن يسلم، فليسلم، ويسجد لسهوه بعد السلام.
ومن (العتبية)، أشهب، عن مالك: وإذا سها الإمام أن يسجد لسهوه، فليسجد من خلفه.

(1/365)


ومن (المجموعة)، قال علي، عن مالك، في إمام سلم من اثنتين ساهيا، وسجد لسهو عليه، ثم ذكر، فليتم صلاته، ويعيد سجود السهو.
قال سحنون: وكذلك لو كانتا قبل السلام لأعادهما. وقد روى عيسى، عن ابن القاسم، في من ذكر أنه زاد في صلاته، فسجد سجدة من سجدتي السهو، ثم ذكر أنه لم يسه، فلا يسجد أخرى، ولا شيء عليه. ولو ظن أنه نقص من صلاته، فسجد سجدة أو سجدتين، ثم ذكر أنه لم ينقص من صلاته، فإن سجد واحدة، فلا يسجد الأخرى، وليسجد لسهوه بعد السلام، وكذلك لو كان سجد السجدتين.

في من ذكر سجدتي السهو بعد انصرافه، أو في
صلاة أخرى
من (العتبية)، قال عيسى، قال ابن القاسم: من نسي سجدتي السهو بعد السلام حتى طال ذلك، فليرجع فليسجدهما، ولا إحرام عليه. ثم رجع فقال: يحرم لهما. وكذلك روى عن مالك، في (المجموعة) أنه يكبر لهما ولا يحرم. وقد تقدم في باب آخر. وقاله ابن الماجشون، في (الواضحة).
ومن (كتاب ابن المواز): ومن سلم، ثم ذكر اللتين قبل السلام، فليرجع بإحرام فيسجدهما، وكذلك كل من رجع لإصلاح ما بقي من صلاته، فيما قرب. وقاله مالك. فإن رجع، فسجد إحدى السجدتين، ثم أحدث قبل أن

(1/366)


يسجد الأخرى، أو بعد أن يسجدهما وقبل أن يسلم، فقد أبطل صلاته، وليعد.
ومن انصرف ولم يسلم من اللتين بعد السلام، رجع فيما قرب. فسلم فقط، وإن تباعد أعادهما فقط، وليحرم قبل أن يسجدهما، في الوجهين.
ومنه، ومن (المختصر)، ومن ذكر اللتين قبل السلام بعد أن طال أو انتقض وضوءه، فإن كانتا من القيام من اثنتين، أو ترك أم القرآن من ركعة، بطلت، صلاته، وإن كانتا من غير هذين، لم تبطل.
قال ابن المواز: إلا في نقص ثلاث تكبيرات، أو (سمع الله لمن حمده) ثلاثا، فقد اختلف فيه قول ابن القاسم في إيجاب الإعادة، ولم ير أصبغ عليه إعادة، وبه أقول، ومحمد ابن عبد الحكم يقول: لا تفسد صلاته، وإن كانتا من القيام، أو من اثنتين أو قراءة ركعة، فأما من السورة التي مع أم القرآن، من ركعة أو من ركعتين، أو من تكبيرتين، أو ترك الجهر في القراءة، فلا تبطل الصلاة، في قولهما.
ومن ذكر اللتين بعد السلام في صلاة، لم تفسد، وإذا فرغ سجدهما ومتى ما ذكر، وبعد الصبح وبعد العصر.
ومن ذكر اللتين قبل السلام في فريضة، وهما من فريضة، فإن كانتا مما تفسد به الصلاة الأولى فيما يبعد، بطلت هذه أيضا، وابتدأ صلاتين، فإن كان مع إمام تمادى وأعادهما، إلا أن يذكر السجدتين قبل أن يرفع رأسه من الركعة وقبل طول

(1/367)


قيامه وهو قريب من سلامه، فليرجع لإصلاح صلاته، ثم يبتدئ هذه، ولو كانت نافلة لم يعدها إلا أن يشاء.

في السهو في الوتر، وركعتي الفجر، والنوافل
من (المجموعة)، قال علي، عن مالك: ومن لم يدر أفي الشفع هو جالس أم في الوتر، فليسجد للسهو، ثم يسلم، ثم يوتر.
وفي (المختصر)، رواية ابن القاسم: يسلم، ثم يسجد، ثم يوتر.
وقال محمد بن عبد الحكم: لا سجود عليه، وليسلم، ثم يأتي بالوتر. وقال مالك: وفي الحديث دليل عليه.
قال علي، عن مالك: ومن أوتر فظن أنه في ركعتين، فقام فأوتر، ثم ذكر، فأحب إلي أن يسجد لسهوه، ثم يأتنف الوتر، فإن لم يفعل، رجوت أن يجزئه وتره الأول. أراه يريد أنه لم يكن سلم من وتره. ولو كان سلم منه، ثم أوتر، ثم ذكر، لشفع هذا، وأجزأه الأول.
قال ابن القاسم، وعلي، عن مالك: ومن أوتر، ثم ذكر أنه كان أوتر أول الليل، فليشفع وتره هذا. قال المغيرة: ويسجد بعد السلام. أراه يريد: لجلسته. قال عنه علي: وإن تكلم بعده إذا كان قريبا، وإن طال، أجزأه وتره الأول. وقال المغيرة: إن خاض في الحديث، وقام من مكانه، لم تعد له ركعة، ويجزئه وتره الأول.
ومن شك أوتر أو لم يوتر، فليقم فليوتر.
قال ابن القاسم، عن مالك: وإن قرأ في ركعة الوتر بأم القرآن ساهيا، فلا

(1/368)


سجود عليه، وتجزئه.
قال عنه علي: وإن نسي أن يقرأ فيها، فأحب إلي أن يشفعها بركعة أخرى، ويسجد للسهو، ثم يأتي بوتر.
قال سحنون: ومن ذكر في تشهد الوتر سجدة، لا يدري منه أو من إحدى ركعتي الشفع، فإن تقدم له إشفاع قبل شفعه هذا، فليسجد سجدة، ويتشهد ويسلم ويسجد بعد السلام، وتجزئه. وإن لم يتقدم له إشفاع، أصلح هذه بسجدة، وشفعها بركعة، وسجد لسهوه بعد السلام، ثم أوتر. وإن أيقن أنها من الشفع، ولم يتقدمه شفع آخر، شفع هذه، ثم أوتر. وإن كان تقدم له شفع صحيح، سلم وأجزأه وتره هذا.
ومن ذكر في الوتر أنه نسي أم القرآن، لا يدري من الشفع أم من وتره، فليسجد قبل السلام، ويعيد شفعه ووتره. ولو كان إنما ذكر سجدة، يسجدها، وتشهد، ثم سلم وسجد للسهو، ثم أعاد الشفع والوتر، فإن تقدم له إشفاع، فله أن لا يعيد إلا الوتر، ولو شفع هذا الوتر بركعة، ثم أوتر، أجزأه. وإنما اخترت الأول لما كره مالك لمن أحرم على وتر أن يشفعه.
قال علي، عن مالك: وإذا لم يسلم من الشفع حتى قام فليرجع، ما لم يركع، فإذا ركع تمادى، وأجزأه.
قال أشهب، في (كتاب ابن المواز): يرجع ما لم يرفع رأسه من الركوع، فإذا رفع أتم الثالثة وسجد. قال محمد: يريد سجد قبل السلام.
قال سحنون، في (المجموعة): وإن شاء مضى على وتره، وإن شاء أتمها

(1/369)


أربعًا ثم سجد للسهو – يريد: قبل السلام، على قول ابن القاسم – ثم أوتر.
ومن (كتاب ابن المواز) , ومن أوتر , ثم شك , هل شفع وتره أم لا , فقيل: يسلم ويسجد لسهوه. وقيل: يأتي بوتر آخر. وهو أحب إلي , وليس كمن زاد في المكتوبة ركعة , وهو كمن زاد في النافلة ثالثة , فليتمها أربعا , أو كمن زاد في صلاة السفر ركعة , فليتم أربعة , ثم يعيد في الوقت.
وفي الجزء الثالث باب في الوتر , فيه بقية القول فيه.
ومن (المجموعة) , قال ابن القاسم: ومن تنفل , فزاد ثالثة , فأحب إلي أن يرجع , ما لم يرفع رأسه منها. واختلف فيه قول مالك , فإن رفع رأسه تم أربعة , وسجد قبل السلام. وقال أشهب: يسجد بعد السلام. وليس ذلك بواجب. وروى علي , عن مالك , أنه يسجد بعد السلام.
قال علي , عن مالك , في من لم يدر في النافلة , أصلى ركعة أو ركعتين , فبنى على ركعة , فلما صلى ثانية أيقن أنها ثالثة , فليأت برابعة , ويسجد بعد السلام.
قال علي , عن مالك: ولو قام من اثنتين , فلم يجلس , رجع , ما لم يركع ثالثة , فإذا ركع , زاد رابعة , وسجد قبل السلام.
ومن (العتبية) , عن سحنون , عن ابن القاسم: ومن سها عن السلام في النافلة حتى طال ذلك , وتحدث , فأحب إلي أن يعيدها. يريد السجود للسهو. قال سحنون: لاختلاف الناس , وأرى أن يسجد متى ما ذكر , ولا يحدث سلاما؛ لأن طول حديثه كالسلام , لأنه لو دخل بعد طول حديثه في مكتوبة بأثرها , لم

(1/370)


تفسد مكتوبته يريد: بعد طول عن النافلة.
قال ابن القاسم , عن مالك: ومن قام إلى ثالثة في ركعتي الفجر , فليرجع , فإن صلى رابعة , وسجد لسهوه , فأحب إلي أن يعيد.
وفي (كتاب ابن سحنون) , ومن صلى ركعتي الفجر ثلاثا , فليعدها. أراه استحبابا , ولم يأمره يأتي برابعة يجعلها نافلة , ويعيد؛ لأنه وقت لا يتنفل فيه.

في من ذكر سجدة أو ركعة بعد أن سلم , وهو
وحده , أو خلف إمام وجد ما يبني فيه إذا
انصرف
من (المجموعة) , قال ابن القاسم , عن مالك: ومن ذكر بعد أن سلم سجدة , أو ركعة , فليبن فيما قرب. قال عنه على: يرجع , ما لم يطل أو يكثر من الكلام , أو يخرج من المسجد , أو ينقض وضوءه. ولو خرج إلى باب المسجد , أو قريب من مصلاه , فليرجع , ويبني , ولا يرجع إذا بنى إلا بإحرام.
قال أشهب: وإذا كان لابد من الحد في ذلك , فخروجه من المسجد حد حسن في القطع. وإذا كان في غير مسجد , فأستحسن أن لا يكون قطعا أن يجاوز الصفوف بمقدار أن يصلي بصلاتهم.
قال سحنون , في من ذكر سجدة بعد سلام الإمام: ابتدأ تلك الركعة. وقاله المغيرة , وابن القاسم , وعبد الملك. قال المغيرة: ولا يعمل ركعة نصفها مع

(1/371)


الإمام , ونصفها وحده. قال عبد الملك: ولا يقضي بعده أقل من ركعة. وذكر ابن حبيب , عن عبد الملك , أنه يسجد بعد الإمام سجدة , وتجزئه.
ومن (كتاب ابن سحنون): وإذا ذكر الإمام , أو المصلي وحده , بعد ما سلم من الصبح , سجدة من الثانية , فليبتدئ ركعة , ويسجد بعد السلام , وسلامه كعقد ركعة , فإن أيقن من خلف الإمام أنه يسجد سجدة , فلا يتبعوه , إلا في سجود السهو فقط.
ولو ذكر بعد سلامه مع الإمام أربع سجدات مجتمعات , لا يدري من أي ركعة , فلا يسجد , وليأت بركعتين بأم القرآن وسورة في كل ركعة , ويسجد بعد السلام. ولو ذكرها قبل يسلم , سجد سجدتين , ثم فعل ما ذكرنا , بعد سلام الإمام. وفي باب من ذكر سجدة وهو مأموم من هذا المعنى.

في من ذكر سجدة فأكثر , أو الركوع , وهو في
آخر صلاته , أو قبل آخرها , أو شك في
ذلك , وكيف إن كان ذلك مع إمام
من (المجموعة) , قال أشهب: في من ركع في الأولى ولم يسجد , وأكمل الثانية , وسجد الثالثة , ولم يركع في الثالثة , فليعتد بركعة في الثانية ,

(1/372)


ويبني ويسجد بعد السلام. ولو سجد في الأولى ولم يركع في الثانية ولم يسجد , وأكمل الثالثة , فعليها يبني ثلاثا , ويسجد بعد السلام. قال ابن عبدوس: بل قبل السلام؛ لنقصه القراءة في التي صارت أولاه. وإن ترك السجود في الأولى والثانية , وسجد في الثالثة ولم يركع , فلم يصح له شيء , ولا يضيف هاتين السجدتين إلى الثانية , وليأتنف لها سجدتين , فتصبح له ركعة يبني عليها , ويسجد بعد السلام.
ومن (كتاب ابن سحنون) , والجالس في الرابعة إن ذكر الركوع منها وسجدة من الثالثة والجلوس من الثانية , فليسجد سجدة يتم بها الثالثة , ويأتي برابعة , ويسجد قبل السلام؛ لنقص جلوس الثانية.
ومن (المجموعة) , قال عبد الملك: ومن كان قائما في الثانية , فذكر سجدة من الأولى , أو شك فيها , فليرجع جالسا , ثم يسجدها. وكذلك لو كان مع الإمام , إلاَّ أن يخاف أن يرفع من ركوع الثانية , فليتبعه فيها، ويقضي ركعة. ولو شك في قيامه في الثالثة، وهو وحده في سجدة لا يدري من الأولى أو من الثانية، فليرجع فيسجد، ثم يتشهد، ولعله يتذكر أنها منها. قال: ثم يبني على ركعة، ويسجد بعد السَّلام. ولو شك، وهو قائم في الركعة الثالثة في سجدة لا يدري من أي ركعة، فليسجد، ويتشهد ويبني على رَكْعَتَيْنِ، ويسجد قبل السَّلام، وهو في القراءة بان؛ لأنه وحده، وقد نقص السورة من الثانية على اليقين، وزاد. وإن ذكر في جلوس الرابعة سجدة لا يدري من أي ركعة، سجد سجدة، ويتشهد، ويبني على ثلاث ركعات، وسجد قبل السَّلام، لأنها قد تكون من الأولى أو الثانية، فتصير الثالثة ثانية، وقد نقص فيها الجلوس، ونقص القراءة.

(1/373)


قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ المَاجِشُون فيه: إذا ذكرها في قيام الثانية، لا يدري من أي ركعة، أنه إذا خرج بسجدة فلا يجلس، ويبني على ركعته، وأما لو كان قائما في الرابعة، فيجلس ويتشهد إذا سجد، ويبني على اليقين. ولو ذكرها في تشهد الرابعة، سجدها وقام فأتى بركعة. وذكر في سُجُود السهو في ذلك كله كما ذكر ابن عبدوس، قال: واليقين بهذه السجدة والشك فيها سواء، إذا لم يدر من أي ركعة هي.
وذكر ابن الْمَوَّاز، عَنِ ابْنِ المَاجِشُون، أنه يرجع إلى حال التَّشَهُّد إذا ذكرها في بدء الثانية. قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: لا يرجع إلى حال التَّشَهُّد. وأما إذا ذكرها في جلوس الثانية، وهو مع إمام، فمذكور بعد هذا.
ومن (كتاب ابن الْمَوَّاز)، ومن ذكر في جلوس الثانية سجدة من الأولى، وركوع الثانية، فليسجد سجدة يتم الأولى، ويبني عليها. ولو ذكرها وهو راكع في الثانية، فروى عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، أنه يركع بها، ما لم يرفع رأسه من الثانية. وقاله مالك. ورَوَى أن عقد الركعة رفع الرأس. وقال أشهب عن مالك: إن إمكان يَدَيْهِ من رُكْبَتَيْهِ فوت. وقاله أصبغ. قال محمد: وتأديه أَحَبُّ إِلَيَّ، وهو إِنَّمَا تصح به ركعة بكل حال، فيتمادى على هذه، ويكون أولى، ويسجد بعد السَّلام، ولو أعاد الصلاة لكان حسنا، وليس بلازم.
وذكر في (المستخرجة) رِوَايَة أشهب هذه، وقال: فإن لم يطمئن، فلا يرفع رأسه منها، وليخر بسجدته، ثم يبتدئ قِرَاءَة الثانية. وقَالَ ابْنُ المَاجِشُون: يجلس ثم يسجد. وابن القاسم يرى عقد الركعة رفع رأسه منها. قال سحنون: هذا أَحَبُّ إِلَيَّ في كل شيء، إلاَّ في الخروج من فَرِيضَة إلى نافلة، فإنه إذا أمكن يَدَيْهِ من رُكْبَتَيْهِ في ركوعه النافلة، بطلت الفريضة عندي.

(1/374)


ومن (كتاب ابن الْمَوَّاز): ولو ذكر في جلوس الثانية، وفي قيام الثالثة، سجدة لا يدري من أي ركعة، فليسجد سجدة، فتصح هذه، ويبني عليها، ويسجد بعد السَّلام. وكذلك إن ذكر سجدتين، ولكن هذا يسجد سجدتين. ومن ذكر في قيام الرابعة سجدتين، لا يدري من ركعة أو من رَكْعَتَيْنِ، فكذلك للسجدتين، ويبني على ركعة، ويسجد قبل السَّلام، لأن التي بني عليها لم يقرأ فيها إلاَّ بأم القرآن. وكان أصبغ وأبو زيد يقولان: لا يخر بشيء، ويبني على ركعته، أو لا يَصِحُّ له غير ركعة. وقاله أشهب في مَنْ ذكر سجدة لا يدري من أي ركعة، إنه يلغي ركعة، ولا يخر بسجدة. قال محمد: لا يُعْجِبُنِي، وهو خلاف مالك وأصحابه أن يدع إصلاح ركعة هو فيها يقدر على إصلاحها، ولقد قال عبد الملك في الذاكر سجدة في قيام الثالثة، لا يدري من أي ركعة: إنه يسجد ويتشهد. قال: كما أمرته أن يتشهد. قال: فكذلك أمرته أن يجلس ويتشهد، ولا يترك تمامها، على ما أمكن منها. قال محمد: ولا آمره أن يجلس؛ لأنه بعد أن يسجد، كمن قال: لا أدري، أصليت وَاحِدَة أو اثنين. فهذا لا يجلس، ويبني على ركعة. وذكر ابن حبيب، عَنِ ابْنِ المَاجِشُون مثل اختيار ابن الْمَوَّاز. وقد تقدم هذا.
قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: وأما من قضى ركعة، فأتمها مع الإمام، ثم شك قبل التَّشَهُّد في سجدة أو مما أدرك، فهذا يسجد بعد السَّلام. وقال عبد الملك. وهي خلاف الأولى؛ لأن هذه آخر صلاة الإمام، فلا يقضي إلاَّ بعد فراغه مما أدرك معه، وقد أدرك التَّشَهُّد في الجلوس. ومن (كتاب ابن سحنون): ومن ذكر في تشهد الرابعة سجدة منها، سجدها، وأعاد التَّشَهُّد، ولا يسجد لسهوه، إلاَّ أن يطيل

(1/375)


الجلوس بين السجدتين. وقاله ابن القاسم.
ولو ذكر سجدتين، لا يدري مجتمعتين أو مفترقتين، فليسجد سجدتين، ويتشهد، ويأتي بركعتين بأم القرآن في كل ركعة، ويسجد قبل السَّلام. ولو كان مع إمام، سجد سجدتين، وأتى بعده بركعتين، ويقضي بأم القرآن وسورة في كليهما، ويسجد بعد السَّلام. وأَحَبُّ إِلَيَّ أن يُعِيد الصلاة في المسألتين.
ولو ذكر ثلاث سجدات، وهو وحده، لا يدري كيف هي، يسجد سجدتين، ولا يَتَشَهَّد، ويقوم فيأتي بركعة بأم القرآن وسورة، ويجلس، ثم بركعتين بأم القرآن في كليهما، ويسجد قبل السَّلام. ولو كان مع إمام يسجد سجدتين، فإذا سلم إمامه، قام فأتى بركعة بأم القرآن وسورة، ويجلس، وأخرى كذلك ويقوم، وأخرى بأم القرآن، ويسجد بعد السَّلام. كذلك الجواب إن ذكر أربع سجدات.
ولو ذكر أربع سجدات مجتمعات، لا يدري من أي ركعة، وهو وحده، سجد سجدتين، ويَتَشَهَّد، وبني على رَكْعَتَيْنِ بأم القرآن كل ركعة، وسجد قبل السَّلام. ولو كان خلف إمام، قرأ في ركعته بأم القرآن وسورة فيهما، وسجد بعد السلام.
ولو ذكر بعد السَّلام من الرابعة - يريد: وهو وحده – فإنه يسجد سجدتين، ثم يبني على ركعة، ويسجد قبل السلام.
ولو ذكر في قيام الثالثة سجدتين من الثانية، سجدهما، وتَشَهُّد وبنى على رَكْعَتَيْنِ، ويسجد بعد السَّلام.
ومن ذكر فِي تَّشَهُّدِ الصُّبْح الرُّكُوع من إحدى ركعتيه، والسُّجُود من الأخرى، ولا يدري أيهما، فليسجد سجدتين، ويبني على ركعة، ويسجد لسهوه بعد السَّلام. وكذلك لو أيقن أن السُّجُود من الأولى فالجواب سواء.

(1/376)


ومن (العتبية)، من سماع أشهب: ومن أهوى للسجود، فذكر أنه لم يركع، فليرجع قائما، ثم يركع، ولو قرأ لكان أَحَبُّ إِلَيَّ، ويسجد بعد السَّلام.
ومن سماع عيسى، عَنِ ابْنِ القاسم: ومن ذكر فِي تَّشَهُّدِ الثانية سجدة من الأولى، فيأت بركعة، يقرأ فيها بأم القرآن وسورة، ثم يجلس فتكون له ثانية، ثم يبني، ويسجد لسهوه بعد السَّلام. وإن ذكرها بعد رفع رأسه من ركوع الثالثة، جعلها ثانية، وسجد لسهوه قبل السَّلام؛ لأنه نقص فيها القراءة. فإن ذكرها في قيام الرابعة، بنى وسجد قبل السَّلام؛ لأنه زاد ونقص. ورَوَى عن مالك، أنه يسجد بعد السلام.
وإن ذكرها في آخر الرابعة، فليأت بركعة بأم القرآن، ويسجد للسهو قبل السَّلام. وقَالَ ابْنُ وهب: بل يقرأ فيها بأم القرآن وسورة، ثم يسجد لسهوه بعد السَّلام. وقول ابن القاسم أَحَبُّ إِلَيْنَا. قال يحيى بن عمر: قول ابن وهب غلط. وفي الباب الذي يلي هذا شيء من معاني هذا الباب.

في مَنْ ذكر سجدة، وهو مأموم
من (المجموعة)، قَالَ ابْنُ عبدوس: وإذا كان مع الإمام في قيام الثانية، فذكر سجدة، أو شك فيها، فإن طمع أن يسجدها قبل الإمام رفع الإمام رأسه، فعل، ثم لا يسجد للسهو، وإن لم يطمع بذلك، تَمَادَى، وأتى بركعة بعد سلام الإمام،

(1/377)


يقرأ فيها بأم القرآن وسورة، فإن كان موقنا بالسجدة، فلا يسجد للسهو، وإن كان على شك سجد بعد السَّلام، خوف أن تكون الركعة زيادة. ولو كان في قيام الثالثة، والمسألة بحالها، فإن طمع أن لا تفوته الركعة، خر فسجد، ثم اتبع الإمام في قيامه، فإذا سلم، أتى هو بركعة بأم القرآن وسورة؛ لأنه قاض، ولعلها من الأولى، ويسجد بعد السَّلام، إذ لعله أصاب بالسجدة موضعها، والركعة زيادة. وإن أيقن بسلامه للثانية، فيختلف يقينه وشكه، فإن أيقن بالسجدة، قضى ركعة، ولا يسجد للسهو، وإن شك فيها، سجد بعد السَّلام. وكذلك إن شك أن تكون من الأولى أو من الثانية، ولم يدرك أن يخِرَّ بسجدة في الثانية، وتَمَادَى، فليقض بعد الإمام ركعة بأم القرآن وسورة، ثم يسجد بعد السَّلام؛ إذ لعله لم يَبْقَ عليه شيء، فيصير سهوه بعد الإمام. وإن أيقن أنها باقية من إحداهما، لم يسجدْ للسهو. وكل ما ذكر ابن عبدوس من تفريع هذه المسألة، فقد ذكر نحوه ابن الْمَوَّاز.
قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: والمأموم فيما يفوته أو يسهو عنه قاض، وأما الإمام، والرجل وحده فبانٍ. هذا قول المدنيين، وإليه رجع ابن عبد الحكم، وقاله ابن المَاجِشُون.
ومن المجموعة قال عبد الملك: وإن شك، وهو قائم مع الإمام في الرابعة، في سجدة لا يدري من أي ركعة فليخرَّ بسجدة، ثم يرجع مع الإمام، ويأتي بركعة بعد سلامه بأم القرآن وسورة؛ إذ قد تكون السجدة من إحدى الركعتين الأوليين، ثم يسجد بعد السلام؛ إذ لعله جعل السجدة بوضعها وتصير الركعة زائدة، ولا سهو عليه فيما كان مع الإمام.
قال سَحْنُون: وكذلك لو ذكر في تَشَهُّد الرابعة مع الإمام سجدة، لا يدري من أي ركعة، فإنه يسجدها، ويأتي بركعة قضاءً، ثم يسجد بعد السَّلام. ولو ذكرها

(1/378)


بعد السَّلام لأتى بالركعة، ولم يسجد السجدة، ولا يسجد للسهو؛ لأنه مما يحمله الإمام، ولم تَرِدْ بعده زيادة يسجد لها؛ لأنه موقن أن السجدة باقية، ولم يسجدها في الرابعة، فيحتمل أن يكون صادفها، وإِنَّمَا يحتمل أن يكون زاد بعد الإمام قِرَاءَة السورة، وليس يسجد في هذا.
ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، وإذا ذكر المأموم سجدة قد جاوزها من الأولى أو غيرها، فلا يسجد للسهو إذا قضاها، ولو كان في السجدة شاكًّا، لسجد للسهو بعد السَّلام بعد قضائها، ولو كان وحده، سجد للسهو بعد السَّلام، في شكِّه ويقينه. وإذا أيقن بسلامة الأوليين، وذكر في الرابعة سجدة من الثالثة وهو وحده فإن سُجُوده بعد السَّلام. وإن لم يدر من أي ركعة، أو ذكرها من إحدى الأوليين. فسجوده قبل السَّلام.
ومن الْعُتْبِيَّة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وابن وهب: وإذا ذكر المأموم سجدة، وهو قائم في الثانية، فليهو ساجدًا. وقال عبد الملك: بل يجلس، ثم يسجد. وإن ذكرها حين ركع الإمام، فليتبعه. وكذلك بعد رفعه رأسه، أو في الثالثة، ثم يقضي ركعة بعد سلامه. قال أبو محمد: أما إذا ذكرها، وهو واقف في الثالثة، فقول ابن القاسم أبين أن يهوي إلى السُّجُود، ولا يجلس؛ لأنه من الجلوس قام.
وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وإن شكّ المأموم أن يكون ركع مع الإمام الركعة الأولى، وهو فِي التَّشَهُّدِ الآخر، فليسلم معه، ولا يأتي بركعة، فلعلها خامسة، وليُعِدِ الصلاة.

(1/379)


وقال في المجموعة، ابن القاسم، عن مالك في مَنْ شك مع الإمام، فلم يدر أفاتته ركعة أو رَكْعَتَيْنِ، أو أتمَّها، قال: يُتِمُّ على ما يوقن، ثم يسجد بعد السَّلام، كما يفعل لنفسه.
وفي الباب الذي بعده هذا الباب من معاني هذا الباب.

في الإمام يذكر سجدة، أو ركعة، أو يشكُّ
فيها ومن خلفه في يقين أو شكٍّ وقد سجدوها
دونه، وهل يتَّبعه من فاتته ركعة فيما يأتي به
من كتاب ابن الْمَوَّاز، وإذا ذكر الإمام، وهو قائم في الثالثة، سجدة من الثانية، وقد سجدها القوم، فليسجد، ويتبعه من خلفه فيها، ولو أحدث فقدَّم من سجدها، فليسجدها بهم هذا المستخْلَف، فإن لم سيجدها بهم، وأتمَّ بهم الصلاة، فقد أفسد عليه وعليهم.
ولو ذكر في الرابعة سجدة من الأولى، قد سجدها كلُّ من خلفه ومنهم من فاتته الأولى، فهذا يصير كمن تقدَّم بقوم بعد أن فاتته ركعة، فيشير إليهم، بعد تمام الرابعة، حَتَّى يقضي ركعة بأم القرآن وسورة، ويسجد بعد السَّلام، ولا يتبعه فيها من فاتته الركعة، وليقضوها بعد سلامه. انظر كيف يسجد بعد السَّلام، وقد صارت ثالثته ثانية، وهو لم يجلس فيها، ونقص فيها القراءة، وكيف يأتي بركعة يقرأ فيها بأم القرآن وسورة، وهو بانٍ؛ لأنه إمام، فإن جعلته كمأموم، فما بال نقصان الجلوس، ولم يكن له إمام يحمل ذلك عنه. وإن كان القوم لم يسجدوها أو لم

(1/380)


يسجدها بعضهم، فها هنا يصير إمامًا بانيًا في الركعة التي يأتي بها، ويتبعه فيها من فاتته الأولى، ويقرأ فيها بأم القرآن فقط، ويسجد قبل السَّلام، ويصير كمن قام من اثنتين.
وقال في باب آخَرَ: إذا ترك السجدة بعضهم، فلا يتبعه في الركعة أحد منهم، إلاَّ أنه من سجدها منهم في سُجُود السهو. وإن كان الإمام على شكٍّ من السجدة، فمن شكَّ منهم كشكِّه، فليتبعه، ومن أيقن أنها من الأولى، أو من ركعة بعينها، فلا يتبعه، ويصير الإمام كشاكٍّ في ركعة فأتى بها فدخل معه الآن أحد فيها منهم، فلا صلاة له، ولكن يُؤْمَر أن يأتي بعد سلام الإمام بثلاث ركعات، رجاء أن تكون صحيحة، ثم يُعِيد الصلاة.
ومن فاتته مع الإمام ركعة، فذكر الإمام في تَشَهُّد الرابعة سجدة من الثانية، وهذا الداخل قد سجدها، ولم يسجدها الآخرون، فليتبع الإمام في الركعة التي يأتي بها من يسجدها ومن لم يسجدها، وإن لم ينسها أحد منهم، فلا يتبعه أحد في هذه الركعة. ولو ذكر السجدة من الأولى، وكل من خلفه موقن بتمامها، وذكر واحد منها سجدة من الثانية، فلا يتبع الإمام هذا الذاكر للسجدة. في الركعة التي يأتي بها، وليقض ركعة بعد سلامه.
وإذا دخل معه قوم في الثانية من الصُّبْح، ثم ذكر في آخرها سجدة، لا يدري من أي ركعة، فليخرَّ بسجدة، ويسجدون معه إن شكُّوا، ثم بركعة، ولا يتبعوه فيها، إلاَّ أن يوقنوا بسلامة الثانية، والإمام موقن ببقاء سجدة من إحداهما، فليتبعوه، وإلاَّ فلا.
وإذا لم يدر الإمام كم صَلَّى، أثلاثًا أم أربعًا، فليأت بركعة، وليتبعه من معه

(1/381)


من أَوَّل صلاته، إن كانوا شكُّوا، فإن لم يتبعوه أبطلوا، إلاَّ أن يوقنوا بعد ذلك أنها زائدة، فتجزئهم وقد أساءوا, فإن دخل معه أحد في هذه الركعة، فلا يتبعه فيها، فإن فعل، أبطل صلاته، ولكن لا آمره بالقطع حين سلَّم الإمام وأعلمهم بشكِّه، وليتمَّ عليها تمام أربع، ثم يعيدها، إذ لعل الركعة لم تكن ملزمة. وكذلك لا يتبعه فيها من فاتته ركعة، وليقضوا بعد سلامه، وأُحِبُّ لهم أن يُعِيدُوا، خوفًا أن تكون الركعة عليه، ولم يتبعوه فيها.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وإذا سجد الإمام سجدة، ثم قام، فاتبعه قوم عامدون، وقوم ساهون، وسجد الباقون السجدة الثانية وقاموا، ثم ذكر الإمام قبل الرُّكُوع، فرجع فسجدها، فلا يعيدها معه من سجدها، وإن لم يذكرها حَتَّى ركع، مضى، ويجزئ الذين سجدوا، فإذا قام هو يأتي بركعة بدلاً من التي ترك منها السجدة، فلا يتبعه فيها من سجد، وليتبعه فيها الساهون، ويسجد بعد السَّلام، ويسجد معه للسهو من كان سجد السجدة، ومن كان لم يسجدها، وتبطل صلاة العامدين، وأَحَبُّ إِلَيَّ أن يُعِيد الذين سجدوا الصلاة، وذلك خير عندي من إعادتهم السجدة، وخير مِنْ أَن يتبعوه في الركعة فتكون خامسة. قال أَصْبَغُ: ولا يُعْجِبُنِي، وأرى إن رجع الإمام قبل الركعة، فسجد وسجدوا معه، أن تجزئهم، وإلاَّ فلا. وهذا فقه هذه المسألة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إذا

(1/382)


شعر قبل يركع الثانية، رجع فسجدها، ولا يسجد معه من سجدها، ويسجد معه من سها بسهوه، وتُجْزِئُ جميعهم، إلى من اتبعه عامدًا، وإذا تَمَادَى، ثم عمل على إسقاط تلك الركعة، وبنى على ذلك، فصلاته وصلاة من سها بسهوه تامة، وصلاة من اتبعه عامدًا فاسدة، وصلاة الساجدين لأنفسهم فاسدة؛ لاختلاف بناء الصلاة منهم ومن إمامهم. وكذلك قال مُطَرِّف، وأصبغ: يريد ابن حبيب: عمل على إسقاطها بعد أن عقد الثانية. فأما إن علم قبل أن يعقدها، فترك إصلاح الأولى عامدًا، وتَمَادَى فقد أفسد.
ومن المجموعة، قال سَحْنُون: وإذا صَلَّى الإمام ركعة وحده، ثم دخل معه قوم، فَصَلَّى معهم الثانية، فذكر في تشهدها سجدة لا يدري من أي ركعة، فليسجد سجدة، وليتشهد، ويبني على ركعته هذه، وتكون أَوَّل صلاته، فإن أيقن من خلفه بسلامة ركعته هذه، فلا يسجدوا معه. قال في كتاب ابنه: وليقوموا، ولا يقعدوا. قالا عن سَحْنُون: ويَنْبَغِي له أن يرجع إلى يقينه في شكِّه. قال عنه ابنه: فإن فم ينتبهْ، وعم على يقين نفسه، قالا عنه: فليتبعوه في كل ركعة في جلوسها وقيامها وقراءتها، ليقينهم ببطلان الأولى، وليسجدوا معه بعد السَّلام، وعليهم اتباعه في سُجُود السهو، وإن لم يدركوا معه ما سها فيه. فإن شكَّ القوم في السجدة أن تكون من الثانية، فليتبعوه في السجدة، وفيما يُصَلَّى بعدها على قيامه وجلوسه، إلاَّ في الرابعة على اليقين، وخامسة على الشك، فلا يتبعوه فيها، وليثبتوا قياما – وفي كتاب ابن عبدوس جلوسًا – إذ لعلها لا تجب عليه، فلا يعتدُّون بها فيما فاتهم. ولو أيقنوا أن السجدة من التب أدركوا، لثبتوا جلوسًا في الخامسة عندهم ثم رجع عن قوله: "إذا شكُّوا". فقال: بل يتَّبعونه في الخامسة على الشك، رجاء أن تكون رابعة على اليقين، ثم يقضون بعد سلامه ركعة

(1/383)


بأم القرآن وسورة، إذ لعل السجدة من التي أدركوا فتكون الآخِرَة خامسة لا يُعْتدُّ بها. قَالَ ابْنُ سَحْنُون: ويسجدون بعد السَّلام. قال: وإن أيقنوا أن السجدة من التي أدركوا معه، صارت ثانية تامة، فإذا قام إلى الثالثة عندهم، وهي عنده على الشكِّ ثانية، صلَّوها معه، وجلس هو فيها وقاموا هم، كإمام قعد في الثالثة، فإذا قام إلى الرابعة عندهم، فليصلُّوا معه، وهو يقوم فيها؛ لأنه يعمل على أنها ثالثة، فإذا قام إلى رابعة على اليقين، فليقعدوا، ولا يتبعوه؛ لأنها خامسة عندهم، فإذا أتمها وسلَّم وسجد للسهو، لم يسجدوا معه حَتَّى يقضوا الركعة التي فاتتهم بأم القرآن وسوة. قَالَ ابْنُ سَحْنُون: وقد قال يسجد قبل السَّلام. وقوله: بعد السَّلام. أَحَبُّ إِلَيَّ.
ولو صَلَّى بهم الثلاث ركعت تامات، ثم ذكر سجدة، لا يدري منهن أو من الأولى، فليسجد سجدة، ويَتَشَهَّد، ويأتي بركعة بأم القرآن، ولم يسجدوا معه، وسبَّحوا، ويصلُّون معه الركعة التي يحتاط بها؛ لأنها من صلب صلاتهم في يقينهم، ويسجدون معه قبل السَّلام. وإن شكُّوا بشكِّه سجدوا معه سجدة التحري، وثبتوا جلوسًا، ولم يتَّبعوه في ركعة الاحتياط، وسجدوا معه للسهو قبل السَّلام، فإن سلم صلوا رَكْعَتَيْنِ، ركعة بأم القرآن بناءً، وأخرى بأم القرآن وسورة، بدءوا بالبناء قبل القضاء، كالراعف في الثالثة، وقد سبقه إمامه بركعة، فرجع بعد ما سلم. ثم رجع سَحْنُون، فقال: يقرأ أَوَّلاً بأم القرن وسورة، ثم الرابعة بعد بأم القرآن، كمن فاتته ثلاث ركعات، فيقضي أَوَّلاً بأول. قَالَ ابْنُ عبدوس: وعليهم سُجُود السهو بعد السَّلام؛ لاحْتِمَال أن تكون إحدى الركعتين اللتين يأتي بهما زيادة إن كانت السجدة من الرابعة، وقد سجدها الإمام، فصار سهوهم بعد، فلا يجزئهم ما سجدوا للسهو معه، والذي رجع إليه في ركعة الاحتياط أن يتَّبعوه فيها، يقضوا الأولى، ويسلموا، ثم يسجدوا للسهو.

(1/384)


ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، ومن فاتته ركعة مع الإمام، فما جلس الإمام في الرابعة ذكر سجدة من إحدى الثلاث التي أدرك هذا معه، وأحدث، واستخلف على ذلك، والذي فاتته ركعة موقن بسلامة الثلاث، فلا يتَّبع المستخلف في الركعة، ولو استخلفه هو، فلا يصليها بهم، ولا يقضي التي بقيت عليه حَتَّى يستخلف من يُصَلِّي بهم ما استُخْلِفَ عليه، ثم يقضي هذا بعده. ولو صَلَّى هذا بهم ركعة، وأشار إليهم حَتَّى قضى ركعة لأعاد هو، وأعادوا؛ لأنه زاد ركعة ليست عليه، ولو لم يصل بهم إلاَّ تمام الثلاث بركعته، وسلَّمَ , وانصرفوا لأعادوا هم، وسجد هو للسهو قبل السَّلام، وتُجْزِئُهُ؛ لأنه نقص أن يجلس بالقوم عند تمام صلاتهم، كذلك يقوم للقضاء، كأنه يظن أنه ليس عليه.
قال: وإذا أدرك من الظهر رَكْعَتَيْنِ، ثم ذكر الإمام سجدة، لا يدري من أي ركعة، وذكر المأموم سجدة من إحدى رَكْعَتَيْنِ، فليسجد مع الإمام سجدة، ويتبعه في ركعة يأتي بها بأم القرآن، ويسجد معه قبل السلام، ويقضي بعده رَكْعَتَيْنِ، ثم رجع محمد، فقال: يتبعه في سجده، وفي ركعته، وفي سجدتي سهوه، ثم يسلِّم بسلامه، ثم يبتدئ الصلاة؛ لأن الركعة التي أتى بها الإمام قد تكون ليست عليه. وإن كانت السجدة من الرابعة، وهذا هي عليه بيقين، والركعتين اللتين فاتتا لعلهما عله قضاء فذًّا، فلا يُجْزِئه أن يأتمَّ به فيهم.

في الإمام يدع سجدة، فيُسَبَّح به، فلا يرجع
أو يترك سُجُود السهو وفي رجوع الإمام في
شكِّه إلى يقين من خلفه، ورجوعهم إلى يقينه في
شكهم، وهل يُقبل قول من ليس معهم في صلاة
من المجموعة، قال سَحْنُون، في إمام صَلَّى ركعة، وسجد سجدة، وقام

(1/385)


ساهيًا فليُسبِّحوا به، ما لم يخافوا أن يعقد الركعة، فيقوموا حينئذ، فيصلوها معه. فتكون أولى صلاتهم، وتبطل الأولى، فإذا جلس فيها قاموا، فإذا صَلَّى الثالثة عنده، وقام فليقوموا، كإمام قام من اثنتين، فإذا صَلَّى بهم الرابعة عنده، وجلس فليقوموا، كإمام قعد في ثالثة، فإن استفاق الإمام قام فَصَلَّى بهم الركعة بأم القرآن، وسجد قبل السَّلام، وسلام الإمام ها هنا على السهو بمنزلة الحدث.
ومن الْعُتْبِيَّة، من سماع ابن القاسم: وإذا شكَّ الإمام فبنى على يقينه، فلم يرُدَّ عليه من خلفه، فلما سلَّم، فقالوا: قد تمَّتْ صلاتك. فلا سُجُود عليه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا عليهم. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وإن لم يوقنوا سجد بهم. قال: ولا يرجع إلاَّ إلى يقين من معه فِي الصَّلاَةِ إذا شكَّ.
ومن سماع أشهب: وإن قام من اثنتين فجبذوا ثوبه ليرجع فأبى، فلم يزالوا به حَتَّى جلس، فليسجدْ بعد السَّلام، وإن سجد قبل السَّلام أجزأه.
قيل: أبلغك أن ربيعة صَلَّى خلف إمام، فأطال التَّشَهُّد، فخاف ربيعة أن يُسلِّم قبل يسجد للسهو، فكلَّمه، فقال له: إنهما قبل السَّلام. قال: لا، ولو بلغني ما تحَدَّثتُ به أيتكلَّمُ فِي الصَّلاَةِ!
ومن سماع عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وإذا قام إمام إلى خامسة، أو جلس في ثالثة، فسُبِّح به، فلم يرجع إليهم، فكلَّمه أحدهم، أو سألهم الإمام، فذلك جائز، وليرجعْ فيما شكَّ فيه إليهم، ويجزئهم.
ومن الواضحة، وإذا سلَّم على يقين، ثم شكَّ، فله أن يبني على يقينه. وإن كان إمامًا، فسأل من خلفه، فأخبروه أنه لم يتمَّ، فقد أحسن، وليُتِمَّ ما بقيَ،

(1/386)


ويجزئهم. ولو شك قبل أن يسلم، لم يجز له أن يسأل أحدًا؛ إمامًا كان أو مأمومًا، فإن فعل استأنف ولم يبنِ. وإما من عرض له شكٌّ بعد أن سلَّمَ فليسألهم، وإذا شكَّ فِي الصَّلاَةِ فليبنِ على يقينه، إلاَّ أن يُسَبِّحوا به، فليرجع إلى يقينهم في شكِّه، ومن لم يبنِ على يقينه، وسألهم، أو سلَّم على شكِّه وسألهم، فقد أبطل صلاته، إمامًا كان أو مأمومًا. وقاله ابن القاسم وغيره.
قال أَصْبَغُ: ولو كان وحده، فسلِّم على يقينه، ثم شكَّ، فسأل من حوله، فقد أخطأ، بخلاف الإمام الذي يلزمه الرجوع إلى يقين من معه.
ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ نافع، عن مالك في الرجل في منزله، فلا يدري أصلى أم لا، فتقول له امرأته: قد صليتَ. أيصدقها؟ قال: ليس النساء سواء. قيل: هي ثقة. قال: هو لا يدري أصلى أم لا. وكذلك لو أخبره رجل أنه صَلَّى، لم يُجْزِئه ذلك، إلاَّ أن يكون هذا الشكُّ يعتريه غير مَرَّة، فأرجو أن يُجْزِئه.
وقال المغيرة، في من لم يدرِ أثلاثًا صَلَّى أم أربعًا، فسأل من بقرب منه، فأخبروه أنه أتمَّ أربعًا، فإن كان في مكتوبة، فَأَحَبُّ إِلَيَّ أن يُعِيد، وأما في النافلة فهو خفيف، ويسجد لسهوه.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، في إمام عليه سُجُود للسهو، فلم يسجد: فليسجدْ مَنْ خلفه. قال المغيرة: يُعْلمونه فيسجد بهم، فإن انصرف قبل ذلك سجدوا، كان قبل السَّلام أو بعده.

في الإمام يُصَلِّي خامسة، فيتبعه بعض من معه،
وكيف إن قال بعد أن سلَّمَ: ذكرتُ سجدة
من كتاب ابن الْمَوَّاز، وعن إمام صَلَّى خامسة، فاتبعه قوم عامدون، وقوم

(1/387)


ساهون، وجلس الباقون، فلم يتَّبعوه. قال: فصلاة العامدين فاسدة. وتتمُّ صلاة الساهين والجالسين، ولا تبطل صلاة الإمام إذا لم يجتمعْ كل من خلفه على خلافه، ولو اجتمعوا على خلافه، فخالفهم في شكِّه لأفسد صلاته، والسنة أن يرجع إلى يقينهم أجمعين في شكِّه، وإلاَّ أبطل على نفسه وعليهم ز ولو أنه لما سلم من الخامسة قال: إِنَّمَا كنتُ تركتُ سجدة من الأولى، فها هنا تبطل صلاة من لم يتبعه. يريد: إن لم يوقنوا بسلامتها. قال: وتصحُّ لمن اتبعه في العمد والسهو. قال سَحْنُون في المجموعة: صلاة الساهين تامة، وصلاة العامدين باطل، إن أيقنوا أنه لم يبقَ عليه شيء، إلاَّ أن يتأوَّلوا أن عليهم اتباع إمامهم، فأرجو أن يجزئهم، وأَحَبُّ إِلَيَّ أن يُعِيدُوا، وصلاة الجالسين تامة، إن أيقنوا أنه لم يبقَ عليه شيء. وإن قعدوا على شكٍّ فصلاتهم باطل.
ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، ولو صَلَّى الإمام خامسة سهوًا، فاتبعه من بقيتْ عليه ركعة فيها، وهو يعلم أنها خامسة، فقد أبطل صلاته، وإن لم يعلم، فليقض ركعة أخرى، ويسجد للسهو كما سجد إمامه. ولو قال الإمام: كنتُ أسقطتُ سجدة من الأولى. لأجزتُ هذه الخامسة من اتبعه فيها، مِمَّنْ فاتته ركعة، وتُجْزِئُ غيرهم مِمَّنْ خلفه، إلاَّ أن يقول كل من خلفه إنه لم يُسقط شيئًا. ولا يجزئ من اتبعه مِمَّنْ فاتته ركعة وهو لا يعلم، وليأت بها بعد سلامه، وتُجْزِئُهُ. ومن اتبعه، عالمًا بأنها خامسة مِمَّنْ فاتته ركعة، أو مِمَّنْ لم تَفُتْه، فقد بطلت صلاته، ويَنْبَغِي لمن علم مِمَّنْ فاتته ركعة ألا يتَّبعه فيها، ويقضي ركعة بعد سلامه. اجْتَمَعَ الإمام

(1/388)


وكل من خلفه على أنه قد أسقط سجدة من الأولى، أعاد هذا صلاته، ولو نسيها الإمام وحده دون من خلفه، أجزأت هذا صلاته إذا قضى الركعة التي بقيت عليه. ولو قال: أسقطت سجدة من الثانية أو الثالثة. والقوم معه وقد اتبعه هذا في الخامسة، فذلك جائز له، ولكن يقضي الأولى التي فاتته، سواء اتبعه ها هنا عالمًا بأنها خامسة أو غير عالم. أراه يريد: وليس بموقن بسلامة ما أدرك معه. قال: ولو جلس في الخامسة معه، ثم ذكر الإمام سجدة لا يدري من أي ركعة، فلا يسجد سجدة، لا هو ولا مَن شكّ بشكِّه، ولا مَن فاتته ركعة، وليسجد الإمام للسهو قبل السَّلام، إلاَّ أن يعلم أن السجدة من إحدى الركعتين الأخيرتين، فليسجد للسهو بعد السَّلام. وقد تقدَّم ذكر من صَلَّى خامسة، ثم ذكر سجدة والاختلاف فيها.
في سهو المأموم مع الإمام، أو فيما يقضي،
وكيف إن ظنَّ أنه سلَّم، فقام للقضاء، أو
انصرف، وذِكْرِ ما يحمله الإمام
من المجموعة، قال عليٌّ، عن مالك: وإذا قام المأموم من اثنتين، ثم جلس، فالإمام يحمل عنه ذلك، وكذلك لو تكلَّم سهوًا. قال أشهب: ما يلزمه سهو إمامه كذلك يحمل عنه الإمام. قال عنه عليٌّ: ولا يحمل عنه ركعة ولا سجدة. وإذا أتى بالركعة بعد سلام الإمام، فلا يسجد للسهو. قال عنه عليٌّ: ومن تكلَّم بعد سلام إمامه وقبل سلامه هو ساهيًا، فليسجدْ للسهو، وذلك عندي خفيف.

(1/389)


قال ابن القاسم، وعليٌّ، عن مالك: ولو سلَّم وانصرف، وهو يظنُّ أن الإمام سلَّم، ثم رجع قبل سلام إمامه، فلا سُجُود عليه إن لم يعلم حَتَّى سلَّمَ الإمام، فإنه يرجع فيجلس، ثم يُسَلِّم. قال عليٌّ، عن مالك: يُسَلِّم ويسجد لسهوه أَحَبُّ إِلَيَّ، فإن رجع بعد سلام إمامه فجلس وسلَّمَ، فليسجدْ للسهو أَحَبُّ إِلَيَّ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: بلغني عنه أنه قال: يسجد قبل السَّلام.
قال عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في الْعُتْبِيَّة: ومن أحرم معه في آخِر جلوسه، فسلَّم معه سهوًا، ثم علم فبنى، فليسجدْ بعد السَّلام.
ومن المجموعة، ومن ظن أن إمامه سلَّم، فقام فقضى ركعة بقيت عليه بسجدتيها، ثم سلَّم الإمام. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لا يُعْتَدُّ بها. قَالَ ابْنُ كنانة: ويسجد بعد السَّلام. وكذلك في المختصر عن مالك. وقال المغيرة، وعبد الملك: لا سُجُود عليه؛ لأنه في حُكْم إمامه. قال عبد الملك: ويقوم للقضاء بتكبير، وإن سَلَّم عليه وهو قائم فلا يُحْدث تكبيرًا، وليبتدئ القراءة، ولا سُجُود عليه للسهو؛ لأنه في حُكْم إمامه. قاله المغيرة وعبد الملك. ورَوَى ابن القاسم أنه يسجد قبل السَّلام. قال سَحْنُون وابن الْمَوَّاز مثله؛ لنقصه النهضة بعد سلام الإمام. وذكر ابن الْمَوَّاز أنه قول عبد الملك.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وكذلك إن سَلَّم عليه وهو راكع، فليرجعْ، وليبتدئ القراءة، ويسجد قبل السَّلام. وقال عبد الملك: يرفع رأسه بغير تكبير، ثم يقرأ، ولا سُجُود عليه للسهو. وقاله المغيرة وسَحْنُون، في كتاب ابنه. وتقدَّم في باب السهو عن الإِحْرَام ذِكْرُ ما يحمله الإمام وما لا يحمله مُسْتَوْعَبًا.

(1/390)


في الذي يفوته بعض صلاة إمامه يذكر سجدة
قبل يقضي أو بعد، وفي الإمام أو المستحلف
يذكر سجدة، أو يذكر ذلك الإمام لمن
استخلفه
من المجموعة قال سَحْنُون: ومن سبقه الإمام بركعة من صلاة الظهر، ثم ذكر سجدة وهو جالس في الرابعة، لا يدري من أي ركعة هي، فليخرّ بسجدة يتحرَّى أن تكون من هذه، ثم يأتي بعد سلام الإمام بركعتين بأم القرآن وسورة في كلتيهما ركعة القضاء، وركعة الاحتياط؛ لاحْتِمَال أن تكون السجدة من أَوَّل صلاته. قَالَ ابْنُ عبدوس: ويسجد بعد السَّلام، إذ لعل السجدة صادف بها مكانها، فزاد ركعة بعد الإمام. ولو ذكرها بعد سلام الإمام فلا يسجد، وليأت بركعتين، ولا يسجد للسهو، إذ لا يجده زاد بعد الإمام إلاَّ بسورة مع أم القرآن.
قال سَحْنُون: ولو ذكر سجدة قبل سلام الإمام، فتعمَّد ترك سجودها حَتَّى سلَّم الإمام، فسدت صلاته. وكذلك إن ذكرها في موضع يمكنه فيه إصلاحها، فلم يفعلْ حَتَّى فات ذلك.
قال عبد الملك وسَحْنُون: وإذا قضى ركعته الفائتة، ثم ذكر سجدة، ولا يدري منها أو مما ترك، فليخرَّ بسجدة، ويَتَشَهَّد، ثم يأتي بركعة بأم القرآن وسورة، ويسجد بعد السَّلام، إذْ لعله صادف بالسجدة موضعها، وزاد هذه الركعة.
وإن أدرك معه ركعة، ثم صَلَّى بعده ركعة، ثم ذكر في تَشَهُّدها سجدة، لا يدري من أيهما فليسجد ويتشهدْ، ويأتي بركعة بأم القرآن وسورة، ويجلس ويَتَشَهَّد؛ لأنها ثانية على اليقين، ثم يبني ويسجد بعد السَّلام.
وإن أدرك رابعة الإمام، فاستخلفه فيها، فصلاها، ثم قضى ركعة، ثم ذكر سجدة من إحدى الركعتين، فعل ما ذَكَرْنَا، ولا يتبعونه، وإن هم شكُّوا في تمام

(1/391)


التي صَلَّى بهم، لم يتبعوه؛ لأنه حال دونها بركعة، وليأتوا بعد سلامه بركعة, ويسجدوا بعد السَّلام؛ لاحْتِمَال أن تكون السجدة التي صَلَّى بهم، وصارت التي صَلَّى وحده هي التي استُخْلِفَ عليها، والناقصة زيادة يسجد لها، ويسجدون بعد تمام صلاتهم اتباعًا له؛ لأنها سها وهم في إمامته، وإِنَّمَا لا يسجدون فيما يسهون فيه في القضاء. وإن سَلِمَتِ التي صَلَّى بهم، صارت التي صلوا بعده زيادة، فيسجدون، لأحد هذين الوجهين.
قَالَ ابْنُ عبدوس: وإِنَّمَا يسجد بعد السَّلام وإن احتمل أن يكون قام في الرابعة؛ لأنه يرجع إلى الجلوس في الخامسة، فيعتدُّ به، ويبقى ما بين ذلك سهوًا؛ لأنه من جلس في الأولى لا يقال له نقص الْقِيَام؛ لأنه عاد إليه.
قال سَحْنُون: وإذا استُخْلِف على رَكْعَتَيْنِ، فصلاهما، وقضى ركعة، ثم ذكر سجدة، ولا يدري من هذه أو مما صَلَّى بهم، فليسجدْ في هذه سجدة، ويتشهَّد، فتصير ثانية على اليقين مما استُخْلِفَ عليه، ثم يأتي بركعتين قضاءً بأم القرآن وسورة في كل ركعة. وقَالَ ابْنُ سَحْنُون ذلك في الأولى، وأما في الثانية فبأمِّ القرآن ويسجد بعد السَّلام، فإن أيقن من خلفه بتمام ما صَلَّى بهم قعدوا، ولم يُصَلُّوا معه شيئًا، ثم يُسَلِّمون بسلامه، ولا يسجدون معه؛ لأن سهوه في القضاء وإن كان سهوًا لسهوه، فليأتوا بعده بركعة بأم القرآن، لاحْتِمَال أن تكون السجدة من إحدى اللتين صَلَّى بهم، ويسجدون بعد السَّلام، كانوا على شكٍّ أو أيقنوا أنه ترك منها سجدة.
قَالَ ابْنُ سَحْنُون، عن أبيه: ومن دخل مع إمام في الرابعة، فأحدث الإمام، فقدَّمه، وقال له: بقيتْ عليَّ أمُّ القرآن من الأولى وسجدة من الثانية والرُّكُوع من الثالثة، فليخرَّ هذا بسجدة، ويَتَشَهَّدْ، فتصحُّ ركعتان، ثم يقوم فيأتي

(1/392)


بركعتين بأم القرآن في كل ركعة، ويسجد قبل السَّلام. ويعيدون الصلاة، لكثرة السهو. قال أبو محمد: إِنَّمَا هذا على قول من رأى أن يؤتمَّ به في السجدة النافلة، وأكثر أقاويلهم أن يستخلف هذا من يسجدها بهم، مِمَّنْ أدرك الصلاة من أولها.
قال سَحْنُون: وإن أدرك أربعة الإمام ثم قضى ما فاته، ثم ذكر سجدة لا يدري من أي ركعة، فليسجدها ويَتَشَهَّد، ثم يأتي بركعة بأم القرآن ويسجد قبل السَّلام؛ إذ لعل السجدة من التي أدرك، فتصير التي قضى أَوَّلاً أَوَّل صلاته، وقد جلس فيها، والتي تليها ثانية وقد قام فيها. ولو كان إِنَّمَا قضى رَكْعَتَيْنِ فاتتاه، لكان يقرأ في التي يأتي بها أم القرآن وسورة، ويسجد قبل السَّلام؛ لاحْتِمَال أن تكون مما أدرك، فتصير التي قضى أَوَّلاً ثانية وقد قام فيها.

في مَنْ فاته بعض الصلاة فقضاه، أو استخلف
عليه فصلاه، ثم ذكر الأول سجدة
من المجموعة، و (الْعُتْبِيَّة)، قال سَحْنُون: وإذا أحرم رجل خلف الإمام، ثم استخلفه على رَكْعَتَيْنِ بقيتا من الظهر، فصلاهما، ثم أتى الأول فذكر سجدة من إحدى الأوليين، فليقم المستخلف بالقوم إن كانوا على شك منها، فيصلي بهم ركعة بأم القرآن فقط؛ لأنه بان، ثم يجلسون، ويأتي هو

(1/393)


بركعة قضاء بأم القرآن وسورة، ويسجد قبل السلام، ويسجدون معه. وقد قيل: يسجد بهم قبل ركعة القضاء. وإِنَّمَا قبل السَّلام؛ لأنه كأنه استخلف على ثلاثة، فأولهن ثانية له، وقد قام فيها وقرأ بأم القرآن.
قَالَ ابْنُ عبدوس: وإن كان القوم يوقنون بالسلامة، قعدوا ولم يتبعوه.
قال سَحْنُون، في (المجموعة): ولو كان الأول شاكا في السجدة، ليقرأ هذا في الركعة التي يحتاط بها بأم القرآن وسورة؛ لاحْتِمَال أن يكون الأول لم يبق عليه شيء فتصير هذه ركعة قضاء، وكذلك الثانية، ثم يَتَشَهَّد في الأولى منهما لاحْتِمَال أن تكون ركعة بناء، والرابعة للأولى، ويصلونها معه إن كانوا على شك، ويسجدون قبل السلام. وإن لم يرجع إليه الأول، حَتَّى قضى الركعتين اللتين فاتتاه، ثم أتاه، فقال له: بقيت على سجدة. فصلاة هذا المستخلف تامة؛ لأنه صَلَّى بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، وقضى لنفسه رَكْعَتَيْنِ، ولكن يسجد للسهو قبل السَّلام؛ لأنه قام في موضع جلوس، وترك السورة مع أم القرآن في ركعة، ويسجد معه القوم، ثم إن كانوا في شك أتوا بركعة بعد سلامه، بأم القرآن فقط، وسلموا، ثم سجدوا للسهو معه، خوفا أن لا يكون بقي عليهم شيء، فتصير هذه الركعة زائدة، وإن أيقنوا أن السجدة باقية على الأول، لم يسجدوا للسهو بعد ركعتهم هذه، وإن أيقنوا أنه لم يبق عليهم شيء سلموا بسلام الإمام. قال: ولو ضلى معه رَكْعَتَيْنِ، ثم استخلفه على رَكْعَتَيْنِ، فصلاهما بالقوم، ثم ذكر الأول سجدة، فإن شك المستخلف فيها، فأم بالقوم إن شكوا، فَصَلَّى بهم ركعة بأم القرآن، وسجد بهم قبل السَّلام، فإن هم

(1/394)


أيقنوا أنهم لم يبق عليهم شيء، فصلاتهم تامة، ولا شيء عليهم. ولو أن الأول لما ذكر سجدة، ذكر الثاني مما صَلَّى بعده سجدة لا يدري من أي ركعة، فليخر بسجدة، ويَتَشَهَّد، ثم يأتي بركعتين بأم القرآن في كل ركعة، ويسجد لسهوه قبل السَّلام؛ لأن فيها نقصا وزيادة، ويُعِيد الصلاة، لكثرة السهو. وكذلك قال في مَنْ صَلَّى الظهر، فذكر فِي التَّشَهُّدِ الآخر سجدتين، لا يدري من ركعة أو من رَكْعَتَيْنِ، فإنه يسجد سجدتين، ويَتَشَهَّد، ثم يأتي بركعتين بأم القرآن في كل ركعة، ويسجد قبل السَّلام، ويُعِيد الصلاة احتياطا.
ومن (كتاب ابن المواز)، ومن فاتته ركعة مع الإمام، فقضاها بعد سلامه، ثم رجع الإمام فقال له: أسقطت سجدة من الأولى. وإن قضى هذا ركعته ورفع منها رأسه بمقدار لو رجع إمامه كان له البناء لقربه، ولم يكن أيضًا من الإمام تعمد بكلام أو سلام، فركعة هذا باطل، فليعدها، إن لم يرجع الإمام فيبني معه. ولو كان استخلفه، فأتم بهم، ثم قضى ركعة، فإنه يعتد بها، وكأنه استخلفه عليها، ركعها ببعد أو بقرب، ويسجد قبل السَّلام، ويسجدون معه، ثم يقضي الإمام الأول، بعد سلام المستخلف ركعة وحده، ويصليها الناس أفذاذا قبل أن يسلموا، وهم فيها كركعة غفلوا عنها حَتَّى سلم إمامهم، ويصير المستخلف كأنه لم يفته شيء. ولو علموا ذلك قبل أن يركعها، وصلوها معه، لأجزأتهم. وكذلك الإمام الأول، لو أدركه فيها لاتبعه، وإذا لم يكن مستخلفا، وقضى ركعته، فركعها، ورفع منها بعد طول قيام لا يبني الإمام في مثله، فهي له مجزئة، إلاَّ أنه يسجد قبل السلام، وكأنه نقص فيها القراءة، إذ لو أتى الأول كان له أن يبني فصارت قراءته لا يعتد بها حين وقعت في موضع للأول أن يبني فيه

(1/395)


لو أتى، ولو ركع قبل طول ذلك، لم يُجْزِئه، وصار كمن ظن أن إمامه سلم فقام يقضي فسلم عليه الإمام وهو قائم، فيلغي ما عمل. وأَحَبُّ إِلَيَّ أن يسجد قبل السَّلام؛ لأنه كان عليه أن يقوم بعد سَّلام الإمام، فترك ذلك، وقام في صلاة الإمام. ولو كانت الصُّبْح قد فاتته منها ركعة، فقضاها، ثم ذكر الإمام سجدة، فإن قضاها في وقت للإمام فيه البناء لم يعتد بها، وإن لم يفرغ منها حَتَّى فات البناء، أعاد هذا صلاته. يريد محمد: ويصير كمن ترك القراءة في ركعة من الصُّبْح. على ما بينا في التي قبلها. قال وكذلك لو أحرم معه في تَشَهُّد الرابعة، فلما قضى هذا ركعة، ركع الأول، فذكر سجدة من الأولى، فإن رجع بالقرب في مثل ما يجوز له البناء، بطلت، ويُصَلِّي بالقوم ركعة بأم القرآن، ويقضي لنفسه ثلاث ركعات، ويسجد بمن خلفه قبل السلام، وإن رجع عن بعد لا يبني فيه، وذلك قبل أن يركع هذا، فليبن هذا على ركعته، ويسجد قبل السَّلام، لما قرأ في وقت يجوز للأول فيه البناء، فلا يحسب له تلك القراءة.
ومن أحرم في ثالثة الإمام، فاستخلفه، فَصَلَّى الركعتين، وجلس، ثم جاء الأول، فذكر سجدة من الأوليين، وأسقطها من كان خلفه، فليقم المستخلف، فيصلي بهم ركعة، بناء بأم القرآن، ويسجد قبل السلام، ويشير إليهم حَتَّى يأتي بركعة بأم القرآن وسورة، ويسلم ويسلمون معه. ولو أن الأول أسقط سجدة من كل ركعة من الأوليين، وأسقطها القوم، لصلى هذا بهم رَكْعَتَيْنِ بأم القرآن في كل

(1/396)


ركعة، ويسجد قبل السلام. ولو لم يرجع الأول إليه حَتَّى صَلَّى هذا ركعتي القضاء لنفسه، فذكر سجدة من الأولى، فليسجدها بهم للسهو قبل السَّلام، ويسلم، ثم يأتوا بركعة بأم القرآن فقط. ولو أعلمه بذلك بعد أن صَلَّى هذا ركعة لنفسه من القضاء، وشك القوم وهو قائم في الرابعة، فليجلس فيتشهد، ثم يسجد للسهو قبل السلام. يريد: كما كان يعمل الأول. قال: ثم يشير إليهم حَتَّى يأتي بركعة قضاء، ثم يأتون بعد سلامه بركعة بناء. ولو كان إِنَّمَا قال له: بقيت على من كل ركعة من الأوليين سجدة، فليقوموا معه في الرابعة إن شكوا، فيصليها بهم ركعة بناء بأم القرآن، ويسجد بهم قبل السلام، ثم يأتون بعده بركعة بناء أيضا. ولو كان إِنَّمَا قال له: بَقِيَ سجدتان، لا أدري من ركعة أو من ركعتين. فلا يقومون في هذه الرابعة مع المستخلف. يريد محمد: لاحْتِمَال أن تكون السجدتان من ركعة فيصير في الرابعة قاضيا، لا يؤتم به فيها. قال: ولا يرجع هو إلى الجلوس، فإذا أتمها سجد بهم قبل السلام، ثم أتوا بركعة بعد سلامه، وسلموا، ثم يسألون الأول، فإن تذكر أنها من ركعة أجزأتهم الصلاة، وإن كانتا من رَكْعَتَيْنِ، أعادوا؛ لتركهم اتباع المستخلف فيما عليهم اتباعه فيه. ولو لم يرجع الأول حَتَّى جلس هذا في الرابعة، فليسجد بهم قبل السَّلام، ثم يأتون بعده بركعتين بأم القرآن في كل ركعة، ثم يسلمون، وتجزئهم. ولو رجع إليه بعد أن صَلَّى الركعتين بهم، وقبل أن يقضي لنفسه، فذكر سجدتين، لا يدري

(1/397)


من ركعة أو من رَكْعَتَيْنِ، فَلْيُصَلِّ بالقوم ركعة أخرى، ويجلسون ويتشهدون، ويقوم هذا المستخلف ولا يجلس، ولا يَتَشَهَّد، حَتَّى يأتي بالرابعة، ثم يتشهد، ويسجد بهم للسهو قبل السَّلام، ثم يسلمون، فإن أثبتوا أنهما من ركعة، سلموا، وأجزأتهم، وإن شكوا، صلوا ركعة أفذاذا بأم القرآن، وأعادوا الصلاة، لتركهم اتباع المستخلف في الرابعة، وقد يكون عليهم اتباعه. ولو أنهم اتبعوه فيها، وسلموا بسلامه، وأعادوا الصلاة لما لعلهم ائتموا به فيما يلزمهم أفذاذا، كان أَحَبُّ إِلَيَّ. ولو كان رجوعه بعد أن صَلَّى ركعة، وقام فذكر له سجدة من إحدى ركعتيه، فقد صارت هذه الثالثة ثانية، فقام فيها ولم يجلس، فيأت بهم بركعتين، بناء، ثم يَتَشَهَّد، ثم يسجد بهم قبل السَّلام، ثم يأتي بركعة قضاء بأم القرآن وسورة، ثم يسلم بهم. ولو قال له هذا القول حين قدمه، يسجد بهم سجدة، ثم بنى على ركعة، فيصلي بهم ثلاثا، الأولى بأم القرآن وسورة، ويجلس، ثم رَكْعَتَيْنِ بأم القرآن فقط. ويجلس، ويَتَشَهَّد بهم، ثم يثبتون، ويقضي لنفسه ركعة بأم القرآن وسورة. يريد محمد: ويسجد بعد السَّلام. قال: ثم يُعِيد من خلفه، لاحْتِمَال أن يكون قد أصاب بالسجدة موضعها، فيصير مستخلفا على اثنتين، وتصير الثالثة مما عليه أن يأتي بها فذا، فلما صلوها معه، أبطلوا صلاتهم، وكذلك لو قعدوا عن اتباعه فيها، لأمرتهم بالإعادة، لاحْتِمَال أن يكون عليهم اتباعه فيها، وأَحَبُّ إِلَيَّ لو قدم غيره من القوم، ويدع هذا الصلاة بهم.

(1/398)


في من أدرك ركعة من الجمعة، ثم ذكر بعد
القضاء أو قبله سجدة، أو بعد أن صلاها
مستخلفا، أو ذكرها الإمام الأول
من (كتاب ابن المواز)، ومن أدرك ركعة من الجمعة، فذكر بعد السَّلام الإمام سجدة فيها اضطراب، فاختار أصبغ أن يسجد، ثم يقوم فيأتي بركعة، ويسجد بعد السَّلام، ثم يُعِيد ظُهْرًا. وهذا أحسن. وقال أشهب: يسجد، ويأتي بركعة، وتُجْزِئُهُ الجمعة، ولا يُعِيد. والحجة له قول النبي صَلَّى الله عليه وسلم: من أدرك الركعة، فقد أدرك السجدة. وقَالَ ابْنُ القاسم: ما لم تتم له ركعة بإمام لم تُجْزِئُهُ الجمعة، ولكن يسجد، وبيني عليها ثلاث ركعات، فتصير ظهرا. وذكر عنه عيسى، في (العتبية)، أنه يلغي ما أدرك، ويُصَلِّي على إحرامه ظُهْرًا أربعا، وإن ذكرها بعد أن ركع الركعة الأخرى، بنى عليها ثلاثا، فتصير ظُهْرًا. وقد قال أيضًا: إن ذكر قبل أن يركع، سجد، وبنى على ركعته، وتُجْزِئُهُ في الجمعة وغيرها. وقال أيضًا ابن القاسم: إن ذكر سجدة بعد أن قضى الركعة التي بقيت عليه ولا يدري من أي ركعة هي، فليسجد سجدة، ويَتَشَهَّد، ثم يأتي بركعة، ويسلم، ويسجد بعد السَّلام، ويعيدها، ظُهْرًا، وقال عيسى: يخر بسجدة، ويَتَشَهَّد، ويسلم، ولا يأتي بركعة، ويسجد بعد السلام، ويعيدها

(1/399)


ظهرًا. وهذا قول عبد الملك، وابن عبد الحكم، واختيار ابن الْمَوَّاز، قال: لأنه إِنَّمَا يسجد سجدة في هذه يتعرَّضُ أن يُصادفها، فتجزئه جمعة، فإذا كانت من الأول لم تكن له جمعة، فلا وجه للركعة. وقاله أشهب، في المجموعة، قال: ولا يقال له: ائت بركعة؛ لأنه إذا بَطَلَتِ التي أدرك، خرج مِنْ أَن تكون له جمعة، وصار عليه ظهرٌ يبتدئها، وليس الإتيان في هذه بركعته من صلاح فرضه، فخالفت غيرها. والذي حكى ابن الْمَوَّاز عن أشهب، أنه بركعة، ولا يسجد السجدة، ويُسَلِّم ويسجد لسهوه. كأنه في هذا القول يتعرَّض أن تتمَّ له ركعتان تَنَفُّلاً إن لم تصحَّ له جمعة.
ومن أحرم خلف الإمام في الثانية من الجمعة، ثم استخلفه، فصلاها بهم، ثم قضى ما فاته، وسَلَّمَ، ثم ذكر سجدة مكانه من التي أحرم فيها مع الإمام، فلا جمعة له أسقطها القوم معه أو سجدوها، فإن أسقطوها فيسجدوا هم الآن سجدة ويتشهدوا، ويأتي هو بركعة، ولا يتَّبعوه فيها، ويُسَلِّمُ بهم ثم يسجد بهم للسهو ويُعِيد هو ظهرًا؛ لأنه صَلَّى الجمعة وحده لمَّا بطلت التي دخل فيها مع الإمام، ألا تَرَى لو نفر الناس عنه فيها لم تُجْزِئُهُ جمعة، إذ لم يعقدْ ركعة مع الناس، ويَنْبَغِي له أن يُصَلِّي ثلاث ركعات أَخَّرَ، وتُجْزِئُهُ ظهرًان ويُقَدِّم القوم من يسجد بهم السجدة، ويَتَشَهَّد ويُسَلِّم، وتجزئهم الجمعة. وهذا مثل الذي لم يُقَدِّمه الإمام سواء. وكذلك لو قال المستخلف: لا أدري السجدة من التي صَلَّيتُ بالقوم أو من التي قضيتُ لنفسي. فالجواب في ذلك سواء، وهي كالمسألة المتقدِّمة في الذي ذكر سجدة

(1/400)


ولم يستخلف. وقول عبد الملك فيها أَحَبُّ إِلَيَّ. وأما لقوم فإن لم يشُكُّوا لم يسجدوا، وإن شكُّوا سجدوا، وإن قدَّموا من يسجد بهم كان أَحَبُّ إِلَيَّ أن يسجد بعد السَّلام.
وقال سَحْنُون في المجموعة في الذي دخل في الثانية من الجمعة، واستُخْلِف فصلاها بهم، وقضى ركعة، ثم ذكر سجدة لا يدري من أي ركعة هي: إنه يسجد سجدة، ثم يتشهَّد، ثم يأتي بركعة يجهر فيها بقراءته، ويسجد بعد السَّلام، وتُجْزِئُهُ الجمعة، فإن كانت من التي صَلَّى بهم، بطلتْ، وتصير ركعة القضاء هي التي استُخْلِف عليها، وإن كانت من القضاء، فالتي احتاط بها زيادة، فإن عَلِمَ القوم سلامة التي صَلَّى بهم، لم يضرُّهم، وتمَّتْ لهم الجمعة، ولا يسجدون للسهو؛ لأن سهوه في القضاء وقع، وإن علموا أنها من التي صَلَّى بهم، جلسوا، ولم يتَّبِعوه؛ لأنه قد حال دونها ركعة، فإذا فرغ أتوا بركعة جَهْرًا، وسجدوا بعد السَّلام.
ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، ولو أن هذا المستخلف في الثانية صلاها بهم، وقضى ما فاته، ثم ذكر سجدة من التي صَلَّى بهم، ثم رجع الأول، فذكر سجدة من الأولى، فإنه لا يصحُّ لهم ولا للمستخلف جمعة؛ لأن الأولى بطلتْ، والثالثة التي صَلَّى بهم المستخلف حال دونها بركعة القضاء، فكانه لم يُصَلِّ بهم الكعة. ولو أدرك القوم قبل أن يركع ركعة القضاء، وقبل أن يرفع رأسه منها، رأيت أن يسجد بهم سجدة ثم يركع بهم أخرى، فتتمُّ له ولهم الجمعة. ولو أتى الأول بعد

(1/401)


قضاء هذا، فذكر سجدة من الأولى، وذكرها القوم، ولم يَبْقَ على هذا شيء فيما صَلَّى، فليُسلِّمْ هذا ويسجدْ بعد السَّلام، وتتمُّ له جمعة، ويأتي القوم بعده بركعة أفذاذًا، ويسجدون بعد السلام، وتصحُّ لهم الجمعة. فأما لو ترك سجدة من التي صَلَّى بهم، ثم قضى ركعة، ثم ذكروا من الأولى سجدة، لم يجزئهم أن يقدِّموا من يسجد بهم تمام ركعتهم التي صَلَّى هذا بهم؛ لأنه كان عليهم اتِّباعه في ركعة القضاء، ثم يقضون الأولى أفذاذًا. قلتُ: وكيف العمل إذا كان لا جمعة لهم ولا لهذا، إذا سقط من ركعتيهم سجدة؟ قال: يسجدون سجدة في ركعة المستخلف، ويأتون بركعة أخرى ويسَلِّمون، ويسجدون للسهو، وكذلك المستخلف يُتِمُّ رَكْعَتَيْنِ، ويسجد للسهو، وتكون لهم أجمع نافلة، ويعيدون الجمعة، وتجزئهم الخطبة الأولى إلاَّ أن يبعدَ، فيعيدها.
ومن أدرك ركعة من الجمعة، ثم قضى الركعة التي فاتته، ثم سجدة من التي أدرك، فلْيَبْنِ عليها ثلاث ركعات ظهرًا، وتُجْزِئُهُ، وبخلاف سفريٍّ أدرك ركعة مع حَضَريٍّ، ثم قضى ركعة، ثم ذكر سجدة من التي أدرك، فهذا يُتِمُّ رَكْعَتَيْنِ، ويقطع بسلام، ثم يبتدئ صلاة سفر؛ لأنه سقطت عنه صَلاة الحَضَر، فلا يبني على شيء أحرم على خلافه، والجمعة والظهر صلاة حَضَرٍ، تنوب هذه عن هذه، كما قال مالك في الداخل يوم الخميس يظنُّه الجمعة، إنه يُجْزِئه. ولو صَلَّى يوم الجمعة يظنُّه الخميس لم يُجْزِئه. ولا يبني ههنا على إحرامه.
وقال أَصْبَغُ في الذي ذكر سجدة من التي أدرك يوم الجمعة بعد أن قضى ركعة، قال: فليأْتِ بركعة أخرى، ثم يُعِيد ظهرًا. ولا يُعْجِبُنا قول أصبغ هذا.

(1/402)


في الإمام في صلاة الخوف يذكر سجدة
من المجموعة ومن كتاب ابن سَحْنُون ونحوه في الْعُتْبِيَّة، قال سَحْنُون: وإذا صَلَّى الإمام في صلاة الخوف بالطائفة الأولى ركعة، وثبت قائمًا حَتَّى صَلَّوا الثانية، ثم ذكر هو سجدة، فليخرَّ ساجدًا، فإن أيقن القوم بسلامتها سلَّموا وانصرفوا، وإن سكُّوا سجدوا معه وأعادوا في الثانية، كمن قضى ما فاته قبل سلام إمامه، وإن كان إِنَّمَا ذكرها بعد أن صَلَّى بالطائفة الثانية الركعة الثانية، ولا يدري من أي ركعة هي، فليسجد ويتشهد، ويسجدون معه في شكِّهم ويتشهدون، ثم يقوم بهم، فليثبُتْ قائمًا، ويقضون هم الركعة التي بقيت عليهم. قال في الْعُتْبِيَّة: وُحْدَانًا، ويُسَلِّمون ويسجدون بعد السَّلام، ويصيرون كالطائفة الأُولى؛ لاحْتِمَال أن تكون السجدة من الأولى. قَالَ ابْنُ عبدوس، ويحتمل أن تكون من الثانية، فيكون هؤلاء طائفة ثانية في حال، وقد سلَّموا قبل إمامهم، فأُحِبُّ لهم أن يُعِيدُوا. ولم يذكر ابن سَحْنُون عن أبيه إعادة في هذا، ولا ذكرها أيضًا العتبي عن سَحْنُون. قال: إلاَّ أن يُوقِنوا أن التي صَلَّى بهم سالمة، فيصيروا طائفة أُولى في الحقيقة، ولا يسجدوا معه سجدة التَّحَرِّي، ويُصَلُّوا كما ذكرنا، ويذهبوا إلى العدوِّ، فإن كان الأوَّلون على شَكٍّ، أتوْا فَصَلَّى بهم الإمام الركعة التي يحتاط بها، ويقضون ركعة بعد سلامه، وبعد أن يسجد هو

(1/403)


بعد السَّلام، ثم يسجدون بعد السَّلام إذا فرغوا، ولا يجوز لغيرهم أن يأْتَمَّ به في هذه الركعة؛ لأنها قد لا تكون تجب عليه، فأما هو والأولون، فقد صحَّتْ لهم إحدى الصلاتين.
ولو صَلَّى بالأولى في المغرب رَكْعَتَيْنِ، ثم ذكر في التشهُّد سجدة، لا يدري من أيِّ ركعة، فليسجُدْ بهم سجدة، ويتشهَّدْ، ثم يقوم فيأتي بركعة بأمِّ القرآن وسورة، ويتشهَّدُ فيها، ثم يقوم، فيأتون بركعة دونه بأم القرآن، ويسجدون بعد السَّلام، ثم تأتي الطائفة الثانية، فيُصَلّون معه الركعة الباقية، ويقضون رَكْعَتَيْنِ بأمِّ القرآن وسورة فيهما، ثم يُعيدون، خوفًا أن تكون التي صَلَّى بهم ليست عليه، إن كانت السجدة من الثانية، ولكن يتعرَّضون معه فضل الجمعة؛ لما عسى أن تكون من الأُولى. وقَالَ ابْنُ عبدوس: وتُعِيدُ الطائفة الأولى؛ لاحْتِمَال أن يكون صادف بالسجدة موضعها، وصَلَّى بهم الثلاث ركعات، فخرجوا من سُنَّة صلاة الخوف. ولم يذكر ابنُ سَحْنُون إعادة إلاَّ في الطائفة الثانية.
ولو أيقنوا بسلامة الركعتين لم يتَّبعوه في السجدة، ولا في الركعة، ويقال لهم: إذا قام الإمام فأتِمُّوا صلاتكم واسجدوا بعد السَّلام.
وإن شكَّ في اسجدة بعد ذهاب الطائفة الأولى عنه، فليسجدْ ويسجدْ معه الطائفة الثانية، ويتشهَّدْ، ثم يُصَلِّي بهم ركعة ويتشهَّدُ، ثم يقضون رَكْعَتَيْنِ بأم القرآن وسورة فيهما، ويسجدون للسهو بعد السَّلام، ويعيدون الصلاة؛ لاحْتِمَال أن يكونوا طائفة ثانية سلَّموا قبل إمامهم ثم مضوا. ولم يذكر ابن سَحْنُون إعادتهم، وقال: يقرأ في الركعتين؛ في الأولى بأم القرآن وسورة، وفي الأخرى بأم القرآن. قالا عنه: ثم يأتي الأوَّلون إن أيقَنُوا ببقاء السجدة، أو شكُّوا، فيُصَلّون معه ركعة

(1/404)


الاحتياط، وهي رابعة على الشكِّ، ويعيدون الصلاة احتياطًا. وقد تكون السجدة من الثانية، فتبطُلُ صلاتهم الأولى دونه، وتصير هذه الركعة نافلة له ائتمُّوا به فيها، إلاَّ أن يُوقنوا أن السجدة من الركعة لأولى، فتكون هذه الصلاة الثانية فرضهم، وتجزئهم. ولو أنه لمَّا صَلَّى بالثانية بقية الصلاة، شكَّ في سجدة من أحد الثلاث ركعات، فليسجدْ، ويسجدوا معه إن شكُّوا، وإلاَّ لم يسجدوا، فإذا قام الإمام يأتي بركعة الاحتياط صَلَّوا هم رَكْعَتَيْنِ والإمام قائمٌ. قال عنه ابنه: بأم القرآن وسورة في كل ركعة. قالا عنه: ويسجدون قبل السَّلام. قَالَ ابْنُ عبدوس: ويعيدون الصلاة؛ لأنهم قد فرغوا قبل إمامهم، فقد يكونون طائفة ثانية في الحقيقة. ولم يذكر عنه ابنه إعادة. قالا: ويأتي الأولون إن شكُّوا فليُصلُّوا معه ركعة الاحتياط، ثم يقضوا رَكْعَتَيْنِ بأم القرآن وسورة فيهما، ثم يسجد الإمام للسهو قبل السَّلام، ويسجدوا معه، ويُسَلِّم بهم، وينصرفوا، على حديث ابن رومان، فأما على حديث ابن القاسم: يسجد بهم قبل السَّلام ثم يسلِّم، ثم يقضون بعد سلامه. وإِنَّمَا يسجد قبل السَّلام إذ قد تكون السجدة من إحدى الأوليين، فتصير الثالثة ثانية ولم يقرأ فيها إلاَّ بأم القرآن، وأسَرَّ فيها، ولا تعيد هذه الطائفة الأولى، بخلاف المسألة الأولى. وإن كانت قد تكون له نافلة؛ لأنها لا تكون نافلة إلاَّ وقد صحَّتْ صلاتهم الأولى، وإن كانت لازمة بطلت الأولى، وكانت هذه فريضتهم، وفي المسألة الأولى احتمال بطلان الصلاتين. وإن أيقنوا بسلامة الركعتين الأوليين، لم يرجعوا إلى الإمام، وصلاتهم تامَّةٌ.

في مَنْ فاته بعض الصلاة وعلى الإمام سهو،
وكيف إن سها فيما يقضي، أو فيما استُخْلِف عليه
من الْعُتْبِيَّة رَوَى عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: من أدرك بعض صلاة

(1/405)


الإمام وعلى الإمام سجدتا السهو قبل السَّلام، فيسجد معه، ثم سها فيما يقضي فليسجدْ، كان قبل السَّلام أو بعد السَّلام. وإن كان سهو الإمام بعد السَّلام، فلم يسجدْ معه، ثم سها فيما يقضي نقصانًا، فليسجد قبل السَّلام، وتُجْزِئُهُ عن السهوين. ولو كان زيادة أجزأه عنهما سجدتان بعد السلامز وكذلك رَوَى سَحْنُون، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وقاله أشهب في المجموعة. وقَالَ ابْنُ المَاجِشُون، في الواضحة: بل يسجد بعد السَّلام، كما كان يسجد الإمام، كان سهوه هذا فيما يقضي نقصانًا أو زيادة، فإنه يُجْزِئه ذلك عنهما.
قال عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: ولو جهل فسجد معه قبل القضاء سُجُوده بعد السَّلام، ثم قام فقضى فَلْيُعِدْهما بعد السَّلام أَحَبُّ إِلَيَّ، ويُعِيدهما متى ما ذكر. قال عيسى: جاهلاً كان أو عالمًا. وقاله أشهب في المجموعة، إلاَّ أنه أوجب عليه أن يعيدَهما، ولم يذكرْ في سؤاله: (فَجَهِلَ).
وقَالَ ابْنُ المَاجِشُون في الواضحة: ولا يقوم للقضاء حَتَّى يسجد إمامه ما كان من سهو بعد السَّلام، فإن قام، فليرجعْ حَتَّى يُتِمَّ الإمام سُجُوده.
ومن سماع ابن سَحْنُون من ابن القاسم: ومن أدرك ركعة من صلاة الإمام، فعليه ما على الإمام من سُجُود السهو، ممَّا سها فيه قبله أو معه، زيادة أو نقصانًا، ويسجد معه ما كان قبل السلامن قبل القضاء، ويسجد ما كان بعد السَّلام بعد القضاء، ويقوم للقضاء بعد أن يسجدَ الإمام ما بعد السَّلام أَحَبُّ إِلَيَّ. واختَلف فيه قول مالك.
ولو أحدث الإمام، فقدَّمه، فإن كان سهوُ الإمام نقصانًا، فليسجدْ بهم بعد تمام صلاة الأول، ثم يقضي لنفسه، ويجلس مَنْ خلفه، فإن دخل عليه سهوٌ،

(1/406)


يسجد له قبل السَّلام أو بعده سجدة، ولا يسجدوا معه، لا قبلُ ولا بعدُ؛ لأن صلاتهم تمَّتْ قبل سهوه. ولو كان سهوه فيما استُخْلِف عليه، فليسجدْ سُجُود سهو الإمام الأول قبل السَّلام، فيجزئه عن هذا وذلك، كان هذا نُقصانًا أو زيادة. وإن كان سهوُ الأول زيادة، فلا يسجدْ لذلك إلاَّ بعد سلامه، فإن سها هو أيضًا، فلا يبالي بها فيما استُخلف عليه، وفيما يقضي، كان سهوه زيادة أو نقصانًا، فإنما يسجد بعد السَّلام سُجُود الإمام، ويسجدون معه، فيجزئه لذلك كله. وذكر هذه المسألة في المجموعة، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، إلاَّ أنه لم يذكرْ إلاَّ سُجُوده فيما يقضي لنفسه.
قال في المجموعة، وقال غير ابن القاسم: إذا كان سهو الأول زيادة، وسها هذا فيما استُخلف عليه نقصانًا، فليسجدْ بهم قبل السَّلام، ويُجْزِئه عن السهوين. وقاله ابن المَاجِشُون في الواضحة. قال: ولأن ذلك كله من صلاة الأول.
قال غيره في المجموعة: ولو سها هو فيما يقضي نقصانًا لسجدَ بهم قبل السَّلام، وكان ذلك للسهوين. وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ المَاجِشُون: بل لا يسجد إلاَّ بعد السَّلام، كما وجب على إمامه، وهو أملك بأحكام الصلاة.
ومن المجموعة، وقال أشهب: إذا كان سهو الأول نقصانًا، فلا يسجد له هذا، حَتَّى يقضي ما عليه، ولو لم يُحْدث الإمام، ولم يستخلفه، ليسجدَ معه قبل السَّلام، قبل قضاء ما عليه. وقال غيره: لا يسجد أيضًا معه قبل السَّلام، حَتَّى يقضي لنفسه، ثم يجعلهما في موضعهما من صلاة الإمام.

(1/407)


وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قَالَ ابْنُ المَاجِشُون: إذا سجد من فاتته ركعة سُجُود السهو قبل السَّلام، ثم سها فيما يقضي لنفسه نقصانًا أو زيادة، فلا سُجُود عليه لذلك، ولا يسجد في صلاة وَاحِدَة للسهو مرتين. قال: وكذلك لو استخلفه على بقية صلاته، فأتمَّها، وسجد قبل السَّلام، كما وجب على الأول، فلا يسجد بعد فيما يسهو فيه في القضاء، لنقص ولا لزيادة.
ومن المجموعة، قال أشهب: وإذا سجد المسافر للسهو قبل السَّلام وخلفه مقيمون، فليسجدوا معه، وإن كان بعدُ فلا يسجدوا إلاَّ بعد تمامهم.
قال أشهب: وإذا استخلف الراعف، فسها المستخْلَفُ، فرجع الراعف بعد أن سلَّم هذا وسجد للسهو، فليبنِ الراعف، ويسجد بعد السَّلام، وإن كان المستخلَفُ سجد قبل السَّلام؛ لأنه لم يدركْ معه شَيْئًا ائتمَّ به فيه، وكذلك إن لم يدركْ من صلاة الإمام إلاَّ الجلوس، فلا يلزمه أن يسجد معه لسهوه، ولكن ليسجدهما بعد السَّلام احتياطًا، فإن كانتا عليه فقد قضاهما، وإلاَّ لم يُدْخِلْ في صلاته خللاً قبل سلامه. وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لا يسجد سُجُوده حَتَّى تُدرك معه ركعة.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وإذا سها الإمام في صلاة الخوف في أَوَّل ركعة، فإذا تمَّتِ الطائفة الأولى الصلاة سجدوا، كما لزمه، إما قبل السَّلام أو بعده. وقال أشهب: كما يُتِمُّون الصلاة قبله كذلك يسجدون قبله. قالا: وإذا أتَمّ بالطائفة

(1/408)


الثانية فعلى حديث ابن القاسم، يسجدون معه قبل السَّلام ثم يسَلِّم، ثم يقضون، وما كان بعد السَّلام، فلا يسجدوه حَتَّى يقضوا، وعلى حديث ابن رومان يثبُتُ حَتَّى يقضوا، ثم يسجد بهم ما قبل السَّلام، وإن كان بعد السَّلام سَلَّمَ بهم، ثم سجد بهم.

في مَنْ ذكر سجدة أو سجدتين من صلوات
من كتاب ابن الْمَوَّاز، ومن ذكر سجدتين من ثلاث صلوات؛ صبحٍ وظهر وعصر – يريد: ولا يدري أيها قبل صاحبتها – فليُصَلِّ خمس صلوات، صبحًا، وظهرًا، وعصرًا، ثم يُعِيدُ الصُّبْح والظهر؛ لأنه إِنَّمَا عليه صلاتان، لا يدري أيهما قبل، فإن كانت صبحًا وظهرًا فقد جاء بظهرين صبحين، وإن كانت صبحًا وعصرًا فقد جاء بعصرين صبحين، وإن كانت ظهرًا، وعصرًا فقد جاء بعصرين ظهرين. فإن خاف أن يكون ذلك من سفر أو حَضَر، أو بعضهما، فليجعل مع كل صلاة حَضَر يقصر صلاة سفر فيُصَلِّي الصُّبْح مَرَّةً، ثم الظهر مَرَّتين حَضَرٍ أو سفر، ثم العصرَ كذلك، ثم الصُّبْح، ثم الظهر مَرَّتين، فذلك ثمان صلوات.
ومن صَلَّى الصُّبْح، ثم ذكر في تَشَهُّده سجدتين وركعة لا يدري كيف نسيهم، فليسجد سجدتين، ويأتي بركعة، ويسجد بعد السَّلام. وكذلك في سجدة وركعة فليسجد سجدة، فتصحُّ له ركعة يبني عليها.
ومن ذكر سجدتين من أربع صلوات؛ صبحٍ وظُهرٍ وعصرٍ ومغربٍ، فليُصَلِّ سبع صلوات؛ صبحًا، وظهرًا، وعصرًا، ومغربًا، ثم يُعِيدُ الصُّبْح والظهر والعصر، وإن

(1/409)


خاف أن يكون ذلك أيضًا من سفر، فَلْيُعِدْ كل صلاة تُقْصَر صلاة سفر أيضًا، فتصير حينئذ إحدى عشرة صلاة.
فإن شكَّ في السجدتين من خمس صلوات – يريد: صبحًا، وظهرًا، وعصرًا، ومغربًا، وعشاءً. ويريد لا يدري أيها قبلُ – فَلْيُصَلِّ سبع صلوات، صلاة يوم كامل، ثم يعيدها إلاَّ العشاء الآخِرَة، فيصير بهذا قد جاء بكلِّ صلاة بين صلاتين من هذه الصلوات. وقيل: إن ستَّ صلوات تُجْزِئُهُ. وإن خاف أن يكونا عليه من سفر، فإن صبحًا يُجزئ من صبحٍ، ومغربًا من مغرب، وليس عليه أكثر من ستِّ صلوات، وقد أتى بظهر وعصر ثانية، ويَسْقُطُ الصُّبْح والمغرب.
وإن قال: لا أدري أسَفَرٌ ذلك أم حَضَرٌ. فَلْيُصَلِّ كُلَّ صلاة بِقَصْرٍ مَرَّتَيْنِ حَضَرٍ وسَفَرٍ، وذلك زيادةُ خمسِ صلوات مع التسع، فذلك أربع عشرة صلاة.
وإن ذكر سدة لا يدري من أي صلاة، ولا يدري أسَفَرٌ أم حَضَرٌ، فَلْيُصَلِّ ثماني صلوات، يُعِيدُ ما كان يَقْصُرُ من صلاة اليوم إذا صَلاَّها حَضَرًا أعادها سَفَرًا قبل أن يأخذ في غيرها، ولو كانت سجدتين فَلْيُصَلِّ صلاة يَوْمَيْنِ هكذا، لكلِّ يوم ثمان صلوات.
في مَنْ ذكر صلاة لا يدري ما هي، أو صلوات
لا يدري أيتهنَّ قبل صاحبتها، وكيف إن لم يَدْرِ
أسفَرٌ أم حَضَرٌ
من الْعُتْبِيَّة، قال عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: من ذكر صلاة يوم، لا يدري

(1/410)


أسفَرٌ أم حَضَرٌ، فَلْيُصَلِّ صلاة يوم للسفر وصلاة يوم للحَضَر، لا يُعِيد فيه الصُّبْح والمغرب.
ومن ذكر ظُهْرًا أو عصرًا، لا يدري الظهرَ للسبت والعصر للأحد، أو العصر للسبت والظهر للأحد، فَلْيُصَلِّ ظُهْرًا للسبت، ثم عصرًا للأحد، ثم عصرًا للسبت، ثم ظهرًا للأحد. وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، إلاَّ أنه قال: يُصَلِّي ظهرًا أو عصرًا للسبت، ثم يُعِيدُهما للأحد. قال: ولو كان ظُهرًا لا يدري من السبت أم من الأحد فَلْيُصَلِّ الظهر للسبت، ثم يُعِيدُها للأحد. قال: وإن كان لا يعرف اليومين اللذين نسي فيهما الظهر والعصر، فهذا يُصَلِّي ظهرًا بين عصرين، أو عصرًا بين ظهرين.
ولم يذكرْ سَحْنُون، ولا ابن الْمَوَّاز، تفريقًا بين يوم معروف أو غير معروف. قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: ومن ذكر ظهرًا أو عصرًا من يَوْمَيْنِ، لا يدري أيهما قبلُ، فَلْيُصَلِّ ظهرًا بين عصرين، أو عصرًا بين ظهرين.
ومن كتاب ابن سَحْنُون: ومن ذكر ظُهرًا لا يدري للسبت أو للأحد، فإنما عليه ظهرٌ واحد، وكذلك إن ذكر ظهرًا وعصرًا لا يدري من أمسِ، أو من أَوَّل أمسِ، فإنما عليه ظُهرٌ وعصرٌ فقط.
وقال عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في مَنْ ذكر ظُهرًا وعصرًا، لا يدري كلُّ وَاحِدَة منهما عن سفرٍ أو حَضَرٍ، فَلْيُصَلِّهما سفريتين، ثم حَضَريتين.
وقال عنه عيسى في الْعُتْبِيَّة، في مَنْ نسي ظُهرًا وعصرًا، وَاحِدَة من سفر واخرى من حَضَر، ولا يدري أيتهما هين ولا يدري أيتهما قبل الأخرى، فَلْيُصَلِّ ستَّ صلوات، إن شاء صَلَّى ظُهرًا وعصرًا للحَضَر، ثم صَلَّاهما

(1/411)


للسفر، ثم صَلاَّهما للحَضَر، وإن شاء بدأهما للسفر ثم للحَضَر، وختم بالسفر.
وكذلك قَالَ ابْنُ سَحْنُون عن أبيه، قال: وقال بعض أصحابنا: يُصَلِّي ظُهرًا أربعًا، ثم عصرًا رَكْعَتَيْنِ، ثم عصرًا أربعًا، ثم ظهرًا رَكْعَتَيْنِ، ثم ظُهرًا أربعًا، ثم عصرًا أربعًا.
وذكرها ابن حبيب، عَنْ أَصْبَغَ، كما ذكر سَحْنُون , وابن القاسم، قال: وقال أصبغ: فإن شكَّ أن يكونا جميعًا للحَضَر، أو جميعًا للسفر، فَلْيُصَلِّ ظهرًا حَضَرية، ويعيدها سفرية، ثم عصرًا كذلك مَرَّتَيْنِ، ثم ظُهرًا كذلك مَرَّتَيْنِ، فذلك ستُّ صلوات، فهذا يأتي على جميع شكِّه.
ومن كتاب ابن سَحْنُون: ومن ذكر خمس صلوات من خمسة أَيَّام، لا يدري أيُّ صلاة هي من كلِّ يوم، فَلْيُصَلِّ صلاة خمسة أَيَّام.
ومَنْ نَسِيَ صلوات يوم وليلة، ولم يَدْرِ: الليلة سابقةٌ لليوم أو بعده، فَلْيُصَلِّ سبع صلوات، يبدأ بصلاتي اللَّيْل، ثم بصلاة النهار، ثم بصلاتي اللَّيْل. ولم نأمرْهُ يبدأ بصلوات النهار لئلاَّ يصير مُصَلِّيًا ثمانية.
وذكر ابن حبيب، عَنِ ابْنِ المَاجِشُون، في مَنْ ذكر صلاتي من يوم وليلة مفترقتين، لا يدري الليلة قبل اليوم أو بعده، أنه يبدأ بصلاتي النهار، ثم صلاتي اللَّيْل، ثم صلاتي النهار. وقال أبو محمد: وهذا من قول ابن المَاجِشُون يدُلُّ أنه جعل صلاة الصُّبْح من صلاة اللَّيْل، والمعروف من مذهب مالك أنها من صلاة النهار.
ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، ومن ذكر صلاة يوم لا يدري سَفَرٌ أم حَضَرٌ، فَلْيُصَلِّ ثماني صلوات، يبدأ بما شاء، إلاَّ أنه يُصَلِّي صبحًا مَرَّةً وظُهرًا مَرَّتَيْنِ،

(1/412)


حَضَري وسفريّ، أو سفر وحَضَر، والعصر كذلك، والعشاء كذلك، بعد أن يُصَلِّي المغرب مَرَّةً. وكذلك لو ذكر سجدة، لا يدري من أي صلاة، ولا يدري أسفرٌ أو حَضرٌ، إلاَّ أنه إن شاء صَلَّى صلاة يوم حَضَرٍ، ثم يُعِيدُ منها ما كان يَقْصُر. وكذلك لو ذكر سجدتين من صلاة وَاحِدَة، فإن شاء بدأ بما شاء من ذلك. وكذلك إن كانت السجدتان من صلاتين من يوم واحد، فَلْيُصَلِّ ثماني صلوات على الولاء، ولا يبدأ ههنا بما شاء.
وذكر ابن سَحْنُون، عن أبيه، في مَنْ ذكر صلاة يوم، لا يدري سَفَرٌ أم حَضَرٌ، مثل ما ذكر ابن الْمَوَّاز. قال: وقد قال بعض أصحابنا: يُصَلِّي صلاة يَوْمَيْنِ عشر صلوات.
ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، ومن ذكر عصرًا وظُهرًا من يَوْمَيْنِ، لا يدري أيهما قبلُ، فَلْيُصَلِّ ظُهرًا بين عصرين، أو عصرًا بين ظُهرين، فإن فعل ثم ذكر في الظُّهر الآخر قبل يُسَلِّم سجدة من إحدى الصلوات الثلاث، فَلْيُصْلِحْ هذه بسجدة وركعة بأم القرآن، ويسجد قبل السَّلام، ثم يُعِيد عصرًا وظُهرًا، إذا قد تكون السجدة من العصر، وقد تكون تلزمه مقدَّمةً، ففسدت هذه لمَّا ذَكَرَ فيها صلاةً قبلها، ولو ذكرها بعد سلامه منها لأصلحها، ثم لا يُعِيدُ إلاَّ العصر؛ لأنه كمن ذكر صلاة قضاها، ثم ذكر أن قبلها صلاة بقيت عليهن فيس عليه إعادة ما خرج وقته. ولو ذكر أن السجدة من الظهر التي صَلاَّها أَوَّلاً، لم يكن عليه شيء. وإن ذكر ذلك قبل يُسَلِّمُ من الظُّهر التي هو فيها. يريد لأنه لم يَذكرْ صلاة بقيت عليه، إذ قد سَلِمَتْ له عصر وظُهرٌ، وإِنَّمَا فاته تبدية ما فات وقته.
قال: ومن ذكر ظهرًا وعصرًا، فصلاَّهما حَضَريتين، فلمَّا أتمهما قال: ما

(1/413)


أدري أهما من سفر أو من حَضَر. فإن كان هذا بعد أن سَلَّمَ من العصر، لم يُعِدْ شَيْئًا، وإن كان قبل يُسَلِّم منها، سَلَّمَ، فأعاد العصر فقط سفريةً.
ولو ذكر ظُهرًا وعصرين مجتمعين، لا يدري أيُّ ذلك قبلُ، فَلْيُصَلِّ ظُهرًا وعصرين، ثم ظُهرًا، ثم إن ذكر في الظهر الآخِرَة سجدة، لا يدري من أيِّ صلاة ذلك، فَلْيُصْلِحْ هذه، ثم يأتي بعصر واحدٍ، ثم بظُهرٍ. وإن ذكرها بعد السَّلام، لَمْ يَأْتِ بعد إصلاح هذه إلاَّ بعصر. ولو كان لا يدري العصرين مجتمعين، أو مفترقين، وظُهر معهما، فَلْيُصَلِّ عصرين وظُهرًا وعصرين. وإن نسي ظهرين وعصرين، لا يدري كيف نسيهما، فَلْيُصَلِّ سبع صلوات؛ ظهرًا وعصرًا، وظهرًا وعصرًا، وظهرًا وعصرًا، وظهرًا، ولا يُجْزِئه ستُّ صلوات، ظهرين وعصرين، إذ لا يأتي في ذلك ظهرين عصرين. وكذلك لو بدأ بعصرين، لم يأتِ في ذلك عصرين ظهرين. فإن جاء بهنَّ على ما ذَكَرْنَا أَوَّلاً، ثم ذكر سجدة من إحداهنَّ بعد سلامه من الظهر الآخِرَة، أعاد عصرًا فقط، وإن كان قبل سلامه، أعاد عصرًا مع هذه الظهر التي ذكر ذلك فيها.
وإن ذكر ظهرين من يَوْمَيْنِ لا يدري من حَضَر أو سفر، أو أحدُهما من سفرٍ والآخَرُ من حَضَرٍ، فَلْيُصَلِّ أربعَ صلوات ظُهْرًا، سفر ثم حَضَر، ثم سفر ثم حَضَر، ولو ذكر مع ذلك سجدة لظهر آخَرَ، لا يدري أَقَبْلَ الظُّهْرَيْنِ أو بعدهما، أو بينهما، فَلْيُصَلِّ ستَّ صلوات، يبدأ بظُهْرٍ سفرٍ، ثم حَضَرٍ، ثم يُعِيدُه كذلك، ثم يُعِيدُه كذلك ثلاثة، فذلك حَضَرٌ بين سفرين، وسفر بين حَضَرَيْنِ؛ لأن المشكوك فيها مَرَّةً تكون سفرًا أَوَّلاً بين حَضَرَيْنِ، أو بين سفرين،

(1/414)


أو بعد حَضَرَيْنِ، أو بعدَ سفرين.
ولو ذكر ظُهْرًا من يَوْمَيْنِ، أحدهما سفرٌ والآخَر حَضَرٌ. يريد: لا يدري أيهما قبلُ. قال: فعليه ثلاث صلوات؛ سفريتين بينهما حَضَر. فإن كان مع ذلك سجدة من ظهر لا يدري سفرٌ أو حَضَرٌ، ولا يدري متى هي، فَلْيُصَلِّ خمس صلوات، صفريتين بينهما حَضَر، ثم حَضَر، ثم سفر. وإن ذكر مع صلاتي الظهر، المفترقتين من حَضَر وسفر، سجدةً لا يدري من أي صلاة هي، من ظُهر أو غيرها، فَلْيُصَلِّ إحدى عشرة صلاة، ثلاثة ظهر، سفريتين بينهما حَضَر، ثم صلاة يوم حَضَر إلاَّ أن الظهر والعصر مَرَّتَان سفر وحَضَر، والعشاء مَرَّتَانِ كذلك، ثم يُعِيدُ الظُّهْرَ مَرَّتَيْنِ، سفر بينهما حَضَر هكذا في الأمِّ. وعلى هذا يصير أربع عشرة صلاة.
قال: ولو كانت صلاتي الظهر التي ذكرَهما جميعًا لم يَدْرِ سفر أم حَضَر، أو مفترقين ذكر معهما سجدة، صَلَّى اثنتي عشرة صلاةً، أربع صلوات ظُهْرَ سفرٍ وحَضَر وسفر حَضَر، ثم صلاة يوم حَضَر، إلاَّ أنه يُعِيدُ الظهر والعصر والعشاء سفر.
ولو ذكر سجدتين من يَوْمَيْنِ، لا يدري سفريتين أو حضريتين، أو إحداهما حَضَر والأخرى سفر، فَلْيُصَلِّ ستَّ عشرة صلاة، يُصَلِّي صلاة يوم وليلة سفر، ينوي منها بِالصُّبْحِ والمغرب عن أَوَّل يوم لخوف أن تكون السجدتين من صبحين أو مغربين، ثم يُصَلِّي صلاة يوم حَضَر، ينوي عن اليوم الثاني، ثم يُعِيدُ الظهر

(1/415)


والعصر والعشاء صلاة سفر، ثم يُعِيدُ هؤلاء الثلاث حَضَر؛ لاحْتِمَال أن يكونا من ظُهْرَيْنِ حضرًا أو سفرًا، أو أحدهما سفر، وكذلك العصر والعشاء، فيكون قد صَلَّى هذه الصلوات كل وَاحِدَة أربع مرات، وأما الصُّبْح والمغرب، فمرتين مَرَّتَيْنِ.
ولو نسي السجدتين من يَوْمَيْنِ، سفر وحَضَر، لا يدري أيتهما قبلُ، ولا يدري أي صلاة هي، فَلْيُصَلِّ ثَلاثَ عَشْرَةَ صلاة، خمس سفر لأول يوم، ثم صلاة يوم حَضَر ينوي بِالصُّبْحِ والمغرب لليوم الثاني، وينوي بالظهر والعصر والعشاء عن اليوم الذي نسي فيه الحضر، كان أَوَّلاً أو ثانيًا، ثم يُعِيد ما يُقصر، وهو الظهر والعصر والعشاء، سفريات لليوم الثاني. وإِنَّمَا أمرتك أن تبدأ بالسفر ليكون أخفَّ عليك في عدد الرُّكُوع، فيما تُكرِّرُه من الصلوات، فيصير ما يُقْصَر مُعَادًا ثلاث مرات، وما لا يُقْصر مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ. وقد قال محمد: يُعِيد المغرب ثلاثًا، فتصير أربع عشرة صلاة. ثم رجع إلى هذا.
ولو ذكر صلاة يَوْمَيْنِ؛ سفر وحَضَر، لا يدري أيهما قبل صاحبتها، فَلْيُصَلِّ أربع عشرة صلاة، على الترتيب المتقدِّم، إلاَّ أنه ذكر أن المغرب يُعِيدُها في آخِر مَرَّتَيْنِ؛ لأنه إن كان يوم الحضر أَوَّلاً سقط اليوم الذي قدَّمه للسفر، ولم يسقط منه صلاة الصُّبْح؛ لأنه نوى بها عن أَوَّل يوم لحضر أو سفر، ولا يُحتسَب المغرب التي صلاها قبل صلاة يوم الحضر، بخلاف الصُّبْح؛ لأن المغرب إِنَّمَا يكون بعد صلاة النهار. ولو قال في اليومين: لا أدري أسفريتين أم أحدهما سفرٌ. فَلْيُصَلِّ ستَّ عشرة صلاة، يُصَلِّي عن أَوَّل يوم صبحًا وَاحِدَة، وظهرًا مَرَّتَيْنِ سفرًا ثم حَضَرًا، وعصرًا كذلك، ومغربًا مَرَّةً، والعشاء مَرَّتَيْنِ، حضرًا ثم سفرًا، ثم يُعِيدُ ذلك كُلَّه مثل ما فعل، ينوي به اليوم الثاني. قلتُ: فلو صَلَّى عن أَوَّل يوم الخميس

(1/416)


صلوات سفر، ثم أعاد الظهر والعصر والعشاء حَضَر، ثم كذلك لليوم الثاني؟ قال: ليس بصواب؛ لأنه يُصَلِّي المغرب عن الحضر قبل صلاة الحضر النهار.
قال: ولو ذكر مع هذين اليومين سجدة من صلاة أخرى من غير اليومين، لا يدري ما هي، ولا يدري من سفر أو حَضَر، ولا يدري أهذه الصلاة قبل اليومين أو بعدهما أو فيهما، فعليه للسجدة ثمان صلوات، ويصير جميع ما عليه أن يأتي به أربعًا وعشرين صلاة، إذا أحكم كيف يأتي بها، وذلك أن يأتي بصبح ينوي بها عن أَوَّل صبح وَجَبَتْ عليه من الثلاثة الأيام، ثم بظهر سفر، ثم حَضَر، ثم بعصر كذلك، ثم المغرب مَرَّةً عن أَوَّل مغرب لزمته، ثم العشاء مَرَّتَيْنِ، حَضَر وسفر، ثم يأتي عن اليوم الثاني كذلك، ثم عن اليوم الثالث كذلك، ولا تُجْزِئُهُ ستَّ عشرة صلاة، إذ قد يكون اليومان حضرًا جَمِيعًا، وتكون السجدة من صلاة حَضَر، وهو لَمْ يَأْتِ من الحضر إلاَّ بصلاتين، وكذلك عن السفر.
وقال محمد بعد هذا: فإن كانت السجدة إِنَّمَا ذكرها مع ذكره لليومين اللذين أحدهما سفر والآخر خضر، قال: هذا يأتي بخمس وعشرين صلاة، صلاة خمسة أَيَّام على الولاء، صلاة يوم سفر ثم يوم حَضَر، ثم كذلك حَتَّى يختم بيوم السفر. قال: ثم رجع محمد، فقال: بل أربع عشرة صلاة تُجْزِئُهُ، على ما كنتُ وَصَفْتُ لك في اليومين إذا انفردَا. يعني محمد مسألته التي قال في مَنْ ذكر صلاة يَوْمَيْنِ، سفر وحَضَر، لا يدري أيتهما قبلُ.
وفي الجزء الثاني في أبواب صلاة السفر، بابٌ في مَنْ خرج لمقدار من الوقت ناسيًا لسجدة من صلاة النهار، وبابٌ في مَنْ قدم أو ظعن أو امرأة طَهُرَتْ أو حاضتْ، وعليهم صلاة أو صلوات، وكيف إن لم يَدْرِ المسافر أَمِنْ يوم دخل أو خرج، ونحو هذا الباب في آخر الجزء الأول.

(1/417)


كتاب الصلاة الرابع
في إقصار الصلاة لِلْمُسَافَرِ، ومتى يقصر في
خروجه ورجوعه، وكيف إن رجع لحاجة
من الواضحة، قال: ومعنى قول الله: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (النساء: 101)، فمعنى إقصارها في الخوف، يريد في الترتيب في تخفيف الرُّكُوع والسُّجُود والقراءة، وقد كانت مقصورة في السفر في غير خوف من غير هذه الآية. وقال غيره مِنْ أَصْحَابِنَا البغداديين، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإِنَّمَا يقصر في سفر يجوز الخروج فيه، غير باغٍ ولا عادٍ، فأما مَنْ خرج باغيًا أو عاديًا، ظالمًا أو قاطعًا للرحم، أو طالبًا لإثم، فلا يجوز له القصر، كما لا يُبَحُ له الأكل مِنَ الْمَيْتَةِ عند الضرورة.
ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك: الإقصار في السفر للرجال والنساء.
قال أشهب: يقصر الظهر والعصر والعشاء، ولا خلاف أنه لا يقصر الصُّبْح والمغرب.
قال عليٌّ، عن مالك: ومَنْ قصر المغرب جاهلاً أعاد أبدًا.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ومن أراد سفرًا، فأدركه الوقت في أهله، فهو في سَعَة، إن شاء صلاَّها في أهله صلاة مقيم، وإن شاء خرج فقصرها في سفره.
ومن كتاب ابن الْمَوَّاز: فإنما تُقْصَر إذا خَلَّف قريته وراء ظهره، لا يكون شيء منها عن يمينه ولا عن يساره ولا أمامه، وكذلك في البحر.

(1/419)


قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإذا جاوز بيوت قريته، وانْقَطَعَ منها انقطاعًا بيِّنًا قَصَرَ، كانت مما يُجْمِّعُ أهلُها أو لا يُجَمِّعوا. واسْتَحَبَّ مالك، في رِوَايَة مُطَرِّف وابن المَاجِشُون، أنها إن كانت يُجَمِّع أهلُها، فلا يقصر حَتَّى يُجاوزها بثلاثة أميال؛ لأنه كقرار واحد، وإذا رجع قصر إلى حَدِّ ذلك، وإذا كانت لا يُجَمِّعُ أهلُها، قصر إذا جاوز بَساتينها وبيوتها المتصلة بها عن يمين وشمال، وليس ذلك عليه في مزارعها. وقول ابن القاسم، وابن عبد الحكم، أن يَقصر بالمجاوَزة في القريتين سواء.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك في المجموعة، في مَنْ سافر في البحر، قال: إذا جاوز البيوت، ودفع فليقصرْ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال أَصْبَغُ: وإذا قلعوا فَجَرَوْا نحو ثلاثة أميال، ثم حُبِسُوا من ورائهم، فإن حبستهم الريح قصروا، وإن حُبسوا لغير ذلك أتمُّوا.
قال مالك: ومن سافر بريدين، ثم رجع لحاجة، أو لأن طريقًا غير هذه أقصر وممرُّه إليها على منزله، فليُتِمَّ من حين أخذ في الرجوع، وإن لم يُرِدِ النزول في منزله حَتَّى يجاوزه فاصلاً، فليقصر الصلاة.
ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ المَاجِشُون: وإذا رجع لحاجة بعد فرسخين، فليقصر حَتَّى يدخل أهلَه. وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُتِمُّ. قال عبد الملك: هو كمن رَدَّتْه الريح. وفرَّق سَحْنُون في موضع آخَرَ بين رَدِّ الريح إياه إلى وطنه وإلى غير وطنه.
ومن كتاب ابن سَحْنُون، قال سَحْنُون في مَنْ قلد في البحر من وطنه إلى

(1/420)


ما يُقْصَرُ فيه الصلاة، ثم أحرم، فردَّتْه الريح إلى بيوت قريته بعد أن صَلَّى بعض الصلاة، قال: تَبْطُلُ، كما لو نوى فيها الإقامة.
قال محمد بن عبد الحكم، في مَنْ صَلَّى في الحضر ركعة بسجدتيها، ثم مَشَتْ به السفينة حَتَّى خرج عن القرية حيث تُقْصَرُ الصلاة. قال: يمضي على صلاته صلاة حَضَر؛ لأنه دخل فيها على ما يجوز له.
ومن المجموعة، قال عبد الملك، وسَحْنُون: ومن خرج إلى الحَجِّ مِنْ أهل الخصوص، ثم قدم فألفي أهلَه انتقلُوا، فَلْيُتِمَّ من موضع تَرَكَهم به إلى موضع ساروا إليه، إلاَّ أن يكون بينهما أربعة بُرُدٍ.
ومن الْعُتْبِيَّة، ابن القاسم، عن مالك: وعن الأمير يخرج عن المدينة ثلاثة أميال، حَتَّى يتكامل أكرياؤه وحشمُه، قال: لا يَقْصُرُ حَتَّى يُجْمَعَ على المسير.
وعن الذين يرْرُزُونَ من مكة إلى ذي طُوًى، قال: لا يَقْصُرُوا حَتَّى يظعنوا.
قال مالك: ومَنْ خرج من الفسطاط إلى بئر عُمَيرة، وهو يُقيم اليوم واليومين كما تصنع الأكرياء حَتَّى يَجْتمعَ الناس، قال: فليقصروا. ورَوَى عنه ابن نافع، في المجموعة، قال: أَحَبُّ إِلَيَّ أن يُتِمُّوا، إذا كان الأكرياء يحبسون الناس اليوم واليومين.
وقال عنه ابن القاسم وعليٌّ في المجموعة: وإذا خرجوا عن مصرهم مُتَبَرِّزين بمتاعهم - قال عنه عليٌّ: على نحو الميل – يُقيمون هناك يومًا فأكثر،

(1/421)


حَبَسَهم شيء، أو شغلهم، فَلْيُتِمُّوا.
قال عنه عليٌّ: ولو قَدِمَ بِقُرْبٍ من منزله، فحضرت صلاة، فله أن يقصر حَتَّى يخل منزله.
قال عنه ابن القاسم، في الْعُتْبِيَّة: وإذا قدم من سفر، فنزل من مدينته على ميل أو ميلين؛ ليُقيم حَتَّى يدخل ليلاً، فإنه يَقْصُرُ، إلاَّ أن يَقْرُبَ جدًّا. ولم يَحُدَّه.
وقال مالك في سماع أشهب، في المسافر إذا رجع إلى أهله, فإنه يقصر حَتَّى يدنو من البيوت مثل الميل ونحوه، فليُتِمَّ الصلاة.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ومن نزل قريبًا من موضعه، ليُؤْذِنَ أهلَه، أو ليدخلَ ليلاً، ولو تَمَادَى دخل في وقت الصلاة، فحضرت الصلاة، فليُتِمَّ. قاله مالك والليث. ونقله ابن القاسم، والإتمام فيما فيه الشكُّ أَحَبُّ إِلَيْنَا.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: واختلف السَّلَفُ في التَّنَفُّل في السفر نهارًا، فكان ابن عمر مِمَّنْ لا يُحِبُّهُ، ولا يفعله إلاَّ في اللَّيْل، ولم يختلفوا في إباحته بالليل، وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء.
ومن كتاب آخر: وكان ابن عمر لا يركع ركعتي الْفَجْر في السفر.
وفي الباب الذي يلي هذا الباب ما يَقْرُبُ معناه من هذا الباب.
في أقَلِّ ما يَقْصُرُ فيه المسافرُ من السفر، وكيف
إن نوى الإقامة بين أضعاف سفره أو يُقيمُ لأمر
لا يعلم غايته، في خلال سفره أو في ابتدائه
ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، ومقدار ما يقصر فيه عند مالك مسيرة أربعة بُرُدٍ.

(1/422)


وقَالَ ابْنُ عمر: يقصر في اليوم التامِّ. محمد: ذلك في الصيف للرَّجُل المُجِدِّ، وأربع بُرُدٍ أَحَبُّ إِلَى مالك يجمع زمن الشتاء والصيف، والسريع والبطيء، وهو قول ابن عباس، قيل: أتقصر في أقلَّ من أربع بُرُدٍ؟ قال: أمَّا بالمسير فأرجو، وأما الأميال فلا تفعلْ.
ورَوَى أشهب، عن مالك في الْعُتْبِيَّة، في مَنْ خرج إلى ضيعته، وهي على خمسة وأَرْبَعِينَ ميلاً، قال: يقصر.
ورَوَى أبو زيد، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في مَنْ قصر في ستة وثلاثين ميلاً، قال: لا يُعِيدُ. قال يحيى بن عمر: لا أعرف هذا لأصحابنا، ويُعِيدُ أبدًا. قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: وقَالَ ابْنُ عبد الحكم في هذا: يُعِيد في الْوَقْتِ، وإن قصر في أقلَّ من ذلك، أعاد أبدًا؛ لأنه لم يُخْتَلَفْ فيه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ويَقْصُر في أَرْبَعِينَ ميلاً. وهذا قريب من أربعة بُرُدٍ.
ومن المجموعة، قال عبد الملك وسَحْنُون: مَنْ خرج إلى ثلاثين ميلاً، على أن يرجع من فَوْرِهِ، فَلْيُتِمَّ، وليس كاتِّصال السفر ذاهبًا. قال عبد الملك: ومن توجَّه إلى سفر فيه برٌّ وبحرٌ، فإن كان في أقْصاه باتِّصال البَرِّ مع البحرِ ما يُقْصَرُ فيه، قصر إذا بَرَزَ.
وقَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: وإن كان ليس بينه وبين البحر ما يُقْصر، فانظرْ، فإن كان المركب لا يبرح إلاَّ بالريح، فلا يَقْصر حَتَّى يركب ويبرُز عن موضع قَلَد منه، وإن كان يجري بالريح وبغير الريح، فليَقْصُر حين يبرُزُ عن قريته. وقال في الذي لا يخرجُ إلاَّ بالريح: إن قَلَدَ فردَّتْه الريح إلى موضع قَلَدَ منه، أو غيره أقام به، فليقصر، ما لم يَرُدَّه إلى وطنه.
ومن المجموعة، قال عبد الملك: وإذا خرج إلى سفر الإقصار وبين كُلِّ مَنْهَلَين ثلاثين ميلاً، ونوى المُقامَ في كُلِّ منهلٍ أربعة أَيَّام، ثم لمَّا دخل في

(1/423)


السفر استحدث نية، فليقصر ما بين المنهلين، على نية سفره المتصل، وإذا أقام أتمَّ. ورُوِيَ عن سَحْنُون في مَنْ خرج ينوي يمشي ثلاثين ميلاً أو عشرين، ثم يُقيم أربعة أَيَّام، ثم يمشي مثل ذلك، ثم يقيم أربعة أَيَّام، أنه يقصر من حين يخرج من مسيره، لا في مُقامه حيث يُقيم. وذكر ابن الْمَوَّاز خلاف هذا، أنه يُراعي مسافته إلى موضع نوى فيه المُقام، ثم مسافة غاية سفره, وهو مُسْتَوْعَبٌ في باب بعد هذا.
ومن المجموعة، ابن القاسم، عن مالك في مَنْ خرج إلى ضيعتين له، بينه وبين أولاهما ثلاثين ميلاً، وبين الأولى والثانية ثلاثون ميلاً، ونوى إقامة عشرة أَيَّام، لا يدري كم يُقيم في كل ضيعة، قال: هذا يَقصر حَتَّى يُجْمِعَ على مُقام أربعة أَيَّام فأكثر في موضع. يريد: فإن نوى المقام في الأولى لم يَقصر إليها. واختُلِفَ في إقصاره إلى الثانية، وإن نوى المقام في أقصاها، فليقصرْ من يوم يخرج.
ومن الْعُتْبِيَّة من سماع ابن القاسم، قال مالك: ومن خرج ليبيع سلعته، وأمامه أسواق في قُرى، بين كل سوقين خَمْسَةَ عَشَرَ ميلاً، وكذلك بينه وبين أَوَّلها، ففي أي سوق وجد البيع باع. فهذا لا يقصر حَتَّى يخرج مُجْمِعًا على بلوغ غاية الإقصار. وذكر نحوه في كتاب ابن الْمَوَّاز، إلاَّ أنه قال: يخرج ينوي السوق الأقصى، على أنه إن وَجَدَ البيعَ دونه باع. وكذلك من خرج يطلبُ آبقًا على مسيرة الأيام، على أنه إن وَجَدَه دون ذلك رجع.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ومَنْ أقام أربعة أَيَّام بمكان في سفر فَأْتَمَّ، ثم رَجَعَتْ نيَّتُه على الإقامة، إنه يُجْزِئه ما صَلَّى، ويَأْتَنِفُ الإقصار برجوع نيَّتِه إلى المُضِيِّ في سفره.

(1/424)


وقال سَحْنُون: يُتِمُّ حَتَّى يَظْعَنَ من مكانه، ولا يكون مسافرًا إلاَّ بالظعن.
ومن الْعُتْبِيَّة، وقال سَحْنُون: ومن خرج ينوي أن يسير يومًا، ويُقيم أربعةً، فهذا يَقصر في مسيره، ويُتِمُّ في مُقامه. وقال يحيى بن يحيى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: ومن خرج إلى مسيرة أربعة بُرُدٍ فسارَ بريدين، ثم نوى الإقامة أربعة أَيَّام، ثم تَمَادَى، فلا يقصر حَتَّى يبقى في بقية سفره أربعة بُرُدٍ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ومن حبسه في السفر عِلَّةُ دابَّتِه، أو ينتظر متاعًا يُتِمُّ عملَه، أو حاجة، ولا يدري متى نهاية ذلك، فليقصرْ حَتَّى يوقن أنه يُقيم لذلك أربعة أَيَّام فأكثر.
قال: ومسافرو البحر يحبسهم لريح، فيقصروا أبدًا ما أقاموا. والعسكر مع الإمام إن أقام بهم ببلد الإسلام، ولا يدرون لم يُقيم ن فليقصروا حَتَّى يعلموا أنهم يقيمون أربعة أَيَّام، ويَنْبَغِي للإمام العدل أن يُعْلِمَهم كم يُقيم بذلك الموضع، ويَنْبَغِي أن يُقيم إمامًا لإقامة الصلوات، هو أو غيره، وإذا أقام لهم ببلد العدُوِّ فليقصروا، وإن عزم على إقامة أربعة أَيَّام بهم، فليقصروا إذ لا يملك ذلك ملك الثقة حَتَّى يجاوز الدروب، ويصير بمحلَّة أمن.
ومن المجموعة، ابن نافع عن مالك، في والي البحر ينصرف بالجيش، حَتَّى يأتي دمياط، فيقيم بها ينتظر إذن الوالي لهم في مسيرهم إلى أهلهم، قال: يُتِمُّون أَحَبُّ إِلَيَّ، وهم لا يدرون متى يأتيهم إذْنُه، وقد نزلوا على المُقام لذلك.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، في القوم ينزلون مع الأمير في الشتاء في أرض الإسلام، فيُقيم أشهرًا يَقْصُر، فأنكر ذلك، وقال: من خاف منه فليُتِمَّ في بيته، ثم يُصَلِّي معه.

(1/425)


قال عنه ابن نافع: وإذا خرج أهل الجيش إلى جسرهم، فليتِمُّوا الصلاة كالرعاة يتبعون الكلأ بماشيتهم.
قال عنه عليٌّ، في امرأة سافرت إلى موضع، فكانت تقصر فيه، إذ لم تُجْمِعْ مُكْثًا، فخرج إليها زوجها ليُقيم معها يَوْمَيْنِ، فليقصرْ، إذ ليس بموطن لهما، ولا أجمعا مُكْثًا.

في صلاة المَكِّيِّ والمَنَوِيِّ في مسيرهم إلى
عرفة، وفي رجوعهم إلى منى، وإلى مكة،
وصلاة العَرَفيِّ إذا أفاض، ومَنْ كان أقام
بمكة قبل أن يَحُجَّ من أهل الآفاق
من الْعُتْبِيَّة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك: ومن انصرف من المكيين وأهل منى من منى، فأدركته الصلاة قبل أن يَصِلَ إلى مكة، فليُتِمَّ، وكذلك من نزل بالمُحَصَّبِ، وليُقيمُوا به حَتَّى يُصَلُّوا العشاء. ثم رجع، فقال: أرى أن يُصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ في نزولهم بِالْمُحَصَّبِ، وأن يُؤَخِّرُوا بمنى – يريد المكيين – لزحام ونحوه. واختَلَفَ في ذلك قول ابن القاسم، وإلى آخر قوليه رجع. وبه قال أَصْبَغُ،

(1/426)


وسَحْنُون وكذلك ابن الْمَوَّاز، في مَنْ تخَلَّف بمنى – يريد من المكيين – لزحام أو غيره تحضره الصلاة بمنى، أو في طريقه، فقال مالك: يُتِمُّ. ثم قال: يقصر. ثم قال: يُتِمُّ. وبالإقصار أخذ ابن القاسم، بعد أن اخْتَلَفَ فيه قوله. وقاله أصبغ.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال مالك، في المكيِّ يُقيم بمنى ليخِفَّ الناسُ، فليُتِمَّ بمنى. وكذلك من نوى من أهل الآفاق المُقام بمكة أربعة أَيَّام. وكذلك من خاف منهم فوات الوقت فيما بين منى ومكة، صَلَّى أربعًا. أراه يريد: مِمَّنْ تقدَّم له مُقامُ أربعة أَيَّام بمكة بِنِيَّةٍ.
قال عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في أهل منى وأهل عرفة يُفيضون، قال: يقصر أهل عرفة، ولا يقصر أهل منى، وكلّ من كان يُتِمُّ بمنى، فإذا أفاض أتَمَّ، ومن كان يقصر بمنى، فإذا أفاض قصر.
ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ نافع، عن مالك: ومن قَدِمَ إلى مكة ليَحُجَّ فأقام بها، يُتِمُّ الصلاةَ، ثم خرج إلى منى؟ قال: يقصر بمنى. قيل: ففي طريقه قبلَ يَصِلُ إلى منى؟ قال: لا أدري. قال: وإذا رجع إلى مكة لا يريد مُقامًا بها، فليقصرْ. ولو رجع إليها ينوي مُقامَ يومٍ واحدٍ بها لأتمَّ فيه.

في المسافر يمُرُّ لقرية فيها أهلُه، أو يُحْدِثُ فيها
أهْلاً، أو ينوي الإقامة بموضع، وهو به، أو
إليه خارجٌ، أو رجع إليه
من كتاب ابن الْمَوَّاز، وإذا نزل المسافرُ بقرية قد سكنها بأهله،

(1/427)


فهلك أهلُه فليُتِمَّ، ما لم يَرفُضْ سُكناها، وإذا لم يكن مسكنه، ولكنَّه نَكَحَ بها، فلا يُتِمُّ حَتَّى يبني بأهله، وحَتَّى يلزمه السكنى. وكذلك ذكر ابن القاسم، في المجموعة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وكذلك إن كان له بها أمُّ وَلَدٍ أو سُرِّيَّةٌ يسْكُنُ إليها، فإن لم يكن له لها غير الغلمانِ والأعوان فليقصرْ.
ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، وإذا خرج وفي طريقه قرية له بها أهلٌ، ونوى دخولها، فإن كان بينه وبينها أربعة بُرُدٍ قصر إليها، وإلاَّ أتَمَّ، ثم ينظر بقيَّة سفره منها، فإن كان أربعة بُرُدٍ قصر، وإلاَّ أتَمَّ، فإذا رجع ولم ينوِ دخولها قصر، ولو خرج أَوَّلاً، وهي على أقلَّ من أربعة بُرُدٍ، ونوى دخولها، فلزمه التمامُ، ثم لمَّا حاذاها بَدَا له، فترك دخولها، فلينظرْ بقيَّة سفره من حينئذ، فإن كان أربعة بُرُدٍ قصر إذا ظعن من مكانه ذلك، لا قبل الظعن منه، ولو كانت مسافة قريبة أربعة بُرُدٍ قصر، وإن لم يظعنْ من مكانه، كان في باقي سفره أربع بُرُدٍ أو أقلُّ. ولو حَتَّى شَقَّها مارًّا ولم ينزل، لراعيتَ بقيَّة سفره، فلا يقصر إلاَّ أن يبقى منه أربعة بُرُدٍ. ولو لم يكن له بها أهل، إلاَّ أنه نوى بها المُقام أربعة أَيَّام، ثم خرج مكانه فالجواب سواءٌ، ولو خرج إلى ستَّةِ بُرُدٍ، وعلى ثلاثة منها قرية أهله، ونوى دخولها، لم يقصرْ في سفره كلِّه في ذهابه، ثم إن نوى بعد أن سار أن لا يدخلها، فإن كان في بقيَّة سفره أربعة بُرُدٍ قصر، إذا جاوز مكانه، وإلاَّ فلا. ولو نوى أَوَّل خروجه أن ينزل حِذاها، فيُقِيمَ ثلاثة أَيَّام، فهذا يقصر، وكذلك لو نوى أن يبعث فيهم، ثم يُقيمون معه، أو يدخل بهم. وإن نوى أَوَّل سفره أن لا يدخلها، فلمَّا سار بريدين نوى دخولها، قال: فإن كان إليها من أَوَّل سفره أربعة بُرُدٍ فليقصرْ. ويصير كمن نوى إذا بلغها أن يرجع، وإن لم يكن مشى فيها أربعة بُرُدٍ فَلْيُتِمَّ من وقت نوى دخولها، كما لو نوى أن يرجع قبل أن يبلغها. ولو نوى في الطريق أن يدخلها، فلمَّا حاذاها بَدَا له

(1/428)


فيتمادى، فليأتنفْ حُكْمَ السفر من وقت بَدَا له أن يدخلها، فإن لم يكن رجع إلى الإتمام بما نوى من دخولها فهو على التقصير باقٍ، وإن أتَمَّ من وقت نوى دخولها؛ لأن مسافتها من أَوَّل سفره أقلُّ من أربعة بُرُدٍ، فهذا على التمام، إلاَّ أن يبقى إلى غاية سفره أربعة بُرُدٍ فليقصرْ.
ومن خرج من الإسكندرية إلى الفسطاط، فسار بريدين، ثم نوى أن يَعْدِلَ إلى قريته يُقيمُ بها أربعة أَيَّام، وهي على ثلاثة بُرُدٍ من الإسكندرية، فَلْيُتِمَّ من حين نوى ذلك، وإن كانت على أربعة بُرُدٍ قصر حَتَّى يدخلها.
وإذا نزل بقرية في طريقه، فنوى المقام بها ما يُتِمُّ فيه، فأتمَّ ثم خرج، فإن بَقِيَ إلى بقيَّة سفره أربعة بُرُدٍ قصر، فإذا قصر بعد ميلين عنها، ثم رجع إليها في حاجة فليقصرْ، هذا في رجوعه وفي دخوله فيها، حَتَّى ينوي المُقامَ بها ما يُتِمُّ فيه إلاَّ أن يكون بها أهْلُه، وهذا الذي أخذ به من اختلاف قول مالك في هذا، وبه أخذ ابن القاسم، وأصبغ. واختَلَفَ قول مالك في الذي أقام بمكة أربعة أَيَّام ثم عاد إليها، واختار ابن الْمَوَّاز أن رجوعه إليها بخلاف رجوعه إلى وطنه. وذهب في الذي يخرج إلى سفر الإقصار، وينوي أن يُقيمَ في طريقه أربعة أَيَّام، وليس بوطنه، فجَعَلَ ذلك كوطنه، في مُرَاعاته لمسافته من أَوَّل خروجه، ومراعاته لبقيَّة سفره بعد الظعن من ذلك الموضع. وقال عبد الملك، وسَحْنُون: إنه يَقْصُرُ على كلِّ حالٍ، إلاَّ في مُقامه حيث أقام. وجعلاه يعود على أَوَّل سفره، ولا يتغَيَّرُ حالُه إلاَّ في موضعٍ أقامَ فيه فقط، فإذا زايَلَه عادَ على أصْلِ سفره. وقد تقدَّمَ هذا في باب قد مضى.
ومن المجموعة قول ابن نافع عن مالك، في حَاجٍّ أقام بمكَّة يُتِمُّ، ثم خرجَ إلى منى وعرفة فقصر، ثم عاد إليها يريد بها إقامةَ يوم أو يَوْمَيْنِ، ثم يسير إلى بلده، قال: يُتِمُّ بها، ولو كان لمَّا صَدَرَ لم يُرِدْ أن يُقِيمَ بها، فَلْيَقْصُرِ الصلاة إن مَرَّ بها.

(1/429)


قال ابن حبيب: ومن أقام من المسافرِينَ بموضعٍ بنيَّة أربعة أَيَّام، ثم خر عنه مسافرًا، ثم رجع إليه، فإن كان خرج منه إلى مسافة الإقصار فَلْيَقْصُرْ فيه؛ لأن تلك الإقامة زالتْ بسفر القَصْرِ، وإن خرج منه إلى ما لا يُقْصَرُ فيه فليُتِمَّ إذا رجع إليه، ولو في صلاة وَاحِدَة. وقاله مالك فيهما.
ومن المجموعة، ابن نافع، عن مالك، في مَنْ دخل مكة قبل التروية بيومين، فأجمع على المُقام بها، ولكن لا بُدَّ أن يخرج إلى منى، قال: أَحَبُّ إِلَيَّ أن يُتِمَّ بمكة.
وقال عنه ابن القاسم، في مَنْ قَدِمَ مكة قبلَ يوم التروية بثلاثة أَيَّام، وهو يخرج يوم التروية الظُّهْرَ، قال: هذا يَقْصُرُ ولا يُتِمُّ، إلاَّ مَنْ أَجْمَعَ على الإقامة أربعة أَيَّام.
في المسافر ينوي الإقامة، وكيف إن نوى ذلك
في صلاته وهو إمامٌ أو فذٌّ، وكيف إن عاد إلى
نيَّة السفر، وكيف إن عاد إلى وطنه
من الْعُتْبِيَّة، قال عيسى: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وإذا نوى المسافر إقامة أربعة أَيَّام بلياليهنَّ أتَمَّ، ولا يَحْسِبُ يوم دخوله، إلاَّ أن يدخل أَوَّل النهار فيَحْسِبَه أَحَبُّ إِلَيَّ. وقال سَحْنُون في المجموعة، وفي كتاب ابنه، وقاله ابن المَاجِشُون: إذا نوى إقامة عشرينَ صلاةً، من وقت دخل إلى وقت يخرج، أتمَّ.
قال عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وإذا نوى إقامة أربعة أَيَّام، ثم قصر، أعاد أبدًا. وكذلك في كتاب ابن سَحْنُون، وأنكر سَحْنُون أن يكون قال: يُعِيدُ في الْوَقْتِ. لِلاخْتِلافِ في ذلك.

(1/430)


ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، وإذا برز على أميال ثم نوى الرجعة، ثم نوى السفر مكانه، فلُتِمَّ حَتَّى يظعن، ولو كان معهم مُشَيِّعٌ فقدَّمُوه، ينوي السفر قبلَ يُحْرِمُ، فلا يُصَلِّي إلاَّ صلاة مُقيم.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإذا بَدَا لِلْمُسَافَرِ في الرجوع إلى وطنه، ولم يُجاوِزه بأربعة بُرُدٍ، ونوى ذلك بعد أن أحرم، فاسْتَحَبَّ مالك أن يجعلها نافلة رَكْعَتَيْنِ، ثم يُصَلِّي صلاة مُقيم. قال مالك: وإذا تمادى على إحرامه ذلك فَصَلَّى أربعًا، أجزأه، وإن ذكر ذلك بعد ركعة شفعها، وتكون نافلة، وإن كان إمامًا استُخْلِفَ، كان كما أحرم، أو بعد ركعة. هذا قول مالك، وهو حسنٌ، وأَحَبُّ إِلَيَّ إن كان كما أحرم فَلْيُصَلِّ على إحرامه أربعًا، وإن كان صَلَّى ركعة أجزأه أن يُضِيفَ أخرى، وتكون صلاة سفر تُجْزِئُهُ حين أدرك منها ركعة، فإن كان إمامًا، فإن قيَّدَ ركعة، مضى على صلاة سفرٍ، وإن كان كما أحرم استَخْلَفَ لهم. وهذا الذي قَالَ ابْنُ المَاجِشُون إنه أوجب، وإنَّ قولَ مالك استحسانٌ.
ومن الْعُتْبِيَّة قال عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وإذا نوى مسافرٌ الإقامة فِي الصَّلاَةِ، بعد ركعة، وخلفه مسافرون ومقيمون، فليستخلفْ، فإن قدَّمَ مسافرًا، سلَّمَ من رَكْعَتَيْنِ، وسَلَّمَ المسافرون بسلامه، وأتمَّ المقيمون، وإن قدَّم حضريًّا، صَلَّى بهم ركعة، وأشار إليهم، ثم أتمَّ وَحْدَه، وسلَّمَ هو والسَّفَريُّون، ثم أتَمَّ المُقيمون. قال عيسى: وأَحَبُّ إِلَيَّ أن يَنْتَقِض عليهم أجمع.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وإذا اسْتَخْلَفَ هذا الخارج، فلا يُضِيفُ هو ركعةً، وليدخلْ معهم فيُتِمَّ بقيَّةَ الصلاة، وتُجْزِئُهُ. قال عيسى: بل يبتدئ هو، وهو أَحَبُّ إِلَيَّ.

(1/431)


قال سَحْنُون: اختلف قول ابن القاسم فيه، فقال: يَسْتَخْلِفُ. وقال: تَبْطُلُ عليه وعليهم. قال سَحْنُون: ثم لا يَقصر حَتَّى يظعنَ عن مكانه.
ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، ومن سافر ثم بَعَثَ غلامه في حاجة إلى منزله، وعزم أن لا يبرح حَتَّى يأتيه، فليقصرْ، إلاَّ أن يوقن أنه يُقيمُ أربعة أَيَّام، أو ينوي ذلك فليُتِمَّ حَتَّى يظعنَ.
وبعد هذا بابٌ في المسافر ينوي الإقامة بعد ركعة، وقد خرج وقت تلك الصلاة.

في المسافر يُتِمُّ الصلاة، وفي ائتمامه بمقيم،
وائتمام المقيم به، وفي إمام مسافر يُتِمُّ الصلاة
بمن خلفه
من الواضحة قال مالك: لا يجوز أن يُتِمَّ المسافرُ، لا وحده ولا خلفَ مُقيم، فإن فَعَلَ أعاد في الْوَقْتِ، إلاَّ في مثل جوامع المُدُنِ، وأمَّهات الحواضر، لا في مساجد عشائرها، ولا في القُرَى الصغار التي يُجَمِّعُون الجمعة في مسجدهم، فإن جَمَّع معهم في هذه أعاد في الْوَقْتِ. ولم يَرَ ابن القاسم أن يُعِيدَ حَتَّى يُتِمَّ وحده، وائتمام المُقيم بالمسافر في غير الجوامع العظام وموضع صلاة الأمراء أيسرُ في الكراهة، من ائتمام المسافر بالمُقيم، إلاَّ أن يُجَمَّعَ جماعة فيهم أهْلُ سَفَرٍ وأهل إقامة، وفي المسافرين مَنْ يُرْجَى بَرَكَة صلاته، فليُقَدِّمُوه، ولا يُقَدِّمُ المسافرون مقيمًا، وإن رَجَوْا فضله، وأما صلاة الصُّبْح والمغرب فلا تُكْرَه فيها إمامة مُقيم أو مسافر.
قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: ولولا أنَّ مالكًا وأصحابه لم يختلفوا أنَّ مَنْ أتمَّ في السفر إِنَّمَا يُعِيدُ في الْوَقْتِ، لاسْتَحْبَبْتُ أن يُعِيدَ أبدًا. قال غيره: ولم يَرَ مالكٌ الإعادة أبدًا؛ لقوَّة

(1/432)


اختلاف الصحابة في ذلك. وقَالَ ابْنُ سَحْنُون: القياس أن يُعِيد أبدًا. وذَكَرَ أنَّ قولَ مالكٍ، ومَنْ قال بِقَوْلِهِ: إنَّ فَرْضَ الصلاة في السفر رَكْعَتَيْنِ. وقال أبو الفرج: اختلف أصحاب مالك في صلاة السفر، فقال بعضهم: هي فَرْضُ المسافر. وقال بعضهم: هي سُنَّةُ السفرِ. وفي رِوَايَة أبي المصعب عن مالك أنها سُنَّةٌ.
ومن الْعُتْبِيَّة، من سماع ابن القاسم، قال: وكَرِهَ مالك للمسافرين أن يُقَدِّموا مُقيمًا، فإن فعلوا وائتمُّوا به لم يُعِيدُوا. قال مالك: ولو قَدَّمُوه لسِنِّهِ أو لفضله، أو لأنه صاحب المنزل فليُتِمُّوا معه. ولو شَيَّعَهم ذُو السِّنِّ والفضل فقَدَّمُوه لم أرَ به بأسًا.
قال مالك: وسمع سالم بن عبد الله بن عمر الإقامة في المسجد ببعض المناهل، فَصَلَّى في موضعه، ولم يأتِ المسجد فيُتِمَّ مع الإمام.
قال عنه أشهب: وكذلك فعل سالم في الجمعة وغيرها.
قال عنه أشهب في مسافرين نزلوا قرية فيأتيهم رَجُلٌ منها، فلا أُحِبُّ أن يُقَدِّموه، ولْيُقَدِّمُوا مسافرًا. وأما صاحب المنزل فلا بأس أن يتَقَدَّمَهُم؛ لأنه أحقُّهم وإن كان عبدًا. قال: وكان ابن عمر يُصَلِّي بمنى مع الإمام أربعًا.
ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، قال: وإذا افتتح المسافر على أربع متعمِّدًا، ثم بَدَا له فسَلَّمَ من رَكْعَتَيْنِ، فالذي ثبت عليه ابن القاسم أنها لا تُجْزِئُهُ. وكذلك حضريٌّ يُحْرِمُ على الإقصار، يظنُّ أنه مسافر فَلْيُعِدْ. وقاله أصبغ.

(1/433)


قال محمد: وإذا أحرم المسافر على أربع ساهيًا، على السفر أو على التقصير، أعاد في الْوَقْتِ. وإن افتتح على رَكْعَتَيْنِ فأتَمَّ ساهيًا أجزأه سجدتا السهو. وأما إن أتَمَّ عامدًا بعد أن أَحْرَمَ على رَكْعَتَيْنِ فَلْيُعِدْ أبدًا.
وكان ابن القاسم يقول في الناسي لسفره: يسجد بعد السَّلام. ثم رجع إلى ما ذَكَرْنَا. وهو الصواب.
قال محمد في باب آخَرَ، في مَنْ زاد في صلاة السفر ركعة سهوًا، قال: يُتِمُّها رابعة، ويُعِيد في الْوَقْتِ.
ومن الْعُتْبِيَّة، من سماع ابن القاسم، في السفريِّ يُتِمُّ في الحضر بمسافرين ناسيًا، فَلْيُعِدْ ويُعِيدُوا في الْوَقْتِ.
قال سَحْنُون: إذا أتَمَّ المسافر ناسيًا لسفره، أو مُتَأَوِّلاً، أو جاهلاً، أعاد في الْوَقْتِ، وأما إن افتتح على رَكْعَتَيْنِ، فأتمَّهما أربعًا ساهيًا، فَلْيُعِدْ أبدًا. كقول ابن القاسم في كثرة السهو. قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: تُجْزِئُهُ سجدتا السهو؛ لأن هذا ليس كسهو مُجْتَمَعٍ عليه.
ومن المجموعة، ابن القاسم، عن مالك في مسافر صَلَّى بمسافرين، فتمادى بعد رَكْعَتَيْنِ، فسَبَّحُوا به، فجَهِل، فتمادى، فليُسَبِّحُوا، ولا يَتَّبِعُوه. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَجْلِسوا حَتَّى يُتِمَّ، ويُسَلِّم ويُسَلِّمُوا بسلامه. قال: ويُعِيدُ هو في الْوَقْتِ. وقال مالك، في المختصر: يُسَلِّموا وينصرفوا. وفي موضع آخَرَ: يتمادى، ويُعِيدُوا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُسَلِّمُوا ويَدَعُوهُ أَحَبُّ إِلَيَّ. وهي رِوَايَة ابن وهب، وابن كنانة؛ لأنهم إن انتظروه، وهو جاهلٌ أو عامدٌ، فَسَدَتْ عليه وعليهم، وإن كان ساهيًا لزمهم سُجُود السهو معه.

(1/434)


وقال سَحْنُون في المجموعة: إن افتتح على أربع، جهلاً أو تأويلاً، أعاد في الْوَقْتِ، وأعادوا، إذ لو رَجَعَ إليهم حين سَبَّحُوا به لم يكن له ولهم بُدٌّ من الإعادة؛ لأن صلاته على أَوَّل نيَّة.
قال سَحْنُون: ولو افتتح على رَكْعَتَيْنِ، فتمادى سهوًا، أعاد أبدًا؛ لكثرة السهو، ويَنْبَغِي لمن خَلْفَه إذا انتهى إلى موضعٍ لو أَثْبَتُه لم تُجْزِهِ، فينبغي أن يستخلف السفريُّون مَنْ يُسَلِّمُ بهم، ويُتِمُّ المقيمون، ويُسلِّموا، ويصير كإمام أحْدَثَ بغلبةٍ. وقَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: إِنَّمَا أمَرَهم مالكٌ بانتظاره لاختلاف الناس في المسافر، فأما لو تَمَادَى الحضريُّ، فقعدوا ينتظرونه حَتَّى زاد رَكْعَتَيْنِ، لبَطَلَتْ صلاتهم، وفي زيادة المسافر رَكْعَتَيْنِ سهوًا لا يُبْطِلُها، بخلاف الحضريِّ، وليس بزيادة مُجْتَمَعٍ عليها.
ومن المجموعة، قال عليٌّ، عن مالك: إذا أتَمَّ بهم جهلاً أعادوا. وقال عنه ابن القاسم: في الْوَقْتِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أما الحضريون فيعيدون أبدًا. وقال أشهب: يُعِيد الإمام ومَنْ خلفَه في الْوَقْتِ. قال عليٌّ: والذي يُعْرَفُ في قول مالك، إن كان ساهيًا فليس عليه إلاَّ سُجُود السهو، ويبني مَنْ خلفه من مُقيم ولا يعتدُّوا بركعتي سهوه، ويسجدون للسهو كما يسجد. وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مثله. قال أبو محمد: أراه يريد: ولم يَتَّبِعُوه في رَكْعَتَي سهوه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فإن جهلوا، فاعتدُّوا بركعتي سهوه، أعادوا أبدًا. ولو أتَمَّ عامدًا، أعاد هو في الْوَقْتِ، والمقيمون أبدًا.

(1/435)


وفي باب اختلاف نية الإمام والمأموم بقية هذا المعنى مُسْتَوْعَبًا.
ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، في السفري يَؤُمُّ بمُقيمين ومسافرين، فيُتِمُّ بهم، فَلْيُعِدْ هو والسفريُّون في الْوَقْتِ. واختَلَفَ في المقيمين، فروى ابن عبد الحكم، عن مالك: يُعِيدُ المقيمون في الْوَقْتِ. وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يعيدون أبدًا. وقاله أصبغ. قال محمد: صوابٌ؛ لأنهم صَلَّوا بإمام ما لزمهم أن يأتُوا به أفذاذًا. وقيل: إن أَحْرَمَ على أربع أعادوا كُلُّهم في الْوَقْتِ، وإن أَحْرَمَ على رَكْعَتَيْنِ أعادوا كُلُّهم أبدًا. وقال محمد: سواء أتمَّ بهم سهوًا أو متعمِّدًا، فالإعادة في الْوَقْتِ. وإليه رجع ابن القاسم. بخلاف كثرة السهو للحضريِّ، إذ الاختلاف أن ذلك زيادةٌ، وهذا قد قيل إنه الذي عليه، ولم يَخْتَلِفْ أن الحضريَّ إن زاد في صلاته متعمِّدًا أبطلها، وليس كذلك المسافر إذا أتمَّ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إذا لم يُدْرِكِ المسافرُ من صلاة المقيم ركعةً، فليُصَلِّ على إحرامه ذلك صلاة سفر. قاله مالك.
قال سَحْنُون، في المجموعة، في مسافر صَلَّى خلْفَ مُقيم، فضحك فِي الصَّلاَةِ: إنه يَرجع فيُصَلِّي صلاة سفر.
ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، وإذا أتَمَّ المسافرُ الظُّهْرَ أربعًا، عامدًا أو ساهيًا، ثم نوى فيها الإقامة، فَلْيُعِدْهَا أربعًا، وإن خرج الوقت.
في السفري يَؤُمُّ الحضريين كيف يبنون بعده، وفي
الحضريِّ يُدرك من صلاة المسافر ركعة، كيف
يقضي ويبني، وكيف إن استخلفه السفريُّ
من الْعُتْبِيَّة، رَوَى عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في مسافر صَلَّى بمقيمين،

(1/436)


فسَلَّمَ من رَكْعَتَيْنِ، فليُتِمَّ المقيمون أفذاذًا، وإن أتَمُّوا بإمم أساءوا وأجزأتهم، وإن أعادوا فحَسَنٌ. وقال عنه موسى، يعيدون أبدًا أَحَبُّ إِلَيَّ. وكذلك لو صَلَّى بعضهم بإمام، وبعضهم بإمام.
وقال عنه سَحْنُون: إذا كان خلفه أهل إقامة وسفر، فأتمَّ بهم كلهم مُقيمٌ، فصلاته تامَّةٌ، ويُعِيدُ المقيمون والسفريون أبدًا؛ لأنه لا يكون في صلاة إمامان. كذلك لو أحدث، فقدَّم مقيمًا، فأتمَّ بالجميع، قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: لا تجزئهم إذا جَمعوا فيما عليهم أن يُصَلُّوا أفذذًا. وقال عنه عيسى في هذه المسألة: يُعِيدُ السفريُّون في الْوَقْتِ وتُجْزِئُ المقيمين، فإن أعادوا فحَسَنٌ.
قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: وإذا أدرك الحضريُّ من صلاة المسافر ركعة، فإنه يبني، ثم يقضي، وتصير صلاته جلوسًا كلها. وكذلك المسافر صَلَّى بحضريين صلاة الخوف، فإذا صَلَّى بالطائفة الثانية ركعة وسَلَّمَ، فليأتوا بركعتين بأمِّ القرآن أُمِّ القرآن، يجلسون فيهما، ثم بركعة القضاء بأم القرآن وسورة. وكذلك الراعف تفوته ركعةٌ وأدرك الثانية، ثم خرج فرجع، وقد تمَّتِ الصلاة، أو بَقِيَ منها ركعةٌ، فَلْيَبْنِ ثم يقضي. وقد قيل: يبدأ بالقضاء ثم بالبناء.
ورَوَى موسى عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في الْعُتْبِيَّة، في مسافر صَلَّى بمقيم ركعة، ثم دخل خلفه مقيمٌ آخَرُ فَصَلَّى معه الثانية، ثم أَحْدَثَ في تَشَهُّدِها، فقدَّمه، فقال: يُتِمُّ التَّشَهُّدَ، ثم يشير إليهم بالجلوس، ثم يَقومُ فيبدأ بالقضاء للركعة التي سبقه بها الإمام، ثم يُصَلِّي الركعتين الأخريين، ثم يُسَلِّمُ ويُسَلِّمُ مَنْ خلفه من مسافرٍ، ثم يبني الحضريون. وقَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: بل يبدأ بالبناء، ثم بالقضاء، ولا يتَّبع في بناء ولا في قضاء، فيأتي بركعة بأمِّ القرآن؛ لأنه بانٍ في

(1/437)


القراءة، ويجلس؛ لأنها ثانية له. يريد: ولا يَفْتَرِقُ الباني من القاضي إلاَّ في القراءة. قال: ثم يأتي بأخرى بأمِّ القرآن , ويجلس؛ لأنها آخِرُ صلاة الحضر، ولا يقوم إلى القضاء إلاَّ من جلوس، ثم يقضي ركعة بأم القرآن وسورة، ويتشهَّدُ ويُسَلِّمُ، فتصير صلاته كلها جلوسًا، ثم يُتِمُّ مَنْ خلفَه مِن مقيم. وكذلك لو قال له: بَقِيَتْ عليَّ سجدة. فإنه يَخِرُّ بسجدة، ويَتَّبِعُهُ فيها من دخل معه، ثم يقوم وحده، فيفعل ما ذَكَرْنا.
وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وغيره، وقاله سَحْنُون: إنه يبدأ بالبناء في هذا ونحوه، إلاَّ أنهم قالوا: يأتي بركعة ويجلس، ثم بركعة ويقوم، ثم بركعة ويجلس، وهي ركعة القضاء. يعنون لأنه إِنَّمَا يفترق القضاء من البناء في القراءة خاصة.
في إمام مسافر صَلَّى ركعة، ثم أحدث، فقَدَّمَ
حضريًّا، وهل يُؤْتَمُّ به فيما يبني، وكيف إن
جَهِلوا بالأول أحضريٌّ أم سفريٌّ
من كتاب ابن سَحْنُون، وإذا صَلَّى مسافر بمقيمين ركعة، ثم استخلف أحدهم، فَلْيُصَلِّ ركعة أخرى، ثم يومئ إليهم بالجلوس، ويقوم فيُتِمُّ، فإذا سلَّمَ قاموا فأتمُّوا. وقاله عبد العزيز. وقَالَ ابْنُ كنانة: إذا قام يُتِمُّ لنفسه قاموا فأتمُّوا لأنفسهم.
قتل ابن الْمَوَّاز: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وأشهب، وعبد العزيز، وعبد الملك، وأصحابنا المصريون: إذا صَلَّى بهم الحضري المستخْلَفُ الثانية، أشار إليهم حَتَّى يُتِمَّ صلاته، ثم يُسَلِّمُ فيُسَلِّمُ مَنْ خلفَه من السفريين بسلامه، ثم أتَمَّ المقيمون أفذاذًا. وهو قول أشهب، في المجموعة.

(1/438)


قال ابن الْمَوَّاز: وقَالَ ابْنُ كنانة: إذا قام يُتِمُّ لنفسه سلَّمَ السفريون، وأتمَّ المقيمون أفذاذًا. قال أَصْبَغُ: وقاله ابن القاسم، ثم رجع إلى أن لا يُسلِّمَ السفريون إلاَّ بسلامه. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فإن ائتمَّ المقيمون به فسدت عليهم دونه. وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَنْبَغِي أن يُقَدِّمَ مسافرًا، فإن قدَّمَ مقيمًا فليُقَدِّمْ هذا مسافرًا، فإن جَهِل فَصَلَّى بهم هذا المقيم بقية صلاة السفري، فقال له مالك: يُسَلِّمُ السفريون، ويُتِمُّ هو والمقيمون أفذاذًا. وقَالَ ابْنُ المَاجِشُون: بعد أن يُقَدِّمَ مسافرًا يُسَلِّمُ بالسفريين. وقَالَ ابْنُ أبي سلمة، وابن القاسم، وابن عبد الحكم، وأصبغ، وغيرهم: لا يُسَلِّمُ السفريون إلاَّ بسلامه، ثم يُتِمُّ المقيمون أفذاذًا. وهذا أحسن. فإن جهلوا فأتمَّ بالجميع، فليُعِد السفريون في الْوَقْتِ، وأحَبُّ إليَّ أن يُعِيدَ المقيمون. وقد تقدَّم القول في إعادة المقيمين أبدًا لابن الْمَوَّاز وغيره.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولو سَلَّم بهم ساهيًا، اجتزأ بذلك السفريون، وسلَّمُوا، وسجدوا بعد السَّلام لسهو إمامهم، ويجلس المقيمون حَتَّى يُتِمَّ هذا لنفسه ويسجد، ثم يتمون بعده أفذاذًا، ويسجدون للسهو بعد السَّلام. ولو سلَّم بهم عامدًا فسدت عليه وعليهم أجمعين.
ومن المجموعة، قال سَحْنُون: وإذا استخلف الإمام مقيمًا، فجَهِل هو ومَن خلفه في الخارج، أمسافرٌ هو أو مقيمٌ، فَلْيُصَلِّ بهم صلاة مقيمٍ، ثم يُعِيدُ مَن خلفَه من مسافر أو مقيم، فتفسد على السفريين، إذ لعل الأول مسافر، وعلى المقيمين أيضًا إن كان مسافرًا، إذا جمعوا بيما يلزمهم أن يُصَلُّوه أفذاذًا.
قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: وتُجْزِئُ المستخلف الحضري وحده. قال: ولو كان المستخلف سفريًّا، قال غيره في المجموعة: فَلْيُصَلِّ بهم صلاة مقيم. قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: ثم ليُعِدْ هو وكل مَنْ خلفه أبدًا، يُعِيد السفريون سفرية، والحضريون حضرية، فإن أمَّهم أحدٌ فمنهم لا من غيرهم. قال أبو محمد: يريد

(1/439)


إذ لعلَّ الأُولى أجزأتهم وقد صَلَّوها في جماعة، فلا يَصْلُحُ أن يُعِيدُوا على الترغيب مع إمام هي فرضه.
ومن المجموعة، قال غيره، فذكر نحو كلام ابن المواز، وقال: فإن شاءوا في الإعادة جمعوا بإمامة أحدهم، المستخلَف أو غيره من مسافر أو مقيم، مِمَّنْ كان خلف الإمام، فإن صَلَّى بهم مسافرٌ أتمَّ المقيمون بعده، وإن صَلَّى بهم مقيم أتمَّ معه السفريون؛ لأن الأُولى إن صَحَّتْ فهذه نافلة، وإن فسدَتْ فعلى جميعهم فسدتْ.
قال سَحْنُون: وإن أدرك مسافر ركعة مع إمام، ثم جهل أمقيم هو أم مسافر؟ فليتمَّها حضرية ثم يعيدها سفرية.

في الإمام الحضري يُقَدِّمُ مسافرًا، وكيف إن
قال له: ذكرتُ سجدةً مما صَلَّيتُ , وكيف إن
قال ذلك بعد قضاء السفريين
من الْعُتْبِيَّة، قال عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وإذا أحرم مسافرٌ خلف مقيم، ثم أحدثَ، فقدَّمه قبل أن يُصَلِّيَ شَيْئًا، فَلْيُصَلِّ بهم أربعًا. وكذلك لو لم يكن معه غيره؛ لأنه دخل في حُكْمِه لما بَقِيَ على الإمام من صلاته، ولو دخل معه في الجلوس الآخِرِ، لم يُصَلِّ هذا إلاَّ رَكْعَتَيْنِ.
ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، وإذا دخل مسافر مع حضري في تَشَهُّد الرابعة، فقدَّمه، فليومئ إليه بالثبات، ويُصَلِّي صلاة سَفَرٍ إن دخل على ذلك، ثم يُسَلِّم ويسلِّمون بسلامه، وأَحَبُّ إِلَيَّ حين قدَّمَه أن يُقَدِّمَ غيره.
ولو قال له حين قَدَّمَه: عليَّ سجدة لا أدري من أي ركعة. فقد قيل: إن

(1/440)


يسجدها هذا بهم، وأتى بركعة أجزأهم. فكذلك في سجدتين يأتي بهما وبركعتين.
وفي الْعُتْبِيَّة، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وأشهب، أنهم إن ائتمُّوا به في السجدة أبطلوا؛ لأنها له نافلة. وقد ذكرناه في أبواب الإمامة.
ولو ذكر ثلاث سجدات، فَصَلَّى هذا بهم ثلاث ركعات لبَطلتْ صلاة القوم. وإن صَلَّى بهم رَكْعَتَيْنِ، وقدَّم مَنْ يُصَلِّي بهم الثالثة، ويَتَشَهَّد بهم، ويُسَلِّمُ، أجزأتهم، ويسلم السفري المستخلَف قبله بسلامه، ثم يُعِيدها سفرية؛ لأنه أحرم على سفرية، وهو مع من وجبت عليه حضرية، بإدراكه بعض الصلاة، إلاَّ أنه لا يضُرُّ من أحرم على سفرية. يريد: ثم نوى أن يُتِمَّ. فلما صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بدا له، فسلَّم، فإنها تُجْزِئُهُ، ما لم يَزِدْ على رَكْعَتَيْنِ، فتبطل صلاته، وهذا ما لم ينوِ الإقامة عن سفره، فهذا لا ينفعه لو رجعتْ نِيَّتُه قبل أن يعمل شَيْئًا على نية السفر، وتبطل صلاته، بخلاف أن لو نوى إتمام صلاته وهو على نية السفر.
قال محمد: لا يُعْجِبُنا الجواب في السفري يدخل مع حضري في تَشَهُّد الرابعة، فقدَّمَه، وذكر له سجدة أو سجدتين؛ لأنه إِنَّمَا أحْرم على سفر، فلما ذكر الأول ما يُوجب على هذا الإتمام من ذِكْرِ سجدة، لزمه التمام، وقد أحْرم على خلافه، فلا يُؤْتمُّ به في شيء منها إلاَّ فسدن وليُقَدِّمْ غيره، فيسجدُ ويركعُ ويتَّبِعُه فيها، وكذلك في ثلاث ركعات، فإذا أتمَّ ذلك أتمَّ هذا ما بَقِيَ عليه تمام أربع ركعات، ثم أعاد سفرية.

(1/441)


وإذا أدرك السفري ركعة من صلاة الحضري، ثم قضى بعده ركعة، ثم رجع الأول فذكر سجدة من الرابعة، فإن رجع من قُرْبٍ يجوز له فيه البناء يجدها، وأعادُوا سجودها معه، ويبطُلُ ما عمل هذا بعده, ويأتنفُ ثلاث ركعات قضاء. وإن عقدَ هذا ركعةً في وقت لا يجوز للأول فيه البناء؛ إما لبُعْدٍ أو لكلام، أو حَدَثٍ، بَطَلَتْ صلاة هذا، ولا يُتِمُّها حضرية؛ لأن ركعة الحضر بطلتْ، ولا يُتِمُّها سفرية؛ لأنه أحرم على حضرية. ولو كان استخلفه، لم ينظر متى صَلَّى الركعة في قُرب أو بُعد، ويصير كإمام صَلَّى ركعة، ثم ذكر سجدة من ركعة قبلها، وقد سجدها مَنْ خلفه، فعليه قضاءُها، ولا شيء على مَنْ خلفه فيها، فإذا لزمه قضاء الركعة التي أدرك، خرج مِنْ أَن تلزمَه صلاة حضرة، وليبتدئ صلاة سفر، ويجعل هذه نافلة. ولو ذكر السجدة قبل يرفعُ رأسه من الركعة التي صَلَّى بعده، لسجد، وأعاد مَنْ خلفه السجدة معه، ويُتِمُّ صلاة حَضَر.
قال: ولو أدرك سفري ركعة من آخر صلاة الحضري، فصلاها معه، ثم استخلفه، وذكر سجدة – يريد من هذه – فليسجدْها بهم، ثم يقوم وحده فيأتي بركعة بأم القرآن وسورة، ويجلس، ثم يأتي بمثلها ويقوم، ثم بأم القرآن فقط، وهذا كلُّه قضاءٌ والأول بانٍ قاضٍ.
ولو أعْلَمَه بالسجدة بعدَ أن صَلَّى لنفسه ركعة، فقد سقط عنه وحده صلاة الحضر، إذ حيل بينه وبين إصلاح الركعة التي أدرك، ويُضيف إلى هذه الركعة ن ثم يُسَلِّمُ، ويبتدئ صلاة سفر، ويسجد القوم، وإن قدَّمُوا مَنْ يسجد بهم فحسن. وعلى أصل سَحْنُون، تصير الركعة التي صَلَّى لنفسه كأنه استُخْلِفَ عليها. وقال نحوه ابن الْمَوَّاز قبل هذا.
ولو أدرك حضريٌّ ركعة من صلاة المسافر لكان بانيًا قاضيًا, ويبدأ بالبناء، وتصير صلاته كلها جلوسًا، في قول ابن الْمَوَّاز. وقد تقدَّم ذِكْرُ الاختلاف فيها.

(1/442)


في المسافر يُصَلِّي ركعة، فيذهب الوقت، ثم
ينوي الإقامة أو يغمي عليه، أو تحيض الْمَرْأَة
حينئذ، وقد خرج وقت تلك الصلاة بعد
الركعة
من كتاب ابن الْمَوَّاز، وعن مسافر نسي العصر حَتَّى بَقِيَ عليه من النهار ركعة، فَصَلَّى الركعة، وغربت الشمس، ثم نوى الإقامة، فإن صلاته تبطلُ، ويبتدئ صلاة حَضَر. وقال أَصْبَغُ: يبتدئ صلاة سفر؛ لأنه نوى الإقامة بعد خروج الوقت، فكأنه يقضي ما لزمه.
قال محمد: ولو ابتدأها بعد غروب الشمس، لم تضُرَّه نية الإقامة، وليتمادَ فيها سفرية. ولو أُغْمِيَ عليه فيها، فلا بُدَّ من قضائها. ولو أحرم لها قبل الغروب، ثم أُغْمِيَ عليه فيها بعد الغروب لسقطت عنه.
قال أَصْبَغُ: وكذلك امرأة صَلَّت ركعة من لعصر، ثم غابت الشمس، ثم حاضتْ، فإنها تسقط عنها إعادتها. قال محمد: قوله في هذه حسنٌ؛ لأنها لما ابتدأتها في الْوَقْتِ، لم يضُرَّ خروج الوقت وهي فيها، وكأنها في وقتها حاضتْ. وأما قوله في المسافر فلا يُعْجِبُنِي. ثم رجع محمد إلى قول أصبغ.
وقال سَحْنُون: وإما المسافر فيتمادى، ولا يضُرُّه بعد خروج الوقت، وأما الْحَائِض فلتقضها؛ لأنها حاضت بعد خروج الوقت.
قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: ومن خرج لثلاث ركعات، ناسيًا للظهر والعصر، فلزمتاه سفريتين، فأعمي عليه في تَشَهُّد الظهر حَتَّى غربت الشمس، فلا قضاء عليه لهما، إن بَقِيَ من الشمس شيء قبل إغمائه. ولو خرج لمقار رَكْعَتَيْنِ، فلزمه

(1/443)


ظهرٌ حضريٌّ، وعصر سفريٌّ، فاغمي عليه في الرابعة من الظهر. فلا تسقط عنه ظهرٌ ولا عصر، وليقضهما. ولو أنه لم يُفِقْ إلاَّ لأربع ركعات قبل الْفَجْر، فليقضِ ظهرًا حضريًّا، وعصرًا سفريًّا، كما لزمه، وأما المغرب والعشاء، فاختلف قول ابن القاسم فيهما، فقال: لا شيء عليه فيهما حَتَّى يبقى لهما وقت بعد قضاء ما لزمه. وقال: بل يُصَلِّيها بعد ذلك.
ومن كتاب ابن سَحْنُون، عن أبيه، قال: وإذا نوى المسافر الإقامة في الصُّبْح وفي المغرب لم تفسدْ؛ لأنهما لا يُقْصران. ولو سافر لثلاث ركعات، ناسيًا للظهر والعصر، فلمّا صَلَّى ركعة، نوى الإقامة، فَلْيُصَلِّ ظُهْرًا سفريًّا، وعَصْرًا حضريًّا. ولو كانت امرأة، فحاضت بعد ركعة، لم تقضِ إلاَّ الظهر.
قال: وإذا أمَّ مسافرٌ بمقيمين ومسافرين، ثم نوى الإقامة بعد ركعة، فليستخلفْ، فإن استخلف مسافرًا صَلَّى بهم ركعة ثانية، وسلَّمَ، وأتمَّ المقيمون، وإن استخلف مقيمًا صَلَّى بهم ركعة، ثم أشار إليهم حَتَّى يُتِمَّ ويُسَلِّمُ، ويُسَلِّمُ معه السفريون، ويُتِمُّ المقيمون لأنفسهم.

في مَنْ أحرم بصلاة حَضَر، فذكر فيها أنها عليه
سفرية، أو ذكر أن عليه ثوبًا نجسًا، أو حالتْ
نيته بعد أن أحرم على ما لزمه
من كتاب ابن الْمَوَّاز، ومن أحرم في صلاة على أنها لزمته حضرية، ثم ذكر فيها أنها لزمته سفرية، فإن كان في وقتها قطع في ركعة ورَكْعَتَيْنِ، وإن صَلَّى ثلاثًا

(1/444)


أتمَّها أربعًا، وأعاد في الْوَقْتِ. وإن كان في غير وقتها قطع في رَكْعَتَيْنِ، فإن كان قد صَلَّى ثالثة، تَمَادَى ولم يُعِدْ، وليس كمن أحرم في صلاة بعد الوقت بثوب نجس، ثم ذكر فيها نجاسة، أو أحرم به متعمِّدًا؛ لأن هذا لو تعمَّدَ وتَمَادَى بعد الذِّكْر متعمِّدًا، لأعاد أبدًا، والأول لو تعمَّد إتمامها، لم يُعِدْ إلاَّ في الْوَقْتِ.
وقال سَحْنُون، في كتاب ابنه: وإن أحرم مسافر في صلاته، ثم ظنَّ أنه مقيم، ثم ذكر في آخرها، قال: إن أعادَ فحَسَنٌ، وإلاَّ رجوتُ أن تُجْزِئُهُ.

في مَنْ خرج لمقدار من الوقت، ناسيًا لسجدة
أو سجدتين من الظهر والعصر، وكيف إن
صَلَّى الصلاتين سفريتين، ثم ذكر سجدة من
أحدهما بعد ما سَلَّمَ، أو قبلُ
من كتاب ابن الْمَوَّاز، ومن سافر لركعتين من النهار، ناسيًا للظهر والعصر، فأتى بالظهر حضرية، والعصر سفرية، فذكر سجدة لا يدري من أيتهما هي، فإن لم يُسَلِّم من العصر أصلحها بسجدة وركعة وسجدتين للسهو بعد السَّلام، وأعادهما كما صلاهما، وإن ذكر بعد أن سلَّم من العصر، فإن قرُب أصلحهما بما ذَكَرْنا، وأعاد الظهر حضريًّا فقط، وإن خرج لمقدار رَكْعَتَيْنِ، ناسيًا للسجدة من الظهر أو من العصر، فَلْيُصَلِّهما سفريتين، يبدأ بأيهما شاء، ثم إن ذكر سجدة من أحدهما قبل أن يُسلِّمَ من الآخِرَة، أو بعدُ، فذلك في هذه سواء، لأنه لا يُطَالَبُ غير صلاة وَاحِدَة، فيُصلح هذه بمثل ما ذَكَرْنَا، ثم يُعِيد الظهرَ

(1/445)


فقط سفرية. ولو خرج لهذا المقدار، ناسيًا لسجدتين، لا يدري من الصلاتين أو من أحدهما، فليبدأ بظهر حضريٍّ، ويعيده سفريًّا، إن شاء قبل العصر أو بعده، والعصر سفريًّا، فإن صلاهنَّ والعصر آخرهنَّ، ثم ذكر سجدة بعد أن سلَّمَ من العصر، فليُصلحهما بالقرب بسجدة وركعة وسجدتين للسهو، ثم إن كان بدأ في الظهرين بالسفري، لم يُعِدْ غير ظهر حضريٍّ، وإن بدأ بالحضريِّ، أعاد الظهرين، وإن ذكر ذلك قبل أن يسلمَ من العصر، فليصلحهما بما ذَكَرْنَا، ويُعِيد الثلاث صلوات، إن كان بدأ بالظهر الحضريِّ، وإن بدأ به سفريًّا، أعاد حضريًّا، ثم العصر؛ لأنه كمَنْ ذكر فيها صلاة قبلها. وإِنَّمَا قُلْتُ في الوجهين: يُعِيد الظهرين إذا بدأ به حضرًا؛ لأنه إن كانت السجدة منها، لم تُجْزِئُهُ السفرية عنها، وإن كانت من السفرية لم تُجْزِئُهُ الحضرية عنها؛ لأنه صلاها أَوَّلاً على أن يعيدها سفرية، وإذا بدأ بالسفرية، فكانت منها، فالحضرية تنوب عنها، كمن صَلَّى حضرية يظنُّها يلزمه كذلك، فأدَّاها سفرية، وقد خرج الوقت، ولم يُصَلِّها ليعيدها، فتجزئه. وكذلك مَنْ ذكر ظُهْرًا في يوم آخَرَ، لا يدري أحضريٌّ أم سفريٌّ، فصلاها حضرية وسفرية، ثم ذكر بعد السَّلام من الآخِرَة سجدة، وكان بالقرب، فليصلحها بسجدة وركعة وسُجُود السهو، فإن تكن هذه التي صلاها آخِرَ الحضرية، لم يُعِدْ غيرها، وإن تكن السفرية أعادها حضرية.
ومن خرج رَكْعَتَيْنِ، ناسيًا للظهر، شاكًّا في العصر، فالجواب فيها كالجواب في المسألة الأولى، فمن ذكر عند خروجه سجدتين، لا يدري من الظهر أو من العصر أو منهما، فإن أتى بالصلوات، ثم ذكر سجدة، فكما ذَكَرْنَا في المسألتين. وإن

(1/446)


ذكر سجدتين قبل أن يُسَلِّمَ من العصر، لا يدري من أي صلاة، فليصلح العصر، ويُعِيد الثلاث صلوات، بدأها هنا بالظهر الحضري أو السفري، فهو سواء في ذِكْرِه السجدتين بعد أن صَلَّى الصلوات، وإن ذكر بعد سلامه منها، وهو بالقرب، أصلحها، وأعاد الظهرين، وإن تباعد أعاد الثلاث صلوات.

في مَنْ سافر، أو قدم لوقت، أو امرأة تحيض
أو تطهر، وعليهم صلاة أو صلوات، وكيف إن
لم يدر المسافر أمن يوم قدومه أو من يوم
خروجه
من كتاب ابن سَحْنُون، ومَنْ سافر لثلاث ركعات فأكثر من النهار وعليه الظهر والعصر، فليقصرهما، ولو كانت امرأة فحاضت حينئذ في سفرها لم تقضهما، ولو خرج لركعة أو رَكْعَتَيْنِ، صَلَّى الظهر حضريًّا، يبدأ به، والعصر سفريًّا، فإن كانت امرأة فحاضت حينئذ، فلا تَقْضِي إلاَّ الظهر حضريًّا.
وإن خرج لثلاث ركعات، ذاكرًا للظهر، مصليًا للعصر، فَلْيُصَلِّ الظهر سفريًّا، ويُعِيد العصر.
ولو خرج لركعتين، لم يُعِدِ العصر.
ولو خرج لثلاث ركعات ناسيًا للظهر والعصر، فلم يذكر حَتَّى غربت الشمس، فَلْيُصَلِّهما كما لزمتاه سفريتين.
ولو كان خرج لركعتين، صَلَّى ظهرًا حضريًّا وعصرًا سفريًّا، يقضيهما.

(1/447)


ولو دخل لخمس ركعات ذاكرًا لهما صلاهما حضريتين، ولو كانت امرأة، فحاضت حينئذ، لم تقضهما.
ولو دخل لأربع، صَلَّى الظهر سفريًّا، والعصر حضريًّا، ولا تَقْضِي إن كانت امرأة حاضت حينئذ عند الظهر سفريًّا.
ولو دخل لخمس، مصلِّيًا للعصر دون الظهر صَلَّى الظهر، وأعاد العصر، وإذا دخل لأربع لم يُعِدْه، فالوقت لآخر الصلاتين، فإن كان صَلَّاها، فالوقت للفائتة.
ومن ذكر ما فات، فليقضه، وليُعِدْ ما أدرك وقته، فالوقت في هذا إلى غروب الشمس، فإن بَقِيَ خمس ركعات بعد القضاء، أعاد الظهر والعصر، وإن بَقِيَ أربع، أعاد العصر, ولو صلاها ثم بَقِيَ قدر ركعة، لأعاد الظهر فقط.
ولو ذكر بعد سلامه من صلاة القضاء، أنه صلاها بثوب نجس، لم يُعِدْ، كالذي زال وقته.
ولو كانت صلاته الظهر والعصر اللتين أعاد، بثوب نجس فليعدهما، إن بَقِيَ خمس ركعات، وإن بَقِيَ أربع لم يُعِدْ إلاَّ العصر. وعلى مذهب ابن القاسم، إِنَّمَا يراعي صُفْرَة الشمس في الثوب النجس.
ولو خرج لثلاث ركعات، مصليًا للعصر، ناسيًا للظهر، فذكر بعد الغروب، فلا يُصَلِّي إلاَّ الظهر فقط.
وإن خرجت امرأة لركعة من النهار ولم تُصَلِّ العصر، فلما صَلَّت ركعة منها حاضت، فلتقضها؛ لأنها حاضت بعد الوقت.
وأكثر هذا الباب مكرَّرٌ في بابين تقدَّما في مقادير الوقت لِلْمُسَافَرِ، ومن أسلم ومن احتلم في الجزء الأول.
ومن خرج لركعتين، ناسيًا للظهر مصليًا للعصر، فلزمه ظهر سفريٌّ، فلما

(1/448)


صلى منه ركعة شك في العصر، فليُتِمَّ الظهر سفريًّا، ولا يُعِيدُه حضريًّا ويُصَلِّي العصر سفريًّا، ولو شك في العصر قبل أن يُحْرِمَ في الظهر، فليأت بظهر حضري، ويعيده سفريًّا، ثم بعصر سفريٍّ. ولو نابه هذا لدخوله، وقد دخل لأربع ركعات، فشكَّ في العصر بعد ان صَلَّى بعض الظهر فليتِمَّها، ثم يُعِيدُها رَكْعَتَيْنِ، ثم العصر أربعًا.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إِنَّمَا ينظر المسافرُ إلى الوقت دخوله وخروجه، ليس بعد وضوئه إن كان مُحْدِثًا، ولا بعد غُسْلِه إن كان جُنُبًا.
ومن كتاب ابن الْمَوَّاز، ومن سافر ثم قَدِمَ، فذكر أنه ناسٍ للظهر، شاكٌّ في العصر، لا يدري أَمِنْ يوم خروجه أو قدومه، وخرج لركعتين، وكذلك إن قدم، فَلْيُصَلِّ ظهرًا سفريًّا، وظهرًا حضريًّا، وعصرًا كذلك؛ لأنه عن يوم واحدٍ يقضي، وينوي ما لزمه.
ولو ذكر صلاة أو سجدة منها، لا يدري أظهرٌ أم عصرٌ، لا يدري من يوم دخل، أو من يوم خرج، وقد خرج لركعة فأكثر، ودخل لأربع فأكثر، أو لركعة، فَلْيُصَلِّ ظُهْرًا وعَصْرًا سفرًا ليوم خروجه، ويعيدهما حضرًا ليوم دخوله لمطالبته بصلاة وَاحِدَة.
ولو ذكر الصلاتين من أحَدِ اليومين، فإن خرج لثلاث فأكثر، ودخل لخمس فأكثر، فَلْيُصَلِّ أربع صلوات، كما ذَكَرْنَا. وكذلك لو خرج لركعتين فأقلَّ، ودخل لأربع فأقلَّ، أما لو اتسع الوقت في أحد اليومين، وضاق في الآخَرِ، لصلى ثلاث

(1/449)


صلوات. يريد محمد: إن يخرجْ لركعتين، ويدخل لخمس، صَلَّى ظُهْرًا حضريًّا وعَصْرًا حضريًّا، وسفريًّا، وإن خرج لثلاث، ودخل لأربع، صَلَّى الظهر سفريًّا، والعصر سفريًّا وحضريًّا.

(1/450)


في إلزام الجمعة، ومن يلزمه السعي، وصفة
القرى التي يُجَمِّعُ أهلها، وهل يُجَمِّعُ في
المصر في موضعين؟
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: شهود الجمعة فَرِيضَة ن ومن تركها مرارًا لغير عذر لم تجز شهادته. قال مالك في المختصر: ومن كان على ثلاثة أميال، أو زاد يسيرًا لزمهم السعي. ومن الْعُتْبِيَّة، قال عنه أشهب: إِنَّمَا يجب أن ينزل لها من على ثلاثة أميال فأقلَّ. قال: نزل في الْعِيدَيْنِ قوم من ولد عمرَ من ذي الحليفة، وما ذلك على الناس، والجمعة في كل سبعة أَيَّام ولأن الْعِيدَيْنِ في الزمان. يريد ليس ذلك عليهم في الجمعة. قال عنه عليٌّ، في المجموعة: عزيمة الجمعة على كل من كان بموضع يسمع منه النداء، وذلك على ثلاثة أميال ن ومن كان أبعد فهو في سعة، إلاَّ أن يرغب في شهودها، فذلك حسن. قال عنه ابن القاسم: تجب الجمعة على أهل القرية التي اتصلت دُورُها وأسواقها، وبها جماعة من الناس. وربما لم يَذكر الأسواق، ويذكر اتصال البنيان. وقال في المختصر: إذا كانت بيوتها متصلة وطرقها في وسطها، وفيها سوق ومسجد يُجَمَّع فيه للصلاة فليُجَمِّعوا، كان لهم والٍ أو لم يكن لهم. قال عنه ابن القاسم, في المجموعة: وإن لم يكن عليهم والٍ، فليقدموا من يُجَمِّع بهم ويخطب. قال عنه عليٌّ: وبأمر الإمام أَحَبُّ إِلَيَّ. قال أشهب: عن عطَّلها الإمام، أو سافر عنها،

(1/451)


أو يضرُّ بهم، فنهاهم ان يُصَلّوها، فإن أمنوا منه إذا أقاموها فليقيموها، وإن كان على غير ذلك، فَصَلَّى رجل الجمعة بغير أمر الإمام، لم تجزهم ويُعِيدُوا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ومن كان من أهل القرى غير الحاضرة أو من القرية التي يُجَمَّعُ فيها على أقل من بريد، فلا يُجَمِّعوا حَتَّى يكونوا على بريد فأكثر. وبذلك كتب عمر بن عبد العزيز.
ومن الْعُتْبِيَّة: أشهب عن مالك: وليس على أهل العمود جمعة. وهي على أهل القرى وإن لم يكن عليهم والٍ. قال عيسى: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ولا يُصَلّوا الْعِيدَيْنِ إلاَّ بخطبة، والخصوص والمحالُّ إذا كانت مساكنهم كالقرية في اجتماعها ولهم عدد، فعليهم الجمعة والخطبة، وإن لم يكن لهم والٍ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك في أهل أذَنَة ونحوها من المسالح، قال: إن كانوا في قرى جمَّعوا، إِنَّمَا هي على أهل القرية إن كان لهم عدد. وقال في قرية أو ثغر يرابط فيه قوم ستة أشهر: فإن كان فيها بيوت متصلة وسوق، فليجمَّع أهلها، وإلاَّ فلا.
ومن كتاب ابن حبيب، قال مُطَرِّف، وابن المَاجِشُون، عن مالك: إن ثلاثين بيتًا وما قاربهم جماعة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإذا كانوا أقلَّ من ثلاثين من قرية وَاحِدَة، فلا يجمِّعوا، وإذا كانت قرية ليست من قرى التجميع وحولها قرى صغار، فاجتمع من حولها إليها، فلا يجمِّعوا حَتَّى تكون القرية ضخمة، فيها نحو من الثلاثين بيتًا، وإلاَّ فلا.

(1/452)


ومن سماع ابن وهب، قيل: فحصون على الساحل؟ قال: إِنَّمَا هي على أهل القرية، إن كانوا أهل قرية جمَّعوا، وأما غير أهل قرية، فلا أدري.
ومن كتاب آخر، قَالَ ابْنُ وهب، في قوم على الساحل مقيمين للرباط، وليس فيه حصن ولا قرية، وهم فيه جماعة. قال: إن كانوا بموضع إقامة، فلهم أن يجمَّعوا. وذكر عن سَحْنُون، أنه لم ير الجمعة على أهل حصن المنستير. وقال زيد بن بشر: إن كان الحصن على فرسخ من موضع الجمعة، فليأتوا الجمعة ويُخْلِفوا في الحصن من يحرسه، فأما إن كان على أكثر من فرسخ، فإن كان في الحصن خمسون رجلاً فأكثر فليكلِّموا الوالي ليأمر من يخطب بهم ويجمِّع.
وذُكِر لابن سَحْنُون القرى التي أُحْدِثَتْ فيها المنابر، فأنكر ذلك، وقال: ومن جمَّع فيها فلا يُعِيد؛ لِلاخْتِلافِ في ذلك. ولو كان ذلك واجبًا لأقامها لهم سحنونٌ إذْ وُلِّيَ، كما أقام قلشانة، وسفاقُس، وسوسة.
ومن الْعُتْبِيَّة، من سماع ابن القاسم، وعن الأمير يستخلف من يُصَلِّي بالقصبة الجمعة، ويجمِّع هو بطائفة في طرف المصر الجمعة؟ قال: فالجمعة لأهل القصبة. قال يحيى بن عمر: وقاله محمد بن عبد الحكم. أما الأمصار العظام؛ مثل مصر وبغداد، فلا بأس أن يُجمِّعوا في مسجدين للضرورة، وقد فُعِل ذلك والناس متوافرون، لم ينكروه.

(1/453)


في تخلُّف الإمام عن الجمعة، أو هروب الناس
عنه
من كتاب ابن سَحْنُون، قال بعض أصحابنا: إذا تخلَّفَ الإمام عن الناس يوم الجمعة، ولم يجدوا من يجمِّع بهم، صَلُّوا الظهر أفذاذًا، إذا خافوا فوات الوقت، والوقت فيه ما لم تصفَرَّ الشمس. فأنكر هذا سَحْنُون، وقال: لا يُصَلّون حَتَّى لا يبقى من الوقت إلاَّ ما يصلون فيه بعض العصر بعد الغروب، وربما تبيَّنَ لي وبمقدار أن يُصَلّوا ويبقى أربع ركعات للعصر! يريد سَحْنُون: وهم على رجاء من إقامتها. فأما إن أيقنوا أنه لا يأتي، أو لا تقام، فلا يُؤَخِّرُوا الظهر.
قال سَحْنُون: وإذا هرب الناس عن الإمام هربًا أيس منهم فيه، صَلَّى الظهر مكانه، ولو كان قد أحْرَمَ، أو عقد ركعة، بنى على إحرامه ظُهْرًا، ولو لم ييأس منهم، جعل ما أحْرَمَ فيه نافلة رَكْعَتَيْنِ، وسلَّم، وانتظرهم حَتَّى لا يبقى من النهار إلاَّ ما يُصَلَّى فيه الجمعة – يريد ك ويخطب – وتبقى ركعة للعصر. وقال سَحْنُون، في المجموعة: إن بَقِيَ معه من عدد الرجال دون النساء والعبيد والمسافرين ما يصلح أن يبدأ بمثل عددهم الجمعة تَمَادَى. وإلاَّ جعلها نافلة؛ كان قد صَلَّى ركعة أو رَكْعَتَيْنِ وهو فِي التَّشَهُّدِ، فإنها تبطل أن تكون جمعة، ويُسَلِّم بهم، وينظرهم إلى مقدار أن يُدرك الجمعة – يعني بعد الخطبة – ويبقى للعصر ركعة قبل الغروب. ومن كتاب آخر، رُوِيَ أن النبي صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا بَقِيَ معه بضعة عشر رجلاً، حين خرجوا عنه، وهو يخطب، إلى العير التي أقبلت، فنزلت: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} (الجمعة: 11).

(1/454)


ومن الرابع من الأمالي لابن سَحْنُون، قال أشهب: إذا تفرقوا عنه بعدما صَلَّى بهم ركعة من الجمعة، وبَقِيَ وحده، فإنه يُصَلِّي ثانية، وتصبح له جمعة. قَالَ ابْنُ سَحْنُون: وهو القياس. قال: لقول النبي صَلَّى الله عليه وسلم: ((من أدرك من الصلاة ركعة، فقد أدركها)). قال سَحْنُون: لا تصح له جمعة، ولو أمرته أن يضيف إلى الركعة أخرى فتصح له الجمعة، ثم رجع الناس إليه مكانه، فأمرتهم بإعادة الجمعة، استحال إقامة الجمعة في المصر مرتين، وإن أمرتهم بترك الجمعة، كنت قد أمرتهم بإبطال الجمعة والوقت قائم والجماعة حضروا والإمام قائم.
قال أشهب: وإن هرب عنه الرجال الأحرار، فلم يبق إلاَّ عبيد أو نساء،

(1/455)


لا رجل معهن، فَلْيُصَلِّ بهم الجمعة رَكْعَتَيْنِ. قال سَحْنُون: لا يقوم الجمعة بالعبيد ولا بالنساء؛ لأنها ليست عليهم.
وقَالَ ابْنُ الْمَوَّاز: قال أَصْبَغُ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وإذا لم تصل الجمعة حَتَّى اصفرت الشمس، إنها تُصَلِّي تلك الساعة جمعة. قال أَصْبَغُ: لا يُعْجِبُنِي أن تُصَلِّي جمعة إذا دنا الغروب.

في مَنْ يعذر بالتخلف عن الجمعة، ومن لا
يعذر، وهل لمن حَضَر العيد في يَوْمهَا أن
يتخلف عنها
من (العتبية)، رَوَى ابن القاسم، عن مالك، أنه أجاز أن يتخلف الرجل عن الجمعة لجنازة أخ من إخوانه؛ لينظر في أمره. قال عنه ابن حبيب: وإذا مات عنده ميت، فله التخلف عنها، والشغل بجنازته. قال مالك: وكذلك إن كان له مرض يخشى عليه الموت. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال بعض التابعين: ولو بلغه وهو في الجامع أن أباه وجع يخشى عليه الموت، فله أن يخرج إليه والإمام يخطب. وقد استصرخ ابن عمر على سعيد بن زيد، وقد تأهب للجمعة، فتركها، وخرج إليه إلى العقيق.
ومن (الْعُتْبِيَّة)، ابن القاسم، عن مالك: ولا يتخلف العروس عن حضور

(1/456)


الجمعة ولا عن الصلوات الخمس في جماعة. قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وإِنَّمَا لها أن يقيم عندها دون نسائه. قال سَحْنُون: وقال بعض الناس: لا يخرج عنها، وذلك حق لها السنة.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عن مالك: ولا أحب التخلف عنها لدين عليه يخاف فيه من غريمه. قَالَ ابْنُ سَحْنُون عن أبيه: إذا خاف من غرمائه الحبس فلا عذر له في التخلف لذلك، وإن كان عديما، وأما إن خاف على نفسه القتل إن خرج فَلْيُصَلِّ في بيته ظهرا.
ومن (المجموعة)، قَالَ ابْنُ نافع: قيل لمالك: أيتخلف عنها في اليوم المطير؟ قال: ما سمعت قبل بالحديث: (ألا صلوا في الحال)؟ قال: ذلك في السفر.
ومن (الواضحة)، قال مالك: وليس على المريض والشيخ الفاني جمعة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وليس على الأعمى جمعة إلاَّ أن يكون له قائد فيلزمه، ولا جمعة على مسجون.
قال: والجمعة على الجذماء مِمَّنْ يمشي منهم، وليس للسلطان منعهم من دخول المسجد في الجمعة خاصة، وليس لهم مخالطة الناس فيه في غيرها من الصلوات. وقاله مطرف.

(1/457)


ومن (كتاب ابن سَحْنُون)، وعن أهل البلاء يكونون في المصر على ميل أو أقل أو أكثر؟ قال: لا جمعة عليهم وإن أكثروا، ولا أرى أن يصلوا الجمعة مع الناس في مصرهم، ولهم أن يجمعوا ظُهْرًا بإقامة بغير أذان في موضعهم. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وقد جاء أن النبي صَلَّى الله عليه وسلم أرخص في التخلف عن الجمعة لمن يشهد صلاة الفطر أو الأضحى صبيحة ذلك اليوم من أهل القرى الخارجة عن المدينة؛ لما في رجوعهم من المشقة، على ما بهم من شغل العيد، وقد فعله عثمان في إذنه لأهل العوالي أن لا يرجعوا إليها. ورَوَى مُطَرِّف، وابن المَاجِشُون نحوه عن مالك، وانفرد ابن القاسم بروايته عنه، أنه لم يأخذ بإذن عثمان لأهل العوالي. وقد قاله ابن شهاب، وزيد بن أسلم. وفعله عمر بن عبد العزيز.
في الرجل أيسافر يوم الجمعة قبل أن يصليها،
والمسافر هل يأتيها؟ وكيف إن صَلَّى الظهر ثم
دخل المصر، هل يصليها؟
من (المجموعة)، قال علي، عن مالك، في المسافر يمر بقرية مجتازًا.

(1/458)


قال: ليس عليه شهود الجمعة. قال عنه ابن نافع: وصلاته مع أصحابه أَحَبُّ إِلَيَّ، وإن شهدها فواسع.
قال: وقال له رجل من أهل المدينة: إني أغدو من المدينة أحتطب على جملي، فلا أرجع حَتَّى اللَّيْل. فقال له: إن كنت حين الصلاة بمكان لا تجب على أهله الجمعة، فلا جمعة عليك. قال عنه ابن وهب: ومن أراد السفر يوم الجمعة، فَأَحَبُّ إِلَيَّ أن لا يخرج حَتَّى يشهد الجمعة، فإن لم يفعل، فهو في سعة. قال عنه علي: لا بأس بذلك. قال عنه علي، وابن وهب: ما لم تربع الشمس، فإذا زاغت، فلا يخرج حَتَّى يشهدها. قال عنه ابن القاسم، في (الْعُتْبِيَّة): لا يُعْجِبُنِي أن يسافر يوم الجمعة إلاَّ من عذر. قال موسى بن معاوية: قَالَ ابْنُ المسيب: السفر يوم الجمعة بعد الصلاة. قال مالك، في (المختصر): لا أحب أن يخرج حَتَّى يصليها، فأما إن زاغت الشمس، فواجب أن لا يخرج حَتَّى يصليها. ومن (كتاب ابن حبيب)، قال أَصْبَغُ: وإذا صَلَّى المسافر الظهر يوم الجمعة، ثم دخل أهله، فإن كان إن مضى إلى الجمعة أدرك ركعة، فعليه أن يصليها. وقَالَ ابْنُ المَاجِشُون؛ لأنه صار من أهلها، فانتقض ما كان صَلَّى. وقاله عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في الْعُتْبِيَّة. وذكر ابن الْمَوَّاز مثله عن مالك. قال: وكذلك المريض يفيق في وقت تدرك منها ركعة بغير تفريط، وإن لم يُفَرِّط، ولكن انتقض وضوءهما في صلاة الجمعة، فليخرجا ويعيدا الظهر. وقاله أشهب. ومن أحرم منها بعد رفع الإمام رأسه من الثانية، ولم يُفَرِّطْ صَلَّى على إحرامه رَكْعَتَيْنِ نافلة، ولم يُعِدْ.
ومن كتاب ابن سَحْنُون، وإذا صَلَّى مسافر الظهر عن وطنه لستة أميال فليس عليه إذا قدم أن يأتي الجمعة، إلاَّ أن يصليها على ثلاثة أميال عن وطنه، فعليه أن يصليها مع الناس. وقاله سَحْنُون. ورَوَى عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في

(1/459)


الْعُتْبِيَّة، أن عليه أن يأتي الجمعة إذا أدركها، وإن كان قد صَلَّى قبل دخوله. ولم يذكر عيسى متى صَلَّى. وكذلك ذكر ابن حبيب، عَنِ ابْنِ المَاجِشُون , وهذا في باب آخر. قال عيسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: فلو أحدث الإمام فقدمه فَصَلَّى بهم لأجزأهم.
ومن المجموعة، قال أشهب: وإذا صَلَّى مسافر الظهر في جماعة، ثم قدم فصلاها جمعة، فالأولى فرضه، وكان يَنْبَغِي أن لا يأتي الجمعة، وكذلك في غير الجمعة، لا يَنْبَغِي إذا دخل الحضر أن يعيدها في جماعة إذا صلاها في جماعة، ولو صلاها فردًا كان له أن يعيدها جمعة أو ظُهْرًا في جماعة، ثم الله أعلم بصلاته. ولو أدرك من الجمعة ركعة، أضاف إليها أخرى، وإن رغب أتمها، وإن أحدث تَوَضَّأَ وأتمها أربعًا.
في مَنْ فاتته الجمعة، هل يُصَلِّي في جمعة؟
ومن المجموعة، قال أشهب، وابن نافع في القوم تفوتهم الجمعة: فلا بأس أن يُصَلّوا جماعة ظهرًا. ولم يرَ ذلك مالك، في رِوَايَة ابن القاسم. قيل لسحنون في مَنْ فاتتهم الصلاة بعرفة: أيصلون جماعة؟ قال: ما علمتُ، ولو فعلوا لأجزأتهم. وقاله سَحْنُون في كتاب ابنه. قال: وكذلك يُجَمِّعون بمزدلفة إذا فاتهم الإمام. ومن الْعُتْبِيَّة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كنتُ مع ابن وهب في بيت بالإسكندرية، فلم يأت الجمعة لأمر خفناه، ومعنا قوم،

(1/460)


فكرهتُ أن أُجَمِّعَ بهم، وجمَّع بهم ابن وهب، فسألنا مالكًا، فقال: لا يُجمِّع إلاَّ المرضى والمسافرون والمسجونون. قال يحيى بن يحيى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ في مَنْ يُخَلِّفهم المطر عن الجمعة: فليُجَمِّعوا ظُهْرًا، إن كان أمرٌ غالب يُعْذَرون به كالمرضى، وإن كان مطرٌ ليس بمانع فجَمَّعوا فليعيدوا. وفي المجموعة عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: لا يعيدون. ومن الواضحة، ومن فاتته الجمعة، أو تخلَّف عنها مِمَّنْ تلزمه فلا يُصَلِّي الظهر في جماعة إلاَّ المرضى والمسافرون والمسجونون، ومن تخلَّف عنها لعذر، مثل أن يخاف أن يُؤخذ عليه البيعة ونحوه، فلهم أن يُجَمِّعوا بخلاف من لا عذر له ومن غفل أو سها. ورُوِيَ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، أنه لا يجوز للمرضى والمسجونين الجمع في جماعة إذا فاتتهم الجمعة. والمعروف عنه غير هذا. قال أَصْبَغُ: فإن جَمَّع المتخلفون بغير عذر فقد أساءوا، ولا يعيدون. ومن الْعُتْبِيَّة، قال أَصْبَغُ، في قرية يُجَمِّع أهلها، وحولها منازل على الميلين، والثلاثة فاتتهم الجمعة، كيف يُصَلّون؟ قال: يصلون أفذاذًا، ولا يُجَمِّعون الظهر، فإن جمَّعوا الظهر أساءوا، ولا يعيدون، وكذلك لو فعل ذلك من فاتته الجمعة من أهل الفسطاط.
في مَنْ صَلَّى الظهر قبل الإمام يوم الجمعة، أو
صلاها من لا يجب عليه، ثم صَلَّى الجمعة،
وفي الإمام يُصَلِّي بِالنَّاسِ ظُهْرًا في وقت
الجمعة، ومن لم يدر أجمَّع إمامه أم صَلَّى ظُهْرًا
من المجموعة، قال المغيرة، وابن القاسم، وأشهب، وعبد الملك: ومن

(1/461)


صَلَّى الظهر قبل الإمام يوم الجمعة، فليعدها وإن فاتته الجمعة. قال أشهب وعبد الملك: صلاها سهوًا، أو مُجْمِعًا على تركها، إذا كان في وقت لو مضى أدرك ركعة منها، من غير تفريط ولا تقصير في شيء، فإن كان لا يدرك ركعة فلا يعيدها. قال أشهب: صلاها والإمام فيها، أو قبل أن أحرم. قال المغيرة: فإن صلاها يظنُّ أن لا يدركها، ثم أدركها فصلاها، ثم ذكر أن التي صَلَّى مع الإمام على غير وضوء، فلا تُجْزِئُهُ الأولى. قال أشهب: ولو دخل مع الإمام فيها، فأحدث فتوضأ وقد فرغ الإمام، فَلْيُعِدِ الصلاة ظُهْرًا من أولها، ولو كان رعف بعد عقد ركعة مع الإمام بنى عليها، ما لم يتكلم فيبتدئ ظُهْرًا. ومن كتاب ابن سَحْنُون، قَالَ ابْنُ نافع: وإذا صَلَّى في بيته قبل الإمام، ولا يريد الرواح فلا يُعِيد، وكيف يعيدها أربعًا، وكذلك صَلَّى! وقال سَحْنُون: يُعِيد. ومن الْعُتْبِيَّة، قال عبد الملك بن الحسن، عَنِ ابْنِ وهب، في مَنْ صَلَّى في بيته ظُهْرًا والإمام يخطب يوم الجمعة: فليمض فليصلها معه، فإن جاء وقد فرغ الإمام، أجزأته التي صَلَّى في بيته، إلاَّ أن يكون صلاها قبل الزوال، وإن أحدث مع الإمام تَوَضَّأَ وأعادها ظُهْرًا.
ومن المجموعة، قال أشهب: ولو صَلَّى عبد أو امرأة الظهر، ثم صَلَّى الجمعة، فذلك حسن، والله أعلم أيتهما صلاتهما، ولو صلياها في جماعة، لم أحب أن يشهدا الجمعة. ولو أتت الْمَرْأَة الجمعة، وقد صلَّت الظهر، فوجدت الإمام قد سلم، فلا تعيد. قال أشهب في إمام ترك الجمعة، وصَلَّى بِالنَّاسِ ظُهْرًا في وقت الجمعة: فلا تُجْزِئُهُ، وليُعِدْها ظُهْرًا، ولو كان إِنَّمَا صلاها بعد فوات الجمعة، فصلاته تُجْزِئُهُ، وقد أساء في تركه الجمعة. ولو صَلَّى عبد أو مكاتب ظُهْرًا ثم أعتق، ثم أدرك من الجمعة ركعة ونواها فليتمَّ وتُجْزِئُهُ، وهي فرضه، وإن لم يدركها، فلا يُعِيد الظهر.

(1/462)


قال سَحْنُون في الْعُتْبِيَّة في مَنْ أدرك ركعة يوم الجمعة، ثم لم يدر أخطب بهم الإمام أم لا، وقد انفضَّ الناس لما سلَّمَ، ولم يجدْ من يخبره، فَلْيُصَلِّ ركعة أخرى، ويسلِّمْ، فإن كانت جمعة أجزأته، فإن لم يجد من يخبره بعد سلامه أنها جمعة، فَلْيُعِدْها ظُهْرًا احْتِيَاطًا.
قال أبو محمد: انظر أراه أنها أدركه راكعًا ولم يسمع له قِرَاءَة.

في الغُسْل للجمعة، والتهجير إليها،
والتطيُّب والزينة لها
من الواضحة، قال: والغُسْل للجمعة سُنَّة مُرَغَّبٌ فيها، لا يأثم تاركه. ومن راح مغتسلاً ثم أحدث، فالوضوء يُجْزِئه. ومعنى ما رُوِيَ في ذلك: «مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ». فقولها: «غَسَّلَ» يعني ألمِّ بأهله وألزمهم الغُسْلَ. وهو أفضل مِمَّنْ لزمه الغُسْل للجمعة فقط.
وفي كتاب الوضوء ذِكْر من تَطَهَّر للجمعة أو للجنابة لا ينوي إلاَّ أحدهما، قال: ومن شهدها من مسافر أو عبد أو امرأة مرغبة فيها فليغتسل. وإن شهدها المسافر بغير الفضل، لكن للصلاة أو لغير ذلك، فلا غُسْل عليه. وأما الْمَرْأَة والعبد فلا يأتيانها في الحواضر إلاَّ للفضل. وفي المختصر عن مالك نحو ما ذكر ابن حبيب من هذا.

(1/463)


قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ويُسْتَحبُّ الطيب والزينة وحسن الهيئة يوم الجمعة ويستحب أن يُعِدَّ لها ثوبين. ورُوِيَ ذلك ي اللباس والطيب عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ويستحب أن يتفقد فيها قبل رواحه فطرة جسده؛ من قصِّ شاربه وأظفاره ونتف الإبط والسواك، وإن احتاج إلى الاستحداد فعل.
ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ نافع، عن مالك في مَنْ يأتي الجمعة عن ثمانية أميال: فليغتسل. قال: رُبَّ دابَّة سريعة السير، وأخرى المشي خير من ركوبها، فإعادة الغُسْل لمثل هذا أَحَبُّ إِلَيَّ، ومع هو بالبيِّنِ، ونرجو فيه سعة، قيل: ومِمَّنْ على خَمْسَةَ عَشَرَ ميلاً، فيغتسل قبل الْفَجْر؟ قال: لا يُجْزِئه، ومن اغْتَسَلَ للعيد ينوي به الجمعة، فلا يُجْزِئه. قال عنه ابن القاسم: وإن بَعُدَ أو نام، أعاد الغُسْل. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وذلك إذا أراد النوم، فأما من يُغلبُ عليه كنوم المحتبي فلا. قال عبد الملك بن الحسن في الْعُتْبِيَّة، عَنِ ابْنِ وهب: ومن اغْتَسَلَ بعد الْفَجْر للجمعة أجزأه أن يروح بذلك، وأفضل له أن يكون غسله متصلاً برواحه. ومن سماع ابن القاسم: ولا يُعْجِبُنِي أن يغتسل للجمعة صلاة الصُّبْح، ويقيم بعد صلاة الصُّبْح في المسجد للجمعة. وذكره الرواح تلك الساعة. قال عنه ابن القاسم، في المجموعة. ومثله في المختصر.
ومن نسي الغُسْل حَتَّى أتى المسجد، فإن علم أنه يغتسل ويدرك الجمعة،

(1/464)


فليدرك لذلك، وإلاَّ صَلَّى ولا شيء عليه. قال عنه ابن نافع: وإذا اغْتَسَلَ، ثم مر بالسوق، فاشترى بعض حاجته، فلا بأس به إن كان خفيفًا.
ومن الْعُتْبِيَّة، ومن سماع أشهب، والتهجير للجمعة ليس هو الغدوّ ولكن بقدر، ولم يكن الصحابة يغدون هكذا، وأكره أن يُفعل، وأخاف على فاعله أن يدخله شيء ويصير يُعرف بذلك، ولا بأس أن يروح قبل الزوال، ويُهَجِّرَ بالرواح. قيل: فمن يُحِبُّ بقلبه أن يُرَى في طريق المسجد؟ قال: هذا مما يقع في النفس، ولا يُمْلك.
قال مالك، في المختصر: والمشي إلى الجمعة أفضل، إلاَّ أن يُتْعِبه ذلك، من ماء أو طين أو بُعد مكان.
ومن كتاب آخر، قال مالك في معنى الحديث في الرواح: «ومن راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة». ثم ذكر إلى الخامسة: «فكأنما قرب بيضة». قال: والذي يقع في نفسي أنه أراد ساعة وَاحِدَة، ففيها هذا التفسير؛ لأنه لم يكن يُراح في أَوَّل ساعة النهار. ورَوَى ابن حبيب، أنه قيل لعبد الله ابن عمر: ومتى أروح؟ فقال: إذا صَلَّيْتَ الْغَدَاة، فَرُحْ إن شئتَ. ومما رُوِيَ: «إن فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شَيْئًا إلاَّ أعطاه». فقال عبد الله

(1/465)


ابن سلام: هي آخر ساعة منها. ورُوِيَ عن علي بن أبي طالب، قال: إذا زالت الشمس. ورُوِيَ نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

في وقت الجمعة والنداء إليها
قال ابن حبيب: السُّنَّة في وقت الجمعة في الشتاء والصيف أول الوقت، حين تزول الشمس أو بعده بقليل. قاله مالك. قال ابن حبيب: ويستحب فيها تعجيل العصر؛ للرفق بمن أقام ينتظرها. وروى مالك أن عثمان صَلَّى الجمعة

(1/466)


بالمدينة، وصَلَّى العصر بملل. قال: وبينها ثمانية عشر ميلاً؛ لسرعة الجمعة أول الوقت. ومن المجموعة، قال ابن القاسم، عن مالك: ولا يُؤَذَّنُ للجمعة حتى تزول الشمس. وقال: قا ل ابن شهاب، عن السائب بن يزيد: إن أول من زاد الأذان الذي يُؤَذَّنُ به قبل خروج الإمام عثمانُ بن عفان، ولم يكن يؤذَّن لعهد النبي صلى الله عليه وسلم حتى يخرج ويجلس على المنبر، فيُؤَذِّن مؤذِّنٌ واحد على المنار. قال ابن حبيب: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد رقى المنبر فجلس، ثم أذَّنَ المؤذِّنون، وكانوا ثلاثة، يؤذِّنون على المنار، واحد بعد واحد، فإذا فرغ الثالث قام النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، وكذلك في عهد أبي بكر وعمر، ثم أمر عثمان لما كثر الناس أن يؤذن بالزوراء عند الزوال، وهو موضع السوق؛ ليرتفع منه الناس، فإذا خرج وجلس على المنبر أذَّن المؤذنون على المنار، ثم إن هشام بن عبد الملك في إمارته نقل الأذان الذي كان بالزوراء إلى المسجد، فجعله مُؤَذِّنًا واحدًا يؤذن عند الزوال على المنار، فإذا خرج هشام وجلس على المنبر، أذن المؤذنون كلهم بين يديه، فإذا فرغوا خطب. قال ابن حبيب: والذي مضى من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أحق أن يُتَّبَعَ. ومن المجموعة، قال مالك: وهشام الذي أحدث الأذان بين يديه، وإنما الأذان على المنار واحد بعد واحد إذا جلس الإمام على المنبر، فإذا فرغوا قام يخطب، وهو النداء الذي يَحْرُم به البيع، ولا أُحِبُّ أيضًا ما أحدثوا من الأذان على الشرفات حذاء الإمام، ولا من الإقامة كذلك، وليقيموا بالأرض، وبعضهم على المنار لإسماع الناس.

(1/467)


قال عنه عليٌّ، فيما روي أنهم ينصرفون يوم الجمعة، وما للجدر ظلٌّ – يريد ظلّ ممدود – وقد زاغت الشمس. قال عنه ابن نافع: ومن صلاها قبل الزوال، أعاد الخطبة والصلاة.

في البيع وغيره بعد النداء يوم الجمعة
من الْعُتْبِيَّة روى ابن القاسم، عن مالك، أنه قال: النداء الذي يحرم به التبايع يوم الجمعة النداء والإمام على المنبر. وأنكر مَنْع الناس البيعَ قبل ذلك. ويُكْرَهُ أن يَتْرُكَ العمل يوم الجمعة، وكان بعض الصحابة يكرهه. قال ابن حبيب: قال أصبغ: ومن ترك من النساء العمل يوم الجمعة استراحة، فلا بأس به، ومن تركه منهن استنانًا فلا خير فيه.
قال ابن حبيب: وينبغي أن يُوَكّل وقت النداء من ينهى الناس عن البيع والشراء حينئذ، وأن يُقيمهم من الأسواق حينئذ؛ من تلزمه الجمعة، ومن لا تلزمه؛ للذريعة، ويَرُدَّ البيع إذا وقع حينئذ، فإن فاتت السلعة ففيها القيمة وقت قبضها. قاله ابن القاسم. وقال أشهب: بل قيمتها بعد صلاة الجمعة. ومن المجموعة، قال ابن القاسم: يُفْسَخ البيع. قال المغيرة: إلا أن تفوت بتغيُّر أو اختلاف سوق، فيمضي ولا يُرَدُّ. وقال سحنون: يمضي بالثمن. قال ابن عبدوس: لأن فساده في عقده لا في ثمنه، كالنكاح يفسد بعقده. وروى ابن

(1/468)


وهب وعليٌّ عن مالك، في من باع بعد النداء يوم الجمعة، قال: بئس ما صنع وليستغفر الله. قال عنه عليٌّ: ولا أرى الربح فيه عليه بحرام. ومن العتبية، قال أصبغ، عن ابن القاسم: فإن باعها المبتاع بربح، فلا يأكل الربح، وأَحَبُّ إِلَيَّ أن يتصدَّق به. وقاله أصبغ.
قال عيسى، عن ابن القاسم: وما عُقِدَ حينئذ من نكاح فلا يُفْسَخُ. دخل الوقت أو لم يدخل، ولا ما عُقد من هبة أو صدقة، وإنما يُفْسَخ البيع. وقال أصبغ: يفسخ النكاح.
ومن المجموعة قال ابن القاسم: وكره مالك للنساء والعبيد والصبيان البيع حينئذ فيما بينهم. قال المغيرة: لا أجيز لهم ذلك في سوق المسلمين، ولهم ذلك في غير الأسواق سائغ. وهذا في العبيد، وأما المرأة فإن ألزمتْ نفسها الجمعة، فَأَحَبُّ إِلَيَّ أن تُلزم نفسها ما يَلزم الرجل من ذلك.

في الخطبة يوم الجمعة، والعمل فيها، والتَّنَفُّل
قبلها، والتَّخَطِّي
قال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} (الجمعة: 11) فقيل: إنه كان عليه الصلاة والسلام في الخطبة، وإن هذا يدُلُّ أنها فريضة يقوم

(1/469)


بها الإمام للناس. وقال محمد بن الجهم: هي سُنَّة واجبة. قال ابن حبيب: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد رقى المنبر، ولا يَتَنَفَّلُ. قال سحنون في العتبية: وكذلك ينبغي للإمام أن يفعل، ولا يركع قبل أن يرقى المنبر. من الْعُتْبِيَّة من سماع ابن القاسم، عن مالك: ولا جمعة إلا بخطبة. وكذلك في من لا أمير لهم، فليخطب من يُجَمِّعُ بهم.
قال أشهب، عن مالك: ولينصرف الإمام إذا سلَّم، ولا يتنفَّلْ في المسجد يوم الجمعة. وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة، وأما الناس فلا بأس بذلك لهم. قال مالك، ف المختصر: والتَّنَفُّل يوم الجمعة جائز للناس حتى يجلس الإمام على المنبر، فإذا جلس فلا صلاة، ولا بأس بالكلام، فإذا تكلَّم فلا كلام. وينبغي أن يستقبل، وينحرف إليه، ويُنصِت له، وذلك على من سمعه ومن لا يسمعه. وكذلك ذكر ابن حبيب. وقال: في من في المسجد أو خارج عنه. قاله مالك. ورواه عن عثمان. قال: ويتحدَّث الناس ويتحلَّقون والإمام جالس للأذان، فإذا أخذ في الخطبة، وجب استقباله والإنصات. كما ذكرنا.
ومن الْعُتْبِيَّة، ابن القاسم، عن مالك: وإذا خرج الإمام وقد أحرم رجل بنافلة فليُتِمَّها ركعتين، ومن لم يُحرم حتى جلس الإمام فلا يُحرم. قال سحنون: ومن دخل وقد جلس الإمام والمؤذنون في الأذان، فلا يُحرم، فإن أحرم جهلاً أو سهوًا، فلا يقطع، وإن قام الإمام للخطبة. وقاله ابن وهب، عن مالك.
ومن المجموعة ابن نافع، عن مالك: ولو دخل الإمام وقد بقي على رجل آيات في آخر الركعة فواسع أن يُتِمَّها أو يركع. قال عنه ابن القاسم، في

(1/470)


الْعُتْبِيَّة: وإن دخل رجل في تشهد النافلة فلْيُسَلِّمْ، ولا يَتَرَبَّصْ يدعو؛ لقيام الإمام. وقال ابن حبيب: لا بأس أن يُطيل في دعائه ما أحبَّ.
ومن المجموعة ابن القاسم، عن مالك: وإنما يُنْهى عن التَّخَطِّي إذا خرج الإمام وجلس على المنبر، فأما قبل ذلك فلا بأس إذا كان بين يديه فُرَجٌ.
وكره رفع الناس أيديهم وقيامهم عند أذان الجمعة.
ومن الْعُتْبِيَّة، ابن القاسم، عن مالك، أنه أنكر سلام الإمام على الناس إذا رقى المنبر، أو إذا قام ليخطب. وقال ابن حبيب: إذا جلس للخطبة، فليُسلِّمْ على الناس، ويُسْمِعْ من يليه، ويَرُدُّ عليه من سمعه. وهذا إذا كان ممن يرقى المنبر أو يخطب إلى جانبه، ولو كان مع الناس يركع أو لا يركع، فلا يُسَلِّمْ إذا جلس للخطبة.
قال: ومن السُّنَّة أن يخطب قائمًا، ويجلس شيئًا في أولها ووسطها. وكان معاوية لما أسنَّ جلس في الخطبة الأولى كلها واستأذن الناس في ذلك، وقام في الثانية. ولا ينبغي ذلك، وليَقُمْ فيهما كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون.

(1/471)


ومن الْعُتْبِيَّة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قال مالك: وليتوكَّأْ على عصًا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك ينبغي على عصاة أو قوس غير عود المنبر، خطب عليه، أو إلى جانبه.
ومن الْعُتْبِيَّة، ابْن الْقَاسِمِ، قال مالك: ومن لا يرقى المنبر عندنا فجُلُّهم يقوم عن يسار المنبر، ومنهم من يقوم عن يمينه. وكان عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد وغيره يقومون عن يمينه، وكلٌّ واسعٌ، وما أدركتُ من يعيبُ إمساك العصا في الخطبة، ويقال: فيها شغل عن مسِّ اللحية والعبث باليد. قال عنه ابن وهب في المجموعة: والقوس مثل العصا في ذلك. قال عنه عليٌّ: لا يتوكَّأ على قوس إلا في السفر.
قال في المختصر: ويبدأ في الخطبة بالحمد لله، ويختم بأن يقول: وأستغفر الله لي ولكم. وإن قال: اذكروا الله يذكركم. فحسن.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وليقصر الخطبتين، والثانية أقصرهما، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشير بإصبعه إذا دعا أو وعظ، وكان لا يَدَعُ أن يقول في خطبته: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} إلى قوله: {فَوْزًا عَظِيمًا} (الأحزاب: 70، 71)، وينبغي أن يقرأ في الخطبة الأولى بسورة تامة من قصار المفصَّل. وكان عمر بن عبد العزيز يقرأ تارة

(1/472)


{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} وتارة: {وَالْعَصْرِ}. قال أشهب في المجموعة نحوه. وقال: فإن لم يفعل أساء ولا شيء عليه. قال مالك: ولا يقرأ بسورة فيها سجدة. قال عليٌّ، عن مالك: فإن فعل فلا ينزلْ لسجدة، والعمل على فِعْل عمر الآخِرِ. قال أشهب عن مالك، في الْعُتْبِيَّة: ولا بأس أن يأمر في خطبته بالأمر الخفيف وينهى عنه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا يُلَقَّنُ فيما تعايى فيه من الخطبة، وأما فيما يقرأ فيهما من القرآن فلا بأس أن يُلَقَّنَ فيه. قال: وليترك تلجلجه وانحصاره في الخطبة، وليخرج عنه إلى ما تيسَّرَ عليه من الثناء على الله سبحانه وتعالى، وعلى نبيه عليه الصلاة والسلام، وتُجزيهم. ولو ترك الخطبة الثانية؛ لانحصار أو نسيان أو حدث، وصلى غيره أجزأهم. وكذلك لو لم يُتِمَّ الأولى، وتكلَّمّ بما خفَّ من الثناء على الله تعالى، والصلاة على نبيه، ووعظ أو قال خيرًا، وإن خفَّ، فهو يُجزئ. وإن حُصِر عن الثناء على الله تعالى والصلاة على نبيه حتى نزل، فهي خطبة، وتجزئ إذا كان قد قام بها وتلجلج بها، أصابه ذلك في الأولى أم في الثانية. وقال: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إن لم يخطب من الثانية ما له بالٌ، لم تجزهم، وأعاد. ولم أجدْ ما جاء معه. واجتمع ابن الماجشون ومطرف وأصبغ على ما تقدَّم. وقد رواه مطرف عن مالك. وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، في المدونة: إن خطب بما له بالٌ أجزأهم. ولم يذكر الأولى ولا الثانية. وقال مالك، في المختصر: إذا سبَّح وهلَّل ولم يخطب، فَلْيُعِدْ ما لم يُصَلِّ، فإذا صَلَّى فلا إعادة عليه.

(1/473)


في الإنصات للخطبة، وما للناس فعله
حينئذ والإمام
ومن كتاب ابن حبيب، ونحوه في المختصر: ويجب على الناس الإنصات للإمام، والتحول إليه إذا أخذ في الخطبة، على من سمعه وعلى من لم يسمعه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا بأس أن يتحدث الناس ويتحلقون والإمام جالس على المنبر للأذان، فإذا أخذ في الخطبة أنصتوا وأصغوا واستقبلوه، ويجب على من لا يسمعه ولا يراه ممن في المسجد، وممن في خارجه ورحابه، من الإنصات، والتحول إليه، ما يجب على من يسمعه.
قال في المختصر: ولا يقرأ ولا يُسَبِّح، ولا يقول لمن لغى: أنصت. ولا يُشَمِّتُ عاطسًا. قال عنه ابن نافع، في المجموعة: هو أشدُّ من قوله للاغي: أنصت. وله أن يحتبي والإمام يخطب. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ومطرف: ويلتفت يمينًا وشمالاً، ويمُدُّ رجليه. ومن المجموعة عليٌّ عن مالك مثله، له أن يلتفت، ولو حوَّل ظهره إلى القبلة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإن عطس فليحمد الله، ولا يجهر كثيرًا، ولا يُشَمِّتْ عاطسًا سرًّا ولا جهرًا، ولينصتوا في الجلسة بين الخطبتين.
ومن الْعُتْبِيَّة، ابْن الْقَاسِمِ، عن مالك: وإن عطس حمد الله في نفسه. وإن سمع من تكلم فلا يحصبه، ولا يشرب الماء والإمام يخطب، ولا يقوم حينئذ أحد بالماء.
ومن المجموعة، ابن نافع، عن مالك: وإذا ذكر الإمام الجنة والنار، فليستجيروا في أنفسهم، وكذلك في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والسلام عليه.

(1/474)


قال أشهب: والإنصات أَحَبُّ إِلَيَّ، فإن فعلوا فسِرًّا في أنفسهم. ولا يقرأ الرجل والإمام يخطب.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا بأس أن يدعو الإمام في خطبته المرة بعد المرة، ويُؤَمِّن الناس، ويجهر بذلك جهرًا ليس بالعالي، ولا يكثروا منه. وإذا خرج الإمام في خطبته إلى لغو أو إلى ما لا يعني؛ من لعن أحد، فليس على الناس الإنصات إليه، والإقبال عليه، ولهم التحول عنه والحديث. وقد فعله ابن المسيب. وقال عليٌّ، عن مالك، في المجموعة: وإذا شتم الإمام الناس ولغى، فعلى الناس الإنصات ولا يتكلمون. قال أشهب: ولا يقطع ذلك خطبته.
ومن الْعُتْبِيَّة، أشهب عن مالك: ولا بأس أن يأمر في خطبته بالأمر الخفيف، أو ينهى عنه، وليس على الناس الإنصات له إذا خطب في أمر ليس من الخطبة ولا الصلاة، من أمر كتاب يقرأه، ونحو ذلك. وإذا أمر في خطبته بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فليفعل ذلك الرجل في نفسه وكذلك تأمينهم على دعائه. وقال عنه عليٌّ مثله، في المجموعة: إذا قرا الإمام: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} (الأحزاب: 56). فليصلوا عليه في أنفسهم.
قال عنه: ولا يُؤَخِّرُ المؤذِّنُون الإقامة حتى ينزل الإمام، وقيام الناس حين ينزل الإمام حسن.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وليس رفع الأيدي بالدعاء عند فراغ الخطبة من السُّنَّة، إلا أن يحدث أمر؛ من عدُوٍّ يغشى، أو قحط يُخشى، أو أمر ينوب، فلا بأس أن يأمرهم الإمام فيه بالدعاء أو رفع الأيدي، ولا بأس أن يُؤَمِّنُوا على دعاء الإمام , ولا يعلنوا به جدًّا، ولا يكثروا منه.

(1/475)


في من خطب على غير وضوء، أو أحدث، أو
خطب قبل الزوال، أو خطب ثم أخَّرَ الصلاة،
أو عرض له أمر ثم ضعُف، وهل يحتبي في
الخطبة، وغير ذلك من مسائل الخطبة
قال مالك، في المختصر: ومن خطب غير متوضئ، ثم ذكر فتوضأ، أجزأه، وبئس ما صنع. قَالَ ابْنُ المواز: يعيد الخطبة. وقال سحنون في كتاب ابنه: إذا خطب جُنُبًا، أعادوا الصلاة أَبَدًا. يريد: وهو ذاكر. قال: وإن ذكر في الخطبة أنه جُنُبٌ نزل، وانتظروه إن قرب وبنى. قال: وقال بعض أصحابنا: فإن لم يفعل وتمادى في خطبته، واستخلف للصلاة، أجزأهم. وقال المغيرة: إن ذكر في الخطبة أنه غير متوضئ فليأمرهم أن يمكثوا ويتوضأ، فإن كان اغتسل لرواحه وإلا اغتسل، ثم بدأ الخطبة. وكذلك إن انتقض وضوءه، فإن ذكر صلاة نسيها، صلاها، وبنى على خطبته.
ومن المجموعة قال أشهب: وإذا خطب في وقت الظهر، وصَلَّى وقت العصر في الغيم، فَأَحَبُّ إِلَيَّ أن يعيدوا، إلا أن يكون ما بين الخطبة والصلاة قريبًا، فيجزئهم.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال مطرف، عن مالك: ولو صَلَّى بهم ركعتين بغير خطبة؛ لغيبة إمامهم، أو خطب بهم الإمام قبل الزوال، وصَلَّى بعده، فلا يجزئهم، ويعيدوا الجمعة بخطبة، ما لم تغرب الشمس، وإن لم يصلُّوا العصر إلا بعد الغروب. وقَالَ ابْنُ الماجشون: يعيدوا ما بينهم وبين وقت العصر، فإن لم يعيدوها حتى صَلَّوُا العصر، أعادوها ظهرًا أربعًا. وقاله ابن عبد الحكم، وأصبغ. وقال

(1/476)


ابن القاسم وأشهب كقول مطرف عن مالك. وبه أقول. وقَالَ ابْنُ سحنون، عن أبيه: يعيدون الجمعة في الوقت، ويعيدون أفذاذًا أبدًا ظهرًا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال مالك: وإذا عرض للإمام في الخطبة ما يخرجه، وكان وضوءه قريبًا، فلينتظروه، وإن بعد، فليستخلف من يتمها أو يبتدئها، فإن رجع قبل فراغها، فالمستخلف أولى بتمام الخطبة وبالصلاة، وإن لم يستخلف قدَّموا رجلاً، وإن لم يحفظ الثاني خطبة الأول، فليخطب بما يعرف ويتيسَّر.
ولا بأس أن يحتبي الإمام على المنبر إذا جلس للخطبة.

في الإمام في الجمعة، والقراءة فيها،
والقنوت، وإمامة العبد فيها والمسافر والإمام
الجائر، وهل تُصلَّى في الأفنية
من المجموعة ابن نافع، عن مالك قيل: أقراءة سورة الجمعة في صلاة الجمعة سُنَّة؟ قال: ما أدري ما سُنَّة، ولكن من أدركنا كان يقرأ بها في الأولى، وفي الثانية بـ {سبح اسم ربك الأعلى}. وفي رواية أشهب بـ {هل أتاك حديث الغاشية}. وذلك أَحَبُّ إِلَيَّ، وهم يقرأون اليوم بالتي تلي سورة الجمعة. وقال عنه عليٌّ: والأمر عندنا أن لا يقنت فيها. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ فيها بالجمعة، و {هل أتاك حديث الغاشية}. وقرأ بعض الأئمة بـ {سبح}.

(1/477)


ولا يجوز أن يؤمَّ فيها عبد ولا مسافر ولا من لم يبلغ الحُلُم، فإن فعل لم تجزهم، ويعيدوا جمعة، فإن غربت الشمس أعادوا ظُهْرًا، ويعيد العبد أَبَدًا؛ لأنه إذا لم يكن مأمومًا فإنما فرضه أربع، ويعيد المسافر أَبَدًا؛ لأنه جهر فيها، ولم يدخل مع غيره فيصير من أهلها. ولو قدَّمه الإمام بعد أن أحرم خلفه أجزأهم؛ لأنه صار بالإحرام خلفه من أهلها، وإنما تفسد عليهم لو ابتدأها مستخلفًا. وأما العبد فلا تجزئهم؛ ابتدأها مستخلفًا، أو بعد أن أحرم. هذا قول مطرف وابن الماجشون. وقال أشهب: تجزئهم في المسافر وإن ابتدأها بهم. وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لا تجزئهم وإن استُخلف بعد ركعة. والأول أَحَبُّ إِلَيَّ. وذكر ابن المواز، عن أشهب، مثل ما ذكر عنه ابن حبيب: يجزئهم وإن ابتدأها؛ لأنه لما حضرها صار من أهلها. وقال أشهب وسحنون: وإذا أحدث في الخطبة، فقدَّم مسافرًا فصلى بهم، أن ذلك يجزئهم. ومن الْعُتْبِيَّة روى عيسى عن ابْن الْقَاسِمِ، أنه إن صلاها بهم عبد فليعيدوا في الوقت جمعة بخطبة، وبعد الوقت ظُهْرًا، والوقت في ذلك أن يدركوا الجمعة. يريد: بخطبة وركعة من العصر قبل الغروب. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك، في مسافر حضر الجمعة فأحدث الإمام فقدَّمَه، فلا يُصَلِّي بهم، فإن فعل أعادوا الخطبة والصلاة في الوقت، فإن زال الوقت، أعادوا ظُهْرًا. وقال سحنون: تجزئهم؛ لأنه لما حضرها صار من أهلها. قال عيسى عن ابْن الْقَاسِمِ في المسافر يُصَلِّي الظهر في سفره يوم الجمعة، ثم قَدِم، فدخل مع الإمام فاستخلفه لحدث فَصَلَّى بهم، فإنها تجزئهم؛ لأنه إذا قَدِمَ قبل يُصَلِّي الإمام فعليه أن يأتيها، فإن لم يفعل حتى فاتت، أعادها ظُهْرًا حتى تكون

(1/478)


صلاته بعد الإمام. قَالَ ابْنُ المواز: وقال أصبغ: ثم لو بطلت الجمعة التي صَلَّى لوضوء أو غيره، فعليه أن يعيد الظهر.
قال أبو زيد، عن ابْن الْقَاسِمِ، إذا سافر الإمام فجمَّع بقرية لا جمعة عليهم: إنها تجزئه دونهم. قال في كتاب ابن المواز: ومن معه دونهم. يريد: دون أهل الموضع وتجزئ من معه من المسافرين. قال في رواية أبي زيد: ويبني الحضريون عليه ركعتين، ثم يكون ظهرًا. وقاله مالك في المختصر. ومن المجموعة روى ابْن الْقَاسِمِ، عن مالك، أنها لا تجزئه ولا تجزئهم. وروى عنه ابن نافع أنها تجزئه دونهم. وقال عنه ابن نافع، في كتاب ابن المواز: أن ائتمُّوا بعد سلامه أجزأهم.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وتُصَلَّى الجمعة خلف الإمام الجائر الفاسق، بلغ فسقُه وجُرمه ما بلغ.
ومن الْعُتْبِيَّة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك: لا بأس بالصلاة لضيق المسجد يوم الجمعة في مجالس حوانيت عمرو بن العاص، وأراها كالأفنية. ومن المجموعة، قال عنه ابن نافع: ولا أُحِبُّ أن يُصَلِّي في الطريق والأفنية الجمعة إلا مثل المرأة والضعفاء، ومن لا يقدر على دخول المسجد، والرجل يصيبه ذلك المرة بعد المرة، فأما من يقعد في منزله يتنَعَّمُ ويتلذَّذُ، فإذا خاف الفوات جاء فَصَلَّى حيث أدرك، فلا أُحِبُّ أَنْ يلزم مثل هذا أحدٌ.

في الاستخلاف في صلاة الجمعة، أو في
الخطبة، وهل يُصَلِّي من لم يشهد الخطبة،
وكيف إن ذكر صلاة نسيها، وفي الإمام
يُعْزَلُ ويأتي غيره بعد الخطبة
من كتاب ابن حبيب: ولا بأس أن يُصَلِّي الجمعة بالناس غير الذي

(1/479)


خطب، مثل أن يُقَدِّمه الإمام لرعاف أو حدث أو مرض، أو يَقْدَمَ والٍ بغزل الذي خطب، وقد قَدِمَ أبو عبيدة على خالد بن الوليد بغزله، فألفاه يخطب، فلما فرغ تقدَّم أبو عبيدة للصلاة. وقال أشهب، عن مالك في الْعُتْبِيَّة: لا بأس أن يستخلف من لم يحضرْ معه الخطبة لحدث أصابه أو مرض. قَالَ ابْنُ المواز: وكذلك إن لم يُتِمَّ الخطبة. فإن صَلَّى بهم الثاني ولم يُتِمَّها، فإن خطب الأول ما لا بال له، فلا جمعة لهم بذلك، وإن خطب ما له بال، أجزأهم، وإن خطب ثم قَدِمَ وقد تَمَّتْ، أو بَقِيَ أقلُّها، فليأتنف الخطبة، ولا يجزئهم أن يُصَلِّي بهم بخطبة الأول، ولو أَذِنَ له الأول لم تجزهم. ولو قَدِمَ بعد أن صَلَّى الأول ركعة، فليُتِمَّ الثانية ويُسَلِّمْ، ويعيدوا الخطبة والصلاة، ولا تجزئهم.
ومن الْعُتْبِيَّة روى عيسى، عن ابْن الْقَاسِمِ، قال: إذا قَدِمَ والٍ بعزل الأول، فتمادى الأول، فَصَلَّى بهم عالمًا، فليعيدوا وإن ذهب الوقت، ولو صَلَّى بإذن القادم أجزأتهم إذا أعادوا الخطبة، ولا ينفع إذنُه بعد الصلاة، وليعيدوا، ولا يُصَلِّي بهم القادم بخطبة الأول، وليبتدئها، ولو قَدَّمَه القادم لأُمِرَ بإعادتها. قال سحنون، في كتاب ابنه: فإن صَلَّى بهم القادم بخطبة الأول أعادوا أَبَدًا، وكذلك إن أذن الأول فَصَلَّى بهم، فلم يعد الخطبة.
قال يحيى بن يحيى، عن ابْن الْقَاسِمِ: وإذا ضَعُفَ الإمام عن الخطبة، فلا يُصَلِّي هو ويخطب غيره، وليُصَلِّ الذي أمره بالخطبة، ويُصَلِّي الآمر خلفه، وكذلك الأعياد.
ومن المجموعة، قال أشهب: فإذا أحدث في الخطبة، فتوضأ ورجع، فلا يعيد الخطبة إن كان ذلك قريبًا، وإن أعادها، فلا بأس، وإن تباعد، فَأَحَبُّ

(1/480)


إِلَيَّ أن يعيد الخطبة. وكذلك الإمام يُحْدِثُ بعد أن تقام الصلاة، فيتوضأ ويرجع، ولا يعيد الإقامة إن كان قريبًا، فإن تباعد أعادها.
وإذا خطب ثم أحدث فقدَّم جُنُبًا أو غير مُتَوَضِّئ، فقدَّم المقَدَّمُ غيره ممن شهد الخطبة، فمن شهد الخطبة فليُصَلِّ بهم، فإن لم يشهدها، فَلْيُعِدِ الخطبة أَحَبُّ إِلَيَّ، فإن لم يعدها، أجزأهم. ولو قدَّم صبيًّا، فقدَّم الصبي غيره، أجزأهم. وإن صَلَّى بهم الصبي، لم يجزهم. قال أشهب، وابْن الْقَاسِمِ: وإن قدَّم سكرانًا أو مجنونًا، فقدَّم غيره، أجزأهم، كما لو تقدَّم أحدهم من غير استخلاف.
ولو رفع رأسه من الركعة الثانية، فقدَّم من أحرم حينئذ ولم يُدرك الركعة، فليُقَدِّمْ هو من أدركها، فإن لم يفعل وأتمَّها بهم، فسدتْ عليه وعليهم. قال أشهب: وكذلك لو دخل بعد رفع رأسه من الثانية فقدَّمَه، فإن أتمَّ بهم لم تجزهم؛ لأن السجدتين ليس من فرضه. قال سحنون: وإذا قدَّمه وهو قائم في الثانية، فأتم بهم، وقضى ركعة، ثم شك في الإحرام، فليعيدوا كلهم الجمعة. قَالَ ابْنُ المواز: ومن أحرم والإمام راكع في الجمعة في الثانية، فاستخلفه قبل يركع الداخل، فليركع والقوم ركوع، ثم يرفع المستخلف، فكمن رفع قبل إمامه، فليرجعوا حتى يرفعوا برفعه، فإن لم يُعِيدُوا، أجزأهم.
ولو خرج ولم يستخلف، فقدَّموا هذا أو قدَّموا غيره، فالأمر كذلك، إلا أنه إن قدَّموا غيره أو قدَّم الإمام غيره، فرفع المستخلف رأسه قبل يركع الآخَرُ، فلا يُعْتَدُّ بتلك الركعة.

(1/481)


ومن كتاب ابن سحنون: وإذا ذكر الإمام يوم الجمعة، وقد أحرم صلاة نسيها، فليُكَلِّمْهم، ويقضي ما عليه ثم يعيد الخطبة والصلاة، وإن لم يُعِدِ اخطبة وصَلَّى، أعاد ظُهْرًا أربعًا، وإن ذكر ذلك بعد ركعة استخلف، وإن ذكر ذلك بعد ركعة بعد أن سلَّمَ أجزأتهم. وقد اختلف فيه عن مالك.
وإن أحدث بعد ركعة من الجمعة، فخرج ولم يستخلف، فَصَلَّوْا أفذاذًا، لم تجزهم، ويعيدوا الجمعة.

جامع القول في صلاة الخوف من العدوِّ أو من
لصوص أو سباع
من الواضحة، قال: وصَلَّى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع سنة خمس من الهجرة. والرقاع جبل في طريقه فيه السواد والبياض،

(1/482)


يقال له: الرقاع. قال: وإذا صَلَّى الإمام بطائفة ركعة فأتَمَّتْ وذهبت والإمام قائم، فإن شاء دعا، وإن شاء أخذ من القراءة ما تأتي فيه الطائفة الأخرى، وإن شاء سكت حتى تُحرم الجائية. ورجع مالك إلى أن يُسَلِّم الإمام قبل قضاء الثانية على حديث القاسم. وروى أشهب حديث ابن عمر، وفيه أن طائفة صلَّتْ ركعة، ثم تأخّرت على جهة العدو من غير أن يُسَلِّمَ، ثم أتت الأخرى فَصَلَّى بهم الركعة الثانية وسلَّم، ثم قامت كل طائفة فأتمَّتْ. وبهذا أخذ أشهب. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فإذا اشتغلت الطائفتان بالقضاء صار الإمام وحده فيُدْهما. وحديث القاسم أشبه بظاهر القرآن من اشتغال طائفة بالعدو. قال سحنون في كتاب ابنه: ولم يأخذ بحديث ابن عمر من أصحابنا غير أشهب وأخذ به الأوزاعي، ثم رجع فأخذ بحديث غزوة ذات الرقاع.
قال مكحول: وإن صَلَّى ركعة، ثم دهمهم العدو، وقد بقيت على كل طائفة ركعة، فليصلوا إيماء حيث ما كانت وجوههم. قال سحنون: سعيًا وركضًا كيف ما قدروا.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإن ائتمَّ الذين يقضون بأحدهم، فصلاة من أمَّهم تامَّةٌ، وصلاتهم فاسدة.

(1/483)


قال: وسواء كان العدوُّ في قبلته، أو عن يمينه، أو عن شماله، أو خلفه، ولا أحب له إن كان العدو أمامه أن يُصَلِّي بالجيش أجمع، ولكن بطائفتين. ومن المجموعة قال أشهب: إذا كان العدو في القبلة، وأمكنه أن يُصَلِّي بالناس جميعًا، فلا يفعل؛ لأنه يتعرَّض أن يفتنه العدو ويشغلوه، وليُصَلِّ بطائفتين شبه صلاة الخوف.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قَالَ ابْنُ عبد الحكم: وإذا كانوا طالبين، وعدوهم منهزمون مغلوبون، إلا أن طلبهم أثخن في قتلهم، فصلاتهم بالأرض صلاة الأمن أولى من صلاة الدوابِّ. وقاله الأوزاعي، أما الطالب فينزل، وأما المطلوب فيصلي على دابَّته، إلا أن يخاف الطالب أن يُكَرَّ عليه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وهو في سعة , إن كان طالبًا أن لا ينزل ويُصَلِّي إيماء؛ لأنه مع عدوه بعد لم يَصِلْ إلى حقيقة أمن. وقاله مالك، وما صَلَّى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق الظهر والعصر إلا بعد غروب الشمس، وذلك قبل نزول صلاة الخوف. وإذا كانوا في القتال فليؤخروا إلى آخر الوقت، ثم يُصَلُّون حينئذ على خيولهم، ويُومِئُونَ وهم في قتالهم مقبلين ومدبرين، وإن احتاجوا إلى الكلام في ذلك لم يَقطع ذلك صلاتهم.

(1/484)


قال ابن المواز: وإذا قوتلوا في البحر، صَلَّوْا صلاة الخوف، فإن لم يقدروا إلا وهم في القتال، صَلَّوْا في القتال إذا خافوا فواتها، وإن لم يقاتلوهم حتى دخلوا في الصلاة، فأتاهم العدو فرماهم المسلمون بالنبل، لم يقطع ذلك صلاتهم، وكذلك لو انهزوا لم يقطعها ذلك. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا بأس أن يُصَلُّوا صلاة الخوف في البحر في سفينة وسفن.
قَالَ ابْنُ المواز وابن حبيب: وإذا خاف المسلمون أن يخرج عليهم العدو ولم يروه، فصلوها تامة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وتكون طائفة بإزاء الموضع الذي خافوا مجيئهم منه. قَالَ ابْنُ المواز: فإن تمَّتْ ولم يأتهم أحدٌ أجزأتهم. قال عن أشهب: وكذلك لو رأوا شيئًا ظنُّوه العدوَّ فصلوها فلم يكن عدوًّا، فلا شيء عليهم. قَالَ ابْنُ المواز: أَحَبُّ إِلَيَّ أن يعيدوا. قَالَ ابْنُ المواز: قال أشهب: ولو بلغ بهم الخوف ما يؤدي إلى أن يُصَلُّوا بطائفتين على الدوابِّ لجاز، ولكن يُظَنُّ أنهم إن قدروا أن تكون الطائفة كافية للأخرى كذلك أنهم يقدروا أن يُصَلُّوا بالأرض كذلك.
قال أشهب: إذا خاف الراكب من العدوِّ، صَلَّى على دابته قائمة إلى القبلة، فإن خاف إن وقف بها، فحينئذ يُصَلِّي أيما توجَّهت. يريد أشهب: والأول يُصَلِّي أيما، إلا أن هذا يُصَلِّي حيث توجَّهت به.
ومن كتاب السير لابن سحنون، قال أشهب: إلا أن يكون مطلوبًا فيصلي ماشيًا عليها حيث توجَّهت. وإن خاف الرجل أن يقف، صَلَّى جالسًا. ويسجد بالأرض. ويُصَلِّي المسايف والمقاتل بقدر طاقته، ولا يضرُّه العمل فيها، كما لا يضرُّه قتل

(1/485)


العقرب. والخائف من السبع له أن يُصَلِّي على دابته إيماء حيث توجَّهتْ، إلا أن يأمن إذا وقت عليها، فليُصَلِّ كذلك.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال عيسى، عن ابْن الْقَاسِمِ: ولا يَجْمَعُ بين الصلاتين في الخوف، ولم أسمع بمن فعله، فإن فعلوا لم أرَ به بأسًا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ومن خاف من سباع أو لصوص صَلَّى على دابته راكبًا وماشيًا، والجالس إذا خاف إذا قام فليُصَلِّ جالسًا، ويسجد ولا يُومِئُ، إلا أن يُعاين ناحية عدُوِّه، فيخاف إن يسجد أن يُعْجله، فليومئ. والخائف من السباع واللصوص يؤَخَّر إلى آخِرِ الوقت، ثم يُصَلِّي، فإن أمن في الوقت أعاد، ولا يعيد في خوف العدو. قَالَ ابْنُ المواز: والراكب يخاف من السباع، فليُصَلِّ على دابته إيماء، حيث توجَّهتْ، إلا أن يقدر أن يقف بها، فليتوجَّه إلى القبلة.
ومن الْعُتْبِيَّة، روى ابْن الْقَاسِمِ، عن مالك، في رجل في أرض خوف من اللصوص، أيُخَفِّفُ في صلاته؟ قال: رُبَّ مُخَفِّفٍ لا يَنْقُصُ من الصلاة فذلك له، وأما أن ينقص فلا.

في ترتيب صلاة الخوف في المغرب، ومن فاته
منها ركعة، وكيف إن صَلَّى بكلِّ طائفة ركعة
فيها، أو في غيرها في الحضر، وفي الخوف
ينكشف في بعض الصلاة، وفي الاستخلاف في
صلاة الخوف
من كتاب ابن حبيب، قال مالك، في صلاة الخوف في المغرب:

(1/486)


يُصَلَّى بالطائفة الأولى ركعتين، ويثبت جالسًا. ثم رجع فقال: يقوم حتى يقضي هي تلك، وإن شاء سكت أو دعا. وقاله ابْن الْقَاسِمِ، ومطرف، وابن الماجشون، وأصبغ. وأخذ بالأول ابن وهب، وابن كنانة، وابن عبد الحكم. قال: وهذه لا يقرأ فيها؛ لأنه لا يقرأ فيها بغير أمِّ القرآن، فخالفت غيرها. وقَالَ ابْنُ المواز: إنما أخذ ابن وهب بالقول الذي رجع إليه مالك. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولو جهل فَصَلَّى بكل طائفة ركعة، فصلاة الثانية والثالثة جائزة، ويفسد على الأولى. وقاله مطرف، وابن الماجشون، وأصبغ. ومن المجموعة قال سحنون: إذا صَلَّى المغرب بكلِّ طائفة ركعة جهلاً أو عمدًا، فصلاته وصلاتهم فاسدة؛ لأنه ترك سُنَّتَها. وكذلك إن صَلَّى بالأولى ركعة، وبالثانية ركعتين، لوقوفه في غير موضع قيام. ومن كتاب ابن سحنون، قال: قلتُ: وزعم بعض أصحابنا في من صَلَّى صلاة الخوف في الحضر بأربع طوائف، بكل طائفة ركعة، أن صلاته وصلاة الثانية والرابعة تامَّة وتفسد على الباقين. فقال سحنون: بل تفسد عليه وعليهم أجمعين.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال سحنون، عن ابْن الْقَاسِمِ: ومن أدرك الركعة الثانية من المغرب من الطائفة الأولى، فإذا وقف الإمام في الثالثة، أتَمَّ القوم، ولا ينبغي لهذا أن يقضي الركعة إلا بعد سلام الإمام؛ لأن الطائفة الأولى إنما تبني ولا تقضي. وإلى هذا رجع سحنون في المجموعة بعد أن قال: يُصَلِّي ركعتين قبل سلام الإمام. وقال في كتاب ابنه: يُصَلِّي ركعتين قبل سلام الإمام. وذكر عن ابن

(1/487)


القاسم مثل ما في الْعُتْبِيَّة. قال عنه: ويقف هذا مع الإمام حتى تأتي الطائفة الثانية، فيصلي معهم ركعة، ثم يقضي بعد سلام الإمام.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال سحنون، عن ابْن الْقَاسِمِ: وإذا صَلَّى بالطائفة الأولى ركعة، ثم انكشف الخوف، فليُتِمَّ الصلاة بمن معه، وتُصَلِّي الطائفة الأخرى بإمام غيره، ولا يدخلون معه. ثم رجع فقال: لا بأس أن يدخلوا معه. وروى عنه أبو زيد قوله الأول.
ومن المجموعة، وقال سحنون: وإذا صَلَّى ركعة من صلاة الخوف في السفر، ثم أحدث قبل قيامه إلى الثانية، فليقدِّم من يقوم بهم، ثم يثبت المستخلف، ويُتِمُّ من خلفه، ثم تأتي الطائفة الأخرى، فيصلي بهم ركعة، ويُسَلِّم. ولو أحدث بعد قيامه إلى الثانية، فلا يستخلف؛ لأن من خلفه خرجوا من إمامته، حتى لو تعمَّدَ حينئذ الحدث أو الكلام، لم يُفسد عليهم. وكذلك ذكر عنه ابنه. فإذا أتمَّ هؤلاء وذهبوا أتتِ الطائفة الأخرى، فصلوا بإمام يُقَدَّمونه، وإذا أحدث بعد ركعة من المغرب، فليستخلف.
وفي كتاب الجهاد بقيَّة من مسائل صلاة الخوف.

في جمع الصلاتين بمزدلفة وعرفة
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، في الجمع بعرفة: يبدأ بالخطبة إذا زالت الشمس، أو قبل الزوال بيسير، قدر ما يُفْرِغُ الخطبة وقد زالت الشمس، وإذا جلس في الخطبة الأولى، وأذَّن المؤذِّن، ثم يخطب الثانية، ثم يقيم، فإذا جمع بهم ركب فيرتفع على عرفات. قال أبو محمد: لعل ابن حبيب يريد: إن بدأ في الخطبة بعد الزوال،

(1/488)


فيمكنه أن يؤذن بعد فراغ الخطبة، فأما إن بدأ يخطب قبل الزوال بمقدار أن تفرغ الخطبة وقد زالت الشمس، فكيف يؤذن بين خطبته فيصير يؤذن قبل الوقت. والذي قال مالك وابْن الْقَاسِمِ، أن يخطب بعد الزوال.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وروي في الجمع بينهما بأذانين وإقامتين، وروي بأذان وإقامتين. وبهذا أخذ ابن الماجشون، وهو قول ابْن الْقَاسِمِ، وسالم. ومن الْعُتْبِيَّة، ابْن الْقَاسِمِ، عن مالك: ويؤذَّن يوم عرفة والإمام يخطب، وذلك واسع. قال عيسى: قَالَ ابْنُ وهب: هي السُّنَّة.
ومن جمع بين العشاءين من الحاجِّ قبل يأتي المزدلفة، من غير عذر، أعاد. قال أشهب في المجموعة: وإذا شرع الدافع من عرفة، فوصل مزدلفة قبل مغيب الشفق، جمع حينئذ، وإن فرغ منهما قبل مغيب الشفق. وخالفه ابْن الْقَاسِمِ في المدونة.
ومن الْعُتْبِيَّة، من سماع ابْن الْقَاسِمِ، قال مالك: وقد صَلَّى النبي صلى الله عليه وسلم بمنى إلى غير سترة، وقد كرهتُ ما بُنِيَ بمسجد عرفة، وبمنى أيضًا؛ لأنه يُضَيِّقُ على الناس؛ لأن الرجل يُمْسِكُ بغيره ويُصَلِّي.

القول في صلاة الوتر
من الْعُتْبِيَّة، قال أشهب: قال مالك: الوتر سُنَّةٌ، وأما ركعتا الفجر

(1/489)


فيستحبُّ العمل بهما. قال عنه ابْن الْقَاسِمِ: والوتر أوجب منهما بكثير، وكان ابن عمر لا يركعهما في السفر.
ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ نافع، عن مالك: إن الناس ليلتزمون في الوتر قراءة: {قل هو الله أحد}، والمعوِّذتين مع أُمِّ القرآن، وما ذلك بلازم. قال عنه ابْن الْقَاسِمِ: وإني لأفعله. قال عنه عليٌّ: وأما في الشفع قبله فما عندي شيء أستَحِبُّ به فيه دون غيره. ومن الْعُتْبِيَّة، ابْن الْقَاسِمِ، عن مالك: ومن قرأ في الوتر بأمِّ القرآن فقط سهوًا، فلا سجود عليه. وخفَّفَه.
ومن المجموعة، قال أشهب: ومن ذكر بعد الفجر أنه صَلَّى العشاء على غير وضوء، وأوتر مُتَوَضِّئًا، فليُصَلِّ العشاء، ويعيد الوتر، فإن خاف طلوع الشمس ترك الوتر، ولو ذكر ذلك بعد أيام، وبعد أن صَلَّى العشاء وأوتر، فلا يعيد الوتر، وليصلِّ العشاء الفائتة، ويعيد عن ليلته هذه المغرب والعشاء والوتر.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وكان الناس يقنتون في الوتر بعد رفع الرأس من ركعة الوتر، ويجهرون بالدعاء، وذلك في النصف من شهر رمضان، وقاله مالك. ومن المجموعة، قال عليٌّ، عن مالك: ما أدركت الناس إلا على القنوت في الصبح، وترك القنوت في الوتر. وفي باب قيام الليل تمام هذا. قال أشهب، في المجموعة: ووقت الوتر من حين تُصَلِّي العشاء إلى طلوع الفجر. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وقول مالك: لا بدَّ أن يتقدَّم الوتر شفع، قلَّ أو كثر، وأقلُّه ركعتان.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وكان أبو هريرة يُوتر بخمس ثم ينام، وكان عليٌّ , وابن عباس

(1/490)


وابن عمر يوترون بسبع ثم ينامون، فإن قاموا صَلَّوْا مثنى مثنى، وكان سعد بن أبي وقَّاص يوتر بواحدة ليس قبلها شيء. قال مالك: وعمل الناس على خلاف ذلك. قال في المختصر: والوتر آخِر الليل أفضل لمن قوي عليه. ومن كتاب ابن سحنون، قال أشهب: من أوتر بواحدة فَلْيُعِدْ وتره بإثر شفع، ما لم يُصَلِّ الصبح. قال سحنون: إن كان بحضرة ذلك، شفعها بركعة، ثم أوتر، وعن تباعد، أجزأه. وقد أخبرنا عليٌّ، عن مالك، قال: لا بأس أن يوتر المسافر بواحدة. ومن كتاب آخر أن سحنون مرض، فأوتر بواحدة في مرضه. ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك: وإذا تَنَفَّلَ بعد العشاء، ثم انصرف فلا ينبغي أن يوتر بركعة ليس قبلها شفعٌ. وقال عنه ابن نافع: لا بأس أن يوتر في بيته بواحدة. وكذلك من ركع ثم جلس ثم بدا له أن يوتر بواحدة. قال عنه ابن وهب: وليُوتر في المسجد أو يُبْقِي من أشفاعه إن شاء ما يوتر بأثره.
ومن الْعُتْبِيَّة، روى سحنون، عن ابْن الْقَاسِمِ، في من صَلَّى مع الإمام أشفاعه، ثم انصرف، ثم رجع فوجده في الوتر، فدخل معه فَأَحَبُّ إِلَيَّ لو شفعها ثم أوتر، فإن لم يفعل أجزأه. قال عنه عيسى: يَشفعها بركعة، ثم يُسَلِّمُ، ثم يوتر، وإن كان إمامه لا يُسَلِّمُ من الشفع فليأتِ هذا بركعتين، ثم يُسَلِّم، ويجزئه وتره، وإن كان يُسَلِّم من الشفع، فلا يُخالفه. قال أشهب، عن مالك: ومن صَلَّى العشاء وتَنَفَّلَ، ثم جلس شيئًا، ثم أراد أن يوتر بواحدة، فأرجو أن يكون واسعًا.
قال أشهب: ومن صَلَّى في بيته ركعتين، ثم أتى المسجد، فوجد الإمام في ركعة الوتر، فدخل معه، فإن كان إمامًا يَفْصِلُ بين شفعه ووتر، سلَّمَ معه، وأجزأته،

(1/491)


وإن كان لا يفصل بينهما، أضاف هذا إلى هذه الركعة ركعتين، ويُسَلِّم، ثم أوتر. ومن كتاب ابن حبيب، ومن فاتته ركعة من الشفع مع الإمام، فلا يُسَلِّم معه، وليُصَلِّ معه الوتر، فإذا سلَّم منها، سلَّم معه، ثم أوتر، كان الإمام ممن يُسَلِّم من الشفع أو لا يُسَلِّمُ. قاله مطرف، وابن الماجشون. وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إن كان ممن يُسَلِّم من الشفع سلَّم معه من الثالثة، وإن كان لا يفصل، فلا يُسَلِّمْ هذا، وليَصِلْ ذلك بركعة الوتر كفعل إمامه. ومن الْعُتْبِيَّة، ابْن الْقَاسِمِ، عن مالك: ومن أوتر مع الإمام، فأراد أن يَصِلَ وتره بركعة، ليوتر بعد ذلك، فلا يفعل، وليُسلِّمْ معه، ثم يفعل ما شاء. وقال قبل ذلك: يتأنَّى قليلاً أعجبُ إليَّ. ومن الْعُتْبِيَّة، قال عيسى، عن ابْن الْقَاسِمِ، في من أحرم لركعتين، فلا يجعلهما وترًا. قَالَ ابْنُ المواز. وكذلك روى ابْن الْقَاسِمِ، عن مالك. قال أيضًا: وإن أحرم للوتر فلا يجعلهما شفعًا. وقال أصبغ: فإن فعل في الوجهين أجزأه. قَالَ ابْنُ المواز: إذا أحرم للوتر، فله أن يشفعه، وإن أحرم للشفع فلا يجزئه أن يوتر به.

في الوتر بعد الفجر، ومن ذَكَرها في الصبح
قَالَ ابْنُ المواز، وعيسى بن دينار: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ومن أصبح ولم يوتر، وقد تَنَفَّلَ بعد العتمة، فليوتر الآن بواحدة. قال عنه عيسى: وإلا شفع بركعتين. قَالَ ابْنُ المواز: قال أصبغ: ولو لم يكن تَنَفَّلَ، ولم يَبْقَ لطلوع الشمس إلا أربع

(1/492)


ركعات، فليوتر بثلاث، ثم يُصَلِّي الصبح. قَالَ ابْنُ المواز: أَحَبُّ إِلَيَّ أن يوتر بواحدة، ويُصَلِّي الصبح كلها في الوقت. وقال أشهب: في كتاب ابن سحنون: إذا طلع الفجر ولم يوتر، وقد تقدَّم له شفع فليوتر، إلا أن يكون ممن يرى التَّنَفُّل بعد الفجر، فليشفع وإن كان يُكْرَهُ. ومن المجموعة قَالَ ابْنُ وهب، عن مالك: ربما أوترتُ بعد الفجر، وإنما ذلك لمن لم يستيقظ من الليل. قال عنه ابن نافع: نعم يوتر بعد الفجر، ولكن إن كان ذلك يكثر عليه، فليوتر قبل أن ينام. قال عنه عليٌّ , وابْن الْقَاسِمِ: ولا ينبغي أن يتعمَّد ذلك.
ومن المجموعة، قال عليٌّ، عن مالك: وإذا ذكر الوتر، وقد أقيمت الصبح، فليخرج فليُصَلِّيها، ولا يخرج لركعتي الفجر. وقال المغيرة: إن ذكرها في الصبح، فلا يقطعْ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وروى مطرف، عن مالك: إن ذكرها في الصبح، فليقطع. كان إمامًا أو مأمومًا أو وحده، إلا أن يُسْفِرَ جدًّا. وروى مثله ابْن الْقَاسِمِ , وابن وهب. وروى أيضًا ابن وهب عنه، أنه قال: إن شاء تمادى مع الإمام، ثم أوتر وأعاد الصبح. وقاله ابن عبد الحكم. وإن لم يذكرْ حتى سلَّمَ، فلا يقول أحدٌ: إنه يقضي الوتر.
وفي الجزء الثاني في باب السهو في الوتر والنوافل بقية من مسائل الوتر، وفي باب إعادة الصلاة في جماعة ذِكْرُ إعادة الوتر، وفي باب قيام الليل في هذا الكتاب ذِكْرُ القنوت في الوتر، وغير ذلك من مسائل الوتر.

ما جاء في ركعتي الفجر
من الْعُتْبِيَّة، أشهب عن مالك، قال ركعتا الفجر يُسْتَحَبُّ العمل بهما. قيل: فهل بلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم ركعهما حين قام عن الصبح؟ قال: ما

(1/493)


سمعت. قال عنه ابْن الْقَاسِمِ: الوتر أوجب منهما، وكان ابن عمر لا يركعهما في السفر. قال أشهب، في المجموعة، في كتاب الحج: هما سنة، ليستا كالوتر، كما ليس غسل العيدين كغسل الجمعة ودخول مكة. وقال مالك، في (المختصر): ليستا بسنة، وقد عمل بهما المسلمون، ولا ينبغي تركهما. قَالَ ابْنُ المواز: قَالَ ابْنُ عبد الحكم وأصبغ: ليستا بسُنَّة، وهما من الرغائب. ومن المجموع، قال عليٌّ، عن مالك: وأما القراءة فيهما، فما سمعت فيها بشيء معلوم، إلا التخفيف في القراءة، وأَحَبُّ إِلَيَّ بأم القرآن سرًّا. قال عنه ابْن الْقَاسِمِ: يقرأ فيهما بأم القرآن وسورة من قصار المُفَصَّلِ، وأما أنا فما أزيد على أم القرآن في كل ركعة. قال عنه عليٌّ: وليُتِمَّ ركوعهما وسجودهما ولا يُطَوِّلُ جدًّا. وروى ابن وهب في موطئه، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ فيهما بـ {قل يا أيها الكافرون}، و {قل هو الله أحد}. وفي بعض الكتب أنه

(1/494)


ذَكَرَ الحديث لمالك فأعجبه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ورُوِيَ أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الأولى بأم القرآن و {آمَنَ الرَّسُولُ} (البقرة: 285). وفي الثانية بأم القرآن و {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} (آل عمران: 64). الآيتين. قال: ومن اقتصر على {قل يا أيها الكافرون}. و {قل هو الله أحد}. فهو أَحَبُّ إِلَيَّ من أم القرآن وحدها. قال: وأنا أستحبُّ الضجعة التي بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح وصلاته إياهما في بيته أَحَبُّ إِلَيَّ. ومن أصل سماع ابن وهب، قيل: فمن ركع أيضطجع على شقِّه الأيمن؟ قال: لا. يريد لا يفعله استنانًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعله استنانًا، وكان ينتظر المؤذِّنَ حتى يأتيه.

(1/495)


ومن الْعُتْبِيَّة، من سماع ابْن الْقَاسِمِ، قيل لمالك: فمن وجد الناس قد صَلَّوْا في المسجد، أيركع للفجر؟ قال: نعم، إلاَّ أن يُسْفِرَ جدًّا. قيل: فإذا أصابهم في التشهد، فجلس معهم فتشهد وسلَّمَ معهم، أيركع؟ قال: يبدأ بالمكتوبة. قيل: فمسجد الجامع أيُصَلِّي في رحابه. يريد والإمام يُصَلِّي. قال: غير ذلك أَحَبُّ إِلَيَّ، وإن سمع الإقامة خارج المسجد، فإن خاف أن تفوته الصلاة فلا يركعهما، ويدخل مع الإمام، وإن لم يَخَفْ ذلك، فليركعهما، وأراه في سعة. إن دخل ولم يركع. قال: وإن صَلَّى ركعة، وخاف فوت الصلاة، فليدخل معهم. قيل فمن ركعهما في بيته ثم أتى المسجد؟ قال: كلُّ ذلك قد فعله الناس، وفي ذلك سعة. فأما إن كان مصبحًا، فَأَحَبُّ إِلَيَّ أن يجلس. ومن الْعُتْبِيَّة، روى عنه ابْن الْقَاسِمِ: كلٌّ واسعٌ، وقد رأيت من فعله، وأَحَبُّ إِلَيَّ أن لا يركع. وقال قبل ذلك: أَحَبُّ إِلَيَّ أن يركع. ورواه عنه ابن وهب، وابن نافع. وقال سحنون: لا يعيدهما في المسجد. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وبه أخذ ابن وهب وأصبغ؛ لأن لا يعيدهما.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال عنه أشهب: ومن سمع الإقامة بالطريق، فليركع للفجر بطريقه. قال عنه ابْن الْقَاسِمِ: وإذا أخذ المؤذِّنُ في الإقامة، ولم يركع الإمام للفجر، فلا يخرج لذلك أولاً، ولا يُسْكِتُه، وليُصَلِّ، وأكره أن يُصَلِّيَها الرجل في أفنية المسجد المتصلة به، والإمام يُصَلِّي. ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ

(1/496)


نافع، عن مالك: ومن سمع الإقامة قبل يدخل المسجد، ولم يركعهما، فإن قرب من المسجد، دخل ويركعهما، وإن كان متنحيًا شيئًا ركعهما ودخل. قال عنه ابْن الْقَاسِمِ: ما لم يَخَفْ فوت الركعة. ولم يذكر القرب.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإن ركع للفجر فظنَّ أنه طلع، ثم تبين له أنه لم يطلعْ، فلا يعيدهما؛ لأنه كالمتحري. قاله ابن الماجشون، وذكر أن ربيعة والقاسم وسالمًا كان ينوبهم ذلك فلا يعيدون. قال أشهب في المجموعة: إذا ركعهما ولا يوقن بالفجر لم تجزياه. ومن سماع ابن وهب، قال: ولا يركع للفجر قبل الفجر. وقال في من ركع ركعة قبل الفجر وركعة بعده، قال: غير هذا أَحَبُّ إِلَيَّ. قال في المختصر: فلا تجزيانه. قيل في من أتى المسجد في الغيم، فتوَخَّى طلوع الفجر، فركعهما فيه: لا بأس بذلك. ومن المختصر، من لم يركع للفجر وصَلَّى، فإن صلاهما إذا طلعت الشمس، فحسن، وليس ذلك بلازم، ولا أُحِبُّ للمسافر أن يَدَعَ ركعتي الفجر، وأُحِبُّ له أن يركع بعد المغرب ركعتين، وليس ذلك بلازم.

في صلاة العيدين، وعلى من هي، وأين تُصَلَّى
والخروج إليها، والغُسْل لها، والتكبير في
ذلك
قال مالك في المختصر: وصلاة العيدين سُنَّةٌ لأهل الآفاق، ويُسْتَحَبُّ الغُسْل والزينة والطيب في كل عيد، والغُسْل قبل الفجر فيهما واسع. وينزل إليها مَنْ

(1/497)


على ثلاثة أميال. ويُسْتَحَبُّ المشي إليهما. ولا أذان فيهما ولا إقامة. ووقتهما أن يخرج الإمام من منزله قدر ما يبلغ، وقد حلَّتِ الصلاة, ويغدو الغادي حين تطلع الشمس, ويخرج الخارج من طريق ويرجع من طريق، ولا ينصرف أحد حتى يفرغ الإمام من خطبته.
ومن الْعُتْبِيَّة، روى أشهب، عن مالك، قال: وإنما يُجَمِّعُ في صلاة العيدين من تلزمه الجمعة. قال عيسى، عن ابْن الْقَاسِمِ: وإن شاء من لا تلزمهم الجمعة أن يُصَلّوهما بإمام فعلوا، ولكن لا خطبة عليهم، وإن خطب فحسن. ولو تركوا الجمعة وهي عليهم، فعليهم أن يُصَلّوا العيدين بخطبة وجماعة.
ومن المجموعة، ابْن الْقَاسِمِ، عن مالك، في القرية فيها عشرون رجلاً: أرى أن يُصَلّوا العيدين. قال عنه ابن نافع: ليس ذلك إلاَّ على من عليه الجمعة. قال أشهب: أستحِبُّ ذلك لهم، وإن لم تلزمهم الجمعة. والجمعة لا تُسْتَحَبُّ؛ لأنها فرض لا تجزئ من لا تجب عليه. قال أشهب، عن مالك: ويُنْزَلُ لها من ثلاثة أميال.
وواسع أن يُغْتَسل لها قبل الفجر، ولا يجوز أن ينوي به الجمعة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وأفضل أوقات الغُسْل لها بعد صلاة الصبح.
ومن المجموعة، أشهب، عن مالك: ولا أُحِبُّ أن يسافر أحد حتى يصليها إلاَّ من عذر.
قال عنه عليٌّ: ومن غدا إليها قبل طلوع الشمس، فلا بأس به، ولكن لا يُكَبِّرُ

(1/498)


حتى تطلع الشمس. ولا ينبغي للإمام أن يأتي المصلي حتى تحين الصلاة. قال عنه أشهب: ويُكَبِّرُ الرجل من حين يغدو إلى المُصَلَّى، إلى أن يرقى الإمام المنبر، ثم إذا كبَّرَ في خطبته كبَّرَ معه.
قال عنه عليٌّ: والسُّنَّة الخروج فيها إلى المصلى، إلاَّ لأهل مكة، فالسُّنَّة صلاتهم إياها في المسجد. قال عنه ابن وهب: ومن استطاع فليمش إلى العيدين. قال عنه عليٌّ: ومَن بَعُدَ فلا بأس أن يركب، ونحن نمشي ومكاننا قريب. وذكر ابن حبيب، أن مالكًا يَسْتَحِبُّ المشي إلى العيدين والجمعة لمَنْ قوي، وقد رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن السلف.
ومن المجموعة، قال أشهب: وخروج المنبر لها واسع، فعل أو ترك. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: عن مالك: لا يُخرج المنبر لها، من شأنه أن يخطب إلى جانبه. قال عنه عليٌّ، في المجموعة: ومن لم يخرج لها من ضعفة الناس، فلا ينبغي للإمام أن يأمر من يُصَلِّي بهم ويخطب. ومن انصرف منها، وكانت طريقه على مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فيُسْتَحَبُّ له أن يركع فيه.
قال عنه ابن نافع: ولا بأس أن تخرج المتجالَّة إلى الجمعة والعيدين، وليس بواجب. قال أشهب: وللرجل منعُ عبيده من الخروج إليهما، ولا يمنعهم من صلاة الجمعة، إلاَّ أن يضرَّ به فيما يحتاجهم فيه. قال أشهب: ولا أرى لأهل منى المقيمين بها ممن لم يَحُجَّ أن يُصَلُّوا العيد في جماعة؛ لبدعة ذلك بمنى، ولو صلاها مُصَلٍّ لنفسه لم أرَ بذلك بأسًا.

(1/499)


قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ومن فاتته صلاة العيد فلا بَأْسَ أَنْ يجمعها مع نفر من أهله، وهي تجب على النساء، والعبيد، والمسافرين، ومن يؤمر بالصلاة من الصبيان يؤمر بها.
ومن الْعُتْبِيَّة ابن القاسم، عن مالك: ومن غدا إلى العيد، فلا يكبر إلاَّ عند طلوع الشمس، وعند الإسفار البين في طريقه، وفي المصلى حتى يخرج الإمام، تكبيرا وسطا لا خفض ولا رفع. والخروج إليها بعد طلوع الشمس عمل الفقهاء عندنا. قال مالك في المختصر: ويأتي الإمام إلى العيدين ماشيا مظهرا للتكبير حتى يدخل قبله مصلاه فيحرم للصلاة ولا يؤذن له ولا يقام. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: من السنة أن يجهر في طريقه إليها بالتكبير والتهليل والتحميد جهرًا، يسمع من يليه وفوق ذلك شيئا, حتى يأتي الإمام فيكبر، فيكبروا لتكبيره تكبيرًا ظاهرًا دون الأول. ويخرجون إليها عند طلوع الشمس أو قربه، وأما الإمام فلا يخرج حتى ترتفع الشمس وتحل السجدة السبحة وفوق ذلك قليلا، إن كان في ذلك رفق بالناس. ومن اغتدى فلا يُكَبِّر حتى يسفر، وأَحَبُّ إِلَيَّ من التكبير: الله أكبر، االله أكبر، لا إله إلاَّ الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد على ما هدانا، اللهم اجعلنا من الشاكرين؛ لقول الله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (البقرة: 185). وكان أصبغ يزيد: الله أكبر كبيرا ,وسبحان الله بكرة وأصيلا , ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله. وما زدت أو نقصت أو قلت غيره فلا حرج.
ومن (المجموعة)، على، عن مالك: وإذا لم يثبت عندهم أنه يوم عيد إلاَّ بعد الزوال، فلا يخرجوا لها، ولا يصلوها، ولا في الغد. وإن كان قبل الزوال فذلك عليهم. وكذلك روى ابن وهب، وأشهب.

(1/500)


صفة صلاة العيدين، وذكر السهو فيها،
والحدث والرعاف، ومن أدرك بعضها،
والتَّنَفُّل قبلها وبعدها
قال مالك، في (المختصر) وغيره: والتكبير في صلاة العيدين سبع في الأولى بتكبير الإحرام، وخمس في الأخرى سوى التكبيرة التي يقوم بها من السجود، وليس بين التكبير صمت، إلاَّ قدر ما يكبر الناس، والتكبير قبل القراءة، فإن قرأ قبل التكبير، أعاد القراءة وسجد بعد السلام. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ويقف بين كل تكبيرتين هنية قدر ما يكبر الناس , وليس بين التكبير دعاء. وإن سها عن شيء من التكبير , سجد قبل السلام. ولا يقضي تكبير ركعة في ركعة أخرى.
قال أشهب , في (المجموعة): وإن بدأ بالخطبة قبل الصلاة أعادها بعد الصلاة , وإن لم يفعل فذلك مجزئ , وقد أساء. ومن (الواضحة) , قال: والخطبة في الجمعة قبل الصلاة، وإن لم يفعل فذلك مجزئ، وقد أساء. ومن (الواضحة)، قال: والخطبة في الجمعة قبل الصلاة، وأما الثلاث المسنونات، فبعد الصلاة؛ العيدين والاستسقاء. وأحدث مروان تبدئة الخطة في العيدين. وأحدث هشام الأذان والإقامة لها. وجعل الإمام بين يديه حربة تستره إن لم بكن جدار. وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
وَرَوَى ابن كنانة. وَمُطَرِّف، أن مالكا استحب رفع اليدين فيهما مع كل تكبيرة. وهو أَحَبُّ إِلَيَّ من رواية ابن القاسم، وكل وسع. ومن (المجموعة)،

(1/501)


عليٌّ، عن مالك، وليس رفع اليدين فيهما مع كل تكبيرة سنة، ولا بَأْسَ عَلَى مَنْ فعله، وأَحَبُّ إِلَيَّ في الأولى فقط. ويقرأ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} (الليل: 1) ونحوها. وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَرَوَى أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في العيدين بـ {ق} و {اقْتَرَبَتِ}. وهو أَحَبُّ إِلَيَّ. وذكر غير ابن حبيب، أن النعمان بن بشير روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ فيها بـ {سَبِّح} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}.
قال حبيب: وليجهر من خلفه بالتكبير جهرًا يسمع من يليه، ولا بَأْسَ أَنْ يزيد في جهره ليسمع من يقرب منه ممن لا يسمع الإمام ويجعل التكبير. من أتى والإمام في قراءة الثانية، فليكبر للإحرام، ثم يكبر خمسة، فإذا قضى كبر ستة والسابعة قد كبرها للإحرام. قال: ولو كان التكبير لا يقضي، كما قال ابن الماجشون، ما كان عَلَى مَنْ لا يسمع تكبير الإمام أن يتحدى التكبير، فيكبر.
ومن (المجموعة)، علي، عن مالك: ومن فاته بعض التكبير قضاه. قال عبد الملك: إن كان بين تكبير الإمام فرج يكبر ما فاته منه قبل القراءة، فليس ذلك

(1/502)


عليه، كما لو جاء في القراءة، فإنما عليه أن يحرم. قال عبد الملك: ومن أدرك الركعة الآخرة منها، فلم يقل أحد إنه يكبر إذا قضى سبعا، فيصير مفتتحا مرتين، والافتتاح لا يقضى. قال عبد الملك: وقال بعض أصحابنا: يكبر ستة. ولا أقوله، وما علمت تكبير يقضي، ولا يكون فيما يقضي قبل تكبير، وإنما يقضى تكبير الجنازة لأنه بدل من عدد الركوع. وذكر ابن حبيب قول ابن الماجشون، وذكر عن ستة من أصحاب مالك، أن التكبير يقضى. قال: وبه أخذ أصبغ، وهو أحب إلينا. ومن (العتبية) معه، روى عيسى، عن القاسم: ومن سبقه الإمام بالتكبير، فليدخل معه، ويكبر سبعا، وإن وجده راكعًا دخل معه، وكبر تكبيرة واحدة، وركع، ولا شيء عليه. وإن وجده قد رفع رأسه، أو قام في الثانية، فليقض ركعة يكبر فيها سبعا، وإن وجده في التشهد، أحرم وجلس، فإذا سلم الإمام، قام فصلى ركعتين، يكبر في الأولى سبعا، وفي الثانية خمسًا. قال عيسى: وقد قال أَيْضًا: يكبر في الأولى ما بقى عليه ستا ابن القاسم، وإن وجده قائم في الثانية، خمسا. وقال ابن وهب: لا يكبر إلاَّ واحدة. قال ابن القاسم، عن مالك، في (المجموعة): إن وجده في التشهد، فأَحَبُّ إِلَيَّ أن يحرم معه، ثم يأتي بالصلاة على سنتها إذا سلم الإمام، يكبر سبعًا وخمسًا. وقال ابن القاسم: يحسب تكبيرة إحرامه، فإذا قام كبر بقية السبع الأولى. وقال أشهب: يحسب إحرامه، وما ذلك عليه بواجب، ولكنه أَحَبُّ إِلَيَّ أن يقطع، ويتم صلاته. قال ابن القاسم وعلي، عن مالك: ومن جاء والإمام يخطب، فليجلس، ولا يصلي. قال عنه علي: ولم يبلغني أن أحدًا صَلَّى بعد انصراف الإمام، فمن فعل فليكبر سبعا وخمسا. قال، في (المختصر): ومن فاتته، فلا بَأْسَ أَنْ يصليها في المصلى أو في غيره، فإن صلى في المصلي فليصبر إلى فراغ الخطبة.

(1/503)


قال عبد الملك: ومن نسى فيها تكبيرة الإحرام، أو شك فيها وقد كبر غيرها، فذكر بعد الرفع من الركعة، فليتماد رجاء أن تجزئه، فإذا سلم، فإن شاء أعاد أو ترك. قال ابن المواز: وقال أشهب: وإذا كبر الإمام في الأولى أكثر من سبع، وفي الثانية أكثر من خمس، فلا يتبع، وكذلك إن كبر في الجنازة خامسة، فليسكتوا حتى يسلم فيسلموا. وقال ابن القاسم: يقطعوا في الخامسة. قال أشهب: وإن فاتته تكبيرتان، فلا يكبر الخامسة، وليقض بعد سلامه.
ومن (المجموعة)، قال أشهب: ومن أحدث في صلاة العيدين، فلينصرف، وكذلك في الجنازة، يتيمم أن لم يحضره الماء. وينصرف للرعاف، ويعود إلى موضع الجنازة فيتم تكبيره، وإلى المصلي فيتم صلاة العيد وإن كان الإمام يخطب، فإن أتمها في بيته، فلا حرج. وإن رعف قبل يحرم للجنازة، وقبل يركع في صلاة العيد، ويخاف إن انصرف أيفوتاه، فليتماد، فصلاته إياهما بالنجاسة أولى من فواتها. وإن كره ذلك، فلينصرف، ويعيد صلاة العيد إن شاء. ومن (كتاب ابن حبيب)، إذا صلوا في المسجد لمطر، فروى أشهب وابن وهب، عن مالك، أنه لا بَأْسَ بالتنفل فيه بعدها، ولا يتنفل قبلها. وقاله أصبغ. وبه أقول. وَرَوَى عنه ابن القاسم، أن له أن يتنفل في المسجد قبلها وبعدها. قال: وله أن يتنفل في بيته قبلها وبعدها. وقال قوم: هي سبحة ذلك اليوم، فليقتصر عليها إلى الزوال. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وهو أَحَبُّ إِلَيَّ. واستحب في موضع آخر نحو رواية ابن وهب عن مالك.

ذكر الخطبة في العيدين وسنتها
من (المجموعة)، قال أشهب: وخرج المنبر في العيدين واسع؛ أُخْرِجَ أو

(1/504)


تُرِكَ. قال مالك، من (كتاب ابن حبيب): لا يخرجه، من شأنه أن يخطب إلى جانبه.
ومن (المجموعة)، أشهب، عن مالك: وليكبر الإمام إذا رقي المنبر في خطبته الثانية، وليس لذلك حد، وينصت له فيها، وفي الاستسقاء. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وليجلس أول خطبته، ثم يفتتحها بسبع تكبيرات، ويجلس بين الخطبتين، ويكبر الناس كلما كبر. وكان مالك يقول: يفتتح بالتكبير، ويكبر بين أضعافها. ولم يحده. وما ذكرناه مروي عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود. وقال به مُطَرِّف، وابن الماجشون، وابن عبد الحكم، وأصبغ. وَرَوَى عن أبي هريرة أنه يفتتح الأولى بخمس عشرة تكبيرة. والأول أَحَبُّ إِلَيَّ. وأَحَبُّ إِلَيَّ إن كان الفطر أن يذكر في خطبته الفطرة وسنتها، ويحض الناس على الصدقة، وإن كان أضحى ذكر الأضحية وسنتها، وأمر بالزكاة، وعلمهم فرضها وحذرهم تضييعها.
قال مالك: وإذا أحدث في الخطبة فيها أو في الاستسقاء تمادي، لأنها بعد الصلاة، ولا ينصرف أَيْضًا غيره بحدث وهو يخطب.
ومن (المجموعة)، ابن نافع، عن مالك: ويكبر مع الإمام كلما كبر في خطبته، ولينصت له ويستقبل، وليس من تكلم في ذلك كمن تكلم في خطبة الجمعة. وكذلك في رواية علي وابن وهب وأشهب. قال عنه ابن القاسم: ولا ينصرف قبل الخطبة أحد إلاَّ من ضرورة وعذر وكذلك من شهدها ممن ليست عليه؛ من عبد وصبي وامرأة. قال أشهب: وإن بدأ بالخطبة، أعادها بعد الصلاة، فإن لم يفعل، فقد أساء وتجزئه. وقد تقدم هذا.

(1/505)


في التكبير. أيام التشريق دبر الصلوات، وهل
يكبر دبر الصلوات في غيرها بأرض العدو أو
غيرها
من (الواضحة)، وينبغي لأهل مني؛ الإمام وغيره، أن يكبروا أول النهار، ثم إذا ارتفع، ثم إذا زالت الشمس، ثم العشي. وكذلك فعل عمر. وأما أهل الآفاق وغيرهم، ففي خروجهم إلى المصلى، ثم في دبر الصلوات، ويكبر في خلال ذلك ولا يجهرون، والحاج يجهرون به في كل الساعات إلى الزوال من اليوم الرابع، فيرمون، ثم ينصرفون بالتكبير والتهليل حتى يصلوا الظهر والعصر بالمحصب، ثم ينقطع التكبير. ومن (المجموعة)، روى علي، عن مالك، في التكبير دبر الصلوات: الله أكبر الله أكبر الله أكبر. وفي موضع آخر من روايته، ونحن نستحسن ثلاثا، فمن زاد أو نقص، فلا حرج. وَرَوَى ابن القاسم وأشهب، أنه لم يحد فيه ثلاثا. وفي (المختصر)، عن مالك: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلاَّ الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد. وقاله أشهب. وفي موضع آخر، أنه رواه عن مالك.
ويكبر بإثر الفرائض النساء والعبيد والصبيان. قال عبد الملك، فأما بأثر النوافل فلا، ولا في الأسواق والمساجد في ليل ولا نهار. قال أشهب: ولا يكبرهما من يسجد للسهو بعد السلام، إلاَّ بعد سجوده وسلامه، وكذلك من يقضي ما فاته، فبعد قضائه. ومن (كتاب ابن سحنون): ومن قضي صلاة من أيام التشريق بعد زوالها، فلا تكبير عليه.
ومن (العتبية)، قال ابن القاسم، عن مالك: والتكبير خلف

(1/506)


الصلوات _ يريد الخمس _ في أرض العدو. محدث أحدثه المسودة، وكذلك دبر المغرب والصبح في بعض البلدان.
قال عنه أشهب: والتكبير في الفطر من حين يغدو إلى أن يرقي الإمام المنبر. قال عنه ابن عبد الحكم: ويكبر تكبيرة في الخطبة. وقد تقدم هذا.
ومن (المختصر)، ومن نسي التكبيرة بعد الصلاة أيام التشريق، فليكبر مادام في مجلسه، فإذا قام منه، فلا شيء عليه ويكبر الناس دبر الصلوات.
قال محمد ابن سحنون: اختلف في التكبير أيام التشريق، فروى عن ابن عمر أنه كان يكبر في صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الصبح من اليوم الرابع.
وبه قال الحسن، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وابن حزم، وعطاء بن أبي رباح، ويحيى بن سعيد، وربيعة، ومالك، وعبد العزيز. وَرَوَى عن زيد بن ثابت، أنه يبدأ من الظهر من يوم النحر، فيكبر إلى صلاة العصر من اليوم الرابع. واختلف عن ابن عباس، فقيل: أنه يكبر من صلاة الظهر من يوم النحر. وقيل: من الصبح من يوم النحر إلى صلاة الظهر من اليوم الرابع. وَرَوَى عنه، وعن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، أنهم كانوا يكبرون من صلاة الصبح من يوم عرفة إلى صلاة العصر من اليوم الرابع. وعن ابن مسعود: من صلاة الصبح من يوم عرفة، إلى صلاة العصر من يوم النحر. قال محمد بن

(1/507)


الجهم: ليس في ذلك حديث للنبي صلى الله عليه وسلم يعتمد عليه، ووجدنا الله سبحانه يقول: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ} (البقرة: 200). فكان قضاء النسك الذي يخرج به من الحج طواف الإفاضة يوم النحر، فأول صلاة ترد بعد ذلك صلاة الظهر. وكذلك روى عن ابن عمر. وَرَوَى عن ابن عباس، أنه كان يبدأ من صلاة الظهر من يوم النحر. وقاله سعيد بن جبير، والحسن، وعمر بن عبد العزيز. وأما من بدأ من صلاة الفجر يوم عرفه، فلا دليل له من كتاب ولا سنة ولا قياس. وأجمعوا أن التكبير في صلاة الظهر من يوم النحر واجب، فلا نزول عن ذلك حتى يأتي دليل يمنعه. فإن قيل: فلم قلتم: يكبر أيام التشريق؟ قلت: لقول الله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} (البقرة: 203). فإن قال: فلم قطعت في اليوم الرابع، فكبرت في الصبح وقطعت، ولم تقطع في العصر؟ قلت: لأن الناس بمنى آخر صلاتهم بها صلاة الصبح، فإذا زالت الشمس رموا ونفروا، ودليل آخر أَيْضًا، أنه عمل أهل المدينة، الذي هو أثبت الروايات. وقال مالك: إنه الأمر المجمع عليه عندنا. وهذا أقوى شيء. وقال بكير: سألت أبا بكر بن حزم وغيره، فكلهم قال ذلك. وقال يحيى بن سعيد، وابن أبي سلمة: وأما من قال يقطع يوم النحر. فمتفق في كل النواحي على أن لا يعمل به. فإن قيل: روى عن ابن مسعود. قيل له: فهلا قلت بما روى عن علي، فهو أتم، وقد روينا عن ابن مسعود بخلاف ما ذكرت عنه: حديثا موسى بن هارون، قال: حدثنا أبو

(1/508)


بكر - يعني ابن أبي شيبة - قال: حدثنا وكيع، عن حسن، عن أبي إسحاق، عن [أبي]
الأحوص، عن عبد الله، أنه كان يكبر أيام التشريق: الله أكبر، الله أكبر، إلى آخره. فهذا أولى من الشاذ من الروايات.

في التحية بالدعاء في العيدين
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: روى مُطَرِّف، وابن كنانة، عن مالك، أنه سئل عن قول الرجل لأخيه في العيدين: تقبل الله منا ومنك، وغفر لنا ولك. فقال ما أعرفه ولا أنكره. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لم يعرفه سنة، ولم ينكره؛ لأنه قول حسن، ورأيت من أدركت من أصحاب لا يبدأون به، ولا ينكرونه عَلَى مَنْ قاله لهم، ويردون عليه مثله، ولا بَأْسَ عندي أن يبتدئ به. وَرَوَى غير ابن حبيب، أن واثلة بن الأسقع رد مثله عَلَى مَنْ قال له، وأن مكحولاً كرهه. وَرَوَى عن عبادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه فعل اليهود.

ما جاء في صلاة الخسوف
ومن (المختصر)، قال مالك: صلاة الخسوف سنة، فإذا خسفت الشمس، خرج الإمام إلى المسجد، وخرج الناس معه، فيدخل المسجد بغير أذان ولا إقامة، ثم يكبر تكبيرة واحدة، ثم يقرأ سرا بأم القرآن، ثم يقرأ بعدها قراءة طويلة بنحو سورة البقرة، ثم يركع طويلا نحو قراءته، ثم يرفع فيقول: سمع الله

(1/509)


لمن حمده. ثم يقرأ بأم القرآن، ثم يقرأ قراءة طويلة نحو سورة آل عمران، ثم يركع نحو قراءته، ثم يرفع فيقول: سمع الله لمن حمده. ثم يسجد سجدتين تامتين لا تطويل فيهما، ثم يقوم فيقرأ، ويفعل كفعله في الأولى، إلاَّ أن القراءة دون ما قبلها، يقرأ أولا بنحو سورة النساء، وبع رفع رأسه بنحو سورة المائدة، مع أم القرآن قبل كل سورة، ثم يسجد، ويتشهد، ويسلم، ويستقبل الناس، فيذكرهم ويخوفهم، ويأمرهم إذا رأوا ذلك أن يدعوا الله، ويكبروا، وينصرفوا، ولا يصلي في غير حين الصلاة، فإن خسفت، فإنما فيه الدعاء، ولا قيام عليهم، ولا استقبال القبلة، ولو صنعه أحد لم أر به بأسا. ويصليها أهل البدو والحضر، ومن في السفر يصلي بهم رجل منهم. ويصليها رجل وحده. ومن فاتته مع الإمام، فليس عليه أن يصليها، فإن فعل ما دامت الشمس منكسفة، فلا بَأْسَ.
ومن (العتبية)، أشهب، عن مالك، وإذا رفع رأسه من الركعة الأولى في خسوف الشمس، افتتح بأم القرآن.
ومن (كتاب) ابن حبيب، وهي سنة عن الرجال، والنساء، ومن عقل الصلاة من الصبيان، والمسافرين، والعبيد.
وللإمام إن شاء أن يصليها في المسجد تحت سقفه، أو في صحنه، وإن شاء خارجا في البراز. قاله أصبغ.
وأحب للإمام إذا سلم منها، أن يحول وجهه إلى الناس، فيذكرهم، ويخوفهم، ويأمرهم بالعتق والصدقة وذكر الله والتقرب إليه.

(1/510)


ووقتها من حين تخسف الشمس إلى أن تحرم الصلاة بعد العصر. قاله مُطَرِّف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ، ولم يروا قول ابن القاسم إلى الزوال. ولا يصلي في طلوع الشمس قبل أن تبرز وتحل الصلاة، وَلَكِن يقف الناس يدعون، ويذكرون الله، فإن تمادت صلوها، وأن انجلت حمدوا الله ولم يصلوها.
ومن (العتبية)، أشهب، عن مالك، وإذا صلاها أهل البادية فلا بَأْسَ أَنْ يومها أحدهم.
ومن (المجموعة)، روى ابن وهب، عن مالك، أنها تصلى في وقت صلاة، وإن كان بعد الزوال. وَرَوَى ابن القاسم، لا تصلى بعد الزوال. وَرَوَى عنه علي، لا تصلى بعد العصر وَلَكِن يجمع الناس، فيدعون ويكبرون ويرغبون.
ومن هي عليه فلم يصلها، فلا يقضيها. قال أشهب: ومن لم يقدر أن يصليها مع الإمام من النساء والضعفاء، فلهم أن يصلوها فرادي وبإمام، ومع الناس أَحَبُّ إليَّ لمن قدر.
قال عنه علي: ويفزع الناس في خسوف القمر إلى الجامع، فيصلون أفذاذًا، ويكبرون. ويدعون. قال أشهب: يفزع إلى الصلاة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. والنافلة ركعتان. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال ابن العباس: خسف القمر بعهد

(1/511)


النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يجمعنا إلى الصلاة معه، كما فعل في خسوف الشمس، فرأيته صلى ركعتين فأطالهما، وما رأيته صَلَّى نافلة فطولها، ثم انصرف. ومن أصل (كتاب عبد العزيز ابن أبي سلمة)، وذكر صلاة خسوف الشمس، وأن النبى صلى الله عليه وسلم جمع الناس فيها، ولم يبلغنا أنه جمعهم لخسوف القمر. قال: فنحن إذا كنا فرادى في خسوف القمر صلينا هذه الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فأفزعوا إلى الصَّلاَة».
قال أشهب، في (المجموعة): والصلاة أيضًا حسنة في غير ذلك، من ريح شديد، أو ظلمة، فرادى أو جماعة، إذا لم يجمعهم الإمام، ويحملهم عليه، وَلَكِن يجتمع النفر يومهم أحدهم، ويدعون ويومر في مثل هذا الأفزاع بالصلاة، وَرَوَى نحو ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم.

ما جاء في صلاة الاستسقاء
قال مالك، في (المختصر): وصلاة الاستسقاء سنة، فإذا خرج الإمام إليها، خرج من منزله ماشيا، متواضعا غير مظهر لفخر ولا زينة، راجيا لما عند الله عز وجل، ولا يكبر في ممشاه حتى يأتي مصلاه، فيقدم بالناس بلا أذان ولا إقامة، فيكبر تكبيرة واحدة، ثم يقرأ بأم القرآن وسورة جهرا، ثم يركع ويسجد، ثم يصلي ركعة اخرى كذلك، ويتشهد ويسلم، ويستقبل الناس للخطبة، يبدأ فيجلس، فإذا اطمأن الناس قام متوكئا على عصا أو قوس، فإذا فرغ من خطبته

(1/512)


الأولى جلس، ثم قام فخطب، فإذا فرغ من خطبته استقبل القبلة فحول رداءه ما على ظهره منه يلي السماء، وما كان يلي السماء يجعله يلي ظهره، ثم يستسقى الله عز وجل، ويدعو، ويفعل الناس كفعله، وهو قائم، وهم قعود، ثم ينزل وينصرف، وليس على الناس صيام قبل الاستسقاء، {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} (البقرة: 184). قال محمد بن عبد الحكم: وقال الليث: يحول الإمام رداءه، ولا يحول الناس أرديتهم.
ومن (كتاب ابن حبيب): ومن سنتها أن يخرج الناس مشاة في بذلهم، ولا يلبسون ثياب الجمعة، بسكينة ووقار، متواضعين متخشعين، متضرعين وجلين، إلى مصلاهم، فإذا ارتفعت الشمس، خرج الإمام ماشيا متواضعا في بذلته، متوكئا على عصا أو غير متوكئ، حتى يأتى المصلى، فيصلى ركعتين، يجهر فيهما بأم القرآن وسورة من قصار المفصل في كل ركعة، ثم يقوم فيجلس في مقام خطبته مستقبلا للناس جلسة خفيفة، ثم يقوم متوكئا على عصا فيخطب خطبتين يجلس بينهما، فيأمر بطاعة الله سبحانه، ويحذر عن معصيته ومن بأسه ونقمته، ويحض على الصدقة والاجتهاد في الدعاء أن يرفع عنهم المحل، حتى إذا لم يبق من الخطبة الآخرة غير الدعاء والاستغفار، استقبل القبلة، ثم حول رداءه مكانه قائمًا ما على الأيمن على الأيسر، وما على الأيسر على الأيمن، ويحول الناس جلوسا، ثم يرفع يديه، ظهورهما إلى السماء تلقاء وجهه ويدعو، ويفعل الناس مثله جلوا ويبتهلون بالدعاء، وأكثر ذلك الاستغفار حتى يطول ذلك، ويرتفع النهار، ثم إن شاء الإمام انصرف على ذلك، وإن شاء تحول إليهم فكلمهم بكلمات، ورغبهم في الصدقة والتقرب إلى الله سبحانه، ثم ينكفي منصرفا. وهذا الذي استحب أصبغ، وهو أَحَبُّ إليَّ. وكان مالك يرى رفع اليدين في الاستسقاء للناس وللإمام وبطونهما إلى الأرض. وذلك العمل عند

(1/513)


الاستكانة والخوف والتضرع، وهو الرهب، فأما عند الرغبة والمسألة، فبسط الأيدي، وهو الرغب، وهو معنى قول تعالى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} (الأنبياء: 90) و {خَوْفًا وَطَمَعًا} (السجدة: 16).
وَرَوَى أنه عليه الصلاة والسلام رفع يديه في الاستسقاء. وفعله عمر.
ومن (المجموعة) روى علي، عن مالك، أنه استحسن رفع الأيدي في الاستسقاء. قال عنه ابن القاسم: إذا فرغ الخطبة، استقبل القبلة، فحول رداءه ما على الأيمن على الأيسر، وما على الأيسر على الأيمن، ولا يقلبه فيجعل الأعلى الأسفل والأسفل الأعلى. وقال عنه علي: يحول رداءه بين ظهران خطبته.
وقال ابن الماجشون: بعد صدر منها، ثم يحول رداءه من ورائه، يأخذ ما على عاتقه الأيسر فيخلعه، ويمر به من ورائه، فيضعه على منكبه الأيمن، ويجعل ما على الأيمن على الأيسر، ويبدأ بيمينه في العمل. وقد ذكرنا قوله في (المختصر).
قال ابن الماجشون: ويرفع يديه ويدعو، وليس على النساء تحويل أرديتهن، ولا يتكشفن، ثم يحول إليهم وجهه، فيتم خطبته، ويحض على الخير، ويكثر الاستغفار.

(1/514)


يستنزل به الإجابة، وكذلك ذكر الله سبحانه، عن من رضى من أنبيائه، وليومروا قبل ذلك بما يرقهم، ويدخل عليهم سبب خشوع، وأن يصوموا اليوم واليومين والثلاثة. وهذا قول مالك، وأبي المغيرة، ومن حضرنا استسقاء من ولاتنا.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وليأمرهم الإمام أن يصبحوا صيامًا، وقد فعله عمر، ولو أمرهم بالصادقة وصيام ثلاثة أيام كان أَحَبُّ إِلَيَّ. وقد فعله موسى بن نصير بإفريقية، وخرج بالناس، فجعل الصبيان على حدة، والنساء على حدة، والإبل والبقر على حدة، وأهل الذمة على حدة، وصلى وخطب، ولم يدع في الخطبة لأمير المؤمنين، فقيل له في ذلك، فقال: ليس هو يوم ذلك. ودعا، ودعا الناس إلى نصف النهار. واستحسن ذلك بعض علماء المدينة، وقال: أراد استجلاب رقة القلوب بما فعل. ومن (موطا ابن وهب)، أن النبي صلى الله عليه وسلم حين استسقى نظر إلى السماء، ورفع يديه حذو وجهه، وحول رداءه، واستغفر الله واستسقاه. وفي حديث مالك، أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول: «اللهم اسق عبادك وبهيمتك، وانشر رحمتك، وأحيي بلدك الميت». كان يردد هولاء الكلمات في دعائه.
قال ابن وهب: ولا بَأْسَ إن استسقى أياما متوالية. ولا بَأْسَ أَنْ يستسقى في إبطاء النيل. قال أصبغ: قد فعل ذلك عندنا بمصر خمسة وعشرون يوما متوالية

(1/515)


يستسقون على سنة صلاة الاستسقاء، وحضر ذلك ابن القاسم، وابن وهب، ورجال صالحون، ينكرون.
ومن (العتبية)، قال أشهب، عن مالك: ولا بَأْسَ بالاستسقاء بعد المغرب والصبح وقد فعل عندنا، وما هو بالأمر القديم. قيل: إن أهل برقة إذا كان مطرهم وزرعوا وسال أوديتهم بما يشربون، فأتاهم مطر، فزرعوا عليه ولم يسل واديهم بما يشربون، أيستسقون؟ قال: نعم. قيل له: إنه قيل: إنما الاستسقاء إذا لم يكن مطر، وأنتم قد مطرتم ما زرعتم عليه زرعا كثيرا. فقال: ما قالوا شيئا، ولا بَأْسَ بذلك.
قال ولا يكبر في الاستسقاء إلاَّ في الإحرام. ومن (المجموعة) قال أشهب: ووسع أن يخرج فيها بالمنبر أولا يخرج. ومن (المجموعة) قال ابن الماجشون: وليس في الغدو إليها جهر بتكبير ولا استغفار إلاَّ في الخطبة، فإنه يستغفر فيها، ويصل به كلامه، ويأمرهم به.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا يمنع اليهود والنصارى من الاستسقاء، والتطوف بصلبهم، وشركهم إذا برزوا بذلك، وينحوا به عن الجماعة، ويمنعوا من إظهار الزنى وشرب الخمر.
وكره ابن وهب التنفل قبل صلاة الاستسقاء وبعدها. وبه أقول. وأجازه ابن القاسم. ومن (المجموعة)، روى علي، عن مالك، أنه لا بَأْسَ بالتنفل قبلها وبعدها.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال مالك: ومن فاتته، فإن شاء صلاها، وإن شاء ترك.

(1/516)


في سجود القرآن، وسجود الشكر
قال مالك: أجمع الناس على أن عزائم سجود القرآن إحدى عشرة سجدة، ليس في المفصل منها شيء. يقول: أجمعوا عليه. قال غيره: قال أكثر: أهل العلم: إنها عزائم. وقال بعضهم: العزائم أكثر منها وأما في المفصل فلا يسجد فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد في {وَالنَّجْم} بعد ما قدم المدينة. وقال ابن عباس: السجود في القرآن إحدى عشرة سجدة، وليس في المفصل سجود. وقال ابن عمر. وهو قول ابن المسيب، والحسن، وعكرمة، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وطاوس، وعطاء.
ومن (كتاب ابن حبيب)، قال: وقيل العزائم إحدى عشرة. وقيل: أربع عشرة. وأرى أن يسجد في خمسة عشرة سجدة؛ سجداتان منها في الحج، وسجدة في {وَالنَّجْم}، وسجدة في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}، وسجدة في {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} كما جاء في الحديث.
قال محمد بن عبد الحكم: وذهب ابن وهب إن يسجد في خمس عشرة سجدة.

(1/517)


قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ويسجد في الأعراف في آخرها، وفي الرعد: {وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ} (الرعد: 15). وفي النحل: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (النحل: 50). وفي سبحان: {وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} (الإسراء: 109). وفي مريم: {سُجَّدًا وَبُكِيًّا} (مريم: 58). وفي الحج، السجدة الأولى: {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} (الحج: 18)، والثانية: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الحج: 77). وفي الفرقان: {وَزَادَهُمْ نُفُورًا} (الفرقان: 60). وفي النمل: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (النمل: 26). وفي الم تنزيل: {وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} (السجدة: 15). وفي ص: {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ} (ص: 24، 25). وقال غيره: السجدة في قوله: {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} (ص: 24). وكذلك في (مختصر الوقار).
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: في حم تنزيل: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (فصلت: 37). قاله علي، وابن مسعود، وفي قول ابن عباس: {وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} (فصلت: 38). وكل واسع، والأول أحب إلينا، وبه قال مالك، والليث، ونافع القارئ. وفي النجم، في خاتمتها، وكذلك: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} (الانشقاق: 1). و: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} (العلق: 1). ومن قرأ سورة في آخرها سجدة، فسجد، ثم قام، فإن شاء ركع، وإن شاء قرأ من الأخرى شيئا ثم ركع.

(1/518)


وإذا مر المعلم والمتعلم المحتلم بسجدة، فقال ابن القاسم: يسجدان اول مرة، ثم لا يسجدان. وقال ابن عبد الحكم وأصبغ: ليس ذلك عليهما أولاً ولا آخرًا. وقال ابن نافع، عن مالك في (المجموعة) مثل قول ابن القاسم. وَرَوَى ابن القاسم، وابن وهب عن مالك، في الغلام اليفاع يعرضه أبوه، فيمر بالسجدة، فليس عليه أن يسجدها إذا كان على وجه التعليم، وكذلك المعلم، وهذا يكثر عليه.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإذا جاوزها القارئ بشيء يسير فليسجدها، ويقرأ من حيث انتهى. وإن كان كثيرا رجع إلى السجدة فقرأها وسجدها، ثم رجع إلى حيث انتهى من القراءة، وإذا لم يسجدها قارئها، فلا يسجد من جلس إليه وقال مُطَرِّف،. وابن الماجشون، وابن عبد الحكم، وأصبغ، وأعاب قول ابن القاسم في ذلك.
قال مُطَرِّف، وابن الماجشون: ولا يرخص في سجودها بعد العصر وإن لم تتغير الشمس، ويسجد بعد الصبح ما لم تسفر، كما يركع حينئذ الطائف ولا يركع بعد العصر. وهذا خلاف قول ابن القاسم. وروايته.
قال: ويسجدها الماشي إذا قرأها، وينزل لها الراكب إلاَّ في سفر الإقصار، فليسجد على دابته إيماء.
قال ابن المواز: قال أشهب: ولا يقرأ الإمام في الخطبة يوم الجمعة سجدة، فإن فعل فلينزل. فيسجدها ويسجد الناس معه، فإن لم يفعل فليسجدوا، ولهم في الترك سعة؛ لأنهم إمامهم، وينبغي أن يعيد قراءتها إذا صلى ويسجد. ومن (المجموعة)، روى علي، عن مالك، أنه لا ينزل ولا يسجدها؛ فإن العمل على آخر فعل عمر. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا يقرأ الإمام السجدة فيما يسر فيه. ومن (العتبية)،

(1/519)


روى أشهب، عن مالك، أنه كره للإمام قراءة سورة فيها سجدة، إلاَّ أن يكون من خلفه قليل لايخاف أن يخلط عليهم. وَرَوَى عنه ابن وهب، في موضع آخر: ولا بَأْسَ أَنْ يقرأ الإمام باسجدة في الفريضة.
قال عنه ابن القاسم: وأكره أن يجلس الرجل للقوم يقرأ لهم، فإذا قرأ سجد وسجدوا، ولا يجلس إليه.
قال عيسى، عن ابن القاسم: ومن قرأ سجدة، فركع بها، فإن تعمد ذلك، أجزأته الركعة في الفريضة والنافلة مع كراهتي لذلك، وليقرأها في الثانية ويسجد، وإن كان ذلك سهوا، فذكر وهو راكع، فليخر ساجدا، ويقوم ويبتدي القراءة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ويسجد بعد السلام إذا كان أطال الركوع. يريد: اطمأن في ركوعه. والله أعلم. قال ابن القاسم: وإن لم يذكر حتى أتم الركعة، ألغاها.
وَرَوَى أشهب، عن مالك، أنها تجزئه ركعه وإن ركعها ساهيا عن السجدة. وكذلك روى علي، عن مالك، في (المجموعة)، قال: ويقرأ السجدة فيها بقى من صلاته، ويسجد بعد السلام. وقال مثل المغيرة، إلاَّ في سجود السهو، فلم يره. وقال: إن ذكر وهو راكع، مضى ركعته، وترك السجدة، ولا سهو عليه.
قال أبو محمد: ينبغي أن يكون معنى قوله: (ركع ساهيا). أي يسهو عن السجدة، وقصد إلى الركعة قياما ويؤخر للسجود، فلما انحنى صلبه على ذلك نسى السجدة، فيبقى راكعا؛ فلهذا لا تجزئه الركعة، لأنه نوى بانحطاطه السجود الذي ليس بفريضة، ولا يجزئه غير فرضه ـ والله أعلم ـ إلاَّ على قول من يرى أنه إذا ظن أنه في النافلة، فصلى ركعة، ثم يذكر أنه في فريضة، فإنها تجزئه.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَرَوَى جميع أصحاب مالك أنها تجزئه، إلاَّ ابن القاسم.

(1/520)


قال: وإذا قرأها في الأولى فلم يسجد، فليقرأها في الثانية وإن كانت فريضة، ويسجد. واختلف قول ابن القاسم في الفريضة. وإذا كانت آخر الصلاة فهو في سعة أن يقرأها بعد فراغه ويسجد، أو لا يقرأها. وكذلك لو كان في النافلة فخرج إلى أخرى.
ومن (المجموعة)، قال علي، وابن نافع، عن مالك: وإن سجد السجدة، ثم سجد معها ثانية سهوا، فليسجد بعد السلام.
قال عنه علي: ولو سجد في أية قبلها يظن أنها السجدة، فليقرأ السجدة في باقي صلاته، ويسجد بعد السلام.
ومن (المجموعة)، قال علي، عن مالك، في الجالس يسجد إيماءا، بأثر صلاة، أو عند دعاء أو رقه يجدها. قال: ما أحبه، ولم أر أحدا من العلماء فعله.
ومن (العتبية)، روى أشهب، عن مالك، فِي مَنْ بلغه شيء يحبه، فسجد شكرا لله. قال: لا ليس من أمر الناس. وأنكر ما روى فيه عن أبي بكر في فتح اليمامة، وقال: فتح الله سبحانه على النبي صلى الله عليه وسلم، فما سمعت أن هذا فعل، إذا كان أمر بين، لا يأتيك أنهم فعلوه، فدعه. قال عنه ابن القاسم، في (المجموعة): وقد فعله بعض أمراء بني أمية، ولم يكن معه فقه.

في قيام رمضان، في صلاة الليل، وذكر الاستعاذة، وقنوت الوتر
من (كتاب ابن حبيب)، قال: ورغب النبي صلى الله عليه وسلم في قيام رمضان من غير أن

(1/521)


يأمر بعزيمة، فقام الناس وحدانا، منهم في بيته، ومنهم في المسجد، فمات عليه الصلاة والسلام على ذلك، وفي أيام أبي بكر وصدر من خلافة عمر، ثم رأى عمر أن يجمعهم على إمام، فأمر أبيًّا، وتميمًا الداري، أن يصليا بهم إحدى عشرة ركعة بالوتر، وكانوا يقرأون بالمائتين، فيثقل عليهم، فخفف في القيام وزيد في الركوع. وكانوا يقومون بثلاثة وعشرون ركعة بالوتر، وكان يقرأ بالبقرة تم ثمان ركعات، وربما قرأها في اثنى عشرة ركعة. وقيل: كان يقرأ من ثلاثين آية إلى عشرين، إلى يوم الحرة، فثقل عليهم طول القيام، فنقصوا من القراءة وزيد في الركوع، فجعل ستة وثلاثين ركعة والوتر بثلاث، فمضى الأمر على ذلك.

(1/522)


قال: وأمر عمر بن عبد العزيز في أيامه أن يقرأ في كل ركعة بعشرة آيات. وكره مالك أن ينقص من ذلك، أو يمد القرأءة، أو يطرب تطريبا فاحشا. قال: وإذا أمهم من لا يحفظ إلاَّ المفصل يردد، فهو أَحَبُّ إليَّ ممن يومهم في الصحف ليختم، فإما إن لم يحفظ إلاَّ مثل سور المغرب ونحوها، فليومهم نظرا.؟ قال: ولا بَأْسَ أَنْ يحزن القارئ قراءته من غير تطريب ولا ترجيع يشبه الغناء، أوتحزينا فاحشا يشبه النوح، أو يميت به حروفه، وأما المرتل فيه يستحسن من ذي الصوت الحسن.
ولا بَأْسَ أَنْ يصلى من حول المسجد في دورهم بصلاة الإمام، إذا سمعوا التكبير. ولا بَأْسَ أَنْ يسمع الناس رجل بتكبير الإمام، وصلاتهم جائزة، ولا يفعله في الفرائض.
ومن (العتبية)، قال ابن القاسم، عن مالك: قد جاء في صلاة الليل إحى عشرة ركعة، وثلاث عشرة ركعة، وأكثر ذلك أَحَبُّ إليَّ وكره لمن بقي عليه حزبه أن يقرأه في مسيره إلى صلاة الصبح، وقال يقرأ في السوق، بل في الصلاة، وفي المسجد.
وَرَوَى عنه أشهب، قال: ولا بَأْسَ بالصلاة خلف من يصلي القيام بالناس بإجارة، إن كان بأس فعليه. قال وكره أن يجهر القارئ في قيام رمضان بالاستعاذة، وليستعذ في نفسه إن شاء، وتركه أحب الى. فقيل: يقول: أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم، {وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} (المؤمنون: 98)، أن الله هو السميع العليم. فكرهه. قيل: أيستعيذ من الشيطان؟ قال: لا، ولكنه أيسر. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لم ير مالك بأس بالاستعاذة في رمضان جهرا، وذلك

(1/523)


في أول افتتاح القارئ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وأحب إلى أن يفتتح بالاستعاذة في كل ركعة، وعن أول السورة.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ومن دخل والناس في القيام، ولم يصل العشاء، فإن شاء صلاها في المسجد والناس في قيامهم فإذا فرغ دخل معهم، وإن شاء دخل معهم من أول وأخرها لإلى انصرافهم فيما بين ثلث الليل ونصفه. وقال ابن وهب وابن نافع، عن مالك، في (المجموعة): فليصليها لنفسه وهم في قيامهم، ولا يركع، بركوعهم. قال عنه ابن القاسم: وليصلها وسط الناس. وقال في موضع آخر: يصلي في مؤخر المسجد. قال عنه ابن نافع، فِي مَنْ أحرم بتنفل بين ألاشفاع، ثم قام الناس للصلاة: فيتم ركعته معهم. قال عنه ابن القاسم، في (العتبية): (ومن أدرك الركعة الآخرة من الركعتين الأوليين من الترويحة، فلا يسلم مع الإمام، وليصحبه في الثالثةـ يريد: وهو يصلي لنفسه ـ قال: فإذا قام الإمامجلس هو فتشهد وسلم، ثم دخل معه، وقضى ركعة)، وَرَوَى أشهب مثله عن مالك، وقال: ويتوخى أن يوافق ركوعه ركوعهم. وحكى ابن حبيب، أن ابن القاسم قال: يدخل معهم في التي قاموا اليها، ويتبعهم فيها. وأعاب ذلك، وقال: إنما يتوخى أ، يوافق ركوعه، ولا يتبعهم. وأظن ابن حبيب إنما تأول على ابن القاسم ما ذكر عنه، وإنا أراد: نصحبهم بصلاته، وكذلك روايته عن مالك.
ومن (العتيبة)، روى أبو زيد، عن ابن القاسم، فِي مَنْ نسي السلام في قيام

(1/524)


رمضان حتى دخل في ثالثة مع الإمام، فيجلس يتشهد ويسلم ويسجد بعد السلام، ثم يدخل معهم، وإن ذكر وهو راكع، تمادى وسجد لسهوه. وقد خففه.
ومن (المجموعة)، قال ابن القاسم، عن مالك، في القنوت في الوتر: ليس من الأمر القديم وقال نحوه علي عن مالك، وتقدم بقية القول في القنوت، في باب الوتر.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ومن قام رمضان مع الناس، وهو يريد إذا انصرف أن يركع في بيته، فلا يوتر معهم، وليؤخره حتى يصلى خاتمة صلاته، وإن لم يرد ذلك، فليوتر.

جامع القول في صلاة النوافل
من (العتبية)، ابن القاسم عن مالك، وفي التنفل في المسجد، قال: هو شأن الناس في النهار، يهجرون لذلك، وفى الليل في البيوت وهو اعلم بنيته إن صحت، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل في بيته.
قال: ومن شأن الناس في قيام الليل يرفعون أصواتهم للقراءة، وهو أحب إلى. وأكره طول السجود في النافلة في المسجد، وأكره الشهرة. والتنفل في البيوت أحب إلى منها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلاَّ للغرباء، ففيه أحب إلى. قال: في موضع آخر: والطواف بالبيت للغرباء أَحَبُّ إليَّ من التنقل لأهل مكة أَحَبُّ إليَّ.
قال ابن القاسم عن مالك، في (العتبية): ومن دخل المسجد الحرام فليبدأ

(1/525)


بالطواف قبل الركوع وأما في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فليبدأ بالركوع قبل السلام على النبي صلى الله عليه وسلم. وكل ذلك واسع. قال ابن القاسم: والركوع قبل السلام على النبي صلى الله عليه وسلم أَحَبُّ إليَّ.
قال: وكره مالك لمن يحيي الليل كله. قال: ولعله يصلي الصبح مغلوبا، وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، كان يصلي أدني من ثلثي الليل ونصفه. قال وإذا أصابه النوم فليرقد حتى يذهب عنه. ثم رجع فقال: لا بَأْسَ به ما لم يضر بصلاة الصبح. قال: ولا أحب لمن يغلب عليه النوم أن يصلي جل ليلته حتى تأتيه صلاة الصبح وهو ناعس، وإن كان أنما يدركه كسل وفتور فلا بَأْسَ بذلك. قال: والصلاة أَحَبُّ إليَّ من مذاكرة الفقه. وَرَوَى عنه في موضع آخر، أن العناية بالعلم أفضل إذا صحت فيه النية. ويذكر عن سحنون، أنه قال: يلزم أثقلهما عليه. قيل: والتنفل بين الظهر والعصر؟ قال: إنما كانت صلاة القوم بالليل، وبالهاجرة. وقال: قال ابن المسيب، وقد رأى من تنفل بين الظهر والعصر ليست هذه العبادة، إنما العبادة الفكر في أمر الله والورع عن محارم الله. وفي موضع آخر، أنه رأى عبد الملك بن مروان يصلي حينئذ. وفي موضع آخر، قال مالك: إنما كانت عبادتهم الصلاة في آخر الليل وبالهاجرة، والورع والفكر، ومن (المجموعة)، قال عنه ابن القاسم: كأني رأيته يكره الصلاة بين الظهر والعصر. قال: وقيل لمالك، فِي مَنْ يريد يطول التنفل، فيبدأ بركعتين خفيفتين، فأنكر ذلك، وقال: يركع كيف شاء وأما إن كان هذا شأن من يريد طول التنفل فلا. قيل لأشهب: أطول القيام أحب إليك أم كثرة السجود؟ قال: كل حسن، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه وقد سأله في أمر الدين: «أعني على نفسك بكثرة السجود». وسئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الصلاة أفضل؟ قال:

(1/526)


«طول القنوت». وإنه لأَحَبُّ إليَّ كثرة القراءة، على سعة ذلك كله. قال عنه ابن القاسم، في الذي يتنفل بالنهار، أيسمع نفسه؟ قال: إن كان خاليًا لا يسمع أحدا فلا بَأْسَ بذلك. قال عنه ابن نافع: لا بَأْسَ بالجهر في النافلة بالنهار، ولعله أقوى له. قال ابن نافع: ولا يرفع صوته جدًّا. قال عنه ابن نافع: ولا بَأْسَ أَنْ يتنفل بأم القرآن فقط.
ومن (العتبية)، من سماع ابن القاسم، قيل: فقراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} مرارًا في الركعة؟ فكرهه، وقال هذا مما أحدثوا. وقال يحيى بن يحيى: قال ابن القاسم: ومن قرأ بقية الختمة في ركعة، ثم أراد أن يبتدي فيها القرآن، فلا يقرأ بأم القرآن في ركعته هذه ثانية، وَلَكِن يبتدي بالبقرة.
قال عنه ابن القاسم، في (المجموعة): وكان عبيد الله بن عبد الله بن عتبية، وعامر بن عبد الله لا ينصرفان من صلاتهما لأحد يجلس إليهما. قال مالك: وهو أَحَبُّ إليَّ، إلاَّ في حاجة خفيفة، أو من يسأل عن مسألة تنزل به، وشبه ذلك، وإلاَّ فلا. قال عنه ابن القاسم، في (العتبية)، قيل فأى موضع من مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أحب إليك الصلاة فيه؟ قال: مصلى النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال ابن القاسم: هو العمود المخلق ـ وأما الفريضة فالصف الأول.

(1/527)


قيل لمالك: أيتنفل الرجل ويقول: إن كنت ضيعت في حداثتي فهذه قضاء تلك؟ قال: ما هذا من عمل الناس.
قال: ومن ذكر العصر، فلما صلى منها ركعة ذكرأنه صلاها، فليشفعها بأخرى، وليس كمن قصد التنفل بعد العصر. وذكر مثله ابن حبيب عن ملك، وقال: فإن ذكر قبل أن يركع قطع، ولو كانت غير العصر لتنفل على إحرامه ركعتين.
ومن (المجموعة)، قال أشهب: وللرجل أن يصلى النوافل في أي ساعة شاء من ليل أو نهار، إلاَّ ساعتين؛ إذا صلى الصبح إلى أن ترتفع الشمس، وبعد العصر إلى المغرب، وأما الصلاة نصف النهار إلى أن تزول الشمس، فلا أرى بذلك بأسا، والذي ثبت وتتابعت به الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم، النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وبعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس: وقال ابن القاسم: عن مالك: سئل مالك عن الصلاة نصف النهار وقال لم يزل من عمل الناس، والعباد عندنا يهجرون فيصلون بذلك في الجمعة وغيرها، وما ادركت الناس إلاَّ على ذلك. ومن (الموطأ)، روى مالك أن عمر بن الخطاب كان يتنفل بالهاجرة. قال ابن القاسم، عن مالك، أنه قال: بعض الشيوخ كان يركع عند النداء للمغرب يريد إنكارا لما فعل.
قال أشهب: ومن افتتح النافلة على أن يصليها أربعا أو ستا، فإن استفاق وهو راكع في الثالثة، فليجلس ولا يرفع، ويسلم، ولا قضاء عليه، ولو قطع لم يقض إلاَّ ركعتين، إلاَّ أن يقطع بعد عقد الثانية فليعد أربعا، ويسلم من كادل ركعتين، ولو قطع ساهيا لم يكن عليه قضاء، ولو تنفل أربعا، وتعمد ترك القراءة فيها، فلا يقضى إلاَّ ركعتين، ولو قطع ساهيا لم يقضى شيئا، ولو ترك القراءة عامدا في الثانية مع الرابعة أومع الثالثة، لم يكن إلاَّ ركعتين.

(1/528)


ومن افتتح على أربع، فصلى خلفه رجل، فسلم المأموم من اثنتين، فلا يقضي؛ لأنه خرج بتأويل. ومن افتتح في نافلة في وقت لا يجوز فيه التنفل، قطع متى ما استفاق لذلك، ولا قضاء عليه.
ومن (أمهات أشهب)، ومن افتتح النافلة ركعتين جالسا، فلا بَأْسَ أَنْ يقوم إن يشاء، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فأما إن افتتحها قائما، فأراد أن يجلس من غير عذر، فقد لزمه تمامها. بما نوي فيها من القيام، ولا يجوز أن يخفف من ذلك، فإن فعل أعاد، ولو غلبه عن ذلك غالب فلا قضاء عليه. ولو نظر ركعتين قياما، فأخذ فيهما، فغلبه عنهما، فليقضيهما. وابن القاسم يرى في الذي افتتحها قائما، أن له أن يجلس غيها إن شاء.

في الاجتماع للقراءة بألحان، أو بغير ألحان،
أو للتعليم
من (العتبية)، قال ابن القاسم: قال مالك: لا بَأْسَ بما يفعل بمصر، يقرئ الرجل النفر يفتح عليهم. قال: والقراءة في المسجد محدث، ولن يأتي آخر الأمه بأهدي مما كان عليه سلفها، والقرآن حسن. قيل: فالنفر في المسجد، وإذا حف أهله جعلوا رجلا حسن الصوت يقرأ لهم؟ فكرهه. قيل: فقول عمر لأبي موسى: ذكرنا ربنا؟ قال: ما سمعت بهذا قط. وكره القرآن بالألحان، وقال: اتخذوا ذلك للأكل عليه. وكره اجتماع النفر يقرأون في سورة واحدة.

(1/529)


في الدعاء ورفع اليدين
من (العتبية)، قال ابن القاسم: قال مالك: قال أبو سلمة لرجل يدعو يرفع يديه، فأنكر عليه، وقال: لا تقلصوا تقليص اليهود. قيل: فيقول في دعائه: (يألله، يا رحمن)؟ قال: نعم، و (اللهم) أبين عندي، وبه دعت الأنبياء عليهم السلام. وكره أن يقوم بأثر الصلاة ليدعو قائما.
وعن الدعاء عند ختمة القرآن، قال: ما علمته من عمل الناس، وما أرى أن يفعل. وكره للقوم أن يقفوا يدعون، ولا عند خروجهم من المسجد، أو عند دخولهم، وكره أن يقول في دعائه: (ياسيدى) أو (ياحنان)، وليدعوا بما في القرآن، وبما دعت الأنبياء عليهم السلام.
ومن (المجموعة)، ابن القاسم، عن مالك، فِي مَنْ يمسح وجهه بيديه في آخر دعائه وقد بسط كفيه قبل ذلك، فأنكره، وقال: ما علمته.
قال: وأكره أن يدعو الرجل على نفسه بالموت، ولعله ذلك لحال. يرجوها، أ, لكراهية مصيبة، فما أحب ذلك. ومن (العتبية)، ابن القاسم، قال في موضع آخر: وقد كان عمر يحب الحياة، وإنما دعا على نفسه بالموت خوف الغير. قال غيره: وكذلك فعل عمر بن عبد العزيز. وَرَوَى في الحديث للنبي صلى الله عليه وسلم أن يقال: «اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي».

(1/530)


ومن (العتبية)، ابن القاسم، عن مالك: وأكره أن يجلس أهل الآفاق يوم عرفة في المساجد للدعاء، ومن اجتمع إليه الناس يومئذ، فيكبرون ويدعون، فلينصرف عنهم، ومقامه في منزله أحب الى فإذا حضرت الصلاة، رجع فصلى في المسجد.

باب في مس المصحف، وذِكْرِ حليته وشكله،
وشيء من ذِكْرِ القراءة، وذِكْرِ ما يعلق من
القرآن يستشفي به
من (العتبية)، من سماع أشهب: وكره مالك تزيين المصاحف بالخواتم وأن يعشر بالحمرة، وقال: يعشر بالسواد، ولا بَأْسَ أَنْ يحلي بالفضة ولا بَأْسَ أَنْ يشكل منها ما يتعلم فيه الغلمان، فأما أمهات المصاحف فلا وكرهه. وكره أن يكتب القرآن أجزاء، أسداسا وأسباعا. ومن (المجموعة)، ابن القاسم: وكره مالك أن يكتب القرآن في المصحف، ولم ير بأسا لمعلم أن يكتب السورتين والخمس ونحوها يتعلم فيها الصبيان. قال عنه ابن وهب: إنه كره أن يكتب في المصاحف خواتم السور، يكتب في خاتمة السورة: فيها كذا وكذا آيه. قال: أكره ذلك في أمهات المصاحف، وأ، يشكل إلاَّ فيما يتعلم فيه الولدان. قال: ولقد نهيت عبد الصمد أن يكتب مصحفا بالذهب. قال عنه ابن القاسم: وقيل

(1/531)


للزبير في قراءة قرأها: إن الناس يقرأون على غير هذا؟ قال وددت أني أقرأ قراءتهم، وَلَكِن جرى لساني. قيل: فيقرأ: {فامضوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} كما روى عن عمر؟ قال: هذا واسع في (يمضون) و (يقيمون) و (يعلمون). قال عنه ابن وهب: إن بلالا كان يقرأ من هذه السورة وهذه السورة، ولا أراه كان يحسن إلاَّ ذلك، والذي يقرأ هكذا وهو مستقيم في دينه أَحَبُّ إليَّ من الآخر. قال عنه ابن القاسم وابن وهب، في الهذ في القراءة، قال: من الناس من إذا هذ كان أخف عليه، وإذا رتل أخطأ، ومن الناس من لا يحسن يهذ، والناس في هذا على قدر حالاتهم وما يخفف عليهم، وكل واسع.
ومن (العتبية)، أشهب، عن مالك: ولا بَأْسَ بما يعلق على الحائض والصبي في العنق من القرآن، إذا أخرز عليه، أو جعل في شيء يكنه، ولا بَأْسَ أَنْ يكتب ذلك للحبلى، أو شيء من ذكر الله تعالى وأسمائه يعلق عليها، فأما ما لا يعرف، والكتاب العبراني، فأكرهه. وكره العقد في الخيط. وفي كتاب الطهارات باب في مس المصحف وقراءة القرآن، فيه بقيه هذا.
باب جامع في المسجد، وفيه شيء من ذكر
الشعر
من (العتبية)، من سماع ابن القاسم، وعن المساجد يتخذ في القرى للضيفان يبيتون فيها ويأكلون، فخفف ذلك. وكره الأكل في المسجد، كما يفعل في رمضان، وقال في شربة السويق: لو خرج إلى بابه فشربه، ولموضع المضمضة أَيْضًا. وقال أَيْضًا: أما الشربة من السويق، والطعام الخفيف، فأرجوا وأما

(1/532)


الألوان فلا يعجبني، ولا في رحابه. وأرخص لعبيد الدار أن يأتيه فيه طعامه. ومن (المجموعة)، ابن نافع عن مالك، وعم القوم يفطرون فيه على كعك وتمر منزوع النوى وزبيب، ثم يخرجون فيتمضمضون، قال: أرجو أن يكون خفيفا، وقد أكثروا من هذا حتى إن صلاة لتقام وهو في أفواههم، وما هذا عندنا، وإن الرجل عندنا ليخرج بالشربة من السويق إلى خارجه، ورب رجل يضعف عن القيام، فأرجو له سعة غيما خف. وإنما كرهه للمضمضة، غلو خرج وأكل وتمضمض، فنعم. قال عنه علي: ويشرب فيه الماء، فأما الطعام فلا، إلاَّ المعتكف، أو مضطرا أو مجتازا، ولا أحب أن يتخذ فيه فراشا للجلوس أو وسادة، ولا بَأْسَ أَنْ يضطجع فيه للنوم.
قال عنه ابن نافع، قيل: يصلي في مسجد قصص بزبل الدواب فيها إن قصص بذلك؟ قال: فد يضطر إلى المسجد، فيصلي فيه ولا يعلم هل ذلك فيه.
ومن (العتبية)، من سماع ابن القاسم: ولا أحب لمن له منزل أن يبيت في المسجد. وسهل فيه للضيف، ومن لا منزل له، وقد كان أضياف النبي صلى الله عليه وسلم يبيتون في المسجد.

(1/533)


ولا بَأْسَ بالمساجد في الأفنية التي يدخلها الكلاب والدجاج أن يصلي فيها. وكره المراوح أن تجعل في المسجد.
ولا بَأْسَ بتعليق التمر فيه من الأوقاف، لأكل الناس منه، وقد فعل بعهد النبي صلى الله عليه وسلم.
وكره أن يوتى بالصبي إلى المسجد، إلاَّ صبي لا يعبث وقد بلغ موضع الأدب. وكره أن يتنخم على حصيره ويدلك. وأنكر القاسم بن محمد على رجل تمضمض فيه من سويق شربه، فاحتج عليه بالنخامة، فقال له: النخامة أمر لابد منه. وكره مالك تقليم الأظفار، وقتل النمل والبرغوث في المسجد، ودفنهما فيه. والتنخم تحت الحصير أَحَبُّ إليَّ من ذلك في النعلين، إلاَّ أن لا يصل إلى حصيره. قال مالك: وإنهم لينكرون تشبيك الأصابع في المساجد، وما به بأس. وإنما يكره في الصلاة. وكره تقليم الأظفار، وقص الشارب فيه، وإن أخذه في ثوبه وأخرجه. وكره دفن الشعر والأظفار.
ومن سماع أشهب، ومن نسي الحصباء في يده أو نعليه، فإن ردها إلى المسجد فحسن، وما ذلك عليه. وَرَوَى عنه ابن القاسم، في (المجموعة): لا بَأْسَ أَنْ يطرحها.
ومن (العتبية)، أشهب وكره مالك أن يؤتى بالمراوح إلى المسجد. وقال

(1/534)


في النصارى الذين كانوا يبيتون في المسجد: لو أمروا أن لا يدخلوا إلاَّ من الباب الذي يلي عملهم. وينظر في قبر النبي صلى الله عليه وسلم كيف يكشف. ولم يعجبه أن يستر بالخيش، ولينظر فيه.
ولا يبنى مسجد بقرب مسجد ضرارا، فأما لصلاح وخير فلا بَأْسَ به. قال سحنون، في قرية فيها مسجد، فأراد قوم بناء آخر: فإن كان فيها محمل من يعمر فيهما فحسن، وإن قل أهلها، ويخاف من تعطيل أحدهما، فلا يبنى
قال مالك: وما سمعت في الكراث والبصل، وما أحب أن يوذى الناس. وقال في موضع آخر: هما مثل الثوم، وقال ابن القاسم، في (كتاب ابن المواز). وقال في الفجل: إن كان يوذي ويظهر، فلا يدخل من أكله المسجد قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أكل من خضراتكم هذه ذوات الريح، فلا يقربنا في مساجدنا». قال عطاء: هي الثوم والبصل والكراث والفجل. وكره مجاهد لمن يريد قيام الليل أن يأكل الثوم والكراث.

(1/535)


ومن (العتبية)، أشهب عن مالك، (وكان عمر يقعد في المسجد بعد الظهر، وقال: مسجدنا هذا لا يرفع فيه الصوت). قال موسى عن ابن القاسم: كره مالك أن يكتب في قبلة المسجد شيء، من القرآن والتزاويق، وكره كتابته في القراطيس، فكيف في الجدار.
قال عبد المالك بن الحسن: قال ابن وهب: ولا يوقد في ناحية من المسجد نار، ولا تغسل فيه الأرجل من الطين، ولا ينادى فيه للجنائز، وَلَكِن على أبواب المسجد.
أشهب، عن مالك: وللمتجالة أن تخرج إلى المسجد ولا تكثر الترداد، وللشابة أن تخرج إليه المرة بعد المرة، وتخرج في جنائز أهلها.
قال سحنون ولا بَأْسَ أَنْ يجعل في بيته محرابا مثل حنية المسجد.
ومن (كتاب ابن سحنون)، قيل سحنون، فِي مَنْ في جواره مسجد: أيجاوزه إلى غيره؟ قال: أما إلى الجامع فنعم، وأما إلى غيره فلا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إلاَّ أن يكون إمامه لا يرضى.
ومن (المجموعة)، ابن القاسم عن مالك، أيكتب ذكر الحق في المسجد؟ قال: أما الشيء الخفيف فلا بَأْسَ به، وأما الشيء يطول فلا أحبه. قال: ولا بَأْسَ أَنْ يقضى الرجل الرجل فيه ذهبا، فأما بمعنى التجارة والصرف فلا أحبه. وقال في السؤال في المسجد، وهم يلحون ويبكون، قال: ينهوا عن ذلك. قال محمد ابن عبد الحكم: لا يعطون في المسجد.
قال مالك: ولا ينبغى رفع الصوت في المسجد في العلم ولا في غيره، وكان الناس ينهون عن ذلك.

(1/536)


قال سحنون في (كتاب) آخر: ولا يعلم فيه الصبيان، ولا يجلس فيه للخياطة. قال ابن حبيب: وإنما يكره من الشعر في المسجد وغيره مثل ما فيه الغناء والهجاء والباطل، ولا بَأْسَ بغير ذلك منه في المسجد وغيره، وقد أنشد حسان النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، ورأيت ابن الماجشون مع محمد بن عبد السلام ينشدان فيه الشعر، ويذكران أيام العرب، وقد كان اليربوعي والضحاك بن عثمان ينشدان فيه مالكًا، ويحدثانه بأيام العرب، فيصغي إليهما.
وكره مالك أن يدخل إليه بالخيل والبغال لينقل إليه ما يحتاج من مصالحه. قال ولينقل ذلك على الإبل والبقر لطهارة ما يخرج منها.
وكره أن يجلس فيه على الفراش، أو يتكأ على وسادة، وأرخص في الخمر والمصليات أن يتقي بها برد الحصباء.
قال مالك: ومن دمى فوه في المسجد، فلينصرف حتى يزول عنه، وإن كان في غير المسجد فليبصق حتى ينقطع، ولا يقطع صلاته، إلاَّ إن كثر جدًّا. وفي غير (الواضحة)، إن كان خفيفا فليرسله من فيه إرسالا في غير المسجد. وكره مالك أن يتوضأ في المسجد، وإن كان في طست. وَرَوَى موسى بن معاوية، عن ابن القاسم، لا بَأْسَ أَنْ يتوضأ في صحنه وضوءا طاهرا. وقال سحنون: ولا ينبغي ذلك. وهذا في الكتاب الطهارة. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وجاء النهي أن تكون المطاهر إلاَّ خارجا منه في رحابه، وعلى أبوابه.
وكره مالك قتل البرغوث والقملة في المسجد، وقال: وينحى من موضع دب

(1/537)


من المسجد، أو يصرها في ثوبه. وأجاز قتلها وقتل البرغوث في الصلاة في غير المسجد، وقتل البرغوث في المسجد عنده أخف من قتل القملة فيه.

باب جامع
من (العتبية)، ابن القاسم، قال مالك: أول من جعل المقصورة مروان حين طعنه اليماني، ولا بَأْسَ أَنْ يجعل خاتمه في يمينه للحاجة يذكرها، أو يجعل في إصبعه خيطا لذلك. وكره النوم بعد المغرب. قيل: فبعد الصبح؟ قال: لا أعلم حراما.
قال: وسمع ابن رواحة، وهو مقبل، النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر: «اجلسوا». فجلس حيث سمعه في الطريق.
ومن سماع أشهب، قال مالك: فالمسجد الذي أسس على التقوى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. قال: وعمر الذي قدم قبلته، وقال: لولا أنى رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يريد تقديمها ما فعلت. ثم قدمها عثمان إلى موضعها اليوم.
قال: وكان أسد بن الحضير يصلي، فاضطربت فرسه، فنظر فلم ير شيئا، فرفع رأسه إلى السماء، فرأى شيئا يظله، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «تلك الملائكة تسمع لقراءتك». قال: وكان نقيبا.
وقال: ويقال: قبلة النبي صلى الله عليه وسلم قبالة الميزاب.

(1/538)


قال ابن المسيب: صلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس بعد الهجرة بالمدينة ستة عشرا شهرا، ثم حولت القبلة قبل بدر بشهرين. قال ابن عمر: وجاء من أخبر الناس وهم في الصلاة بنسخ القبلة، فاستداروا إليها في الصلاة.
قيل فالرجل يصلي لله سبحانه، ثم يقع في نفسه أنه يحب أن يعلم بذلك، أو يحب أن يلقى في طريق المسجد؟ قال إذا كان أول ذلك لله لم يضره ذلك إن شاء الله وإن المرء ليحب أن يكون صالحا، وربما كان هذا من الشيطان ليمنعه ذلك، ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما شجرة لا يسقط ورقها في شتاء ولا صيف؟» قال ابن عمر: فوقع في نفسى أنها النخلة، وأردت أن أقوله. فقال له عمر: لأن تكون قلته أَحَبُّ إليَّ من كذا وكذا. ومثل هذا يكون في القلب لا يملك، قال الله تعالي: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} (طه: 39). وقال: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ} (الشعراء: 84).
قال: وكان عمر بن عبد العزيز يخرج، أراه، آخر الليل يصلي، وكان حسن الصوت، فيقول ابن المسيب لبرد: اطرد هذا القارئ عني، فقد آذاني.

(1/539)


فسكت، فعاوده، فقال برد: ليس المسجد لنا. فسمعه عمر، فأخذ نعليه وتنحى.
ورأى سعد بن أبي وقاص رجلا بين عينيه سجدة، فقال: منذ كم أسلمت؟
فقال: منذ كذا وكذا. فقال سعد: فأنا أسلمت منذ كذا، فهل ترى بين عيني شياء.
قال: وطعن أبو لؤلؤة عمر قبل أن يدخل في الصلاة.
قال سحنون: أكره أن يجعل الثوب على النار لعله العمل. ولا بَأْسَ به على الشمس. وخفف المهاميز لهمز الدواب.

(1/540)