النوادر
والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات كتاب الجنائز
في توجيه الميت، وتلقينه، وإغماضه إذا قضى
قال أبو محمد عبد الله بن أبي زيد: ومن (الواضحة)، قال مالك: لا أحب ترك
توجيه الميت إلى القبلة إن استطيع ذلك، ومن (المجموعة)، ابن القاسم عن
مالك، في التوجيه، قال: ما علمته من القديم. وقال هو ابن وهب عنه: وينبغي
أن يوجه غلي القبلة على شقه الأيمن، فإن لم يقدر فعلي ظهره ورجلاه في
القبلة. ونحوه في (الموطأ)، وفي (المختصر). وقاله ابن وهب، في (العتبية):
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَرَوَى التوجيه عن علي بن أبي طالب وجماعة من السلف،
فإن لم يقدر على ذلك لشدة نزلت به، أو لغير ذلك، أو لنسيان، أو شغل، فلا
حرج، ولقد أغمي على ابن المسيب في مرضه، فوجه، فأفاق فأنكر فعلهم به، وقال:
على الإسلام حييت، وعليه أموت وليهننى مضجعي ما كنت بين أظهركم. قال: وأراه
إنما كره عجلتهم بذلك قبل نزول حقيقته، فلا أحب أن يوجه إلاَّ أن يغلب
ويعاين، وذلك عند إحداد نظره، وشخوص بصره، وينبغي أن يلقن بلا إله الله
ويغمض بصره إذا قضى. وَرَوَى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك.
وَرَوَى أنه قال: «من كان آخر قوله لا إله إلاَّ الله حرم على النار».
قال مالك، في (المختصر): ولا بَأْسَ أَنْ تغمضه الحائض والجنب. قال غيره:
الإغماض سنة، أغمض النبي صلى الله عليه وسلم أبا سلمة، وأغمض أبو بكر رسول
الله صلى الله عليه وسلم.
(1/541)
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ويستحب أن يقال عنده:
{وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ} (الصافات: 181، 182)، {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ
الْعَامِلُونَ} (الصافات: 61)، {وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} (هود: 65). ويقال
عند إغماضه بسم الله، وعلى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللهم يسر
عليه أمره، وسهل عليه موته، وأسعده بلقائك، واجعل ما خرج إليه خيرا مما خرج
منه.
ويستحب ألا يجلس عنده إلاَّ افضل أهله وأحسنهم هديا وقولا، ولا يكون عليه
وقربه ثوب غير طاهر، ولا تحضره الحائض، ولا يحضره الكافر. وأن يقرب منه
رائحه طيبة من بخور أو غيره. ولا بَأْسَ أَنْ يقرأ عنده {يس}، وإنما كره
مالك ذلك أن يكون استنانًا. وقال في (المجموعة) ابن نافع عن مالك، وأشهب
عنه، في (العتبية): ليس القراءة عنده والإجمار من عمل الناس.
في غسل الميت، وستر عورته، وهل يُحْلَقُ له
شَعْرٌ أو يُقَصُّ له ظُفْرٌ؟
قال الرسول صلى الله عليه وسلم للنسوة في ابنته: «اغسلنها ثلاثا أو خمسا،
أو أكثر، بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورا». قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: والسنة
أن يكون الغسل وترًا.
(1/542)
قال النخعي: غسله وتر، كفنه وتر، وتجميره
وتر، وغسل ابن عمر سعيد بن زيد بن عمر بن نفيل ثلاثًا فالأولي صب عليه
قراحًا والثانية غسل رأسه ولحيته وجسده بالماء والسدر بدأ برأسه ولحيته ثم
بسقه الأيمن ثم بالأيسر ثم الثالثة بماء وشيء من كافور. وقال مثله النخعي
إلاَّ أنه قال: يبدأ فيوضأ. قال ابن سيرين: يغسل ثلاثا فإن خرج منه شيء،
غسل خمسا فإن خرج منه شيء غسل سبعا، لا يزاد على ذلك. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ:
ويوضأ كما يتوضأ الحي، ويدخل الماء في فيه ثلاثا ويستر عورته من سرته إلى
ركبتيه، وإن احتاج إلى عصر بطنه فعل برفق ولا يعقص رأسه. قال أشهب. في كتاب
(ابن عبدوس): وواسع أن يسرح رأسه أَوَّلاً يسرح. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ:
وليلوى ماقصح من مفاصله برفق، وإن احتاج إلى مباشرة فرجه جعل على يديه خرقه
وأدخلها من تحت المئزر، لا يزيله عنه. قال في (المختصر): لا يفضى بيده إلى
فرجه إلاَّ وعلى يده خرقة، إلاَّ لأمر لابد منه. ومن (كتاب ابن سحنون)
وينبغي إذا جرد للغسل أن لا يطلع عليه إلاَّ الغاسل ومن يليه، ويستر عورته
بمئزر. ويستحب أن يجعل على صدره ووجهه خرقة أخرى، ويوضع على أحد شقيه
للغسل، ويقلب كذلك. وذكر هذا كله ونحوه عن أشهب. قال أشهب، في (المجموعة):
وإن وضع على شقه الأيمن
(1/543)
أو الأيسر، فلا بَأْسَ، وإن أسندته صدرك أو
مسك لك أو لم يسنده فلا بَأْسَ. قال (في كتاب ابن سحنون)، عن أشهب: وإذا
عصر بطنه فليأمر من يصب عليه الماء أن لا يقطع مدام ذلك. ويغسل ما أقبل منه
وما أدبر، والخرقة على يده، ثم يغسل تلك الخرقة ويغسل يده، ويأخذ خرقة أخرى
على يده للغسل، ويدخاها في فيه لينظف أسنانه، وينقي أنفه. قال: ويغسله أولا
بالماء وحده، ويغسل فيها لحيته ورأسه بالسدر، ويوضئه وضوء الصلاة، ثم يغسله
في الثانية بالماء والسدر؛ جسده ولحيته ورأسه، ويوضئه. وأنكر سحنون تكرير
وضوئه. قال أشهب: وفي ترك ووئه سعة. والآخرة بالكافور، كانت الثالثة أو
الخامسة، فإن لم يجد فبغيره من الطيب إن وجد، وإن احتاج فيها إلى عصر بطنه،
لما يخاف، فعل. وإن خرج منه شيء. أعاد وضوئه. وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يعم
غسل جسده بالماء وحده في الغسلة الأولى، ثم يغسله في الثانية بغاسول بلده
إن لم يجد السدر، وإن لم يجد فبالماء وحده ومن (المجموعة): وإن لم يحتج إلى
غسل رأسه بغاسول لنقائه تركه. ثم الثالثة بماء وكافور وحده. ومن
(المجموعة)، قال أشهب: فإن اشتدت مؤنه الكافور ترك. قال: والدر لغسل رأسه
ولحيته أحب إلى، فإن لم يكن فغاسول أو غيره مما ينقى، وواسع بالماء وجده
سخنا أو باردا. وكذلك لمالك، في (المختصر). قال: ولا بَأْسَ بالحرض
والنطرون إن لم يتيسر السدر. قال أشهب: فإن وضى فحسن، وإن لم يوضأ فواسع،
وكذلك يجزى الجنب الحى فكيف بالميت ويجعل على يده خرقة لمباشرة وجهه وإن
احتاج إلى مباشرته بغير خرقة فواسع إن شاء الله. ولا بَأْسَ أَنْ ينقى أنفه
ويغسل وفاه، ويمضمض، وتركه غير ضيق.
(1/544)
قال موسى، عن ابن القاسم، في (العتبية):
ويعمل لشعر المرأة ما أحبوا من لفه، وأما الصفر فلا أعرفه. قَالَ ابْنُ
حَبِيبٍ: لا بَأْسَ بضفره. قالت أم عطية: ضفرنا شعر بنت رسول الله صلى الله
عليه وسلم ثلاث ضفائر، ناصيتها، وقرنيها، وألقي من خلفها. قال مالك، في
سماع ابن وهب: ويوضأ الصبي إذا غسل. ومن (كتاب ابن القرطي) ولا يؤخر غسل
الميت بعد خروج نفسه، ولا يغسل بماء زمزم ميت، ولا نجاسه وإنما يكره غسل
الميت بماء الورد والقرنفل من ناحية السرف، وإلاَّ فهو جائز؛ إذ لم يغسل
للطهر، وهو إكرام للقاء الملكين قال أبو محمد: وما ذكر ابن القرطي في ماء
زمزم لا وحه له عند مالك وأصحابه، وإن كان يعني في قوله بماء الورد
والقرنفل أنه لا يغسل بغيره من الماء القراح، فليس هذا قول أهل المدينة.
قال أشهب، في (المجموعة): وأَحَبُّ إليَّ أن لا يحلق له عانه أو يقص له ظفر
ولينق ما بها من وسخ. وكذلك قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ. وقال: لا ينتف له شعر،
وما سقط من جسده من شعر أو غيره جعل معه في أكفانه. قال ابن سيرين: لا يؤخذ
منه شعر، ولا تقلم أظفاره، إلاَّ أن يكون عند نزول الموت به فإذا مات فلا.
وقال سحنون، في (كتاب ابنه): إن كان ذلك يتأدى به للمريض، فلا بَأْسَ به،
وإن كان ليهيأ بذلك للموت، فلا يفعل. ومن (المجموعة)، قال أشهب: وإذا فرغت
من غسله نشفته في ثوب وقد أمرت ثانية بل ذلك بتجمير ثيابه. قال غيه:
فليلبسنه ما يلبس منهما، ثم يكفنه.
(1/545)
في الميت؛ هل ينجس الثوب الذي ينشف
به، وما يصيبك من مائه، وهل على غاسله
غسل، أو على حامله وضوء، وهل تغسله
الحائض والجنب؟
من (المجموعة) قال أشهب: وينشف الميت بثوب. قال سحنون: ولا ينجس ذلك الثوب
الذي ينشف الميت به. وقال: محمد بن عبد الحكم يرى أنه ينجس بذلك الثوب.
قال، في (كتاب ابن القرطي). لا يصلى به حتى يغسل، ولا بالماء الذي يصيبه من
مائه. قال مالك، في (المختصر): ويغتسل من غسل ميتا أحب إلينا، وليس عَلَى
مَنْ حمله وضوء. وَرَوَى عنه ابن القاسم في (العتبية)، أنه رأى أن يغسل
غاسل الميت. وقال: عليه ادركت الناس. واستحبه ابن القاسم. وَرَوَى مثله
أشهب في (المجموعة)، وأستحبه. وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لا غسل عليه ولا وضوء
وقاله جملة من الصحابة والتابعين، وذكر حديث أسماء. وقاله مالك. وقال: فإن
اغتسل من غير إيجاب فحسن. قال غيره، في (كتاب آخر): إنما أستحب له أن يغسل
لئلا يتوقي ما يصيبه منه، فلا يكاد يبالغ في أمره؛ لتحفظه، وإذا وطن على
الغسل فتمكنه أكثر، وإنما قيل: (ومن حمله فليتوضأ). يعني بذلك: ليصلى عليه
إذا بلغ المصلى، ولئلا ينصرف ولا يصلي عليه. قال ابن القرطي: واختلف في غسل
الجنب
(1/546)
الميت، وإجازته أحب إلينا. وليكثر الغاسل
من ذكر الله. وأجاز محمد بن عبد الحكم للجنب أن يغسله. ومن (المجموعة)، قال
ابن القاسم، عن مالك: لا أحب للجنب أن يغسل الميت، وذلك جائز للحائض. قَالَ
ابْنُ حَبِيبٍ: وتغسل الحائض الميت، ولا ينبغي ذلك للجنب من رجل أو امرأة.
قاله مالك والثورى. روى من (المجموعة) ابن القاسم عن مالك: ولا وضوء عَلَى
مَنْ أفضى بيده إلى جسد الميت، أو حنطه، أو حلمه، وإن أصاب يده شيء مما
يخرج منه غسل ما أصابه فقط. قال أشهب: وأَحَبُّ إليَّ أن يغتسل غاسل الميت
توقيا؛ لما عسى أن يصيبه من أذى من الميت، فإن لم يفعل، ورأى أنه لم يصبه
شيء، فذلك واسع. قال أشهب: ومن أصابه من الماء الذي غسل به الميت شيء، فغسل
ذلك أوجب من الأول؛ فإن لم يفعل ورأى أنه لم يصبه شيء، وصَلَّى، ولم يعلم
أن ذلك الماء أصابه شيء من أذى الميت، فلا شيء عليه. قال، في (كتاب ابن
القرطي): ومن اغتسل عند الموت، لم يكتف بذلك الغسل إن مات
في غسل من جدر أو شدخ وشبهه، وغسل بعض الجسد،
أو الميت ينبش، ومن غسل هل يؤخر تكفينه أو حمله؟ وفي الموتى يكثرون، والعمل
في غسلهم ودفنهم
قال مالك، في (المختصر): وإذا كان به قروح تنسلخ أو جراح فليؤخذ غيره، ولا
ينكأ ذلك. ومن (العتبية)، موسى عن ابن القاسم: ومن وجد مشدخا لا يقدر أن
يغسل، صب عليه الماء صبا، وكذلك المجدور، ومن غمرته القروح، ومن إذا مس
تسلخ، فليصب عليه الماء، ويرفق به قال مالك:
(1/547)
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ومن ما لا يبلغ منه
إلى ما يفرط وينفسخ. ومن (المجموعة) قال علي عن مالك: ومن وجد تحت الهدم،
وقد تهشم رأسه وعظامه، والمجدور والمتسلخ، فليغسلا، ما لم يتفاحش ذلك
منهما. ومن (العتبية)، موسى عن ابن القاسم، وإذا وجد من الميت، مثل يد أو
رجل أو رأس، فلا يغسل، ولا يغسل إلاَّ ما يصلي عليه. وقاله مالك في سماع
ابن وهب. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وقال عبد العزيز: يغسل ما أصيب من، ويصلى
عليه. ومن (العتبية)، يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، في الميت ينبش قبره،
قال: لا يعاد غسله، وليكفن ويدفن. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا ينبغي أن يغسل
الميت إلاَّ بأن يحمل بأثر ذلك، فإن تأخر حمله بعد الغسل إلى غد، فلا يعاد
غسله، وما خرج منه غسل، وما أصاب الكفن منه. قاله أصبغ، وغيره. وَرَوَى
مثله علي عن مالك، في (المجموعة)، فيما يخرج منه بعد الغسل. ومن (العتبية)،
روى عيسى عن ابن القاسم، قال: وإذا غسل بالعشي. وكفن من الغد، أجزأه ذلك
الغسل.
قال ابن حبيب: ولا بَأْسَ عند الوباء، وما يشتد على الناس من غسل الموتى
لكثرتهم أن يجتزأ منه بغسلة واحدة، بغير وضوء، ويصب الماء عليهم صبا، ولو
نزل الأمر الفظيع، فكثر فيه الموتى جدًّا، وموت الغرقى، فلا بَأْسَ أَنْ
يقبروا بغير غسل إذا لم يوجد من يغسلهم، ويجعل منهم النفر في القبر. وقاله
أصبغ، وغيره من أصحاب مالك. وَرَوَى عن الشعبي، قال: رمسوهم رمسا.
في جنب وميت معهما ما يكفي أحدهما
من (العتبية)، قال عبد الملك بن الحسن، عن ابن وهب، في رجلين في
(1/548)
سفر، معهما من الماء ما يكفي أحدهما فمات
أحدهما وأجنب الآخر، فالحي أولي به من الميت، وييمم الميت، وَرَوَى موسى بن
معاوية، عن ابن القاسم، أنه إن كان الماء للميت، غسل به وإن كان بينهما،
كان الحي أولي به. قال يحيى بن عمر، ويكون عليه قيمة حصة الميت لورثته.
في غسل أحد الزوجين صاحبه، والسيد يغسله
من فيه بقية رق من إمائه
قال مالك، في (المختصر)، ومن (كتاب ابن سحنون): ولا بَأْسَ أَنْ يغسل
أحدالزوجين صاحبه من غير ضرورة، ولا يطلع أحدهم على عورة صاحبه. وكذلك في
سماع ابن وهب، زكذلك قال مالك في (المجموعة) تستر عورته. قال أشهب: تغسله
زوجه وإن لم يبن بها. قال ابن سحنون، عن أبيه: وكذلك يغسلها هو. وقَالَ
ابْنُ حَبِيبٍ: ويغسل أحد الزوجين صاحبه، والميت منهما عريانا من غير
ضرورة، قال: ولها أن تغسله وإن تزوجت غيرره، إذا وضعت حملها قبل دفنه،
ويتزوج هو أختها ويغسلها. قال ابن الماجشون: ولها أن تجففه وتكفنه، ولا
تحنطه، إذ هي حاد، إلاَّ أن تضع حملها قبل ذلك كانت حاملا، أو تكون بموضع
ليس فيه من يحنطه، فلتفعل، ولا يمس بالطيب إلاَّ الميت. قَالَ ابْنُ
حَبِيبٍ: وأَحَبُّ إليَّ إذا نكح أختها أن لا يغسلها، وليس بحرم. وقال
أشهب. وأجاره ابن القاسم، في (المجموعة). وإن كان جنبا ثم كرهه. ومن (كتاب
ابن سحنون)، قال أشهب: ويغسل أحد الزوجين صاحبه مجردا. قال ابن سحنون: يعنى
ستر عورته. وهو قول أصحابنا.
قال ابن سحنون: وإذا لم يقدر الزوج أن ينفرد بغسل زوجته، ولم يجد من يعينه
(1/549)
عليها من نساء، أو من ذوى محارمها من
الرجال، فلييممها إلى المرفقين. وكذلك إذا مات الرجل ومعه امرأته، أو أحد
من ذوات محارمه، فعلوا ذلك به قال: ويقضى للزوجين بغسل زوجته وإجنانها، ولا
يقضى لها على أوليائه بغسله. وذكر ابن المواز، في آخر كتاب طلاق السنة، عن
ابن القاسم، أن المرأة أحق بغسل زوجها إذا مات في الحضر، وإن كان عنده من
الرجال من يغسله، وكذلك الرجل في زوجته. قال محمد: يريد أن كل واحد منهما
أولى بغسل صاحبه من غيره. وليس للمسلم غسل زوجته النصرانية، ولا تغسله هي
إلاَّ بحضرة المسلمين. وللأمة غسل سيدها وإن ولدت منه، وللعبد غسل زوجته
الأمة، ولها أن تغسله، من غير أن يقضى بذلك لواحد منهما، إلاَّ أن تكون
زوجته حرة، ويأذن له السيد في غسلها، فيقضى له بذلك.
وإذا مات أحد الزوجين، فظهر أن بينهما محرم، فلا يغسل الحي الميت.
قال أبو محمد: يريد إن كان ثم من يلي غسل الميت. وقال: وإن وجد نكاحهما
فاسدا، لا يقران عليه، كنكاح المحرم، والشغار، ونحوه، فلا يغسل الحي الميت.
وكذلك نكاح المريض والمريضة، إذ لا يتورثان، لأن من أصحابنا من يفسخ النكاح
وإن صحا، وقد كان مالك يقوله. وإن كان فساد في الصداق، فذلك لهم بعد
البناء. فإن لم يبن، فلا يغسله. وإن ظهر بأحدهما جنون أو جذام أو برص،
فالغسل جائز لهما، وكذلك إن زوجها ولي وثم أولى منه. وأما بعقد أجنبي، وهي
من ذوات القدر، ووليها حاضر، فلا. وكذلك التي عقدت على نفسها، وأما أمة
غرته أنها حرة، فيها بقية رق، ولى العقد من يجوز
(1/550)
عقده، فالغسل بينهما، وإن وليه من لا يجوز
عقده فلا غسل بينهما، ولو غرها الزوج أنه حر، وهي حرة، فالغسل بينهما.
ومن (العتبية): قال موسى، قال ابن القاسم، ولا بَأْسَ أَنْ يغسل الرجل من
يحل له مثل أمته، وأم ولده، ومدبرته، كالزوجة، من غير ضرورة في الحضر. وأما
مكاتبته فلا. قال ابن سحنون، عن أبيه مثله. وقال: زكذلك المعتق بعضها،
والمعتقه إلى أجل، ومن له فيها شرك. وكل من لا يحل له وطوها. من (المجموعة)
ابن القاسم وأشهب: ويغسل السيد أمته، وأم ولده، ومدبرته، وتغسله. قال أشهب:
كان يطأها أم لا. قال ابن القاسم: وإذا طلق امرأته، ثم مات وهي في العدة،
والطلاق واحدة، فلا تغسله. قال أشهب: وإن كان الطلاق بائنا أو أعتق أم
ولده، فلا تغسله، ولو نكحها نكاحا فاسدا، ثممات، لم تغسله، إذ لا ترثه. ومن
(كتاب أبي الفرج)، روى ابن نافع، عن مالك، في المطلقة واجدة تموت قبل
الرجعة، أنها تغسله. وهذا خلاف قول ابن القاسم، قياسه على قول مالك في التي
لا يراها قبل يرتجع.
في غسل ذوى المحارم بعضهم بعضا، والمرأة
تموت لا نساء معها، والرجل يموت لا رجال
معه، وغسل النساء الصَّبِيّ، والرجال
الصبية
من (العتبية)، قال أشهب، عن مالك، وفي (كتاب ابن سحنون)، قال ابن وهب، عن
مالك، في امرأة ماتت بفلاة، ومعها ابنها: يغسلها. قال: ما أحب أن يلى ذلك
منها. قيل: أييممها؟ قال: يصب الماء عليها من وراء
(1/551)
الثوب أحب إلى. قال موسى، عن ابن القاسم:
ويغسله ذوات محارمه من فوق الثوب، إن لم يكن معه غيرهن. قال: وتستر المرأة
عورة أخيها وأبنها. ومن (المختصر) وإذا مات وليس معه إلاَّ إمه أو ابنته أو
أخيه، فلا بَأْسَ أَنْ يغسلنه، ما لم يطلعن على عورته. وإن ماتت امرأة
ومعها أبوها أو أخوها أو ابنها، ولا نساء معها، فلا بَأْسَ أَنْ يغسلها في
درعها، ولا يطلع على عورتها. ومن (كتاب ابن سحنون)، قال أشهب: وأَحَبُّ
إِلَيَّ في أمه وأخيه أن ييممها، وكذلك المرأة في ابنها. قال سحنون: لا
أعلم من يقول غيره من أصحابنا، وقول مالك أحب إلى قال أشهب ولو فعل ذلك
رجوت أن يكون واسعا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، في المرأة تموت لا نساء معها
ومعها من ذوى المحارم، مثل الأب والابن والأخ والعم والخال، فإنه يغسلها
وعليها ثوب يصب الماء صبا من تحته، ولا يلصقه بجسدها فيصف إذا ابتل عورتها،
وَلَكِن يجافيهما قدر، فإن لم يجد الماء يممها إلى المرافق، وإنما تيمم إلى
الكوعين إن لم يحضرها إلاَّ رجال من غير محارمها، كان معهم ماء أو لم يكن،
ولو كان معهم امرأة كتابية، علموها الغسل، فغسلتها، وكذلك رجل مات بين نساء
ليسوا بمحارمه، ومعهن رجل نصرانى أو يهودي، فليعلمنه الغسل، فيغسله. قال
ذلك كله مالك، والثوري. وقال أشهب، في (المجموعة): لا يلي ذلك كافر ولا
كافرة وإن وصف لهما ولا يؤتمن على ذلك كافر. وقال سحنون: يدعو الكافر
لغسله. وكذلك الكافرة في المسلمة، ثميتحاطون بالتيمم فيهما. ومن (العتبية)،
قال محمد بن خالد، عن ابن القاسم، في التي تموت في سفر لا نساء معها ولا ذو
محرم، أنها تيمم. يريد بذلك إلى الكوعين قبل: فتدفن في ثيابها؟ قال: يفعل
بها أفضل ما يقدر عليه.
(1/552)
قيل لمالك: في سفرها معهم، لا نساء معهما
ولا ذو محرم، للحج، كيف تركب؟ قال: يتطأطأ لها الرجل فتستوي عليه، ثم تركب.
وهذا إذا لم يقدر لها على أفضل من ذلك. ومن (المجموعة)، قال ابن القاسم
وابن وهب، عن مالك، فِي مَنْ مات وليس معه إلاَّ ذوات محارمه: فإنهن يغسلنه
ويسترنه. قال ابن القاسم: يسترن عورته. وكذلك المرأة تموت ليس معها إلاَّ
أبوها أو ابنها أوذو محرم منها، فليغسلنها من فوق الثوب. وأنكر ذلك مالك في
رواية ابن غانم، واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم للسائل عن الاستئذان
على أمه، فقال: «أتحب أن تراها عريانة؟» قال أشهب: وإن غسلها من فوق الثوب
فواسع. قال مالك: وَلَكِن أكرهه للتعرض أن تقع يده على ما لا يصلح أن يجد
لجسته من جسدها وعورتها، وَلَكِن ييممها إلى المرفقين، كذلك المرأة تكون مع
ميت ذي مَحْرَمٍ منها؛ أمه أو أخيه، فتيممه أَحَبُّ إليَّ، وإن غسلته رجوت
سعة. ومن (كتاب الشرح) نسب إلى ابن سحنون، قال: سألت سحنونا عن قول مالك،
في رجل مات وليس معه إلاَّ النساء يريد لسن بذوات محارمه، فييممنه إلى
المرفقين، فيصلين عليه صفا واحدا أفذاذا. أرأيت إن تمت الصلاة، ثم جاء رجال
قبل أن يدفن ومعهم الماء؟ قال: لا يغسل، ولا يصلى عليه ثانية، وقد أجزأ ما
فعل النساء في وقت يجوز لهن ذلك، ولو غسل ودفن بلا صلاة، لم أر بذلك بأسا،
والأول أَحَبُّ إليَّ.
ومن (المجموعة)، ولا بَأْسَ أَنْ تغسل المرأة الصَّبِيّ ابن ست سنين أو
سبع، ولا بَأْسَ أَنْ يغسل الرجل الصبية الصغيرة إذا احتيج إلى ذلك. قَالَ
ابْنُ حَبِيبٍ: ويغسل النساء الصَّبِيّ ابن سبع سنين وما قاربها ولا يغسل
الرجل الصبية بنت سبع
(1/553)
سنين ونحوها، إلاَّ الصغيرة جدًّا. قال ذلك
مالك وأصحابه، وذكر نحوه في (المجموعة) عن مالك في الصبي. وقال: أشهب، في
الصبية: إذا كانت تشتهى مثلها فلا يغسلها الرجال، وذلك يتقى منها قبل
اتقائه من الصبي. وقال ابن القاسم: لا تغسل التي لم تبلغ. قال عنه ابن
مزين: وإن صغرت جدًّا. وفي سماع ابن وهب، أن مالكًا أجاز للنساء غسل الصبي
ابن سبع سنين.
في تكفين الميت، وتحنيطه
من (الواضحة)، ونحوه لأشهب من (المجموعة)، قال: فإذا فرغت من غسل الميت،
نشفت بلله في ثوب عورته مستورة، وقد أجمرت ثيابه قبل ذلك وترا، وإن أجمرتها
شفعا فلا حرج، ثم تبسط الثوب الأعلي. قال أشهب: اللفافة التي هي أوسع
أكفانه، ثم الأوسع فالأوسع من باقيها. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فتذر على
الأولى من الحنوط، ثم على الذي هكذا إلى الذي يلي جسده فيذر عليه أَيْضًا.
قال أشهب: وإن جعل الحنوط في لحيته ورأسه والكافور فواسع. قَالَ ابْنُ
حَبِيبٍ: ثم يجعل الكافور عليه مساجده، من وجهه وكيفيه وركبتيه وقدميه،
ويجعل منه في عينيه، وفي فيه، وأذنيه، ومرفقيه، وإبطيه، ورفغيه، وعلى القطن
الذي يجعل بين فخذيه لئلا يسيل منه شيء ويشده بخرقة إلى حجز مئزره.
قال سحنون ويسد دبره بقطنة فيها ذريرة، ويبالغ فيه برفق.
قال ابن حبيب: ويسد مسام رأسه بقطن عليه كافور إلى فيه ومنخريه، ثم يعطف
الثوب الذي يلي جسده يضم الأيسر إلى الأيمن، الأيمن عليه، كما يلتحف
(1/554)
في حياته. وقاله أشهب، في (المجموعة)،
وقال: وإن عطفت الأيمن أولا فلا بَأْسَ، ويفعل هكذا في كل ثوب، ويجعل عليه
الحنوط إلاَّ الثوب الآخر، فلا يجعل على ظاهر كفنه حنوطا، ثم يشد الثوب عند
رأسه وعند رجليه، فإذا الحدته في القبر حللته. ومن (المجموعة)، قال أشهب:
وإن تركت عقدة فلا بَأْسَ، ما لم تنتثر أكفانه.
وفي (كتاب ابن القرطي): ويخاط الكفن على الميت ولا يترك بغير خياطة. قال
أشهب، في (المجموعة): وتكفن المرأة نحو ذلك، وإن جمرت أو تركت، فذلك واسع،
ولا بَأْسَ أَنْ تكفن المرأة في ثوب واحد، بخلاف الصلاة.
قال أشهب: وإن قمص الرجل فواسع، ولا يقمص أَحَبُّ إليَّ.
ومن (العنبية)، قال يحيى، عن ابن القاسم: وأَحَبُّ إليَّ في المرأة أن توزر
وتخمر، وتدرج في ثلاثة أثواب إن وجد لذلك سعة.
ومن (المختصر)، ورواه ابن وهب، في (المجموعة)، قال مالك: ولا بَأْسَ أَنْ
يكفن الميت فوق القميص، ولا بَأْسَ أَنْ يحنط بالمسك والعنبر وما يتطيب به
الحي.
قال في (المجموعة): وليل تحنيط المحرم غير محرم، وليغط رأسه كما يغطي
بالمدفن.
قال أشهب: ويسدل خمار المرأة فوق الكفن، أو تحته، أو فوق الدرع إن كان، أو
تحته. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: واستحب مالك أن تعم الميت وتخمر الميتة.
قال مُطَرِّف: ويجعل من العمامة تحت حلقه كالحي، ويترك منها قدر ذراع يغطى
(1/555)
به وجهه، وكذلك يترك من خمار المرأة كذلك.
ومن (العتبية)، قال يحيى بن يحيى: واستحب ابن القاسم أن لا يقمص الميت، ولا
يعمم، وأن يدرج في ثلاثة أثواب بيض إجراجا.
في صفة كفن الميت، وعدد أثوابه، والقصد فيه، والوصية
به، وكفن المديان ينبش، والكفن يتلف
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: والقصد في الكفن أحب إلينا من المغالاة فيه، وَرَوَى
ذلك عن أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما.
قال أشهب، في (المجموعة): والكفن في الخلق والجديد سواء، وليس على أحد غسله
إذا لم يخف نجاسة، ولم يكن وسخا، وواسع في البرود، والبياض أحب إلينا.
قال ابن سحنون، عن أبيه: وليس عليك غسل الخلق من الكفن إن لم يكن وسخا، ولا
خفت عليه نجاسة، وربما كان الجديد أولي بأن يخاف ذلك فيه، واليقين في طهارة
الخلق أكثر قال أبو محمد: يريد من جديد قد لبس ولم يغسل.
ومن (كتاب) آخر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «البسوا البياض، وكفنوا
فيها موتاكم، فإنها من خير ثيابكم».
(1/556)
ومن (المختصر)، وليس في كفن الميت حد،
والوتر أحب إلينا، ولا بَأْسَ أَنْ يكفن الميت في غير وتر. وكذلك قال عنه
ابن وهب، في (المجموعة).
قال مالك في موضع آخر: وثوبين أَحَبُّ إليَّ من ثوب.
قال في (المختصر): كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب، وكفن
النبي صلى الله عليه وسلم الشهداء يوم أحد اثنين في ثوب، وكفن ابن عمر ابنه
في
(1/557)
خمسة أثواب، وكفن أبو بكر في ثوب فيه مشق.
ومن (المجموعة)، قال ابن القاسم: والوتر أَحَبُّ إليَّ مالك في الكفن، وإن
لم يوجد للمرأة إلاَّ ثوبان، لفت فيهما، وكذلك من لم يبلغ من صبي وصبية
فالوتر أَحَبُّ إليَّ مالك فيه.
قال أشهب، وسحنون: وهذا فِي مَنْ راهق، فأما الصغير فالخرقة تكفيه. وذكر
أشهب أن أبا بكر كفن في ثوبين.
وَرَوَى ابن القاسم عن مالك، أنه كفن في ثلاثة. قال أشهب: ولا بَأْسَ
بالكفن في ثوب للرجل والمرأة، ولا أحب أن يقصر عن ثوبين للرجل لمن وجد؛ لأن
الثوب الواجد يصف ما تحته.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أَحَبُّ إليَّ مال في الكفن خمسة أثواب؛ يعد فيها
العمامة والمئزر والقمص، ويلف في ثوبين، وذلك في المرأة ألزم؛ لأنها تحتاج
إلى مئزر يشد بعصائب من حقويها إلى ركبتيها، ودرع وخمار، وثوبين تدرج
فيهما.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وثوبان أحب إلينا من ثوب، وثلاثة أحب إلينا من أربعة.
(1/558)
يريد الوتر، ويريد في الأول الستر.
قال ابن القرطي: والمرأة في عدد أثواب الكفن أكثر من الرجل، وأقله لها
خمسة، وأكثر سبعة، ولا ينقص الرجل الذي يجد من ثلاثة، ويكفن في مثل هيئته
في حياته إن تشاح الورثة.
قال أشهب، في (المجموعة): ولا يكفن رجلان في ثوب إلاَّ من ضرورة.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ويستحب للرجل أن يوصي أن يكفن، في ثيابه التي يشهد
فيها الجماعات والصلوات، وثوبي إحرامه إن حج؛ رجاء بركة ذلك، فقد أعطي
النبي صلى الله عليه وسلم مئزره في ابنته، وقال: «أشعرنها إياه». وأعطي
ثوبه الذي يلي جلده إلى ولد عبد الله بن أبي ابن سلول،
(1/559)
يكفن فيه أباه. وأوصى سعد بن أبي وقاص في
جبة صوف، شهد فيها بدرا، أن يكفن فيها.
والعلماء يحبون البياض في الكفن. والحبر مستحب لمن قوى عليه، وَرَوَى نحوه
للنبي صلى الله عليه وسلم، وَرَوَى أنه عليه السلام كفن في ثلاثة أثواب،
فقيل: إنها بيض، وقيل: إن أحدهما حبرة.
من (المختصر) وغيره، قال مالك: والكفن والحنوط ـ يريد جميع مون الميت في
إقباره إلى أن يوارى ـ من رأس المال. قال: والرهن أولي من الكفن، والكفن
أولي من الدين، ومن أوصي أن يكفن في سرف، وأوصي بمثل ذلك في حنوطه وقبره،
فلا يجاز في رأس ماله، إلاَّ ما يجوز لمثله لو لم يوص. وقال ابن القاسم،
وأشهب. وَرَوَى علي، عن مالك
(1/560)
في (المجموعة)، أنه لا يجوز من ذلك إلاَّ
ما يكفن فيه مثله.
قال سحنون: وسكني الزوجة في دار، قد نقد الميت كراها، أولي من الكفن. قال
ابن سحنون، عن أبيه، فِي مَنْ أوصي أن يكفن في رف،
قال: يجعل در القصد في رأس ماله، والزائد في ثلثه. قال ابن القرطي: وقيل:
الزائد على السداد ميراثا، وهذا هو المستعمل.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قيل لمالك، في امرأة أوصت في ثياب لها، كانت تلبسها،
أن تكفن فيها، فأراد ابنها أن يشترى لها جددا بدلها، فكره له ذلك. ورواه
أشهب، عن مالك في (العتبية).
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال ابن سيرين: إذا ولي أحدكم أخاه، فليحسن كفنه.
ومن (العتبية) قال سحنون، فِي مَنْ أوصى أن يكفن في ثوب واحد، فزاد بعض
الورثة ثوبا آخر، فقام في ذلك الآخرون: فإن كان في التركة محمل لذلك، فلا
ضمان على الذي فعله. قال ابن القرطي: وإذا أوصي بشيء يسير في كفنه وحنوطه،
لم يكن لبعض الورثة الزيادة فيه بغير ممالأة من جميعهم.
قال ابن سحنون عن أبيه، في غريب لا يعرف له أهل، مات عن
(1/561)
دينار أو دينارين. قال: لا بَأْسَ في مثل
هذا اليسير أن يجعل كله في كفنه وحنوطه وقبره.
قال سحنون في (العتبية): ومن اشترى كفنا لميت، فتلف في يده، فبل أن يبلغ
به، وهو وصي أو رسول ورثة بالغين، فلا يضمن، ومن ابتاعه، على أنه إن مات
وإلاَّ رده، لم يجز البيع.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال اصبغ: ومن نبش، فلا يلزم ورثته تكفينه ثانية في
بقية ماله، إلاَّ أن يشاءوا، أو يحتسب فيه محتسب.
قال ابن سحنون: فإن وجد الكفن الأول بعد أن دفن، فهو ميراث.
ومن (العتبية)، قال يحيى بن يحيى: قال ابن القاسم: إذا نبش الميت وعري، لم
تعد عليه الصلاة، وعلى ورثته أن يكفنوه ثانية ومن بقية تركته، وإن كان عليه
دين محيط، فالكفن الثاني أولي.
قال سحنون: فإن قسم ماله، فليس ذلك على ورثته، وإن كان قد أوصى بثلثه، فلا
يكفن من ثلث ولا من غيره. قال عنه ابنه: إلاَّ أن يكون ذلك بحدثان دفنه،
ولم يقسم ماله، فليكن ثانية من رأس ماله.
(1/562)
في التكفين في
الحرير، والخز، والمصبغ
قال مالك في (المختصر): ولا يكفن في حرير، ولا في خز، ولا معصفر، إلاَّ ان
يضطر إليه.
ومن (المجموعة) قال عنه ابن وهب: وكره التكفين في الخز والمعصفر، إلاَّ أن
لا يوجد غيره. قال ابن القاسم: للرجل والمرأة. قال عنه علي في المعصفر
والمزعفر: لا بَأْسَ به للرجل والنساء، قد كفن أبو بكر في ثوب مصبوغ، أمرهم
بغسله. فإما أن يكون أراد بغسله تطهيره، أو ذهاب لونه. ولا يكره العلم
الحرير في الكفن.
قال أصبغ في (العتبية): لا يكفن في الحرير، رجل ولا امرأة، إلاَّ أن لا
يوجد غيره، ولا يلبس الرجل ما سداه حرير، وإن كان قلنسوة، ويحنث بلباسها
الحالف أن لا يلبس حريرا.
وفي سماع ابن وهب: قيل لمالك في الرجل الميت يدفن في الثوب فيه الحرير؟
قال: ما يعجبني، فإن فعل، فأرجو أن يكون في سعة.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا بَأْسَ أَنْ تكفن المرأة في الحرير، والخز،
والمعصفر المقدم، وما جاز لها لبسه في الحياة، أو للرجل لبسه في الحياة،
فالكفن لها أو له فيه مباح، ما لم يرد بذلك السمعة والنفخ؛ لأنه ليس
(1/563)
في محل ذلك، ولا بَأْسَ في كفن الرجل
بالعلم الحرير، ولا بالثوب الذي يغسل، ويبقي فيه أثر الزعفران، أو عصفر أو
مشق.
ومن (العتبية)، قال عيسى، عن ابن القاسم: لا بَأْسَ تكفن المرأة في الورس
والزعفران، وكره مالك المعصفر إن وجد غيره.
فِي مَنْ يلزم الرجل أن يكفنه ويقبره
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال ابن سحنون: ويقضي على الرجل بتكفين زوجته، ملية،
كانت أو فقيرة، كالنفقة. ورواه عن مالك. وذكر العتبي عن ابن الماجشون مثله،
وأن روايته عن مالك، إنما ذلك عليه في فقرها.
قال غير ابن حبيب: وكذلك تكفين من تلزمه نفقته، من والديه وولده وعبيده.
وقال أصبغ: لا يلزمه في أحد ممن ذكرنا إلاَّ في عبيده. قَالَ ابْنُ
حَبِيبٍ: والأول أصوب، كما لا نقطع حقه بموته من ماله في كفن نفسه، وكذلك
في كفن من ذكرنا، يلزمه إذا ماتوا.
وقال سحنون، في (العتبية) مثل قول أصبغ، أنه لا يلزمه الكفن في أحد، إلاَّ
في عبيده، مسلمين كانوا أو كفارا، هذا في القياس، وأما في الاستحسان،
فيلزمه في الولد الصغار والبنات الأبكار، فأما الزوجة
(1/564)
والأبوان، فلا. وَرَوَى عنه في الزوجة أنه
استحسن أن يكفنها الزوج، إن كانت فقيرة.
وذكر العتبي، عن ابن الماجشونفي كفن الزوجة، أنه على الزوج وإن كانت ملية،
وأن روايته عن مالك، أن ذلك عليه؛ إنما هو في فقرها، وإن كانت ملية، ففي
مالها. قال: وكذلك خادم زوجته، والعبد المخدم في قبضته، أخدم إياه غيره،
فيموت العبد ولا مال له، وكان ينفق عليه، ويزكي للفطر عنه.
قال عيسى، عن ابن القاسم، في الزوجة، إن كانت بكرا، فعلى أبيها، فإن دخلت،
فليس ذلك على الأب، ولا على الزوج، وإن كان لها ولد، فذلك على ولدها. قال
أبو محمد: يريد في عدمها.
قال ابن سحنون، عن أبيه: ليس على الزوج تكفين زوجته الفقيرة.
ثم استحسن أم يكفنها. واختلف قوله في ابنته البكر، وابنه الصغير، فإذا دعي
الزوج إلى البناء، لزمه الكفن في أحد قوليه. وكفن الأمة ذات الزوج، على
سيدها، والزوج حرا أو عبد.
ومن ذهب إلى أن على الزوج الكفن، فله أن يقول: وإن كانت أمة فذلك عليه،
كالنفقة في قول من يرى النفقة. قال غيره: ومن عليك تكفينه، فعليك جميع
مصالحه إلى مواراته.
(1/565)
في تقبيل الميت،
وتعجيل دفنه، والإيذان بجنازته
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا بَأْسَ بتقبيل الميت قبل غسله وبعد غسله، قد
قَبَّل النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون ميتًا، وقَبَّل أبو بكر
النبي صلى الله عليه وسلم ميتًا.
ويستحب أن لا يحبس الميت، وأن يوخذ في أمره، ويسرع خراجه، وقد قال النبي
صلى الله عليه وسلم: «أسرعوا بجنائزكم». وقال معاذ: نهينا أن نبطي بموتانا.
قال عروة: ولا يؤخر من لا يرجي خيره، ولا يؤمن شره.
(1/566)
وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وليستأني بالغريق،
فربما غمر الماء قلبه، ثم يفيق، يروى ذلك عن علي بن أبي طالب، أنه تأني به
يوما وليلة.
ويكره الإيذان بالجنازة، إذا كان ثم من يقوم بالحمل والدفن، ونهى عنه ابن
مسعود. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فأما خاصة إخوان الرجل، من يحزنه أمره، ويشركه
في حزنه، فليوذنهم. وإنما يكره إئذان العامة.
ومن (العتبية)، من سماع ابن القاسم، وكره أن يؤذن بالجنازة على أبواب
المساجد، أو يصاح خلفه: استغفروا له، واستخف أن يؤذن بها في الخلق، من غير
رفع صوت.
ومن (المجموعة)، قال علي، عن مالك، في أهل البادية، يبعثون إلى أهل المحال
حولهم ينذرونهم، قال: إنه ليفعل ذلك في البادية والحضر، ما لم يكن بعيدا،
فأما ما يعرف من إيذان الجيران في المحال، ومن لعله يحب أن لا يفوته، فلا
بَأْسَ به.
(1/567)
في هيئة النعش وفرشه،
وتغطية الميت بثوب، والتقبب على نعش المرأة
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ويكره إعظام النعش، وأن يفرش تحت الميت قطيفة حرير أو
قطيفة حمراء، ولا يكره ذلك في المرأة، ولا يفرش غلا ثوب طاهر، ولا يجعل
الطيب فوق الكفن، ولا بَأْسَ أَنْ يجعل فوق الكفن ثوب يستره غير الكفن،
كالساج ونحوه، وينزع عند الجادة، ولا بَأْسَ أَنْ يجعل على نعش المرأة
البكر والثيب الساج، أو الرداء الموشي، أو البياض وغيره، ما لم يجعل مثل
الأخمرة الملونة، فلا أحب ذلك.
ومن (العتبية) موسى، عن ابن القاسم: ولا يترك ستر المرأة بقبة في سفر أو
حضر، إذا وجد لذلك. وقد استحسنه عمر حين قفل بزينب زوج النبي صلى الله عليه
وسلم، ولا حد لطولها. ويكره ما أحدث من المباهاة والفخر فيه، حتى صار عندهم
يتزين به. قال مالك: وأول من فعل ذلك به زينب. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وقال
الواقدي: أول من قبب عليه النعش فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1/568)
وجه العمل في حمل الميت، والمسير به،
واتباعه، والمشي
أمامه، والتزاحم على نعشه، والترجل، والتحسر، وهل يتبع
بنار، أو يرفع الصوت بالدعاء له، أو يجلس قبل أن يوضع،
أو ينصرف قبل أن يقبر
من (العتبية)، قال ابن القاسم: كره مالك لمن على غير وضوء أن يحمل الجنازة،
لينصرف إذا بلغت، ولم ير به في رواية أشهب بأسا.
قال بعض أصحابنا: وما جاء أن يتوضأ من حمله، أى ليكون متوضئا، حتى إذا بلغت
صُلِّيَ عليها، لا على أن حمله يوجب الوضوء، وَلَكِن يكره له أن ينصرف، ولا
يصلي عليه.
ومن سماع ابن غانم، قال أشهب: وحمل جنازة الصبي على الأيدي أَحَبُّ إليَّ
من الدابة والنعش، فإن حمل على الدابة، لم أر به بأسا.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا بَأْسَ بحمل الجنازة على دابة، إذا لم يوجد من
يحملها. قال: ويستحب أن يحمل الرجل الجنازة من جوانب السرير الأيسر، وهو
يمين الميت، فيضعه على منكبه الأيمن، ثم يختم بمقدمه الأيمن، وهو يسار
الميت، وَرَوَى ذلك عن غير واحد من الصحابة والتابعين، وكان مالك يوسع في
ذلك؛ أن يبدأ بما شاء، ويحمل كيف شاء، أو لا يحمل، ويحمل
(1/569)
بعض جوانبه، ويدع بعضا والفضل فيما ذكرت
لك.
قال مالك، في (المختصر): ولا بَأْسَ بحمل سريره من داخله وخارجه، ويبدأ من
أي نواحيه شاء، ولا بَأْسَ بالعقود قبل أن يوضع، ولا يتبع بنار، ولا ينادي
ليستغفر لها.
قال أشهب، في (المجموعة): كره الصحابة أن يتبع الميت بمجمر.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإنما كره ذلك تفاؤلا بالنار في هذا المقام، أن
يتبعه.
قال وسمع سعيد بن جبير، الذي يقول: استغفروا له. فقال: لا غفر الله لك.
قال: ولا يمشي بالجنازة الهوينا، وَلَكِن مشية الرجل الشاب في حاجته.
قال النخعي، كانوا يقو لون: انشطوا بها، ولا تدبوا بها دبيب اليهود.
قال مُطَرِّف، عن مالك: ولم يزل شأن الناس الازدحام على حمل جنازة الرجل
الصالح، ولقد انكسر تحت سالم بن عبد الله نعشان، وكسر تحت عائشة ثلاثة
أنعش، وذلك حسن ما لم يكن فيه أذى، وكان الصديق والفاروق يمشون أمام
الجنازة. قال ابن أشهب: والمشي خلفها من خطأ السنة. وَرَوَى عن علي بن أبي
طالب، أن المشي خلفها أفضل. وأراه واسعا للاختلاف.
ويكره أن يشيعها راكبا، تقدمها أو تأخر عنها، قال النخعي: كانوا
(1/570)
يكرهون. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلا بَأْسَ
أن يرجع راكبا بعد الدفن. ومن (المجموعة)، قال ابن القاسم، وابن نافع، عن
مالك: ومشي الرجال أمام الجنازة أفضل. قال عنه ابن نافع: وأما النساء فخلف
الجنازة، ولا يكونوا بين يديها في أعقاب الرجال؛ لأن حامليها رجال من
خلفهم. وفي (كتاب) ابن القرطي: ويكون الرجال المشاة أمامها، والركبان من
خلفها، والنساء من وراء ذلك أن يشهد نها، ما لم يكثرن الترداد.
ولا توضع على الرقاب حتى يتكامل من يشيعها، ولا بَأْسَ أَنْ يجلس الماشي
قبل أن توضع، ولا ينزل الراكب حتى توضع.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وكره مالك التحسر في الجنازة. وقاله ابن القاسم، عن
ابن مالك، في (العتبية): بئس العمل نزع الأردية في الجنائز.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وقد استخف ذلك للقرب الخاص، وقد يفعل ذلك في العالم
والفاضل الخاص من أصحابه. وقد رئي عبد الله بن عون
(1/571)
في جنازة محمد بن سيرين في قميص. وتحسر
مصعب، وهو أمير، في جنازة الأحنف.
وقال الأعمش: أحسن من يحمل الجنازة، الذي يمشي بين عمودي النعش، والذي
يقول: استغفروا له غفر الله لكم. والذي يقول: ارفعوا على نسائكم. والذي
يمسك النعش من خلفه. قال مُطَرِّف، وابن الماجشون: أما الذي يمشي بين عمودي
النعش، فلا بَأْسَ به للقرب والخاص، ويكره للعامة. وقد رئي سعد بن أبي وقاص
في جنازة عبد الرحمن بن عوف بين العمودين، قد حمل السرير على كاهله، وفعله
عمر بأسيد بن الحضير، وفعله عثمان بسرير أمه، وزيد بن ثابت بأمه، وابن عمر
بأبي هريرة. وأما الذي خلف النعش، فإن كان من أهل الميت، وأحد الأربعة
الراتبين تحت النعش، فذلك له، وإلاَّ فلا.
ومن (المجموعة)، قال أشهب: ولا بَأْسَ بالجلوس عند القبر قبل أن توضع، إذا
كان معها من يكفي أمرها وإقبارها، ولا بَأْسَ بانصرافهم إذا بلغت القبر،
وإن لم يقبروا إذا بقي معها من يلي ذلك، وَلَكِن أخشي ذريعة ذلك أن ينصرفوا
عنها، حتى لا يبقي من يكتفي به في إقبارها، ويقول قائل لما لا يكفي: هذا
يكفي.
(1/572)
قال ابن القاسم، عن مالك: لا بَأْسَ أَنْ
ينصرفوا، فأما قبل الصلاة عليها، فلا أراه إلاَّ لحاجة، أو لعلة. قال ابن
القاسم: ذلك واسع لحاجة، أو لغير حاجة، وليست بفريضة ـ يريد تخصه ـ إذا قام
بها غيره. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا بَأْسَ أَنْ يمشي مع الجنازة ما أحب،
وينصرف إن شاء قبل أن يصلي عليها. وقاله جابر بن عبد الله. وله أن يجلس عند
القبر قبل أن توضع، ومن وقف حتى توضع عن الأعناق، وحتي توارى، فحسن. وهو من
عمل الناس، ومن لم يفعل، فلا حرج.
وَرَوَى عن سحنون، أنه حضر جنازة، فجلس ليدفنها، فأتي بأخرى للصلاة عليها،
فأبى أن يصلي عليها، وقال: حتى يفرغ ما نحن فيه.
في حمل الميت من بلد إلى بلد
قبل أن يدفن أو بعد، وفي تحوله بعد أن دفن
من قبر إلى قبر
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لا بَأْسَ أَنْ يحمل الميت من البادية إلى الحاضرة،
ومن موضع إلى موضع آخر يدفن فيه. وقد مات سعيد بن زيد وسعد بن أبي وقاص
بالعقيق، فحملا إلى المدينة، ومات سعيد بن عبد العزيز
(1/573)
بالجرف، فحمل إلى المدينة. وهذا كله رواه
ابن وهب، كما ذكر ابن حبيب. وأصيب يوم الجمل فدفن، فرأى إنسان في المنام:
انقلوه، فنقل، فدفن في مكان آخر.
ومن (المجموعة)، قال علي، عن مالك: ولا بَأْسَ أَنْ يحمل الميت إلى المصر
فدفن، إن كان مكانا قريبا. وفي الموطأ ذكر الذين جرف السيل قبريهما، فنقلا
إلى مكان آخر.
ومن (كتاب البخارى)، ذكر الحديث، أن جابر بن عبد الله قتل أبوه يوم أحد،
فدفنه جابر مع رجل آخر، ثم لم تطب نفسه أن يتركه مع آخر في قبر. قال:
فاستخرجته بعد ستة أشهر، فإذا هو كيوم وضعته، هنية، غير أذنه. قال في
الحديث الآخر، وقد ذكر إخراجه وزاد: فأخرجته فجعلته في قبر على حدة.
في البكاء على الميت والنياحة،
وخروج النساء، وفي صلاتهن، وفي الطعام
يصنع لأهل الميت
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وقد أبيح البكاء على الميت قبل الموت
(1/574)
وبعده، ما لم يرفع به الصوت، ويكون معه
كلام يكره، أو اجتماع من النساء، وبكي النبي صلى الله عليه وسلم وإبراهيم
يجود بنفسه، فقيل له، فقال: «تدمع العين، ويجزن القلب، ولا نقول ما يسخط
الرب، يا إبراهيم لولا أنه أمر حق، ووعد صدق، وقضاء مقضي، وسبيل مأتي، وأن
الآخر منا لاحق بالاول، لحزنا عليك، ووجدنا بك أشد من وجدنا وجزنا هذا،
وإنا بك إبراهيم لمحزونون». ثم استرجع عليه الصلاة والسلام، وأكثر من حمد
الله تعالي. ونعي إلى عائشة بعض أهلها، فرفعت طرف خمارها ورداءها على
وجهها، وانتحبت ساعة، ثم سكتت وقالت: لا بَأْسَ بهذه الدمعة أن تراق، ما لم
يفعل معها ما لا يصلح ولا ينبغي. ومر النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة يبكي
عليها، من غير نياحة، فانتهرهن عمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «دعهن
يا ابن الخطاب، فإن العين دامعة، والنفس مصابة، والعهد حديث». والنياحة من
بقايا أمر الجاهلية. ونهي
(1/575)
عنها النبي صلى الله عليه وسلم، وأغلظ
فيها. وينبغي أن ينهي عن ذلك، ويضرب عليه. وضرب عمر نائحة بالدرة، حتى
انكشف رأسها، وضرب من أصاب ممن جلس إليها من النساء. وفي الحديث قال: «لعنت
النائحة، والسامعة، والشاقة جيبها، واللاطمة وجهها». ويطره اجتماع النساء
للبكاء سرا أو علانية، وقد نهي عمر النساء في موت أبي بكر أن يبكين، وفرق
جمعهن. وكذلك في موت خالد بن الوليد، ونهي عمر أهله أن يبكوا عليه. وقيل:
إنه قيل: دعهن يذرفن من دموعهن على أبي سليمان. ونهى النبي صلى الله عليه
وسلم عن لطم الخدود، وشق الجيوب، وضرب الصدور، والدعاء بالويل والثبور.
وقال: «ليس منا من خلق، ولا
(1/576)
فرق، ولا دلق، ولا سلق». وذلك حلق الشعر،
وتخريق الثياب، ودلق: ضرب الخدود، وتمريش الوجوه، وسلق: الصياح في البكاء،
والقبيح من القول. وقوله: {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} (الممتحنة:
12). قال الحسن: لا يَنُحْنَ، ولا يَشْقُقْنَ، ولا يَخْبِشْنَ وَجْهًا، ولا
ينشرن شعرا، ولا يَدْعِينَ وَيْلاً.
ويكره خروج النساء في الجنائز، وإن كن غير نوائح، ولا بواك، في جنائز الخاص
من قرابتهن وغيرهم. وينبغي للإمام منعهن من ذلك، وقال النبي صلى الله عليه
وسلم لمن رأي منهن: «ارجعن مأزورات غير مأجورات».
ومن (العتبية)، ابن القاسم، عن مالك، وعن النساء
(1/577)
يخرجهن على الجنائز، على الرحائل ومشاة.
قال: قد كن يخرجن قديما، وقد خرجت أسماء تقود فرس الزبير وهي حامل، وما أرى
بأسا إلاَّ في الأمر المستنكر.
قال أشهب: وإذا صلى النساء على الجنازة، صلين خلف صفوف الرجال، كالمكتوبه.
ومن (المجموعة)، قال ابن نافع، عن مالك، وهو في (العتبية) من سماع أشهب، في
بعث الطعام لأهل الميت: إن كان ليس في ذلك نياحة فليبعث، وأرى أن يمنع
النساء من شق الجيوب، وضرب الوجوه، وشبه ذلك. وقال في رواية أشهب: إنه
ليغظني، وَلَكِن لا يقدر على تغيير ذلك إلاَّ السلطان.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أخبرني مُطَرِّف أن مالكا لم ير بأسا بأرسال الطعام
إلى أهل الميت، من الجار والصديق، عند شغلهم بميتهم، إلاَّ أن يرسل
لاجتماعهم للنياحة، فيكره ذلك.
وقال عليه الصلاة والسلام، في نعي جعفر: «اصنعوا لأهله طعاما، وابعثوا به
إليهم، فقد جاء ما يشغلهم».
(1/578)
في شهود الجنائز وفضلها
وهل يقام للجنازة إذا أقبلت
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: روى أن أول ما يجزى الله به وليه المؤمن، أن يغفر لكل
من شيعه، وصُلِّيَ عليه. وَرَوَى أنه لم يجتمع مائة لميت، يجتهدون له في
الدعاء إلاَّ غفرت ذنوبه بهم. وقد روى نحوه، في أربعين رجلا يصلون عليه.
وَرَوَى أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دعي إلى جنازة، سأل عنها، فإن أثني
عليها خيرا، صُلِّيَ عليها، وإن أثني عليها شرا، قال لأهلها: «شأنكم بها».
ولم يُصَلِّ عليها.
قال مالك: وكان مجاهد وسليمان بن يسار يقولان: شهود الجنائز أفضل من صلاة
النوافل، والجلوس في المسجد.
وقال ابن المسيب وزيد بن أسلم: النوافل والجلوس في المسجد أفضل.
(1/579)
حتى إنه لم يخرج سعيد من المسجد إلى جنازة
علي بن حسين، ورأى أن ما فعل أفضل، وانقلع الناس من المسجد لشهوده، إلاَّ
سعيد. وكان مالك يري ذلك، إلاَّ في جنازة الرجل الذي يرجي بركته، فإن شهوده
أفضل.
وذكر في (العتبية) ابن القاسم، عن مالك مثله، وقال: إلاَّ أن يكون حق، من
جوار، أو قرابة، أو أحد يرجي بركة شهوده. يريد في فضله. قال ابن القاسم:
ذلك، في جميع المساجد. وذهب ابن القرطي، إلى أنه في الجامع خاصة.
وقال ابن وهب، عن مالك، فِي مَنْ مات، وكان يعرف بالفسق والشر، قال: لا
تشهده، ودع غيرك يصلي عليه.
وقال ابن المسيب: رب جنازة ملعونة، ملعون من يشهدها.
ومن (المجموعة)، قال علي: روى مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يقوم
في الجنازة، ثم جلس بعد. وبه يأخذ مالك، أن يجلس ولا يقوم. قال علي: وهو
أَحَبُّ إليَّ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال ابن الماجشون في قوم جلوس،
ينتظرون جنازة: فليس عليهم واجبا إذا رأوها أقبلت أن يقوموا قربت
(1/580)
منهم أو بعدت، وَلَكِن القيام لها من عمل
البر، يؤجر فاعله، ولا شيء عَلَى مَنْ لم يعمل به.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإن مرت به، فلا يعرض عنها، فإن ذلك من الجفاء في
الأدب والدين، وقد روي فيه، أن يقف حتى تلحقه، وما روي أن النبي عليه
السلام، كان يقوم في الجنازة، ثم جلس بعد، إنما هو توسعة على أمته، فمن
جلس، ففي سعة، ومن قام، فمأجور، وكذلك إلى أن يقبر. وقال غيرة: القيام لها
منسوخ.
في الاستكانة في الجنازة،
وكراهة الضحك فيها
من كتاب ابن حبيب: ويكره الضحك، والاشتغال فيها بالحديث والخوض. وكان يرى
على النبي صلى الله عليه وسلم فيها كآبة، ويرون أنه يحدث نفسه بأمر الموت،
وما هو صائر إليه.
وتَأَلَّى ابن مسعود أن لا يكلم رجلاً رآه ضحك في جنازة. وسمع أبو قلابة
فيها صوت قاص، فقال: كانوا يعظمون الموت بالسكينة. قال مُطَرِّف بن عبد
الله: وكان الرجل يلقي الخاص من إخوانه في الجنازة، له عنه عهد، فما يزيده
على التسليم، ثم يعرض عنه، حتى كأن له عليه موجدة، اشتغالا بما هو فيه،
فإذا خرج من الجنازة، ساءله عن حاله،
(1/581)
ولاطفه، وكان منه أحسن ما كان يعهد. ومن
(العتبية) من سماع أشهب، قال أسيد بن الحضير: لو كنت في حالتي كلها مثلي في
ثلاث مواطن؛ إذا ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا قرأت سورة البقرة،
وإذا شهدت جنازة، ما شهدت جنازة، فحدثت نفسي إلاَّ بما تقول ويقال لها حتى
أنصرف.
فِي مَنْ هو أحق بالصلاة على الميت،
من أوليائه، وكيف إن قدم أقربهم أجنبيا،
أو أوصي به الميت، ومن أولي بإنزال المرأة في قبرها
ومن قول مالك وأصحابه، مما ذكر ابن عبدوس في كتابه، وابن حبيب في كتاب،
وذكره عدد كثير من أصحاب مالك، وكتاب ابن حبيب أوعب، أن الابن وابن الابن،
أولي بالصلاة على الجنازة من الأب، والأب أولي من الأخ، والأخ أولي من ابن
الأخ، وابن الأخ أولي من الجد، والجد أولي من العم، والعم أولي من ابن
العم، وابن العم ـ وإن بعد ـ أولي من مولي النعمة، وكلهم أولي من الزوج،
وهو أولي بإنزالها في قبرها.
قال سحنون في كتاب ابنه: ويغسلها إن شاء، من غير ضرورة. وقد تقدم هذا.
(1/582)
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإن أراد الأقعد من
الأولياء أن يوكل بالصلاة أجنبيا، فذلك له، وليس لمن تحته من أولياء كلام،
كالنكاح يوكل به. قاله ابن الماجشون، وأصبغ.
ومن (العتبية): روي أشهب، عن مالك، في مولي لامرأة ماتت، فقدم ابنها ابن عم
له، بصلي عليها، فقال له ابن أخي المرأة: أنا أحق ممن قدمت، وأنت صبي لا
أمر لك. قال: هو كما قال ابن أخي المرأة، وذلك له.
وفي سماع ابن القاسم، ابنها أحق بالصلاة عليها من أخيها. قال ابن عبد
الحكم: فإن أراد ابنها أن يستخلف غيره، كان عصبة المرأة أولي من المستخلف.
ومن (العتبية): قال عبد الله بن عمر بن غانم، عن مالك: وإذا أوصيى الميت
يصلي عليه رجل، ووليه حاضر، فالموصي إليه أحق، ومازال الناس يختارون
لجنائزهم أهل الفضل، من الصحابة والتابعين، وكان الناس يتبعون أبا هريرة
وابن عمر لذلك.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وينبغي لولي الميت إذا حضر رجل له فضل أن يقدمه وكلم
علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، في جنازة، يصلي عليها، فقال:
(1/583)
إنا لقائمون، وما يصلي على رجل إلاَّ عمله.
قال علي، عن مالك، في (المجموعة): وينبغي أن يفعل ذلك من سئل غيه.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: والموصي إليه بالصلاة أولي من أولياء، ومن الولي لو
حضر. وقد ذكر هذا عن مالك، في كتاب آخر، قال مالك، في سماع ابن وهب، فِي
مَنْ أوصي أن يصلي عليه مولاه، وله أقارب، قال: أرى أن يطاع، ولعله رغب في
صلاحه. ومن (المجموعة): قال سحنون: الموصى إليه بالصلاة أحق من الولي، وقد
قال مالك: إذا أوصى على خير، ولم تكن عداوة بينه وبين وليه، فذلك نافذ، وإن
كان لعداوة بينهما، لم يجز، والولي أحق.
قال سحنون في المرأة: يدخلها زوجها في قبرها مع ذى محرم منها، ويكون زوجها
في وسطها، فإن لم يكن لها قرابة، فالنساء يلين ذلك، فإن لم يكن، فأهل
الصلاة من الرجال. قال ابن القاسم: إن لم يكن لها قرابة، فأهل الصلاح من
الرجال. ولم يذكر النساء. والله أعلم.
في الجنازة يحضرها الأمير، والقاضي، وإمام الصلاة،
أو من له الفضل، مع أوليائها، وفي الجنازتين تحضران،
لكل واحدة ولي، من أحق بالصلاة في ذلك كله
من (الواضحة): وإذا حضر الجنازة الوالي الأكبر الذي تؤدي إليه الطاعة،
(1/584)
فهو أحق بالصلاة عليها من أوليائها، وليس
ذلك لقاضيه، ولا لصاحب شرطته، ولا غيره، وإن كانت الصلاة إليهم. وقال ابن
القاسم: إن ذلك لكل من كانت إليه الخطبة. وقال مُطَرِّف بن عبد الله، وابن
عبد الحكم، وأصبغ: إن ذلك ليس لمن إليه الصلاة، من صاحب شرطته، أو قاض، أو
خليفة الوالي الأكبر على الصلاة، وإنما ذلك للأمير الذي تؤدي إليه الطاعة.
قال: ولما مات الحسن بن علي، قدم عليه الحسين سعيد بن العاص، أمير المدينة
يومئذ.
ومن (المجموعة) قال ابن القاسم، وعلي: قال مالك: وإمام المصر إذا حضر أحق
من الوالي، وكذلك القاضي، وصاحب الشرطة، إن كانت الصلاة إلى من كان منهما.
قال سحنون: ومن إليه الصلاة، من قاض أو صاحب شرطة، أولي من الوالي إذا حضر،
وكذلك أمير الجند، إذا كانت الخطبة، والقاضي إذا لم تكن له الصلاة، كغيره
من الناس في هذا، ومن وكله أمير الجند على الصلاة، وليس للذي وكله شرطه،
(1/585)
ولا ضرب حد، ولا صرة، فلا حكم لهذا في
الصلاة، وإنما يكون صاحب الصلاة والمنبر أحق من الأولياء، إذا كان سلطان
الحكم، من قضاء، أو شرطة، وإلاَّ فهو كسائر الناس في ذلك.
قال عبد الملك بن الحسن، عن ابن وهب: وإذا حضر القاضي فهو أحق من الوالي،
وليس هو كصاحب الشرط في هذا. قال: وإن حضر القرشي، وله والصلاح، فأحب لوليه
أن يقدمه.
ومن (العتبية)، قال ابن القاسم: قال مالك: وقد صلى صهيب على عمر. وقال في
رواية أشهب: أظن ذلك لأنه قال: يصلي لكم صهيب، ثلاثا. قال مالك، في جنازة
رجل وجنازة امرأة حضرا: فليجمعا في صلاة واحدة، وأحق بالصلاة. عليهما من
أوليائهما من له الفضل والسن، كان من أولياء المرأة أو من أولياء الرجل،
وكان الناس يتخيرون لجنائزهم أهل الفضل.
وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال ابن الماجشون: إن أولياء الرجل أحق بالصلاة
عليهما، وقد فعل ذلك يوم ماتت أم كلثوم بنت علي، ومات ابنها زيد
(1/586)
ماتا معًا وحضر ابن عمر، والحسين فقدم ابن
عمر؛ لأنه ولي ابنها زيد.
ما يجب من الصلاة على الجنازة،
وعدد التكبير عليها، وأين يقف الإمام منها،
واختلف في الصلاة على الجنازة، فقيل: فريضة يحملها من قام يها لقول الله
تعالي: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} (التوبة: 84)،
فدَلَّ ذلك على أنه مأمور بالصلاة على غيرهم. وقاله غير واحد من البغداديين
من أصحابنا.
وقال أشهب: واجب على الناس الصلاة على موتاهم. قال سحنون في كتاب ابنه:
الصلاة عليها فرض يحمله بعضهم عن بعض، فمن حضر قام به، فإن لم يحضروا
جميعا، كانوا تاركين لفرض. وقال أصبغ: الصلاة على الموتى سنة واجبة. قال
عبد العزيز بن أبي سلمة: وكل تكبيرة من صلاة الجنازة كركعة من الصلاة،
وأكثر الفرائض أربع ركعات، واختار على الجنائز أربع تكبيرات.
(1/587)
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وغيره: وقد كبر النبي
صلى الله عليه وسلم على النجاشي أربعا، وكذلك على قبر السوادء، ثم استقر
فعله على أربع، ومضي به عمل الصحابة. ومن (العتبية): قال ابن القاسم، عن
مالك: وإن كان الإمام ممن يكبر خمسا، فليقطع المأموم من بعد الرابعة ولا
يتبعه. وكذلك في سماع ابن وهب، قال ابن المواز: قال ابن القاسم: يقطع ولا
يتبعه. وقال أشهب: يسكن، ف‘ذا كبر الخامسة سلم بسلامه. وكذلك روى ابن حبيب،
عن ابن الماجشون، عن مالك، وقال به هو وَمُطَرِّف كقول أشهب.
(1/588)
ومن (المجموعة)، قال أشهب: وإذا كبر
المأموم الخامسة مع الإمام، فلا تجزئه مما فاته، وليقضها. وخالفه أصبغ، وهو
في باب بعد هذا.
ومن (العتبية)، أشهب، عن مالك: والرفع في كل تكبيرة واسع.
قال عنه ابن وهب في سماعه: إنه استحب رفع اليدين على الجنازة في كل تكبيرة،
وذكره ابن حبيب، واختاره، وذكر أن أَحَبُّ إليَّ مُطَرِّف، وابن الماجشون،
الرفع في الأولى فقط. قال ابن عبدوس: وَرَوَى علي عن مالك، أنه استحب أن لا
يرفع إلاَّ في الأولى فقط. قال ابن القاسم: وكذلك رأيته يفعل إذا صلى على
الجنازة. وذكر حبيب، أن ابن القاسم، لم يكن في الأولى. قال أبو محمد:
والمعروف عن ابن القاسم، أنه يرفع في الأولى، بخلاف ما ذكر عنه ابن حبيب.
قال أشهب، في (المجموعة): ويقف الإمام من الميت، عند وسطه أَحَبُّ إليَّ،
وذلك واسع، وإن تيامن إلى صدره، فحسن.
وفي (المدونة)، وَرَوَى عن ابن مسعود، أنه يقف في المرأة عند منكبيها. وفي
كتاب آخر، روى عن أبي هريرة، أنه يقف في المرأة عند
(1/589)
وسطها. وقال: ولأنه يسترها على الناس،
وَرَوَى سمرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله على امرأة.
ورأيت لابن غانم أنه روى عن مالك، أنه يقف عند وسط المرأة.
قال ابن القرطي: وحيث وقف الإمام من الجنازة في الرجل والمرأة، جاز.
ومن (العتبية)، ابن القاسم، عن مالك: ويسلم واحدة، يسمع نفسه ومن يليه،
ويسلم من خلفه في أنفسهم. يريد متكلمين. قال: وإن أسمعوا من يليهم، فلا
بَأْسَ. وَرَوَى عنه ابن غانم، أن يرد على الإمام من سمع سلامه. قَالَ
ابْنُ حَبِيبٍ: قال مالك: وليس عليهم رد السلام على الإمام.
قال مالك في (المجموعة): وبلغني أن ابن عمر، كان يسلم في
(1/590)
الجنازة. وإني لأستحب ذلك. ومن غير
(العتبية)، قال ابن القاسم: وإذا لم يكن في صلاة الجنازة إلاَّ نساء، صلين
عليها أفذاذا. ومن كتاب آخر، وأشهب يقول: تؤمن واحدة منهن، تقوم وسطهن.
ذكر الدعاء للميت في الصلاة عليه، وترك القراءة،
وهل يدعي بعد الرابعة، وما يدعي به للطفل
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، قال مالك: ليست القراءة على الجنازة مما يعمل به
ببلدنا. وكذلك في سماع ابن وهب، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَرَوَى ترك القراءة
عليها عن علي، وعمر، وابن عمر، وجابر، وأبي هريرة، وكثير من الصحابة، وكثير
من التابعين، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أخلصوا بالدعاء». قال
ابن القاسم، في (المجموعة): وإذا والى الإمام بين التكبير، ولم يدع، فليعد
الصلاة عليها. قال سحنون: ويدعو بعد الرابعة، كما يدعو بين كل تكبيرتين، ثم
يسلم.
وفي غير موضع لأصحابنا: إذا كبر الرابعة سلم. وكذلك في كتاب ابن
(1/591)
حبيب، وغيره، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَرَوَى
أن ابن عمر، كان يدعو بعد الرابعة لنفسه ولوالديه.
قال أشهب في (المجموعة): لا يجهر الإمام، ولا من خلفه بشيء من الدعاء، وإن
أسمع ذلك إلى من يليه، فلا بَأْسَ به.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَرَوَى في الدعاء على الميت روايات، فيها من الدعاء
ما يقرب بعضه من بعض، وكل ما دعي به من ذلك، حسن مجزئ.
قال مالك في (المختصر): يجتهد للميت بالدعاء بما تيسر، ولا قراءة في ذلك.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وأَحَبُّ إليَّ أن يخص الميت بالدعاء.
قال: ويثني على الله تعالى ويصلي على نبيه، في التكبيرة الأولى، ثم يدعو
للميت، ثم يدعو له في الثانية، وإذا كبرت الثالثة، قلت: اللهم اغفر لحينا
وميتنا. إلى آخر ما ذكرناه، ثم أكبر الرابعة، ثم أسلم تسليمة تلقاء وجهي،
أتيامن قليلا، أسمع بها نفسي، ومن يليني، وكان ابن مسعود، يكرر الدعاء
للميت، في كل تكبيرة، وكان ابن عمر يدعو لنفسه ولوالديه بعد الرابعة.
(1/592)
قال عبد الله: وقد جمعت مما عن السلف، من
الدعاء للميت، مما في كتاب ابن حبيب، وغيره مما جاء عن ابن مسعود، وأبي
هريرة، وعوف بن مالك، وعن عثمان، وعن غيره، وجعلت فيه، ما استحسن ابن حبيب،
وغيره، من الثناء على الله سبحانه، والصلاة على نبيه، وذلك أن يقول إذ كبر
الأولى: الحمد لله الذي أضحك وأبكي، والحمد لله الذي أمات وأحيا، والحمد
لله الذي يحيي الموتى. اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على
إبراهيم، وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم إنه عبدك، وابن عبدك، وابن
أمتك، كان يشهد أن لا إله إلاَّ أنت، وأن محمدا عبدك ورسولك، وأنت خلقته،
وأنت هديته للإسلام، وأنت أمته، وأنت تحييه، وأنت أعلم بسره وعلانيته، جئنا
سفعاء له، فشفعنا فيه، اللهم إنا نستجير. يحيل جوارك له، إنك ذو وفاء له
وارحمه، واعف عنه وعافه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بماء وثلج وبرد،
ونقه من الخطايا والذنوب، كما ينقي الثوب
(1/593)
الأبيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من
داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه. ولا تقل في المرأة، وأبدلها
زوجا خيرا من زوجها. إذ قد تكون له زوجة في الجنة، فتكون مقصورة عليه.
وأفسح له في قبره، وألحقه بنبيه، وأنت راض عنه، اللهم إن كان محسنا فزد في
إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته، اللهم وجاف الرض عن جنبيه، وافتح
أبواب السماء لروحه، ولا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، اللهم إنه قد نزل
بك، وأنت خير منزل به، وترك الدنيا وراء ظهره، وافتقر إلى رحمتك، وأنت غني
عن عذابه، اللهم جازه بإحسانه إحسانا، وبسيئاته غفرانا، وثبت عند المسأله
منطقه، ولا تبتله في قبره بما لا طاقة له به. وتقول هذا الدعاء في كل
تكبيرة، فإذا كبرت الرابعة، قلت اللهم اغفر لحينا وميتنا. وحاضرنا وغائبنا،
وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، إنك تعلم متقلبنا ومثوانا، اللهم من
أحيينه منا، فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا، فتوفه على الإيمان، واجعل
في الموت راحتنا، وقرة أعيننا، وأسعدنا بلقائك، واغفر لنا ولوالدينا،
ولسلفنا الصالح، وأئمتنا، ومن سبقنا بالإيمان، وللمؤمنين والمؤمنات،
الأحياء منهم والأموات. ويسلم، وأما الدعاء للمرأة، فمثل ذلك، ويجرى ذكرها
(1/594)
على التأنيث، ولا يقل: وأبدلها زوجا خيرا
من زوجها. على ما ذكرنا.
وأما الدعاء للطفل، قال ابن وهب، عن مالك، في (المجموعة): يسأل الله له
الجنة: ويستعاذ له من النار، ونحو ذلك من الكلام، كما روى عن أبي هريرة.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يكبر الأولى فيقول ما ذكرنا من حمد الله، والصلاة على
نبيه فقط، ثم يكبر الثانية ويقول: اللهم إنه عبدك، وابن عبدك، أنت خلقته،
وأنت قبضته إليك، وأنت عالم بما كان عاملا به وصائرا إليه، اللهم جاف الأرض
عن جنبيه، وأفسح له في قبره، وافتح أبواب السماء لروحه، وأبدله دارا خيرا
من داره، وأعذه من عذاب القبر، وعذاب النار، وصيره إلى جنتك برحمتك، وألحقه
بصالح سلف المسلمين، في كفالة إبراهيم، واجعله لنا ولأبويه سلفا وذخرا،
وفرطا وأجرا. وفي موضع آخر: وثقل به موازينهم وأعظم به أجورهم ولا تحرمنا
وإياهم أجره، ولا يفقتنا وإياهم بعده. تقول ذلك بإثر كل تكبيرة. ويدعو بعد
الرابعة بما ذكر، على مذهب من يدعو بعد الرابعة.
(1/595)
في الصلاة على الصغير، والمنفوس المستهل،
وغسله، وهل
يصلى عَلَى مَنْ لم يسهل، وعلى السقط، وفي المرأة الكافرة تموت
وهي حامل من مسلم
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وغيره: قال مالك: ويصلى على المو لود، إذا استهل
صارخا بالصوت. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإن كان خفيا، غسل وصلي عليه، وصلى
النبي صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم، ابن ستة عشر شهرًا. وقد تقدم
ذكر الدعاء للطفل.
ومن (العتبية)، قال أشهب: سئل مالك عن الصلاة على المنفوس في المنزل قال:
ما علمت ذلك. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال مُطَرِّف: كره مالك ذلك. وَرَوَى
مُطَرِّف عن العمرى، عن نافع، عن ابن عمر، أنه صلى على صبي في جوف داره، ثم
أرسله إلى المقبرة، ولم يتبعه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أرى ذلك من عذر، لأنه
كبر وذهب بصره. قال: وليس العطاس باستهلال، ولا الرضع ولا الحركة، وإن أقام
يوما يتحرك ويتنفس، ويفتح عينيه حتى يسمع له صوت، وإن كان خفيفا فيجب له
حكم
(1/596)
الموارثة، والصلاة عليه، وإلاَّ فهو
كالسقط. ومن كتاب آخر، أن ابن وهب يرى الرضع، كالاستهلال بالصراخ. ومن
(المجموعة)، ابن القاسم، عن مالك: لايرث ولايورث، ولا يسمى، ولايغسل، ولا
يصلي عليه، حتى يستهل. قال ابن الماجشون: بالصراخ، وهو ما لا بد منه، إن
كان حيا لا يرضع، ولا يتبين له حياة إلاَّ والصراخ قبلها، فأما العطاس،
فيكون من الريح، ليس بفعله. والبول يكون من استرخاء المواسك، ويكون من
الميت، والصراخ فعل الحي.
قال غيره: وليس الحركة دليل الحياة البينة، وقد كان يتحرك في البطن.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا أحب دفن السقط، ومن لم يستهل إلاَّ في المقبرة،
ولا بَأْسَ أَنْ يغسل عنه الدم، ويلف في خرقة ولا يحنط، وإن دفن في المنزل
فجائز. وكذلك روى علي بن زياد، عن مالك، في (المجموعة)، أن يغسل عنه الدم،
لا كغسل الميت.
قال ابن عبدوس: قال علي، عن مالك، في أم ولد المسلم تموت نصرانية حاملا منه
قال: يليها أهل دينها، وتدفن في مقابرهم؛ لأنه لا
(1/597)
حرمة لجنينها حتى يولد.
في النفساء تموت وقد استهل منفوسها، أو لم يستهل،
هل يحمل معها، أو يجمعان في الصلاة؟
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا بَأْسَ إذا ماتت النفساء أن يحمل منفوسها معها،
فإن استهل، جعل على يسارها، مما يلي الإمام إذا وقف للصلاة عليها ـ يريد إن
كان ذكرا ـ وإن كان لم يستهل، جعل عن يمينها، أو ناحية من النعش، لتكون هي
تلي الإمام، وينوي بالصلاة والدعاء المرأة وحدها في هذا، ولا بَأْسَ أَنْ
يدفن معها، إن شاءوا في اللحد أو في ناحية منه، أو في لحد آخر، استهل أو لم
يستهل.
في حكم الصغير من السبي يسلم، أو يسلم أحد
أبويه، أو ينوي مبياعه إدخاله في الإسلام في الصلاة عليه إن مات، وفي
الموارثة، والقود، وغيره، وإسلام الكبير
الأعجمي عن تعليم
قال ابن عبدوس: روى ابن القاسم، عن مالك، في الصغير ـ يريد الكتابي ـ يسبي،
فيبتاعه رجل أو يقع في سهمه، فمات عنده، فلا يصلي عليه.
(1/598)
قال ابن القاسم: وكذلك إن نوى سيده، أن
يدخله في الإسلام. وقال ابن الماجشون: إذا لم يكن معه أبواه، ولم ينته إلى
أن يتدين بدين أو يدعي، وقد ابتاعه مسلم قبله، فله حكم المسلم في الصلاة
عليه، والدفن، والموارثة، والعتق، والقود، والمعاقلة.
قال ابن سحنون: وَرَوَى نحوه، معن بن عسى، عن مالك، أنه يصلي عليه. وقال
معن بن عيسى، في (العتبية)، عن مالك: إذا كان مع أبويه، لم يكره على
الإسلام، وإن كان وحده، أمر بالإسلام. يريد من الكتابيين.
قال ابن عبدوس: رواية ابن القاسم أولي؛ لأن لهم حكم الكفر، وهي الأكثر
والغالب، لأنه قد ولد في دار الكفر مع أبويه، ولا ينتقل عنه إلاَّ بإسلام
أبيه، أو قد يجيب إلى الإسلام، وقد عقل الإسلام. فإن قيل: فأنت لا تبيعهم
من أهل الذمة، ولا تفاديهم بالمال. قلت: لا أفعل؛ لأني أجبرهم على الإسلام
إذا لم يكن معهم أحد أبويهم.
وقد قال سحنون: أما مفاداة مسلم بهم، فنعم، وأما بالمال، فلا.
وَرَوَى ابن نافع، عن مالك، أن صغار الكتابيين، وكبار المجوس، يجبرون على
الإسلام، ولا يباعون من أهل الذمة.
قال ابن الماجشون: ومن سبي من الكتابيين، من النساء ومن
(1/599)
المراهقين، فليقروا على دينهم. قال هو
والمغيرة: ويجبر كبار المجوس على الإسلام.
قال سحنون: وإن كان مع الصبي الكتابي أحد أبويه، أم أو أب؛ كان تبعا له في
دينه، وله حكمه، وكذلك الذمية تزني، فولدها على دينها، وكذلك المسبية منهم
معها ولد، فهو على دينها، ويصدق أنه ولدها في التفرقة، والدين، ولا يصدق في
الأنساب والمواريث.
قال سحنون: ولو سبيت ومعها بنت، كان لنا أن نفاديها بالمال، ولو لم تكن
الأم معها، لم تفادي بمال؛ لأنا نجبرها على الإسلام. قال ابن القاسم، عن
مالك، من مات من صغار الكتابيين من السبي، لم يصل عليه حتى يجيب إلى
الإسلام بأمر يعرف.
قال ابن القاسم: إذا كان ممن يعقل ما أجاب إليه. وكذلك ذكر في (العتبية)،
عن مالك، قال: ولا تنفع نية مالكه أن يجعله في الإسلام.
قال عنه ابن وهب: إذا قال: لا إله إلاَّ الله. عن تعليم، صلي عليه. قال عنه
علي: وإذا صلى الصبي من السبي، ثم مات، صلي عليه. وَرَوَى هو وابن القاسم،
عن مالك، أنه إن اشتري مع أحد أبويه، فأسلم من معه منهما، أنه يصلي عليه إن
مات، وإن اشتري صبيا ليس معه أحد أبويه، فصلى قبل أن يبلغ الحلم، ثم مات
صُلِّيَ عليه،
(1/600)
وكذلك إن أجاب إلى الإسلام بأمر يعرف.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذا عرف ما أجاب إليه.
قال ابن وهب، في كتاب آخر: إسلام الأم إسلام لولدها.
قال سحنون: إن لم يكن معه أبوه فهو على دين أمه، وكذلك الذمية تأتي بولد من
زنى، فهو على دينها.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: من كان من صغار الكتابيين، وكبار المجوس، فإذا ملكه
مسلم، ونوى به الإسلام، ثم مات بحدثان ملكه وفوره، فلا يصلى عليه، ولا يجزئ
في تلك الحال عتقه عن رقبة واجبة، وأما إن ارتفع عن حداثة ذلك وفوره، وقد
شرع الصغير شريعة الإسلام، وزياه بزيه، وإن لم يبلغ مبلغ الفهم لما أريد
منه، فهو في تلك الحال يجزئ في العتق الواجب، ويصلى عليه إن مات، ويوارث
ويقاد له، ويؤخذ من عاقلته الدية في الخطأ؛ لأنه ممن يجبر علي الإسلام، إن
كبر وهو علي دين مالكه، هذا إن لم يكن مع الكتابي أبوه، ولا يلتفت إلى أمه،
فإن كان معه أبوه، فحكمه حكمه في الإسلام والكفر، كانا في ملك واحد أو في
ملكين. قاله كله مطرف، وابن الماجشون، وذكراه، عن مالك، وغيره، وقاله أصبغ.
وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنما هذا في صغار المجوس، وأما في
(1/601)
صغار الكتابيين، فحتى يكبر ويجيب إلى
الإسلام، أو يكون بإسلام أبيه مسلما. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وهذا في من ولد
في ملك المسلمين، من الكتايين، ولا يجبر علي الإسلام، فأما من سبي منهم،
ليس معه أبوه، فهو كالصغير المجوسي، وأما الكبير المجوسي يسبى، فلا يصلى
عليه إن مات، ولا يجزئ في رقبة واجبة، حتي يسلم بقول، أو عمل يفهم عنه به
قصد الإسلام، غير أنه يكره كبار المجوس علي الإسلام، ولا يكره كبار
الكتابيين، ولم يختلفوا في هذا، ولا في أنه يمنع الكتابييون من شراء سبي
المجوس، من صغار وكبار، ومن شراء صغار سبي الكتابيين.
وقال مالك: ومن اشترى حاملا من السبي، فولدت عنده، فمات ولدها، فلا يصلى
عليه. قال ابن حبيب: لأنه ولد عندنا. قال سحنون، وغيره: بل إنما هذا لأنا
نجعله على دين من معه، من أبويه.
قال ابن عبدوس: وروى ابن القاسم، عن مالك، في عتق الرضيع، أن من صلى وصام،
أحب إلي، وإن فعل لقصر النفقة أجزأه. وكذلك قال في عتق الأعجمي: يشتريه.
يريد وهو كبير ـ من غير أهل الكتاب. ورواه عنه أشهب، أنه يجزئه الرضيع في
كفارة اليمين، وأما
(1/602)
في القتل، فهو أيضا يجزئه، ولكن من صلى
وصام في القتل أحب إلي. قال ابن القاسم، وأشهب: ولا يعتق مجوسيا عن واجب
حتى يعقل الإسلام، وينحو نحوه. وقاله سحنون. وقال: لا يجزئه الصغير العجمي،
إلا أن يجيب إلى الإسلام، وأما الرضيع، فإن كان سبي ومعه أحد أبويه مسلما،
أجزأه، وإلا لم يجزه إن كان وحده.
وقد تقدم ذكر الصغير يسلم أحد أبويه.
قال ابن عبدوس: واختلف في هذا الأصل في قولهم، فمرة يجعلونه في حكم
المسلمين، ومرة يرفعونه إلى بلوغه.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وأشهب: إذا أسلم الصغير، وقد عقل الإسلام، فله حكم
المسلمين في الصلاة عليه، ويباع على النصراني، إن ملكه؛ لأن مالكا قال: لو
أسلم وقد عقل الإسلام، ثم بلغ فرجع، جبر عليه. قال أشهب: وإن لم يعقل ذلك،
ولا بلغ مبلغه لم أجبر الذمي على بيعه، ولا يؤخذ الصبي بإسلامه، إن بلغ.
وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، في صبية مجوسية لم تحض: فلا يطأها من ملكها، حتى
يجبرها على الإسلام، إذا كانت تعقل ما يقال لها؛ فجعل إسلامها حينئذ يبيح
وطأها. وأنكره سحنون، وقال: يحتاط في الوطء إلى أن تبلغ، وتثبت على
إسلامها.
وقال ابن القاسم، في الصبي الذمي الذي زوجه أبوه مجوسية، فأسلم الصبي: إنه
لا يعجل الفرقة بينه وبين زوجته حتى يبلغ، ويقيم
(1/603)
على إسلامه، إذ لو ارتد قبل الحلم لم يقتل.
فلم ير إسلامه يوجب الفرقة. فينبغي لو مات بعد أن أسلم، أن ترثه زوجته، ولو
أسلمت زوجته وهي صغيرة، وقعت الفرقة بإسلامها، كما تباع عليه لو كانت أمة.
قال ابن عبدوس: فكيف تقع الفرقة بإسلامها، ولا تقع بإسلامه في صغرهما؟ وقال
سحنون: في إسلام الزوج اختلاف من أصحابنا. قال المغيرة: إذا أسلم ابن اثني
عشر سنة، وأبواه كافران كارهان لذلك، ثم مات، قال: وهو مسلم ولا يرثانه،
وقد أجاز عمر وصية من في سنه، وهو ممنوع من ماله. قال سحنون مثله، وأنه
أحسن ما سمع، وميراثه للمسلمين.
قال المغيرة: ولو مات الأب والولد حتى أوقف ميراثه، فإن رجع الغلام نصرانيا
قبل يبلغ ورث أباه وإن لم يبلغ، وإن مات قبل البلوغ، فميراث الأب لورثته
دون الغلام.
وقال مالك، في من أسلم وله ولد مراهق: فليوقف ميراثه منه إلى بلوغه، فإن
أسلم أخذه، وإلا لم يرثه.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ولا ينظر إلى قوله قبل يبلغ: إني أسلم. أو: لا
أسلم.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال ابن وهب، عن مالك، في عبد أو أمة لا
(1/604)
تعرف الإسلام، فقيل لها: قولي: لا إله إلا
الله. ففهمتها وقالتها بإشارة أو بغير إشارة: فإنه يصلى عليها وإن لم تصل.
ومن (الْعُتْبِيَّة): قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذا شهد الأعجمي: لا إله إلا
الله. عن تعليم، ثم مات، صلي عليه وإن لم يصل.
في الصلاة علي المرتد الصغير، ومن أسلم في صغره،
ثم رجع بعد بلوغه أو قبل، أو أسلم الأب وثبت الولد كافرا
قال ابن عبدوس: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ومن ارتد قبل أن يبلغ ثم مات، لم
يصل عليه، ولم تؤكل ذبيحته. قال سحنون: وهو يكره على الإسلام قبل يبلغ ـ
يريد بغير قتل ـ قال: وميراثه إن مات لورثته من المسلمين، فكذلك ينبغي أن
يصلى عليه، وكيف يورث بالإسلام ولا يصلى عليه؟ ولو كانت له زوجة لورثته.
فمن رأى أن لا يصلى عليه، ينبغي أن يجعل ردته فرقة لزوجته.
وقال سحنون، في من أسلم من النصارى والمجوس قبل يبلغ، ممن عقل الإسلام ثم
ارتد: إنه يجبر على الإسلام. وقاله ابن القاسم.
قال سحنون: إن مات قبل يبلغ فميراثه لأهله. قال ابن القاسم: ولو
(1/605)
بلغ على ذلك وهو يأبى الإسلام. قال مالك:
يكره بالتهديد وبالضرب أبدا. ووقف عن القتل.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ولو أسلم وقد عقل، ثم تمادى مسلما حتى بلغ، ثم
ارتد، فهذا يقتل. وقاله أشهب، وعبد الملك؛ لأنه يثبت على الإسلام بعد
بلوغه. قالا: ولو ارتد قبل يحتلم، يجبر بالتهديد والمشقة، فإن أبى ضرب، فإن
بلغ كذلك، لم يقتل، ويتمادى عليه بما ذكرنا. ولأن إسلامه كان ضعيفا. وقاله
سحنون.
قال المغيرة: يقتل بعد البلوغ إذا تمادى، وبلغ كذلك، ولم يرجع.
قال ابن عبدوس: ومن ارتد من أولاد المسلمين في هذا الحال أدب، فإن تمادى
بعد البلوغ على ذلك، فلم يختلف أصحابنا في قتلهم.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ومن أسلم وله أولاد صغار، أبناء خمس سنين ونحوها،
فلهم حكم الإسلام في الموارثة وغيرها.
وقاله أكثر الرواة. وأنكر سحنون قوله عن مالك، في من أسلم وله ولد صغار،
فأقرهم أبوهم حتى بلغوا اثنى عشر سنة، فأبوا الإسلام، فقال لا يجبروا. قال
سحنون: وقال بعض الرواة: إنهم يجبرون وهم مسلمون، وهو قول أكثر المدنيين.
(1/606)
في الصلاة على ولد المسلم، يولد مخبولا،
ومن جن بعد البلوغ، والقول في مصير
أولاد المسلمين والكافرين
من (الْعُتْبِيَّة)، قال أصبغ، عن ابْن الْقَاسِمِ، في ولد المسلم يولد
مخبولا، أو يصيبه ذلك قبل يبلغ، قال: ما سمعت فيهم شيئا، غير أن الله
سبحانه يقول: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ
بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: 21]
. فأرجو أن يكونوا معهم، وأما من أصيب بعد الحلم، فقد سمعت بعض العلماء من
أهل الفضل، أنه يطبع على عمله كمن مات. ومن كتاب آخر، أن المجنون والمخبول
والمعتوه يصلى عليهم.
وجاء في الحديث في المجانين: (توقد لهم نار يوم القيامة، فيقال لهم:
اقتحموها. فمن علم الله أنه لو وهبه في الدنيا عقلا أطاعه، فإنه يدخلها ولا
يضره، ويدخل الجنة، ومن علم الله أنه لا يطيعه لو عقل لم يدخلها، فأدخل
النار). والله أعلم.
(1/607)
ولم يختلف العلماء في أطفال المؤمنين أنهم
في الجنة. وأما أطفال الكفار فقد اختلف فيهم، فروي حديث، أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: «الله أعلم بما كانوا عاملين». وروي أنهم خدم لأهل الجنة.
وفي بعض الأحاديث أنهم مع آبائهم. والله أعلم بذلك، ولا يقطع في هذا إلا
بالأخبار المستفيضة المجتمع على معناها. والله أعلم.
في الصلاة على الصغير المنبوذ،
والكبير المجهول، وبالبلد مسلمون ونصارى
ومن (كتاب) ابن حبيب، قال في المنبوذ يوجد ميتا، أو يوجد حيا ثم يموت
صغيرا: إنه يصلى عليه، وإن وجد في كنيسة، وإن كان عليه زي النصارى، إذا كان
في نادي المسلمين وجماعتهم، وأما كبير وجد ميتا، أو غريب طرأ إلى بلد، ولا
يعلم أنه كان مسلما، فلا يصلى عليه، فإن كان مختونا وعليه زي الإسلام، حتى
يعلم أنه كان مسلما، إذا كان بموضع فيه مسلمون ونصارى؛ لأنهم قد يختنون
ويلبسون زي المسلمين إذا خالطوهم، والفرق بين الصغير والكبير، أن الصغير
المنبوذ
(1/608)
يجبر على الإسلام إذا كبر، وإن وجده كتابي.
فلا يقر بيده، والكبير المجهول لا يجبر على الإسلام، فلا يصلى عليه إلا
بيقين، ولكن يوارى في الأرض، ولا يستقبل به قبلتنا ولا قبلة غيرنا، ولا
يقصد به مقبرة أحد. هكذا: قال لي مطرف، وابن الماجشون، قالا لي: إلا أن
يوجد بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم مختونا، في هيئة المسلمين، فليدفن
مع المسلمين؛ لأنه لا يكون بها غير مسلم.
وقاله ابْن الْقَاسِمِ، وأصبغ. قال أبو محمد: يريد ويصلى عليه.
ومن (الْعُتْبِيَّة)، قال يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، في المنبوذ يموت
قبل يعرف الصلاة، وفي ذلك البلد أهل كتاب: فليصل عليه، ويلحق بأحرار
المسلمين، في العقل عن قاتله، وترك أخذه أحب إلي، إلا أن يخشى عليه أن يهلك
إن ترك. وإذا وجد ميت بفلاة، لا يدرى ما هو، فليوار بلا غسل ولا صلاة.
وكذلك لو وجد في مدينة في زقاق.
وقال عبد الملك بن الحسن، عن ابن وهب، في الذي يوجد بفلاة، فلا
(1/609)
يدرى أمسلم هو أو نصراني: فليجر اليد على
ذكره من فوق الثوب، فإن كان مختونا غسل وصلي عليه، وإن لم يكن مختونا وري.
وقال ابن كنانة، في قوم لفظهم البحر: فإن عرف أنهم مسلمون فليدفنوا. وفي
كتاب ابن سحنون: ينظر إلى العلامات فيستدل بها، فإن عميت العلامات نظر؛ فإن
كان الغالب ممن، يختلف في البحر المسلمون، صلي عليهم، وينوى بالدعاء
المسلمون، وإن كانت مراكب الشرك الغالبة في ذلك البحر، فلا يصلى عليهم.
ومن المجموعة، قال أشهب، في رجل مات فلا يدرى أمسلم هو أم كافر: فلا يغسل
ولا يصلى عليه، إلا أن يكون عليه زي الإسلام، من حصاب أو غيره، فيصلى عليه
وينوى بذلك إن كان مسلما.
قال ابن القاسم، في ميت بفلاة، لا يدرى أمسلم هو أم كافر: فلا يوارى ولا
يُصَلَّى عليه. قال سحنون: هذا بفلاة من فلوات الشرك، فأما بفلاة من فلوات
المسلمين، فإنه يغسل ويُصَلَّى عليه.
(1/610)
في الموتى فيهم كافر لا يعرف،
هل يُصَلِّي عليهم؟
من الْعُتْبِيَّة، قال موسى، عن ابْن الْقَاسِمِ، في نفر من المسلمين، فيهم
رجل كافر لا يعرف، ماتوا تحت هدم: فليغسلوا ويُصَلى عليهم أجمع، وينوي
بالصلاة المسلمين منهم.
قال سحنون: وإن مات رجلان تحت هدم، أحدهما يهودي، ولأحدهما مال، فلم يعرف
المسلم ولا ذو مال، قال: يغسلان ويكفنان من ذلك المال، ويُصَلِّي عليهما،
والنية للمسلم، ويدفنان، ويبقى المال موقوفا، وإذا وجدوا عشرة موتى مسلمين،
إلاَّ واحد كافر، لا يعرف، فعل لهم كذلك، وكذلك إن كان فيهم واحد مسلم
مجهول، والباقون يهود، فليصل عليهم بعد الغسل، وينوي بالدعاء للمسلم. وقاله
أشهب، إذا كان فيهم واحد يهودي، فسقط عليهم جدار، فلم يعرف المسلم بعينه،
فيصل عليهم وينوي المسلمين.
وأما الجماعة فيهم مسلم واحد، فلا يُصَلى عليهم حتى يعرف المسلم بعينه،
فيصلى عليه وإلاَّ فلا.
(1/611)
في الذمي يموت، وليس معه إلاَّ المسلمون،
هل يواروه،
وفي المسلم يموت أبوه الكافر، هل يلي أمره
أو يعزى فيه، أو مات الابن هل يليه أبوه؟
من المجموعة، قال علي بن زياد، عن مالك، في ذمي مات ليس معه أحد من أهل
دينه، قال: يوارى؛ فإن له ذمة. قال عنه ابْن الْقَاسِمِ، في مسلم مات أبوه
الكافر: فلا يغسله، ولا يتبعه، ولا يدفنه، إلاَّ أن يخشى أن يضيع، فيواريه.
قال أشهب: ولا يستقيل به متعمدا قبلة أحد.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وأشهب: وإن مات الابن المسلم، فلا يوكل إلى أبيه
في شيء من أمره، من غسل ولا غيره. قال أشهب: فأما سيره معه ودعاءه له، فلا
يمنع منه.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قال مالك: ولا يعزى المسلم بأبيه الكافر؛ يقول
الله تعالى: {مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى
يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72]
. فمنعهم الميراث وقد أسلموا حتى يهاجروا. وبعد هذا باب في التعزية للمسلم
والكافر وباب في حضور المسلم جنازة قريبه الكافر.
في الصلاة على قتلى الخوارج،
وأهل البدع، وأهل المعصية
من الْعُتْبِيَّة، من سماع موسى بن معاوية، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، في
(1/612)
قوم ثاروا على خارجي فقتل من أصحاب
الخارجي، ومن القائمين عليهم نفر، وليس منهم من أراد نصرة في دين، وإنما
طلبوا الدنيا أو فئتين من المسلمين، فتقع بينهم قتلى: فإن هؤلاء يغسلون
ويُصَلى عليهم، الظالم والمظلوم، ويدفنون، وليفعل ذلك بهم الإمام، ولا يكره
عليه أحد، وكذلك طائفتان من الخوارج، الحرورية والقدرية وغيرهم، يقع بينهم
قتلى. فعلى من قربوا منهم أن يواروهم، ويغسلوهم، ويُصَلُّوا عليهم، وذلك
استحسان وليس بواجب وأعرف لسحنون أن ذلك واجب.
قال سحنون، في موضع آخر: إنما تترك الصلاة على الخوارج أدبا لهم، فإذا خيف
أن يضيعوا غسلوا، وصَلَّى عليهم. وفي باب الشهداء بقية من معنى هذا الباب.
في الصلاة على من قتل بقود، أو في حد أو قاتل
نفسه، والصلاة على أهل الكبائر، وعلى ولد الزنى
من المجموعة، قال علي: قال مالك: يُصَلَّى على كل مسلم،
(1/613)
ولا يخرجه من حق الإسلام حدث أحدثه، ولا
جرم اجترمه.
قال عنه ابْن الْقَاسِمِ: يُصَلَّى على قاتل نفسه، ويورث، ويُصَلي الناس
على من قتله الإمام في قود، أو رجم في زنى، دون الإمام. قَالَ ابْنُ
الْقَاسِمِ، في قوم بغوا على أهل قرية، أرادوا حربهم أو لصوص، فقتلهم أهل
القرية: فإنه يُصَلَّى عليهم، إلاَّ الإمام؛ لأنه كان لو رفعوا إليه قتلهم،
أو قاتلهم إن امتنعوا.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ويُصلى على كل موحد، وإن أسرف على نفسه بالكبائر.
وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم، صَلَّى على امرأة ماتت من نفاس من زنى.
وفعله ابن عمر. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإنما يشفع للمسيء.
وقَالَ ابْنُ سيرين: ما حرم الله الصلاة على أحد من أهل القبلة، إلاَّ على
ثمانية عشر رجلا من المنافقين. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإنما ذلك ليعلم أن
الصلاة عليهم لا تترك لجرمهم، فأما الرجل في خاصته، فإنما ينبغي أن يرغب في
شهود من يرجى بركة شهوده. وكذلك قَالَ ابْنُ وهب، عن مالك في سماعه: إنه لا
ينبغي للرجل في خاصته أن يرغب في حضور مثل هؤلاء.
(1/614)
ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ وهب، وعلي، قال
مالك: لم أسمع من أحد ينكر الصلاة على ولد الزنى، وعلى أمه.
ومن الْعُتْبِيَّة، أشهب، عن مالك، في جارية غارت عليها سيدتها، فشربت نورة
فقتلت نفسها، قال: يُصَلى عليها. وكذلك قال، في رجل سجن فخاف أن يعذب، فقتل
نفسه.
قال موسى، عن ابْن الْقَاسِمِ، في المحارب يسعى الإمام اجتهاده في صلبه، إن
شاء صلبه حيا وطعنه، وإن شاء قتله ثم صلبه، فإن قتله قبل الصلب، فليصل
عليه، ولا يُصَلِّي عليه الإمام، ثم يصلب. وأما إن صلبه حيا، فقال سحنون:
ينزل، فيغسل، ويُصَلى عليه، ويدفن. وفيما فعل من صلبه كفاية. وقَالَ ابْنُ
الماجشون: يصف تلقاء خشبته، ويُصَلَّى عليه.
جامع القول في الشهيد، والصلاة عليه، وفي غير ذلك من
شأنه، وفي من قتل مظلوما، أو قتله لصوص أو خوارج
قال أبو محمد: وهذا الباب قد كتبت في كتاب الجهاد بابًا مثله، فيه زيادة
على ما هاهنا.
ومن سماع ابن وهب، قيل لمالك: أبلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم، صَلَّى
على
(1/615)
حمزة حين استشهد، فكبر عليه سبعين تكبيرة؟
قال: ما سمعت ذلك، ولا بلغني أنه صَلَّى على أحد من الشهداء. ومن (كتاب ابن
سحنون) من السير قال أشهب: الشهيد الذي لا يغسل ولا يُصَلَّى عليه، من مات
في المعركة، فقضي. فأما من حمل إلى أهله فمات فيهم، أو مات في أيدي الرجال،
أو بقي في المعركة حتى مات، فإنه يغسل ويُصَلَّى عليه. قال سحنون: قوله:
يبقى في المعركة. يقول: في الحياة البينة، التي لا يقتل قاتلها إلاَّ
بالقسامة. وإذا راموهم بأحجار أو نار أو رماح، فوجد في المعركة من قد مات
بأحد هذه الوجوه، فلا يدري أبفعل المشركين أو بغير فعلهم، فهو على أنه
بفعلهم حتى يظهر خلافه، إن كان وقع بينهم لقاء أو حرب أو مراماة، وإلاَّ
غسل وصلي عليه.
ومن الْعُتْبِيَّة قًال أشهب: وإذا قتل في المعركة وهو جنب، فإنه لا يغسل
ولا يُصَلَّى عليه. وقاله ابن الماجشون. قال أصبغ: وإذا أغار المشركون في
بعض الثغور، فقتلوا المسلمين في منازلهم في غير
(1/616)
ملاقاة ولا معترك، فقال ابْن الْقَاسِمِ:
يغسلون ويُصَلَّى عليهم، بخلاف من قتل في المعترك والزحف. قَالَ ابْنُ وهب:
هم كالشهداء في المعترك، حيث ما نالهم القتل منهم في معترك أو مزاحفة.
وبقول ابن وهب أقول. قال أصبغ: سواء ناصبوهم، أو قاتلوهم مغافصة نياما أو
غافلين، فهم كشهداء المعترك. وكذلك إن كان في من قتل امرأة، أو صبية، أو
صبي صغير، قتلوا بسلاح أو غير سلاح، فليفعل بهم مثل ما يفعل بالشهداء
الرجال البالغين.
من (كتاب ابن سحنون): ولو قتل المسلمون في المعترك مسلما، ظنوا أنه من
العدو، أو ما درست الخيل من الرجالة، فإن هؤلاء يغسلون ويُصَلَّى عليهم.
ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لا يدفن مع الشهيد ما عليه من
السلاح؛ من درع وسيف. مالك: ولا ينزع فروه، ولا خفه، ولا قلنسوته. قَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ: قتلوه بحجر، أو بخنق، أو بعصى، في معترك أو في غير
معترك، فإنه كالشهيد في المعترك. وقاله أشهب. قالا: ولو أغار العدو على
قرية مسلمين، فدفعوا عن أنفسهم، فقتلوا، فهم كالشهداء في المعترك.
قال أشهب: وكذلك من قتل من الرجال والنساء والولدان في
(1/617)
المعترك، ممن يقاتل ويدفع عن نفسه، فأما من
قتل من الرجال والنساء والولدان، ليس على وجه القتال، فأرى أن يغسلوا
ويكفنوا ويُصَلَّى عليهم.
قال سحنون: كل من قتله العدو، من صغير أو كبير، قاتل أو لم يقاتل، أو امرأة
أو رجل، في معترك، أو غير معترك، أو دخل عليهم في بيوتهم، فلهم حكم
الشهداء، ويدفنوا بدمائهم.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال أصبغ: والشهيد إذا غزاه العدو فليكفن، وإن كان عليه
ثيابه، فأراد أولياءه أن يزيدوه ثيابًا، فلا بأس بذلك.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك: ولا ينزع عن الشهيد قلنسوة، ولا منطقة.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ولا خفيه. وقَالَ ابْنُ نافع: ولا فروة، وقال
مطرف: ولا خاتمه، إلاَّ أن يكون نفيس الفص، ولا منطقته، إلاَّ أن يكون لها
خطب، وأما إن كان ما فيها من الفضة يسيرا، فلا تنزع. ولم يقع قول مطرف،
وابن نافع، في رواية يحيى بن عبد العزيز.
ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ويصنع بقبور الشهداء ما يصنع
بغيرهم، من الحفر واللحد. قَالَ ابْنُ نافع، وعلى: قال مالك: ومن قتل
مظلوما، أو قتله لصوص قتل غيلة، أو في معركة، فإن هؤلاء يغسلون
(1/618)
ويكفنون ويحنطون ويُصَلَّى عليهم.
قال عنه ابْن الْقَاسِمِ: وكذلك كل مقتول أو ميت، بهدم أو غرق، والشهداء
السبعة المذكورون في الحديث. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ومن قتل في قتال
البغي، من الباغين، أو المبغي عليهم، فإنهم يغسلون ويُصَلَّى عليهم.
قال أشهب، في القوم بأرض العدو، يجدون واحدا منهم مقتولا، لا يدرون من
قتله: أنه يغسل ويُصَلَّى عليه، ولو علم أن أحدا من العدو قتله في قتال
بعصى، لم يغسل، ولم يصل عليه. وبقية القول في هذا الباب في كتاب الجهاد
لابن حبيب، وسحنون.
في الصلاة على بعض الجسد أو على الغائب
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، قال مالك: لا يُصَلى على الرأس وحده، ولا على يد أو
رجل، ولا على رأس مع يدين ورجلين، وأن لا يُصَلَّى إلاَّ على البدن أو
أكثره، مجتمعا غير مقطع. ونحوه في (المختصر)، أنه
(1/619)
لا يغسل منه رأس أو يد أو رجل، كما لا
يُصَلَّى عليه.
وفي رواية ابْن الْقَاسِمِ، في (المجموعة) وفي الْعُتْبِيَّة، من سماع موسى
عن ابْن الْقَاسِمِ، أن مالكا قال: إذا كان جل البدن مجتمعا أو مقطعا،
صَلَّى عليه، وغسل، وإن لم يكن جله، فلا، ولكن يدفن ذلك بلا غسل ولا صلاة.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وقاله الشعبي.
وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: يغسل ما وجد منه، ويُصَلَّى عليه، كان رأسا
أو يدا أو رجلا أو عضوا، وينوي بالصلاة عليه الميت. وقد دفن عروة رجله بعد
أن غسلها، فكفنها ولم يصل عليها؛ لأنها من حي. وإنما ينوى بذلك أن يُصَلَّى
على صاحب الرجل الميت لا الحي.
قال عبد العزيز: وإن استوقن أنه غرق أو قتل، أو أكلته السباع، ولم يوجد منه
شيء، صلي عليه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بالنجاشي.
(1/620)
وبه قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ. قال غيره: هذا من
خواص النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك أن الأرض رفعت له، وعلم يوم مات فيه،
ونعاه لأصحابه يوم موته، وخرج بهم، فأمهم في الصلاة عليه قبل أن يوارى.
والله أعلم. ولم يفعل هذا أحد بعده، ولا صَلَّى أحد على النبي صلى الله
عليه وسلم بعد أن ووري، وفي الصلاة عليه أعظم الرغبة، فهذه أدلة الخصوص.
ومن المجموعة، قال أشهب: وإذا وجد البدن بلا رأس ولا أطراف، صلي عليه، ولا
يُصَلَّى على الرأس والأطراف فقط، ولو وجب هذا، وجب أن يُصَلَّى على أصابعه
أو أسنانه أو أنفه، وإني مع ذلك لا أدري لعل صاحبه حي، ولو علمت بموته لم
أصل على ذلك، ولو وجد أحد شقيه طولا مع رأسه، أو نصفه عرضا مع رأسه، لم يصل
عليه.
في الصلاة على الجنازة في المسجد،
أو في المقبرة، أو في الدور
ومن سماع ابن وهب، قال مالك: لا يُصَلَّى على الجنازة في المسجد، إلاَّ أن
يضيق المكان.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولو صلي على الجنازة في المسجد، ما كان ضيقا،
(1/621)
لما رُوِيَ من الصلاة على سهيل فيه، وعلى
عمر فيه.
قَالَ ابْنُ سحنون: وصلاة النبي صلى الله عليه وسلم على سهيل فيه، أمر قد
تركه، وفعل غيره حين خرج في النجاشي إلى المصلى، وهذا أخف، ومع أن حديث
سهيل منقطع. قال غيره: وقد قيل: كثر الناس في جنازته، فضاق بهم الموضع، ثم
لم يفعله بعد ذلك، واستدام الصلاة في المصلى، حتى أنكر الناس على عائشة ما
أمرت به، من إدخال جنازة سعد فيه، لتصلي هي عليها. ومع ذلك، فهو ذريعة إلى
إصراف المسجد إلى غير ما جعل له من الصلوات، وقد ينفجر فيه الميت، أو يخرج
منه شيء، فترك ذلك أولى من غير وجه، كما تركه النبي صلى الله عليه وسلم،
واستدام غيره. وعمر إنما صلي عليه
(1/622)
فيه لأنه قد دفن مع النبي صلى الله عليه
وسلم.
ومن كتاب (المبسوط)، لإسماعيل القاضي، قال إسماعيل القاضي: ولا بأس بالصلاة
على الجنازة في المسجد، إن احتيج إلى ذلك، وما أنكر الناس من أمر سعد، دليل
على أن العمل الدائم الصلاة على الجنائز في موضع الجنائز بقرب المسجد، ولعل
الصلاة على سهيل كانت قبل يتخذ ذلك الموضع، ولعلهم إنما صَلَّوْا على عمر
في المسجد لأنه أوسع عليهم، لكثرة من صَلَّى عليه، وهذا كله واسع إذا احتيج
إليه. وأما ما حدثنا به عاصم بن علي، قال: حدثنا ابن أبي ذئب، عن صالح مولى
التوأمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صَلَّى
على جنازة في المسجد، فلا شيء له». فهذا إسناد ضعيف. ولا بأس بذلك إذا
احتيج إليه.
ومن المجموعة، ابن وهب، عن مالك: ولا بأس أن يُصَلَّى على الجنازة وسط
القبور. قيل لأشهب: أيصلى عليها في الجبانة، أم في الدور؟ قال: كل مجزئ،
وبعد الخروج بها أَحَبُّ إِلَيَّ.
(1/623)
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: كره مالك الصلاة على
المنفوس في المنزل. وروى مطرف، أن ابن عمر صَلَّى على صبي في جوف دارهم، ثم
بعث به إلى المقبرة، ولم يتبعه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وما أرى ذلك إلاَّ من
عذر؛ لأنه كبر، وكف بصره. وقد تقدم هذا في باب آخر. ولم ير مالك بصلاة
المكتوبة في المقبرة بأسا، في المواضع الطاهرة، وأن يُصَلَّى فيها على
الجنازة. وقد صَلَّى النبي صلى الله عليه وسلم فيها على الجنائز، وصَلَّى
فيها أبو هريرة على عائشة.
في الصلاة على الجنازة بعد الصبح،
وبعد العصر، أو في الليل
من المجموعة، قَالَ ابْنُ وهب، عن مالك: إذا حضرت الجنازة قبل المغرب،
فليصلوا عليها بعد المغرب أصوب، فإن صَلَّوْا قبل المغرب، فلا بأس بذلك.
قال عنه ابن وهب، في سماعه: لا يُصَلَّى عليها عند غروب الشمس حتى تغرب،
إلا أن يخاف عليها.
وكذلك في (المختصر)، قال عنه علي: ولا بأس بالصلاة عليها في الليل، ولا
يُصَلَّى عليها إلاَّ في وقت صلاة.
قال أشهب: وإذا حضرت قبل صلاة المغرب فليبدءوا بالمكتوبة بما شاءوا، إلاَّ
(1/624)
أن يخافوا على الجنازة فسادا، أو فوات
الصلاة، فليبدءوا بما يخاف عليه، وأما العصر والصبح، فأحب إلي أن يبدءوا
بالجنازة، إلاَّ أن يخاف على الصلاة، فيبدءوا بها، وإن صَلَّوْا عليها عند
طلوع الشمس أو عند غروبها، فلا إعادة عليهم.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إن دفنت فلا يعيدوا عليها، وقد أرخص مالك أن
يُصَلَّى عليها في هذه الساعات إن خيف عليها.
وقال مالك: يُصَلَّى عليها بعد العصر، ما لم تصفر الشمس، وبعد الصبح ما لم
تسفر، ولا يُصَلَّى عليها في الإسفار، ولا في اصفرار الشمس بعد العصر،
إلاَّ أن يخاف عليها.
قال في (المختصر): عندما تهم الشمس أن تطلع، وعندما تهم أن تغرب، ويصفر
أثرها بالأرض، فلا يُصَلَّى عليها، إلاَّ أن يخاف عليها.
قال أشهب: لا أكره الصلاة عليها نصف النهار، كما لا أكره التنفل حينئذ، ولم
يثبت النهي عن الصلاة حينئذ، وثبت النهي عند طلوع الشمس وعند غروبها.
(1/625)
في الصلاة على الجنائز، إذا اجتمعت،
وكيف توضع
من (الواضحة): إذا اجتمعت الجنائز، جمعت في صلاة واحدة، فإن كانا رجلين،
جعل أفضلهما مما يلي الإمام وإن كان أصغر سنا؛ فإن استويا في الحال، فليل
الإمام أسنهما، فإن كان ذكرا وأنثى؛ فالذكر يلي الإمام وإن كان صغيرا، فإن
كان رجل وصبي وامرأة؛ فالرجل يلي الإمام، ثم الصبي، ثم المرأة، وإن كان حر
وعبد، فالحر يلي الإمام، وإن صغر، وأما عبد وامرأة، فالعبد يلي الإمام.
هكذا قال لي من لقيت من أصحاب مالك عن مالك. ورُوِيَ عن كثير من الصحابة
والتابعين، وقد تقدم ذكر المنفوس وأمه، من يتقدم منهما، في باب المنفوس.
ومن الْعُتْبِيَّة، أشهب، عن مالك: وإن كانوا رجلين وامرأتين؛ جعل الرجلان
مما يلي الإمام سطرا، وإلاَّ واحدا خلف واحد، والمرأتان خلفهما سطرا، فإن
كثروا
(1/626)
جعلوا سطرين أو أكثر.
قَالَ ابْنُ كنانة، في رجلين: أَحَبُّ إِلَيَّ أن يكونا واحدا خلف واحد،
فإن جعلا سطرا فواسع، وإن كثروا جعلوا سطرا والإمام وسطهم.
قال عيسى: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، في رجلين أحدهما أحسن حالا من الآخر،
والآخر أشرف: فليل الإمام أحسنهما حالا. وقاله سحنون.
ومن المجموعة: ذكر رواية ابْن الْقَاسِمِ، في الجنائز تجتمع، أن مالكا قال:
يجعل واحدا خلف واحد. ثم رجع فقال: ذلك واسع كذلك، أو يجعلوا صفا، ويقف
الإمام وسطهم. وإن كن نساء فكذلك، قال أشهب، عن مالك نحوه.
قال أشهب: وأَحَبُّ إِلَيَّ في القليل، الاثنين والثلاثة، واحدا خلف واحد،
وإن كثروا، جعلوا صفين أو ثلاثة، وشبه ذلك. وذلك كله واسع.
وقال علي، عن مالك: وإن كانوا رجالا ونساء. فالرجال يلون الإمام، ويجعل رجل
خلف رجل، وامرأة خلف امرأة.
قال أشهب: أو سطرا واحدا أو اثنين، ويكون النساء إلى القبلة، على
(1/627)
ما جعل عليه الرجال ولا أحب أن يجعلن على
خلاف ما جعل عليه الرجال إذا تكافئوا، فإن جعلن على خلافهم؛ رجوت أن يكون
واسعا، فإن كان معهم صغار، فالرجال يلون الإمام، ثم ذكور الصبيان، ثم
النساء، ثم إناث الصبيان. وذكر ابن حبيب، عن مطرف، وعبد الملك، مثل ما
تقدم، وقال: وإن كانوا أكثر من اثنين وثلاثة، وكانوا رجالا أو نساء، أو
رجالا ونساء؛ جعل أفضلهم يلي الإمام، ثم من يليه خلفه إلى القبلة، ثم من
يليه خلفه إلى القبلة، إلى آخرهم، وأما إن كثروا، مثل العشرين والثلاثين،
فلا بأس أن يجعلوا صفين وثلاثة، ممدودة عن يمين الإمام ويساره، ويقدم
الأفضل والأسن إلى الإمام وقربه.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإذا اجتمعت جنازتان وثلاثة؛ لم ينظر إلى ولي أحدهم،
ولكن يقدم أفضلهم وأسنهم. قال مالك: وكذلك إن كانت واحدة رجلا، والأخرى
امرأة.
وقَالَ ابْنُ الماجشون: أولياء الرجل أحق. واحتج بصلاة ابن عمر على أم
كلثوم، وابنها زيد، بمحضر الحسين. وقد تقدم هذا في باب
(1/628)
الجنازة، يحضرها الوالي مع الأولياء.
في الجنازتين ينوي الإمام بالصلاة أحدهما،
ومن خلفه ينويهما جميعا، وفي الجنازة لا يدري من
صَلَّى عليها أرجل هي أم امرأة
من الْعُتْبِيَّة، من سماع عبد الله بن عمر بن غانم، رواية عون بن يوسف،
قال مالك: في إمام يُصَلِّي على جنازتين، فجهل فنوى بالصلاة أحدهما، ومن
خلفه ينويهما جميعا، فقال: تعاد الصلاة على التي لم يصل عليها الإمام، دفنت
أو لم تدفن، إلاَّ أن تتغير، فيصلون على قبرها بإمام.
ومن (المبسوط) لإسماعيل القاضي، قَالَ ابْنُ نافع، عن مالك، في من يُصَلِّي
على الجنازة، ويظنها رجلا، وهي امرأة، فيقول: اللهم اغفر له. أو هي رجل،
يظنها امرأة، فيقول: اغفر لها. أيعيد الصلاة؟ قال: الصلاة تامة إن شاء
الله، ولا أرى بهذا بأسا، وقد يُصَلَّى على الجنازة بالليل، أو يأتي وقد
وضعت، وهو في آخر الناس، ولم يأت
(1/629)
ليعرف امرأة هي أو رجل، فذلك واسع إن شاء
الله.
في مَنْ دُفِن ولم يُصَلَّ عليه، أو لم يُغَسَّلْ،
أو نُسِيَ عليه بعض التكبير، أو كبر عليه بغير دعاء،
أو دفن في مقبرة النصارى
من المجموعة، قال علي، عن مالك، في مسلم مات ليس معه إلاَّ نصارى، فقبروه
بغير غسل، وجعلوا وجهه إلى غير القبلة: فإنه يُنْبَشُ، ما لم يتغيَّرْ،
فيُغَسَّلُ، ويُكَفَّنُ، ويُحنَّط، ويُصَلَّى عليه، ويُقْبَرُ إلى القبلة.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وكذلك إن نسوا أو جهلوا، فقبروه بغير صلاة، فإنه
يُخرج بحدثان ذلك حَتَّى يُغَسَّلَ ويُصَلَّى عليه.
قال أشهب: وإذا وُضع في لحده، وجُعل عليه اللبن، أو جُعل الثرى مكان اللبن،
ولم يُهَلْ عليه التراب، ثم ذُكِرَ أنه لم يُغَسَّلْ، فليُخرج، فيُغَسَّل،
ثم يُصَلَّى عليه، وإن غُسِّلَ، ولم يُصَلَّ عليه، أُخْرِجَ فصُلِّيَ عليه،
فأما إن أهالوا عليه التراب، فليُترك، وإن لم يُصَلَّ عليه، فلا يُنْبَش.
وقاله سَحْنُون، فِي الصَّلاَةِ ينسونها عليه، وإلاَّ فلا يُصَلَّى عليه في
قبره، ولْيَدْعُوا له، ولا أجعل ذريعة إلى الصلاة على الجنائز في القبور.
وقال
(1/630)
سَحْنُون في كتاب ابنه: إذا دُفِنَ بغير
صلاة، فلا يُصَلَّى على قبره، إلاَّ أن يكون ليس في إخراجه ضرر، ولا طولٌ
ولا تغيُّرٌ فليُخرج، ويُصَلَّى عليه.
ومن الْعُتْبِيَّة، وقال عيسى بن دينار، عَنِ ابْنِ وهب، في الميِّتِ يُقبر
وقد نسوا الصلاة عليه، فذكروا عندما أرادوا الانصراف، قال: سمعت في هذا أنه
لا يُنْبَشُ، ولْيُصَلُّوا على قبره بأربع تكبيرات وإمام. قال يحيى بن
يحيى: لا يُنْبَشُ قَرُبَ ذلك أو بعُدَ، ولْيُصَلُّوا على قبره.
ورَوَى عيسى، وموسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، أنه يُخْرَجُ بحضرة ذلك،
حَتَّى يُصَلُّوا عليه، فإن خافوا أن يكون قد تغيَّر، صَلَّوْا على قبره.
وقاله عيسى. قال عنه موسى، وكذلك إن نسُوا غَسْلَه مع الصلاة عليه.
قال سَحْنُون في المجموعة: فإن ذكروا أنه لم يُغَسَّلْ، فإن لم يَخرجوا من
القبر، أُخرج وغُسِّلَ، وإن وارَوْه، تُرِكَ ولا يُنْبَشُ إذا تفاوت.
ومن الْعُتْبِيَّة، رَوَى محمد بن خالد، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في
(1/631)
الغائب، يَقْدَمُ، فيجدُ امرأته النصرانية
قد دُفِنَتْ وولده منها، في مقبرة النصارى. فإن كان بحضرة ذلك، لم يَخَفْ
أن يكون تغيَّرَ، فليُخْرجه إلى مقبرة المسلمين، فإن خاف تغيُّرَه
فليَدَعْه.
ورَوَى عنه عيسى في نصرانية عرض عليها ختنها الإسلام، فأجابت وغسلت ثيابها،
وقالت: كيف أقول؟ فقال قولي: أشهد أن لا إله إلاَّ الله، وأشهد أن محمدًا
عبده ورسوله، وأن عيسى روح الله وكلمته. فقالت ذلك كله ثم ماتت، فدُفِنَتْ
في قبور النصارى، قال: أرى أن تُنْبَشَ، وتُغَسَّل، ويُصَلَّى عليها
وتُدْفَنَ مع المسلمين، إلاَّ أن تكون تغيَّرَتْ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإذا تُرِكَ بعضُ التكبير في صلاة الجنازة، جهلاً أو
نسيانًا، فإن كان بقرب ما رُفعت، أُنزلت، فأتمَّ بقية التكبير مع الناس، ثم
سلَّمَ، فإن تطاول ذلك ولم تُدْفَنْ، ابتُدئ عليها الصلاة، وإن دُفِنَتْ
تُركت ولم تُكشف، ولا تعاد الصلاة عليها. وذكر في الْعُتْبِيَّة نحوه.
زاد زيادٌ شبطون، عن مالك، قال: ولو والى بين التكبير،
(1/632)
فلْتُعَدْ عليها الصلاة.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إلاَّ أن يكون بينهما دعاء، وإن قلَّ جدًّا، فلا تعاد
الصلاة عليها.
في مَنْ صُلِّيَ عليه إلى غير القبلة، أو جُعِلَ في لحده كذلك،
أو جُعل رأسه موضع رِجْلَيْهِ في قبره،
أو فِي الصَّلاَةِ عليه، أو صَلَّوْا عليه جلوسًا أو ركوبًا
ومن الْعُتْبِيَّة قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذا صُلِّيَ عليه إلى غير
القبلة، ثم دُفِنَ، فلا شيء عليهم. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإن لم
يَتَغَيَّر.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إن لم يُوارَ، فأستحسن أن يُصَلَّى عليه، وليس
بواجب.
قال سَحْنُون: ولا تعاد الصلاة عليه، وكذلك لو صَلَّوْا عليه ورأسه موضع
رِجْلَيْهِ. وقاله أشهب. قال موسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في
الْعُتْبِيَّة: إذا جُعل الرأس موضع الرجلين فِي الصَّلاَةِ، لم تُعِد
الصلاة وأجزأهم، وإن لم يُدْفَن.
(1/633)
قال أشهب، في المجموعة: إن صَلَّوْا عليها
إلى غير القبلة، ثم علموا كما سَلَّمَ فليعيدوا الصلاة، ما لم يخافوا
فسادها، فإذا خيف ذلك، دُفِنَتْ، ولا تعاد عليها الصلاة، تعَمَّدوا ذلك أو
لم يتعمَّدوا. وإذا جُعل في اللحد إلى غير القبلة أو على شقِّه الأيسر،
فقال ابن القاسم، وأشهب، وسَحْنُون: فإن لم يُوارُوه، أو ألقوا عليه يسيرًا
من التراب، فليُحَوَّل إلى ما يَنْبَغِي، وإن فرغوا من دفنه تُرِكَ. وكذلك
رَوَى موسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، إذا جُعِلَ على شِقِّه الأيسر.
وقال سَحْنُون: إذا جعلوا رأسه موضع رِجْلَيْهِ، أو جعلوا وجهه مستدبر
القبلة، وقد وارَوْه، ولم يخرجوا من القبر، فلينزعوا عنه التراب، ويجعلونه
على ما يَنْبَغِي، وإن خرجوا من القبر، وواروا القبر، فليتركوه، ولا
يُنْبَشُ.
وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ في هذا، أنه يُخْرَجُ بحدثان دفنه، فإن طال وخيف عليه
التَّغَيُّرُ، تُرك كذلك.
وقال أشهب في المجموعة: وإذا صَلَّوْا على الجنازة وهم جلوس أو ركوب، فلا
يجزئهم، وليعيدوا.
(1/634)
في إمام الجنازة يُحْدِثُ، أو يذكر جنابة،
أو صلاة، أو يضحك، أو يرعف
من الْعُتْبِيَّة رَوَى موسى عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وهو عنه في المجموعة،
في إمام ذكر أنه صَلَّى على جنازة وهو جنب، وقد دفنت، أو لم تدفن؛ فالصلاة
مجزئة، ولا تعاد. قال هو، وأشهب: وهو كمن فاتته، ولم يصل عليها، وتجزى من
خلفه، كصلاة الفريضة. وكذلك لو كان بعض من خلفه جنبا أو على غير وضوء، فلا
شيء عليه وإن لم يدفن.
ورَوَى موسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في الْعُتْبِيَّة، في إمام الجنازة
إذا قهقه فِي الصَّلاَةِ، فليقطعوا جَمِيعًا ويبدءوا، وكذلك إن أحدث
متعمدا، وإن أحدث غير متعمد، أو رعف، فليقدم غيره، كان وليا لها، أو لم
يكن، وإن انصرف ولم يستخلف، فليقدم أحدهم فيتم بهم. ولو ذكر فيها صلاة
نسيها، فليتماد حَتَّى يتم بهم ويسلم، ويُصَلِّي ما ذكر، كان وليها أو إمام
المصر، أو غيره.
(1/635)
وكذلك ذكر ابن حبيب، عَنِ ابْنِ
المَاجِشُون، وأصبغ. قَالَ ابْنُ سَحْنُون: قال أشهب: إذا قهقه إمام
الجنازة، أو تكلم متعمدا، فليقدموا من يتم بهم بقية التكبير، ويبتدئ هو خلف
المستخلف.
وقال سَحْنُون: بل يَنْتَقِض عليهم، ويبتدئون. وكذلك إن تكلم عامدا. ولا
سجود في سهو صلاة الجنازة.
في مَنْ فاته بعض التكبير على الجنازة، وكيف إن كان الإمام
يكبر خمسا، ومن لم يعلم ببعض تكبير الإمام حَتَّى سلم
من المجموعة، قال علي بن زياد، عن مالك، في مَنْ أتى وقد فاته بعض التكبير
في الجنازة، قال: يدعو، ولا يكبر حَتَّى يكبر الإمام فيكبر معه، فإذا سلم
الإمام، قضى ما فاته من التكبير متتابعا. قال عنه ابن نافع: قيل: فإن فاته
التكبير كله، يكبر عليه؟ قال: لا أعلمه.
قال في المختصر: إذا سبقه الإمام ببعض التكبير؛ فذكر مثل رِوَايَة علي عنه.
وقال أيضًا: يكبر ولا ينتظره.
قَالَ ابْنُ عبد الحكم: والأول أَحَبُّ إِلَيْنَا. قال عنه أشهب، في
(1/636)
العتبية: يكبر الآن وَاحِدَة، ثم يقف على
ما سبق به، كما يحرم في المكتوبة وقد سبق بتكبير سوى الإِحْرَام، فلا يكبر
غيرها، فإذا سلم إمام الجنازة؛ قضى هذا ما بَقِيَ عليه من التكبير تباعا.
قال عنه علي، في المجموعة: ولا يدعو. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإن دعا، فبدعاء
خفيف، إلاَّ أن يتأخر رفعها، فيتمهل في دعائه. وإذا قضى بالتكبير اجتزأ
بالتكبيرة التي أحرم بها، ولا يقضيها.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال أَصْبَغُ: وإذا فاته تكبيرتان والإمام يكبر خمسا،
فليكبر معه الثلاث، ويحتسب بالخامسة، فإذا سلم الإمام، كبر واحدة.
قال سَحْنُون: وقال أشهب: لا يكبر معه الخامسة، وإن كبرها معه فلا يعتد
بها، وليقض كل ما فاته. وقد تقدم هذا الباب آخر.
ومن المجموعة، ابن القاسم، عن مالك، في إمام الجنازة يشرع في التكبير، فلا
يدري الناس ما كبر من كثرتهم، فسلم
(1/637)
الإمام، ولم يكبر هذا إلاَّ تكبيرتين:
فليكبر ما بَقِيَ، وليجعل به حَتَّى يفرغ. وكذلك في سماع ابن وهب.
في الجنازة، هل يُصَلِّي عليها من خاف فوتها بالتيمم،
وهل يُصَلِّي عليها قبل الدفن من فاتته؟
من المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وعلي، وابن وهب، عن مالك، في مَنْ
حضرته الجنازة، وليس على وضوء، فيخاف إن تَوَضَّأَ أن تفوته، قال: لا
يتَيَمَّم، ولا يُصَلِّي عليها بِالتَّيَمُّمِ في وجود الماء، في حضر ولا
في سفر.
ومن (الموطأ)، رَوَى مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه كان يقول: لا
يُصَلِّي على الجنازة إلاَّ طاهر. قال أشهب: وكذلك لو أحدث فِي الصَّلاَةِ،
إلاَّ مسافر لا ماء معه، وإذا انصرف فتوضأ، فليس عليه أن يرجع، وإن أدرك؛
إلاَّ أن يشاء.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال موسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وإذا جاء قوم وقد سلم
إمام الجنازة، فلا يجلس ليصلي عليها الذين أتوا أفذاذا.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولم ير مالك التَّيَمُّم للجنازة، يخاف فواتها في
الحضر، إلاَّ في موضع يجوز التَّيَمُّم فيه للصلاة. وكان ابن شهاب،
(1/638)
ويحيى بن سعيد، والنخعي، والشعبي، يرون إذا
خاف فواتها، أن يتَيَمَّم لها، وإن كان في الحضر. وبذلك أخذ الليث، وابن
وهب. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: والأمر في ذلك، واسع. ورَوَى أن عليا كان إذا
فاتته الجنازة قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم ارفع درجته في
المهتدين، واخلف عقبه في الغابرين، وتحتسبه عندك يا رب العالمين، اللهم لا
تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده. وقد تقدم في باب آخر هل يُصَلِّي على القبر
إذا لم يصل على الميت.
في الميت يدفن وقد ابتلع مالا، أو جوهرا،
أو الْمَرْأَة تموت تموت بجمع
من الْعُتْبِيَّة، قال أَصْبَغُ، في مَنْ أبضع معه مال، فابتلعه خوف
اللصوص، أو كان المال لنفسه، ثم مات قال يشق جوفه ثم يخرج منه الدنانير، إن
كان لها قدر. ورَوَى أبو زيد، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ فيه، إذا ابتلع جوهرا
لنفسه، أو وديعة عنده، لخوف لصوص، فقال: يشق
(1/639)
جوفه ويخرج ذلك، كان له أو لغيره. وذكر مثل
ذلك ابن حبيب، عَنْ أَصْبَغَ، فيما كان له بال. واختلف فيه قول سَحْنُون في
كتاب ابنه، فقال: يشق فيما له بال. وقال: لا يشق وإن كثر. وقَالَ ابْنُ
حَبِيبٍ: لا يشق جوفه، ولو كانت جوهرة تسوى ألف دينار، وقد قالت عائشة: كسر
عظم المؤمن ميتا ككسره حيا.
وقد قالوا فِي الْمَرْأَةِ، تموت بجمع وولدها يضطرب: إنه يستأنى به حَتَّى
يموت. فكيف هذا. ومن المجموعة، قال سَحْنُون: يبقر على ولدها، إذا علمت
حياته، ورجي خلاصه، وكذلك من ابتلع دنانير، ثم مات، فلا بأس أن يبقى عليها
[قال]
أبو محمد:. والذي ذكر ابن حبيب هو قول ابن القاسم. قَالَ ابْنُ القرطي:
ويَدُلُّ على أنه لا يبقر عليه قول الله تعالى: {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ
حَمْلٍ حَمْلَهَا} [الحج: 2]
. ولو قدر النساء على إخراجه برفق من مخرج الولد كان حسنا. وقال محمد ابن
عبد الحكم في كتاب آخر: رأيت بمصر رجلا مبقورا، على رمكة مبقورة.
(1/640)
في الميت يوارى، وقد نسوا في القبر مالا،
أو ثوبا أو غيره
من (كتاب ابن سَحْنُون): وإذا ذكر بعد الدفن أنهم نسوا في القبر كيسا، أو
ثوبا لرجل، فإن كان بحدثان ذلك، نبش، وأخرجوا ذلك، فإن طال ذلك، وشاءوا أن
يعطوا صاحب الثوب قيمة ثوبه، فذلك لهم، وإلاَّ فلهم أن ينبشوه، ويخرجوا ما
نسوا.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال سَحْنُون: ولو ادعى رجل أن الثوب الذي على الكفن
له، وقد دفن به، أو كان خاتمًا أو دنانير ادعاها، فإن كان ذلك يعرف، أو
أَقَرَّ له به أهل الميت، ولم يدعوه لهم أو للميت، جعل له سبيل إلى إخراج
ثوبه، وكذلك الخاتم والدنانير، وإذا كان الثوب الذي سجوه به للميت، وكان
نفيسا، فليخرج، وإن لم يكن كثير الثمن ترك، وإن كان لغير الميت، فشح به
صاحبه، كشف عنه، وأخذ ثوبه، نفيسا كان أو غيره.
ومن سماع عيسى، من ابن القاسم: وإذا دفن في ثوب ليس له، فلينبش لإخراجه
لربه، إلاَّ أن يطول أو يروح الميت، فلا أرى إلى ذلك سبيلا.
(1/641)
في إنزال الميت في قبره، ومن ينزل المرأة،
وفي سترة القبر، وما يدعى للميت عند إقباره
من الْعُتْبِيَّة، قال موسى بن معاوية: حدثني جرير، عن مسعر، قال: كان
يقال: إذا دلي الميت في قبره، قال له القبر: ما أعددت لبيت الوحدة، وبيت
الوحشة، وبيت الدود. وحدثني جرير، عن وكيع، عن مالك بن مغول، عن عبيد بن
عمير نحوه.
ومن المجموعة، قال علي، عن مالك: ليس في عدد من ينزل القبر سنة، في شفع ولا
وتر، ولا بأس أن ينزل فيه الرجل بخفيه أو نعليه. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: واسع
أن يلي إقبار الميت الشفع والوتر. قَالَ ابْنُ المسيب: والذين دلوا رسول
الله صلى الله عليه وسلم في قبره أربعة؛ العباس، وعلي، والفضل بن عباس،
وصالح مولاه، وهو شقران، وهم ولوا غسله، وتكفينه، وإحباءه. واختلف في
الرابع، فقال ابن المسيب: هو صالح. وقال موسى بن عقبة: هو أسامة بن زيد.
وقال الشعبي: عبد الرحمن بن عوف.
ومن المجموعة، قال أشهب: وإذا وضع الميت في اللحد، قال: بسم الله، وعلى ملة
رسول الله، اللهم، تقبله بأحسن قبول. وإن دعي
(1/642)
له بغير ذلك فحسن، وإن تُرِكَ ذلك فواسع.
قال: وإن أُدْخِلَ من القبلة، أو سُلَّ من ناحية رأسه من الشق الأيسر، وأنت
في القبر، فواسعٌ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وإدخاله من ناحية القبلة أَحَبُّ إِلَيَّ. قال:
ويُلْحَدُ الميت على شقه الأيمن إلى القبلة، ويَمُدُّ يده اليمنى على جسده،
ويَعْدِلُ رأسه بالثرى؛ لئلا يتصوب، ويعْدِل رِجْلَيْهِ، ويَرْفُق في ذلك.
ويَحُلُّ عُقَدَ كفنه إن عُقِدَ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ومما يُسْتَحَبُّ أن
يقال عند ذلك، وقد بلغني ذلك مفترقًا فجمعته: بسم الله، وبالله، وإلى الله،
وعلى مِلَّة رسول الله، وملة إبراهيم حنيفًا مسلمًا، وما كان من المشركين،
اللهم افسح له في قبره، ونَوِّر له فيه، ولقِّنْه حُجَّته، ووَسِّعْ عليه
حفرته، وألحقه بنبيِّه، وأنت راضٍ عنه، اللهم نَزَل بك صاحبنا هذا، وأنت
خير منزول له، اللهم اجعل ما خرج إليه خيرًا مما خلَّفَ وراء ظهره، اللهم
وقِهِ فتنة القبر وعذاب جهنَّم، اللهم أَسْلَمَهُ إليك الأهلُ والمالُ
والعشيرة، وذنبه عظيم فاغفر له. قال: ويلي إنزال الْمَرْأَة في قبرها
(1/643)
مع زوجها من حضر من ذوي محارمها، فإن لم
يكونوا، فمن حضر من أهل الفضل، وليكونوا في أعلاها، والزوج في أسفلها، فإن
لم يكن زوج، فأقربهم إليها من ذوي محارمها، فإن لم يكونوا، فأهل الصلاح
مِمَّنْ حضرها، إلاَّ أن يُوجد نساء يلين ذلك من القواعد وذوات الأسنان،
ولهن عليه قوة، بلا مضرَّة عليهن فيه، ولا عورة منكشفة، فهن أولى من
الرجال، إذا لم يكن ذو رحم منها. وقال أَصْبَغُ، في ذلك: وليستر قبرها
بثوب. وكذلك فُعِلَ بزينب بنت جحش، وهي أَوَّل من مات من أزواج النبي صلى
الله عليه وسلم. قال أشهب في المجموعة: وما أكره أن يُسْتَرا القبر في دفن
الرجال، وأما الْمَرْأَة فهو الذي يَنْبَغِي، وذلك واسع في الرجال.
ومن الْعُتْبِيَّة، قال موسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، قال: وسَتْرُ القبر
للمرأة بثوب مما يَنْبَغِي فعله، فإن لم يكن من محارمها مَنْ يقبرها، فأهل
الصلاح أولى بذلك. قال: وزوجها أحق بإنزالها في قبرها من الأب والولد. قال
سَحْنُون في المجموعة: يُنْزِلها الزوج مع ذي محرم منها، ويكون الزوج في
وسطها، فإن لم يكن لها ذو محرم فليُدْخِلها
(1/644)
النساء في قبرها، فإن لم يكن فأهل الفضل.
وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إن لم يكن قرابة لها، فأهل الفضل من الرجال. ولم
يذكر النساء، وقد تقدَّم هذا في باب آخر: وذِكْر مَنْ أنزل عائشة في قبرها،
في باب الدفن ليلاً.
في الميت في البحر كيف يُوارى، وكيف إن ألقاه
البحر بعد أن صُلِّيَ عليه، وأُلقي فيه
من الْعُتْبِيَّة، حدثنا موسى بن معاوية، عن حفص بن عتاب، عن الحجاج بن
أرطاة، عن عطاء بن أبي رباح، قال في الميت في البحر: يُغَسَّل ويُكَفَّنُ،
ويُحَنَّطُ، ويُصَلَّى عليه، ويُرْبَطُ في رجله شيء يُثَقَّلُ به، ويُلْقى
في الماء.
ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذا طمعوا بالبَرِّ من يومهم، وشبه
ذلك حبسوه حَتَّى يدفنوه في البر، وإن يئسوا من البر في مثل ذلك، غُسِّل
وكُفِّن وحُنِّط وصُلِّيَ عليه حين يموت، وألقوه في البحر، ولا يحبسوه
أيامًا. وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مثله، وقال: ويشدُّوا عليه أكفانه، ويُلقوه
في الماء، مستَقْبِل القبلة، مُحَرَّفًا على شقِّه الأيمن. وكذلك قَالَ
ابْنُ
(1/645)
المَاجِشُون، وابن القاسم، وأصبغ، ولا
يُثَقِّلوا رجله بشيء ليغرق، كما يفعل من لا يعرف، وإن ألقاه البحر على
ضفَّته، فحقٌّ على من وجده أن يدفنه. وقال سَحْنُون في كتاب ابنه: إن طمعوا
بالبر صبروا، مثل يوم ونحوه، ما لم يخافوا عليه، فإن خافوا عليه غُسِّلَ
وصُلِّيَ عليه إلى القبلة، وإن دار المركب أداروه، وإن غلبهم ذلك، صَلَّوْا
عليه بقدر طاقتهم، ويُثَقَّل بشيء إن قدروا.
في جمع الْمَيِّتَيْنِ في قبر أو كفن
من الْعُتْبِيَّة وفي سماع ابن غانم، من مالك، رِوَايَة عون، قال أشهب: لا
أُحِبُّ أن يُكَفَّن رجلان في ثوب، إلاَّ عن ضرورة، فإن فعلوا لضرورة، أو
لغير ضرورة، قدَّموا في اللحد أفضلهما، ولا يُجعل بينهما حاجز من الصعيد،
ولمن فعل ذلك من غير ضرورة حظُّه من الإساءة.
قال موسى بن معاوية، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: وإذا دُفِنَ الرجال والنساء
والصبيان في قبر من ضرورة، جُعِلَ الرجال مما يلي القبلة، والصبيان من
ورائهم، والنساء من وراء الصبيان، وأما فِي الصَّلاَةِ،
(1/646)
فيلي الإمام الرجال، ثم الصبيان، ثم
النساء. وفي باب جمع الجنائز فِي الصَّلاَةِ، وفي باب الصلاة على المنفوس
من هذا.
في اللحد والشق، وإكفائه بِاللَّبِنِ أو غيرها، والحثان
في القبر، وإعماقه، وتسنيمه، ورشِّه والدفن في التابوت
في القبر، وهل يُدفن على الموتى، ومن دُفن في قبر
لغيره، أو أرضه
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: واللحد أفضل من الشق، وقد أُلحد النبي صلى الله عليه
وسلم وأبو بكر وعمر، ولا أُحِبُّ ترك اللحد إلاَّ لتُربة تنهلُّ، أو أمر لا
يُستطاع. قَالَ ابْنُ مزين، وغيره: واللحد أن يُحفر في الحرف في حائط
القبر، ويُدخل فيه الميت، ويُسَدُّ باللَّبِنِ. قال مالك في الْعُتْبِيَّة،
في سماع ابن غانم: اللحد والشقُّ كلٌّ واسع، واللحد أَحَبُّ إِلَيَّ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ويُستحبُّ ألا يُعَمَّقَ القبر جدًّا , ولكن قدر
عَظْمِ
(1/647)
الذراع. قال عمر بن عبد العزيز: لا
تُعَمِّقوا قبري. قال: ويُنْصَبُ على اللحد اللَّبِنُ، كذلك فُعِل بالنبي
صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر.
ويُكْرَه التابوت، قال موسى، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ في الْعُتْبِيَّة: أكره
الدفن في التابوت، والسُّنَّة اللَّبِنُ، وأما اللوح فلا أراه إلاَّ أن لا
يوجد لبن ولا آجُرٌّ. وذكر سَحْنُون في كتاب الشرح المنسوب إلى ابنه، أنه
قال: لم أرَ أحدًا مِنْ أَصْحَابِنَا، ولا سمعت عنه أنه كَرِهَ اللوح، غير
ابن القاسم، ولا أرى به بأسًا، وأما التابوت فلا يُدْفَن فيه.
ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وأشهب: لا بأس أن يُجعل على اللحد
اللَّبِنُ، أو القصب أو اللوح، وذلك خفيف. قال أشهب: ولا أُحِبُّ من ذلك ما
كان على وجه السرف والفخر. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ولا يَنْبَغِي اللوح، ولا
الآجرُّ، والقراميد، والقصب، ولا الحجارة، وأشَرُّ ذلك التابوت، وأفضله
اللَّبِنُ، فإن لم يوجدْ، فاللوحُ خيرٌ من القراميد،
(1/648)
والقراميد خير من الآجرِّ، والآجرُّ خير من
الحجارة، والحجارة خير من القصب، والقصب خير من سنِّ التراب، وسن التراب
خير من التابوت، ولم يبلغني سنُّ التراب عن أحد مِمَّنْ مضى، غير عمرو بن
العاص أمر به في نفسه. ويُسْتَحَبُّ سدُّ الخلل الذي بين اللَّبِنِ، ولقد
أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في ابنه إبراهيم، وقال: «إِنَّ ذَلِكَ لا
يُغْنِي عَنْهُ، وَلَكِنَّهُ أَقَرُّ لِعَيْنِ الْحَيِّ». وقال: «إِنَّ
اللهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ الْعَبْدُ عَمَلاً، أَنْ يُحْسِنَهُ». وفي حديث
آخر: «أَنْ يُتْقِنَهُ».
ويُسْتَحَبُّ لمن كان على شفير القبر أن يحثو فيه ثلاث حثيات من التراب،
وليس بلازم، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم في قبر عثمان بن مظعون،
وليس على إلزام، وقد وقف سالم على شفير قبر، فانصرف ولم يَحْثُ فيه.
قَالَ ابْنُ سَحْنُون، عن أبيه، قال مالك: لا أعرف حثيان التراب في القبر
ثلاثًا، ولا أقلَّ ولا أكثر، ولا سمعت عن أمر به. والذين يَلُون
(1/649)
دفنها يلون ردَّ التراب عليها.
ومن المجموعة، قال أشهب: وأَحَبُّ إِلَيَّ أن يُسَنَّمَ القبر، وإن رُفِعَ
فلا بأس. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أَحَبُّ إِلَيَّ أن يُسنَّم ولا يُرفَعَ.
ورُوِيَ أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر مُسَنَّمَةٌ. قال:
ومن شأنهم رشُّ الماء على القبر ليشتَدَّ. رُوِيَ أنه فُعِلَ ذلك بقبر
النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: وإذا صادف الحافر للقبر قبرًا، فليَرُدَّ ترابه ويَدَعْه، فإن حُرمة
كسر عظامه ميِّتًا كَحُرْمَتِهِ حيًّا. ومن كتاب آخر أن عمر بن عبد العزيز
اشترى موضعًا دُفِنَ فيه من ذُمِّيّ من أهل الصلح. وذكر مالك في الموطأ أن
عروة قال: ما أُحِبُّ أن أُدفن بالبقيع، إِنَّمَا هو أحد رجلين إما ظالم،
فلا أحب أن أكون معه، وإما صالح فلا أحب أن تُنْبَشَ لي عظامه.
(1/650)
قال سَحْنُون في الْعُتْبِيَّة: قال بعض
العلماء: من حفر قبرًا في المقبرة لوليه، فجاء غيره فدفن فيه، فعلى فاعل
ذلك أن يحفر للأول قبرا مثله في المقبرة. قال أبو بكر: عليهم قيمة حفر
القبر.
ومن المجموعة ابن القاسم، عن مالك، في قوم كان لهم فناء، يرمون فيه عرضا
لهم، ثم غابوا فاتخذ مقبرة، ثم جاءوا فأرادوا تسويتها، وأن يرموا فيها
عرضهم، قال: أما ما قدم من ذلك، فذلك لهم، وأما الشيء الجديد، فلا أحب لهم
ذلك. قال أبو محمد: أراد لأنه من الأفنية، وليس من الأملاك المحوزة، ولو
كان من ذلك، لكان لهم الانتفاع بظاهرها. ورَوَى ذلك عن علي بن أبي طالب،
قال: واروني في بطنها، وانتفعوا بظهرها.
في إقبار الميت، والصلاة عليه ليلا
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال مُطَرِّف: ولا بأس بالصلاة على الجنازة ليلاً
(1/651)
وبالدفن ليلاً. وقاله ابن شهاب، وابن أبي
حازم. وقد دُفن الصديق ليلاً، وفاطمة، وعائشة، ليلاً. وماتت فاطمة لثلاث
خلون من رمضان؛ بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر. وماتت عائشة في
خلافة معاوية، ليلة الثلاثاء لسبع عشرة من رمضان سنة ثمان وخمسين، وأمرت أن
تدفن في ليلتها، وصَلَّى عليها أبو هريرة. ونزل في قبرها ابنا الزبير؛ عبد
الله، وعروة، ابنا أختها أسماء، والقاسم وعبد الله، ابنا أخيها محمد، وعبد
الملك ابن أخيها عبد الرحمن.
في البناء على القبور، وتجصيصها، والكتاب عليها، وبناء
الْمَسَاجِد عليها، والجلوس والمشي وزيارتها
من الْعُتْبِيَّة، من سماع ابن القاسم: وكره مالك أن يرصص على القبور
بالحجارة والطين، أو يبنى عليها بطوب أو حجارة. قال: وكره هذه الْمَسَاجِد
المتخذة على القبور. فأما مقبرة دائرة يبنى فيها مسجد يُصَلَّى فيه، لم أر
به بأسا.
وكره ابن القاسم: أن يجعل على القبر بلاطة، ويكتب فيها، ولم
(1/652)
ير بالحجر والعود، والخشبة بأسا، يعرف
الرجل به قبر وليه، ما لم يكتب فيه، ولا أرى قول عمر ولا تجعلوا على قبري
حجرا. إلاَّ أنه أراد من فوقه، على معنى البناء.
ومن (كتاب ابن حبيب): ونهى عن البناء عليها، والكتاب، والتجصيص، ورَوَى
جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن ترفع القبور، أو يبنى عليها، أو
يكتب فيها، أو تقصص – ورَوَى: تجصص – وأمر بهدمها وتسويتها بالأرض. وفعله
عمر. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: تقصص أو تجصص، يعني تبيض بالجير أو بالتراب
الأَبْيَض، والْقَصَّة: الجير وهو الجص. ويَنْبَغِي أن تسوى تسوية تسنيم.
ولا بأس أن يوضع في طرف القبر الحجر الواحد؛ لئلا يحفر موضعه إذا عفا أثره.
ولا بأس بالجلوس على القبور، وإِنَّمَا نهي عن الجلوس عليها للمذاهب للغائط
والبول.
(1/653)
وكذلك فسر مالك، وخارجة بن زيد. وقد رَوَى
ذلك مفسرًا للنبي صلى الله عليه وسلم. وكان علي بن أبي طالب يتوسدها، ويجلس
عليها.
ولا بأس بالمشي على القبر إذا عفا، فأما وهو منسم، والطريق دونه، فلا أحب
ذلك؛ لأن في ذلك كسر تسنيمه، وإباحته طريقا. وقد رَوَى للنبي صلى الله عليه
وسلم النهي عن ذلك.
ولا بأس بزيارة القبور، والجلوس إليها، والسَّلام عليها عند المرور بها،
وقد فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قدم ابن عمر من سفر، وقد مات
أخوه عاصم، فذهب إلى قبره ودعا له واستغفر. وفي غير (كتاب ابن حبيب)، ورثاه
فقال:
(1/654)
فإن تك أحزان وفائض دمعة ... جرين دَمًا من
داخل الجوف منقعا
تجرعتها في عاصم واحتسبتها ... فأعظم منها ما احتسبنا تجرعا
فليت المنايا كن خلفن عاصما ... فعشنا جَمِيعًا أو ذهبن بنا معا
دفعنا بك الأيام حَتَّى إذا دنت ... تريدك لم نستطع لها عنك مدفعا
وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وفعلته عائشة لما مات أخوها عبد الرحمن، وهي غائبة،
فلما قدمت أتت قبره، فدعت له واستغفرت. قال: وربما خرج النبي صلى الله عليه
وسلم إلى البقيع يستغفر لهم. وكان عليه الصلاة والسَّلام إذا سلم على أهل
القبور، يقول: «السَّلام عليكم يا أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، يرحم
الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا بكم إن شاء الله لاحقون، اللهم
ارزقنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم». والقول في ذلك واسع، بقدر ما يحضر منه.
ويَدُلُّ على التسليم على
(1/655)
أهل القبور، ما جاء من السنة، في السَّلام
على النبي عليه الصلاة والسَّلام، وأبي بكر، وعمر، مقبورين. وقد آتى النبي
صلى الله عليه وسلم قبور شهداء أحد، فسلم عليهم ودعا لهم. ومن المجموعة،
قال علي: سئل مالك عن زيارة القبور، فقال: قد كان نهى النبي صلى الله عليه
وسلم عن ذلك، ثم أذن فيه. فلو فعل ذلك إنسان ولم يقل إلاَّ خيرا، لم أر به
بأسا، وليس من عمل الناس. ورَوَى عنه أنه كان يضعف زيارتها.
قَالَ ابْنُ القرطي: وإِنَّمَا أذن في ذلك ليعتبر بها، إلاَّ للقادم من سفر
وقد مات وليه في غيبته، فيدعو له ويرحم عليه. وتؤتى قبور الشهداء بأحد،
ويسلم عليهم، ويؤتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ويسلم عليه، وعلى
ضجيعيه.
(1/656)
في بقاء الروح، وذكر النفس والروح،
وذكر فتنة القبر
قال أبو محمد: ومن قول أهل السنة، وأئمة الدين في الأرواح، أنها باقية،
فأرواح أهل السعادة منعمة إلى يوم الدين، وأرواح أهل الشقاء معذبة إلى يوم
يبعثون. قال الله تعالى في الشهداء: {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ
يُرْزَقُونَ} إلى قوله: {وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا
بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ} [آل عمران: 169، 170]
الآية. وهذا والذين من خلفهم بعد في الدنيا. وقال في آل فرعون: {النَّارُ
يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر: 46]
. وهذا قبل قيام الساعة: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ
فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46]
. وقال: {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ
الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الزمر: 42]
. ولم يقل: فيميت التي قضى عليها الموت. فوفاة النفوس والأرواح تُوَفِّي
قبض، لا تُوَفِّي بلا شيء. قال الله عَزَّ وَجَلَّ: {تَوَفَّتْهُ
رُسُلُنَا} [الأنعام: 61]
. وذلك زوال الروح عن الجسد. وقال في الكفار: {وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو
أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ} [الأنعام: 93]
. ولم يقل: إنهم يميتوا أنفسهم. وقال في قول من قال من الموتى: {رَبِّ
ارْجِعُونِ} [المؤمنون: 99]
، فهذا قول الروح، وإذا كان الشهداء قبل يوم القيامة أحياء
(1/657)
يرزقون، فكذلك لا يدفع أن يكون من سعد
بطاعته، أن تكون روحه حيا منعما، ويتفاضلون في الدرجات، وقد تظاهرت
الأحاديث بنعيم أرواح المؤمنين بعد الموت، قبل القيامة، وأنها تأوى إلى
قناديل معلقة تحت العرش، وأنها تعلق في شجر الجنة، يقول: تأكل كما قال في
الشهداء: {يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169]
. وهذا لا يدفعه إلاَّ زائغ أو ملحد. وأما حديث في حواصل طير، فليس بصحيح،
والصحيح ما ذكرنا، مما يؤيده القرآن؛ ولأن الروح لا يرجع إلاَّ إلى جسده
الذي كان فيه، وبذلك جاء الحديث في النفخ في الصور، ليخرج به الأرواح، كل
روح إلى جسده. واختلف في النفس والروح، فقيل: إنهما اسمان بمعنى واحد.
وإليه ذهب غير واحد مِنْ أَصْحَابِنَا، منهم سعيد بن محمد الحداد. وذكر
أصبغ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، في الْعُتْبِيَّة: أنه سمع عبد الرحيم بن
خالد يقول: بلغني أن الروح له جسد، ويدان، ورجلان، ورأس، وعينان، يسل من
الجسد سلا. وفي رِوَايَة ابن حبيب، عن
(1/658)
أصبغ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، عن عبد
الرحيم، أن النفس هي التي لها جسد مجسد قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وهي جسد مخلق
مركب عليه خلق، وخلق في جوفه خلق، يسل من الجسد عند الوفاة، بخلقها
وصورتها، ويبقى الجسد جثة. وذكر ابن الْقُرْطِيِّ في (كتابه)، نحو رِوَايَة
ابن حبيب. ذكرها عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وقال: والروح كالماء الجاري فيها.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: والروح هو النفس الجاري الداخل والخارج، فلا حياة
للنفس إلاَّ به، فالنفس هي التي تلذ وتفرح، وتألم وتغفل، وتسمع وتبصر،
وتتكلم الروح لا تلذ ولا تألم، ولا تعرف شَيْئًا. والنفس تقبض عند النوم،
كما قال الله تعالى، وتبقى الروح لا تعرف شَيْئًا. والنفس هي التي تَرَى في
منامها، وتألم وتحزن وتفرح، فمن انقضى أجله تبع روحه نفسه في المنام، فكان
ذلك توفيه، وهو من قول الله تعالى: {يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ
مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر: 42]
. فهي التي ترجع إلى جسدها ما بَقِيَ من تمام أجلها. ومنه قول النبي صلى
الله عليه وسلم، عند المضطجع: «اللهم إن أمسكت نفسي، فاغفر لها وارحمها،
وإن أرسلتها، فاحفظها بما تحفظ به الصالحين من عبادك». ومنه قول الله
تعالى: {ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ
(1/659)
فِيهِ} [الأنعام: 60]
. يقول من وفات نومكم، و {لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى} [الأنعام: 60]
، أجل الموت: {ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} [الأنعام: 60]
، يقول: بالموت. فليست تموت الأنفس والأرواح، وإِنَّمَا تموت الأجساد بخروج
النفس، ثم هي حية عند الله باقية. فهذا ما في (كتاب ابن حبيب)، ولم يقل
أصبغ في رِوَايَة العتبي: إن النفس غير الروح. ولا ذكر النفس، وإِنَّمَا
قال: الروح هو الذي له جسد مجسد، والله أعلم، والذي ذكر في الحديث؛ «أن
أرواح المؤمنين تأوي إلى قناديل». ولم يذكر النفس، والله أعلم. وكيف كان
ذلك، فلا شك أن الأرواح الخارجة من الأجساد باقية.
في التعزية بمصيبة الموت،
وهل يعزى الكافر؟
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وقد جاء في تعزية المصاب ثواب كثير، وجاء أن الله
يلبس الذي عزاه لباس التقوى. ورَوَى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا
عزى قال: «بارك الله لك في الباقي، وأجرك في الفاني». وعزى النبي صلى الله
عليه وسلم امرأة بابنها فقال: «إن لله ما أخذ، وله ما أبقى، ولكل أجل مسمى،
وكل إليه راجع، فاحتسبي واصبري، فإنما الصبر عند أَوَّل الصدمة». وكان
(1/660)
محمد بن سيرين إذا عزى قال: أعظم الله
أجرك، وأعقبك عقابًا، نافعًا لدنياك وأخراك. وكان مكحول يقول: أعظم الله
أجرك، وجبر مصيبتك، وأحسن عقباك، وغفر لمتوفاك. قال.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وكل واسع بقدر ما يحضر الرجل، ويقدر منطقه، وأنا
أقول: أعظم الله أجرك على مصيبتك، وأحسن عزاك عنها، وعقباك منها، وغفر
لميتك ورحمه، وجعل ما خرج إليه خيرا مما خرج منه. وقال غيره: وأحسن التعزية
ما جاء بها الحديث: «أجركم الله في مصيبتكم، وأعقبكم منها خيرا، إنا لله
وإنا إليه راجعون». وأصيب عمر بن عبد العزيز بامرأة من أهله، فلما دفنت
ورجع معه القوم، فأرادوا تعزيته عند منزله، فدخل وأغلق الباب وقال: إنا لا
نعزى في النساء. وفعله عبد الملك، فقال: لعنبسة بن سعيد: ما أتى بك؟ فقال
لأشاركك في مصيبتك، وأعزيك في ابنتك. فقال له: مهلا، فإنا لا نعزى في
النساء.
ولغير ابن حبيب، عن مالك، أنه قال: إن كان، فبالأم. قال غيره: وكل واسع.
وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «من مات له ثلاثة من
(1/661)
الولد». ولم يذكر ذكرًا أو أنثى. وقال الله
تعالى: {فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} [المائدة: 106]
. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليعزى المسلمون في مصائبهم بالمصيبة
بي». وجعل المصيبة بالزوجة الصالحة، والقرين الصالح، مصيبة. وقد أمر الله
بالاسترجاع للمصائب فقال: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ}
[البقرة: 156]
الآية. وهذا من الاستسلام لله تعالى والاحتساب، وإِنَّمَا المصيبة من حرم
الثواب. يريد فلم يبق له ما أسف عليه، ولا استفاد عوضا منه.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال النخعي: كانوا يكرهون التعزية عند القبور. قَالَ
ابْنُ حَبِيبٍ: وذلك واسع الدين، وأما في الأب، فأن يعزى الرجل في منزله.
ومن المجموعة، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك: ولا يعزى المسلم بأبيه
الكافر، يقول الله تعالى: {مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}
[الأنفال: 72]
.
(1/662)
وفي (كتاب ابن سَحْنُون): ويعزى الذمي في
وليه، إن كان له جوار يقول: أخلف الله لك المصيبة، وجزاه أفضل ما جزى به
أحدًا من أهل دينه.
قَالَ ابْنُ سَحْنُون: ولا تعزى الْمَرْأَة الشابة، وتعزى المتجالة، وتركه
أحسن. وكذلك السَّلام عليهن في الطريق، وأما إذا دخلت البيت فسلم.
في حضور المسلم جنازة الكافر،
أو حمله، أو الْقِيَام على قبره، وحضور
الكافر للمسلم
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لا يحمل المسلم نعش الكافر، ولا يمشي معه، ولا يقوم
على قبره، ولا يحمل الكافر نعش المسلم، ولا بأس أن يقوم على قبره، وأن
يحفره، ويطرح عليه التراب، ولو مات لمسلم كافر يلزمه أمره، مثل الأب والأم
والأخ وشبهه، فلا بأس أن يحضره، ويلي أمره وكفنه، حَتَّى يخرجه، ويبرأ به
إلى أهل دينه، فإن كفى دفنه، وأمن الضيعة عليه، فلا يتبعه، وإن خشي ذلك،
فليتقدمهم إلى قبره، وإن لم يخش ضيعته، وأحب أن يحضر دفنه، فليتقدم أمام
جنازته، معتزلا منه ومِمَّنْ يحمله، وقد رَوَى أن النبي صلى الله عليه وسلم
أذن في ذلك، أن يتقدم
(1/663)
أمام جنازته.
قال عطاء: ومن ماتت أمه النصرانية، فله أن يكفنها، ويقوم عليها، ويمشي معها
معتزلا منها. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: والركوب والمشي في ذلك سواء. قال مالك:
ولا بأس أن يقوم بأمرها كله، ثم يسلمها إلى أهل دينها، ولا يصحبها إلاَّ أن
يخشى عليها الضيعة، فيتقدمها إلى قبرها، ولا يدخلها فيه، إلاَّ أن لا يجد
من يكفيه ذلك. وقد تقدم في باب الصلاة على الصغير، وفي الكافر يموت بين
المسلمين، ما يشبه ما في هذا الباب.
ما جاء في موت الغريب
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ورَوَى عن أبي هريرة، أنه قال: ما من أحد خلق من تربة
إلاَّ أعيد فيها، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا غربة على المؤمن،
(1/664)
ما مات مؤمن بأرض عراء، غابت عنه فيها
بواكيه، إلاَّ بكت عليه السماء والأرض». وقال: «إذا مات في غير مولده، قيس
له في الجنة من مولده إلى منقطع أثره».
في ضرب الفسطاط على القبر
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ضرب الفسطاط على قبر الْمَرْأَة أجوز منه على قبر
الرجل، لما يستر منها عند إقبارها، وقد ضربه عمر على قبر زينب بنت جحش،
فأما على قبر الرجل فأجيز، وكره، ومن كرهه، فإنما كرهه من جهة النفخة
والسمعة، وكرهه أبو هريرة، وأبو سعيد الخدري، وابن المسيب، وقد ضربه محمد
بن الحنفية على قبر ابن عباس، أقام عليه ثلاثة أَيَّام. فأراه واسعًا، ولا
بأس أن يقر عليه ليومين والثلاثة، ويبات فيه إذا خيف من نبش، أو غيره. وإن
عائشة ضربته على قبر أخيها، فنزعه ابن عمر.
(1/665)
في مَنْ جمع له ثمن كفن، فكفن في غيره،
وفي مَنِ ابتاع كفنا لمنازع، على أنه إن لم يمت رده
من الْعُتْبِيَّة، قال أَصْبَغُ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، عن مالك، في مَنْ
جمع له ثمن كفن، ثم كفنه رجل من عنده، فأراد غرماؤه أو ورثته أخذ الدراهم
التي جمعت له وبقيت: فليس لهم ذلك ولترد إلى أهلها. قَالَ ابْنُ
الْقَاسِمِ: إلا أن يدعوها الورثة، وهو أَحَبُّ إِلَيَّ أن يفعلوا.
قال أَصْبَغُ: ومن ابتاع كفنا لمنازع، على أنه لم يمت رده، لم يجز البيع،
فإن فات، فالقيمة له، كانت أقل من الثمن أو أكثر، ولو كانت الثياب أخذت
لنصراني، ثم ردت، لم يكن على ربها غسلها. وهذا خفيف.
تم كتاب الجنائز بحمد الله وحسن عونه، وصَلَّى الله على محمد
نبيه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا
(1/666)
|