النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الصوم
والاعتكاف (1) في الصوم، والفطر لرؤية الهلال (2)، وذكر صوم يوم الشكِّ، ومَن رأى الهلال وحده
قال مالك وأصحابه: لا يُصام رمضان ولا يُفْطَرُ إلا لرؤية الهلال، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فإِنْ غُمًّ عَلَيْكم، فاقْدُرُوا له» (3). قال أشهب في غير كتاب: فإن غُمَّ أُكْمِل شعبان ثلاثين يومًا، فإن غُمَّ هلال شوال أُكْمِل رمضان ثلاثين يومًا (4).
قال مالك وأصحابه: ولا يُصام يوم الشكِّ؛ تحرِّيًا لسحاب أو غيرها؛ لأنه إنما يُتَحَرَّى عند ارتفاع الأدلَّة. والله تعالى قد جعل الأهلَّة مواقيت للناس، فإن غُمَّ شهر لم يُغَمُّ ما قبله ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصوم إلا
__________
(1) سقط من الأصل.
(2) في الأصل: (هلال شوال).
(3) أخرجه مسلم في باب وجود صوم رمضان لرؤية الهلا، من كتاب الصيام.
(4) نص الحديث «صوموا لؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين».

(2/5)


لرؤيته؛ ولأن الشهر يكون تسعًا وعشرين (1).
ومن المَجْمُوعَة قال ابن وهب، عن مالك: إنه سمع (2) أهل العلم ينهون عن صيام يوم الشكِّ، ولا يرون بصيامه تطوُّعًا بأسًا. وكذلك قال عبد الملك، وقاله مالك في المختصر وغيره. قال عنه ابن وهب: إنه سمع أهل العلم يقولون: ولا يُجْزئ من صامه تحريًا (3) وإن وافقه.
قال في الواضحة: وليفطر متى أفاق لذلك، ولو لم يَبْقَ من النهار إلا ما لا ذِكْرَ له.
وكذلك إن صام يوم أَحَدٍ وثلاثين، خَوْفًا أَنْ يكون أوَّل يوم من صيامه ولم يكن من /رمضان فليفطر، إذ لا يجوز له صوْم يوم الفطر.
ومن المَجْمُوعَة قال ابن القاسم عن مالك: ومَنْ رأى هلال رمضان أو شوال وَحْده فليُعْلِم الإمام. قال أشهب: فإن عَلِمَ من نفسه أنَّه غيرُ عَدْل، فإن كان مَسْتُورًا وقد يُقْبَلُ، فعليه أَنْ يشهدَ. وإن كان مَكْشوفًا فأحَبُّ إليَّ أَنْ يَشْهَد، وما هو بالواجب عليه.
قال ابن القاسم، وأشهب، وابن وهب عن مالك قال: ومَنْ رآهُ وَحْدَه فلْيَصُمْ هو، وإن كان هلال شوال فلا يُفْطِر. قال عبدُ الملك:
__________
(1) نص الحديث: «إنما الشهر تسع وعشرون، فلا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له».
(2) في الأصل: (يسمع).
(3) سقط من (ب).

(2/6)


للذريعة إلى الفساد. قال أشهب: وَلْيَنْوِ الفطر بقلبه، ويَكُفَّ عن الأكلِ والشُّرْب، وليس عليه فيما بينه وبين الله في الأكل شيء من قِبَلِ الصيام، ولكنْ عليه من باب التَّغْرير بنفسه في هَتْك عِرْضِه. قال أبو زيد في الْعُتْبِيَّة (1) عن ابن القاسم: إلا مُسافِرٌ وحْدَه في مَفَازٍ (2) فإنه يُفْطِرُ.
ومن المَجْمُوعَة قال أشهب: وإذا ظُهِرَ عليه –يريد في الحَضَر- فإن لم يكن ذَكَرَ ذلك قَبْلَ يؤخذ عُوقِبَ إنْ لم يكن مأمونًا، وإن كان ذَكَرَ ذلك قَبْلَ ذلك وأفشاه، إن (3) كان من أهل القناعة والرضا، فلا يُعاقَبُ، ثم يُتَقَدَّم إليه في الإمساك عن المُعاودة، فإن عادَ عُوقِبَ إلا أنْ يَكُونَ من أهل الدينِ والمروءة فلا يُعاقَب، وليُعَنَّفْ ويُغَلَّظْ في عِظَتِه.
قال (4) أشهب: وإذا رأى هلال رمضان وَحده، ثم أفطر فلْيُكَفِّرْ إلا أَنْ يُفطِر متَأَوِّلاً. قال ابن حبيب: إنْ أَفْطَرَه وهو يَعْلَمُ أنَّ عليه صومه فإنه يُكَفِّرُ.

ذكر ما يُصام به أو يُفْطَرُ
من الشهادة على الهلال، أو الاستفاضة فيه
قال مالك، في غير كتاب: لا يُصام أو يُفطرُ في رمضان إلا بشاهدين عدلين. وكذلك في إقامة الحج وغيره.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم، عن مالك: إنْ شَهِدَ شهود ليسوا بالرضا في العدالة، ولا يُعْرَفُونَ بسفه. قال: لا يُصام بهؤلاء ولا يفطر.
قال أشهب: وكذلك إن كانا شاهِدَيْن، أحدهما عدلٌ، ولا بشهادة صالحي
__________
(1) بيان 2/ 314.
(2) في الأصل: (همار).
(3) في (ز): (أو).
(4) بعده في الأصل: (و).

(2/7)


الأرقاء، ولا مَن فيه عَلَقَةُ رِقٍّ، ولا النسوان والصبيان.
قال محمد بن عبد الحكم، في "كتابه، في الأحكام": ولو شَهِدَ شاهدان في الهلال فاحتاج القاضي إلى (1) أَنْ يكشفَ عنهما، وذلك يتأخَّرُ، فليس على الناس (2) صيام ذلك اليوم، وإن زكُّوا بعد ذلك أمرَ الناس بالقضاء، وإنْ كان في الفطر فلا شيء عليهم فيما ضامُوا.
قال محمد بن عبد الحكم: ومَن رأى هلال رمضان وحده فصام لذلك ثلاثين يومًا، ثم لم يرَ الناس الهلال، والسماء صاحية. قال (3): هذا مُحَالٌ. ويدل ذلك (4) أنَّه غلط، أو شُبِّهَ عليه.
ومن "المَجْمُوعَة"، من (5) رواية ابن نافع، عن مالك، وهو في سماع أشهب؛ في شاهدين/ شهدا على هلال شعبان، فَيُعَدُّ لذلك ثلاثون يوماً، ثم لم يرَ الناس الهلال ليلة أحدَ وثلاثين يوماً، والسماء صاحيةٌ ولا يُرَى. قال: هذان شهيدا سَوْءٍ.
وأخبرنا (6) أبو بكر قال: رَوَى (7) ابن وَضَّاح، عن سحنون، في عدلين شَهِدَا (8) في الهلال، والسماء صاحية، ولا (يَشهدُ غيرهما) (9)، فقال: وأيُّ رِيبةٍ أكبر من هذا؟
__________
(1) سقط من (ب).
(2) في (ب): (القاضي).
(3) سقط من (ب).
(4) في (ب): (بذلك).
(5) في الأصل: (عن).
(6) في (ب): (أخبرت).
(7) في (ب): (أخبرنا).
(8) في الأصل: (شهيدا).
(9) في (ب): (شهد غيرهما).

(2/8)


أبو بكر: قال لنا يحيى بن عمر: ويجوز عندي شهادة رجلين (1)، في الصَّحْوِ، في الصوم والفطر. قال غيرُه من أصحابنا: ومعنى قول سحنون هذا، في المصر الكبير (2) العظيم. والصَّحْوُ: البَيِّنُ. أنَّه يَبْعُدُ أنْ (يتفرَّدَ هذان) (3) برؤيته، ويُقْدَحُ بذلك ريبة في شهادتهما. قال يحيى بن عمر: ولو شَهِدَ شاهد على هلال رمضان، وآخر على هلال شوال، لم يقطعوا (4) بشهادتهما. وقيل لسحنون: أرأيت إن أخبرك الرجل الفاضل (أنَّه رآه؟) (5) قال: ولو كان مثل عمر بن عبد العزيز ما (صُمتُ بشهادته) (6)، ولا أفطرت، ولا يجب ذلك إلا بشاهدين.
وذكر ابن حبيب، عن ابن الماجشون، وذكره ابن سحنون عنه، أنَّه إذا رأى هلال رمضان عامَّة بلد (7) (وغمَّهُم عليه) (8) بالرؤية، إلا (9) بالشهادة عند حاكم (10). فذلك يُجزئ مَن لم يَعلم به منهم، ويُجزئه الصومُ وإن لم يثبته. وكذلك الغافل، والمريض، والجاهل لا يَعلم، وكذلك مَن قَرُبَ من البلد على الليلة. (ونحو ما هو كحاضر بها) (11) / في ذلك.
قال سحنون: لا يُجزئ أحداً منهم إلاَّ مَن علم قبل الفجر، وبيَّتَ الصومَ
__________
(1) في (ب): (عدلين).
(2) سقط من الأصل، و (ز).
(3) في (ب): (ينفر هاذان).
(4) في (ب): (يفطر).
(5) في الأصل: (المرأة).
(6) في (ب): (صحت شهادته).
(7) في (ز): (بلده).
(8) في (ب): (عمهم علمه).
(9) في (ب): (أو).
(10) في الأصل، (ز): (حكم).
(11) في (ب): (ونحوها هم كحاضرتها).

(2/9)


قبلَ الفجر. قال محمد بن عبد الحكم: وقد يأتي مَن رؤيته ما يُشتهر، حتى لا يُحتاج فيه إلى الشهادة والتعديل، مثلَ أنْ تكون قرية كبيرة، فيراه فيها الرجال والنساء والعبيد، ممن لا يمكن فيهم التواطؤ على باطل، فيلزم الناس الصوم بذلك من باب استفاضة الأخبار، لا من باب الشهادات. قال ابن عبد الحكم: ورأيتُ أهل مكة يذهبون في هلال الموسم في الحج مذهبا، لا أدري من أين أخذوه؟ إنهم لا يقبلون في الشهادة في الهلال في الموسم إلا أربعين رجلا، وقيل عنهم خمسون. والقياسُ (1) أَنْ يجوز فيه شهيدا عدل، كما يجوز في الدماء والفروج، ولا أعلم شيئا فيه أكثر من شاهدين إلا الزنا.
(قال عبد الله) (2): وأخبرت عن أحمد بن ميسر الإسكندراني (3) أنَّه قال: إذا أخبرك عدل أن الهلال قد ثبت، عند الإمام، وأمر بالصيام (4)، أو نُقلَ ذلك إليك عن بلد آخر، لَزِمَكَ العمل على خبره، من باب قبول خبر الصادق لا (5) من باب الشهادة. قال أبو محمد: كما أن الرجل يَنقِل إلى أهله وابنته البكر مثل ذلك، فيلزمهم تبييت الصوم بقوله. وبعد هذا ذِكْرُ مَنْ يَثبُتُ عنده ذلك، ممن يُعنى بالهلال، من قاضٍ أو عالمٍ به.
__________
(1) بعده في (ز): (من).
(2) سقط من الأصل.
(3) هو أحمد بن خالد بن ميسر الإسكندراني، أبو بكر، انتهت إليه رياسة الفقه بمصر بعد ابن المواز، وهو راوي كتبه، وعليه تفقه، وألف كتابا في الإقرار والإنكار، توفي سنة تسع وثلاثمائة، ترتيب المدارك 5/ 52، 53.
(4) في الأصل: (بالصلاة).
(5) سقط من الأصل.

(2/10)


في الهلال يَثْبُتُ رؤيته / عند أهل بلد هل (1)
يَلْزَم غيرهم أَنْ يعملوا على ذلك؟ أو يَثبُتَ عند عالِمٍ بعَيانِه،
ويكون القاضي ممن لا يُعْبأُ به، هل يلزم مَن ببلده؟
من " المَجْمُوعَة" روى ابن القاسم، وابن وهب، عن مالك: أنَّه قال: وإذا صام أهل بلد ثم جاءهم أنَّ أهلَ بلدٍ غيرهم صاموا قبلهم، فإن استُوقِنَ ذلك فليقضُوا.
قال ابن القاسم: وإذا جاءهم أنَّ أهل بلد آخر رأَوْه، فإن كان الذين رأوْه عدولا، لَزِمَ هؤلاء القضاءُ، قال: وإذا جاءهم صحةُ الفطرِ بعد الزوال، فليَفْطُرُوا. قال عنه، في "العُتْبِيَّةِ" (2): ولا يُصَلُّوا العيد بعد الزوال.
قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: إذا رأى هلال رمضان عامَّة بلد وغَمَّهم عِلمه بالرؤية رؤية ظاهرةً من غيرِ طلبِ الشهادة، لزم غيهم من أهل البلدان قضاؤه ممن لم يعلم. وإن كان (3) إنَّما صاموه بطلب شهادة وتيقن وتعديل، لم يلزم غيهم من أهل البلدان بذلك قضاء إلا بما ثبت، عند مَن عليهم من الحكام، ولكن يلزم أهل البلد الذي ثبتَ ذلك عند قاضيهم بالشهادة، هم ومَن تقرَّبَ منهم من حاضرتهم، وليقضِ مَن أفطر منهم ولم يعلم، إلاَّ أنْ يكتبَ أمير المؤمنين إلى بلد بما عنده من شهادة أو رؤية إلى مَن لم يره، فيلزمهم قضاؤه، فالخليفة في المسلمين كأمير المصر في قراياها، والعمل على كتاب أهل مصر يلزم أعراضها. قال: وهذا قول مالك
__________
(1) سقط من الأصل.
(2) البيان والتحصيل 2/ 318.
(3) في (ز): (كانوا).

(2/11)


وأصحابه (1). وقال عبد الملك: وإذا كان موضع ليس فيه غمامٌ، يَنْعَقِدُ أمرهم في الصوم والهلال، أو كان مع مَن يَصْنَعُ ذلك، فينبغي أَنْ يَرْعَوا ذلك ويَتَفَقَّدُوه، فمَن ثبت ذلك برؤية نفسه، أو برؤية مَن يَثِقُ به صام عليه وأفطر، وحُمِلَ عليه مَن اقْتَدَى به.

في رؤية الهلال قبل الزوال أو بعده
من "المَجْمُوعَة"، قال أشهب، وابن وهب: عن مالك: ومَن رأى هلال شوال نهارا، فلا يفطر وهو للليلة التي تأتي. قال أشهب: فإنْ أفطر فليقضِ، ولا يُكَفِّرْ؛ لأنَّه مُتأوِّلٌ. ورَوَى أشهبُ، عن مالك: أنَّه لا يفترق عندي (2) أُرِيَ قبل الزوال أو بعده، فهو لليلة التي تأتي.
قال في " المختصر" فلا يُفطِرُ في هلال شوال، وإن كان في هلال رمضان، لم يَكُفَّ عن الأكل، قال ابن مَزينٍ، وابن وهب: يُفَرَّقُ بين رؤيته قبل الزوال وبعده، فيُرى، إن أُرِيَ (3) قبل الزوال، فهو لليلة الماضية، فإن أُرِيَ بعد الزوال، فهو لليلة التي تأتي. وكذلك قال ابن حبيب. وذكر هو وابنُ حبيبٍ. أنَّ ذلك مفسَّرٌ فيما رُوي عن عمر (4).
قال ابن الجهم: وهذا لا يصح وإنما رواه شباك (5)، وهو مجهول.
قال غيره: وأما في رواية مالك، عن عمرَ فليس فيها / للزوال ذِكْرٌ، ولا
__________
(1) في (ز): (أصحابنا).
(2) في الأصل، (ز): (عنده).
(3) في (ز): (رأى).
(4) نصه: عن إبراهيم النخعي، قال: كتب عمر إلى عتبة بن فرقد: إذا رأيتم الهلال نهارًا قبل أن تزول الشمس تمام ثالثين فأفطروا، وإذا رأيتموه بعد أن تزول الشمس فلا تفطروا حتى تمسوا. أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 4/ 163، ومن طريقه في السنن الكبرى 4/ 213.
(5) في (ب)، (ز): (سماك)، وهو شباك الضبي الكوفي، كان ثقة ولكنه يدلس، تهذيب التهذيب 4/ 302، 303.

(2/12)


فرْقَ بين ذلك. وهو قول ابن عباسٍ، وابنِ عمر.

في التَّبْييت في الصيام
قال مالكٌ، وأصحابه: لا صيامَ إلاَّ لمَنْ بيَّتَهُ؛ لأنَّ الله سبحانه يقولُ: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (1). فأمر بصوم جميع النهار، ولا وصولَ إلى ذلك إلا بتقدمة التبييت قبل أول شيء منه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ قبلَ الفجرِ، فلا صِيَامَ لَه». وهو حديث معروف، (أورده ابن وهب وغيره) (2).
ومن "كتاب" ابن حبيب، ذكر هذا الحديث أيضاً. وقال: ومَن باتَ لا يريدُ الصومَ، ثم نوى الصومَ قبل الفجرِ فذلك يُجْزِئُهُ.
ومن " المَجْمُوعَة "، قال أشهب: ولا يُجْزِئُهُ أَنْ ينويَ الصومَ بعدَ الفجرِ، ولو جاز هذا لأجزأ الحائضَ بطُهرٍ بعد الفجرِ أنْ تصوم، ولا يُجزئُ إلا ما قال الله سبحانه: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} إلى قوله: {اللَّيْلِ} (3). فأوجب صوم جميع النهار لا بعضه.
قال: وليس عليه التبييت في صوم التتابع، في فرض أو (4) نذر، إلا
__________
(1) سورة البقرة 187.
(2) سقط من الأصل، (ب)، والحديث أخرجه أبو داود في: باب النية في الصيام من كتاب الصيام، سنن أبي داود 1/ 571.
(3) سورة البقرة: 187.
(4) في (ز): (ولا).

(2/13)


في أول يوم منه. ولو نسيَ صيامه بعد ذلك، فبيَّت إلى (1) أَنْ يُصْبِحَ (2) فيه مُفطراً، فلا يُجْزِئُهُ حتى يعودَ (3) فيه بنيةِ التبييت. وعليه، إذا أصبحَ ولم يُبيِّتْه قضاؤُه، ويَصِلُه ولا يُفطرُ ذلك اليوم.
قال مالك، في "المختصر"، و"كتاب" ابن حبيب: وليس على الناس التبييت في كل ليلة من رمضان، (ولو كانت) (4) / (من شأنه سَرْدُ الصيام) (5)، ولا على من شانه صومُ يومٍ بعينه.
وقال أبو بكر الأبهريُّ: يُشبه أنْ يكون قول مالكٍ في ترك التبييت لمَنْ عَوَّدَ نفسه صوم يوم بعينه، أو سرد الصيام استحساناً. والقياس أنَّ عليه التبييت كل ليلة؛ لجواز فِطْره.
ومن "العُتبية" (6) قال موسى، عن ابن القاسم: قال مالك: وأمَّا المسافرُ فلا يُجْزِئُهُ إلا التبييت في كل ليلة من رمضان. قال غيره: لأنَّه كان له الفِطرُ في كل يوم أو أَنْ يصومَ، وجبَ عليه (7) التبييت في كلِّ ليلةٍ.
قال محمد بن الجهم: والذي يقضي رمضانَ، عليه التبييتُ (8) في كلِّ ليلةٍ تفترقه. قال أبو محمد: وتبيَّنَ لي أن مَن سافرَ في رمضان فأفطرَ ثم قَدِمَن أنَّ عليه أَنْ يأتَنِفَ التبييت، كذلك المرأة تحيض ثم تطهر، والرجل يمرض ثم يَفيق، وقد جرت مسألة لمالك في الاعتكاف تدل على ذلك.
__________
(1) في الأصل: (يصح).
(2) في (ز): (يجدد).
(3) سقط من الأصل.
(4) سقط من (ز).
(5) البيان والتحصيل 2/ 338.
(6) في (ز): (أن يفطر).
(7) سقط من (ز).
(8) سقط من الأصل.

(2/14)


قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: ومَن أصبح في رمضان بعد أوله (1) ينوي الفطر ناسياً، فلا شيء عليه. قال ابن حبيب: بخلاف أول يوم منه.
قال ابن عبدوس: قال ابن القاسم، وابن وهب، عن مالك: ولو أصبح أول يوم منه صائماً مُتطوعاً، ولم يعلم فلا يُجْزِئُهُ وليَقْضهِ.
قال ابن حبيب: مَن بيَّتَ الفطرَ في رمضانَ حتَّى أصبحَ جره فليَقضِ ويُكفِّرْ.
(ومن "المَجْمُوعَة") (2)؛ قال أشهب: ومَن شأنه صوم يوم الخميس فمرَّ به، ولم يعلم حتى أصبح فيه أجزأه، إن كان شأنه ألا يفطره، وإنْ كان ربما أفطره، لم يجزه حتى يبيته إلا أَنْ يقول: أصوم كل خميسٍ، إلا ما بين إفطاره وذكره غيره، عن مالك.
قال ابن نافع، عن مالك في ناذر صوم (3) الخميس يصوم يوم الأربعاء يظنه الخميس: فأَحَبُّ إِليَّ أَنْ يُتمَّه، ويصومَ الخميس، وإن أفطر الأربعاء، فهو في سَعَةٍ، وإن أصبح يوم الخميس يظنه الأربعاء، فليمضِ على صيامه، ولا شيء عليه. ويكفيه من تبييته ما مضى من إيجابه. واختُلِفَ عن ابنِ القاسم، في إيجاب القضاء عليه.
ومن "كتاب" ابن حبيب: ومَنْ نَوَى صيام يوم بعينه، فأصبح فجره، ولم يعلم أجزأه. ولو أكل فيه ولم يعلم، يَكُفُّ ولا يقضيه، ولو كان واجباً
__________
(1) في (ز): (أول يوم منه).
(2) سقط من (ز).
(3) سقط من الأصل.

(2/15)


قضاه. وإذا نذر صيام يوم الخميس، فأصبح فيه ينوي الفطر، ولا يعلم أنَّه الخميس، فإنه يُجْزِئُهُ، إلا أَنْ يأكل فيه قبل علمه، فليَقضه، ولو كان تطوعاً لم يقضه.
ومن "الْعُتْبِيَّة" (1)، روى ابن القاسم، عن مالك، في ناذر صيام يوم الخميس يمر به ولا يَعلم. ويصوم يوم الجمعة يظنه هو، انَّه يُجْزِئُهُ قضاؤه.
قال: وكره مالكٌ أنْ يجعلَ على نفسه صياماً يرتبه، وليضم إنْ شاء من غيرِ نذرٍ.
قال عيسى، عن ابن القاسم: ولو قُدِّمَ الطعامُ فيه، ولم يعلم، ثم (2) عَلِمَ أنَّه يوم نذره، فكَفَّ، فإنَّه يُجْزِئُهُ. قال مالك: وإيجابه الأول يكفيه.
ابن القاسم: ولو أصبح في الأربعاء صائماً يظنه الخميس الذي نذر، فعليه تمام الأربعاء، وصيام الخميس.
ابن القاسم: ولو أصبح في الخميس فافطر يظنه الأربعاء، فليكفَّ عن الكلِ، ويقضه.
ومن "المختصر"، و"الواضحة" قال مالك: ومَنْ قال: إنْ تسحَّرت صمتُ وإلا فلا.
ومن "المختصر"، قال مالكٌ: والتبييت أَنْ يطلع الفجر وهو عازم على الصيام، وله قبل الفجر أني ترك، أو (3) يَعزمَ. فإذا طلع الفجر، فهو (4) على آخر ما عزم عليه من فِطرٍ، أو صيامٍ. قال في موضع آخرَ: إذا بيَّتَ
__________
(1) البيان والتحصيل 2/ 304.
(2) في الأصل: (به).
(3) في (ز): (و).
(4) في الأصل: (وهو).

(2/16)


أول الليل الصوم، فليس عليه أَنْ يكون ذاكراً لذلك على الفجر.
قال ابن حبيب: ومَن نوى أَنْ يصبح صائماً فهو بالخيار، إن شاءَ تمادَى، وإن شاء ترك، ما لم يطلع الفجر.

في تعجيل الفطر، وتأخير السحور،
وفي من شكَّ في الفجر، أو في الغروب، وكيف عن أكل بعد شكه، وهل يُصدِّقُ المؤذِّنَ
من "المَجْمُوعَة"، قال أشهبُ: يُستحبُّ تأخير السحور، ما لم يدخل إلى الشكِّ في الفجر، ومن عجَّله فواسع، يُرجى له من الأجر ما يُرجى لمن أخَّره إلى آخر أوقاته.
قال ابن نافع، عن مالكٍ: وإذا غَشِيَتْهُمُ (1) الظُّلْمَةُ فلا يُفطروا حتى يُوقنوا بالغروب. (قال أشهب) (2): وواسعٌ تعجيل الفطر بالغروب، وتأخيره للحاجة ينوب، ويُكره أنْ يُؤخروه (3) تنطُّعاً، يتقي إلا يُجْزِئُهُ. وهو معنى الحديث في أن لا يُؤَخَّرَ (4).
قال ابن حبيب: ولا ينبغي تأخير الفطر حتى يرى النجوم، وما جاء أنَّه فِعل أهل المشرق – يُريدُ النصارى منهم – ويفعله اليهود. وَلا بَأْسَ لمَنْ رأى سَواد الليل أنْ يُفطِرَ قبل أنْ يُصَلَّى. ويُؤذَّنَ – (وقد فعله أبو بكر، وعمرُ – وهو) (5) من موضع يطلع منه الفجر، تنبعث منه الظلمة. وإنما
__________
(1) في الأصل: (غشيهم).
(2) سقط من الأصل، (ز).
(4) في (ز): (يؤخره). والحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند 2/ 45. وابن أبي شيبة في المصنف 3/ 12، والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 237.
(5) في (ز): (وذلك إذا رأى سواد الليل أن يفطر قبل يصلي ويؤذن، وذلك إذا رأى سواد الليل قد طلع). وانظر: مصنف ابن أبي شيبة 3/ 11 - 13.

(2/17)


يُكْرَهُ تأخير الفِطر استناناً، وتدَيُّناً. فأمَّا لغير ذلك فلا. كذلك قاله لي أصحاب مالك. (وذكر ابن حبيب حديث "الموطأ"، فقال فيه: إن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان كانا يفطران في رمضان حين ينظران على الليل الأسود. والذي في "الموطأ" (1): أنَّ عمرَ بن الخطاب، وعثمان بن عفان كانا يصليان المغرب حين ينظران إلى الليل الأسود قبل أَنْ يُفطرا، ويُفطران بعد الصَّلاَة، وذلك في رمضان. ولم يأتِ ابن حبيب بحديث "الموطأ" على وجهه) (2).
قال ابن حبيب ورُوِيَ عن ابن عباس، في مَن شكَّ في الفجر، أنْ يأكل حتى يوقنَ به (3). وهو القياس؛ لقول الله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ}.
قال ابن الماجشون: فهو العلم به، وليس الشك علماً به، ولكن الاحتياط أحبُّ إلينا أنْ لا يأكل في الشك. قاله مالكٌ: فإنْ أكلَ بعد شكِّهِ، فعليه القضاءُ، ولا يُكفِّرُ.
قال ابن حبيب: والقضاء استحبابٌ، إلا أنْ يعلمَ أنَّه أكل بعد الفجر، فيصير واجبا، كمَن أفطر وظنَّ انَّه قد أمسى، ثم ظهرت الشمس.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن وهب، عن مالكٍ: ومَن قال له رجل: إنَّك تسحرت في الفجر، وقال آخر: قبل الفجر، فأرَى أَنْ يقضيَ. قال أشهب: ومَن أكل وهو شاك في الفجر فإنما عليه القضاء، وكذلك لو جامع، وكذلك لو فعل ذلك وهو لا يشط في الفجر - يريد أنَّه لم يطلع ثم شك – أنَّه يقضي في كل صيام واجب، ولا قضاء عليه في التطوع،
__________
(1) سقط من الأصل.
(2) في: باب ما جاء في تعجيل الفطر من كتاب الصيام، الموطأ 1/ 289.
(3) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 3/ 25، 26.

(2/18)


إلا أَنْ يُعَاوِدَ الفطر.
قال ابن حبيب: ويجوز له تصديق المؤذن العارف العدل، فإن سَمِعَ الأذان، وهو يأكل ولا علم له، (بالفجر فليَكُفَّ ويسأل المؤذن عن ذلك الوقت فيعمل على قوله) (1) فإن لم يكن عنده عدلاً، ولا عارفًا فليقضِ. وإن كان في قضاء رمضان فليقض. ومُباحٌ له فطر ذلك اليوم، أو التمادي.
وإن كان في تطوع أتمَّه، ولا قضاء عليه، قال: ومَن طلع عليه الفجر وهو يأكل أو يطأ، فليُلْقِ ما في فيه، ويَنزل عن امرأته، ويُجزئه إلا أَنْ يُخَضْخِضَ (2) الواطئُ بعد ذلك. قال ابن القاسم، وقال ابن الماجشون: أما في الواطئ فليقضِ؛ لأن إزالته لفرجه جماع بعد الفجر، ولكن لم يبتدئه، ولا تعمَّدَه، ولا شيء عليه في الطعام؛ لأنَّ طرحه ليس بأكل.

في الصوم في السفر في رمضان، وغيره
ومن قول مالك في "الموطأ" (3) أن الصوم في السفر في رمضان أحبُّ إليه (4). وقال في "المختصر": ذلك له واسع؛ صام أو أفطر.
ومن "المَجْمُوعَة" قال أشهب: الصوم له أحبُّ إليَّ، إذ هو في حرمة الشهر، والمفطر فيه يُكفِّرُ، ولا يُكفِّرُ في قضائه، فحرمة قضائه دون حرمته، فكذلك أجرُه فيه يُرجى أَنْ يكون أكثرَ من قضائه، كما الخطبة فيه أعظمُ.
وقاله مالك، وقال: وكلٌّ واسعٌ. وقال ابن حبيبٍ: الصوم له أفضلُ
__________
(1) سقط من الأصل.
(2) في الأصل: (يحصحص). والخضخضة: أن يُوشي الرَّجُل ذكره حتى يمذي. لسان العرب (خ ض ض).
(3) لا يوجد هذا القول في الموطأ، وانظره 1/ 294، 295.
(4) في (ز): (إليَّ لمن قوي عليه).

(2/19)


للتَّقَوِّي (1). كما جاء أنَّ فِطرَ يوم عرفة للحاجِّ أفضلُ (2).
وقد استحبَّ كثير من السلف الفطر في السفر، وهو أشبه بتيسير الدِّين، قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} (3). كان ابن عمر يُفطِرُ في السفر (4)، على تشدده. والفطر في السفر آخر فعل النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفتح (5). وكان ابن الماجشون، وأبوه عبد العزيز يَستحبَّانِ الفطر فيه (6).
ومن "المختصر"، وإنما الفطر (7) في سفر الإقصار. قال في "المَجْمُوعَة" أشهب، عن مالك: وإذا أفطر في سفر أقلَّ من ثمانية وأربعين مِيلاً، فذلك واسعٌ فيما قاربها. قال عنه ابن نافعٍ: وإذا قدم المسافر بلداً يُقيم فيه اليوم واليومين، فله الفطر حتى ينويَ إقامة أربعة أيامٍ. وكذلك في "المختصر".
__________
(3) سورة البقرة 185.
(6) بعده في (ز): (قال مالك).
(7) في (ز): (يفطر).

(2/20)


ومن "الْعُتْبِيَّة" (1) ابن القاسم، عن مالك: ومَن سافر يوماً واحداً فله أنْ يُفطِرَ؛ يريد إذا برز قبل الفجر.
قال: وللمسافر في البحر أنْ يُفطر. قال عنه ابنُ وهب، في "المَجْمُوعَة": وإذا أفطر المسافر أياماً لمرض أصابه (2)، فله قضاؤها في سفره وإن شاء أخَّرها، والتعجيل أحبُّ إليَّ. وإذا أفطر في السفرِ فلا بأسَ أنْ يطأَ أهله.
قال مالكٌ، في "الموطأ" (3): ومَن لَزِمَهُ صومُ شهرين متتابعين في كتاب الله سبحانه، فليس له أَنْ يفطر في ذلك، إلا من مرض، أو امرأة تَحيضُ. وليس لهان يسافر فيُفطِرَ.
وقال في "المختصر"، (و "كتاب: ابن حبيب) (4): ومن تطوع بالصوم في السفرِ، ثم تعمَّدَ الفطرَ فليس القضاء عليه بالواجب، كما هو الحضر. وقال محمد بن عبد الحكم: يجب قضاؤهُ (5).
ومن "المَجْمُوعَة" قال ابن القاسم، عن مالك: وَلا بَأْسَ بالتنفل بالصوم في السفر. قال عنه ابن وهب، في مَن صوم الاثنين والخميس فسافرَ: فإن لم تكن له نيةٌ فليَصُمْهما في السفر، فإن شقَّ عليه فليُفطِرْ ويقضِ.
قال في "المختصر": ومَن سافر في شهري ظهاره فأفطرَ، فليبتدئْ،
__________
(1) البيان والتحصيل 2/ 314.
(2) بعده في (ز): (فيه).
(3) في باب صيام الذي يقتل خطأ أو يتظاهر، من كتاب الصيام الموطأ 1/ 301.
(4) سقط من (ز).
(5) في (ز): (القضاء).

(2/21)


بخلاف المرض.

في المسافر يفطر بعد التبييت،
أو قبل أَنْ يخرج، أو بعد أَنْ يقدم، وكيف إن قدم مُفطراً (1)،
أو يفطر بعد أن كسر، وما تعذَّرَ له من التأويل في ذلك
من "المَجْمُوعَة"، قال ابن الماجشون: ومَن يريد السفر في صباح يومه فواجب عليه أَنْ يبيت الصومَ. والمسافرُ إذا علم انَّه يدخل بيتَهُ آخر النهار فله أنْ يُبيِّتَ الفطر، وإن علمَ أنَّه يدخل أوَّلَه، أحببتُ له تبييت الصوم.
وقال ابن وهب، وأشهب، وابن نافع وكذلك في "المختصر"، عن مالكٍ، من أول هذا الفصل، وقال: ومَن قدم مُفطراً فليس عليه أَنْ يكفَّ عن (أكل ولا وطءِ) (2) من ألقى من نسائه، وقد طَهُرَتْ.
ومن: كتاب: آخرَ قال بعضُ أصحابنا: فإنْ كانت نصرانيَّةً وهي طاهرٌ في يومها فليس له وطؤها؛ لأنَّها (3) متعديةٌ فيما تركت من الإسلام والصوم.
قال ابن حبيب: وكذلك مَن أفاق من إغماءٍ (4) نهاراً، أو (5) امرأةٌ طَهُرَتْ من حيضٍ فيه أو حاضت فلا تُؤمرُ بالكفِّ عن الأكل.
ومن "المختصر"، مَن بيَّتَ الصومَ في السفر في رمضان، ثم أفطر متعمداً فعليه القضاءُ – واختلف قوله في الكفارة – وإن كفَّرَ فهو أحبُّ إلينا من غير إيجابٍ.
__________
(1) في الأصل: (مقصرًا).
(2) في (ز): (الأكل ولا عن وطء).
(3) بعده في (ز): (هي).
(4) في (ز): (إغمائه).
(5) في الأصل: (و).

(2/22)


ومن "الْعُتْبِيَّة" (1) روى موسى، عن ابن القاسم، أنَّ مالكاً، والليثَ (2) قالا، في مَن بيَّتَ الصوم في السفرِ، ثم أفطر مُتأولاً بأكلٍ، أو جِماعٍ فإنَّ عليه الكفارة.
قال في "المختصر": ومَن أصبح في الحضر صائماً، ثم عزم على السفر فأفطر قبل يخرج، فعليه الكفارة مع القضاء.
ورَوَى عيسى، في "الْعُتْبِيَّة" (3)، عن ابن القاسم، في مَن أصبحَ في الحضرِ (4) يريد السفرَ من يومه، فأكل قبل يخرج، ثم خرج لسفره، فلا كفارة عليه؛ لأنَّه متأوِّلٌ.
ومن "المَجْمُوعَة"، و"كتاب" ابن سحنون، وقال عبد الملك ابن الماجشون مثله، وقال: وقد فعله أنس بن مالكٍ. قال ابن الماجشون: إلا أَنْ يكسر (5) عن السفر في يومه، فلابدَّ من الكفارة.
وقال أشهب: لا يُكَفِّرُ، خرج أو لم يخرج؛ لأنَّه غيرُ منتهك. وإلى هذا (6) رجع سحنون، بعد أن قال: إنَّه لا يُعذر، (وعليه الكفارة، خرج أم لا) (7)، ولم يره كالقائلة: اليوم أحيضُ. فأفطرتْ، ثم حاضتْ؛ لأنَّ المسافر يُحدث السفر، والحائض لا تُحدثُ الحيض.
وقال ابن حبيب: إذا حدث له سفرٌ فأكل في المصر، فإنْ كان قبلَ
__________
(1) البيان والتحصيل 2/ 345.
(2) الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي، المصري، أبو الحارث، إمام ثقة ثبت فقيه مشهور. توفي سنة خمس وسبعين ومائة، تهذيب التهذيب 8/ 459 - 465.
(3) البيان والتحصيل 2/ 335.
(4) في (ز): (المصر).
(5) أي فتر عن أمر السفر.
(6) في (ز): (قول عبد الملك).
(7) سقط من الأصل.

(2/23)


أنْ يأخذ في أُهْبَةِ (1) السفر، فليكفِّر تمادَى أو كسر؛ لأنَّه تأويل بعيدٌ، وإن كان بعد أن أخذ في أُهْبَةِ السفرِ أكلَ، فإنْ خرجَ من فوره لم يكفرْ.
قاله ابن الماجشون، وابن القاسم. قال (2): وقد أساء، وأجمع العلماء انَّه إنْ لم يأكل حتى فصل أنَّه لا يُكفِّرُ، وأنَّ له أنْ يُفطِرَ، إلا أنَّ مالكاً استحبَّ له التمادِيَ في يومه إّذا سافر نهاراً. والذي ذكر ابن حبيبٍ أنَّه إجماعٌ قد اختُلِفَ فيه.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم، في مَن أراد سفراً مطرٌ، فأفطر. فليُكَفِّرْ مع القضاء. وهذا تأويل لا يُعذر به.
قال أشهب: ومَن خرج صائماً على سفر، ثم أفطر لم يُكفِّرْ، للتأويل، لقول الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} (3). فكما لو عرض ليَ المرضُ نهاراً أفْطَرْتُ، فكذلك السفر. وقال المغيرة، وابن كنانةَ: عليه أنْ يُكَفِّرَ.
وإن أصبح في السفر صائماً، ثم افطر، فقال مالك، في رواية ابن القاسم: يُكفِّرُ، وقال عنه ابن نافع (وأشهب: إنْ أفطر) (4) من جهد لَحِقه وشدَّة فلا يكفر، وإن تلذذ بإصابة أهله، فأخاف عليه. وقال عبد الملك: إنِ ابتدأ بإصابة أهله، كفَّر، وإنِ ابْتدأ بأكلٍ (5)، أو شربٍ، لم يُكفِّرْ.
زاد عنه ابن حبيب: وإن وَطِئَ بعد ذلك. قال: وقال مُطرِّفٌ: سواءٌ أفطر بمصابٍ أو غيره لا يُكفِّرُ، وهو مخيَّرٌ في الإفطار، بيَّت الصيام أو لم يُبيِّتْه.
__________
(1) في الأصل: (هيئة).
(2) سقط من الأصل.
(3) سورة البقرة 185.
(4) سقط من الأصل.
(5) في الأصل: (فأكل).

(2/24)


قال عبد الملك: وقد أفطر النبي صلى الله عليه وسلم بالكديد للتَّقَوِّي (1)، وليس الوطءُ ممَّا يُقوِّي. وقال المغيرة: هو كَمَنْ أفطر في قضاء رمضان. وقال ابن كنانة نحوه. وقال أشهبُ: إنْ أفطر تأويلاً لم يُكفِّرْ، وإنْ أفطر خُلُوعاً (2) وفِسْقاً كَفَّرَ.
قال: وإنْ أصبح في السفر في رمضان صائماً، فأصابه ما لا يخاف فيه على نفسه، من شدةِ عطشٍ، وشهوته في الماء، فلا يُفْطِرْ لذلك، فإنْ فعل فلا يُكَفِّرْ، إذ ليس بمُستَخِفٍّ. ومَن دخل من سفر نهاراً ثم أفطر فليُكفِّرْ، ولا يُعذر بهذا التأويل.
ورَوَى ابن أشرسَ (3)، عن مالك، في مسافرٍ أصبح صائماً فجهده الصوم فمدَّ يده على الطعام ليأكل، ثم ذكر أنه لا ماء معه، فتركَ، قال: أحَبُّ إليَّ أنْ يَقْضِيَ (4) احْتياطاً. قال أبو محمد: وأعرف رواية أخرى أنَّه لا شيء عليه، وهو جُلُّ قوله/ إنَّ النيَّةَ لا تُوجب شيئاً حتى يفارقها عملٌ. وكذلك في غير الصوم حتى يدخل بنيته في عمل أو قول.

في صيام الجُنُبِ، والحائضِ
وفي المُغمَى عليه يُفِيقُ، وما يحدثُ من ذلك في الصوم، أو ينكشفُ فيه قبل الفجر، أو بعده
من "المَجْمُوعَة" قال أشهب: لم يختلف العلماء أنَّه لا بأس أَنْ يصبح
__________
(1) حديث إفطاره صَلَّى الله عليه وسلم بالكديد تقدم تخريجه في صفحة 18.
(2) في (ز): (قلوعًا).
(3) في الأصل: (أسوس). وهو عبد الرحيم أو العباس بن أشرس الأنصاري التونسي، أبو مسعود، سمع من مالك وابن القاسم، وكان أحفظ للرواية شديد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. رياض النفوس 1/ 252، 253.
(4) في الأصل: (أقضى).

(2/25)


الصائم جنباً. قال أشهب: وهو كمَن صام على غير (1) وضوء، ولو أقام جُنُباً بقية نهاره لم يفسد صومه. قال ابن نافع: قال مالك، في الجُنُبِ في السفرِ يتيمَّمُ. قال: يصم كذلك، وما للصيام والجنابة.
وإذا رأتِ الحائضُ الطهرَ قبل الفجرِ فتوانت في الطهر حتى الفجر، فصومها مُجزئٌ. قاله ابن القاسم، وأشهب، وعبد الملك. ورواه أشهب عن مالك في "الْعُتْبِيَّة".
قال عبد الملك: وإن أخذت في الطهر حين رأته بغير تَوانٍ، فلم يَتِمَّ إلا بعد الفجر، فهي فيه كالحائض.
وقال ابن القاسم، وابن وهب، عن مالك: وإذا رأتْ في رمضان الصُّفْرَةَ أو الكدرةَ، فلتُفطِرْ. وإذا رأت دَفعةً من دمٍ في يوم، ودَفعةً دونه (2) في غدٍ، ثم انقطع، فلتُفطر في اليومين، وتغتسل إذا انقطع. قال عنه ابنُ القاسم: وإذا رأتِ الطُّهرَ في (3) أوَّل النهار فلا تدع الفِطرَ بقيَّة يومها، وأنكر ما قيل عن الأوزاعي: إنْ لم تكن أكلتْ فلتُتمَّ صيام ذلك اليوم.
قال: ولقد احتمل عظيماً مَنْ أفتى بهذا، وإنْ كان لرجلا صالحاً، ولكنكم كلَّفْتُمُوه فتكلف.
قال: وإن شكت أطهرت قبل الفجر، أو بعده، فلتتم صيام ذلك اليوم، وتَقضه. قال ابن حبيب: وإذا رأتْ في ثوبها دم حَيْضَةٍ في رمضان، لا تدري متى أصابها، وصَلَّتْ أياماً (4)، فتُفطر وتقضِ يوماً واحدا من
__________
(1) سقط من الأصل.
(2) في (ز): (دونها).
(3) سقط من (ز).
(4) بعده في الأصل: (كذلك).

(2/26)


الصوم، وتُعد الصَّلاَة من أحدث لُبْسة لَبِسَته. هذا إن كانت تنزعه (1)، وإن كانت لا تنزعه (2) فتعيد الصَّلاَة من أول ما لبسته. وهذه المسألة (3) مذكورة في كتاب الطهارة مع ما يشبهها (4).
قال مالك، في "المختصر": وإذا رأتِ الحامل الدم فلتُفطر ما لم يَطُلْ، ولا تفطر إذا رأت الماء الأبيض.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم: وإذا أغمي على الصائم بعد الفجر أكثر نهاره لم يُجزه، وليقضِ. قال أشهب: إنما يقضي استحباباً ولو أخبر (5) أنَّه ما عرف، ولا يفطر بقية نهاره.
ولو أغمي عليه آخر النهار فأقام أياما، فيوم إغمائه فقط يُجْزِئُهُ. قال ابن نافع، عن مالك: إذا أغمي عليه في ارتفاع الضحى؟، فأفاق حين أمسى، فأَحَبُّ إليَّ أَنْ يقضي. وقال ابن نافع: يُجْزِئُهُ. قال ابن حبيب، عن مطرف، وابن الماجشون: إذا أغمي عليه بعد الفجر في أول النهار فأفاق حين أمسن أنَّه يُجْزِئُهُ. وحكى ابن حبيب، عن ابن القاسم: إذا أغميَ عليه بعد الفجر فأفاق نصف النهار، أو أغمي عليه نصف النهار فأفاق آخر النهار، فعليه القضاء. هذا خلاف ما روى عنه سحنون، في "المدونة".
وقال: قال (6) ابن الماجشون: والإغماء الذي يفسد به الصوم/ مَن يُغمى عليه قبل الفجر ويفيق بعده. إنما ذلك إذا تقدمه مرض، أو كان بأثره متصلا به. فأما ما قل من الإغماء، ولم يكن بمرض. فهو ككسر (7)، أو نوم.
__________
(1) في الأصل: (تبرعه).
(3) سقط من الأصل.
(4) في الأصل: (ما شبهها).
(5) في (ز): (أجتزأ).
(6) سقط من (ز).
(7) في الأصل: (كسدر).

(2/27)


فلو طلع عليه الفجر وهو كذلك، ثم تخلى عنه، فإنه يُجْزِئُهُ صومه. وقال ابن سحنون، عن أبيه: لا ينظر إلى المرض. قال: وكذلك قال ابن القاسم، وأشهب. وفي باب صيام الصغير تمام القول في المغمى عليه.

في صيام الصغير، والمجنون، والسفيه، والمغمى عليه
قال ابن حبيب: كان عروة يأمر بنيه بالصلاة إذا عقلوا، و (1) بالصوم إذا طاقوه. قال ابن الماجشون: يلزموه إذا أطاقوه، و (2) يؤمروا بقضاء ما أفطروا بعد الطاقة، (إلا ما كان عن غلبة، أو عجزت عنه طاقتهم. وإذا عجز الصبي عن الصيام بعد طاقته عليه) (3)، ثم قوي عليه، فليقض، إلا أَنْ يتصل عجزه فيكون اليوم الذي بدأ فيه بالصوم ثم عجز عنه فأفطره، كمتقدم أيامه. قال: وإذا بلغ الغلام والجارية، جُبرا على الصوم (أطاقاه أو) (4) لم يُطيقاه. فإنْ تأخر الاحتلام والحيض، فإذا بلغ خمس عشرة سنة من المولد، فإن جُهل المولد، فإذا نبتا، فإن لم ينبتا، حُملا على التقدير والتحري، إلا أَنْ يطيقا دون ذلك.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال مالك، في رواية ابن القاسم، في صيام الصبيان قال: يؤمرون به إذا بلغوا. وفي رواية ابن وهب: يجب عليهم إذا بلغوا. وقال أشهب: لا يجب إلا البلوغ، ويستحب لهم بالطاقة عليه.
قال أبو محمد: والذي ذكر ابن حبيب، عن ابن الماجشون، في حدِّ البلوغ، أنَّه خمسَ عشرة سنة هو قول ابن وهب، والمعروف من قول ابن مالك وأكثر أصحابه، إذا فُقد الحيض والاحتلام والإنبات، رُفعا على سنٍّ لا يبلغه أحدٌ
__________
(2) سقط من الأصل.
(3) سقط من (ز).
(4) في الأصل: (لطاقه أو).

(2/28)


إلا احتلم. وذلك من سبع عشرة سنة على ثمانيَ عشرة سنة (1) أكثره. وما رُوِيَ أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز ابن عمر يوم الخندق، ابن خمس عشرة سنة (2)، ليس بحجة (3)؛ لأنَّه عليه السلام لم يسأله، ولا غيره عن مولد، وإنما يَنظر بعينهن فمن أطاق القتال في رأيِ العين أجازه، والذي جاء في الحديث: «انظرُوا إلى مُؤْتَزَرِه فإن جرت عليه المواسي فاضربوا عنقه» (4). هو أولَى، والبلوغ أقصى ذلك، إلا أن ما يكون عليه من حدٍّ، وقيل: يُتهم أن لا يُقرَّ بالاحتلام، فيُعمل فيعه بالإنبات، وما كان من شيءٍ بينه وبين الله، قيل له: عن بلغت لَزِمَكَ (5) هكذا. قال يحيى بن عمر: وهو قول حسن. وقال بعض أصحابنا: إذا احتلمت المرأة فهو بلوغ أيضاً وإن لم تحض.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن نافع (عن مالك) (6): وإذا أفاق المجنون قضى ما أفطر من صيام رمضان. قال عنه ابن القاسم: وإن بلغ كذلك.
وقاله أشهب. وإن أقام سنين فلا يُكفِّر تكفير المفرِّطِ في القضاء
__________
(1) سقط من (ز).
(3) في (ز): (حجة).
(5) في الأصل: (لومك).
(6) سقط من الأصل.

(2/29)


(إلا أَنْ يُفيق ويُفرط في القضاء فيُكفِّرَ عن كلِّ يومٍ) (1) أمكنه قضاؤه. قالوا: ولا يقضى الصَّلاَة عن إغمائه.
وقال ابن حبيب: وقال لي المدنيون من أصحاب مالك: وإنما يُقضى الصوم في مثل خمس سنين ونحوها، فأما عشرةٌ، أو خمس عشرة، فلا قضاء عليه. وذكروه عن مالكٍ. وقاله أصبغ. وما أفطر والسفيه فعليه فيه القضاء، والكفارة عن كل يوم.

في صوم النصرانيِّ يُسلِّمُ وصوم من مُلِكَ
من رقيق العَجَمِ والمجوس
من "المَجْمُوعَة" قال أشهب: ومَن أسلمَ قبل الفجر فليَصُمْ ذلك اليومَ، وإنْ أسلم بعد الفجرِ فله أنْ يأكل ذلك اليوم ويشرب، ويطأ أهله. وقال عبد الملك: يُستحبُّ له أنْ يَكُفَّ عن ما يفعل المُفطِرُ، وقد تقدَّمَ في باب المسافر يُفطر، قولٌ في وطئهِ النصرانية إذا قدم.
ومن "الْعُتْبِيَّة (2)، قال ابن القاسم، عن مالك، وعن الرقيق العجم يُشترون في رمضان، وهم (3) بالبلد مقيمون، يُجيبون إلى الإسلام، ويُعَلَّمُون الصَّلاَة، فيُصلُّون، ويريدون الأكل فيُجبرون، ولا يَفقهون. قال: يُرفق بهم، ويُطعمُون حتى يعلموا، ويَعرفوا الإسلامَ. ورَوَى عنه أشهب نحوه، في علوج الصقالبة، وقال: يُطعمون أياماً حتى يصوموا، ويَنظروا (4) فيه. وذكر عنه ابن وهب في "المَجْمُوعَة" نحوه. وقال ابنُ نافعٍ: أرى أَنْ يُجبروا على الصيام، ويُمنعوا الطعام.
__________
(1) سقط من الأصل.
(2) البيان والتحصيل 1/ 291.
(3) في الأصل: (هو).
(4) في الأصل: (ينظر).

(2/30)


في صيام ألسير، أو غيره ببلدِ الحربِ تحرياً، وفي مَن صام رمضان قضاءً في غيره، من فرض أو واجب
من "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم، وأشهب، وعبد الملك، في الأسير، أو التاجر ببلد الحرب، يُشكل (1) عليه رمضانُ: أنَّه يتحرَّى. قال عيسى، عن ابن القاسم، في "الْعُتْبِيَّة" (2) فإن تحرى سنين، ثم قدم فلم يدرِ أصام قبله، أو بعده، فلْيُعِدْ كلَّ ما صام حتى يُوقنَ أنَّه صادفه أو صام بعده. وقال عبد الملك، في "المَجْمُوعَة": لا شيء عليه؛ لأنَّه قد (3) فعل ما يقدر عليه حتى يُوقن أنَّه صام قبله فيقضي. ولو صام ثلاثة أعوام شعبانَ شعبانَ، فليُعد الشهر الأول، ثم كل شعبانَ بعدَه قضاءً عن ما قبله. وقال مثله كله سحنون، في "كتاب" ابنِه. قال أبو محمد: يريد بقوله: يُعيد الشهر الأول< يريد يُلغي الشعبان الأول، فلا يُجْزِئُهُ، وليس يَعني الرمضان الأول؛ لأنَّ عنه وقع الشعبان الثاني، والشعبان الثالث عن الرمضان الثاني، ويبقى عليه الرمضان الثالث فيقضيه. وذكر ابن القاسم في "المدونة"، أنَّه بلغه، عن مالك أنَّه إنْ صام قبله لم يُجزه، وإن صام بعده أجزأه.
قال ابن القاسم، وأشهب، وعبد الملك: وإن صام شهرا تطوعاً فصادف رمضان لم يُجزه. قال عبد الملك: بخلاف ما يُجزئُ من تطوَّعَ الطوافَ عن واجبه؛ لأنَّ نوافل الصوم إذا قُطعت بعلمه لم تُقضَ، ونوافل الحجِّ إذا قُطعت بغلبةٍ، أو فوتٍ فإنها تُقضَى، ويُقضَى فاسده، ويلزم في تطوُّعِهِ ما يلزم في فرضه وهو مفترق.
__________
(1) في الأصل: (يشتكل).
(2) البيان والتحصيل 2/ 331.
(3) سقط من (ز).

(2/31)


ومن "الْعُتْبِيَّة" (1)، قال عيسى، عن ابن القاسم: ولو صام رمضان لنذر عليه ولو يعلم، لم يُجزه عن نذره، ولا عن رمضانَ. وقال عنه يحيى بن يحيى، في مَن صام رمضان قضاءً عن رمضان عليه: فلا يُجْزِئُهُ لواحدٍ منهما. وقاله أشهب في "المَجْمُوعَة". ورواية يحيى هذه عن ابن القاسم خلاف قوله في "المدونة". قال ابن حبيب (2): إذا صامه قضاءً عن رمضانَ آخر، أو لنذر عليه، أو لظهارٍ لم يُجْزه عن شيء من ما صامه عنه، وعن رمضانَ قبله أو لنذرٍ أو ظِهارٍ، لأجزأه عن هذا الرمضانَ، ويُعيد كل ما كان عليه (3) متقدِّمًا. وقاله أصبغ: وقد اختلف في معنى جواب ابن القاسم، في "المدونة" في قوله: يُجْزِئُهُ لفريضته (4)، ويقضي الآخر.
قال يحيى بن عمر: لم أوقف سحنون عن الآخر (5)، ولا على الآخر (6)، وأنا أقول بقول أشهبَ، ولا يُجزي عن واحد منهما. وقاله ابن القاسم.
وذكر أبو الفرج (7) أنَّ قول ابن القاسم، يريد الذي في "المدونة"، أنَّه يُجْزِئُهُ عن الشهر الذي حضر، ويقضي الأول.
وقال علي بن جعفر التلبانيُّ (8): إن معنى قوله: إنَّمَا يُجْزِئُهُ، عن الماضي. قال أشهب في "مدونته": ولا كفارة عليه في هذا. يريد أشهب، إلا كفارة التفريط، فهي عليه. وقيل عن ابن الْمَوَّاز: لا يُجزئُ عن
__________
(1) البيان والتحصيل 2/ 337، 338.
(2) سقط من (ز).
(3) سقط من (ز).
(4) سقط من (ز).
(5) في الأصل: (الأجر).
(6) في الأصل: (الأجر).
(7) أبو الفرج المكي، كان من أهل العلم.
(8) علي بن جعفر بن أحمد التلباني، أبو الحسن القاضي.

(2/32)


عن واحدٍ منهما، ويُكفِّرُ عن الأول بمُدٍّ لكلِّ يومٍ، ويُكفِّرُ عن كلِّ يومٍ من هذا كفَّارة المتعمِّدِ. قال أبو محمد: يريد إن لم يُعذر بجهلٍ ولا تأويلٍ، وهذا شيء بلغني عن ابن الْمَوَّاز، ولم يقع له عندنا كتاب الصوم.
والصواب ما قال أشهب، أن لا كفارة في هذا.
في صوم الشيخ، والحامل، والمرضع، والمُستعطش، وما يجب بإفطارهم
اختُلِفَ في نسخ قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِساَكِينَ} (1). وقُرئت {مِسْكِينٍ}، وقُرئت {يُطَوَّقُونَهُ}، وقيل: إنَّها باقية في الشيخ الزَّمِنِ، والحامل، والمُرضعِ، والمستعطشِ. قال ابنُ حبيبٍ رُوِيَ عن ابنِ عمرَ، وابن عباسٍ، وكثير من التابعين أنَّهم قالوا في الحامل، والمُرضِعِ، والمُستعطِشِ: يُفطرون، يُطعِمون، يريدُ مُدًّا مُدًّا لكل يوم. قال ابن حبيب: يعنونَ من غير إيجابٍ. وقال القاسم (2)، وسالمٌ (3)، وربيعةُ (4): لا إطعامَ عليهم. يعنونَ واجباً، وكان أنسٌ إذ كَبِرَ يُفطرُ، ويُطعمُ مُدًّ لكل يوم.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال أشهب: والحامل، والمرضع، والشيخ الفاني، والمستعطش، كالمريض لا إطعام عليهم واجباً، وأشدهم المرضعُ؛ لأنَّها تُفطر من أجل غيرها، فأحبُّ لها أن تُطعم، وإن أصابت مَن يُرضعُ
__________
(1) سورة البقرة 184، وانظر: تفسير الطبري 2/ 133 - 142.
(2) القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود المسعودي، أبو عبد الرحمن.
(3) سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، أبو عمر.
(4) ربيعة بن أبي عبد الرحمن التيمي المدنيز

(2/33)


لها، فلا تفطر، وأستحِبُّ للشيخ الزَّمِنِ، وللحاملِ أنْ يُطعِمَا؛ لأنَّه وإنْ كان الشيخ كالمريض فلا يرجو قضاءً. قال ابن الماجشون: إذا أفطرتِ الحاملُ لضعفٍ بها، وضررٍ، فلا إطعام عليها. ولتقضِ وكلُّ مَن أُمرَ من غيرها بإطعامِ مُدٍّ والقضاء فليُخرجه حين يقضي. وقال ابنُ وهبٍ، عن مالكٍ ولا إطعامَ على المستعطش.
قال ابن حبيبٍ في الحامل: إذا خافت على نفسها، فلتُفطر ولا تُطعم، وإنْ خافت على ولدها أطعمت مُدًّا لكل يومٍ، وإنْ أمِنَت الوجهين فلا تُفطر.
والمرضعُ إذا جفَّ لبنُهَا مع الصوم، ولا تجد ما تسترضع به للولد فلتفطر، وتُطعِم، وتقضِ. ويُستحبُّ للمستعطش أَنْ يُطعِمَ مُدًّ لكل يومٍ؛ لأنَّه غيرُ مريض، وهو مغلوب كالمرضعِ، والكبير.
ومن "الْعُتْبِيَّة" (1)، ابن القاسم، عن مالك، في مرضعٍ نذرت أن تصوم بقية شهر، فاشتدَّ عليها الحرُّ، قال/ تُفطِرُ وتُطعِكُ وتقضي بعد ذلك.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم: ومَن نذر صيام الدهر فكبِرَ حتى ضعف عن الصوم. قال: فلا شيء عليه، كمَن نذر صوم يوم الجمعةِ فمَرِضَه (وفي "المدونة" قولٌ، عن مالك في المرضع والحامل) (2).

فيما يُعذرُ به الصائمُ في الفطر، من المرض، أو من رَمَدٍ، أو عَطَشٍ، أو شَرَقٍ، أو غيره ومَن أفطرَ لعُذْرٍ، ثم زال عنه، هل يتمادى مفطراً في يومه
من "المَجْمُوعَة" قال أشهب، في مريضٍ: لو تكلّف الصوم لعذرٍ، أو الصائم قائماً لعذرٍ، إلاَّ أنَّه بمشقةٍ وتعب: فليفطرْ، ويُصلِّ جالساً، ودِينُ
__________
(1) البيان والتحصيل 2/ 319.
(2) سقط من الأصل.

(2/34)


اللهِ يسرٌ. ومنه ومِن "العُتْبِيَّة" قال ابن نافع، عن مالك، قال: رأيتُ ربيعةَ أفطرَ في مرضٍ له، لو كان غيره! قلت: يَقوَى على الصوم، فإنما ذلك بقدرِ طاقة الناس.
قال بعض أصحابنا في "كتاب" آخر: وهو معروف من قولنا: إنَّ المريض إذا خاف إن صام يوماً أحدثَ عليه زيادة في علَّتِهِ، أو ضُرًّا في بصره، أو غيَّر من أعضائه، فله أَنْ يُفطِر.
قال عنه ابن نافع، في "المَجْمُوعَة"، في مَن به حُمَّى رِبْعٍ (1) تُصيبه يوماً وتَغِبُّهُ يومين، فله الفطر في يوم تُصيبه، وليَصُمِ اليومين ما دام رمضان. فإذا جاز فليؤخر القضاء حتى يتقوَّى. وقال في الذي يلقى الروم بأرض العدوِّ صائماً فيخاف على نفسه، أيُفطِرُ؟ قال: نعم (2) إن ضَعُفَ، والصوم بأرضهم (3) يَسهل لبردها. قيل له: عليه الحديد والسلاح، قال: فلينظر عن خاف على نفسه. قال عنه ابن وهب: إنَّه سُئلَ، عن مَن أصابه عطشٌ شديدٌ، أيُفطِرُ؟ فقال: الله أعلم بخلقه، وما أذِنَ لهم فيه، ثم قال: قالت عائشة: لو نُهِيَ الناس عن حاجم الخمر لقال قائل: لو ذاقه!
قال عنه ابن نافع، في مَن أصابه بعد العصر شَرَقٌ، خاف منه على نفسه، فشرب له الماء: فعليه القضاء. وقال عنه ابن نافع، في المستعطش: إذا أفطر ليس عليه إلا القضاء.
ومن "العُتْبِيَّة" (4) عيسى، عن ابن القاسم، في الأرعن (5) يصيبه
__________
(1) الربع في الحمى: إتيانها في اليوم الرابع، وذلك أن يُحَمَّ يومًا ويترك يومين لا يحم، ويحم في اليوم الرابع.
(2) في الأصل: (بعض).
(3) في (ز): (بأوطانهم).
(4) البيان والتحصيل: 2/ 335.
(5) في النسخ: (الأرمد)، والمثبت من البيان والتحصيل , والضربان: التحرك بقوة، وهو الصداع.

(2/35)


الضربان: إنْ جاءه من ذلك ما يحتاج معه إلى الفطر أفطر، وهو مَرَضٌ من ألأمراض، وقد ارخص مالكٌ لصاحب الحَقْنِ (1) الشديد إذا أُلْجِئَ أنْ يُفطِرَ ويتداوى.
قال عنه أصبغ في الصائم في رمضان، يُتعبه الحر والعطش: فهو في سَعَةٍ أَنْ يُفطِر إذا بلغ منه، ولم يَقْوَ. قال أصبغ: في سفرٍ أو حضرٍ إذا خاف على نفسه موتا أو مرضاً. قال ابن القاسم: والذي يصيبه الضربان من الخوَى في رمضان، فهو مرضٌ، فإذا بلغ منه ما يجهده فليفطر.
قال ابن سحنون، عن أبيه، في الذي يفطر في العطش: أنَّ له بعد ذلك أَنْ يتمادى مفطراً، ويطأَ، ويأكلَ. وأعاب قول مَن قال: لا يفعل. وقال ابن حبيب: لا يفطر بعد أن (شرب، وزال) (2) عطشه. وكذلك ذهب في الميتة، أنَّه لا يأكل منها المضطرُّ (3) إلا ما يُقيم الرَّمقَ. وقو لمالكٍ: إِنَّه يَشبعُ منها، ويتزوَّدُ؛ فإذا احتاج إليها، وإلا طرحها. قال ابن حبيب أيضاً: وكذلك لو استسعط (4) لضرورة فوصل الماء بذلك على حلقه، أو داوى حفراً به لضرورة، أوش رب الماء لعطش، أو حرٍّ، فهؤلاء يؤمرون بالكفِّ بعد ذلك، فإنْ أكلوا جهلاً، أو تأويلاً، أو متعمدين، لم يُكفِّروا؛ لأنَّهم بمحلّ يُشبه المرض. قال: ولو استسعَطَ تداوياً لغير ضرورة جهلا، فهذا إنْ أفطرَ بعد ذلك متعمداً كفَّر، وإن افطر متأولاً لم يُكفِّرْ. وكذلك المحتقنُ لضرورة أو لغير ضرورة، على تصرُّفِ ذلك في المُسْتَسْعِطِ.
__________
(1) في البيان: (الخوي)، وهو خلو الجوف من الطعام، ويقال للرعاف.
(2) في الأصل: (يشرب).
(3) في الأصل: (المفطر).
(4) الاستسعاط: هو صب الدواء في الأنف.

(2/36)


في الصائم يفطر متأولا، ما يُعذر به من ذلك في رفع الكفارة، وما لا يُعذر به
قال ابن حبيب: كلُّ متأوِّلٍ في الفطر فلا يكفِّرُن إلا في التأويل البعيد، مثل أَنْ يغتاب، أو يحتجمَ، فيتأوَّلَ أنَّه أفطر بذلك، أو يقول: اليوم تأتيني (1) الحُمَّى، أو تقول المرأة: اليوم أحيض. فتفطر أول النهار.
ومن "العُتْبِيَّة" (2)، قال عيسى، عن ابن القاسم في مَن احتجم في رمضان، فتأوَّلَ أنَّ له الفطر فأكل. فليس عليه إلا القضاءُ. قال أصبغ: هذا تأويلٌ بعيدٌ. قال عنه عيسى، في القوم يصومون رمضان فيوم ثلاثين (3) منه أُري الهلال نصف النهار، فأفطر قوم: فلا يلزمهم القضاء؛ لأنَّه على التأويل.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم، وأشهب: ومن أكل في نهار رمضان ناسياً، فظنَّ أنَّ صومه فسدَ فعاودَ الأكل متعمِّداً لظنِّهِ، فعليه القضاءُ فقط. قال أشهب: لأنَّه متأوِّلٌ. وكذلك إن أصبح جُنباً فظنَّ أنَّ صومه فسدَ فأفطر.
قال عبد الملك، في مَن افطر ناسياً ثم أكل في يومه عامداً: فليكفِّرْ. وقاله المغيرة في مَن ظنَّ أنَّ الشمسَ غربت فأكل، ثم ظهرت فأصاب أهله.
فليكفِّرْ. وكذلك في "كتاب" ابن حبيب، قال: إذا أفطر ناسياً ثم تأوَّلَ فوطئَ فلابدَّ من الكفارة في هذا، وإن أكل بعد ذلك جاهلاً، أو متأوِّلاً، فلا كفارة عليه.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال المغيرة، وابن الماجشون، في امرأة أفطرت
__________
(1) في الأصل: (تأتي).
(2) البيان والتحصيل 2/ 336.
(3) بعده في الأصل: (يوم).

(2/37)


ثم حاضت آخر النهار، أو مرضت"، فقد لزمها الكفارة. وقاله أشهبُ. قال ابن القاسم: لم يعذرها مالك بأن تقولَ: اليومَ أحيضُ. قال أشهب: في " كتاب" ابن عبدوس: ولو أصبح ينوِي الفطرَ في رمضان فظنَّ أنَّ صومه قد فسد فأكل فليكفِّرْ، فإنْ لم يأكل ولم يشرب، لم يُكفِّرْ.
وليقضِ، أقام على نيَّتِهِ أو انصرف (وفي باب التبييت في الصوم قول ابن القاسم وغيره في هذا أنَّه يُكفِّرُ) (1)، وقد تقدَّم في باب المسافر يُفطر وفي غيره شيءٌ من مسائل التأويل في الفطر.
في مَن افطر مُكرهاً، أو أُدخل حَلقه
شيءٌ لم يتعمَّدْه، أو امرٌ غالبٌ، من ذباب، أو عُودٍ، أو ماءٍ، أو دقيقٍ، أو غُبار، أو غيره
وقد رفع النبي صلى الله عليه وسلم المأثمَ في الخطأ، والنسيان، والإكراه (2)، فلا يُكفِّرُ المُكرهُ (3) على الفطر، وليقضِ كما أمر الله المريضَ بعدَّةٍ من أيام أُخر.
قال ابن القاسم، وأشهبُ، في "المَجْمُوعَة"، في مَن صُبَّ الماء في حلقه مُكرهاً أو نائماً، أو جُومعتِ امرأةٌ نائمةٌ (4) في نهار رمضانَ: فليَقْضُوا، ولا يُكفرُوا. وكذلك في كلِّ صومٍ واجبٍ، ويَصِلُوا القضاء بما
__________
(1) سقط من الأصل.
(2) أخرجه ابن ماجه.
(3) في الأصل: (للكره).
(4) سقط من الأصل.

(2/38)


كان متعمداً (1) متتابعاً، ولا يَقضُوا في التطوع.
قال ابن حبيب: على من أكرههم في رمضان الكفارة. وكذلك واطئُ امرأته مُكرهةً في نهار رمضان. وليَكُفُّوا عن الأكل ويَقْضُوا.
ومن "كتاب" ابن سحنون، ذكر (قول ابن) (2) القاسم، وأشهبُ، في واطئ زوجته مكرهة، أنَّه يُكفِّرُ عنها. قال سحنون: لا شيءَ عليه؛ لأنَّها لم يلزمها فهو من أَنْ يلزمه أبعدُ. وقاله محمد بن عبد الحكم. قال سحنون: بخلاف الحج؛ لأنَّ خطأه، وعَمْده، وإكراهه سواءٌ. قال بعض اصحابنا، في "كتاب" آخر: وإنْ وَطِئَ أمَته كفَّرَ عنها وإنْ طاوعته - يريد: لأنَّه في الأمَةِ، وإن طاوعت، كالإكراه للرقِّ، وكذلك لا تُحدُّ المستحقَّة بوطء السيد وإن طاوعته.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال المغيرة، وعبد الملك، وأشهب، في الصائم يغمس رأسه في الماء، فيغلبه فيدخل إلى حلقه، من انف، أو فمٍ – قال في "الواضحة": أو أُذنٍ – فليقضِ في الواجب.
قال أشهب: ولا يقضي في التطوع إلا أَنْ يُفطر بعد ذلك. قال ابن حبيبٍ: وإن أشكل عليه فليقضِ. قال أشهب: ومن كال دقيقاً فدخل غُباره في حلقه، فإنْ أيقن أنَّه دخل حلقه فليقضِ في رمضان والواجب، ولا يقضي في التطوع. قال محمد: وليس في الغبار يدخل حلق الصائم قضاءٌ؛ لأنَّه امر غالبٌ. ولم يعذره أشهب بغُبارِ الدقيق. قال عبد الملك بن الماجشون، وسحنون: الغبار أمر غالب فلا يفطر به. قال ابن القاسم، عن مالك، في الذباب يدخل حلقه، أو فلقه حبة بين أسنانه، فلا قضاء
__________
(1) سقط من (ز).
(2) في الأصل: (ابن).

(2/39)


عليه. قال أشهب: أحبُّ إلي أَنْ يقضي، وليس بالبينِ. قال بن الحكم، عن أشهب: وأما عن تعمَّدَ ذلك فليقضِ. قال أبو محمد: يريد إنْ أمكنه طرحها.
ومن "المَجْمُوعَة": قال عبد الملك في الذباب، والحصاة، والعود يُبْدَرُ في حلق الصائم: فليقضِ. وأما الغابر فلا اعلم أحداً اوجبَ فيه شيئاً، وذلك انَّه أمرٌ غالبٌ. وقاله سحنون.
ومن "العُتْبِيَّة" (1)، أصبغ عن ابن القاسم، في الذباب يدخل حلقه، لا يقدر على ردِّه لا في فريضةٍ ولا نافلةٍ، فلاق ضاء عليه.

في ذوق الطعام للصائم ومضغه، ومُداواة الحَفَرِ، وابتلاع ما بين أسنانه، وابتلاع الحصاة والنواة ونحوها، وازدرادِ النُّخامةِ ولحسِ المدادِ
من "المَجْمُوعَة" قال ابن نافع، عن مالك: وأكره للصائم مضغ الطعام للصبي، ولحسَ المداد، فإن دخل جوفه منه شيء فليقضِ. ومَن صام من الصبيان فليجتنب ذلك، ولا يذوق الصائم المِلحَ، والعسلَ، وإنْ لم يدخل جوفه. قال عبد الملك: وإن وصل إلى جوفه من غير تعمُّدٍ فليقضِ، وإنْ تعمَّد فليُكفِّرْ، وما يكون في فِيهِ من سحوره فيَمُجُّه، لأذانٍ سَمِعَه (2) فلا شيء عليه. قال أشهب: وأكره له لَحْسَ المداد، ومضغ العَلكِ، وذوق القدر، والعسل، في الفرض والنافلة.
ومن "كتاب" ابن حبيب: ويُكره له ذوق الخلِّ والعسل، ومضغ اللِّبان والعَلَكِ، ولمسُ العقبِ، ولحسُ المدادِ، والمضغُ للصبيِّ، فإنْ فعل شيئاً
__________
(1) البيان والتحصيل 2/ 346.
(2) في الأصل: (يسمعه).

(2/40)


من ذلك ثم مَجَّه، فلا شيء عليه، فإنْ جاز منه على حلقه شيءٌ ساهياً فليقضِ، وإنْ تعمَّدَ فليُكفَّرْ ويَقضِ. وكلُّ ما تلزمه فيه الكفارة في رمضانَ من هذا أو غيره، ففيه في التطوُّعِ القضاءُ. وكلُّ ما ليس فيه إلا القضاءُ في رمضان، فليس في التطوع قضاءٌ. وأما في قضاء رمضان، وكل صوم واجبٍ ففيه القضاءُ في هذا، في الوجهين. فإذا ابتلع ما بين أسنانه من حَبَّةِ التينة، وفَلقةِ الحريرةِ (1) قال في "المختصر": جاهلاً، فقد اساء، ولا شيء عليه. قال ابن حبيب: وإنْ تعمَّدَ ذلك على علمٍ به، فذلك سواءٌ ما لم يأخذه في الأرض إلى فيه، فيلزمه الكفَّارة في عَمْدِهِ؛ لاستخفافه بصومِهِ (لا لأنَّه غِذاءٌ يُغذِّيهِ) (2). وقال محمد بن عبد الحكم: قال أشهب: إذا ازْدَرَدَ فَلقة حبَّةٍ بين اسنانه فعليه القضاءُ. قال ابو محمد، يريد: و (3) يُمكنه طرحها، وإلا فهو كالأمر الغالب في الذباب، ونحوه. قال ابن حبيب: زمَن كانفي فمه حَصاةٌ، أو لَوزةٌ، أو لؤلؤةٌ، أو نَواةٌ، أو مدرةٌ، أو عودٌ، فسبقَ على حلقه، ففيه القضاءُ، في السهو والغلبة. وإن تعمَّدَ ذلك تعبُّثاً فليُكفِّرْ. قاله ابن الماجشون، وقاله سحنون في "كتاب" ابنِه، في ذلك ولم يذكر النَّواةَ، وإلى هذا رجعَ فيما لا غذاء له. وكذلك في ابتلاعِ الخيطِ، وكان يقولُ فيما لا غِذَاء له: لا يُكفِّرُ ويقضي. وقال مالكٌ، في "المختصر" (4): ومَن ابتلع حصاةٌ عامِداً فعليه القضاءُ. قال ابن سحنون: أخبرني معنُ بنُ عيسى، أنَّ مالكاً قال: إنَّ الحصاةَ خفيفةٌ يدخل حلقَ الصائم. قال سحنون: معناه عندي حَصاةٌ تكونُ بين الأسنان مثلَ
__________
(1) في الأصل: (الجريدة)، والحريرة: الحساء من الدسم والدقيق، وقيل: هو الدقيق الذي يطبخ بلبن. (لسان العرب).
(2) في الأصل: (لا لأنه يعينه).
(3) سقط من الأصل.
(4) سقط من (ز).

(2/41)


قوله (في فلقة الحبةِ؛ لأنها ضرورةٌ، وأما لو ابتدأ أخذها من الأرضِ حصاةً أو) (1) فلقةَ حبَّةٍ فابتلعها عامداً لَزِمَه القضاءُ والكفَّارةُ. قال ابنُ حبيبٍ: وقاله أصبغُ، عن ابنِ القاسم: ما كان من ذلك له غذاء مثلُ النواةِ والمُدرةِ، فعليه القضاءُ، في السهو والغلبةِ، وفي عَمْدِهِ الكفَّارةُ، وما كان لا غذاء له كالحصاةِ، واللَّوْزَةِ، فلا يَقضي في سهوه، ويقضي في العَمدِ، والأول أحبُّ إلينا.
ومن "العُتْبِيَّة" (2)، أصبغ، عن ابن القاسم: ومَن في فيهِ حَصاةٌ أو نَواةٌ يَعْبَثُ بها، فنزلت في حلقه. فلا قضاء عليه في النافلة، ولا قضاء عليه في الذباب يدخل حلقه، لا يقدر على ردِّهِ، لا في فريضة ولا نافلة. وأما في ابتلاع النواة يَعبثُ بها ففيها الكفارة مع القضاء في الفريضة. والذي ذكر ابن حبيبٍ ها هنا في الحصاة والنواةِ، عن ابن القاسم، فهو في "العُتْبِيَّة" (3)، عن أصبغ.
ومن "المَجْمُوعَة" قال أشهب: وأحبُّ إليَّ لصاحب الحَفَرِ أن لا يُداويه إلا بالليل، فإنْ فعله نَهاراً فلا شيء عليه، وإنْ خاف ضرراً في صبرهِ به على الليل. فلا بأس به في نهاره. قال ابنُ حبيبٍ: ويُكره له مداواةُ (الحفرِ بفيهِ) (4)، إلا أَنْ يَكبُرَ فيصير مرضاً، فيداويه ويقضي؛ لأنَّ الدواءَ يَصِلُ على حلقه.
قال ابن سحنون، عن أبيه، في البلغم يخرج من صدر الصائم، ومن رأسه، فيصير على طرف لسانه، ويُمكنه طرحه، فيبتلعه (5) ساهياً: فعليه القضاءُ.
وشكَّ في الكفارة في عمده، ولم يشكَّ في القضاء. وقال: أرأيت (6) لو
__________
(1) سقط من الأصل.
(2) البيان والتحصيل 2/ 346.
(3) البيان والتحصيل 2/ 346.
(4) سقط من الأصل.
(5) في الأصل: (فليبتلعه).
(6) في الأصل: (ورأيت).

(2/42)


أخذها من الأرض متعمِّداً ألا (1) يُكفِّرُ!! قال ابنُ حبيبٍ: ومَن تنخَّمَ ثم ابتلع نُخامته من بين بَهَواتِه، أو بعد فِصالها إلا طرف لسانه فقد أساء، ولا شيء عليه. ولو كان قَلْساً (2) فرّدَّه فُصُولهِ، وإمكانِ خروجه، فليقضِ. ويُكفِّرْ في عمده وجهله، وعليه فس سهوه القضاء بخلاف النُّخامةِ، وهذا طعامٌ وشرابٌ.
من "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم، عن مالك: لا بأسَ أنْ يُمضمض الصائم من العطش، وأنْ يغتسل، وَلا بَأْسَ أنْ يبتلع ريقه.

في الكحل، والسَّعُوط للصائم، وما يُجعلُ
في الأذن، وما يُستنشق، من دُهنٍ، (أو بُخُورٍ أو غيره) (3)
من "كتاب" ابن حبيب (قال ابن الماجشون) (4): وَلا بَأْسَ بالكحلِ بالإثمدِ للصائم وليس ذلك مما يُصامُ منه، ولو كُره لذكروه كما ذكروه في المُحرَّمِ. وأمَّا الكحل الذي يُعمل بالعقاقير، ويُوجد طَعمه، ويَخرقُ على الجوف، فأكرهه، والإثمدُ لا يوجد طعمه وإن كان مُمسكاً، وإنما يوجد في المسكِ طعمُ ريحهِ لا طعم ذوقه. وكذلك اشتمامه للدُّهن في أنفه وشاربِه، وإنما يجدُ طعمَ ريحهِ إلا أنْ يَكثُرَ فيصير كالسَّعُوطِ يصير على حلقه، وذلك مكروه وأكره أنْ يمسَّ شفتيه الدُّهنُ. قال ابن الماجشون: وإنما يُفطر بما يصل إلى حلقه من طعم ذوق الشيء لا من طعم ريحهِ.
قال أبو محمد: أخبرني بعض أصحابنا، عن محمد بن لُبابة (5) أنه قال: مَن استنشق بُخوراً لم يُفطر، ويكره له ذلك.
__________
(1) بعده في الأصل: (أن).
(2) القلس: ما خرج من الحلق ملء الفم أو دونه وليس بقيء، فإن عاد فهو قيئ.
(3) في الأصل: (ونحوه).
(4) سقط من الأصل.
(5) محمد بن عمر بن لبابة القرطبي، أبو عبد الله، كان إماماً في الفقه.

(2/43)


قال ابن حبيب: قال مُطرَّفٌ، وابن عبد الحكم، وأصبغُ: لا بأسَ بالكحلِ والدُّهنِ للصائم، وكَرِهَ له ابن القاسم الكحل. وقال ابن حبيب: لا يجوز للصائم أنْ يَصبَّ في أُذنيه دُهناً، ونهى عنه مالك. ومَن اكتحل بكُحلِ (1) العقاقير الذي يوجد طعمه في الحلق ويصل إلى الجوف، فعليه القضاء في رمضان، وفي قضائه في النذر الواجب، ولا شيء عليه في التطوُّعِ.
ومن "المَجْمُوعَة" قال ابن نافع، عن مالكٍ: ولا أحبُّ له استتنشاقَ الدُّهنِ ليس في خياشيمه خِيفةَ أنْ يذهبَ في رأسه. قال أشهب: وإذا صبَّ في أُذنيه دهناً، فإن وصلَ إلى حلقهِ، فليقضِ في الواجب والتطوُّعِ.
قال ابن وهب، عن مالك، في المُستَسْعِطِ، وصبِّ الدُّهنِ في الأذن: إنْ لم يصل على حلقهِ، فلا شيء عليه، وإن وصل فليقضِ. قال ابنُ القاسم: ولا يُكفرُ. قال أشهب: ويدلُّ على كراهية الاستسعاط قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «وبالغ في الاستنشاق ما لم تكن صائماً» (2). وأرى على المستسعط القضاء، إذ لا يكاد يَسلمُ أَنْ يصل على حلقه. وأمَّا المُحْتَقِنُ فلا شكَّ فيه

(2/44)


وليقضيا في الواجب والتطوع؛ لأنهما متعمدان، ولا يُفطرا ولا يكفرا، إنْ كانا في رمضان. قال ابن سحنون: لا تجب الكفارة فيما يُستدخل من غيرِ الفمِ، من عينٍ، أو أذنٍ، أو نحوها، أو تعمَّدَ ذلك. وهو يصلُ إلى حلقه، وإنما الكفارة فيما يتعمد إدخاله من الفم على الحلق.

في القيء، والقَلْسِ، والحُقنة، والسواك، والحِجامة (للصائم)
ومن "المَجْمُوعَة" قال ابن وهب، عن مالك: ومَن ذَرَعه القيءُ في صيامه، فبقيت منه بقيةٌ وجدَ منها عناء فاستقاء، فليقضِ. قال أشهب: وإن استقاءَ في التطوُّعِ فليُفطِرْ ويقضِ. ولو لم يُفطر فليقض. وقاله ابن القاسم، وقال ابو زيد، في "العُتْبِيَّة"، عن ابن القاسم: أحبُّ إليَّ أنْ يقضيَ.
وقال ابنُ حبيبٍ: مَن استقاءَ فقاءَ في التطوُّعِ فلا يقضِ. قاله مالكٌ بخلاف الفرض. والقيءُ الغالبُ إذا عرف صاحبه أنَّه رجع على حلقه منه، بعد وصوله إلى فيه، فليقضِ في الواجب، ولا يقضِ في التطوعِ.
وقال أبو الفرج البغدادي: ومَن استقاءَ متعمداً عابثاً لغير مرضٍ ولا عُذرٍ، فهذا لو سئل عنه مالكٌ: لألزمه الكفارة إنْ شاء الله. وذكر أبو بكر الأبهري: أنَّ ابن الماجشون ألزمه الكفارة في تعمُّدِ القيء عابثاً. قال غيره: وإنما ألزم المُستقيءَ القضاءَ، وإنْ كان شيئاً خارجاً، لما لا]
أمن أنْ يكونَ

(2/45)


جاز على حلقه منه في تردده، وهو الذي استدعى ذلك.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن نافع، عن مالك، وإذا قلس فظهر على لسانه القَلْسُ، فنسيَ، فابتلع منه، فلا قضاء عليه. قال ابن نافع: إذا كان يقدر أنْ يُلقيه فليقضِ. وقاله ابن القاسم. وقال ابن حبيب: وإذا ردَّ القَلْسَ بعد فصوله، وإمكان طرحه فعليه القضاء والكفارة في عَمده وجهله، وعليه في سهوه القضاءُ، وليس كالنُّخامة، وهذا طعام وشراب. وذكر ابن سحنون، عن أبيه، في مَنْ تقيَّأَ بلغماً، أو طعاماً، ثم ردَّ شيئاً منه على جوفه متعمداً، انَّ عليه الكفارة.
ومن "المَجْمُوعَة" قال أشهب: وعلى المحتقنِ القضاءُ في الواجب والتطوعِ؛ لأنَّه متعمِّدٌ؛ وذلك يصل على جوفه، ولكن لا يُكفِّرُ إنْ كان في رمضان.
قال مالك، في "المختصر": ولا يحتقن الصئم، وَلا بَأْسَ بالسُّتورِ إذا احتاج إليها.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن وهب عن مالك: لا يستاكُ الصائم بالعودِ الأخضرِ؛ لأنَّ له طعماً وحرارة تنحلف لذلك الفمِ. قال عنه ابن القاسم: وليستاك بما يَبُلُّ من اليالس. قال ابن حبيب: يُكره السواك بالأخضرِ؛ لأنَّ طعمه يسقي الريقَ. ولو مجَّ ما يجتمع في فيه، وهو في النافلةِ أخفُّ. ويُكره للجاهل الذي لا يُحسنُ إلقاءَه، ومَن جهل أنْ يَمُجَّ ما يجتمع بفيهِ منه حتى وصل إلى حلقه فليقضِ في الواجب، ولا يكفرْ.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن وهب: قال مالك: لا أرى أنْ يحتجمَ قَوِيٌّ ولا ضعيفٌ في صومه خِيفَةَ أنْ يَضْعُفَ. قال ابن حبيب: وإنما كُرِهَتْ

(2/46)


للتغريرِ. وقد احتجمَ النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم.

في القُبلة، والمُباشرة، والنظرِ للصائم، والتذكُّرِ
من "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم: شدَّدَ مالكٌ في القُبلة للصائم، في الفرض والتطوُّعِ. قال أشهبُ: ولمسُ اليدِ أيسرُ منها، والقُبلَةُ أيسرُ من المباشرة، والمباشرةُ أيسرُ من العبثِ بالفرجِ على شيء من الجسدِ، وتركُ ذلك كله أحبُّ إلينا.
قال أشهب: وكذلك في النظر، وعليه إذا أمذى القضاءُ، ويُتمُّ صومَ يومِهِ، إن كان تطوُّعاً. ومن "المختصر": ولا أحبُّ للصائم في فرضٍ، أو تطوُّعٍ، أنْ يُباشرَ، أو يُقبِّلَ، فإنْ فعلَ ولم يُمذِ فلا شيء عليه، وإن أمذى فعليه القضاء.
ومن "المَجْمُوعَة" ابن نافع عن مالك: وإذا قبَّلَ في صوم التطوُّعِ فأمذى فليقض.
ومن "العُتْبِيَّة"، ابن القاسم عن مالك: وإذا نظر نظرة من غير تعمُّدٍ فليقضِ، وإن قبَّلها فالتذَّ وأنْعَظَ ولم يُمْذِ فليقضِ.
قال عيسى، عن ابن الاسم: لاي قضي إلا أَنْ يُمذيَ، إلا في المباشرة، فإنَّه يقضي إذا أنعظ وإن لم يُمْذِ. وأنكر سحنون أيضاً قولَ ابنِ القاسمِ هذا.

(2/47)


ورَوَى ابن القاسم، عن مالكٍ في المباشرة: أنَّه إذا التذَّ وأنعظَ ولم يُمذِ، فأحبُّ إليَّ أنْ يقضيَ. وقال ابن الماجشون: ومُطرِّفٌ: لا يقضي إلا أنْ يُمذِيَ، وإن أنعظَ في مباشرةٍ أو غيرها.
قال ابن حبيب: والقُبلةُ من الدواعي، فمَن كان يُخامره بها اللذة، ولا يَملِكُ نفسه بعدها، فلا يُقبِّلْ. قال: والقُبلةُ، والمُلاعبةُ، والجّسَّةُ، والمباشرةُ، والمحادثة، وإدامة النظر، يُنقصُ أجر الصائم، وإن لم يُفطره. ومالكٌ يُشدِّدُ في القُبلة في الفريضة، ويُرخِّصُ فيها في التطوُّعِ، وتَركها أحبُّ إليه من غير ضيق. ويُشدِّدُ فيها على الشابِّ في الفريضة ما لا يُشدِّدُ على الشيخِ، ولا يقضي في قُبلةٍ وجسَّةٍ ونحوها، وإن أنعظَ حتى يُمذيَ. قاله مُطرِّفٌ، وابن الماجشون، ولابنِ القاسم فيه استحسانٌ. وإذا نظرَ غيرَ متعمِّدٍ فأمذى، فلا يقضي. فإنْ أمْنَى فليقضِ، ولا يُكفِّرْ حتَّى يستديمَ النظر.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن وهب، عن مالك: ومَن قبَّلَ امرأته في رمضانَ، أو نظرَ إليها متجردة، فلم يصرف بصره عنها حتى أنزل، فعليه الكفارة. وكذلك المرأة يُصيبها ذلك إذا تعمَّدَا. وقاله ابن القاسم، وأشهب في متابعة النظرِ، قال أشهبُ: ولا كفارة في هذا في غير رمضان في واجب، أو تطوعٍ ولْيُتِمَّه ويقضيه. قالا: ولو لم يتابع النظر لم يكفر. قال أشهب: ولو كان في تطوُّعٍ أو نذرٍ أفطرَ وقضاه، ولا يُكفِّرُ فيهما. قال: وكذلك في القُبلة، والمباشرة، وال مسِ، إذا ردَّدَه، وإذا لم يردِّدْه، مثلَ اختلاف ذلك في النظرِ. وفي رواية ابنِ القاسمِ: إنَّ ذلك سواءٌ إلا في النظرِ.

(2/48)


قال ابن القاسم، عن مالك: إذا أمذى في تذَكُّرِ امرأته فإنْ لم يُتابع ذكرها فهو خفيفٌ. قال ابن القاسم: فإنْ تابع ذِكرها حتى أنعظَ فليقضِ. فإن أنزلَ كفَّرَ. قال: قال عنه ابن وهبٍ: وإذا دنا منها في التطوُّعِ فأمذى فليقضِ. ورواه ابنُ القاسم في الملاعبةِ. وقاله المغيرة في المُغازلة بالكلام، وإنْ أمْنَى كفَّرَ. وكذلك المُستمني.

في الصائم يُفطر ناسياً بوطءٍ، أو طعامٍ،
أو تلذُّذٍ، أو يَطْلُعُ عليه الفجرُ وهو يفعل ذلك ولا يعلم
من "الواضحة"، قال ابن الماجشون، وابن نافعٍ، عن مالك: إنَّ مَن وطِئَ في نهار رمضانَ ناسياً فعليه الكفارة. وقاله ابن الماجشون. واحتجَّ أنَّ الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم: وَطِئْتُ أهلي. ولم يذكر عمْداً ولا سهواً.

(2/49)


قال ابن حبيب: وهو أحبُّ إليَّ من قولِ ابنِ القاسمِ. وقال ابنُ الماجشون: وأمَّا مَن طلع عليه الفجر، ولم يعلم وهو يطأُ، ثم تبيَّنَ له انَّه وَطِيءَ بعد طلوعه، فلا كفارة عليه، بخلاف الناسي، وقال: لأنَّه كان على أصلِ الإباحةِ في الليل حتَّى يتبين له الفجر. قال: وكذلك مَنْ ظنَّ أنَّ الشمسَ قد غربت فوَطِيءَ، ثم ظهرت، واحتج في إسقاط الكفارة عليه؛ لأنَّه مأمورٌ بتعجيل الفطر، وتقدَّمَ في باب تعجيل الفطر ذكر مَن طلعَ عليه الفجرُ وهو يَطَأُ أو يأكلُ.
قال ابن الماجشون في "المَجْمُوعَة" في مَن افطر ناسياً، ثم اكل أو وطيءَ متعمداً. قال في "كتاب" ابن حبيبٍ: أو وطِيءَ خاصَّةً متأولاً فليُكفِّرْ.
قال ابنُ عبدوسٍ: وقاله المغيرةُ، ولم يرَ ابنُ القاسم، ـ وأشهبُ عليه كفَّارة، قال أشهبُ: لأنَّه مُتَأوِّلٌ. وقد تقدَّمَ هذا في باب فطر الصائم متأولاً.
ومن "العُتْبِيَّة" (ابن القاسم) عن مالك: ومَن اكل ناسياً في التطوُّعِ فأحبُّ له انْ يقضيَ، وليس بواجبٍ عليه. ومن "كتاب" ابنِ سحنون، قال عبد الملكِ، وسحنون: إنَّ المصابَ سهواً يقطعُ تتابع المُظاهر لقول الله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}. وكذلك القُبلَة والمُباشرة، ويقطَع الاعتكافَ. ثم رجع سحنون في المُظاهرِ في القُبلةِ، فقال: أمَّ القُبلَةُ فلا تقطع صيامه. قيلَ: في ليلٍ أو نهارٍ، ولا يكونُ أشدَّ من قُبلته في رمضانَ، وليس كالمعتكفِ؛ لأنَّ هذا وَطِيءَ غيرَ التي يُظاهر منها.

(2/50)


ومن "العُتْبِيَّة" قال مطرف، في المُظاهر، والمعتكفِ يُقبِّلُ امرأته ليلاً أو نهاراً: إنهما أفسدا ما هما فيه. وكذلك في جسِّهما إياهما. وأمَّا الصائمُ فلا يقضي إلا أَنْ يُمذي. وأما الحاجُّ فحَجُّه تامٌّ ويَهدي. قال: وإذا نسيَ أنْ يَصِلَ قضاءَ ما افطر لعذرٍ. أو ظنَّ أنَّ صومه فرغ فأفطر، فهذا يقطع التتابع بخلاف الفطر ناسياً.

في الكفارة في الفطر في رمضان، وما يوجبها
من "المَجْمُوعَة"، قال أشهب: إنما الكفارة في الفطر في رمضان فِسْقاً بغير تأويلٍ، فأمَّا في واجبٍ من ظِهارٍ، أو قتلِ نفسٍ أو غيره، أو قضاءِ رمضانَ، فلا، إلا التوبة.
قال ابن القاسم: قال مالك: في مَن يُفطِر في رمضانَ، بعد أنْ يحتلمَ، أياماً، فعليه عن كل يوم كفارة.
قال ابن القاسم، في مَن نوى بعد الفجر، ثم لم يُفطِرْ: فأحبُّ إليَّ أنْ يقضيَ، وليس بواجب. قال ابن حبيب: ومَن نوى الفطر بعد الفجر نهاره لم يفطر بالنية. وإذا بيَّتَ الفطر في رمضان حتى أصبح فليكفر، ويقضِ.
ومن "المَجْمُوعَة" قال ابن القاسم: إذا أصبح ينوي الفطر في رمضانَ فليقضِ. ويكفر. وقال أشهب: يقضي ولا يكفر. وتقدَّم هذا في باب التبييت.
قال ابن سحنون، عن أبيه، قال: قال ابن القاسم، في مَن نوى الإفطار

(2/51)


في يوم من رمضان نهاره كلُّه: أنَّه يقضي ويُكفِّرُ. وأنا أرى ألا كفارة عليه حتى يبيِّتَ الفطر، وأما إن نواه في نهاره فإنما يقضي استحباباً.
وقال مالك، في "المختصر" – وقاله ابن القاسم، وأشهب، في "المَجْمُوعَة" قال: وحدُّ ما يُفطرُ به الصائم من الطعام والشراب ما جاوزَ اللَّهَاةَ. ومن الجماع مغيبُ الحَشَفَةِ. قال مالكٌ، في "المَجْمُوعَة": أو إنزالُ الماء الدافق متلذذاً (من غير احتلام).
قال المغيرة، فِي مَنْ أكره امرأته على الوطء: فليُكفِّرْ عنها بعتقٍ، أو طعامٍ، والولاء لها. وإذا أكره أمَتَه، فأحبُّ إليَّ أنْ يُكفِّرَ عنها بالطعام، وعن نفسه بالعتق. فإنْ أعتقها قبل أَنْ يكفر عنها، فالإطعام عنها لازمٌ له. وفي باب مَن اُكره على الفطر من هذا، والاختلاف في الكفارة عن المكرهة.
وقول سحنون، وغيره: لا كفارة عليه عنها، ولا عليها.
قال أشهب: ويُكفِّرُ متعمِّدُ الفطرِ في رمضانَ بغير رقبةٍ – يريد مؤمنةٍ – أو صيام شهرين متتابعين، أو غطعام ستين مسكيناً حِنطةٌ. قال مالك، في "المختصر"، وغيره: مدًّا لكل مسكين. وقال أشهبُ: وغداءً وعشاءً، والإطعام أحبُّ إلينا، ثم الغداءُ والعشاءُ.
ومن "العُتْبِيَّة"، قال ابن الماجشون: استحبَّ مالكٌ، وغيره من اصحابنا الإطعام؛ لأنَّه كان المفعولَ في الحديث.
قال (ابن وهب): وما فعلَ من ذلك أجزاه، وأحبُّ إلينا العتق، ثم

(2/52)


الصومُ، ثم الإطعام.
ومن "كتاب" آخر لبعض أصحابنا: ويُكفِّرُ العبدُ، والأمَةُ بالصيام، إلا أَنْ يَضُرَّ ذلك بالسيد، فيبقى دَيناُ عليهما، إلا أنْ يأذن لهما السيدُ في الإطعام. وإنْ فعلَ العبدُ ذلك لمَن يلزمه أنْ يُكفِّرَ عنه فهي جنايةٌ، إمَّا أنْ يُسلمه السيد فيهما، أو يفديه بالأقلِّ من ذلكن أو من قيمته. ولو طَلَبَتِ المفعول ذلك بها، أُخِذَ ذلك. وتَصُومُ عن نفسها لم يُجزئها وإن رضيَ السيدُ؛ لأنَّه لم يجبْ لها فيصير ثمناً للصيامِ. والصيام لا ثمن له. وقد تقدم قول سحنون في المُكرهة.
قال مالكٌ، في غير كتاب: ولا كفارة في قضاء رمضانَ، ولا في شيءٍ من الصيامِ الواجبِ سِوَى رمضانَ.

في كفارة التفريطِ في قضاء رمضان
من "المَجْمُوعَة"، قال أشهب: ومَن فرَّطَ في قضاء رمضان حتى دخَلَ عليه رمضان آخرُ، وقد أمكنه القضاءُ قبله، فقد لزمه كفارة التفريط مُدًّا لكلِّ يومٍ – يريدُ من حِنْطَةٍ – فإنْ شاء عَجَّلَه قبل فراغِ هذا الرمضانِ الثاني، وإنْ شاء أخَّره حتَّى يزولَ ويأخذَ في قضاء رمضان الأول. وتعجيلُه أحبُّ إلينا، ولو عجَّلَ كفارةَ التفريطِ قبل دخول الرمضان الثاني، ثم لم يَصُمْ حتَّى دخل الثاني لم يُجْزِه ما كفَّر قبلَ وجو به. فإنْ كان عليه عشرون يوماً فلمَّا بَقِيَ لرمضان الثاني عشرة أيامٍ كفر عن عشرين لم يُجزِه منها إلا عشرة، وكذلك لا يُجزئُ المتمتع أَنْ يصومَ عن التمتعِ قبل أنْ يُهِلَّ بالحجِّ. وفي الباب الذي يلي هذا من هذا المعنى.

(2/53)


ومن "المَجْمُوعَة" قال أشهب، وابن القاسم: ومَن أفطر في سفرٍ أو مرض، فمات قبل يقدَمَ من سفره، أو يفيق من مرضهِ، فلا شيء عليه، وإنْ فرط بعد قدومهِ، أو إفاقته أياماً حتى دخلَ رمضان آخر، ولم يَصُمْ ثم مات فبعددِ تلك الأيامِ يلزمه مُدٌّ لكلِّ يومٍ. وقاله ابن القاسم، عن مالك. قال أشهب: يُجْزِئُهُ مُدٌّ لكلِّ يومٍ بالمدينة ومكَّةَ، وليخرجْ بغيرهما مُدًّا وثُلثاً؛ يريدُ الوسط من شبعِ كل بلدٍ. وابنُ القاسمِ: ولا كفارة عليه مما بقي من الرمضان الأول، وقاله أشهبُ، في المريضِ، ولم يذكر المسافر.
قال ابن حبيب: والمرضع إذا أفطرت، وأمكنها القضاءُ ففرَّطَتْ حتَّى دخلَ رمضانُ آخر، فلتُطعِم عن كلِّ يومٍ مُدَّيْنِ، مُدًّا للرضاع، ومُدًّا للتفرقة.
ومن "كتاب: أبي الفرج، أنَّه رُوِيَ عن مالك، في مَن فرَّطَ في قضاء رمضان، حتَّى لَزِمَتْهُ الكفارة فلم يُوصِ بها، فلا يلزم ورثته شيءٌ. ورُوِيَ عنه، أنَّه يكونُ في ثلثه، وإنْ لم يوص بها مبداه، والزكاة يبدأُ عليها.
والذي ذكر أبو الفرج، من هذه الرواية غيرُ ما عندنا من أصلِ مالكٍ.
وقال سحنون، في "كتاب" ابنِهِ، في متعمِّدِ الفِطْرِ في رمضان يُفرِّطُ في القضاءِ أيضاً على رمضان آخر: فإنَّه يقضي ويُكفِّرُ للتعمُّدِ، ويُكفِّرُ للتفريط بمُدٍّ لكلِّ يومٍ.

(2/54)


فِي مَنْ عليه قضاء رمضان، هل يؤخره أو يبدئُ عليه غيره أو يفرقه، ومَن تعمَّدَ الفطر فيه، ومَن لم يتعمَّدْ
قال ابن حبيب: ومن عليه قضاء رمضان، فلا ينبغي له أَنْ يتطوع بالصوم قبله، وقبل نذرٍ عليه ونرجو أَنْ يكون واسعاً إنْ بدأ بتطوُّعٍ ممَّا يُرَغَّبُ فيه، مثل عاشوراءَ، أو أيامِ العشرِ، ونحو ذلك.
قال في "العُتْبِيَّة"، من سماع ابن القاسم: (قال مالك): ومن عليه قضاءُ رمضانَ فلا أحبُّ أنْ يصومَ يومَ عاشوراءَ قبلَه، وأرجو أَنْ يكونَ خفيفاً. ولا باسَ أنْ يصومه قضاءً من رمضان.
ومن "العُتْبِيَّة"، ابن القاسم، عن مالك: ومَن رهقه رمضانُ، وعليه صومُ تَمَتُّعٍ، وقضاءُ رمضانَ، فإنْ كان في الأيام ما يكفي لذلك بدأ بالتمتعِ. وإنْ لم يكن بدا بقضاء رمضان.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال أشهب: ومَن فرَّطَ في قضاء رمضان فهو في سَعَةٍ ما لم يدخل رمضان آخرُ، أو يَمُتْ. (قبل أَنْ يقضيه). وله تأخيره (وإن أمكنه القضاء إلى ما يكون بينه وبين الرمضان الآخر ما يصوم فيه ما لزمه قبل يدخل الثاني ما لم يمُتْ قبل ذلك، وإن بقي إلى الثاني ايام أقلُّ ممَّا بقيَ عليه، فصامها فليس في سَعَةٍ ممَّا نقصَ من

(2/55)


ذلك، ورُوِيَ نحوُه عن عائشة. وإذا لم يزل مريضاً من ألأول إلى انقضاء الثاني فليبدأْ إذا أفاق بالأول، فإن بدأ بالثاني أجزأه.
وإذا كان عليه قضاء رمضانَ، وصيامُ ظِهارٍ، بدأ بأيِّهما شاء إلاَّ أنْ لا يُدركهما قبل رمضان ثانٍ، فليبدأْ بقضاءِ رمضانَ. قال: وليبدأْ بقضاءِ رمضانَ قبلَ نَذْرٍ نَذْرَه قبلَه. قال ابن القاسم، عن مالك: ولا يبدأ بالتطوعِ قبله، ولا قبل النَّذْرِ.
قال عنه ابن نافعٍ: وإنْ صام تطوُّعاً فذكرَ أنَّ عليه قضاءً من رمضانَ فليُتمَّ يوم التطوُّعِ، ثم يقضِ ما عليه، وقد أخطأ في تطوُّعهِ قبله.
قال أشهبُ: كما لا ينبغي أَنْ يتطوَّعَ بالحجِّ قبل الفريضة، وهو في الصَّلاَة أخفُّ، ما لم يَخَفْ فواتَ وقتها. يريدُ: وأمَّا إنْ ذكر صلاةً قد خرج وقتُها فلْيُبَادِرْ بها.
قال ابن القاسم، وأشهب: ومَن عليه نذْرُ شهرٍ بعينه فأفطره، فأحبُّ إلينا قضاؤه مُتتابعاً، ويُجزيه إنْ فرَّقه. وكذلك قضاءُ رمضانَ. قال ابنُ حبيبٍ: التتابُعُ في قضاء رمضان أحبُّ إلى مالك. وقال ابن عمرَ: إنْ أفطرَ متتابعاً فلْيُتابِعْه، وإنْ أفطرَه متفرِّقاً، فله أَنْ يُفرِّقَه.
ومن "المَجْمُوعَة" قال مالك، ومَن تسحَّرَ في قضاء رمضانَ في

(2/56)


الفجرِ ولا يعلم – قال في "المختصر"" تَسَحَّرَ فيه ولا يعلمُ. قال في "الكتابين": أو ناسياً فله أَنْ يأكلَ فيه، ويقضيَ. والمستحبُّ له أَنْ يتمادى، ويقضيَ. وكذلك ذكر ابن حبيبٍ. قال في "المختصر": وإن كان متطوِّعاً مضَى في صومهن ولا قضاء عليه.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال أشهب: كلُّ ما لم يذكر الله سبحانه فيه التتابع، فإنْ فرَّقَه أجزأه، وبئس ما صنع. قال ابن نافعٍ، في امرأةٍ طال مرضها وعليها رمضانُ، فصامتْ فصَعُبَ، عليها الصومُ يوماً وتُفطِرُ يوماً.
قال: نَعَمْ بقدرِ طاقتها.

في متعمدِ الفطر، في قضاء التطوُّعِ، أو في قضاء رمضان، وفي مفسدِ قضاء الحجِّ
قال يحيى بن يحيى، في "العُتْبِيَّة"، عن ابن القاسم: وإذا أفطرَ في التطوُّعِ من غير عُذْرٍ فليقضه، ثم إن أفطرَ في القضاء من غير عُذْرٍ فليقضِ يومين، وإذا أفطر في قضاء رمضانَ، فليقضِ يوماً مكانه، ثم إن أفطرَ في قضاءِ القضاءِ فعليه يومين، وأمَّا مَن أفسدَ حِجَّه فلزمه القضاءُ، فأفسدَ القضاءَ أيضاً. فعليه حجتين وهَدْيَيْن. ورَوَى سحنون، عن ابن وهبٍ أنَّه ليس عليه إلاَّ حجَّةٌ واحدة، وهديين، ورَوَى الأول، عن عيسى، عن ابنِ القاسم.
وذكر عن مالك، في إفطاره في قضاء القضاء، أنَّه يقضي يومين. وقال أيضاً ليس ليه إلاَّ يومٌ واحدٌ. ورَوَى سحنون، عن ابنِ القاسم، في موضعٍ آخرَ، أنَّ عليه يومينِ وليس بواجبٍ عليه.

(2/57)


في مَن أفطر رمضانَ كُلَّه فقَضى شهراً
أقلَّ عدداً من أيَّامِهِ أو أكثرَ
(قال أبو محمد): أخبرنا أبو بكر بن محمد، قال: روى ابن وهب، عن مالك، في مَن أفطر رمضانَ كلَّه في سَفَرٍ أو مرض، فكان تسعاً وعشرين، فأخذ في قضائه شهراً، فكان ثلاثين: أنَّه يصومه كله. وإن كان شهرُ القضاءِ تسعةً وعشرينَ، ورمضانُ ثلاثين أجزأه.
قال أبو بكر بن محمد، وقال محمد بن عبد الحكم: إنما عليه أَنْ يصومَ عدَّةَ أيامِ التي أفطر.

في شهريِ الظهارِ، هل يبدأ فيهما من ذي القعدةِ، أو من شوال
من "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم: يُرجِّحُ مالكٌ في مُبتدئِ صومِ كفَّارة الظِّهار، أو القتلِ، من ذي القعدةِ. وقال: عسى أنْ يُجْزِئُهُ إنْ جَهِلَ، ويبتدئَ أحبُّ إليَّ.
قال في "المختصر": ومن عليه صوم شهرين متتابعين، فبدأ بذي القعدة. فإن فعل ذلك متعمِّداً يَعلمُ أنَّه يَمُرُّ بأيامِ النَّحرِ فليبتدئِ الشهرين، وإن نسيَ أو غفل، فإنِ ابتدأهما فهو أحبُّ إلينا وأحوط له. فإنْ أفطر يومَ النحر، وصام أيام التشريق، فإنْ وصل اليوم الذي أفطره

(2/58)


رجوتُ أنْ يُجْزِئُهُ، ويبتدئَ أحبُّ إلينا.
قال في "المدونة"، فِي مَنْ صام لظهار فَمَرِضَ، ثمَّ صحَّ في أيام النحر:
فلا يصومها وليَصُم الرابع من أيام منًى.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال أشهب: ولا يبتدئُ من ذي القعدةِ في شهورِ نذرها متتابعات، فإن فعل فليقطَعْ صيامه متى ما استفاق، ويبدأ في وقتٍ لا يُعارضه في صومه ما يجب فطره. فإن كثرت شهور النذر، حتى لا يسلم من ذلك، فليبتدئ فيما يكونُ أقلَّ عليه فيما يُعارضه من هذه الأيام، وليَخُصَّ يوم الفطر والنحر بالاجتهاد في السامة منه. وإن لم يقل في نذره في نذرع متتابعاتٍ، ولا نواها فلا يقطع صيامه إلا أنْ يكون لم يمضِ منه إلا يوم أو يومان، وما ذلك بلازم له وليتمادى، أو يُفطِرْ من الأيام ما نُهِيَ عن صيامه، ويقضيه وغيره مما افطر بعد ذلك؛ لأنَّه ليس عليه تتابعها، ولم يدخل تلك الأيام في نذره، ولو نذر ما لم يقضها؛ لأنَّه نذر معصيةٍ، ولا يجوز أنْ يصومَ بعد ذلك بظهاره شعبان، ثم يصوم رمضان لفرضه، ثم شوال لظهاره، ولو قرن إلى شوالٍ شهراً آخرَ لظهارهِ أجزأه. يريدُ أشهب: (إذا قضى يوم الفطر ووصله بآخرِ صومهِ، قال ابن القاسم وأشهب: ومن صام لظهاره رمضانَ والشهرَ الذي قبله جاهلاً، يريدُ أنْ يقضي رمضانَ بغير ذلك، فلا يُجْزِئُهُ عن ظهاره ولا عن رمضانَ) قال أشهب: وكذلك لو جهل فنوى به لرمضان ولظهاره لم يُجزِه لواحدٍ منهما. قال أشهب: لو صام في آخرِ كفَّارتِهِ يوماً من قضاء رمضانَ، فإنَّه يُبطل ما صام قبلَه لظهاره، وكذلك لو نوى برمضان عن رمضانَ وظهاره.
قال ابنُ حبيبٍ: لا ينبغي أَنْ يبتدئَ صومَ ظِهارٍ، أو قتلٍ، أو كفارة رمضانَ، في ذي القعدة، فإنْ فعل أجزأه ويصلُ قضاءَ أيام النحر الثلاثة، وكذلك يُجْزِئُهُ إنْ بدأَ في شعبان فصام رمضانَ لفرضهِ. وشوالاً

(2/59)


لكفارته، يريدُ ويقضي يوم الفطرِ ويصله. ولو نوى برمضان فرضه وكفارته لم يُجزه لواحدٍ منهما وهذا في باب تقدَّم.

في مَن صام لظهارين فوصلهما، ثم ذكر يوماً أو يومين
من "العُتْبِيَّة"، قال سحنون، عن ابن القاسم، في مَن صامَ لظهارين فوصل أربعة أشهر ثم ذكر يومين، لا يدري من أيِّ ظِهارٍ: فليصمْ يومين، ويأتي بشهرين.
ومن "كتاب" ابن عبدوس، وابن سحنون، قال عبد الملكِ: إنْ وصلهما، ثم ذكر يومين أفطرهما نِسياناً – قال في "كتاب"، ابن سحنون: أو خطأً، فأقلُّ ما يُجْزِئُهُ يومٌ يصله بالشهرين الآخرين، ثم يأتي بشهرين؛ لأنَّ أكثر ما عليه أنْ يكونَ يوماً من آخر الكفارة الأولى، ويوماً من أول الثانية. ولو افطر ثلاثة أيام متتابعة فليصل الآخرة بيومين، ثم يبتدئ كفارة. ولو وصل ثلاثة كفارات، ثم ذكر يومين متصلين، فليأتِ بيومٍ وكفارتين. قال أبو محمد، وعلى أصل ابن القاسم: يأتي يومين يصلهما بآخر كفارة، ويقضي كفارتين، وكذلك لو كانتا كفارتين صام يومين في آخرهما، ثم صام كفارة. وقولُه أوَّلاً؛ لأنَّه لا ينبغي أنْ يزولَ عن كفارةٍ حتَّى يُصلِحَهَا على ابعد الاحتمال فيها، كما أنَّ مَن ذكر سجدةً لا يدري من أيِّ ركعة، أنَّه لا يدعُ الركعةَ التي هو فيها حتى يُصلحها على إمكان ذلك فيها. وإنْ كان لابد له من أنْ يأتي بركعةٍ، وكان ينبغي على قول عبدِ الملكِ أن لا يسجدَ ويأتي بركعةٍ وهذا إنما هو قول لأشهبَ ذكره عنه البرقيُّ في الصَّلاَة، وليس بالقويِّ.

(2/60)


في مَن لَزِمَه شهران متتابعان فسافر، هل يُفطِر، وكيف إن مرض في سفره فأفطر، وكيف إن أفطر في الحضرِ لمرضٍ، أو نسيانٍ، أو لعذرٍ، أو تعمَّدَ الفِطر
من "المَجْمُوعَة": أشهبُ، عن مالكٍ، وهو في "الموطأ: ومن لزمه صوم شهرين متتابعين، في كتاب الله عزَّ وجلَّ، فليس له أنْ يُفطِرَ في السفرِ. قال أشهبُ: فإنْ فعلَ ائتنفَ كلّ ما صام. قال المغيرةُ: بخلاف المرض؛ لأنَّ السفرَ هو أدخله على نفسه. قال مالك، في "المختصر"، مثله. وتقدَّمَ هذا في باب السفر.
قال ابن القاسم، عن مالكٍ، في "المَجْمُوعَة" ولو مرضَ في السفرِ فأفطرَ، فإنْ كان مرضاً أهاجه السفرُ فليبتدئْ، وإن كان لغير حرٍّ أو بردٍ فليَبْنِ، ولكني أخاف أنِ السفرَ سببُ ذلك. ومن الأمور أمورٌ مشكلةٌ، وكأنَّه أحبَّ أنْ يبتدئَ، وهو أحبُّ إليَّ. قال ابن القاسم، وابن وهب، وأشهبُ عنه، فِي مَنْ صام شهري التتابع، ثم أفطر لمرض، أو امرأة، تحيضُ، فإنَّه يبني بعد رؤيةِ الطُّهرِ في الحائضِ، وبعد الصحَّةِ في المريضِ متصلاً، ويُجزئُ ذلك وإنْ أخَّرا ذلك عن الاتصال يوماً واحداً. ائتنفا، وكذلك لا يُقطع التتابع للأكل سهواً، أو ظنًّا أنَّ الشمسَ غَرُبَتْ، أو في الفجرِ ولا يعلم. قال ابن القاسم: وكذلك إن تقيَّأ فيه، أو صبَّ أحدٌ الماءَ في حلقه مكرهاً في ذلك. قال أشهبُ: وليمضِ على صيامه في ذلك اليوم، في ذلك كله، فإنْ لم يفعل فليبتدئْ صيامه إلا في المرض والحيضِ، فالفطرُ مُتِّصِلٌ فيهما. قال المغيرة، وعبد الملك: وإن ظنَّ أنَّه أكملَ العِدَّةَ، فبيَّتَ الفطرَ، فأصبح ونيَّتُه الفطرُ فليأتنفِ الشهرين، وهذا عامدٌ بخلاف المفطِرِ

(2/61)


ناسياً. قال عبدُ الملك: ولو نسيَ أَنْ يصلَ قضى ما مَرِض فيه بالشهرين، فهو كالعامدِ ويبتديءُ، وإذا أفطر عامداً أبطل ما تقدم من صومه بعد ذلك يُحسبُ له إن بنى عليه فأتمَّ شهرين.

في من نذر صيام أيام بأعيانها فأفطرَ ناسياً، أو لعذرٍ من مرضٍ، أو لغيره، أو لسفرٍ، وكيفَ إن أفطرَ عامداً
قال ابنُ القاسم في "المدونة"، في ناذر صيام عشرة أيام بأعيانها، أو شهرٍ بعينهِ، فصامَ بعضها، ثم تسحَّرَ في الفجرِ، ولم يعلمْ، أو أكل ناسياً، فليمضِ على صيامه، ويقضِ يوماً مكانه. قال سحنون، في "كتاب" ابنه: لا قضاءَ عليه في ذلك، وهو كما لو مرضها.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن نافعٍ: ومَن نذر صوم شهرٍ بعينه فمرضه، فلا يقضيه، إلا أنْ ينوي أَنْ يجعله كرمضان يقضيه، فليفعلْ. قال عبد الملكِ: إنْ كان شهراً ويوماً يُرْجَى بركته فَنَذَرَهُ فأفطرَ بغلبةٍ، فلا يقضيه. قال المغيرةُ، وأشهبُ: كلُّ ما كان بعينه فلا يقضيه إن مرضه.
قال أشهبُ: ولكن استحبُّ له القضاءَ. وكذلك ناذرُ حَجِّ عامٍ بعينه يمنعه فيه مرض، أو سلطانٌ، يريدُ قبلَ أنْ يُحْرِمَ.
قال ابنُ القاسم، عن مالكٍ، في ناذرِ صيامِ رمضانَ عامَه بالمدينة، فمرضه، فلا شيء عليه. فإن شُغلَ عن ذلك، فليَصُمْ فيها رمضانَ فابلاً.
قال ابن القاسم، وأشهبُ، في مَن نذر صيام هذه العشرة الأيام بأعيانها فتسحَّرَ في الفجرِ في يومٍ منها، ولم يعلم وأكل ناسياً فليقضه.
قال أشهبُ:

(2/62)


ويُستحبُّ أَنْ يصِلَه، فإن لم يصله فلا شيء عليه. ولو تعمَّدَ الأكل، في بقية ذلك اليوم لم يأتنفِ الصيامَ، وكذلك لو أفطر يوماً فإنَّمَا عليه قضاءُ يومٍ.
ومن "المَجْمُوعَة" قال أشهبُ: ومَن قال: لله عليَّ صومُ غَدٍ، فأفطرَه عامداً فليقضه، ولا كفارة عليه.
ومن "العُتْبِيَّة"، عيسى، عن ابن القاسم، فِي مَنْ حلف بالله، أو بطلاقٍ، لَيَصُومنَّ غداً، فأفطر ناسياً، فلا شيء عليه. قال المغيرةُ: وإذا نذرَ شهراً بعينه فصام أوَّلَه، ثم مرضَ، صمَّ صحَّ في بقيَّةٍ منه، فليس عليه إلا صومُ ما بقي منه. وإن تركَ عشرةَ أيَّامٍ من أوَّلِهِ بغيرِ عُذْرٍ. ثم مَرِضَ باقيه، فليقضِ الشهر كلَّه. ولو ترك عشرة أيامٍ من أوله، ثم نذر فابتدأَ صومَ باقيه فصام يوماً، ثم مرض بقيته فليس عليه إلا قضاء العشرة الأولى التي ترك تفريطاً. ولو ترك الشهر كله ناسياً كان عليه قضاؤه، وقد ذكرنا قول سحنون، في هذا الأصل.
قال المغيرةُ، في أصل "كتابه": لو افطرَ عشرة أيامٍ من أوَّلِهِ من غير عُذْرٍ، صام باقيه، أضاف إليه العشرة التي أفطرَ وأجزأه. ولو صام أوله، وأفطر عشرة أيامٍ من آخره، ائتنف شهراً ولم يُجزه أَنْ يبني. قال: لأنَّه شرطَ شهراً متتابعاً فلا يُجزيه تفريقه. وعليه أنْ يبتدئَ ثلاثين

(2/63)


يوماً متتابعةً، إلا أَنْ يكون الشهرُ الذي نذر كان تسعاً وعشرين يوماً فليس عليه إلا عدة أيامه.
ومن "العُتْبِيَّة" روى أبو زيدٍ عن ابنِ القاسمِ في مَن نذرَ إن شفاه الله أَنْ يصومَ شوَّالاً، فأفاق في نصفه؛ فليس عليه إلا صيام باقيه.

في مَن نذرَ أنْ يصومَ شهراً، أو عاماً، بغيرِ عينه، فبدأ في بعض الشهر، أو في أوَّلِهِ، وهل له أنْ يُفرِّقَه، وهل عليه قضاؤها في ذلك مما لا يُصام، والعامُ بعينه، أو بغير عينه
من "المَجْمُوعَة"، روى ابن وهبٍ، عن مالكٍ، في مَن نَذَرَ صوم شهر بغير عينه، فله أنْ يبدأَ في الهلالِ فيُجزئَه، بلغَ الهلالُ ثلاثين يوماً، أو تسعةً وعشرين، فإنْ بدأَ دونَ الهلالِ أكملَ ثلاثين يوماً. قال أشهبُ: وكذلك إذا فرَّقَ. قال ابن حبيبٍ: ولو أخذ فيه من أوله ثم قَطَعَه.
ومن "المَجْمُوعَة" قال ابنُ القاسم، عن مالكِ: وكذلك ناذِرُ شهرين غير معينين، ولا متتابعين، فإنْ شاء للأهلَّةِ أجزأه، وإن فرَّقهما فستُّونَ يوماً، وغ، بدأ في بعض شهرٍ، وتمادى فيهما فيصير للأهلَّةِ شهرٌ، ويبني على الأيام التي قبله تمام ثلاثين يوماً. وكذلك في ناذر شهرين متتابعين يبدأ في بعض شهرٍ. وكذبك المُعْتَدَّةُ، يموتُ زوجُهَا في بعض الشهر، فَتَعْتَدُّ تلك الأيام، ثم ثلاثة أشهرٍ بالأهلَّةِ، ثم تكمل على الأيام الأولى تمام الثلاثين يوماً،

(2/64)


وعشرة أيامٍ. وقاله أشهبُ، وعبد الملك، في الصومِ. قال عبد الملك: ومن نذر صيام ستين يوماً، فليس له في نقص الأشهرِ تخفيفُ صيام للأهلَّةِ، أو لغيرها.
قال ابنُ حبيبٍ، قال ابنُ الماجشون، في ناذر شهرٍ بغيرِ عينهِ: إنْ بدأ في نصف الشهر، فليُكْمِلْ ثلاثين يوماً على ما صام منه كان ناقصاً، أو تامًّا.
قال ابنُ الماجشون: وقيل: إنَّ النصفَ الأولَ، وإنْ كان أربعة عشرَ يوماً فليعتدَّ به نصفاً، ويُتبعه خمسةَ عشرَ يوماً. والأول أحبُّ إلينا. وذكر ذلك ابن سحنون، عنه، وقال: في القول الذي أعابَ. وكذلك إنْ حلفَ ليُكَلِّمَنَّ فلناً قبل أَنْ يمضي نصف الشهر فكلَّمَه يوم خمسة عشرَ، بعد العصر، ثم نقصَ الشهر يوماً، أنَّه لا يحنَثُ؛ لأنَّ العملَ في النصف الأول على خمسة عشرَ، لا على أربعة عشر ونصف في نقصه وبعضه، فكذلك لا يكون الأربعة عشر نصفاً من الناقص.
ومن "المختصر": وإذا لزمه شهران غيرُ مُعيَّنَيْن فبدأ من رأسِ الهلالِ، ثم مرضَ، أو كانت امرأة فحاضتْ، فإنَّمَا تَتِمُّ على عددِ الشهرِ كان تسعةَ وعشري أو ثلاثين.
ومن "المَجْمُوعَة": واختلف قولُ مالكٍ في ناذر سنةٍ بعينها، هل يقضي

(2/65)


ما لا يُصام منها. وقال أشهبُ: أحَبُّ إليَّ أنْ يقضيَ، إن كانت بعينها، أو نواها تِباعاً، وما ذلك عليه بواجبٍ؛ لأنَّه لو نذرَ صيامَ يومِ الفطرِ، وأيام النحرِ، فقد نذر معصيةً، فكذلك ناذر شهور فيها ذلك، إلا اليوم الرابع من أيام التشريق فليفطره، ويقضه أحبُّ إليَّ، وليس بواجبٍ، ولا قضاءَ عليه فيما مرض في شهرٍ بعينه.
ورَوَى ابن القاسم، عن مالكٍ أنَّه: يصوم اليومَ الرابعَ أيامَ النحرِ، ويومَ الفطرِ إلاَّ أنْ ينويَ إلا يقضيها. قال عنه ابن وهبٍ: إنْ نذرَ سنةً، فإن نوى التي هو فيها فلا يقضي رمضان، ولا ما لا يُصامُ، وإنْ نوى سنةً سِوَى رمضان، فهو كما أراد. وإن لم ينوِ له نية فليصُمَ اثنى عشر شهراً ليس فيها رمضانُ، ولا ما لا يُصامُ من الأيام.
قال مالكٌ، في "المختصر": إن نذر سنة بغير عينها، فليقضِ رمضانَ، ويُفطِرْ يوم الفطر، ويوم النحر، وأيام مِنًى الثلاثة ويقضها.
قال ابنُ حبيبٍ: لأنَّ السنة بغير عينها فكأنه لم ينذر الرابع بعينه، فلذلك أمرَ أنْ يُفطِرَه، ويقضيه. قال: ولو كانت بعينها لم يكن عليه قضاءٌ، لما فيه من مرضٍ، أو حيضٍ في المرأةِ، ولا رمضانَ، ولا ليومِ الفطرِ وأيام النحر الثلاثة، وأمَّا اليومُ الرابع فيصومه؛ لأنَّه يلزم من نذره، أو نذر ذا الحجة، أو سنة بعينها، ولا يصومه متطوِّعٌ، ولا يقضي فيه صومٌ. قال ابنُ حبيبٍ: ومَن نّرَ صومَ سنةٍ بغير عينها، أو شهرٍ غير معيَّنٍ أو أيامٍ، فابنُ كنانةَ يقولُ: يتابعها حتى ينويَ التفرقة، وابن القاسم يجيز له التفرقة في ذلك كله حتى ينويَ التتابع. وابن الماجشونُ يوجبُ في الشهر والسنةِ أو جزءٍ من شهرٍ أَنْ يتابع حتى ينويَ التفرقة، وأما أياماً، فله أَنْ يُفرِّقَها

(2/66)


حتى ينوي التفرقة، وأما أياما، فله أَنْ يُفرِّقَهَا حتَّى ينويَ المتابعُ. وهذا قول ابن شهاب، وبه أقولُ. (قال ابن الماجشون): وناذر صيام سنةٍ بغيرِ عينها عليه أنْ يُتابعَن ويصلَ صيامه بقضاء رمضانَ منها، ويوم الفطر، وأيام الأضحى الأربعة؛ لنهي النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن صيامها، فإنْ أفطر يوماً واحداً قبلَ أَنْ يصلَ ذلك بالسنة، ابتدأ السنة، وكذلك قضاه لما افطر بمرضٍ، وإنما أمر بفطر اليوم الرابع، ويقضيه؛ لأنها سنة بغير عينها، ولو كانت بعينها لم يُفطره. وكذلك في "المختصر".
في من نذر صوم يومٍ، يقدم فيه فلانٌ، أو يوم
يقدم هو، أو نذر صيام يومٍ بعينه فأُنسيه، أو نذر أَنْ يصومَ هذا اليوم شهراً، أو قال: هذا اليوم شهراً
من "المَجْمُوعَة"، من نذر صيام اليوم الذي يقدم فيه فلان، فقدم فلان ليلاً، فليصُم صبيحة ليلته. قاله ابنُ القاسم، وأشهبُ، وعبدُ الملكِ. وإن قدمَ نهاراً ولم يعلمْ، فابنُ القاسمِ يقولُ: لا شيء عليه. وقال أشهبُ، وعبد الملكِ: يقضيهِ. قال أشهبُ: ولو كان قد بيَّتَ صومَه تطوُّعاً، أو لقضاء رمضانَ، أو لغيره، فلا يُجْزِئُهُ لنذره، ولا لما صامه له. قال ابنُ

(2/67)


الماجشون: ولو علمَ أنَّه يدخل أول النهار، فبيَّتَ الصومَ لم يُجزه؛ لأنَّه صامَه قبل وجو به. قال عنه ابن حبيبٍ: وليصم اليوم الذي يليه. وقال أشهبُ، وأصبغُ. وقال ابن القاسمِ: إنْ مرضه، أو قدم نهاراً، فلا شيء عليه. وبالأول أقول.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال أشهبُ: ولو قَدِمَ فلانٌ ليلة الفطر، أو يومه، فلا قضاء عليه، ولا صومَ كناذرِ صومِ غَدٍ، فكان يوم الأضحى، وهو يعلم، أو لا يعلم. وإن نذر صيام يوم قدومه أبداً لزمه، إلا أنْ يُوافق يوماً لا يحل صيامه فلا يصومه، ولا يقضيه. ولو قدم ليلة الاثنين، وهي ليلة الفطر، فلا يصوم صبيحتها ولا كل اثنين يوافق ما لا يحل صيامه فيما يُستقبلُ، ولا يقضيه. وكذلك روى ابنُ القاسمِ، وابنُ وهبٍ، عن مالكٍ. قال: ولا يقضي ما مرض فيه من ذلك إلا أنْ ينويَ قضاءه، وقضاء ما يلزمه فطره، فيلزمه ذلك. وقال ابن وهبٍ: قال مالكٌ، حين سأتله عن هذا: أخسر الناسِ مَن باع دِينه بدُنْياه، وأخسرُ منه مَن باع دينه بدُنيا غيره. قال مالكٌ: فلا تحمل لأحدٍ منه على ظهرك.
قال ابنُ حبيبٍ: ومن نذر صوم يومٍ يقدمُ فيه بلد كذا، فقدم نهاراً فليقضِ. وإن قدم ليلاً فليصبح صائماً، ولو مرض فيه، أو كان مريضاً، فليقضه؛ لأنَّه لم يقصد إلى تعيين اليوم، إنما قصدَ أنْ يصومَ شكراً وقد نوى تعجيله فليصمه في أول ما يصحُّ.
ومن "العُتْبِيَّة"، قال سحنون: قال ابن القاسمِ: ومن نذر

(2/68)


صيامَ يومِ يقدم فلان أبداً، فقدم في يوم، فنسيه، فليصم آخر يومٍ من الجمعة وأولها السبت.
قال ابن سحنون، عن أبيه: ومن نذر صوم يومٍ بعينه، فنسيه، فقال: يصوم يوماً أيَّ يومٍ شاء، قال: يصوم آخر يومٍ من الجمعة، كأنَّه قضَى له أنْ يقدمَ، ثم رجعَ، فقال: يصوم أيام الجمعة كلها. ولو نذر أَنْ يصومه أبداً فنسيه فليصم الدهر كله. قال: ومن قال لله علي أن أصوم هذا الشهر يوماً، فعليه أَنْ يصوم يوما منه واحداً، وإن نذر أَنْ يصوم هذا اليوم شهراً، فليصم مثل ذلك اليوم ثلاثين يوماً.

جامع بقية مسائل النذور في الصوم
من "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم: ومن نذر صوم غدٍ، فكان يوم فطرٍ، أو أضحى وهو يعلم، أو لا يعلمُ، فلا شيء عليه. قال أشهبُ: وكذلك المرأة تنذر صيام أيام حيضتها، إلا أن تعني مثلها، أو مثل عددها، فلا تقضي. قال أشهبُ: ومَن نذر صوم غدٍ فأفطره عامداً، فليقضه. ولا كفارة عليه.
ومن "العُتْبِيَّة"، من سماع أشهبَ، ومن نذر إن خلَّصه الله من كذا أَنْ يصوم الاثنين والخميس أبداً، فسافر فيهما، قال: ذلك على نيته، فإن لم ينوِ شيئاً فليصمهما في السفرِ، فإن شقَّ عليه أفطر وقضاهما.
وعن امرأة نذرت يوماً تصومه أبداً، ثم نذرت صيام سنةٍ، فلا قضاء

(2/69)


عليها لذلك اليوم، إذا قضت السنة.
قال عيسى، عن ابن القاسم، فِي مَنْ نذر في سفره صيام خمسة أيامٍ في أهله إنْ شفاه الله فقدم فلم يصم، ثم سافر، فليصمهما في السفر ويُجزئه.
قال: ومن قال: لله عليَّ صيامُ هذه السنة، وهي سنة وثمانين، وقد مضى نصفها، قال: عليه صيام اثني عشر شهراً.
ومن "الواضحة"، قال ابن الماجشون: ومن نذر صيام الدهر، فأفطر يوماً ناسياً، فلا شيء عليه، وإنْ أفطره عامداً فعليه كفارة من افطر يوما من رمضان أو لا يجد له قضاءً.
وقال سحنون في "كتاب" ابنهِ: كفارته إطعام مسكينٍ. قال سحنون: وإن لزمته كفارة يمينٍ بالصومِ، فليصم ثلاثة ايامٍ عن يمينه، ويطعم عن كلِّ يومٍ مُدًّا.
قال ابنُ حبيبٍ: ومن نذر صيام الدهر، أو نذر صيام الاثنين والخميس، ثم لزمه صوم شهرين لظهاره، فليصمهما لظهاره، ولا شيء عليه لما نذر من صيام الدهر، أو من الأيام المُسمَّاةِ. قاله مالكٌ. وعلى قولِ سحنون، يُطْعِمُ عدَّة ما صام لكلِّ يومٍ مُدًّا، وهو أدنى الكفارة في الصوم، كفارة التفريط، ومسألة من نذر إن رزقه الله كذا ليصومنَّ ثلاثة أيامٍ، فَرُزِقَ أقلَّ من ذلك، فصام قبل تمام ذلك. في كتاب الأيمان والنذور.
ومن سماع ابن القاسم، ومن نذر صياماً بمكَّة، أو بالمدينة، أو شيءٍ من الثغورِ يُرْجَى بركته، لزمه ذلك. وإن نذر أَنْ يصوم بالعراق ونحوها، صامَ بموضعه.

(2/70)


في الصائم متطوعاً، هل يفطر لقسمٍ، أو لرضاء أبويه، أو يختار الفطر ليقضيه، هل له ذلك؟ أو لسفرٍ، أو لغيره، وجامع الفطر في التطوُّعِ
من "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم، وأشهبُ، عن مالكٍ: لا ينبغي لمن دخل في صومٍ أو غيره من أعمال البرِّ، أَنْ يقطعه حتى يُتمَّه، إلا لضرورة تلحقه كما يفعل في الفرض.
قال عنه أشهب، وابن نافع: وإن زاره أهله فعزموا عليه أَنْ يفطرَ، فلا يفعل.
قال عنه ابن القاسم، في "العُتْبِيَّة": إنَّ حسين بنَ رستم حضرَ صنيعاً عند رجلٍ له شرفٌ، فأراده على الفطر، وألحَّ عليه، وصيامه تطوُّعٌ، فأبى، وقال: أكره أن أُخْلِفَ الله ما وعدته.
ومن "الواضحة" قال: وقد قال ابنُ عمر: ذلك الذي يلعبُ بصومهِ.
وهو كلّه في "كتاب" ابنِ حبيبٍ.
قال ابن حبيبٍ: قال مطرِّفٌ: وإنْ حَلَفَ عليه رجلٌ بالطلاقِ، أو العتقِ، والمشي، وشبهه فليحنثه، ولا يفطر، إلا أنْ يكون لذلك وجهٌ، وليحنثه، في اليمين بالله، وإن حلف هو ليفطرنَّ، كفَّرَ، إلاَّ في أبويه يعزمان عليه على فطرهِ، فأحبُّ إليَّ أنْ يطيعهما، وإن لم يحلفا إذا كان رِقَّةً منهما لإدامة صومه هذا.

(2/71)


قال مالك: فِي مَنْ يكثر الصوم، أو يسرده، فأمرته أمُّه بالفطر فليطعها.
وقد فعله رجال من أهل الفضل.
ومن "المَجْمُوعَة"، ابن القاسم، عن مالك: وإنْ سافرَ في صومِ التطوُّعِ فأفطرَ، أو تطوَّعَ به في السفرِ فأفطرَ، فليقضِ، إلا أنْ يُلجئه إلى ذلك حرٌّ، أو عطشٌ، أو مرضٌ، فلا يقضي.
قال مالك، في المختصر، فِي مَنْ تطوَّعَ في السفرِ، ثم أفطر متعمداً فليس قضاؤه بواجبٍ عليه كما هو في الحضر – يريدُ، وأحبُّ إليَّ أنْ يقضيَ – قال: ولو أصبح في الحضر صائماً، ثم سافر فأفطرَ، فليس قضاؤه بالواجب.
وفي "كتاب" ابن حبيبٍ، عن مالكٍ، إنْ تطوَّعَ في السفرِ، ثم افطرَ من غير عذرٍ، فلا قضاء عليه. وأما في الحضر، أو يسافر بعد أنْ يُصبح فأفطر لغير عذر فليقضِ.
ومن "المَجْمُوعَة"، ابن نافع، عن مالكٍ، في المفطر متعمداً في التطوُّعِ بأكلٍ أو وطءٍ، فليس لكفِّه عن الطعامِ بعد ذلك وجهٌ، وقد أساءَ؛ يريدُ، ويقضي.
قال أشهب: وإذا سافر في التطوع فأخذه حَرٌّ، أو عطشٌ، ولم يخف منه على نفسه، فأفطر فليقضِ، إلا أَنْ يخافَ فيه، فلا يقضي.

(2/72)


في صيام العبد تطوعاً بغير إذن سيده، أو الحُرِّ بغير إذن أبويه، وصيام المرأة بغير إذن الزوج، مسلمةً أو نصرانيَّةً
قال ابن حبيبٍ: وإذا علمت الزوجة، والسريَّةُ، وأم الولد حاجة الرجلِ إليها فلا تصوم إلا بإذنه، فإن أذنَ فلا يقربها حتى تفطر، وإن كان غائباً أو مُسِنًّا لا ينشطُن فلا أذن له عليها. وأما الأَمةُ للخدمة غير أمِّ الولدِ والسُّرِّيَّةِ، فلا إذن عليهن إلا أنْ يَضْعُفْنَ عن الخدمةِ فيستأذنه حضرَ أو غابَ.
وكذلك ذكورُ العبيدِ إلا في قضاءِ رمضانَ فلا إذن على جميع من ذكرنا فيه وإن أُضعفَ جميعهم.
ومن "المَجْمُوعَة" ذكر غيرُ واحدٍ من أصحاب مالكٍ، عن مالكٍ نحوَ ذلك.
وقال أشهبُ: لا تصوم الزوجة إلا بإذن الزوجِ، والمملوكُ بإذنِ السيِّدِ، وإن صاما فلا يجوز لهما الفطر إلى الليل – يريد إلا أَنْ يُكرههما.
قال ابن وهب، عن مالكٍ، في الرجل تأمره أمُّه بالفطر: فإن كان ممن يسرد الصيام أو يكثر منه، فليطعْهَا. وقد فعل ذلك رجالٌ من أهلِ الفضلِ بأمِّهاتهم. وقد تقدم هذا في باب الصيام تطوُّعاً.
ومن "العُتْبِيَّة" قال أصبغ، عن ابن القاسم: ولا يُكره المسلم زوجته النصرانية على الفطرِ في صومها الذي هو من دينها وشريعتها، ولا على أكل ما يجتنبون في صومٍ أو غيره، قال أصبغُ: ولا عليه منعُها

(2/73)


إياه، ولا له أنْ يمنعَهَا من ذلك كَرْهاً، وتلا: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.

في صيام أيام منًى، ويوم عرفةَ، وعاشوراءَ والأيام البيضِ
من "المَجْمُوعَة" روى عدد من اصحابِ مالكٍ، أنَّه لا يصوم يومَ الفطرِ ويوم النحر أحدٌ. وأما اليومان بعد يوم النحر فإنما يصومهما المتمتع.
وقد رويَ عنه في "المختصر"، في مبتدئِ صومِ الظِّهَارِ من ذي القعدة – نَسِيَ أو عقل – فأفطر يوم النحر، وصام أيام منًى، ووصل قضاءَ يوم النحرِ بصيامهِ: رجوتُ أنْ يُجْزِئُهُ، ويبتدئُ أحبُّ إليَّ. قال عنه غيرُ واحدٍ: إنَّ اليومَ الرابعَ لم يختلف قولُه فيه انَّه يصومه من نذره، وأن يَصِلَ فيه صياماً واجباً، ولا يبتدئَ فيه، ولا يُصام تطوُّعاً. قال ابن حبيبٍ: اليومُ الرابعُ من أيام منًى لا يصومه متطوِّعٌ، ولا يقضي فيه نرٌ. ويصومه مَن نذره، أو نذر ذا الحجة.
وقال أشهبُ: وإنْ صام يوماً من أيام منًى متطوِّعاً أو يقضي به واجباً، فليفطر متى ما ذكر من نهاره، وإن أتمَّه لم يُجزه عن واجبٍ. قال عنه ابن نافع: أحبُّ إليَّ أنْ لا يُصامَ أيامَ منًى في الفديةِ. وما سمعت ذلك إلا في المتمتع.
قال ابن وهب: وفطرُ يومِ عرَفَةَ للحاجِّ أحبُّ إلينا؛ لأنَّه أقوى له. قال أشهبُ: ولا شكَّ أنَّه يُرْجَى في صيامه لغيرِ الحاجِّ ما لا يُرْجَى في صيام غيره،

(2/74)


وفطره للحاجِّ أحبُّ إلينا؛ لئلا يَضْعُفَ عن الدعاءِ، وقد افطره النبي صلى الله عليه وسلم في الحجِّ.
قال أشهبُ: وصيام يوم عاشوراءَ مستحبٌّ، لما يُرْجَى من ثواب ذلك وليس بواجب.
ومن "العُتْبِيَّة"، و "المَجْمُوعَة"، ابن القاسم: سئل مالكٌ عن صيام الأيام الغرِّ يوم ثلاثة عشرَ، وأربعة عشرَ، وخمسة عشرَ، قال: ما هذا ببلدنا، وكره تعمُّدَ صومها، وقال: الأيام كلها لله عزَّ وجلَّ. وكَرِهَ أنْ يجعلَ على نفسه صومَ يومٍ يُؤَقِّتُه أو شهرٍ.
قال عنه ابن وهبٍ: وإنَّه لعظيمٌ أنْ يجعلَ على نفسه شيئاً كالفرضِ ولكن يصوم إذا شاءَ، ويُفطِرُ إذا شاء. قال ابن حبيبٍ: رُوِيَ أنَّ صيام الأيام البيضِ صيامُ الدهر، وكذلك في صيام ثلاثة أيام من كلِّ شهرٍ، يوم أول يومٍ منه، ويوم عشرة، ويوم عشرين. وبلغني أنَّ هذا صوم مالك بن أنس.

(2/75)


جامعٌ في صيام الأيام، والدهر، والوصال، وسرد الصيام، وهل يصوم أحدٌ عن أحدٍ
ومن "المَجْمُوعَة" قال جماعة، عن مالكٍ، من أصحابه: ولا بأسَ أنْ يُصَامَ يوم السبتِ. وأعظم أَنْ يقالَ يوماً لا يصام فيه، ولا يحتجم.
وأنكر ما ذكر فيه. وقال: لا بأس أَنْ يصام يوم الجمعة مفرداً. وقاله في "المختصر" في اليومين. قال ابن حبيبٍ: وقد رغب في صيام يومِ الجمعة، وجاء أنَّه شاهدٌ، وأنَّ المشهودَ يوم عرفة.
قال مالك: ورأيتُ بعضَ العلماء يصومُ يوم الجمعة، وأراه كان يتحراه وما سمعت مَن ينكر صيامه منفرداً، ورُوِيَ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم الاثنين، والخميس، وما استكملَ شهراً إلا رمضانَ. ورُوِيَ أنَّ الأعمال تُعرضُ في الاثنين والخميس، وأنَّ مريمَ بنتَ عمرانَ كانت

(2/76)


تصومهما. قال ابن القاسم، وأشهبُ، وابنُ وهبٍ، عن مالكٍ، في "المَجْمُوعَة": وَلا بَأْسَ بصيام الدهر إذا أفطر يوم الفطر، ويوم النحر، وأيام منًى. قال مالكٌ: وقد سردَ الصيام قومٌ صالحون من الصحابة، والتابعين، وسرد ابن المسيَّبِ، وكان (عامر بنُ عبد الله بن الزبير) يواصلُ ليلة سبعٍ، وليلةَ سبعَ عشرةَ وليلةَ سبعٍ وعشرين من رمضان.
قال ابن حبيبٍ: صيام الدهر حَسَنٌ لمن قوي عليه، وإنما نُهِيَ عنه إذا صام فيه ما نهي عن صيامه، قالته عائشة رضي الله عنها. وكان نُوحٌ عليه السلام يصوم الدهر، وسرد الصيام صالحون من السلف منهم عمرُ، وعثمان، وعائشة، وغيرهم، وكثيرٌ من التابعين، وهو صوم عيسى ابن مريم عليه السلام، وكان داود النبي عليه السلام يصوم يوماً ويفطِرُ يوماً، وهو أحبُّ الصيام إلى الله سبحانه. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم حتى يُقالَ: لا يُفطِرُ، ويُفطِرُ حتى يُقالَ: لا يصومُ.

(2/77)


ومن "المَجْمُوعَة" قال مالك: وترك الوصال أحب إليَّ، وةقد رغَّبَ النبي صلى الله عليه وسلم في تعجيل الفطر، وتأخير السحور، ونُهِيَ عن الوصال. وكره مالك الوصال من السحر إلى السحرِ، وقال في "المختصر": ومن الليل إلى الليل. وقال في "المَجْمُوعَة": أيصوم بليلٍ؟ وأنكر حديث ابنِ الهاد أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أرخصَ فيه – يريد في الوصال. قال أشهبُ: ومَن أخذ في صيام أيامٍ عليه فأجمعَ على وصالها، فليدعْ ذلك، ويقطعه بأكلٍ أو شربٍ متى ما استفاق لذلك من الليل، فإنْ أتمَّهَا بالوصال أجزأه وقد أساء.

(2/78)


قال مالكٌ في الموطَّأ وغيره: ولم أسمع عن احدٍ من صاحب وتابعٍ أنَّه قالَ: يصومُ أحدٌ عن أحد]
، ويُصلِّي عنه. قال أشهبُ: في واجبٍ أو تطوُّعٍ. وكذلك عمل البدنِ كله بخلاف الأموال.
ذِكر بعض ما رُوي في فضل صوم رمضان، وقيامه، والنفقة فيه
من "الواضحة"، رُويَ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال في رمضان: «مَنْ صَامَهُ وقَامه احْتِسَاباً وَجَبَتْ لَه الجَنَّةُ». وفي رواية مالكٍ: «مَنْ قامه إِيمَاناً واحْتِسَاباً غُفِرَ لَه مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ». وفي حديثِ آخرَ؛ أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: «شهرُ خيرٍ وبركةٍ يَغْشَاكُم اللهُ فيه بالرحمةِ، ويَحُطُّ فيه الخطايا ويَسْتَحِبُّ فيه الدُّعَاءَ، ويَنْظُرُ اللهُ إلى تَنَافُسِكُم، ويباهِي بكمُ الملائِكَةَ، فأَروا الله مِن أنفسِكُم خيراً، فإنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ فيه رَحْمَةَ اللهِ». ورُوي أنَّ: النفقة

(2/79)


فيه كالنفقة في سبيل الله، وأنَّ لله في كلِّ ليلةٍ خمسمائة ألفِ عتيقٍ من النار إلا مُفطراً على حرامٍ أو مُسكرٍ أو أذى مسلم.

في الترغيب في صيام العشر، وعاشوراء، ويوم عرفة، ويوم منًى، ويوم التروية، وأشهر الحرم، وشعبان، وشوال، واتباع رمضان بستة أيام منه
ومن "الواضحة" ومما رُوي من الترغيب في صيام العشر، ويوم التروية، ويوم عرفة، أنَّ صيام يومٍ من العشر كصيام شهرين من غيره، وأنَّ صيام يوم التروية كصيام سنةٍ، وصيام عرفة كصيام سنتين، وأنَّ العملَ في العشر أفضل من سائر السنة. وقيل: إنَّ يوم

(2/80)


عرفة اليوم المشهود. وما رُوي من تجاوز الله فيه عن العبادِ، وفِطْره للحاجِّ أفضلُ، ليقْوَى على الدعاء، قاله عمر بن الخطاب، وأفطره النبي صلى الله عليه وسلم في الحجِّ. وصيامُ عاشوراء مُرغَّبٌ فيه، وليس بلازمٍ، ويُقال: إنَّ فيه تِيب على آدم عليه السلامُ، وفيه اسْتوتْ سفينةُ نُوحٍ عليه السلامُ على الجُودِيِّ.
وفيه فلق الله البحرَ لموسى عليه السلامُ، واغرقَ فرعون وقومه، وفيه وُلِدَ عيسى ابنُ مريم عليه السلامُ، وفيه خرجَ يُونسُ عليه السلامُ من بطنِ الحُوتِ، وفيه خرج يوسف عليه السلام من الجُبِّ، وفيه تاب الله عزَّ وجلَّ على قومِ يونسَ، وفيه تُكسَى الكعبةُ كلَّ عامٍ، وقد خُصَّ بشيءٍ أنَّ مَن لم يُبَيِّتْ صومَه حتى أصبح أنَّ له أنْ يصومه، أو باقيه إنْ أكل. رُويَ ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وهن غير واحدٍ من السلفِ، منهم ابن سيرينَ، وسعيدُ ابنُ جُبيرٍ، وكان ابنُ عباسٍ يوالي صومَ اليومين؛ خوفاً أنْ يفوته، وكان يصومه السفر. وفعله ابنُ شهابٍ، وجاءَ في الترغيب فيه، في النفقة فيه على العيال، ورُوِيَ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صامَ أشهرَ الحرمِ، وهي: المحرمُ ورجبٌ، وذو القعدة، وذو الحِجَّةِ. فهذا عددها من سنةٍ واحدةٍ وهو أولَى أَنْ يُعدَّ من عامين لقولِ الله تعالى: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}. فقد خصَّهَا وفضَّلَهَا، ويُقال: تُضَعَّفُ فيها السيئاتُ كما تُضَعَّفُ الحسناتُ، وقد جاءَ

(2/81)


الترغيبُ أيَاً في صيام ثلاثة أيامٍ من كلِّ شهر منها، فأعظم منها بأعظمَ ممَّا في باقيه. فيومُ سبعةٍ وعشرين من رجبٍ فيه بعثَ الله محمداً صلى الله عليه وسلم. ويوم خمسةٍ وعشرين من ذي القعدة أُنزلتِ الكعبةُ على آدمَ عليه السلامُ، ومعها الرحمةُ واليومُ الثالثُ من المُحرَّمِ دَعَا زكريا ربَّه فاستجابَ له. وفي أول يومٍ من عشر ذي الحجة وُلِدَ إبراهيم عليه السلامُ. وقد رُغِّبَ في صيام شعبان، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومُ فيه أكثرَ من غيره. وقيلَ: فيه ترفع العمال، ورغَّبَ في صيام يوم نصفهِ، وقيام تلك الليلة، ورُوِيَ في صيام شوالٍ فضائل، وجاء في مَن أتبعَ رمضانَ بستَّةِ أيام من شوَّالٍ كان كصيام الدهر، أو صيام سنةٍ.
قال مُطرِّفٌ: وإنَّمَا كره مالكٌ صيامها لئلا يُلحقَ أهلُ الجهلِ ذلك

(2/82)


برمضانَ. وأما من رغبَ في ذلك لما جاء فيه، فلم يَنْهَه. وقد كره ابنُ عباسٍ صومَ رجبٍ كله خيفةَ أنْ يرى جاهلٌ أنَّه مفترضٌ، ورُوِيَ أنَّ النبي عليه السلامُ امرَ بفطرِ نصفِ شعبانَ الآخرِ.

جامعٌ في فضلِ الصيامِ، وإخفائهِ، وما ينبغي من صون اللسان فيه، ومَن فطَّرَ صائماً
تمن "الواضحة": رُويَ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصيامُ بابُ العبادةِ، وإنَّه جُنَّةٌ من النَّارِ، وإنَّ في الجَنَّةِ باباً يُقالُ له الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ منه الصائمُونَ، وخَلُوفُ فَمِ الصَّائمِ أطيبُ عند اللهِ من ريحِ المسكِ». والصبرُ هو

(2/83)


الصومُ في قول الله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ}. ورُوِيَ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال، في قول الله تعالى: {السَّائِحُونَ}. قال: {الصائمون}.
قال ابنُ حبيبٍ: وبيان ذلك أنَّ الله تعالى إذا ذكرَ السائحين في القرآن لم يذكر الصائمين، وإذا ذكر الصائمين لم يذكر الصائحين. وقال أبو هريرة: مَن فطرَ صائماً كان له مثل أجرهِ. ولا بأسَ أنْ يقولَ الرجلُ: إني صائمٌ. معتذراً، ولا يقوله مُحدِّثاً به متزيناً.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي قال: ما أفطرت منذ كذا. قالَ: "ما صمتَ، ولا فطرتَ". وأمر النبي صلى الله عليه وسلم مَن يُفطِرُ أنْ يُفطرَ على تمرٍ، فإنَّه بركةٌ، أو على الماءِ فإنَّه طَهُورٌ".

(2/84)


ورُوِيَ أنه، قال عليه الصَّلاَة والسلامُ: «مَن لم يَدَعْ – في صيامه – قولَ الزُّورِ والعملَ به، فليس لله حاجةٌ أنْ يَدَعَ طعامَه وشرابه». وينبغي أنْ يُنزِّهَ صومَه عن الرَّفثِ، واللَّغْوِ، والخَنَا، والإفْكِ، والمُنازعةِ، والمِرَاءِ.
قال مجاهد: مَن سلِمَ صومُه من الغيبةِ، والكذبِ، سَلِمَ صومُه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم «وإنِ امرؤٌ قاتَلَه أوْ شاتمَه فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ». قال غيرُ ابنِ حبيبٍ: يقولُ لنفسهِ: إنِّي صائمٌ. يُصَبِّرُ نفسَه بذلك عن الفحشاءِ والباطلِ.
ومن "كتاب" آخرَ في معنى ما رُوِيَ: «كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلاَّ الصومَ، فإنَّه لي وأنَا أجزي بِهِ». يقولُ: كلُّ عملٍ يظهرُ على الجوارحِ فمنزله مكتوبٌ يكتبه الحَفَظَةُ إلا الصوم، فإنَّه يعتقده بقلبهِ، ويعلمه الله منه فيجازيه عليه بعلمه.
ومن "العُتْبِيَّة"، أشهبُ، عن مالكٍ: أنَّه كرِهَ للرجلِ أنْ يعملَ لأهلِ

(2/85)


المسجدِ طعاماً يُفطرون عليه، فأُكره إجابتهم له في ذلكن ولا يجيبوا إلى مَن دعاهم، وهو يزرون عليه ويُغمضون.
تمَّ كتاب الصوم، والحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى الله على محمَّدٍ خَاتم النبيين وآله وسلمَ تسليماً.

(2/86)