النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات

كتاب الاعتكاف
في عددِ أيَّام الاعتكاف، وأقلَّه، وهل يكون في غير المسجد، وأين يُعتكفُ من المسجد، وهل يُكرهُ الاعتكاف لأحدٍ
من "الواضحة" قال: وأعلى الاعتكافِ - يريدُ في الاستحبابِ - عشرةُ أيامٍ، وأدناه يوم وليلةٌ. وقد اعتكفَ النبي صلى الله عليه وسلم العشرَ الأُولَ من رمضانَ (واعتكفَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم العشرَ الأُولَ من رمضانَ (واعتكفَ العشرَ الوُسْطَى)، واعتكفَ العشرَ الأواخرَ.
واعتكافُها أفضلُ. وإذا اعتكفَ يوماً وليلةً، بدا بالليلة قبلَ الفجرِ.

(2/87)


ومن "العُتْبِيَّة"، قال ابن القاسم: قال مالكٌ: ما أعرِفُ الاعتكافَ يوماً ويومين من أمر الناسِ. وقد قال أيضاً: إنَّه لا بأس به. ولا بأسَ به عندي. وقد رُويَ أنَّ أقلَّه يومٌ وليلةٌ.
وقال في "المدونة": لا أرى أنْ يعتكِفَ اقلَّ من عشرةِ أيامٍ، فإنْ نذَرَ دونها لَزِمَه.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابنُ القاسمِ، عن مالكٍ: وليعتكفْ غي عَجُزِ المسجدِ ورِحابِهِ. فذلك الشأنُ فيه. قال عنه ابنُ وهبٍ: ولم أسمع أنَّه اضطرب بما يُبات فيه، ولم أرَه إلا في مؤَخَّرِ المسجدِ.
قال عبدُ الملكِ: وله أنْ يعتكفَ في مسجدٍ غيرِ الجامعِ إذا كان ينقضي قبلَ الجمعةِ، أو يكون موضعاً لا تَجِبُ فيه الجمعةُ، قال ابنُ حبيبٍ: وأكره أنْ يعتكفَ في الصومعة، أو فوق المسجدِ، أو خارجه.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابنُ وهبٍ: والمرأةُ في الاعتكافِ مثلُ الرجلِ. قال ابنُ القاسم: ولا تعتكفُ في مسجدِ بيتها. قال عبد الملك: ولها، وللعبدِ – يريدُ بإذنِ السيدِ - الاعتكاف في مسجدٍ غيرِ الجامعِ إذ لا جمعةَ عليهما. قال عبدُ الملك: وإذا اعتكفَ في مسجدٍ غير الجامع أياماً لا يأخذه فيها الجمعة، ثم مرض فجاءت الجمعة وهو في معتكفه، فليخرج إليها، ولا ينتقضُ اعتكافه؛ لأنَّه دخلَ بما يجوز له. قال عبد الملكِ: ولا يعتكفُ في غير الجامع؛ لأنَّه إذا خرجَ إلى الجمعةِ فسدَ اعتكافه.

(2/88)


وقال ابنُ الجهمِ: قال مالكٌ: يخرجُ على الجمعةِ ويتمُّ اعتكافه في الجامعِ. قال عنه ابنُ نافعٍ: ما زلتُ أفكِّرُ في تَرْكِ الصحابةِ والاعتكافَ، وقد اعتكفَ النبي صلى الله عليه وسلم حتى قبضه الله سبحانه، وهم أتبعُ الناسِ لأموره وآثاره، حتى أخذ بنفسي أنَّه كالوصالِ الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل له: إنك تواصل، فقال: «إنِّي لستُ كهيئتكُم، إنِّي أَبِيتُ يُطعمنِي ربِّي ويَسقيني». وليس الاعتكافُ بحرامٍ، وأراهم تركوه لشدَّتِهِ، وأنَّ ليلَه ونهاره سواءٌ. قال مالكٌ: لم أرَ ممن أدركتُ مَنِ اعتكفَ إلاَّ أبا بكر بنَ عبد الرحمنِ قالوا: واسمُه المغيرةُ وهو ابن أخي أبي جهلٍ، وهو احَدُ فقهاءِ تابعي المدينة، وفي باب الاعتكاف في الثُّغورِ مسألةُ مَنِ اعتكفَ في مسجدِ قريتهِ.

ما يلزم من الصوم في الاعتكاف، والجِوَارِ، ومتى يدخلُ معتكفه، ومتى يخرجُ
من "المَجْمُوعَة" قال ابن وهبٍ، عن مالكٍ: ولا بأسَ بالاعتكاف في غير رمضانَ، ولا يكون إلاَّ بصومٍ. والجِوارُ له حُكمُ الاعتكافِ، إلا جِوَارَ

(2/89)


مكَّةَ يُقيمُ النهار، وينقلب بالليلِ، فهذا له أني فطر فيه ويطأ أهله.
قال عبد الملكِ: وللرجل أَنْ يعتكفَ في قضاء رمضانُ وفي كلِّ صومٍ وجبَ عليه، وأمَّا مَن نذر اعتكافاً، فلا يعتكف في صوم واجبٍ عليه من رمضانَ، ولا في قضائه ولا في كفارةٍ، ونحو ذلك؛ لأنَّه لزمه الصومُ بنذرهِ للاعتكافِ فلا يُجْزِئُهُ منه صومٌ قد لزمه بغير ذلك، كما لو نذر شيئاً لم يَجُزْ له أنْ يجعله في حَجَّةِ الفريضةِ، وقاله سحنون في "كتاب" ابنهِ.
قال ابنُ وهبٍ، عن مالكٍ: ويدخلُ مُعتكفُ العشرِ الأواخرِ مُعتكفه إذا غربتِ الشمسُ من ليلةِ أحدٍ وعِشرين، ويُصلِّي المغربَ فيه ويُقيمُ. قال: ويخرجُ على المصلَّى من المسجدِ يؤتَى إليه بثيابهِ، ثم من المصلَّى ينقلبُ على أهله، ولا يدخلُ الحمَّامَ لغُسْلِ العيدِ وليغتسل بموضع كان يتوضأ. قال سحنون: وهذا خير من رواية ابنِ القاسمِ، في قوله: إن خرجَ ليلةَ الفطر من المسجدِ لم يضرَّه. قال مالكٌ: إنَّما يرجعُ على أهلهِ إذا أمسى من آخر اعتكافه مَنِ اعتكفَ وَسَطَ الشهر. قال في "المختصر": العشرةُ الوسْطَى من الشهر، أو العشرةُ الأُولَى. فأنَّا مَن يتَّصِلُ اعْتكافه بيومِ الفطر، فلا يرجع حتى يشهدَ العيد.
ومن "العُتْبِيَّة"، قال سحنون: إذا خرج ليلة الفطر من مُعتكفه فَسَدَ اعْتكافه؛ لأنَّ ذلك سُنَّةٌ مُجتمعٌ عليها. يريدُ في مبيته ليلة الفطر في معتكفه.
وقاله عبد الملك.
قال عبد الملك: وإذا فعل في ليلة الفطر ما ينقضُ الاعتكافَ بطلَ اعتكافه،

(2/90)


لاتصالها به كاتصال ركعتي الطواف. قال سحنون، في كتاب ابنه: هذا خلاف قول ابن القاسم وغيره، ولا أقول به. وقول سحنون هذا خلاف قوله في "العُتْبِيَّة".
قال عبد الملك، في "المَجْمُوعَة": وإذا دخل في اعتكافه قبل الفجرِ، فلا يُحسب ذلك اليوم فيما ألزم نفسه من الاعتكاف، فإن كان عشرة أيام ائتنف عشرة أيامٍ بعده بكمال لياليها، إلا أنه في هذا اليوم الذي ترك بعضَ ليلتهِ مُعتكفٌ، فإن فعل فيه ما يقطعُ الاعتكاف لزمه ما يلزم المعتكف، وكذلك في العقيقة لا يُحسبُ فيها مثل ذلك. قال سحنون: أما العقيقة، فإذا ولد قبل الفجر، فإنه محسوب.

ما ينهَى عنه المعتكف من الخروج ومن الأعمال
قال ابنُ حبيبٍ: وليُقبلِ المعتكفُ على الذكر والصلاة في الليل والنهارِ بقدرِ طاقته، ولا لا يخرج للصلاةِ على جنازةِ أبويه. وقال ابن القاسم، في "العُتْبِيَّة"، عن مالكٍ قال: إذا مرض أحدُ أبويه فليخرج إليه ويبتدئِ اعْتكافه. قال ابن عبدوسٍ: قال ابن نافع، عن مالكٍ: ولا يُصَلِّي على الجنازة وإن اتصلت صفوفها بداخل المسجد. قال ابن حبيب: ولا يُحرم عليه ممَّا يَحرمُ على المحرم إلاَّ مُلامسته النساءَ. وأمَّا طِيبٌ، وحلق شعرٍ، وقَصَّ ظُفرٍ، وقتل دوابٍّ، وعقد نكاحٍ له أو لغيره، فلا يحرم عليه إذا كان في مجلسهِ، إلا أنَّه يُكره له الاشتغال بشيءٍ من هذا. قال في

(2/91)


"المدونة": ولا يَحلقُ شعره، ويَقُصُّ أظفاره، إلاَّ خارج المسجد.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن نافع، عن مالكٍ: وإذا قرب منزله كَرِهْتُ له دخوله لحاجة الإنسان، إلاَّ أَنْ يكون غيرَ مسكونٍ، فإنْ كان أهله في العلوِّ فدخل السُّفْلَ، فلا بأس به. ولا يأكل في منزله وإن قرب.
وله أَنْ يأكل في رحبة المسجدِ، ولا يأكل فوقَه. وكره أَنْ يخرج فيأكل بين يدي المسجد، وليأكل في المسجد فذلك واسعٌ له. وأمَّا في داخل المنارة ويغلِقُ عليه بابها فلا بأس به. واختلف قولُه في صعود المنارة فوق المسجدِ للأذان.
قال ابن القاسم، وابن عبد الحكم، في "المختصر": واكره له أَنْ يدخل بيت القناديل وشبهها في المسجد يعتزلُ فيها للصلاةِ، ومَنِ اعتكفَ بمكَّةَ، فلا بأس أَنْ يدخل الكعبة.
ومن "المَجْمُوعَة" قال عنه ابن نافع: قيل: فإنْ كان ليس له مَنْ يأتيه بطعامهِ، أيذهب ليأتي به؟ فقال: ولِمَ يعتكف؟ لو أن الناس لم يتكلَّفُوا إلا ما يطيقون. ثم قال: إن كان قريباً. قيل: فيسيرُ به على باب المسجدِ؟ قال: نعم ما قرب أحبُّ إليَّ. قيل: فالمعتكفون يبعثون أحدهم ليشتري طعامهم من عند بابِ المسجدِ؟ قيل: أرجو أَنْ يكون واسعاً. قيل: فيرسلونه على بعضهم، يدعوهم على العشاء في المسجد؟ قال: أرجو أَنْ يكون واسعاً. قال عبدُ الملك: أمَّا شراء مصالحه من طعامه، وما لابدَّ له منه، إذا لم يكن له كافٍ، فجائزٌ.

(2/92)


قال ابن وهبٍ، عن مالكٍ: وَلا بَأْسَ أَنْ يخرج لغُسْلِ الجمعةِ على الموضع الذي يتوضأُ منه. وَلا بَأْسَ أَنْ يخرج يغتسلُ للحرِّ يُصيبه.
قال عنه ابن نافع: وَلا بَأْسَ أنْ يأتيه أصحابه يسلِّمُونَ عليه، ويقعدونَ عنده وهو مريضٌ، إذا لم يكونوا معتكفين. ولا بأسَ أنْ يتحدَّثَ مع مَن يأتيه إذا لم يُكثرْ. قال عنه ابن وهبٍ: وتركُ كتابة العلمِ أحبُّ إليَّ. وقال عنه ابن نافع: إنْ كان في ناحيتهِ وقربهِ، فلا بأسَ. قال عنه ابن نافعٍ: وإنْ كان حكماً فلا يحكمْ إلاَّ بالأمرِ الخفيفِ. قال: والولاةُ عندنا يعتكفون.
قال مالكٌ: ولا يعجبني إذا أصابته جنابة أول الليل، أَنْ يقيمَ حتَّى يُصبِحَ، ثم يغتسل. وأجاز مالكٌ، أنْ يكتبَ الرسالة الخفيفة، ويقرأ مثلها، ويكره الكثيرة.
قال عنه ابن وهب: ولا يكره للمعتكفة أن تتزيَّنَ وتلبسَ الحُليَّ. قال غيره: ولا يتكلم فيما لا يعنيه، وله أَنْ يلبسَ جيِّدَ الثيابِ ويأكل طيِّبَ الطعامِ، ويتطيَّبَ، ويحتجمَ.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ: قيل لمالكٍ، في المؤذن يعتكفُ، أيدور فوق المنارِ؟ قال: عسى به. وضعَّفَه، وقال: ما رأيت مؤذناً يعتكفُ. وقد كره له الأذان غير مرة، وأجازه. والكراهية أحبُّ إليَّ، ولا يخرج لمداواة رَمَدٍ بعينيه. وليأته مَن يعالجها. قال عنه ابن نافع: ولا يخرج لأداء شهادة عند سلطانٍ، ولكن يؤديها في المسجد.

(2/93)


ومن "العُتْبِيَّة"، قال أبو زيد: قال مطرِّفٌ: ولا بأسَ على المعتكفِ أَنْ يكونَ إماماً، وما سمعتُ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمرَ غيره أَنْ يؤُمَّ حين اعتكف.
قال ابن القاسم، عن مالك: وأكره له صعود المنار. وقد كره له الأذان وإن كان مؤذناً، وقال عن مالكٍ: إنَّه كره له أَنْ يُرَقِّعُ ثوبَهن أو يكتبَ المصاحفَ في المسجدِ. قيل: فالرجل في المسجد في رمضانَ، ومنزله بعيدٌ يأتيه الطعامُ فيأكله في المسجدِ. قال: أرجو أنْ يكونَ خفيفاً. وكره السواك في المسجدِ، من أجل ما يلقى من الفم بأثرهِ.
قال عنه ابن وهب، في "المَجْمُوعَة"، في المعتكفِ يحتلمُ في الشتاءِ فيخاف من الماء الباردِ: فلا ينبغي له أَنْ يدخل الحمام ليطهر فيه بالماء الحار.
وكذلك في "المختصر"، قال يحيى بن عمرَ: ولمعتكف أَنْ يجمع بين النَّاسِ في ليلةِ المطرِ في المسجدِ.
ومن "كتاب" ابن سحنون، وعن مَن اعتكفَ في أحدِ هذه الحصُونِ على البحر، فيصلِّي الإمامُ خارجاً، أو على ظهرِ المسجد؟ قال: فلا يخرج المعتكف معه لذلك، وليُصَلِّ وحده لموضعه. وفي باب ما ينتقض به الاعتكاف شيءٌ من ذكر ما يخرج له المعتكف.

ما ينتقض به الاعتكافُ من الأحداث، وما له أَنْ يخرج له وما ليس له
من "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم: الوطءُ للمعتكفِ سهواً، أو عمداً يُفسِدُ اعتكافه. وكذلك القُبلَةُ، والمُباشرةُ، كالظِّهَارِ، والفِطْرِ متعمِّداً،

(2/94)


يفسده، وأمَّا سهواً فيقضي ويبني. قال عبد الملك: ويُتِمُّ صيام يومِهِ إنْ كان في غير رمضانَ. قال ابنُ حبيبٍ: إذا أفطر سهواً، لم يلزمه قضاءُ ذلك اليوم بصيامٍ ولا باعتكافٍ؛ لأنَّه تطوُّعٍ، إلا أنْ يكونَ ذلك الاعتكافُ قد نذره، فعليه قضاءُ يومٍ واصلاً باعتكافه، فإنْ لم يصله ابتدأ الاعتكاف.
قال العتبيُّ: قال ابو زيد: قال مُطرِّفٌ، وقال ابنُ سحنون: قال عبد الملك، وسحنون: إنَّ الوطءَ سهواً، والقُبلةَ، والمباشرةَ، قال مطرِّفٌ: والجّسَّةَ سهواً تُبطل الاعتكافَ، وتقطع تتابع الظِّهَار، ثم رجعَ سحنون عن القُبلة في المظاهرِ، أنَّ ذلك لا يقطع صيامه. قال: بخلاف المعتكف الذي لا يطأ النساءَ. والمُظاهر له وطءُ غير زوجته في ليله.
قال عبد الملك: وإذا خرجت المعتكفة للحيضة، صم طهرت في بعض النهار فلترجعْ، ثم لا تكفُّ عن الأكل في يومها، ولو مسَّهَا زوجها، أو باشرها وهي حائضٌ فسدَ اعتكافها. وكذلك المريضُ يخرج في مرضه، ثم يفعل هذا. يريد: ويبتدئُ الاعتكاف.
قال ابن حبيبٍ: مَن خرج من معتكفه اشتغالاً عنه، ببيعٍ، أو شراءٍ، أو عيادةٍ، أو شهودِ جنازة، أو لسفرٍ، أو في حضرٍ، لحاجةٍ، يُنقضُ اعتكافه، ما لم يخرج لحاجةِ الإنسان، أو لغسلِ جنابةٍ، أو لغسلِ جمعةٍ، أو لشراء طعامه، إن لم يجد من يكفيه ذلك، أو لمرض غالب. يريدُ: أو تحيض امرأة.
وقاله كله مالكٌ، في غير الواضحة.
قال ابن سحنون، عن أبيه: ومَن دخل في اعتكافه في رمضانَ، ونَوَى اعتكافه كله، ثم اراد أَنْ يخرج فيه لحجّنافلةٍ غير الفريضةِ. قال: لا يفعلُ، فإن فعل، فعليه قضاء ما وجب عليه من الاعتكاف. يريد: في صومٍ.

(2/95)


يريدُ: ويبتدئُ الاعتكافَ كله لقطعِ التتابعِ. يريدُ: وكذلك لو خرج لحَجِّهِ الفريضة بعد أنْ دخلَ في الاعتكاف.

في المعتكف يمرض والمعتكفة تحيض، أو تَطْلُقُ، وكيف البِنَاءُ في ذلك، والعملُ
من "المَجْمُوعَة"، قال ابن نافع: قال مالك: في المعتكف إذا مرض فلم يقدر على الصوم فأفطرَ، وبَقِيَ في المسجد، قال: لا، وليخرج حتَّى يُفيقَ ويبني.
قال عنه ابن القاسم: وإذا حاضت المعتكفة فخرجتن فإنَّهَا إذا طَهُرَتْ فلترجع في بقية النهار، ولا تؤخر، وكذلك المريض يصحُّ في بعض النهار، ولا يعتدان بذلك اليوم. ورَوَى أبو زيدٍ، عن ابن القاسم، عن مالكٍ، في "العُتْبِيَّة"، أنها إذا خرجت للحيضةِ، فلها أن تخرج، في حوائجها على السوق، وتصنع ما أرادت إلا لذة الرجال من قُبلةٍ، أو جسَّةٍ، ونحوها.
قال سحنون: هذا لا اعرفه، وهي في بيتها في حرمة الاعتكافِ، ولكن لا تدخل المسجد.
قال ابن القاسم: ولو طلِّقَتْ قبل أن ترجع إلى المسجدِ، فلترجع إلى المسجد، وتعتدَّ فيه. وكذلك لو طلقها زوجها، وهي فيهن أو مات عنها، فلا تخرج، وكذلك المُحرمة.
ومن "المَجْمُوعَة"، ابن وهبٍ، عن مالكٍ: وإذا خرجتْ

(2/96)


للحيضةِ، فلا تعتدُّ بيومٍ تطهرُ في نهارهِن ولكن ترجع إلى المسجد، إلا أن تطهر قبل الفجرِ، وتنوي الصيام فتدخل حين تصبح فيجزئها. وإن أخرت ذلك، أو فطرت فيه، ائتنفت. وذلك مثل الصيام، يريدُ: المتتابعَ. قال أبو محمد: قوله: وتنوي الصيام. دليلٌ أنَّ مَن مرض في رمضان ثم أفاقَ، أو امراةٌ حاضتْ ثم طهرتْ، أو مسافر قد سافر فيه ثم رجع، أنهم يأتنفون التبييت الأول يوم يبتدئونَ بالصوم فيه؛ لأنَّ الاعتكاف يُجْزِئُهُ البياتُ في أوَّلهِ، وإن كان تطوُّعاً فيه فعل مالكٌ، تأتنف النيَّةَ إذا رجعتْ.
وقال سحنون: لا يُجزئها ذلك اليوم، وإنْ طهرت قبل الفجر ونَوَتِ الصيام، حتى يكون دخولها من أول الليل، كابتداءِ الاعتكاف.
قال عبد الملك: وإذا طهرت في بعض النهار فرجعتْ، فلا تكفَّ عن الأكل، ولو مسَّهَا زوجها أو باشرها وهي حائضٌ فسد اعتكافها.
وكذلك المريض يخرج لمرضه، ثم يفعل هذا. قال ابن نافعٍ، عن مالكٍ: إذا خرج لمرضٍ ثمَّ صحَّ فرجعَ فأخذه العيدُ قبل تمام عُكوفهِ. فليخرج على العيد ثم يرجع إلى المسجد، ولا يرجع ذلك اليوم إلى بيتهِ. وقال عنه أشهبُ: بل يرجع من المُصلَّى على بيتهِ؛ في ذلك البيتِ فإذا انقضى رجعَ على المسجدِ كقولِ ابنِ القاسمِ.
وقال ابن سحنون، عن أبيه: لا يشهد العيدَ وليُقِمْ في المسجد، وإن كان

(2/97)


مفطراً، قال عنه عبدُ الملكِ: في مَن اعتكفَ العشرَ الأُولَ من ذي الحِجَّةِ، فمرض في بعضها، ثم صحَّ فليرجعْ، ويُفطِرْ يومَ العيدِ وأيامَ التشريقِ ويخرج يوم العيد، ويرجع على المسجدِ، وإن كانت امرأةً، أو عبداً، فلا يخرجان. وقال ابن القاسم: أمَّا اليوم الرابع فإنَّه يصومه ناذره، ومَن كان في تتابع صيامٍ. وفي باب ما ينهى عنه المُعتكفُ من الخروجِ مسألةُ مَنِ اعتكفَ في مسجدٍ غير الجامعِ، ممَّا لا يأخذه الجمعة، فمَرِضَ ثم صحَّ فرجعَ، فجاءته الجمعة.

ما يلزمُ من الاعتكاف بالنَّذْرِ أو بالدخولِ فيه، ومَن يَلزَمُه – إذا مَرِضَ – قضاؤُه ومَن لا يلزمه
من "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم: الاعتكافُ بالنيَّةِ والدُّخُولِ فيه، أو بالنَّذْرِ بلسانه، وإنْ لم يدخل فيه. ومَن نذر أنْ يعتكفَ ليلةً لزمه يزومٌ وليلةٌ. وقال في "كتاب" ابنهِ: لا شيء عليه، إذ لا صيامَ في الليلِ، ولو نذرَ اعتكاف يومٍ، لزمه يومٌ وليلةٌ. ويدخل اعتكافه عند غروب الشمسِ من ليلتهِ، وإن دخل قبل الفجر فاعتكف يومَه لم يُجزه، وإن أضافَ إليه الليلةَ المستقبلة لم يُجْزِئُهُ أيضاً، ولكن يبتدئ يوماً ثانياً مع ليلته المتقدمة فيجزئه.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال عبد الملك: ومَن نوَى اعتكافاً فله تركه قبلَ أنْ يدخلَ فيه. قال عبد الملك:، وسحنون: وإذا اعتكف في خمسٍ بقين من رمضان، ونواها من خمسٍ من شوَّالٍ، أو دخلَ في غيره ينوي عُكُوفَ

(2/98)


عشرة أيامٍ على أَنْ يفطر منها بعد خمسة أيامٍ يوماً، هذه نيته، فإنَّا ننهاه عن ذلك قبل الدخول فيه. فإذا دخل فيه لم يلزمه إلاَّ الخمسة الأولى، ولا يلزمه الأيام التي بعد فطره، قال أبو محمد: يريد إلا أَنْ يكون نذرها بلسانه.
ومن "كتاب" ابن سحنون، عن أبيه: وإذا اعتكف في رمضان فمرض أو كانت امرأة فحاضتْ، ثم خرج رمضانُ، ثم أفاقَ، فعليه إذا أفاق قضاءُ الصومِ، وليعتكفْ فيه. وأمَّا لو كان في غير رمضانَ مثلَ أنْ ينذر شهراً بعينِهِ، فلا قضاء عليه لمَّا مرض فيه. الأوَّلُ لمَّا لزمه قضاءُ صومِ ما مَرِضَ فيه لزمه الفطر فيه. وفي غير رمضان لا يلزمه قضاء الصوم فسقطَ بذلك عند الاعتكاف، وفرَّقَ ابنُ عبدوسٍ في غير رمضانَ، بين أَنْ يأتيه المرضُ، قبل أَنْ يدخل في اعتكافه، وبين أَنْ يمرض بعد أن دخلَ فيه، فقال: أمَّا إنْ مرض قبل أَنْ يدخلَ فيه في غير رمضانَ، فلا يلزمه شيءٌ ممَّا مرض منه.
يريدُ وهي أيامٌ بأعيانها قدَّرَهَا. وأمَّا إنْ مرض بعد أن دخل فيه فهذا يقضي ما مرض فيه، قال: لأنَّه في مرضه قد بقي عليه حرمة العُكُوفِ وسَاوَى سَحنون بينَ ذلك في "كتاب" ابنه، وقال: لا يقضي ما مرض فيه في غير رمضانَ، مرض قبل يدخل فيه أو بعد أن دخل فيه.
ومن كتاب ابنِ القُرطِيِّ: ومَن أذن لزوجته أو لعبدهِ في الاعتكاف فله أنْ يمنعهما منه ما لم يدخلا فيه، وما نذر العبدُ من الاعتكاف فإنَّه إن عتق لزمه، ولا يلزم الكافر يُسلمُ ما نذر منه في كفره، إلاَّ أنَّا نستحبُّ له ذلك

(2/99)


لحديثِ عمرَ فيما نذر من الاعتكاف في الجاهلية يريد: أنَّ العبدَ نذرَ اعتكافاً بغير عينهِ. ولو كانت أياماً بعينها فزالت وقد منعه فيها السيِّدُ ثم عتق، فلا يلزمه قضاءٌ.
قال ابنُ عبدوسٍ في التي نذرت اعتكاف شعبانَ فحاضت في وسطِه: فإنَّ عليها أنْ تقضيَ ما حاضت فيه وتصله، فإذا حالَ بينها وبين ذلك رمضانُ فلا يُجزئها أنْ تعتكفَ فيه؛ لأنَّ صومه واجبٌ فلا يُجزئها عن نذرها، ولكن يبقى في حرمةِ الاعتكاف حتَّى يخرج رمضانُ وتفطِرَ يومَ الفطر وتُصلِّي قضاءَ ما بقيَ عليها بعد يومِ الفطر متصلاً به.

في الاعتكاف في الثُّغُورِ ومَنِ اعتكف في مسجدِ قريةٍ، لا يُجَمَّعَ فيها
من "المَجْمُوعَة"، قال ابن وهبٍ، عن مالكٍ: لا بأسَ بالاعتكاف في الشتاء والمواجيرِ، ولا ينبغي ذلك في زمنِ الخوفِ. قيل: أفيُعْتَكَفُ فيها في الصيف؟ قال: ذلك يختلفُ، رُبَّ ليالٍ يُرْجَى بركتها، ولعلَّ في الثَّغْرِ مَن يكتفَى بهم لكثرتهم، فمثلُ هذا من سعةٌ. قال، عنه أشهبُ، في "العُتْبِيَّة": قلتُ: أفيعتكفُ في الثغور على البحر وغيره؟ قال: ما أدري

(2/100)


ما هذا أيذهبُ على الثغورِ يعتكفُ كأنَّه كرهه.
ومن "العُتْبِيَّة"، قال عنه ابن القاسم، في مَن منزله على أميالٍ من الفسطاطِ أيعتكف في مسجدِ قريتهِ، وهو لا يُجَمَّعُ فيه وهو يأتي الفسطاطَ لصلاةِ الجمعة، قال: اعتكافه في قريتهِ أحبُّ إليَّ من صلاةِ الجمعةِ بالفسطاط.

(2/101)


باب ما جاء في ليلة القدر
قال ابنُ حبيبٍ: رُويَ انَّ ليلةَ القدرِ هي الليلة المباركة في قول الله سبحانه: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ}. وقال عز وجلَّ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}. يعني: القرآن جملةً على سماءِ الدنيا، ثم أُنزلَ بعد ذلك شيئاً شيئاً. وجعلها الله من ألف شهرٍ في تفضيلِ العملِ فيها وأخفاها ليجتهد في إصابتها ليكون أكثر لأجرهم، والذي كثرت الأخبار به أنَّها من رمضانَ في العشر الأواخر. ورُوِيَ في السبعِ الأواخر. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «التمسوهَا في كلِّ وترٍ». فتأوَّلَ أبو سعيدٍ الخُدريُّ أنَّها ليلةُ أحدٍ وعشرينَ من قولِ النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد رأيتني أسجدُ في صبيحتها في ماءٍ وطينٍ». قال الخُدريُّ: فرأيتُ أثرَ الطينِ على جبهته، وأنفه صبيحةَ هذه الليلةِ. وقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي قال له إنِّي شاسعُ

(2/102)


الدارِ فمُرني بليلةٍ أُنزل فيها. فأمره أَنْ ينزل ليلةَ ثلاثٍ وعشرين. قال أنسُ بنُ مالكٍ: وكان النبي صلى الله عليه وسلم فيها أشدَّ اجتهاداً من سائرِ الشهر.
وكان يقوم في غيرها وينام، وكان يُحيي ليلةَ ثلاثٍ وعشرينَ، وليلةَ أربعٍ وعشرين.
قال ابن حبيبٍ: يتحرَّاها أَنْ يتمَّ الشهر أو ينقص، فيتحراها في أول ليلةٍ من السبعِ البواقي فإذا كان الشهر تامًّا كان أوَّلُ السبعِ ليلةَ أربعٍ وعشرين وإن نقص فأوَّل السبعِ ليلةُ ثلاثٍ وعشرين. وكان ابنُ عبَّاسٍ يقولُ: إنَّها لسبعٍ بقين من الشهر، تماماً، فكان يراها ليلة أربعٍ وعشرين وهي أوَّلُ ليلةٍ من السبع الأواخر على التمامِز وقاله بلالٌ. وكان ابنُ عباسٍ يُحيي ليلةَ ثلاثٍ وعشرين، وليلى أربعٍ على هذا. وقال غيرُ ابنِ حبيبٍ، عن ابن عباسٍ: إنَّه تاوَّل أنَّها ليلة سبعٍ وعشرين، وعدَّ من سورتها كلمةً كلمةً فكانت الكلمة السابعة والعشرون قوله {هي} وبقي تمام السورة: {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} ورُوِيَ عن عمرَ بنِ الخطابِ أنَّها ليلةُ سبعٍ

(2/103)


وعشرين. ورُوِيَ أن ابن عباس تأوَّل هذا حين سأله عمرُن وفي روايةِ ابنِ حبيبٍ، تأوَّلَ أنَّها لسبعٍ بقين.
قال ابن حبيبٍ: وكان ابنُ مسعودٍ فيما رُوي عنه يقولُ: إنَّها في الشهر كله. وقال تحرُّوها ليلةَ سبع عشرة، وليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاثٍ وعشرين، ورُوِيَ عن ابن مسعودٍ في السنة كلها، فمَنْ قامَ السنة أصابها. فقال: أُبيُّ بن كعبٍ: قد عَلِمَ أنَّها في رمضانَ ولكن أرادَ: لئلا يَتَّكِلَ الناسُ. قال أُبيُّ: وهي ليلةُ سبعٍ وعشرين، بالآيةِ التي أنبأنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ الشمسَ في صبيحتها تطلع لا شعاع لها. قال عبد الله: والأحاديث الصحيحة على أنَّها في العشر الأواخر.
قال ابن حبيبٍ: وأحوطُ ذلك أنْ يتحرَّى في العشر الأواخر كلها، وقد جاء أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يُوقظُ أهله فيهن. ورُوِيَ انَّه عليه السلامُ: «التمسوها في تاسعةٍ، أو سابعةٍ، أو خامسةٍ، أو ثالثةٍ، أو آخرِ

(2/104)


ليلةٍ» لتاسعةٍ، ليلة أحدٍ وعشرين، والسابعة ليلةُ ثلاثٍ وعشرين، والخامسة، والثالثة. على هذا يُؤخذُ العدد من أول العشر ألأواخر على تمام الشهر ونقصانه. وكذلك قال مالك.
ومن غير "كتاب" ابنِ حبيبٍ: أنْ بعضَ العلماء ذكر أنَّ ليلة القدر قد يختلف كونُهَا في ليالي العشر الأواخر إلا أنها تكون في وترٍ منها، إلا أنَّ العدد مبدوءٌ من اول العشرة.

(2/105)