النوادر
والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات كتاب الزكاةِ
ذِكرُ ما يجبُ فيه الزكاةُ من العينِ، وغيره من الأنعامِ، والحبوبِ،
والثمارِ، وما لا زكاةَ فيه
من "المَجْمُوعَة" قال ابن نافع، وعليُّ بن زيادٍ، وغيرُهما، عن مالكٍ،
قال: أمر الله سبحانه بالزكاةِ جملةً في كتابهِ، ففسَّرَ النبي صلى الله
عليه وسلم ما اجملَ الله منها. قال: ولم يختلف عندنا أنَّه لا زكاة إلا في
العينِ، والحَرْثِ، والماشيةِ. وقال بعضُ أصحابهِ: قبضَ النبي صلى الله
عليه وسلم خمسةَ أواقٍ فأكثرَ، من الرقةِ. وأجمعَ العلماءُ على أنْ
عَدَلُوا ذلك بعشرين ديناراً.
ورَوَى الناس في العشرين الدينار حديثاً ليس بذي إسنادٍ قويٍّ إلاَّ أن
النَّاسَ تلقَّوه بالعمل. ونصَّ عليه الصَّلاَة والسلامُ على الأخذِ من
خمسةِ أوسقٍ فأكثر، فأخذ سعاته من التمرِ، والبُرِّ، والشعيرِ. ونصَّ على
ما يُزَكَّى من
(2/107)
الإبل، والبقرِ، والغنمِ، ولم يجعل في
الخيل صدقةً. فهذه الأُصولُ التي بنى عليها العلماء.
ومن "كتاب" ابن سحنون، عن ابن نافعٍ، قال مالكٌ، في قول الله تبارك وتعالى:
{وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}: سمعتُ مَن يقولُ: إنَّها الزكاةُ.
وذلك أحبُّ ما سمعنا إليَّ.
وقال في قوله تعالى: {وآتوا الزكاة}: هي زكاة الأموالِ كلها من العينِ،
والثمرِ، والحَبِّ، والماشية، وزكاة الفطر.
وقال في موضعٍ آخرَ، عن ابنِ نافعٍ: سُئلَ عن الزكاة المقرونة بالصلاة،
قال: زكاة الأموالِ. قيل: فزكاة الفطر منها. قال: هي ممَّا سنَّ الرسولُ
صلى الله عليه وسلم وفرضَ.
وقال ابن كنانةَ: يعني زكاة العين، والحَرْثِ، والماشية. وأمَّا زكاةُ
الفطرِ فرضها النبي صلى الله عليه وسلم فهي لازمة على من وجدها. وقال ابن
دينار: وسمعت فيه اختلاف الناسِ، وأحبُّ إليَّ أنَّها زكاة العينِ،
والماشية، والثمار، والزرعِ، وقال المغيرة: وهي من العين، والماشية.
ومن "المَجْمُوعَة" قال ابن نافعٍ، وعليٌّ: قال مالكٌ: والنبيُّ صلى الله
عليه وسلم قد فسَّر ما أجمل الله من الزكاةِ في كتابه، فأخذ الزكاة من
البُرِّ، والشعيرِ، فشبَّه العلماءُ بذلك ما أشبهه من الحبوبِ، فكان الأرزُ
بالعراق أكثرَ من البُرِّ بها، والذرة باليمن أكثرَ. وكذلك ألحقوا الزيتون
بما يشبهه، فلا زكاة من الثمار إلا في النخلِ، والعنب، والزيتون. قيل: فلم
يأتِ انَّه أُخذَ من الزيتون بالشام، والمغرب زكاة. ولعلهم تركوه؛ لأنَّ
عليه الخراجَ.
(2/108)
وقال في "المختصر": كل ما كان من تمرٍ أو
عنبٍ، أو زيتونٍ، أو حبٍّ يُدَّخَرُ وتأكله الناسُ – يريدُ وهو لهم قُوتٌ
وأصلُ مَعاشٍ – ففيه الزكاة في خمسةِ أوسقٍ فأكثر. فيما سقتِ السماءُ
العشرُ. وفيما يُسقى بالنَّضْحِ نصف العُشرِ كما جاءت السنة. قال: والحبوب
التي تُزكَّى، القمح، والشعير، والسُّلْتُ، والذرة، والدُّخْنُ، والأرز،
والحِمَّصُ، واللوبيا، والعدس، والجُلبان، والبسيلة، والفول، والجُلجُلان،
والتُّرمسِ. وليس في الحلبةِ زكاة، ولا في الخضر زكاة، وشذَّ ابن حبيبٍ، في
الفواكه فقال: في الثمار كلها مُدخرها وغير مدخرها إذ كانت ذوات أصول فخالف
أهل المدينة. قال مالك: السنَّةُ المجتمع عليها عندنا أنَّه لا زكاة في
الفواكه، ولا في الخضر كلها، ولا في القصبِ زكاة. قال غيره: ولم ينقل عن
النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الخلفاء أنَّ أحداً منهم أخذ الزكاة من
ذلك، وليس هذا من الحوادث. فهو كنقلِ التواتر.
ومن "العُتْبِيَّة"، ومنه من "المَجْمُوعَة"، ابن وهبٍ، عن مالكٍ، في
الترمس الزكاة، وليس في الحلبة الزكاة، ولا في العصفر والزعفران، ولا في
العسل، ولا في الخيل.
(2/109)
ومن "كتاب" آخر، وقد قال النبي صلى الله
عليه وسلم: «لي سعلى المسلم في عبده، ولا في فرسه صدقةٌ».
قال ابن نافع: قال مالكٌ: وليس في شيء من التوابل زكاة، ولا في الفستق ولا
في القطن.
قال عنه ابن وهب: وما علمت أنَّ في حَبِّ القِرْطِمِ، وبذرِ الكتانَ زكاةً.
قيل: إنَّه يُعصرُ منهما زيت كثيرٌ. قال: ففيه الزكاة إذا كثرَ. هكذا قال
ابنُ القاسم، في "كتاب ابنِ الْمَوَّاز": لا زكاة في بذر الكتان، ولا في
زيته إذ ليس بعيشٍ. وقال المغيرة، وسحنون، وقال أصبغ: فيه الزكاة وهو أعمُّ
نفعاً من زيت حَبِّ القِرْطِمِ، والتُّرمسِ من القِطَانِيِّ ففي ذلك
الزكاة، وفي حبِّ القرطم الزكاة. قال: ولا زكاة في يابس الفواكه، ولا في
قصب السكر. قال، في موضعٍ آخرَ: ولا في ثمر البحائر.
قال ابن حبيبٍ: ولا زكاة في اللؤلؤِ، والجوهرِ، والمسكِ، والعنبرِ، إلاَّ
من اتخذه للتجارة فهو كسائر العروض.
في من له مائتا درهم، أو عشرون ديناراً، تنقصُ يسيراً أو كثيراً، وهي تجوز
بجوازِ الوازنة، وكيف إن لم تَجُزْ، وهي تبلغ إذا صرفت ما فيه الزكاة
من "المختصر"، قال مالك: ومَن له عشرون ديناراً ينقصُ نقصاناً
(2/110)
يسيراً، ويجوز بجواز الوازنة ففيها الزكاة.
ولي سفي أقلَّ من ذلك زكاةٌ. وكذلك في نقصان مائتي درهم ونحوه في "الموطأ".
قال في "كتاب ابن الْمَوَّاز": إذا نقصت نقصاناً بيِّناً فلا زكاة فيها،
إلاَّ أنْ تجوزَ بجوازِ الوازنة، وكذلك إذا نقص كلُّ دينارٍ حبتين، أو
ثلاثَ حبَّاتٍ، وهي تجوزُ بجواز الوازنة.
ومن "العُتْبِيَّة" قال سحنون، عن ابن القاسم، في مَن له مائتا درهم ليست
كيلاً بالأندلس، وهي تجوزُ بجوازِ الوازنةِ، فل زكاة فيها إلاَّ أنْ ينقصَ
عن الكيلِ شيئاً قليلاً. وقاله سحنون أيضاً.
وفي "الموطأ" أنَّ ابن عمر بن عبد العزيز كتب: أن إذا نقصت العشرون ديناراً
ثُلُثَ دينارٍ فلا تأخذ منها شيئاً. وذكر ابن مزينٍ، عن عيسى عن ابن
القاسمِ، قال: لم يأخذ مالك بهذا. وقوله: لا زكاة فيها إذا نقصت نقصاناً
يسيراً أو كثيراً، إلا مثلَ الحبَّةِ والحبتين، ونحو ذلك فإنَّ فيها
الزكاة، وكذلك الدراهم.
قال ابن حبيبٍ: وإذا نقصت العشرون ديناراً في العدد ديناراً، أو نقصت
المائتا درهم درهماً. فلا زكاة فيها، فإنْ لم تنقص في العدد، ونقصت في
الوزنِ أقلَّ ممَّا ذكرنا، أو أكثرَ وهي تجوز بجواز الوازنة بالبلد
فُرادَى، ففيها الزكاة.
(2/111)
قال: وكذلك مَن له بهذا البلد فِضَّةٌ،
وزنها مائتا درهم بهذه الدراهم الفرادى تجوز بجواز الوازنة فليُزَكِّهَا
ربع عشرها. وكذلك الذهبُ. قال: وما لا يجوز بجواز الوازنة من المسكوكِ.
فحكمه حكم تِبره، وإذا كانت دراهمهم تجوز على ذخل عشرةٍ ومائةٍ عدداً في
المائة الكيلِ كالأندلسِ، ففيها الزكاة. وكذلك لو كان دخلها أكثرَ، ولو
كانت ببلدٍ لا يجوز في الفُراَدَى إلاَّ كيلاً، فلا زكاة فيها، يريدُ على
العددِ.
وإذا نقصت الفضَّةُ عن وزنِ دراهم البلد درهماً، أو الذهب عن وزن عشرين
ديناراً مضروبة ثلث دينارٍ، لم تجب فيها الزكاة بخلاف المسكوك الذي يجوز
بجواز الوازنة. وكذلك فسَّرَ لي مَن لَقِيتُ من أصحاب مالكٍ في ذلك كله،
وذكر ابنُ مَزِينٍ، عن عيسى بن دينارٍ: أنَّه لا ينظر على العددِ في دراهم
الأندلس، ولا زكاة إلاَّ في عشرين ديناراً كيلاً، أو مائتي درهم كيلاً،
إلاَّ أن تنقصَ يسيراً. ويجوز بجواز الوازنة عدداً أو كيلاً.
ومن "العُتْبِيَّة"، روى أشهبُ، أنَّ مالكاً قال: ليس في أُوقيةِ الذهب
وزنٌ يُعلمُ، وأُوقيةُ الفضَّةِ أربعون درهماً. يريدُ: من وزن سبعة دنانير
عشرة دراهم.
قال مالكٌ، في "الموطأ" في مَن له مائةٌ وستُّون درهماً وصرفها ببلدةِ
ثمانية بدينارٍ، فلا زكاة عليه. وكذلك أقلُّ من عشرين ديناراً صرفها مائتي
درهم فلا يُزكِّي. يريدُ: إلاَّ أن يصرفها. وذكره ابن عبدوسٍ، وذكر عن ابنِ
الماجشون، أنَّه قال: وما جرى بين الناس وجاز بين الناس
(2/112)
من الفرادى من الذهب، والفضة بجواز المجموع
فله حُكمه في الزكاة.
في ما يجمع في الزكاة من العين، والحّبِّ، والماشيةِ، وهل يخرج عن الورقِ
ذَهَباً، أو عن الذَّهبِ ذَهَباً، أو عن الذَّهبِ وَرِقاً
قال أشهبُ، في "المَجْمُوعَة"، وهو من قول مالكٍ: إنَّه يُجمعُ في الزكاةِ
العينُ بعضه إلى بعضٍ، تِبره ومسكُوكه ومَصوغه، جيِّدُه ورديئه، كان فضَّةً
أو ذهباً أو كليهما. ويُخرج من كلِّ صنفٍ ربع عُشره. وكذلك من الجيِّدِ
والرديءِ. قال فيه، وفي "كتاب ابن الْمَوَّاز"، وهو أيضاً مِن قولِ مالكٍ:
فإنْ كان له ذَهَبٌ وفضَّةٌ، فليحسب الفضة وزن عشرة دراهم بدينارٍ، ولا
يحسب ذهبه بالدراهم صَرفاً، ولكن وزنه كان دنانير أو غير مسكُوكٍ. كانت
الفضة مسكوكة أو غير مسكوكة. وكذلك في جيِّدها ورديئها.
قال ابن سحنونٍ، عن أبيه، عن ابن نافع، عن مالكٍ، في مَن له تسعةَ عشرَ
ديناراً، وتسعة دراهم، فلا زكاة عليه حتى تتمَّ عشرة دراهم أو يصرفها
بدينارٍ.
قال ابن عبدوسٍ: قال سحنون: وله أَنْ يخرج عن الذهب ورقاً، وذلك أجوز له من
أنْ يخرج عن الدراهم ذهباً؛ لأنَّه قد يرى في الدينار أَنْ يفرقه على
جماعتهم فيصرفه لذلك.
(2/113)
وقال مالكٌ، في "المختصر"، و"كتاب" ابن
الموازِ: وله أَنْ يُخرجَ قيمةَ ما يلزمه عن الذهبِ وَرِقاً، قلَّ أو كثرَ،
وقيمة ما يلزمه عن الوَرِقِ ذَهَباً إنْ شاء، إلاَّ أنَّه لا يُخرج القيمة
إلاَّ جيداً. ولا يُجْزِئُهُ أَنْ يُخرج قيمة الفضَّةِ الرديئةِ دراهم
جِياداً.
قال ابن سحنونٍ، عن أبيه: ومَن لزمه دينارُ زكاةٍ، وبحضرته مساكين كثيرٌ،
فصرفَ ديناراً لِيُفرِّقَه بينهم، فوجدَ في الدراهم درهماً رديئاً، ولم يجد
الذي صرفه منه. قال: على المُزكِّي أَنْ يُبْدِلَه للمساكين.
ومن "الواضحة": ومن له ذهَبٌ، وفضَّة، فلزمه عن اللذهب أقلُّ من دينارٍ،
فله أَنْ يُخرج منه ربع عُشره قطعةَ ذهبٍ، أو صرْفَ ذلك من الدراهم، بصرف
يومه ما لم ينقصْ صرفَ يومَه عن عشرةِ دراهمَ في الدينار، فليُخرج عن صرف
عشرة. وكذلك مَن لزمه دينارٌ فأراد أنْ يُخرجه دراهم. وقال ابن الْمَوَّاز:
يُخرج القيمةَ، قلَّ ذلك أم كَثُرَ. وقول ابن الْمَوَّاز القياسُ.
ومن "العُتْبِيَّة" روى أشهبُ، عن مالكٍ، وهو في "كتاب" ابنِ حبيبٍ: ومَن
له نُقرةُ ذَهَبٍ، ودنانيرُ، فليُخرجْ رُبْعَ عُشرِ كل صنفٍ. ومَن له نقرةٌ
وحَلْيٌ، فليُخرجْ ربع عشر ذلك منه، أو من غيره، قال ابن الْمَوَّاز: قال
مالكٌ: وله أَنْ يقطع قطعةً من الذهبِ، أو من الفضةِ عمَّا لزمه، ولا يقطع
ذلك من الدينار.
(2/114)
ومن "المَجْمُوعَة"، قال أشهبُ: مضَى
صَرْفُ الزكاة عشرة دراهم بدينارٍ، لمَّا جعل النبي صلى الله عليه وسلم
عشرين ديناراً يَعْدِلُ مائتي درهم. يريدُ: في ضمِّ بعضها إلى بعض. قال:
ومضى صرف الدِّيَةِ، وصرف القطعِ اثنا عشر درهماً، فلا يُؤتنفُ الآن لذلك
كله صرفُ غيره.
قال: وتُجمعُ القِطنيَّةُ في الزكاةِ. قال عبد الملك: والتُّرْمُسُ معها.
قال ابن نافع، عن مالكٍ: والكِرْسِنَّةُ معها. ومن غير "كتاب"، وهو من قولِ
مالكٍ: إنَّ السُّلْتَ والعَلَسَ يُجمع مع البُرِّ والشَّعيرِ، وبقيَّةُ
الفول في جميع الحبوب في أبواب زكاة الحبوبِ، وتُجمع الضأنُ، والمعز،
والبقرُ، والجواميسُ، والإبلُ، مع البُختِ، وتمام هذا في أبواب زكاة
الماشية.
في زكاة الحَلْيِ، وما يُرصَّعُ منه بجوهرٍ وما يُحَلَّى به السيف وغيره،
وذِكر آنية الذهب والفضة، وما يُقتنى أو يتَّجَرَ به من ذلك كلِّهِ
قال مالك، في "المختصر": لا زكاة في الحَلْي من ذهب، أو فضةٍ، يُتَّخذُ
لِلِّباسِ، وكذلك ما انكسر منه مما يريدُ أهله إصلاحه.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالك: إنْ حبسَ ليصلح للباسِ قلا يُزَكَّى،
فإن نوى أنْ يصلحه لِيُصْدِقَه امرأته فلْيُزَكِّهِ. وقال أشهبُ: لا
(2/115)
يزكيه. وأنكره محمد. قال ابن حبيبٍ: وما
كَسَبَ الرجلُ من الحَلْي يرصد به امرأة يتزوجها، أو جارية يبتاعها. فقال
أشهب، وأصبغُ: لا يزكيه. وقال ابن القاسم، وابن عبد الحكمِ، والمدنيون من
أصحاب مالك: يُزكيه. وبه أقول؛ لأنَّه لي سمن لباسهِ، ولا صار إلى ما أملَ
منه.
قال: ولو جَلَى لنفسهِ سيفاً أو منطقةً، وليس ذلك من لباسه، ولكنه أعدَّه
للعاريَّة، أو ليرصدَ به ولداً، فلا زكاة عليه، في حليته.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن وهب، عن مالكٍ، في المرأة تتخذ حَلْيَ
الذهبِ، وفيه الجوهرُ لتُكريه. قال: ما أظنُّ فيه زكاة. وقال في رواية ابنِ
القاسمِ: لا زكاة فيه، وإنْ كانت مُعَنَّسَةً ممن لا تلبسه وهي تُكريه.
قال: وما أحِبُّ كراءه وليس بحرامٍ. وقال ابن القاسم: لا بأس به
قال مالكٌ: وإذا ورث الرجل حَلْياً فأبقاه لعلَّه يحتاج إليه أو لا يحتاج،
فليزكِّه, وكذلك مَن عنده حَلْيٌ مكسورٌ لا يريد إعارته. وليزكه في كل
عامٍ.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال عنه أشهب، في امرأةٍ لها حليٌ تلبسه، ثم يبدو لها
في بيعه، قال: لا تُزكِّيه.
(2/116)
قال ابن حبيبٍ: لا زكاة في حلي النساءِ،
وإنِ اتَّخذنه للكراءِ فقط، أو للعارية، وكذلك ما أعدَّتْه المرأةُ لا
للباسِ، ولكن لابنةٍ عسى انْ يكون لها، فلا زكاة فيه, وإن اتخذه الرجل
للكراءِ فليُزَكِّهِ، إذ ليس مِن لباسه. وإن اتخذ مالَه اتِّخاذَه من حلية
السيفِ، والمِنطقةِ فل زكاة عليه فيه. ولو اتخذت امرأةٌ حَلْياً لا للباسِ،
ولا للكراءِ، ولا للعاريةِ، ولكن عُدَّةً للدهرِ إذا احتاجت إلي شيءٍ باعته
فيه، فعليها زكاته، ولو اتخذته أولا للباسِ، فلما كَبِرَتْ نَوتْ فيه إذا
احتاجته أنفقته. قد قيل: لا تُزكِّيه إلاَّ أن تكسره. وأنا أرى عليها زكاته
احتياطاً. قال مطرِّفٌ، عن مالكٍ، فِي مَنْ عنده حَلْيٌ لا ينتفعُ به
للباسِ: إن عليه زكاته.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال أشهب، عن مالكٍ، في الحليِ المربوطِ
بالحجارة: هو كالعرض لا يزكيه حتى يبيعه، كان ما فيه من الذهب جُلَّه، أو
أقلَّه. يريدُ: وهو لغير القِينَةِ. قال أشهب: إلاَّ المَدِينَ فيُقَوِّمُه
بما فيه.
وقاله مالكٌ، في السيفِ المُحلَّى: وإن كان نصله تبعاً لفضته واشتراه
للتجارة، فلا يزكيه غير المدين حتى يبيعه.
ورَوَى عنه ابن القاسم، وابن وهبٍ، أنَّه يُزكِّي وزنَ ما فيه من ذهبٍ، أو
فضَّةٍ. يريدُ: تحرياً، وإنْ كان تبعاً للنصْلِ، ولا يُزَكِّي الجوهرَ
حتَّى يبيعَ. وكذلك المصحف. يريدُ: في غير المَدِين.
ورَوَى ابنُ عبد الحكم، عن ابن القاسمِ، عن مالكٍ، أنَّه إنْ كان
(2/117)
ما في السيف والمصحف من الحلية تبعاً لهن
فلا زكاة فيه.
ومن "كتاب" ابنِ القُرْطِيِّ: ويُزَكِّي ما حُلِّيَ به سرجٌ، أو لِجامٌ، أو
مِنطقة، أو سكين، أو سريرٌ، أو مرآةٌ، أو زجاجٌ، أو أزرارٌ، أو أقفالٌ
للثيابِ للرجالِ خاصَّةً، وقضيبٌ للأطفال والكبار، وأغشيةٌ لغير القرآن،
وما يجري مجرى خلا مصحفٍ، وسيفٍ، وخاتمٍ، وحَلْيٍ للنساءِ وأحرازٍ من
القرآنِ، وما يتخذه النساءُ لشعورهنَّ، وأزرارِ جيو بهنَّ، وأقفالِ
ثيابهنَّ، وما يجري مجرى لباسهنَّ، فلا زكاة فيه، وليس كما يتَّخِذْنَه
للمرايا، وأقفالِ الصناديقِ، وتحليةِ المِخَدَّاتِ، والأسِرَّةِ
والمقدماتِ، وشبه ذلك.
وأما حِلية الدَّرْقِ، وجميع الحرابِ فبخلاف السيوفِ، وما اتُّخِذَ مِن
حَلْيِ ذكور الأطفال، فيُزَكَّى.
وما كان في جدارٍ من ذهبٍ، أو فضةٍ، لو تكلَّفَ إخراجه، خرج منه – بعد اجرِ
مَن يعمله – شيءٌ فليُزَكِّه، وإن لم يخرج منه إلا قدرُ أجرِ عملهِ فلا شيء
فيه. ومن اتَّخذَ أنفاً من ذهبٍ، أو ربطَ به أسنانه، فلا زكاة فيه.
(2/118)
في الحلي، أو العُروضِ تُورثُ أو تُقتنى
أو يشترى وما تنقله النيةُ على القِنْيَةِ، أو على التجارة من ذلك، وما لا
تنقله، وما بيع بعد ذلك
ومن "كتاب " ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسم: وشِراءُ الحليِ وفائدته
بميراثٍ أو غيره سواءٌ، بخلاف السلعِ، فليعمل في الحلي على نيته، إنْ نَوَى
به التجارة، زكاهُ، وإن نوى به القِنْيَةَ، لم يُزكِّه. وأما السلع فإنما
يُحملُ فيها على النية في الشراء فقط. فأما فائدتها بمُوَرِّثٍ أو هبةٍ،
فنيَّتُه فيها التجارة أو القنية سواء لا زكاة فيها، إلا أن تكون ماشيةً،
ففيها الزكاةُ كانت شِراءً للقنيةِ، أو للتجارةِ، أو فائدةً بمُورثٍ أو
غيره. فلا يفترق فيها ذلك، ولا في العين. ولو نوى فيما ورث من آنية الذهب
والفضَّةِ القنيةَ لم ينفعه. وليُزَكِّ وزنها دون القيمة، وإن كثرتْ. وما
اشتريتْ من السلعِ للقنية، قيمتها إنْ بعتهَا كالفائدةِ ولا تضرُّ النيَّةُ
فيما وَرِثَ منها، وقالَه كلَّه مالكٌ وأصحابه.
(2/119)
قال في بابٍ آخر: وما ابْتعتَ من السلعِ
للقنيةِ لم يضرَّ إخراجها بعد ذلك بالنية للتجارةِ. وما اشترِيَ منها أو من
الحيوان للتجارةِ، ثم صرفَهُ إلى القنيةِ، ثم باعه، فاختلِفَ فيه؛ فقيل:
يرجع على اصلهِ. وقيلَ: ياتنف بثمنهِ حَوْلاً. فقولُ ابنِ القاسمِ وروايته
عن مالكٍ: أنَّه لا يُزكِّي ثمنه؛ لأنَّه صارَ قنيةٌ. وقال أشهبُ: يرجع إلى
أصله ويُزكِّي ثمنه. ورواه عن مالكٍ، وقال: لا تُغيِّرُه نيَّةُ القنية،
ولا تغيرُ ما اشترى إلى القنية أَنْ ينويَ به التجارةَ، ولا يلزمه شيءٌ إنْ
باعه. واتفقا في المُكاتبِ يؤدي شيئاً ثم يعجزُ، أنَّه يرجعُ إلى أصله إنْ
كان من التجارة.
قال ابن القاسم: لأنَّ ما ودَّى كالغلَّةِ. وقال أشهبُ: لأنَّه رجعَ على
أصلهِ فلم تغيره نيةُ القنيةِ فيه. وقال ابنُ حبيبٍ: فِي مَنِ اشترى عرضاً
للقنيةِ، ثم باعه بعد مُدَّةٍ فليأتنف به حولاً، ولو ابتاعه أولاً
للتجارةِ، ثم صرفه للقنية، ثم باعه، فقال مالكٌ: يُزكِّي ثمنه. وقال بعض
أصحابه: لا يزكيه. وما ابتاعَ من دارٍ للغلَّةِ ثم باعها بعد عامٍ فقال
مالكٌ: يُزكِّي ثمنها مكانه. وقيل: يأتنف به حولاً. والأول أحبُّ إليَّ.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: وما اشترى الرجلُ من دارٍ
للسُّكنَى، أو حيوانٍ، أو عروضٍ للاتِّخَاذِ، ثم بدا له فباعه فثمنه
فائدةٌ، وغلَّةُ ما اشترى للتجارةِ فائدةٌ. قال: وما اشترى للغلَّةِ، ثم
باعه لحَوْلٍ، فروَى ابنُ القاسمِ، عن مالكٍ: أنَّه يُزكِّي ثمنه، ثم رجع
فقال: لا يُزكِّي،
(2/120)
وهو كالفائدةِ. وبهذا أخذ ابن القاسم. قال
ابن القاسمِ، في "المَجْمُوعَة": ورواه عنه ابن وهبٍ، وبالقولِ الأول اخذ
ابنُ نافعٍ، ورَوَوا كلُّهم القولين. وأمَّا غُلَّتُه ففائدةٌ. وكذلك في
"كتاب" ابنِ سحنونٍ، من روايةِ عليٍ، وابنِ نافعٍ، عن مالكٍ، فيما اشترى
للغلَّةِ من دارٍ، أو عبدٍ، ونحوهِ. وذكر القولين جميعاً، واختيار ابن
نافع.
ومن "كتاب" ابنِ الْمَوَّاز، قال مالكٌ، فيما يُشترى لوجهين كمَنِ ابتاع
الأمَةَ للوطءِ أو للخدمةِ، وإن وجدَ ثمناً باع. فقال: ثمنها كالفائدة.
وقال في رواية أشهب: أنّه يُزكِّي ثمنها. وأما الذي يشتريها للقنية لا ينوي
بها بيعاً ولا يرصده، ولا يهم به، فهذا عن باع ائتنف بالثمنِ حَوْلاً إذا
قبضه, وبهذا أخذ ابن الْمَوَّاز.
ومَن ورِثَ سِلْعاً، أو وُهِبتْ له، فلا تضرّه نِيَّتُه فيها للتجارة،
ويأتنفُ إنْ باعها بثمنها حَولاً من يوم قبضهن وإنْ طال مُقامه عند
المبتاعِ. ولو قبضه، ثم أولجه في سلعةٍ مكانه، ثم باعها بعد سنينَ،
فليُزَكِّ ثمنها لعامٍ واحدٍ بعد قبضه، ولو باعها قبل حولٍ من يومِ قبضهِ
المالَ، فلينتظرْ تمامه، ولو اشترى السلعةَ الثانية للقنيةِ لائتنفَ
بثمنِهَا حولاً من يومِ يقبضه،
(2/121)
ويأتنفُ بما يقبضُ من ثمنِ غلاَّتِ الثمارِ
حولاً.
ومن "المَجْمُوعَة"، و "كتاب" ابن سحنونٍ، روى ابن نافعٍ، عن مالكٍ، فِي
مَنِ ابتاع طعاماً للتجارةِ، ثم بدا له أَنْ يُنفقه على عياله، ثم باع منه
ما فيه الزكاةُ: فليُزَكِّه. وكذلك مَن يشتري طعاماً فيدَّخره لينفقه على
عِياله ثم باع منه باقيه بما فيه الزكاة، فليُزكِّه.
قال ابن سحنونٍ: قال المغيرة، فِي مَنْ بَنَى داراً، ثم باعها بعد حولٍ:
فإنْ بناها للتجارةِ وابْتاعَ القاعةَ للتجارة، زكَّى الثمنَ كله لحلولهِ،
وإنْ بلغَ ما فيه الزكاة، وإن كانت القاعة للقنية، زكَّى ما قابل البنيانَ
من الثمنِ، إنْ بلغَ ما فيه الزكاةُ.
في زكاة الفائدة بسبب الميراثِ والهباتِ والصِّلاتِ، وما يتأخرُ قبضه من
ذلك، وفي قبض الوصيِّ والوكيل
من "كتاب " ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: وكلُ ما أفادَ الرجلُ من ميراثٍ أو
هبةٍ، أو ديةٍ، أو غلَّةٍ، أو غير ذلك، فليأتنف بذلك حولاً من يوم يقبضه،
هو أو وكيله
قال مالك: وإن ورث مالاً فلم يعلم به سنين، فلا يُزكِّه حتَّى يقبضَه هو أو
(2/122)
وكيله. قال عنه ابن وهب في روايتِهِ:
فيزكيه لعام واحدٍ. وكذلك في رواية ابن نافع، وعليٍّ، في "المَجْمُوعَة".
ورويا أيضاً مثلَ روايةِ ابنِ القاسمِ: أنَّه يأتنف حولاً قال ابن
الْمَوَّاز ورَوَى عنه ابن وهبٍ أيضاً مثلَ ابنِ القاسمِ انَّه يأتنف حولاً
من يومِ يقبضه وكذلك ما باعه السلطان مِن تَرِكَةٍ، وأوقفه ليَقْسِمَه.
فأقام سنين. قال، عنه ابن عبد الحكم: وكذلك لو تركه للوارثِ بعد علمهِ به
سنينَ لبُعدِ البلدِ أو لم يعلم به.
قال عنه ابن وهبٍ: فإنْ قبضه وكيله، حُسِبَ من يوم قبضه الوكيل حولاً، وقد
يُتاجر عنه الوكيل دهراً.
قال عنه ابن القاسم: إن حَبَسَه عنه الوكيل سنين ثم قبضه، لم يُزكِّه إلاَّ
لعامٍ واحدٍ. قال أصبغُ: بل لكلِّ عامٍ. قال محمد: بل لعامٍ واحدٍ؛ لأنَّ
حبسَ الوكيلِ إيَّاه تعدِّياً ضَمِنَه به. وكذلك لو كان له عُذْرٌ من خوفِ
طريقٍ، أو مغلوباً، أو غير ذلك ما لا يقدر أَنْ يأتي، ولا تصلُ أنت إليه.
فأمَّا إن كان معه في بلدٍ يقدر على أخذه فتركه، فليزكه لكلِّ عامٍ. وكذلك
إنْ حبسه بإذنه أو كان مُفوَّضاً إليه.
وقال أشهبُ، في "المَجْمُوعَة" مثل قول ابن القاسم في الميراث. وكذلك لو
كان بيدِ وصيٍّ. واختلف قولُه في قبضِ الوصيِّ: فقال ألاَّ يكون قبضاً على
كيبرٍ، وقال: بل هو قبض كانوا كباراً كلهم، أو صغاراً كلهم، أو صغاراً
وكباراً. قال: وإن لم يَلِ على الكبار فإنَّ له الاقتضاءَ،
(2/123)
والنظرَ، والبيعَ. وقال المغيرةُ: وإذا لم
يَعْلَمِ الوارثُ بالميراث فوضع له القاضي المال بيد رجلٍ، فليُزكِّه لماضي
السنين. وإن ضمنه لأحدٍ، فليُزكِّه إذا قبضه لعامٍ واحدٍ. قال ابن القاسم،
وأشهبُ: وأمَّا الثمارُ والماشيةُ، فه يؤخذُ منها كل سنةٍ. قال أشهب: ولا
يزكِّي العين عن غائب.
ومن "كتاب " ابن الْمَوَّاز: وإذا قبض الوصيُّ مال التركة، فقال أشهب مرة:
إنَّ قبضه للأكابر بغير إذنهم، ولا يزكُّوا إلا بعد حول من يوم قبضوا.
وروياه عن مالكٍ. قال ابن القاسم: ولا يُزكِّي عن الصغارِ قبل القَسْمِ.
وليأتنف لهم الحول بعد القسم.
وقال أشهبُ: قبضُه للصغارِ قبضٌ يُوجب الزكاةَ عليهم. محمَّدٌ: وهذا من قول
أشهبَ: إنَّ قبضه للكبار قبضٌ. وقولُ ابنِ القاسمِ أحبُّ إليَّ.
قال مالكٌ: وإذا لم يُزكِّ الوصيُّ عن الصغير ماله حتَّى كَبِرَ فقبضه،
فليُزكِّه لما مضى.
(2/124)
قال ابن حبيبٍ: قال مُطرِّفُ: إن لم يعلم
بالميراث فليأتنف به بعد قبضه حولاً، وإن عَلِمَ به ولم يقدرْ أَنْ يصلَ
إليه فليُزكِّه إذا قبضه لعامٍ واحدٍ.
وإن كان يقدر على أخذه زكَّاه لكلِّ عامٍ مضَى من السنين. وإن أوْدعه له
سلطانٌ بيدِ عَدْلٍ، فليُزكِّه لماضِ السنين. وإن لم يعلم به.
وقاله عبد الملك، وأصبغ.
وفي باب زكاة المدين العرضُ يورثُ فيُباع هل يُزكَّى؟
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ، وابن وهبٍ، عن مالكٍ، في امرأةٍ
أهدتْ إلى أمير المؤمنين هديَّةً فأجازها بمالٍ: فلا زكاة عليها فيه.
قال ابن حبيبٍ: ولا زكاة في عطيَّةِ السلطانِ، وإنَّمَا كان أبو بكرٍ،
وعثمان، يأخذان من الأُعطيةِ زكاةَ غير الأعطيةِ ومعاويةُ الذي زَكَّى
الأُعطيةَ بعينها.
في زكاة فائدة ما يؤخذ في صداقٍ، أو ديةٍ، أو غلَّةٍ
من "كتاب" ابنِ الموازِ، قال مالكٌ: كلُّ ما يُؤخذ في صداقٍ، أو ديَةٍ، أو
كتابةٍ، أو غلَّةِ العبيدِ، والمساكنِ، وثمن صوفِ الغنمِ، وما يؤخذ في
الجراحِ والنَّفْسِ، فتلكَ فوائدُ يأتنف بها مَن أخذها
(2/125)
حولاً من يوم قبضها. ولو قبض عن ذلك
عَرَضاً لا زكاةَ فيه، فأقامَ عنده سنينَ، ثم باعه بتأخير سنةٍ، فإذا قبض
ثمنه، فلا يُزكِّيه حتَّى يأتنف به حولاً من يوم يقبضه. وصداقُ المرأةِ
فائدةٌ فإن نُكحتْ على نخلٍ فيها ثمرةٌ لم تَطِبْ، يريدُ فؤطتْهَا، وقد
أُبِّرتْ فزكاتها عليها. وإنْ نُطحتْ على غَنَمٍ معيَّنَةٍ، فعليها زكاتها
لحولٍ من يوم العقدِ. وإن كانت عند الزوج فإنْ طلَّقَهَا قبل البناءِ، قال
أشهبُ: فنصيبُ الزوج كالفائدة في الاستحسان؛ لأنَّه لم يكن ينتفع منها
بغلَّةٍ. والقياس أنَّهما كالخليطين، ولا يأتنف الزوجُ حولاً.
ومَن قاله لم أعِبْه عليه؛ لأنَّه كان لها ضامناً، وهذا قولُ ابنِ القاسمِ،
أنَّه كالخليطِ لها.
قال محمد: قولُ أشهبَ أحبُّ إليَّ؛ لأنَّ حولَهَا قد انتقضَ بعقد النكاح.
ولو كان على قولِ ابنِ القاسمِ لبقيت على حولها الذي كان عند الزوجِ، وهذا
ليس بقولهما، ولا قول مالكٍ. وقال سحنونٌ مثل قول ابن الموَّاز.
قال محمد: والغلة قبل الطلاق في هذا بينهما. وأمَّا النفقة فقد قيل على
الزوجة، وإنَّما أرى أنها من الغلة، إلاَّ أَنْ يُجاورها فلا ترجع على
الزوجِ بشيءٍ وهو استحسانٌ.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال أشهبُ: ولو نُكحتْ على دنانيرَ معينةٍ، أو غير
معينةٍ، فلا تُزكِّيها حتى تقبضها، ثم تأتنفَ بها حولاً؛ لأنها في ضمان
الزوجِ، وليس القصدُ فيها التعيين.
(2/126)
قال ابن القاسم، عن مالكٍ: وإذا وهَبْته
مهرَهَا، فلا زكاة عليه فيه مَلِيًّا كان أو معدماً. وفي الجزء الثاني في
باب زكاة العريَّةِ والهبةِ ذِكْرُ مَنِ انتزعَ من عبده مالاً، أو زرعاً،
على مَن زكاته؟
في زكاة فوائد الغلات، من المساكنِ، والعبيدِ، والحيوانِ، وغيرها، وغلَّةِ
المُشتري من المساكنِ، والمُكتَرَى منهان وما يُؤاجرُ به المرءُ نفسَه
من قول مالكٍ، وأصحابه: إن غلَّةَ ما اشْتُرِيَ للتجارة أو للكراءِ، أو
للقنيةِ، أو وُرِثَ، فذلك كله فائدةٌ.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: وما اتخذته المرأة من الحَلْيِ
لتكريَه فغلَّتُه فائدةٌ وكذلك غلةُ كلِّ ما يُشترى للتجارة أو للقِنية؛ من
رِباعٍ أو غيرها.
قال: وأمَّا مَنِ اكترى داراً ليكريها، فما اغْتلَّ من هذه مما فيه الزكاةُ
فليُزكِّه لحولٍ من يوم زكَّى ما نقد في كرائها، لا من يومِ اكتراها. وهذا
إذا اكتراها للتجارة والغلَّةِ؛ لأنَّ هذا مُتَّجَرٌ. وأمَّا إنِ اكتراها
للسكنى فأكراها لأمرٍ حدثَ له أو لأنَّه أُرغبَ فيها، فلا يُزَكِّي غلتها
وإن كثرت إلا لحولٍ من يوم يقبضها.
قال أشهبُ: لا زكاة عليه في غلَّتها، وإنِ اكتراها للتجارةِ، وغلَّةُ
(2/127)
ما اكترى للتجارةِ كغلة ما اشترى للتجارة
كان مديراً، أو غير مدير.
قال مالك: ويأتنف المدير بغلَّة ما يشتري للتجارة حولاً من يوم يقبضه،
ويُقوِّمُ الرِّقابَ مع ما يُقوِّمُ لحوله، وما انتزعت من مال عبدك، فهو
فائدةٌ، ولو انتزعتَ منه تمراً أو زرعاً بعد طيبهِ، فلا زكاة عليك فيه. وإن
كان قبل طيبه فزَكِّهِ، وكذلك ما يؤخذ من المكاتبِ، ومن المُخدمِ.
ومن "العُتْبِيَّة"، روى عيسى بن دينارٍ، عن ابن القاسمِ، فيمن أكْرَى
دارَه ثلاثَ سنين بثلاث مائة دينار، فقبضها بعد ثلاث سنين، فليأتنف بها
حولاً من يوم قبضها، وكذلك دِيَةٌ قبضها بعد ثلاث سنين. وغلَّةُ دُورِ
التجارةِ وغيرها يأتنف بما يقبضُ فيها حولاً.
قال ابن القاسمِ: إلاَّ أنْ يتركَ قبضَ كراء الثلاث سنين هَرَباً من
الزكاةِ. قال أصبغُ: ليس هذا بشيءٍ وتركه أخذ ذلك هَرَباً، أو غير هَرَبٍ،
قادرٌ على أخذه، أو غير قادرٍ سواء لا شيء عليه، ويأتنف من يوم قبضَ حولاً.
لو باع أبواب دارٍ ابْتاعها للتجارة بعد الحولِ، لزكَّى الثمنَ مكانَه
بخلاف ما اغْتلَّ منها.
قال عيسى، عن ابن القاسم: ومَن أكْرَى دارَه خمسَ سنين بمائةِ دينارٍ
فانْتَقَدَهَا، وحال عليها الحولُ، وليس له غيرها، فإن وقع للسَّنَةِ
الماضية من
(2/128)
الكراء عشرةٌ بقيَ عليه دينٌ تسعونَ
ديناراً، فإنْ سويتها الدارُ زكَّى المائة كلها، وإن سويتْ ثلاثين زكَّاها
مع العشرة، ثم كلُّ ما سَكَنَ شيئاً زكَّى حصَّته، وذلك أنَّه قد تنهدمُ
الدار فيرُدُّ ما قبضَ. وذكر ابنُ سحنونٍ، عن أبيه مثله سواءً. وذكر عنه
العتبيُّ، وابن عبدوسٍ، أنَّه قال: بل يُزَكِّي المائة كلها، والهَدْمُ
طارئٌ. وقد تستحقُّ أيضا السلعةُ التي باع فلا ينظرُ إلى هذا.
قال في "المَجْمُوعَة": لا أبالي سَوِيَتِ الدارُ الكراءَ، أو لم تَسْوِه،
كما يُزكِّي ثمنَ ما باع من السِّلعِ وقد تستحقُّ.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، ومَن آجرَ نفسه ثلاثَ سنينَ بستِّينَ ديناراً،
وقبضها ومضتْ سنةٌ، فليُزَكِّ عشرين فقط، إلاَّ أنْ يكونَ له عَرْضٌ يفي
بما بَقِيَ فيُزكِّيه. وكان قد قال محمد: إنْ لم يكن له عَرَضٌ أَنْ
يُزكِّي تسعةَ عشرَ ونصفاً أيضا، ويجعل بدلها بقيَّة العشرين التي زكَّى ثم
رجع عنه، وقال: أستحسنُ أن لا يجعل ما زكَّى من العين في ديته، والأول هو
القياس.
قال أبو محمد: وينبغي على قول سحنون أَنْ يُزكِّيَ الجميعَ كما قال في
الدار.
ومن "كتاب" ابنِ سحنون، قال مالكٌ، فِي مَنْ آجرَ نفسه سنةً بمائتي درهم
وانتقدها قبلَ يعملَ شيئاً: فليأتنف بها حولا من يوم قبضها.
(2/129)
قال ابن الْمَوَّاز: قال ابن القاسمِ، فِي
مَنِ اكترى داراً سنة بمائةِ دينارٍ – قال أبو محمد: يريدُ التجارةِ – ثم
أكراها سنة بمائتين فقبضها لتمام حولٍ: فليُزكِّ المائتين. وقاله ابن
القاسمِ، في "المَجْمُوعَة"، وقال: إذا لم تكن المائة التي اكترى هو بها
عليها دَيْنٌ، أو كانت عليه وعنده بها وفاءٌ، وإلاَّ فليُزكِّ المائةَ.
قال ابن الْمَوَّاز: قال أصبغُ: إذا لم تكن المائة عليه دَيناً، أو كانت
عليه وعنده بها وفاءٌ، فليُزكِّ ما قبض مكانه لتمام الحولِ. قال: ويُزكِّي
لتمام أربعة اشهرٍ من يوم اكترى كلَّما مضى شهرٌ أخرج زكاة ثمانية دنانير
وثلث حصَّةِ الشهرِ من ثلثي المائة التي لم تُزَكِّ.
قال أبو محمد/ هكذا وقع كلامُ أصبغُ في "كتاب" ابنِ الموازِ: وأراه قد سقط
منه شيءٌ، وأرى أنَّ الذي سقطَ أو معناه: فإنْ كان تمامُ الحولِ لأربعة
أشهر من يوم اكتراها، يريد: حولَ المائة، التي نقد فليُزكِّ حينئذٍ مائةً
وثلثَ المائة؛ لأنَّه وجبَ للأربعة أشهرٍ الماضية، وهي ثُلُثُ السنةِ ثلثُ
المائتين، وعندَه ما يَسْوِي ثلثَ المائتين أيضا، وهو كراءُ الثمانية أشهرٍ
الباقية على حساب ما اكْتَرَى هو بمائةٍ في السنةِ فله
(2/130)
عهدة ذلك على المُكري فيُزكِّي لهذا مائةً
وثلثاً، ويبقى عليه ثلثُ مائةٍ، فإنَّه لا وفاء له بها. فكلما مضى له شهرٌ،
زَكَّى حصَّته من الثلثي مائةٍ الباقية.
وقال محمد: ومَنِ اكترى داراً سنةً بمائةٍ ليكريها فنقد المائة وليس له
غيرها، وقد مضى من حول المائة ستة أشهرٍ، ثم أقامت الدارُ بيدهِ شهرين، ثم
أكراها بمائتي دينار نقداً، يريد محمد: بقية السنةِ، وهي عشرة أشهر – وقبض
المائتين. قال: فإنَّه إذا مضى من العقدِ. يريدُ: من عقده مع مكتريها منه –
أربعة أشهر – يريدُ: وهو تمام حوله – زكَّى ما استحقَّ وهو ثلثا مائةٍ فثلث
مائةٍ رأس مالِه، وثلثُ مائةٍ ربحٌ. فقال محمد: يُزكِّي ثلثي مائةٍ لا
يعتدلُ؛ لأنَّه أكراها بعد شهرين من السنةِ فكانَّه إنَّما أكراها العشرة
أشهرٍ الباقية له فيها، فإذا مضى أربعة أشهرٍ من العشرة إلا شهراً التي
أكراها هو وفاءَ حولِ مائته التي نقد، فإنما تقع الأربعة الأشهر خُمسا
المائتين؛ وذلك ثمانون ديناراً. قال ابن الْمَوَّاز: ولم آمره أَنْ
يُزكِّيَ الباقيَ الذي هو كالدَّيْنِ عليه وإن كان عندَه منه عَوِضٌ من
ماله في الدار على مُكتريه؛ لأنَّه لم يَحُلْ عليهن ولا له بيده حقٌّ ولا
تمَّ الأجلُ فيستوجبه ولكن كلَّمَا مضى من السنةِ شيءٌ زكَّى حصَّته وهو
يقع لكلِّ خمسةَ عشرَ يوماً ثمانيةَ
(2/131)
دنانيرَ وثلثاً، فإنْ صعُبَ عليه إحصاءُ
ذلك زَكَّى لكلِّ شهرٍ تسعة عشرَ إلاَّ ثلثاً، وإلاَّ فبقدر ما يُحْصَى
ويُقدِّرُ.
قال (أبو محمد): والذي قال محمد، من هذا لا يصحُّ إلا على كِرَاءِ سنةٍ،
وهو لم يكُنْ بها سنةً إذا لم يَبْقَ له فيها إلاَّ عشرةَ أشهرٍ، وقوله:
إنَّه لا يُزكِّي من حصته ما لم يسكنْ، شيءٌ لا يتبينُ؛ لأنَّه عندَه وفاءٌ
بما بقي عليه من لحوقِ ديتِهِ بانهدام الدار وربح المال منه، فأمَّا أنْ
يعتبرَ بهذا على هذا كما قال أصبغُ، وإلاَّ زكَّى الجميع على قول سحنونٍ،
لنَّ الهدمَ أمرٌ طارئٌ. قال في "كتاب" ابنِ سحنونٍ، ونسبه لبعض المدنيين،
فِي مَنِ اشترى بما على مُكاتبه بزًّا للتجارةِ ثم باعه بعد سنينَ: إنَّه
يُزكِّي الثمنَ لحولٍ واحدٍ. وقيل: إنَّما هذا إن كلن المكاتبُ اشتراه
سيِّدُه، وأمَّا إنْ كان عندَه بميراثٍ أو فائدةٍ فلا يُزكِّي حتَّى يأتنفَ
بالمالِ حولاً. وهذا خلافُ مالكٍ وابنِ القاسمِ، والكتابةُ عندهما عِلَّةٌ
وكذلك ما أُخذَ منها.
في زكاةِ الغلاَّتِ وأثمانها وذكر ما يؤخذ فيها من عِوَضٍ، أو في الأشياءِ
الموروثةِ والمُقتناةِ من ثمرٍ، وكيف إنْ بيعتِ الثمارُ مع الرِّقابِ أو
بعدَ أن حرثَ، أو صوفِ الغنمِ
من "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم، وعليٌّ، وابنِ نافعٍ، عن مالكٍ،
(2/132)
فِي مَنْ باع ثمرةَ نخلٍ ابتاعها للتجارةِ
بعد أنْ زكَّى الثمرةَ: فليأتنف بثمنِ الثمرةِ حولاً من يوم يقبضه، ولو باع
الرقاب بعد ذلك، فحولُ ثمنها حولٌ آخرُ، من يومِ زكَّى ما ابتاعها به، أو
أفاده.
قال عنه عليٌّ، وابن نافعٍ: ولو ابتاع زرعاً للتجارةِ، يريدُ مع ارضه،
فزكَّاه ثم باعه، فليأتنف بثمنهِ حولاً من يوم يقبضه.
قال ابن نافعٍ: وهذا إن كان حين ابتاعه مع الأرضِ، لم يبْدُ صلاحه. قال ابن
القاسم، وأشهبُ: ويُقوِّمُ المديرُ رقابَ نخلةٍ ولا يُقوِّمُ الثمرةَ.
قال أشهبُ: وكذلك صوفُ الغنمِ كانت للقنيةِ، أو للتجارةِ، ولو باعها
والصُّوفُ عليها زكَّى جميع الثمنِ، يحولُ ثمنُ الرِّقابِ إنْ كانت
للتجارةِ، وإنْ جَزَّه ثم باعه معها، فظنَّ الثَّمنَ، فما وقفَ للصُّوفِ
ائتنفَ به حولاً. ولو باع النخلَ بثمرها المُزهِي أو باعها معها بعد أن
جَزَّهَا، فليُزَكِّ خَرْصَ الثمرةِ زكاة الثمرِ، ويُزَكِّ ثمن النخلِ
لحولِ أصلها، ويأتنف بما يقع للثمرةِ حولاً من يوم يقبضه. قال في كتاب ابن
الْمَوَّاز: بعد فضِّ الثمنِ، على الثمرةِ، وعلى الرقاب. وكذلك روى عيسى عن
ابن القاسمِ في "العُتْبِيَّة": إذا باعها بثمرها بعد زهوها.
قال: ولو باع الجميع بعَرَضٍ لنَظَرَ إذا باع العَرَضَ حصةَ الأصولِ،
فزكَّاهَا خاصَّةً. قال أصبغُ: فإنْ باعها مع الأصلِ، قبل طيبها، زكَّى
جميعَ الثمرِ، لحولِ المالِ، وتصيرُ كصوفِ الغنمِ ومالِ العبدِ، فإنِ
انتزعَ
(2/133)
مالَه قبل الحولِ، صار له فائدةٌ.
قال: ولو اشترى شجرَ جَوزٍ، وشبهه ممَّا لا يُزكِّي، فباعها بثمرها بعدَ
طيبهِ، لزكَّى جميعَ الثمنِ، لحولهِ. ولو جزَّه صار كالغلَّةِ، لا يُزكِّي
ثمنَه، وإن باعه مع الأصول في صفقةٍ، ويأتنف بحصته حولاً، وكذلك بيعه لصوفِ
الغنمِ بعد الجزِّ مع الرقابِ. قال أشهبُ: ولو لم يَجزها، زكَّى ثمنَ
الجميع.
قال ابن سحنون، عن أبيه في الغنمِ: وإنِ اشتريتْ للتجارةِ فما بيعَ من
صوفها فائدةٌ مثلَ غلَّةِ الدُّورِ للتجارة، إلاَّ أنْ يبيعَ الغنمَ وصوفها
عليها، فليُزكِّ الثمنَ كله للحولِ من يوم زكَّى ثمنها، ولو باعه معها بعد
أنْ جَزَّه، لم يزكِّ حصَّةَ الصوفِ من الثمن.
ومن "كتاب" ابن سحنون، قال مالكٌ: ليس في رِسْلِ الغنمِ صدقةٌ، وأنَّ عليها
الحول، وذلك ما يباع من صوفها ولبنها وسمنها وجُبنها وشَعرها ووبرها، وشبه
ذلك، ويؤتنف بثمنهِ حولاً. وقال أشهب في "المَجْمُوعَة": ولو اكترى أرضاً
للتجارةِ، واشترى حِنطةً فزرعها للتجارةِ، فزكَّى الحَبَّ لحولٍ أو لأحوالٍ
فلا يزكِّيه، وليأتنف بثمنه حولاً من يوم يقبضه، كان مديراً أو غير مديرٍ.
وقال ابن القاسمِ: يُزكِّي ثمنَ الحَبِّ إذا قبضه إلاَّ أن تكون الأرض لهن
أو زرعه في أرضِ الكراءِ لقوتهِ، ولو كان مديراً ولم يبعه، وله مال سواه
يُزكيه، فليُقَوِّمِ الحَبَّ ويُزكِّه لحولٍ من يومِ زكَّاه حَبًّا، وكذلك
حول ثمنه إنْ باعه
(2/134)
ولا يحسب زكاته لحول إدارته، وأما الذي لا
يدير فلا يزكِّيه إلا بعدَ بيعه وقبضِ ثمنه، فيزكيه لحول من يوم زكاه
حبًّا.
قال ابن نافع، وعليٍّ: قال مالك: ومَن جمعَ مِلحاً كثيراً ثم باعه بعد
سنين، فليأتنف حولاً.
قالا عن مالكٍ: ومَن ورث عَرَضاً، ثم باعه بعرَضٍ للتجارةِ، أو باع طعاماً
من زرعه بعرضٍ للتجارة، فلا زكاة عليه في ثمنِ العَرَضِ، إن باعه حتَّى
يحولَ عليه الحولُ من يوم باعه – يريدُ: وقبض ثمنه. قالا عنه: ولوِ اشترى
بما على مُكاتبه بُرًّا للتجارةِ ثم باعه بعد أعوامٍ، أنَّه يزكِّي الثمن
حين يبيع البُرِّ زكاةً واحدةً – يريدُ إذا قبضه – وفي باب المدير ذكر من
ورث عرضاً ثم باعه بدَينٍ أو بنقدٍ والاختلاف فيه.
قال سحنونٌ في "كتاب" ابنِه: وقيل إنَّما هذا على أنَّ المُكاتب اصلُه
للتجارةِ، فأمَّا إن كان للقنيةِ، فليأتنف بالثمنِ حولاً من يوم يقبضه. وقد
تقدمت هذه المسألة.
قال أشهبُ في "المَجْمُوعَة" فِي مَنِ اسْتُهلكتْ له سلعةٌ للقنيةِ فأخذ في
قيمتها سلعة للتجارة، فإنَّه إنْ باعها لحولٍ من يوم أخذها فليُزكِّ ثمنها.
(2/135)
في العبد يُعتقُ والنصرانيِّ يُسلِمُ
هل عليهما زكاةٌ في مالٍ أو ثمرةٍ أو حَبٍّ أو غير ذلك؟
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز قال مالكٌ: وإذا أعتق العبدُ وأسلمَ النصرانيُّ
فمالهُ كالفائدةِ.
قال في " كتاب" ابن سحنونٍ: كان عيناً أو غنماً أو تمراً. قاله مالكٌ في
"كتاب" ابن الموازِ، ونحوه في "كتاب" ابنِ سحنونٍ: وما كان له من ثمرةٍ
مَزْهِيَّةٍ أو زرعٍ قد طاب، فلا زكاة فيه. قال سحنونٌ: ولا في ثمنهِ.
قال مالكٌ: وما لم يَطِبْ من ثمرةٍ أو زرعٍ، فليُزَكِّياه لطيبهِ، وكذلك
المُدبَّرُ وأمُّ الولَدِ إذا أُعتقا، وعليهم أجمعُ زكاة الفطرِ، إنْ وقع
العتقُ والإسلامُ يومَ الفطرِ، في أنفسهم، وعبيدهم المسلمين. قال مالكٌ:
وهو في المعتقِ آكدُ منه فِي مَنْ أسلمَ، والأُضحيةُ فيهما أبْيَنُ. ورُوي
عن مالكٍ، في زكاة الفطر، عن من أسلمَ يومَ الفطرِ، أنَّها أحبُّ إليه.
وقال أشهبُ، في المعتق يوم الفطر: يزكِّي عن نفسه، ويُزكِّي عنه سيده.
في زكاة مال المفقودِ والصبيِّ والمجنونِ والأسير
من "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم، وأشهبُ: وتُزكَّى أموالُ المجانينِ،
كالصبيانِ. وإذا كان وصيُّ اليتيمِ لا يُزكِّي مالَه، فليُزكِّه
(2/136)
اليتيمُ، إذا قبضه لماضي السنين – يريدُ،
ولو كان الوصيُّ يُسلفه سنين لم يُزكِّه إلاَّ لعامٍ واحدٍ من يومِ ضمنه
الوصيُّ.
وقد ذكرنا في باب الفائدة بالميراث زكاة الوصيِّ عن الأصاغر العينِ،
وإنَّما هذا في معنى قولهم: إذا لم يَخَفْ أنْ يُتعقَّبَ بأمرٍ، وكان
يُخالفه ذلك، فأمَّا إن لم يخف له، وهو لا يأمنُ أنْ يُتعقَّبَ بأمرٍ
لاختلاف الناسِ في زكاةِ مالِ الصبيِّ العين فلا يزكِّي عنه، كما قالوا:
إذا وجد في التركة مسكراً، وخافَ التَّعَقُّبَ فلا يكسره.
قال ابن حبيبٍ: وليُزَكِّ وليُّ اليتيمَ ماله، ويُشهِدْ، فإن لم يُشهد وكان
مأموناً، صُدِّقَ، وإن استنفقَ مالَ يتيمه، وله به فلاءٌ، وخافَ أنْ
يُغرَّرَ له به، فلا بأس بذلك، وقال القاسمُ بنُ محمدٍ، وكان ابنُ عمرَ
يُسلِفُه ويسْتَلِفُه، وإذا لم يكن له فلاءٌ فلا يُسلفه.
قال ابنُ القاسمِ في "المَجْمُوعَة": وتُزكَّى ماشيةُ الأسيرِ والمفقودِ
وزرعهما، ونخلهما، ولا يُزكَّى ناضحهما، يريدُ: لما عسى أنْ يكون لهما عذرٌ
يسقطها، ولا يُسقطُ بذلك في غير العين، وأمَّا غيرُ العينِ مِن ماشيةٍ أو
حَبٍّ أو ثمرٍ، فيُزكِّي عن من ذَكَرْنَا من صبيٍّ وغيرِه بكلِّ حالٍ.
باب في زكاة المال اللُّقطةِ أو الوديعةِ أو المدفونِ أو المغصوبِ
من "المَجْمُوعَة"، قال ابن نافعٍ، وعليٍّ، عن مالكٍ، فِي مَنْ ضاع
(2/137)
له مالٌ، فرجع إليه بعد أعوامٍ: فلا يزكِّه
إلا لهام واحد.
قال عنه ابن نافعٍ: وكذلك الودائعُ واللُّقَطَةُ والمال المغصوبُ يرجع.
وقال المغيرةُ في اللقُطة ترجع إلى ربِّها بعد سنينَ: فليزكه لكل سنةٍ،
كالمال يدفنه في بيتهِ، ثم يَضِلُّ عنه مكانه. وقال مثله ابن سحنونٍ عن
أبيه.
وقاله في الذي دفنَ مالاً ونَسِيَ موضعه.
قال ابن القاسم: ثمَّ وجده. وذُكِرَ عن ابن القاسمِ فيه، إنْ نَسِيَ موضعه.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسمِ، وابنِ وهبٍ، عن مالكٍ، في
ملتقطِ اللُّقطةِ تُقيم عنده سنين لا يريد أكلها ولا صدقتها. فلا زكاة عليه
فيها، فإنْ رجعتْ إلى ربِّهَا، فليُزكِّهَا لعامٍ واحدٍ، وكذلك إنْ
حَبَسَهَا ليتصدَّقَ بها عن ربِّهَا، فإنْ حبسها ليأكلها، فليُزكِّها لحولٍ
من يومِ نَوَى ذلك، إنْ كان له بها وفاءٌ مِن عَرَضٍ، ثم إنْ أخذها ربُّهَا
بعد أعوامٍ، زكَّاها لعامٍ واحدٍ.
قال ابن القاسم في "المَجْمُوعَة": إذا عرَّف بها سنةً، ثم نوى حبسها
لنفسهِ للحديثِ، فإن لم يُحرِّكها فلا زكاة عليه فيها، فإنْ
(2/138)
حركها فمن يومئذٍ دخلت في ضمانه، ويُزكِّي
على حولٍ من يومئذٍ، وذُكِرَ مثله في "كتاب" ابنِ سحنونٍ: وقال: فإنْ حبسها
لنفسهِ بعد تعريفِ سنةٍ، فأقامت عندَه بعد ذلك حولاً لا يُحرِّكها، قال:
لاا يُزكِّيها؛ لأنَّه لم يضمنها لذلك حَّى يُحرِّكها. قال سحنونٌ: لا ادري
ما هذا. وقد قال المغيرةُ، في ملتقط اللُّقطَةِ: يترك أَنْ يعرِّفَها،
وأخفاها؛ لأنْ تخفى له ثم تلفتْ عنده، أنَّه يضمنها حين أراد أكلها، ولا
زكاة على ربِّهَا، إذا ظهرت على ذلك منها، قال: فإذا ضمنها بهذا لزمته
الزكاة، فكذلك الذي أجمعَ على حبسها لنفسهِ بعدَ تعريفه سنةً بها منه أخذاً
بالحديث، في قولهِ: "وإلا فشأنك بها" فقد ضمنها وعليه زكاتها، إن كان عنده
عَرَضٌ مثلُ كَفَافِ دَيْنِهِ، وقال: فإنْ أنفقها بعد الحولِ ثم مات، قال:
تخرج من ماله وإن لم يوص بها، ويُحاصُّ بها غرماؤه، ثم يضعها الإمام بيدِ
مَن يرضاه من ورثته أو غيرهم موقوفة لصاحبها، ما رُجيتْ له حياة.
قال سحنونٌ: هذا يدلُّكَ أنَّ حكمها حُكمُ الدَّيْنِ.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز قال مالكٌ: مَن غُضِبَ له مالٌ، أو ظُلِمَهُ، أو
سقطَ منه أو ضاعَ، ثم وجده بعد أعوامٍ، فليُزكِّه لعامٍ واحدٍ. وقاله ابنُ
القاسمِ، وأشهبُ، وغيرهما من اصحاب مالكٍ. وهو قول مالك.
وأمَّا لو دفنه أو رفعه فنسيَ موضعه ثم وجده بعد سنين، فليُزكِّه لكل سنةٍ،
قاله مالك. قال محمدٌ: إلاَّ أنْ يدفنه في صحراءَ، أو في موضعٍ لا يُحاطُ
به، فهو كالمغصُوبِ والتالفِ. فأمَّا في البيتِ والموضعِ الذي يُحاطُ به،
ثم يجده في موضعه فليُزكِّه لكل عام.
ومن "العُتْبِيَّة"، قال سحنون، في اللقطة مثلَ قول المغيرة: إنَّه
(2/139)
كالمالِ المدفونِ، إلاَّ أنْ يتسلفه ملتقطه
فيصير كالدَّيْنِ، وكذلك الوديعة. قال أشهبُ: ويُقبل قولُ المُودعِ
والملتقطِ انَّه يتسلّفُ ذلك، أو تركَ، ولو أسلفها المُودع لغيره، صارتْ
كالدَّيْنِ، قال سحنونٌ، عن المغيرةِ: فإن لم يعرِّف بها ملتقطها، وأخفاها
لتبقى له، فهو لها ضامنٌ، فإن أخذها ربُّها بعد أعوامٍ، زكَّاها لعامٍ
واحدٍ، وإن لم يفعل هذا ولا أراد بها هلاكاً ولا أنْ يتسلفها، فليُزكِّ
ربُّها عن كل عامٍ.
قال ابن الْمَوَّاز: قال مالكٌ: لا يُزكِّي المودع زكاةَ ما أودعَ. قال
محمد: وزكاتها على ربِّه إن حال الحولُ.
قال ابن حبيبٍ: وإذا أنفقه من هو بيده، وعَلِمَ ربُّها بذلك، فذلك
كالدَّيْنِ يُزكِّيه ربُّه إذا قبضه.
ومَن غُصِبَ منه ماله، فكان يرجوه أو يئسَ منه، فأقام سنين، ثم رُدَّ إليه
بطَوْعٍ أو بحكمٍ، فلا يُزكِّيه ولا لعامٍ واحدٍ، وليأتنف به حولاً. قاله
مالك، بخلاف الدين وذكر ما رُوِيَ في "الموطأ" من زكاةِ المالِ الذي أخذه
بعضُ الولاةِ ظلماً، ثم رَدَّه فلم يأخذ بما روي فيه. قال ابن حبيبٍ: وقوله
في الحديثِ؛ لأنَّه قد كان مالَ ضمانٍ يُرتجى
(2/140)
المال الذي لا يُرجَى يُحبسُ عن صاحبه
كرهاً، وما رُجيَ من الدَّيْنِ فليس بضمانٍ.
وقال عن مالكٍ: وإذا دفنَ مالاً ونَسِيَ موضعه، ثم وجده، فليُزكِّه لماضي
السنين، لأنَّه عرَضٌ به التلف، بخلاف ما يسقط منهن قال: وما سقطَ منه، فإن
كان راجياً له بأسباب تُقوِّي رجاءَه، حتَّى اتَّصلَ ذلك بوجودهِ،
فليُزكِّه لعامٍ واحدٍ، وإنْ كان على إياسٍ ائتنف به حولاً.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، مَن غُصِبَتْ ماشيته فرُدَّتْ إليه بعد اعوامٍ،
فقال ابن القاسمِ: لا يُزكِّيها إلا لعامٍ واحدٍ كالعينِ.
قال أشهبُ: إنْ كانت السُّعَاةُ تزكِّيها أجزأه، وإلاَّ وَدَى عنها لكل
عامٍ على ما يُوجد عنده، وكذلك مَن غُصِبَتْ منه نخلةٌ، ثم رُدَّت إليه
واخذ ثمرتها كلَّ عامٍ، فإن لم يُزكِّ فليزكها، والعين ليس له أَنْ يطلبَ
الغاصبَ بربحهِ.
ومَن له خمسٌ من الإبلِ فُقِدَ منها بعيرٌ، ثم جاء المتصدِّقُن فلا شيء
عليه. قال ابن القاسمِ: فإنْ أخذه بعد ذلك زكَّاه مكانه، ثم يكون من يومئذٍ
حوله. قال محمد: وأحبُّ إليَّ إن كان أيسَ منه أنْ يأتنف به حولاً. من يوم
أخذه، وإن كان على رجاءٍ منه، زكَّى للعام الأولِ. وكذلك العبدُ في زكاةِ
الفطرِ، أنَّه يُزكِّي عن الآبقِ المرتجى، ولايُزكِّي عن الآخر.
في زكاةِ المالِ يُبْضَعُ أو يُوهَبُ أو يُعْزَلُ لشراء قوتٍ وكسوةٍ
ومن "العُتْبِيَّة" روى أشهبُ، عن مالكٍ، فِي مَنْ بَعَثَ بمالِ الشراءِ
(2/141)
طعاماً لقوته، فأخذه الحَوْلُ قبل يشتري
به، فإنَّه يُزكِّيه.
قال ابن نافع في "المَجْمُوعَة": وإنْ جاءه الطعام وهو كثير لالا ينفعه
مثله في خمسِ سنينَ، وشبه ذلك، فإنَّه إذا باع بعدَ الحولِ ما يُجاوزُ قوتَ
مثله، زكَّى ثمنَه.
قال سحنونٌ في "العُتْبِيَّة"، عن ابن القاسمِ، ومَن بعثَ بمالٍ على
أفريقيةَ فحلَّ حولُه، فإنْ لم يعلمْ حاله ولا كم هو أخَّرَ حتَّى يقدَمَ
فيُزكِّيه، لما مضى.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، ذُكِرَ عن مالكٍ، في مالِ القراضِ، إذا كان
العاملُ غائباً عنه ببلدٍ بعيدٍ لا يدري ما حاله ولا حال ما في يديه ولا ما
حدثَ عليه، فلا يُزكِّي حتى يعلم ذلك، أو يرجع إليه. قال: بمنزلة المدير
يُجَهِّزُ على بعض البلدان، فيأتي شهرُ زَكَاتِهِ، ولا يدري ما حال مالِهِ
فلا يُزكِّيه حتى يرجع إليه، أو يأتيه علمه بالأمنِ عليه، فيركيه لماضي
السنين، وقاله أصبغ.
ومن "العُتْبِيَّة" من سماع ابن القاسمِ، ومَن بعثَ بعشرةِ دنانير لشراء
ثوبٍ لزوجتهِ، فحلَّ حولُه قبل الشراءِ، فليُزكِّه. قال أصبغُ: ولو أشهدَ
بذلك حين بعثه، لم يزكِّ، ولو مات كانت لمن أشهد له، وكذلك لو أبطأ عنه
الساعي، فعزل ضحايا لأهلهِ، وأشهد عليها، فلا يُزكِّيها إن
(2/142)
جاء الساعي، وإن لم يكن أشهد فليُزكِّهَا.
رواه أبو زيدٍ.
قال سحنونٌ، عن ابن القاسمِ: ومَن تصدَّقَ بمالٍ على رجلٍ وعزله له، فإن لم
يقبله زكَّاه ربُّه لماضي السنين، وإن قبله استقبل حولاً، ولم يُسقطْ منه
الزكاة، يريدُ: فيما مضى.
وفي "كتاب" ابنِ سحنون: إن قبلها ائتنف المُعطِي بها حولاً، ويسقُطُ منها
زكاة ما مضى، وإن لم يقبلها، زكَّاها ربُّها لماضي السنين.
في زكاة المالِ يُفاد شيئاً بعد شيءٍ، وحكم الفوائدِ في أحوالها ونمائها،
وما يُضَمُّ منها بعضه على بعضٍ
ومن قولِ مالكٍ، وأصحابه: مَن أفاد مالاً بعد مالٍ، فإنَّه إن كان الأوَّلُ
ليس فيه ما يُزكِّي، فهو يضمُّ إلى ما بعده، حتَّى يبلُغَ عِدَّةَ مالِ
الزكاةِ، ثم ما أفاد بعد ذلك، كان له حَوْلٌ مؤتنفٌ. فإنْ كان المالُ
الأوَّلُ فيه الزكاةُ، فلكلِّ ما أفيدَ بعده حولٌ مؤتنفٌ، وإنْ كثرت
الفوائد حتى يضيقَ عليه أَنْ يُحصِيَ أحوالَهَا، فليضم الأول إلى ما بعده
من الفوائد مما يَخِفُّ به عليه إحصاءه أحواله، حتى يصيرها على حولين أو
ثلاثة، ونحوه مما يَقْدِرُ، أَنْ يحصيه، فإن لم يكن ذلك، صَعُبَ عليه ضَمُّ
جميعها على
(2/143)
آخرها. وأمَّا فيما يكثرُ عليه من تقاضي
الديونِ، فليضم آخر ذلك على أوَّله. وكذلك قال سحنونٌ، وغيره.
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسمِ: ومَن أفادَ عشرة دنانير فأقامت
بيدهِ ستةَ أشهرٍ، ثم أفاد عشرة فأكثر، فليضم الأولى إلى الآخرة، فإن
تَجَرَ في الأولى فصارت عشرين ديناراً قبل حول الثانيةِ بشهرٍ، فليُزكِّ
الولى مكانه بربحها، ويُزكِّ الثانية لحولها، وإنْ قلَّتْ فإن أنفقها قبل
حولها، فلا شيء عليه، ولو أنفق الأولى بعد حولها قبل أن تبلغ عشرين
ديناراً، ثم حال حولُ العشرةِ الثانيةِ، فقال أشهبُ/ يُزكِّي عنها وعن التي
أنفق، لأنَّا إنما أجزنا زكاتها خوفاً ألاَّ تبلغ الثانية إلى حولها. وقال
ابنُ القاسمِ: لا يزكِّي الثانية كانت الأولى مزكاة أو لم تكن، إلاَّ أنْ
تبقى الأولى، أو يبقى منها ما لو ضُمَّ إلى الثانيةِ بلغَ مال الزكاةِ،
فليُزكِّ الثانية مع الأولى إلا أَنْ يكون زكَّى الأولى، فليُزكِّ الثانية
فقط لحولها، وإذا كان يُزكِّي الفائدتين، كل واحدةٍ لحولها، ثم رجع إلى ما
لا زكاة فيه لو جُمعا، فإنْ جمعهما حولَ آخرهما، وهما ناقصان، بطَلَ أنْ
يكون لهما حولانِ، بعد ذلك، -يريد وإن نميا – ولو تَجَرَ في ألأولى، فصار
فيها الزكاة قبل أَنْ يجمعهما حول، فليزكيها حينئذٍ، وينتقل حولها إلى هذا
الوقت، ثم إذا حلَّ حول الثانية زكَّاها إذا كان فيها، وفي الأولى ما في
(2/144)
مثله الزكاةُ، وكذلك لو جمعهما في تجارةٍ
فَرَبِحَ فصار ما في الزكاة، قبل حول الثانية فليقضِ الربحَ عليهما، ثم
يزكِّي كل مالٍ لحولهِ.
ومن "العُتْبِيَّة"، قال عيسى، عن ابن القاسمِ، فِي مَنْ أفادَ عشرينَ
ديناراً، ثم عشرين بعد ذلك: فليُزكِّ كل فائدةٍ لحولها، فإن نقصتات أو نقصت
إحداهما بعد أن زكَّاها للحولين، فإنَّه يبقيان كذلك، يُزكِّي كلَّ مالٍ
لحوله ما دام فيهما إذا جمعا ما فيه الزكاة، وإنْ حلَّ حولُ الأولى، وليس
فيهما ما فيه الزكاة، فلا يُزكِّي شيئاً، ثمَّ إن نما أحدهما قبل حول
الثانية، فصارت مع الأخرى ما فيه الزكاة، فليُزكِّ الأولى حينئذٍ، وينتقل
حولها إلى اليوم، ويبقى حول الثانيةِ. ولو لم يربح شيئاً حتَّى حلَّ حولُ
الثانيةِ، صار حولهما واحداً. وقاله كله مالك. وكذلك في "كتاب" ابن حبيبٍ،
و "المَجْمُوعَة".
ومن "كتاب" ابن سحنون، ومن أفاد خمسة عشر ديناراً، ثم على ستَّةِ أشهرٍ
أفاد ثلاثة دنانير فخلطَ المالين، ثم أخذ من جملتها ثلاثة فتجر فيها فربح
ثلاثة، فليقسم الربحَ على المالين فينوبُ الخمسة عشرَ ديناران ونصفٌ،
والثلاثة نصف دينارٍ، ويبقى المالان على حولهما. يريدُ: حول آخرهما. ولو
ربح ستة دنانير، وقع للمالِ الأول خمسةٌ فيصير بربحه ما فيه الزكاة، فيزكيه
لحوله، والمالُ الثاني لحوله يريد إن كان هذا الربح قبل أنْ
(2/145)
يضمهما حولُ آخرهما. قال: ولو أخذهما حولٌ
من يوم خلطهما –يريد أو أخذهما حولُ الآخرةِ – وإن لم يمضِ لتاريخِ خلطهما
حولٌ. قال: فلا يرجعانِ إلى حولينِ، ويبقى حولهما واحداً. ولو تجرَ في أحد
المالين فربح فيه ستة دنانير، ثم لم يدرِ أيهما هو، فليزكيهما على حولِ
آخرهما، ولا يقضه بالشكِّ فقد يُزكِّي للأول قبل حوله.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال سحنون: ولو بلغت الفائدة الأولى ما فيه الزكاة،
فزكاها لحولها ثم اقرضها رجلاً، أو اشترى بها سلعة للتجارة، ثم حلَّ حولُ
الثانية، ولا زكاة فيها – أراه يريدُ: وليس بمديرٍ – قال: فلا يُزكِّي إلا
أنْ يقبضَ من ذلك الدَّيْنِ، أو يبيع من تلك السلعة ما إن ضمَّه على
الثانيةِ بلغَ ما فيه الزكاة، فليُزكِّ الثانية لحولها ولا يُزكِّي ما
اقتضى أو باع، إلا لحوله من يوم زكاه.
قال ابن القاسم: وإن انفق الأولى، وليس في الثانيةِ ما فيه الزكاة، وثَمَّ
فائدةٌ ثالثةٌ، فليضمَّ الثانية إلى حول الثالثة، فإذا حلَّ زكَّاها إن
بلغا ما فيه الزكاة، ولو بقيَ من الأولى التي زكاها خمسةٌ والثانية عشرةٌ
والثالثة خمسةٌ، فليُزكِّ الثانية مع الثانية لحول الثالثة، وهما خمسة
عشرَ، وتبقيةُ الأولى التي زكَّاها تمامُ ما فيه الزكاة، ولا يُزكِّي بقية
الأولى الآمن لأنَّه لا يُزكِّي مالٌ في حولٍ مرتين.
(2/146)
قال غيره: إلاَّ أَنْ يدورَ على بقية
الأولى حولٌ يوافق حول الثالثة، فليُزكِّ الجميع لوقتٍ واحدٍ.
قال أبو محمد: إذا كانت الأولى عشرين، والثانية والثالثة عشرة عشرة، فزكَّى
الأولى لحولها، ثم رجعت إلى خمسةٍ قبل حولِ الثانيةِ، ثم جاء حول الثانية
فلا يُزكِّيها حتى يبقى من الأولى عشرةٌ فأكثرُ، أو تصيرَ الثانية خمسةَ
عشرَ، وأمَّا لو جرتِ الزكاة في جميع هذه الفوائد فزكَّاها ثم صارت ألأولى
خمسة، فليزكِّ الثانية، وكذلك الثالثة ما دام في جميع الثلاثة ما فيه
الزكاة.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسمِ: ومَن أفاد خمسين ثم عشرة
بعدها، فزكَّى الخمسين لحولها، ثم أتلفها قبل حولِ العشرةِ، ثم جاء حولُ
العشرةِ، فلا يزكيها إلا أَنْ يبقى من الخمسين عشرة فأكثر، بخلاف أنْ لو
كانت العشرة في دَينٍ له، أو عَرَضٍ له حولٌ فأكثر، قبل يزكِّي الخمسين،
فهذا يُزكِّي العشرة إذا قبضها بعد حول الخمسين وإتلافها، إلا أنْ تتلفَ
الخمسون قبل حول العشرة.
(2/147)
في زكاةِ الدَّيْنِ وما يتفاوت قبضه منه،
أو مِن بيعِ العَرَضِ، وزكاة ما يقارن ذلك من الفوائد باتِّفاقِ حولٍ أو
اختلافه، وزكاة الدين قبل قبضه، والعرضِ قبلَ بيعه
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، و"المختصر" قال مالكٌ: ومَن له دَيْنٌ لي سله
غيره، قد مضى له حولٌ فأكثرُ، فكان يأخذُ منه ديناراً بعد دينارٍ، فينفقه
أو يسلفه، فلا يُزكِّي حتى يقبضَ تمام عشرين ديناراً فيزكِّي عن عشرين، ثم
يزكِّي كل ما يقبض وإن قلَّ، وحولُ ما يقبض بعد العشرين من يوم يقبضه، فإن
كَثُرَ عليه فلم يحصه، فليرد
ما شاء منه إلى ما قبله.
قال في "المختصر": وكذلك ما بيعَ من عروضه شيئاً بعد شيءٍ يكثُرُ عليه،
فليضمَّ ما شاء من ذلك إلى ما قبله كالدَّيْنِ.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: وأمَّا في كثرةِ الفوائد شيئاً بعد
شيءٍ فيختلط عليه، فليَرُدَّ الأول إلى الآخر، ثم يريدُ ما شاء من ذلك
ممَّا يمكنه ضبطه ولا يختلط عليه.
قال عبد الملك في "المَجْمُوعَة": إذا كثر عليه ما يقتضي من الدَّيْنِ بعد
العشرين التي زكَّى منه، فليَرُدَّ الآخر إلى ألأول، وقالله ابنُ نافعٍ،
وعليٌّ، عن مالكٍ. وكذلك قال ابن القاسمِ في العَرَضِ يبيع منه بعد الحولِ
(2/148)
شيئاً بعد شيءٍ، فيكثر الآخر إلى ما قبله.
قال سحنونٌ: فأمَّا في كثرةِ الفوائد فليردَّ الأول إلى الآخرِ. وقال ابنُ
حبيبٍ: يرُدُّ الآخر إلى ألأول، في الفوائد والديون، قال ابو محمد: وقولُ
مالكٍ وسحنونٍ أصحُّ؛ لئلا تؤدي قبلَ حولِهَا، والدَّيْنُ قد حلَّ حوله،
إلاَّ أنَّا لا نعلم أيقبض أم لا، وقد اختلف في زكاته قبل قبضه.
قال ابن الْمَوَّاز: فابن القاسمِ يقولُ: لا يجزيه. وأشهب يقولُ:
يُجْزِئُهُ. وهو محسِنٌ. وقد اختلف قول ابنِ عمرَ في زكاة الدَّيْنِ. وقال
ابن شهابٍ: يزكِّي قبل قبضه.
قال ابن القاسم: كما لا يُجزئُ عند مالكٍ زكاة العَرَضِ قبل بيعهِ، فكذلك
زكاة الدين قبل قبضه.
قال ابن حبيبٍ: وقال أشهبُ: في العرضِ لا يُجْزِئُهُ زكاته قبل بيعهِ.
ومن "المَجْمُوعَة" قال ابن نافعٍ، وعليٍّ، عن مالكٍ لو لَزِمَ زكاةُ
الدَّيْنِ قبل قبضهِ، والعَرَضُ قبل بيعهِ، لزم أَنْ يخرج عن الدَّيْنِ
دَيْنٌ، وعن العَرَضِ منه.
قال ابن الْمَوَّاز: قال ابن القاسم: ومَن له دَيْنٌ على مَلِيٍّ مأمونٍ،
يتركه عليه أعواماً، ولو شاء أخذه، وهو يعرضه عليه، فيتركه، أو كان على
عديمٍ ثم افاد، فقضاه، فذلك سواءٌ عند مالكٍ، لا يزكيه إلاَّ لعامٍ واحدٍ
بعد قبضهِ.
قال مالكٌ: ولو كان ما اقتضى من الدَّيْنِ إنَّما تمَّ عشرين ديناراً بربحٍ
ربحه فيه، ثم يُزَكِّ ما يقتضي ولو قلَّ، ولو هلك ذلك بعد أن
(2/149)
زكَّاه –محمد: بسببه أو بغير سببه –
فليُزكِّ ما يقبض بعد ذلك وإن قلَّ، وكذلك إذا باع من العرضِ بالدينارِ،
وينفقه ثم يبيع بعد ذلك بشيءٍ آخر، فليُحصِ ذلك على تمام عشرين ديناراً،
فيزكيها، كما ذكرنا.
فأمَّا إنْ هلكَ في الدَّيْنِ –محمد، وهذا إذا أنفق ما كان يقبضُ – أو
أتلفه، فأمَّا إنْ هلك بغير سببهِ قبل تمام العشرين، فليس عليه زكاةُ ما
تِلف ذلك من دِينٍ، أو من ثمنِ عَرَضٍ. وقال سحنونٌ في "المَجْمُوعَة": هلك
بسببه أو بغير سببهِ، وهو سَوَاءٌ وعليه زكاته. وقاله ابنُ القاسمِ،
وأشهبُ.
قال أشهبُ، وابن نافعٍ، عن مالكٍ، في مَن قبضَ من دَيْنٍ له حَوْلٌ تسعة
عشرَ ديناراً، ثم قبض بعد شهرٍ ديناراً، فليُزكِّ العشرين يوم قبضِ الدينار
ويكون من يومئذٍ حولٌ لها، فيزكيها لحولها، وإن نقصتها الزكاة، إذا كان
بيده ممَّا اقتضى بعدهما ما إن ضمَّ إليها، وجبت فيها الزكاة، كالفائدتين –
يريدُ: يصير ما يقبض بعد العشرين منفرداً لحولٍ فيزكِّي ذلك لحولهِ
والعشرين لحولها، ما دام في جميعها ما تجب فيه الزكاة، كالفائدتين. قال ابن
القاسم: ومن له مائة دينارٍ لها حولٌ، ثم أفاد عشرين فلم يمضِ للفائدةِ
حولٌ حتى يقبضَ عشرةً من الدَّينِ، فلا يزكيها حتى يَحِلَّ حولُ الفائدة أة
يقبض عشرةً أخرى قبلَ ذلك، ولو استهلك العشرةَ
(2/150)
الأولى قبل حول الفائدةِ، ثم حلَّ حولُ
الفائدةِ فزكَّاها، فلا يزكِّي ما استهلكَ حتَّى يقبضَ من الدَّيْنِ عشرةً
أخرى، فأكثر، إلا أنَّه يُزكِّي ما يقتضي من الدَّيْنِ بعد زكاةِ الفائدةِ
قلْ ذلك أو كثرَ، ولا يُزكِّي معه العشرةَ التي استهلكَ قبل حولِ الفائدةِ
حتى يقبضَ بعد حولِ الفائدةِ تمامَ عشرين ديناراً بالذي استهلكَ، فيُزكِّي
حينئذٍ ما استهلك مع هذا الآخر.
قال ابن القاسمِ: ومَن أفاد عشرين ديناراً، فأسلفَ منها خمسةٌ، وبقيت خمسةَ
عشرَ بيدهِ حتَّى حلَّ حولها، ثم تَلِفَتْ أو استهلكها، ثم قبضَ الخمسةَ،
فليُزكِّ الآن عن عشرين.
قال عبدُ الملكِ: ومَن له مائة دينارٍ بيده، وله مائة دينٌ، وحولهما
مختلفٌ، فاقتضى من الدين عشرةٌ قبل حولها، فإنْ كان حولُ الدِّينِ قبلُ،
فلا يُزكِّي العشرة حتَّى يحلَّ حولُ المائة العين، وإن كان حولُ العينِ
كان قبل فحلَّ فزكَّاه، ثم انفقه قبلَ حولِ الدَّيْنِ، ثم اقتضى شيئاً مِن
الدين، فلا يُزكِّي حتَّى يقتضيَ تمام عشرينَ بالعشرةِ الأولى.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسم: ومَن أفاد ديناراً وله دَيْنٌ
كثيرٌ فمضى للدينارِ حولٌ، ثم أنفقه، ثم اقتضى تسعةَ عشرَ ديناراً،
فليزكِّهَا مع الدينار، إلاَّ أنْ يكونَ إنَّما أنفقه قبل حول الدين، ومن
اقتضى من دَيْنٍ له حولٌ ديناراً فَتَجَرَ فيه فصار عشرين ديناراً، فليزكّ
أحداً وعشرين ديناراً فقط، لأنَّ الزكاة
(2/151)
وجبت في الدينار الثاني يومَ قبضهن كمَن
حَلَّتْ عليه زكاة عشرين ديناراً بيده فلم يزكِّهَا حتى تجرَ فيها، فصارت
أربعين، فإنَّمَا يُزكِّي عشرين ثم يرتقب الحول الثاني. وما ذُكرَ عن مالكٍ
أنَّه يزكي الربح لحولٍ من يومِ ربحهِ. ليس بقوله وقولِ أصحابه، وهي رواية
ابن عبد الحكم وأشهب عنه، وقد ذكرها أيضا سحنون، وأنكرَ منها ما أنكر ابن
الْمَوَّاز، قال ابن الْمَوَّاز: ولو غُصِبَتِ العشرون منه أو أتلفها،
لضمنَ زكاتها بتعديه بتأخيرها.
ابن سحنونٍ قال ابن نافعٍ، عن مالكٍ، فِي مَنْ له دراهم ديناً في مثلها
الزكاةُ، فأخذ فيها ذهباً بعد حولٍ: فإنَّمَا عليه زكاةُ المأخوذ، وكذلك لو
أخذ عن الذهبِ وَرِقاً، إنْ كان في المأخوذ ما يُزكِّي، ولا يبالي كان أصل
الدينِ فيه الزكاة، أو لا زكاة في مثله، ولو عَرَضاً لم يُزكِّه حتَّى
يبيعه.
قال ابن الْمَوَّاز: ومن أفاد عشرةَ دنانير فأسلفَ منها خمسة، ثم اشترى
بخمسةٍ منها سلعةً، فباعها للحولِ بخمسةِ عشر فأنفقها، ثم اقتضى الخمسة،
فقال ابن القاسمِ وأشهب: يزكِّي عن عشرين الآن من هذه الخمسة.
قال محمد: ولو تلفت الخمسة عشرَ بغيرِ سببهِ بعد حولها ثم اقتضى الخمسةَ
فلا شيء عليه، ولو هلكت بانتفاعه وإنفاقه لزمته زكاتها إذا قبض الخمسةَ.
يريدُ: يُزكِّي عشرين. قاله ابن القاسم وأشهب. وليس كالتي اختلفا فيها؛ تلك
أنفق الأولى قبل حولِ الآخرة، وهذه بعد الحول.
قال محمد: ولو هلكت بغيرِ سببه لم يزكِّ، كمال وجبت فيه الزكاة هلكَ بيدك
بغيرِ تفريط وبقيَ منه ما لا زكاة فيه. قال ابن حبيبٍ: ولو أسلفَ الخمسة
بعد الحولِ، أو أنفقها ثم اشترى بالخمسة الأخرى سلعةً،
(2/152)
فباعها بخمسة عشر، فليزكِّ عن عشرين وإن لم
يقبض الخمسة السلف. قال أبو محمد: وقولُ ابن حبيبٍ هذا على غير قولِ ابنِ
القاسم.
وقال أشهبُ في غير "كتاب" ابن حبيبٍ: إذا أنفق الخمسة قبل الشراء أو بعده،
فلا زكاة عليه حتى يبيع بعشرين.
في زكاة من عليه ديْنٌ، وكيف إن كان عليه صدَاقٌ، أو نفقةٌ، أو زكاةٌ
فرَّطَ فيها، وذكر النفقات التي تلزمه
من "المختصر"، قال مالكٌ: ومَن حلَّتْ عليه زكاة العينِ وعليه دَيْنٌ مثله،
فلا زكاة عليهن فإن كان فيما معه فضلٌ عن دينه تجب في مثله الزكاة زكاه،
ولو كان له عَرَضٌ قيمته مثل ما عليه، زكَّى ما معه، وإن كانت قيمة العرضِ
تفي ببعضِ دينه أزال من العين تمامه، وزكَّى ما بقي، إن كان في مثله
الزكاة.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: وإنَّمَا يُسقطُ الدين زكاة العين
فقط، كان ذلك الدين عرضاً، أو طعاماً، أو ماشيةً، أو غيرها، ولا يسقط
بالدينِ زكاةُ ماشيةٍ، ولا حَبٍّ، ولا ثمرٍ، ولا معدنٍ، ولا رِكازٍ، ولو
كان إنَّمَا تسلَّفه فيما أحيا به الزرع والثمر، وقَوِيَ به على المعدن
والركاز، لم يسقط ذلك عنه شيئاً من ذلك، ويُخرج أيضاً خُمسَ الركازِ،
وأمَّا في زكاة الفطر فِي مَنْ عنده عبدٌ، وعليه عبدٌ مثله، فابن القاسم لا
يوجب فيه زكاة الفطر. وأشهبُ يوجبها.
(2/153)
ومن "المَجْمُوعَة"، قال أشهبُ: ولم
يَثْبُتْ أنَّ الأئمة قالوا ذلك عند أخذهم زكاة الفطر، والحَبِّ، والثمرِ،
والماشية، أَنْ يسقطوا زكاة ذلك بالدينِ، وقد قالوه في العين، وكان عثمان
ينادي به عند الحولِ فِي مَنْ عليه دَينٌ.
قال أشهبُ: والدَّيْنُ اولَى من زكاة العين، فرَّطَ فيها أو لم يُفرِّطْ،
وهو أولَى مما فرط فيه، من زكاة ماشيةٍ، أو حَبٍّ، أو ثمرٍ، فليس ما لم
يفرِّط فيه من ذلك، والماشية والثمرُ والحَبُّ قائمٌ. قال المغيرة: إذا
لزمته زكاةٌ في زرعٍ أو ثمرةٍ، فاستقرضها، فلي للسلطان محاصةُ غرمائِهِ
بذلكن ولو مات لم يطلب ورثته، وهم إنَّما يرثونَ بعد الدَّيْنِ – يريدُ
ففارق الديون – قال ابن الْمَوَّاز: والهاربُ عن الساعي تكونُ الزكاة في
ذمته، ولو تخلَّفَ عنه الساعي لم يضمنها.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز: ومَن لم يُؤَدِّ زكاةَ عشرينَ ديناراً لزمته،
وفرَّطَ فيها حتَّى سُرِقَتْ، فالزكاةُ في ذمتهِ.
قال ابن وهبٍ، عن مالكٍ: وتُباعُ عروضه فيما فرَّطَ فيه من الزكاةِ. قال
محمد ابن الموازِ: إنْ تركَ أداءَ الزكاةِ أعواماً عن عشرين ديناراً، وله
عروضٌ تفي بذلك، فعليه زكاة عامِ سلفَ عن عشرين ديناراً كاملةً، وإنْ أحاطَ
ذلك بها كلها أو بِجُلِّهَا.
(2/154)
قال: ورَوَى ابن وهبٍ، عن مالكٍ، فِي مَنْ
له عشرون ديناراً، فلم يركِّها ثلاث سنينَ، جَهِلَ أو فرَّطَ، ثم اناب،
فليس عليه إلاَّ نصفُ دينارٍ. قال ابو محمد: يريدُ: ولا عرض عنده، نوى ما
لزمه من ذلك. ورَوَى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسمِ، فِي مَنْ لزمه إخراج
عشرين ديناراً زكاةً، فلم يخرجها حتى ذهب مالُه فلم يبقَ منه إلاَّ ثلاثونَ
ديناراً عند حولٍ آخر، قال: فليَرُدَّ العشرين التي عليه، ولا يُزَكِّ
العشرة الباقية، لأنَّ العشرين دَيْنٌ عليه. قال: ولو أنَّ عنده عَرَضاً
يَسوى العشرين التي عليه فلا يحسبُ ذلك فيه، بخلاف ديونِ الناسِ، ولا
يَحْسِبُ ما عليه من الزكاةِ، إلاَّ في المال الذي معه، فإنْ بقي منه ذلك
عشرون ديناراً زكَّاها، وإلاَّ لم يُزكِّ. وقال ابن الموازِ: إنَّما هذا
عند مالكٍ، وابنِ القاسمِ، إذا لم يكن له عَرَضٌ، ولو كان له عرضٌ فيه
كَفَافُ ما عليه من ذلك، لزكَّى الجميع.
وقال ابن القاسمِ في "المدونة": وقاله مالكٌ: إنَّ مهرَ الزوجةِ تسقُطُ به
الزكاةُ. وهذا القياسُ. وقال ابن حبيبٍ: تسقطُ الزكاةُ بكل ديْنٍ، إلاَّ
مهورَ النساءِ إذ ليس شأنهنَّ القيامُ به، إلاَّ في موتٍ أو فِراقٍ، وعندما
يتزوَّجُ عليها، فلم يكن في القوَّةِ كغيره. وذكر أنَّ القاسم بن محمد
قالَه.
وما ذكر ابن حبيبٍ من هذا، خلافُ ما رُوِيَ عن مالكٍ.
ومن "العُتْبِيَّة"، قال أصبغُ: ومَن بقي لتمامِ حولِهِ شهران، فتسلَّفَ
(2/155)
مالاً فأبقاه بيده، أو أدخله في تجارته،
فإن كان له به وفاءٌ فهو كمالهِ، يزكيه معه إذا خلطَ به، وجرتْ فيه التجارة
قبل الحول. قال أبو محمد: وهذه المسألة مخالفةٌ لأصولهم، والذي تسلَّفَ
كالفائدة له حوله، واراه تأوَّلَ، أنَّه لمَا تسلَّفه على ما بيده جعله
كأنَّه منه، وهذا بعيدٌ.
قال ابن الْمَوَّاز: واتَّفقَ ابنُ القاسمِ وأشهبُ، أنَّ نفقةَ الزوجةِ إذا
حلَّت تُسقطُ الزكاة، وإن لم يكن يقضيه. وإنَّ نفقةَ الأبوينِ لا يسقطها
إلاَّ أنْ يكون يقضيه، واختلفا في الولدِ، فجعله ابنُ القاسمِ كالأبوينِ.
وجعله أشهبُ كالزوجةِ. وبه أقول؛ لأنَّ نفقته عليه لم تسقطْ، فيؤتنف فيها
حكمٌ. وفي "المدونة" في الأبوين خلافُ هذا عن ابن القاسمِ. وفي رواية ابنِ
حبيبٍ، عن أشهبَ، أنَّ نفقة الولدِ كالوالدين، لا تسقط بها الزكاة إلاَّ
أنْ يكونَ يقضيه.
وقال أشهبُ في "المَجْمُوعَة": وإذا فرضَ عليه القاضي لزوجته عشرة دراهم في
كلِّ شهرٍ، ثم لم يجبْ عليه من العشرةِ شيءٌ حتَّى حلَّ الحولُ، فعليه
الزكاةُ؛ لأنَّ الزكاةَ وجبتْ ولا دينَ عليه. قال ابن الموازِ: وأمَّا
المرأة في زكاتها، فلا يلزمها نفقةُ ولدها ولا رضاعهن إلاَّ في عدمِ الأبِ
في الرضاعِ ومثلها لا يرضعُ، وهي مليَّةٌ فلتسترضعْ له، وكذلك في موتِ
الأبِ، ولا مالَ لهم. قال ابن القاسم: وينفقُ الأُ على البكرِ، ويقال له في
خادمها: إمَّا أنفقتَ عليها وزكَّيتَ للفطرِ، وإلاَّ فبِعْهَا. وقال أشهبُ:
لا شيءَ عليه إذا لها خادمٌ، ولو لم يبقَ من ثمنها غيرُ درهم، والابنة
صغيرةٌ أو كبيرةٌ.
(2/156)
قال ابن الْمَوَّاز: يُنظرُ، فإن كان لابد
لها من خدمتها، فعليه النفقةُ عنها وعن خادمها، وكذلك في بنيه الذكور، وإلى
هذا يرجع ابن القاسم، وأشهبُ. وإن كان للولدِ بدٌّ من خدمتها، فلا نفقة
للولدِ عليه، وليكتبْ عليه حتى يبيعَ، ويستوفي. وقال ابن القاسم أيضاً: إذا
حبستها لخدمة ولدك لزمتك النفقة والزكاة عنها، إلاَّ أَنْ يؤاجرها أو يبيع.
وقال أشه بفي "المَجْمُوعَة": ومن قَدِمَ من سفرٍ، وقد أنفقت زوجته سلفاً
عليه، فإن كان مليًّا في طُولِ غيبته فما لزمه من ذلك سقطَ عنه الزكاة في
مثله من ما حلَّ عليه، وإن كان فيها أو في بعضها لا مال له، لم يلزمه في
مُدَّةِ عُدمهِ نفقةٌ.
في المديان هل يحسب ما عليه في دَينٍ له، أو فيما يقتنى من عروضه، أو في
نصابِ ماشيته، أو فيما له زكاة، من المعدنِ، أو الحَبِّ، أو مال ينفرد
بحول، أو في قيمة مكاتبه، ومُدبِّرهِ، والمُعتقِ إلى أجلٍ، والآبقِ، وشبه
ذلك
من "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ، وأشهبُ: ويجعلُ
(2/157)
لمن حلَّت عليه زكاةُ مالِه من الجين الذي
يرتجى قضاؤه فيما عليه من الدين، ويزكِّي ما بيده، وقال سحنون: بل يجعل
قيمة الدين الذي له فيما عليه. وقال عيسى:، عن ابن القاسمِ، في
"العُتْبِيَّة": إن كان دَينهُ على غير مَلِيٍّ، فليحسبْ قيمته. يدلُّ على
قوله هذا، أنَّه إن كان مليًّا حَسَبَ عدده. يريدُ: والله أعلم: إن كان
حالاً، وإنْ كان إلى أجلٍ، فينبغي أنْ يحسبَ قيمته، لأنَّه لو فَلَسَ هذا
كان كذلك يفعل بدينه.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، ويجعل في دَينهِ كلَّ ما يباع في التفليس، ولا
يجعل في ذلك ثيابه التي يلبس، ويجعل دابته، وسَرجه، وسلاحه، وخَاتمه.
قال أشهبُ: لا يحسبُ خَاتمه. وقال في ثوبي جمعته: إنْ كان لباسُ مثلهما
سَرفاً بيعا في الدَّيْنِ. وقال ابن الْمَوَّاز: لم يختلف أصحابُ مالكٍ،
أنَّه يَحسبُ فيه رقاب مدبَّرِيه.
وقال سحنون في "المَجْمُوعَة": ولا يجعل ذلك في رقابهم، ولا في خدمتهم، إذ
لا يباعوا – يريد في حياته – قال ابن الْمَوَّاز: قال ابن القاسم: ويحسب
قيمةَ كتابة مكاتبيه في دَينه. وقال أشهبُ: قيمتهم مكاتبين بقدرِ ما عليهم.
وقال في "المَجْمُوعَة": قيمة المكاتب مكاتباً بما عليه.
(2/158)
قال ابنُ الْمَوَّاز: وقال أصبغُ: بل قيمته
عبداً أحبُّ إليَّ. وقال ابن حبيبٍ: عن أشهب، وأصبغ: قيمته عبداً. وقال
أشهبُ في "المَجْمُوعَة": ويُقوِّمُ قيمةَ خدمةِ المُعتقِ إلى أجلٍ. قال
أصبغُ في "كتاب" ابن الْمَوَّاز: على أَنْ يشتريَ بغررها. قال أشهبُ في
"المَجْمُوعَة": ولو خدمَ وهو عبدَه سنين أو عمراً، قُوِّمتْ رقبته على
أنَّه يأخذه إلى تلك المدة، ولو كان غيره أخدمه مدَّة، حُسبتْ قيمةُ الخدمة
تلك المدة في دَينه.
ومن "العُتْبِيَّة"، روى عيسى، عن ابن القاسم، قال: وإن كانت له ماشيةٌ
يزكيها، فليجعلها في دَينه، ويُزكِّ عينه. وكذلك في "كتاب" ابن سحنونٍ،
وابن الْمَوَّاز.
وقال في "كتاب" ابن الْمَوَّاز، فِي مَنْ له أربعون شاةً، وعليه مثلها
دَيناً وعنده عشرون ديناراً، فحلَّ حولُ ذلك كله، فأخذ الساعي شاةً: فانظر
فإن كان قيمةُ التسعة وثلاثين شاةً الباقية مثل قيمة ما عليه فأكثر،
فليُزكِّ العشرين ديناراً، وإلاَّ فلا زكاة عليه فيها. وقال سحنونٌ ونحوه،
في "كتاب ابنه".
ومن "العُتْبِيَّة" من رواية عيسى، عن ابن القاسمِ، وهو عنه في
"المَجْمُوعَة"، فِي مَنْ له مائتا دينارٍ، حولُ كل مائةٍ على حدةٍ، وعليه
دَينٌ: فليُزكِّ، وإذا حلَّ حولُ الأولى جعلَ الثانية في دَينه، وزكَّى
الأولى – يريد: ولا يزكِّي الثانية، لأنَّ الدَّينَ يذهب بأحدهما لابدَّ -.
(2/159)
وفي "كتاب" ابن حبيبٍ: يُزكِّي كل مائةٍ في
حولها، ويجعل دَينه في الأخرى، وفي آخر باب زكاة ما رَبِحَ، فيما لم يتعدَّ
فيه من هذا.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، ونحوه لسحنونٍ، وإذا وجدَ في المعدنِ مائةَ
دينارٍ فزكَّاها، ومعه مائة أخرى؛ يريدُ حلَّ حولها، وعليه مائةٌ، فليجعل
في دَينهِ ما بقي من المائة المعدنية بعد الزكاة، ويزكِّي مثلَ ذلك من
المائة الأخرى – يريد إنْ لم يكُنْ له عَرَضٌ يسوي ما بقي منها.
قال ابن الْمَوَّاز: قال ابن القاسم: ولا يحسب قيمة عبده الآبق. قال أشهبُ:
إن كان إباقته قريباً يرجى، قُوِّمَ على غرره – يريدُ أن لو بيع وجعله في
دينهن وإن طال أمره فلا يحسبه.
ومن "العُتْبِيَّة"، روى أبو زيدٍ، عن ابن القاسمِن فِي مَنِ ابتاع طعاماً
بمائة دينارٍ، فأكرى عليه بثلاثين ديناراً، فباعَ منه للكراء؛ يريدُ بعد
الحولِ بثلاثين، فإنَّه يزكيها، لأنَّ باقي القمح في دَينه، ثم عن باع
باقيه لم يزكِّ منه قدر الثلاثين التي كانت عِوَضاً لدَينهِ، وزكَّى ما زاد
عليها وإن قلَّ، لأنَّه مضافٌ إلى الثلاثين. التي باع بها أولاً وزكَّاها.
وكذلك في "كتاب" ابن الْمَوَّاز، وقال: ولو كان عنده عَرَضٌ يَسوى ثلاثين
غيرَ الطعام لزكَّى جميع ثمنهِ إذا باعه أو يُقدِّرُ ما عنده من العرضِ،
يزكِّي من الثلاثين.
قال أبو محمد: أرى هذا على أصل القائلِ في مائتين حولهما
(2/160)
مختلف، وعليه دَينٌ مائةٍ، إنَّه إنَّمَا
يزكِّي مائة واحدة، وقد تقدَّمَ الاختلاف فيها.
في من عليه فأحال به على دَينٍ له
عند الحولِ، وفي المديان يوهب له الدين عند الحول، أو يَحدثُ له مِلكُ
عَرَضٍ يَسواه قبلَ الحولِ أو بعده
ومن "العُتْبِيَّة" من رواية أصبغَ، قال ابن القاسم ومن له مائة دينارٍ
دَينٌ وعليه مثلها، وهما حالتان وقد حلَّ حولهما، قال ابن القاسم في "كتاب"
محمد: ومَن كانت عنده مائة دينارٍ، وهي عليه دَينٌ، وليس له من العروضِ
شيءٌ، وله على رجلٍ مائةُ دينارٍ وقد حلَّتَا جميعاً. قال في الكتابين:
فأحال بالتي عليه على التي له، فعلى قابضها الزكاة، وعلى الذي أحال بها
زكاتها – يريدُ: لأنَّ عندَه وفاءٌ بها، وهي المائة التي في يديه – قال
محمدٌ؛ لأنَّ قبضَ المحتال به كقبضِ مُحيلِه.
قال ابن الْمَوَّاز: وعلى دافعها زكاتها، إن كان له بها وفاءٌ. قال: ومَن
أودعكَ مائةَ دينارٍ، فأسلفتَها رجلاً، ثم أحَلْتَ عليه ربِّها، بعد سنينَ
فقبضها، فعلى قابضها زكاتها لعامٍ واحدٍ. وقال في دافعها الآن
ومُسلِّفِهَا:
(2/161)
فمن كان له منهما عَرَضٌ يسواها، فليزكها
وإلا فلا.
قال أشهبُ: فيمن تسلَّفَ عشرين، فأقامت بيدهِ سنة، ثم وهبها له ربُّها
فليزكِّها الموهوب مكانه، ولو وهبها لغيره لم يكن على الموهوب فيها زكاة،
ولا على الواهب. قال محمدٌ: أمَّا الواهب فيزكيها؛ لأنَّ يدَ القابضِ لها
كيده. وقاله ابن القاسم. وإنَّما تكونُ الزكاةُ فيها من العشرين بعينها.
ومن: "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال: ومن له مائة دينارٍ وعليه مثلها فأفادَ
عَرَضاً قبلَ الحولِ بشهرٍ يفي بها. قال ابن القاسمِ: لا يُزكِّي حتَّى
يكونَ العَرَضُ عنده من أوَّلِ الحولِ. وقال أشهب: ولا يُبالي أفاده عند
الحولِ أو قبله، يجعل دَينه فيه، ويُزكِّي ما فيه. وكذلك إن أفاده بعد
الحولِ زكَّاه حينئذٍ، وكان من يومئذٍ حوله. قال محمد: وبهذا نقول. وبه أخذ
أصحاب ابنِ القاسمِ.
قال أشهبُ: وكذلك لو تصدَّقَ بالدَّينِ ربُّه على الغريم، أو وهبه له عند
الحولِ، أو بعده لزكَّى مكانه، وقاله أصبغ. ورَوَى ابن القاسمِ، عن مالكٍ،
أنَّه لا يزكِّيه حتَّى يأتيَ حولٌ من يومِ وُهِبَ له.
قال في "العُتْبِيَّة" عيسى، عن ابن القاسمِ: وكذلك لو أفاد بعدَ الحولِ
مائةُ فقضى بها دَينه، فإنَّه يأتنفُ بما في يديه حولاً من يومئذٍ.
(2/162)
قال ابن الْمَوَّاز: وقد قال ابن القاسم في
مَن يتسلَّفُ مالاً، وعنده عَرَضٌ لا وفاءَ فيه له يومئذٍ، فلم يأتِ الحولُ
حتَّى صار فيه وفاءٌ بالدَّيْنِ أو انتقصَ عند الحولِ، قال: فإنَّمَا
يُنظرُ إلى قيمته يومَ حلَّ الحولُ، فإن كان فيه وفاءٌ زكَّى ما معه أو
مبلغُ ما يفي به. قال: وهذه جيدةٌ تَرُدُّ ما قال في غيرها. وكذلك إذا أفاد
العَرَضُ عند الحول، أو وُهِبَ له الدين.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ فِي مَنْ له مائة دينارٍ بيدهِ وعليه
مائة دينار، فلمَّا حلَّ حولُ ما بيده، أفاد مائة دينارٍ فقضاها في دَينه،
أنَّه لا زكاة عليه في المائة التي بيده، لأنَّ الحولَ حلَّ عليها، وليس هو
من أهل الزكاة، ثم إن تَجَرَ فيهال فربح فيها عشرين ديناراً، فإنَّه
يُزكِّي العشرينَ مكانه؛ لأنَّ الأصل حال عليه الحول وسقطت زكاته بالدين،
وتكون للمائة حلها، وحولُ الربحِ يومَ زكَّاه. قال عبد الله: ولو قال: قد
سقطَ الدينُ لمَّا قضاه بالدينِ الذي له، ويُزكِّي المائة التي معه، لكان
أبين.
في زكاة ما ربح فيما لم ينقد فيه، أو فيما نقدَ بعضَ ثمنهِ، وفيما ابتاعه
بدَينٍ، وفيما غصبَ ثمنه، أو تسلفه ونقده
من "كتاب " ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسم، عن مالكٍ فِي مَنْ بيده مائةُ
(2/163)
دينارٍ، فاشترى بها سلعةً، ثم باعها قبل
ينقدَ فيها فربح ثلاثين ديناراً وقد حال على مائته الحولُ: أنَّه يُزكِّي
الربحَ مع ماله الذي كان بيده. قال عنه ابن وهبٍ: ولو لم تكن تلك المائةُ،
كان ربحه فائدةً. وقال عنه أشهبُ، في الذي عنده المائةُ: يأتنف بالربحِ
حولاً. محمدٌ: وهذا أحبُّ إلينا، ولكن يكون حول الربحِ من يوم أحال واشترى.
قال ابن القاسمِ: وإلى هذا رجعَ مالكٌ، أنَّ حولَ الربحِ من يوم أحال
الأصل، لأنَّ ثمنها في ذمتهن والمائة التي بيده لم تصل إلى البائعِ ولا
ضمنها، ونيته أَنْ ينقدها في غدٍ أو على شهر سواء، ولا ينبغي أَنْ يشترط
أَنْ ينقدها بعينها، إلا أنَّه ضامنٌ لها.
محمدٌ: ومعنى قولِ أشهبَ في روايته: إنَّ حولَ الربحِ من يوم ربحه، إذا
باعها قبلَ أنْ يأتيَ عليها الحولُ عندَه، وقضى ثمنها، وبقيَ الربحُ
فليزكِّه لحولٍ من يوم ربحهن إن كان فيه عشرون ديناراً فأكثر، وإن أقام
الدين عنده إلى تمام الحول ولا عرض عنده، زكَّى الربح مكانهن وإن لم يكن
فيه عشرون دينارا. وإن كان له عرضٌ يَسوي دينه، زكَّى ثمنها كله.
قال محمد: وأحبُّ إلينا بأنْ يكون حولُ الربحِ من يومِ اشترى السلعة. وإن
باع قبلَ الحولِ إذا بقي الربح بيده على تمامه، وفي مثله الزكاةُ. وقد قاله
مالكٌ في مَنِ اشترى سلعةً بدَينٍ فباعها، وقضى الثمنَ، وبقي الربحُ
(2/164)
في يده على تمام حولٍ من يومِ الشراءِ على
ما ذكرنا.
وفي "العُتْبِيَّة" ذكر المسألة، ورواية القاسمِ فيها. قال: ورَوَى أشهبُ
أنْ يُزكِّيَ الثلاثين الربحَ لحولٍ من يومِ نضتْ، كفائدة من غيرِ ربحٍ.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، روى أشهبُ، عن مالكٍ في مَنِ اشترى سِلْعَةً
بمائةِ دينارٍ، ولا مالَ له فَرَبِحَ فيها ثلاثين ديناراً بعدَ أن أقامت
بيده حولاَ فليُزكِّ الثلاثين مكانه، ولو كان عندَه عَرَضٌ لزكَّى قدرَ ما
بقي به العرضُ. قال أشهبُ: ولم يراعِ مالكٌ متى ملكَ العَرَضُ.
قال ابن القاسمِ: ومن سلفَ عَرَضاً فتَجَرَ فيه حولاً، فَربِحَ مالاً،
فرَدَّ ما تسلَّف، فليُزكِّ الربحَ فقط، إنْ لم يكن له عَرَضٌ يفي بشيءٍ من
دينه.
ورَوَى ابن القاسمِ، وابن وهبٍ، عن مالكٍ، فِي مَنْ تسلَّفَ مائة دينارٍ،
فربح فيها عشرين بعد حولٍ، فليزك العشرين. وإلى هذا رجع مالكٌ. محمدٌ: ولو
كان له عرضٌ يفي بدينه، زكَّى الجميعَ.
قال ابن القاسم فِي مَنْ غصَبَ مائة دينارٍ، فتَجَرَ فيها فربح مائة
دينارٍ: فليُزكِّ مائة دينارٍ، ويجعل مائة في دَينهِ إنْ لم يكن له عرضٌ.
قال مالكٌ فِي مَنْ بيده مائة دينارٍ يُزكِّيها فاشترى سلعةً بثمانين إلى
سنةٍ، فحلَّتْ فزكَّى ناضَّةً، ثم باع السلعة بربحٍ، فليعزِلْ دَينه ويقضه
إن كان حلَّ ويُزكِّ ما بقيَ
(2/165)
من ربحٍ. ولو كان له عرضٌ يفي بدينه زكَّى
ثمنها كله بربحه.
وقال ابن القاسم: ومن تسلَّفَ مائة دينارٍ، فبقيت بيده إلى آخر الحولِ، ثم
اشترى بها سلعةً، فباعها بعد الحولِ بمائتين، فليجعل مائةً في دَينهِ إنْ
لم يكن له عَرَضٌ، ويزكِّ مائةً. قيل له: قيل لي عنك، إنّ الربحَ
كالفائدةِ، لأنَّه لم يحدث له وفاءُ الدينِ، إلاَّ عندَ الحولِ. فقال: كذبَ
عليَّ من قال هذا. وذكر ابنُ سحنونٍ هذه المسألةَ، وأنَّ ابنَ نافعٍ،
وعليًّا رَوَيَا، عن مالكٍ، أنَّه يُزكِّي الربحَ. وأنَّ المغيرةَ روى عنه
انَّه يأتنفُ الربحَ حولاً.
قال سحنونٌ: رواية عليٍّ أحسنُ أَنْ يُزكِّيَ الربحَ مكانه. وذكر ابنُ
حبيبٍ: إنَّ قولَ مالكٍ اختلفَ في زكاةِ الربحِ. قال مطرِّفٌ: ولو كان له
في ثمنها دينارٌ واحدٌ أو أقلُّ، ولم يختلف قولُ مالكٍ في هذا، أنَّه
يُزكِّي الربحَ.
قال في "كتاب" ابن سحنون، ابن نافع، عن مالكٍ، وإذا اشترى سلعةً بمائتين
فنقدَ فيها أربعين، لي سمعه غيرُها، ثم باعها بثلاثمائة عند الحولِ:
فليُزكِّ الأربعين، وما قابلها من الربحِ، وما بقي فهو فائدةٌ.
ومن "العُتْبِيَّة"، روى عيسى، عن ابن القاسمِ، فِي مَنْ له مال يُزكِّيه
فحلَّ حوله، ولم يبقَ منه إلا عشرة، ثم تسلَّفَ بعد الحولِ بشهورٍ عشرين،
فتجرَ في الثلاثين فربح مالاً. فليعولِ العشرين الدَّيْنَ ويُزكِّ الربحَ
كله مع العشرة، كما قال مالكٌ، في مَن له ثمانون ديناراً، فاشترى سلعةً
بمائتي دينارٍ، ونقدَ الثمانين، أو لم ينقدها، فإذا حال حولُ الثمانين،
زكَّى معها جميعَ ذلك الربح، وكذلك مَن له عشرةُ دنانير حالَ عليها
(2/166)
حولٌ، فاشترى سلعة بمائة دينار، ونقدَ فيها
العشرة، فليُزكِّ معها الفضل إذا اجتمع ما فيه الزكاة.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز: ومَن تسلَّف مائة دينارٍ فدفعها قراضاً، فربح
العامل فيها لتمام الحول خمسين، فليُزكِّ دافعها عن خمسي ما بيده، لأنَّه
يزكِّي على خمسةٍ وعشرين الربح، ثم يجعلها عِوَضاً من مثلها من دينه،
ويُزكِّ العامل خمسي ما بيده. وقال أيضاً لا يزكي الدافع للمائة إلاَّ خمسَ
ما بيده، وكذلك العاملُ. وإلى هذا رجع محمد، أنَّه لا يجعل في الدين ما
زكَّى من العين، قال محمد: ولم أجدْ لهذا معنًى: والصواب أنَّه إن كان فيما
يصيبُ العاملَ ودافع المالِ إليه ما في مثله الزكاة، زكَّى كل واحدٍ منهما
جُزْأهُ كلَّه، وكذلك إنْ ربحا أربعين زكَّى هذا عن عشرين، وهذا عن عشرين.
في زكاة أهل الإدارات
قال مالك في "المختصر"، في صفة المدير: هو الذي يبيع ويشتري، لا يُحصي ما
يخرج منه ولا ما يدخل عليه، يبيع بعشرةٍ ويقتضي عشرين، ويبيع بكثيرٍ، ويأخذ
قليلاً مثل أهل الحوانيت، لا يقدر أحدهم أَنْ يحصيَ حولَ مالِه، فليكن له
شهر من السنة يُحصي فيه عينه، ويحسب دَينه إنْ كان في مَلاءٍ وثِقَةٍ
ويُقوِّمُ ما عنده من عروض، ويزكِّي الجميع، وأمَّا مَن كان له مالٌ أو
مالان إنَّمَا يضعه في سلعةٍ أو سلعتين، ثم يبيع فيعرف حولَ كلِّ مالٍ،
فهذا إنَّما يزكِّي العين، ولا يزكِّي العَرَضَ حتى يبيعه فيزكيه لعام
واحدٍ، وإن باعَ بعد سنينَ؛ لأنَّ هذا يحفظُ أحواله، والمديرُ لا يقدرُ
(2/167)
أَنْ يحفظ أحواله، ولا يحيط بها.
ومن "كتاب"ابن الْمَوَّاز: والمدير الذي كلما باع اشترى لا يحصي ذلك، ولا
أرى له في نضوضِ مالِه من أهلِ الحوانيت، والمُجهزين إلى البلدانِ، يبعثُ
شيئاً، ويأتي بشيءٍ، ويشتري آخر، فهذا يُقوِّمُ ويزكِّي.
ورَوَى ابن وهبٍ، عن مالكٍ، في "المَجْمُوعَة"، في من بارتْ عليه سلعته،
قال: فأمَّا الذي يُحصي مالَه – يريدُ: أحواله – فإنَّه إذا باع زكَّى،
وأمَا الذي لا يُحصِي أيجيزه ذلك؟ ومثل المجهِّزين إلى البلدان أَنْ يأتيه
مالٌ ويبعثَ بآخرَ، ويغيبَ عنه آخر، فليقوِّمُوا في شهرٍ من السنةِ، كلَّ
عامٍ، ويُزكُّوا ما حضرَ وغابَ – يريدُ إذا عرف أنَّه قد وصلَ إلى قرارٍ -
وقد بيَّنه في باب آخر، فقال له رجلٌ: إني كلما جاءني شيءٌ زكيته لا أقدر
على أكثر من هذا، وما انظر إلى حول. قال: ما اعرف هذا من عملِ الناسِ،
وأمَّا في بادئ الرأيِ فما صنعت إلا خيراً، إذا اختلط عليك ذلك، فأخرج من
كلِّ ما دخل إليك، إذا طابت بذلك نفسُك. وكذلك روى ابن القاسم، قال: إلاَّ
أن التقويم أحبُّ إليَّ. قال أشهبُ: المدير الذي يبيع بما لا يزكِّي، ثم
يشتري لا يترقب، ولا يقدرُ يحصي ذلك.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم، عن مالكٍ: ولا يُقوِّمُ مالاً يرتجيه
من دَينٍ، كان عيناً أو عَرَضاً. وقال المغيرةُ: لا يُزكِّي المديرُ ولا
غيرُ المديرِ دَينه، حتى يقبضه فيزكيه لعامٍ واحدٍ.
وفي "كتاب" ابن حبيبٍ: إنَّ دَيْنَ المدير إن كان قرضاً أقرضه، فلا
يُزكِّيه حتى يقبضه، وإن كان من تجارةٍ حَسِبَه. وكذلك قال يحيى بن عمر.
(2/168)
قال ابن عبدوسٍ: قال عبد الملكِ: وما بار
عليه من السلعِ، واحتُبِسَ عنه من الدين، فلا يزكيه حتى يقبضه عيناً. وقال
سحنون في موضع آخر: إذا بار عليه العرضُ عامين، خرجَ من حَدِّ الإدارة.
وقال عبدُ الملكِ: وما كان له من دَيْنٍ مؤجَّلٍ فليقومه. وقال ابنُ
مَزِينٍ، عن ابن نافعٍ، مثل قولِ سحنونٍ، في العرض يبور عامين. قال: وقال
مالكٌ: يقوِّمه.
قال ابن الْمَوَّاز: قال ابن القاسم: ويُزكِّي المدير دَينه المرتجى وهو
حالٌ، وإن مطلَ به، أو لم يأخذه سنين، وكذلك العَرَضُ، وإن بارَ عليه سنين.
ويَحْسِبُ عدد دَينهِ لا قيمته، إلاَّ أنْ يكونَ عروضاً فيقومه. وقال أبو
زيدٍ: وإنْ كلن دَينه مؤجلاً، فلا يزكِّي إلا ما حلَّ منه، ولم أجدْ له فيه
قوة، وقول مالكٍ، وابن القاسمِ، وأشهب: إنَّه يزكيه، إن كان من مالِ
الإدارةِ.
قال ابن حبيبٍ: وإن اقرضَ دَيناً، فلا يزكيه حتى يقبضه فيزكيه لعامٍ واحدٍ،
إلاَّ أَنْ يتركه هذا المدير فراراً من الزكاة، فليزكه لكل عامٍ، ويُزكِّ
ديونه التي من التجارة، إلاَّ ما كان على عديمٍ، فليزكِّه لكلِّ عامٍ
قيمته.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، وغيره، في الذي يمكنه أخذه فيدعه، أنَّه لا
زكاة عليه فيه حتى يقبضه.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ: وإذا أدارَ التجارة أحدَ عشرَ
(2/169)
شهراً، ثم بدا له فتركَ ذلك، فهذا لا
يزكِّي ديونه حتَّى يقبضها، ولا عروضه حتى يبيعَ. قال ابن القاسمِ: وإذا
حلَّ الحولُ – قال في موضعٍ آخر – أو جاز الحولُ ولم يَنِضَّ له عينٌ، وهو
يديرُ العرضَ بالعرضِ، ثم نضَّ له شيءٌ، وإنْ قَلَّ فليُزكِّ حينئذٍ ما
نضَّ ما لم يَنِضَّ بالقيمةِ، ثم يحسبُ من يومئذٍ حوله. وكذلك في كتاب ابن
الْمَوَّاز: وقال ابن الْمَوَّاز: وقال أشهب: وليسَ هذا مديراً حتى يكون له
شهرٌ من السنةِ يُقوِّمُ فيه، وهذا لا يزكِّي إن باع شيئاً، حتى يبيع
بعشرين ديناراً فيزكيها.
قال عنه ابن عبدوسٍ: إنْ كان له شهرٌ يُقوِّمُ فيه فليُزكِّ للحولِ نَضَّ
له درهمٌ أو أقلُّ أو أكثرُ، وإنْ لم يكن له شهرٌ وإنَّمَا يُزكِّي ما
يقبضُ فلا يزكِّي حتى يبيع بما فيه الزكاة، ويقبضه أو يضمَّه إلى ما جرتْ
فيه الزكاة ممَّا يبيعُ أو يقبض.
وذكر ابن مزينٍ، في الذي يبيع العرضَ بالعرضِ، عن ابن القاسمِ وغيره: إنَّ
هذا لا زكاة عليه حتى يَنِضَّ له شيءٌ ولو درهماً، بعد حولٍ مِن يومِ
أدارَ. فقال ابن القاسمِ: يُزكِّي حينئذٍ ويكون يومئذٍ حوله. وقال أشهبُ:
لا يقوِّمُ شيئاً حتَّى يمضيَ له حولٌ من يوم باع بذلك العين، لأنَّه من
يومئذٍ دخلَ في حال المدير، وقال ابن نافعٍ: لا يُزكِّي الآنَ، ولكن يُحصي
كلَّ ما باع من العينِ، فإذا تمَّ عشرين ديناراً زكَّى عن عشرين، ثم يزكِّي
كل ما يَنِضُّ بعدها، وإن قلَّ ولا تقوَّمُ عليه. واستحسنه عيسى. قيل
لعيسى: فإذا قوَّمَ وزكَّى بما نضَّ له، أيصيرُ مديراً من يومئذٍ؟ قال: إن
رجع يديرُ العَرَضَ بالعرضِ، فهو بحاله الأول. فإن نضَّ له أيضا شيءٌ في
داخلِ السنةِ قوَّمَ، وإن قلَّ وزكَّى لتمامِ حولٍ من يومِ التقويمِ
(2/170)
الأول بقيَ معه ما نضَّ، أو أنفقه، أو
تلفَ، وقال ابن حبيبٍ، في الذي يديرُ العَرَضَ بالعرض السنة كلها: لا
يَنِضُّ له شيءٌ يُقوِّمُ ويزكّي كمن ينضُّ له، ما قلَّ أو كثر. قاله
مطرِّفٌ، وابن الماجشون، عن مالكٍ. قال ابن حبيبٍ: والذي قال ابن القاسم:
من خلافِ هذا في روايته انفردَ به.
وذكر ابن القاسمِ في "المدونة"، عن مالكٍ في المدير: إذا لم ينضَّ له شيءٌ
في السنةِ أنَّه لا يُزكِّي حتى ينضَّ له شيءٌ فيقوِّمَ ويُزكِّي. وقال
نحوه يحيى بن سعيدٍ. قال ابن حبيبٍ: ومَن كان يديرُ بعضَ مالهِ وبعضَه لا
يديره فإنْ كان متناصفاً زَكَّى كل مال على حصته، وإن كان أحدهما أكثرَ
بالأمر المتباين فالأقلُّ حكمٌ للأكثرِ. قاله ابن الماجشون وغيره.
ومن "العُتْبِيَّة"، روى أبو زيدٍ، عن ابن القاسمِ، أنَّه إن أدار أكثر
مالهِ، زكَّى ماله كله على الإدارة، وإن أدار أقلَّه زكَّى المُدارَ فقط كل
عامٍ.
وقال أصبغُ: إن أدارَ نصفه أو ثلثه ونوَى في الباقي مثل ذلك أدار ذلك،
زكَّى جميعه على ألإدارةِ. وإن عزمَ فيما أبقى أن لا يدخله في الإدارةِ،
فلا يزكيه حتى يبيع. وقال سحنونٌ: إذا حلَّتْ زكاة المدير وليس بيده من
العين ما يؤدي، فليبعْ من عروضه، ويُخرج. فإن أخَّرَ ذلك حتى تلفتِ العروض
(2/171)
ضمن الزكاة.
قال في "كتاب" ابنه عن ابن نافعٍ، عن مالكٍ: إمَّا أنْ يبيع عرضاً ويقسمه
في الزكاة أو يخرج عرضاً بقيمته إلى أهلها من أيِّ صنفٍ، شاء من عروضه. قال
سحنونٌ: بل يبيع من عروضه، ويخرج عيناً ويزيد في المسألة أنَّه كان ينضُّ
له في السنة، إلاَّ أنَّه لم يكن معه فب آخر السنة عينٌ.
قال ابن عبدوسٍ: قال عبد الملك: وإذا كان عندَ المديرِ عَرَضٌ، ورثه أو
اقتناه فإنَّه إن باعه بنقدٍ فليستقبل بثمنه حولاً وإن باعه بدَينٍ فقد
سلكَ به مسلكاً من التجارة، وليزكِّ ثمنه يومَ يقبضه.
وقال في "كتاب" ابن حبيبٍ: إذا مضى له حولٌ من يوم باعه إلى يوم يقبض ثمنه،
وقاله المغيرة. وهذا خلاف قول ابن القاسمِ وغيره.
قال ابن القاسمِ: لا يقوِّمِ المدير كتابة مكاتبه كما لا يقوِّمُ رقبةَ
عبده الذي أخدمه.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: لا يقوِّمُ المدير غنمه التي
يزكيها، لأنَّ عليه انتظار الساعي. وقال أشهبُ: عن كان مجيءُ الساعي قريباً
من شهرٍ تقويمه فلا يقومها، وإن كان بعيداً فليقومها ويزكها مع مالهِ، ثم
يكون من يومئذٍ حولها لزكاة رقابها. محمدٌ: والأول أحبُّ إلينا. قال مالكٌ:
وإذا كانت أقلَّ من أربعين، قوَّمها إلاَّ أنْ تكونَ للقنيةِ وما جزَّ من
صوفِ غنمهِ وأخذَ من غلَّةِ عبيده، وذلك من مال الإدارة، فهو فائدةٌ.
وقال سحنونٌ في "العُتْبِيَّة"، في المدير له سفينةٌ اشتراها يُكريها،
(2/172)
قال: لا يُقَوِّمْها مع ما يقوِّمُ أنظرُ
–أراه يريدُ وقد اشتراها للكراءِ ولو اشتراها للتجارةِ لقومها، وفي باب
زكاة فوائد الغلات تمام هذا.
قال مالكٌ في "كتاب" ابن الْمَوَّاز، و "العُتْبِيَّة": ومَن له مالٌ غائبٌ
لا يعلم خبره، فلا يزكيه حتى يعلم ما حالها أو يرجع إليه فيزكيه لماضي
السنين. وفي باب زكاة المال المبضعِ، وباب زكاة القراض من هذا.
في زكاة مال القراض
من "كتاب " ابن الْمَوَّاز، وفيه من "المَجْمُوعَة"، قال مالكٌ وأصحابه: لا
يزكِّي مالُ القراض حتى ينضَّ، ويرجع إلى ربِّه. قال مالكٌ: وإن قام بيدِ
العاملِ سنين فليزكِّه ربه، إذا قبضه عن كل عام]
مضى.
قال ابن القاسم: يريدُ إن كان العامل يديرُ، وإن كان ربُّ المال يديرُ،
والعامل لا يدير، فلا يزكِّي العامل حصته إلا عند المقاسمةِ، وأمَّا ربُّ
المالِ فإنَّه إذا شهرُ زكاتهِ زكَّى مالَه زكَّى ماله بيد العاملِ، إن كان
من مالِ الإدارةِ، ويقوِّمُ سلع القراضِ، فيزكِّي رأس مالهِ، وحصَّة ربحه.
قال في "كتاب" ابن الْمَوَّاز: ولو أخَّر ذلك انتظار المحاسبة فضاع، لضمن
زكاة كل سنةٍ مضتْ. قال فيه، وفي "العُتْبِيَّة": وإن كان غائباً عنه ببلدٍ
(2/173)
نائيةٍ لا يدري ما حدث عليه، أخَّرَ ذلك
إلى أَنْ يرجع إليه فيزكِّي عن كلِّ سنةٍ بقدرِ ما كان المال فيها. قال ابن
حبيبٍ: فإن هلك المالُ لم يضمن الزكاة. قال ابن الْمَوَّاز: وإذا كان
العامل يديرُ، فلا يزكِّي واحدٌ منهما ما اقام حتى ينضَّ للمحاسبةِ،
فيزكِّي كلُّ واحدٍ حصته عن كلِّ سنةٍ مضَتْ بقدرِ ما كان المالُ فيها على
التأخُّرِ، وإن لم يكنِ العاملُ يديرُ، لم يزكِّ هو حينئذٍ إلاَّ لسنةٍ
واحدةٍ. قال ابن سحنونٍ، عن أبيه: وإن أقام بيده ثلاث سنين، وهو مديرٌ فكان
في أول سنةٍ مائة، وفي الثانية مائتين، وفي الثالثة ثلاث مائة، زكَّى عمَّا
كان لكلِّ سنةٍ، إلاَّ ما حَطَّتِ الزكاة. ولو رجعَ في العام الثالثِ
مائةً، لم يزكِّ إلاَّ عن مائةٍ، كلَّ سنةٍ إلاَّ ما حَطَّتِ الزكاة، ولا
يضمن ما هلك من الربح.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ: ولا يزكِّي العاملُ في
غيبته عن ربِّ المال شيئاً. قال أشهبُ: إلا أنْ يأمره أو يؤخذ بذلك فيجزيه،
ويحسبَ عليه في رأس ماله. ورُوِيَ عن سحنونٍ، أنَّه قال: ولو أقام بيده
سنة، فإن كان لم يظعن والمال عينٌ، فليُزكِّه ربُّه، وإن شغل بعضه، فليس
عليه أَنْ يزكِّيَ ما بقيَ حتى يتفاصلا.
(2/174)
وكذلك في "كتاب" ابن سحنونٍ. قال مالكٌ:
وإنَّما على العاملِ إذا تفاصلا من الزكاةِ بقدرِ حصته وإن قلَّتْ. فلو ربح
عشرين ورأس المال عشرون، كان عليه ربع دينارٍ، قال: وأمَّا ثمرة المساقاتِ،
فهي كلها مقسومة بينهما، فيبدأ فيها بالزكاة، وإن لم تكن إلاَّ خمسة أوسقٍ،
ثم يقتسمان ما بقي، وكان جميعه لربِّ الأصولِ، وكأنَّه يُعطي للعاملِ
إجارةً، لزمته. قال ابن الْمَوَّاز: وكذلك في القراضِ إن كان رأس المالِ مع
جميع الربح عشرون ديناراً على رواية أشهب، فهو مالٌ وجبت فيه الزكاةُ، وما
يأخذ العامل كأنَّه إجارةٌ.
أبو محمد: وبقية القولِ في هذا في باب بعد هذا.
ومن "كتاب" ابن حبيبٍ: ولا يخرج زكاة القراض، وإن عمل به سنين إلاَّ
المفاصلةِ، غابَ ربُّ المالِ أو حضرَ، وإن فعل ذلك جهلاً أو فعله العامل،
مضى ذلك ولم يجبرا برَدَّ ذلك وضيعةً، إن كانت بخلاف ما يأخذ قبل المفاصلة
من ربحٍ. قال: وإذا كان ربُّ المال يدير وحده، والعامل لا يدير، فليزكِّ
ربُّ المال جميع المال إن كان عيناً. وإن
كان عرضاً فليقوِّمْ مع إدارته سلعَ القراضِ كلها بجميع ما فيها من ربحٍ،
ويزكِّ عند المفاصلة رأس مالهِ وحصَّةَ ربحه، وإن كان العامل غائباً بعيد
الغيبة فلا يزكِّي حتى يعلم حاله، أو يرجع إليه، فيزكِّي لكل عام بقدرِ ما
كان المال فيه، فإن تلف المالُ فلا زكاة عليه، وإذا حلَّ حولُ ربِّ المالِ،
وهو مديرٌ لستَّةِ أشهرٍ من يومِ أخذه العاملُ، فزكَّى ربُّ المالِ ذلك مع
مالهِ،
(2/175)
وانتظر ربُّ المالِ، ثم اقتسما لتمام حولٍ
من يومِ عملَ فيه، زكَّى العاملُ ما نابه، وانتظر ربُّ المال حوله. قال ابن
سحنونٍ، عن أبيه، فِي مَنْ له مائة دينار، دفعَ منها تسعين قراضاً وبقيت
بيده عشرة حتى حال الحولُ، فلا يزكيها حتى يقبض القراضَ، فإن كان القراضُ
تدار فيه زكاةٌ مع العشرةِ لكل عامٍ، وإن كان لا يُدارُ، زكَّى الجميع
لعامٍ واحدٍ ومَن اخذ قراضاً فأقام بيده، فلم يعمل به حتى حلَّ عليه الحولُ
عنده فليزَكِّه ربُّهن وليعمل العامل مما بقي، وإن اشغل منه شيئاً حتى لا
يكون لربِّه أخذه، فلا يزكه حتى يقبضه.
في اشتراط الزكاة في القراض وفي المساقاة على
أحدهما
من "الواضحة": وإذا اشترط أحدهما على الآخر زكاة الربحِ فهو جائزٌ، فإن
تفاضلا قبل الحولِ، أو كان ذلك لا زكاة فيه، فمشترطُ ذلك على صاحبه يأخذ
ربع عشر الربح لنفسهِ، ثم يقتسمان ما بقيَ كما لو شرطَ لأجنبيٍّ ثلثَ
الربحِ، فيأبَى مَن أخذه، فهو لمشترطه منهما.
وذكر ابن حبيبٍ، أنَّ ابن القاسم يكره أَنْ يشترط العاملُ على ربِّ المالِ
زكاةَ المالِ والربحِ. قال ابن حبيبٍ: وذلك جائزٌ. وما ذكر ابن حبيبٍ، عن
ابنِ القاسمِ، في هذا هو في "الأسدية". وذكر في "المدونة"، ما دلَّ على
أنَّه جائزٌ عنده.
(2/176)
ومن "المَجْمُوعَة"، روى ابن وهبٍ، عن
مالكٍ، أنَّه إنِ اشترط في المساقاة الزكاةَ على ربِّ المالِ أو على
العاملِ فهو جائزٌ، وإن لم يصيبا خمسةَ أوسقٍ، وقد شرطا الزكاة على العامل،
فإنَّ عشر ذلك أو نصفَ العشر في سقي النَّضْحِ لربِّ الحائطِ خالصاً. وقال
سحنونٌ: يكون لربِّ المال ممَّا أصابا خمسةُ أعشارٍ ونصف عشرٍ، وللعاملِ
أربعة أعشار ونصف عشر، لأنَّ ربَّ المالِ اشترط عليه أَنْ يؤدي عشر نصيبه،
فيرجع ذلك إليه. وقال غيره: ويقسَّمُ ما اصابا على تسعة أجزاءٍ، خمسةٌ
لربِّ المالِ، وأربعة للعاملِ. وقال ابن الْمَوَّاز في "كتاب" القراضِ: قال
مالكٌ: إن اشترط على الساقي زكاة الثمرة كلها، فلم يصيبا خمسةَ أوسقٍ،
فليأخذ ربُّ المال من حصة العامل، كما اشترط.
في الزكاة في مال القراض عن رقابِ الغنمِ
وعن العبيد في زكاة الفطرِ
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، روى ابن القاسمِ، وأشهبَ، عن مالكٍ، أنَّ زكاة
الفطر عن عبيد القراض على ربِّ المالِ في رأسِ مالهِ، بخلاف
(2/177)
النفقةِ. وقال أشهبُ: إن بقوا بربحٍ جُعلَ
على الربحِ من ذلك بمقدارهِ.
قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ: وكذلك زكاة الغنمِ على ربِّ المالِ، في رأس
ماله. قال محمدٌ: وهذا أحب إلينا.
ومن "المَجْمُوعَة" روى ابن وهبٍ، عن مالكٍ، مثل قول أشهب: أنَّه إن كان في
العبيدِ فضلٌ، كان على الفضلِ بمقدارهِ، وإلاَّ فذلك على ربِّ المالِ في
رأس ماله. وقال ابن حبيبٍ: هو كالنفقةِ مُلغاةٌ، ورأس المالِ هو العدد
الأول. وأمَّا في الغنم فيجتمع عليها في الرواية عن مالكٍ، من المدنيين
والبصريين، أنَّ زكاتها على ربِّ المالِ، من هذه الغنم لا من غيرها، فيطرح
قيمة الشاة المأخوذة من أصل المالِ، من هذا الغنمِ فيكون ما بقيَ رأسُ
المالِ.
قال ابن حبيبٍ: وهي تفارق زكاة الفطرِ؛ لأنَّ هذه من رقابها تُزكَّى،
والفطرة شيءٌ مأخوذٌ من غير العبيدِ، وذلك مختلفٌ فيه. فروَى ابن وهبٍ،
وابن القاسمِ، عن مالكٍ، أنَّ ذلك على ربِّ المال في رأس ماله. وقالا به.
وقال أشهبُ وأصبغُ: زكاتهم من مال القراضِ، ثم يكون ما بقيَ هو رأس المال،
جعلا ذلك كالماشيةِ، وهي لا تشبه ذلك، والذي أقولُ: إنَّها كالنفقةِ، ورأس
المال هو العدد الأول.
في زكاة القراضِ يتفاصَلانِ فيه قبل الحولِ أو يتفاصلان
بعد الحولِ، والمالُ بربحهِ عشرون ديناراً أو أقلُّ، أو يكونُ أحدهما عبداً
أو نصرانيًّا أو مِدْياناً
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، وإذا عمل في القراضِ أقلَّ من حولٍ، ثم
(2/178)
تفاصلا فصادفَ ذلك حول ربِّ المالِ، فقال
ابن الاسمِ: لا زكاة على العاملِ. وقالِ أشهبُ: على العاملِ الزكاةُ وإن
نابه درهمٌ واحدٌ. وقال ابن الْمَوَّاز: وهذا أحبُّ إليَّ. وقد رواه ابن
القاسمِ، عن مالكٍ، وخالفه.
قال أشهبُ: وإن تفاصلا قبل حولِ ربِّ المالِ، فلا زكاة على العاملِ فيما
نابه، وإن كثرَ حتى يأتيَ له حولٌ من يوم نضَّ بيدهِ.
وذكر ابن عبدوسٍ، عن أشهبَ، مثل ذلك في العملِ به اقلَّ من حولٍ، فصادفه
حولُ ربِّ المالِ: إنَّ على العامل الزكاة. قال: وقاله عبدُ الملكِ. قال:
وكذلك لو كان العامل عبداً أو مدياناً، أخذَ العبدُ نخلاً مُساقاةً، وقاله
ابنُ نافعٍ وسحنونٌ.
وقال ابن القاسم، وابن وهبٍ وأشهبُ، عن مالكٍ: وإذا كان العامل مِدياناً
فلا يُزكِّي من ربحه، إلاَّ ما فضل هن دينه، قال ابن الْمَوَّاز: وهذا
استحسانٌ. قال مالكٌ: وأمَّا إنْ كان ربُّ المال عبداً وعليه دَينٌ محيطٌ
فلا شيء على العاملِ، قلَّ ربحه أو كثر، وكذلك إنْ كان نصرانيًّا، وإنْ
كنَّا نكره أن نقارضه، وكذلك قال عبد الملك، وسحنونٌ في "كتاب" ابن سحنونٍ.
قال ابن الْمَوَّاز: قال أشهبُ: وإن أخذ عشرة دنانير قراضاً فربح فيها
خمسةً، ولربِّ المالِ مالٌ حلَّ حولُه، إنْ ضمَّه على هذا صار فيه الزكاةُ
– يريدُ: قد حلَّ على أصل هذا حولٌ. قال: فليُزكِّ العاملُ حصته كمُساقٍ
(2/179)
أصابَ أربعة أوسقٍ، ولربِّ المالِ حائطٌ
آخرُ أصابَ فيه أوسقاً، فليَضُمَّ ذلك ويُزكِّ ويقتسما ما بقيَ، وبه يأخذ
سحنونٌ.
ومن "المَجْمُوعَة": ومن بيده مائة دينار فدفع منها عشرةً قراضاً، فعملَ
بها العاملُ حولاً فربحَ خمسةً، فلا زكاة على العاملِ، وإن لزمت ربِّ
المالِ الزكاة، وقاله ابن القاسمِ.
ومن "العُتْبِيَّة" قال أصبغُ: وإذا عَمِلَ العاملُ في المال سنةً، فأخذ
ربحه فزكَّاه، وله مال لا زكاة فيه، له عنده حولٌ، فإنَّه لا يزكيه ولا
يضمُّه إلى ربحِ القراضِ، وإن كان فيه مع ربحِ القراضِ عشرون ديناراً،
وكذلك العامل في المساقاةِ، إن أصابه وسَقان، وأصابَ في حائطٍ له ثلاثة
أوسقٍ، فل زكاة عليه في حائطه، وليُزكِّ ما أصابَ من المساقاة، إن كان في
نصيبه ونصيب ربِّ الحائط ما فيه الزكاة.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، روى أشهبُ، عن مالكٍ، فِي مَنْ أخذ تسعةَ عشرَ
ديناراً قِراضاً فعمل بها حولاً فربح ديناراً. فإنَّ على العاملِ الزكاةَ
في ما نابه وعلى ربِّ المال، ولم يرَ ابنُ القاسمِ على العاملِ زكاة، حتى
يكون في نصيبه ما فيه الزكاة، يريدُ: أو يكون في حظِّ ربِّ المالِ وحصَّةِ
ربحهِ ما فيه الزكاة، وإلاَّ فلا زكاة عليهما، عند ابن القاسم. قال محمدُ
بنُ الْمَوَّاز: وخالفه فيه أصحابه وهو خلاف قول مالكٍ. وقال سحنون بقولِ
مالكٍ، وخالف ابن القاسم. وقال ابن القاسم في "المدونة": لا يزكِّي العامل
حتى يكونَ في مالِ ربِّ المالِ مع حصته من الربحِ ما فيه الزكاة.
ومن "المَجْمُوعَة" قال أشهب: وربحه دينارٌ في التسعة عشر، كما لو ربح
ديناراً في تسعةٍ وثلاثين بعد حولٍ، فإذا وُجِدَت في رأسِ المالِ مع جميع
ربحهما ما فيه الزكاة فعليهما الزكاة في ذلك المال، وقاله ابن
(2/180)
القاسم في المُساقاة، وأباه في القراضِ.
وأخذ سحنونٌ بقولِ أشهبَ.
وكذلك ذكرَ ابنُ الموازِ، عن أشهبَ من قوله وروايته، وقال: قال أشهب: وهو
مالٌ وجَبَتْ فيه الزكاة، وصار ما يأخذ العامل، ولو هلك كإجارةِ أجيرٍ، ولم
أجعل ذلك على ربِّ المال في ماله كالإجارة، لأنِّي أصبت هذا الربح في ضمان
العامل ولو هلك، والإجارة قد ضمنها ربُّ المال بكل حالٍ، وكذلك احتجَّ
سحنونٌ في هذا الأصلِ في "كتاب" ابنه.
قال ابن الْمَوَّاز: وإسقاط الزكاة عن العامل في القراض لدَينٍ عليه ليس
بالقويِّ، وهو مذهب ابن القاسمِ. قال: إلاَّ أَنْ يكونَ له عَرَضٌ يُكافئه
أو يفضل بعد دَينه ولو درهم فليزكِّه، وأمَّا دَينُ ربِّ المالِ، فإن كان
يغترق ماله وربحه، فلا زكاة عليه، ولا على العاملِ، وإذا كان يفضل بعد
الدين من المال وربحه العامل ما فيه الزكاة، فليزكِّها تلك الفضلة ويقتسما.
قال أشهبُ: وإنَّما يجب على العامل بوجو بها على ربِّ المال وتسقط بسقوطها
عنه.
محمدٌ: وذلك إن كان دَينُ ربِّ المالِ يغترق رأس المال وربحها؛ لأنَّ له
حكمَ الأصلِ وما يأخذ العامل كإجارة تُؤدَّى.
وقال ابن القاسم فِي مَنْ تسلَّف دينارٍ ولا عرض له، فقارض بها رجلا فربح
بعد الحول أربعين ديناراً: فليزكِّيَا وإن ربح أقلَّ من أربعين ديناراً
(2/181)
فلا زكاة عليهما. قال محمدٌ: وهذا على أصله
الذي ذهب إليه. قال محمد: بل لو ربح عشرين ديناراً لزكَّيا. فإذا فضل بعدَ
الدين ما فيه الزكاةُ، فليزكيا، كان ذلك كله للعاملِ وحدَه أو بعضه لربِّ
المالِ، وبعضه للعاملِ، كما لو أنَّ عنده عَرَضٌ يفي بالدَّيْنِ لزكَّيا
الجميعَ وإنَّمَا الحكمُ للأصلِ، ولو كان الأصل لعبدٍ لم يلزم العامل
الزكاة، فإذا لزم الأصل زكاة فما يخرج منه للعامل كإجارةِ يأخذها. قال عبد
الملكِ: فإن كان العامل عبداً وربُّ المالِ حرًّ، فليزكِّ العاملُ حصته.
قال عبد الملكِ: وهذا الصوابُ، وما أُسقطَ أنَّا الزكاةَ عن العاملِ بدَيْن
عليه إلاَّ استحساناً.
قال مالكٌ: وما اخَذَ المُساقاةُ من حصته من الثمرةِ بعد أنْ زكَّيَاهَا،
فهو فائدةٌ، يأتنف بثمنها إن باعهان إذا قبضه.
في زكاة القراضِ يرجع إلى ربِّه بعضه قبلَ الحول،
أو اشترى به أصولاً، فباع الثمرة برأسِ المالِ، ثم باع الأصولَ
من "المَجْمُوعَة"، و"كتاب" ابن سحنونٍ، قال ابن القاسمِ: ومَن أخذَ مائة
دينارٍ قراضاً، فعمِلَ بها عشرةَ أشهرٍ فنَضَّتْ مائة دينار، فأخذها ربُّ
المالِ وبقيت سِلَعٌ بيعت للحولِ بثلاثين ديناراً، فلا يُزكِّي العاملُ
حتَّى يُباعَ بأربعين ديناراً؛ لأنَّ المعاملة إنَّما رجعت في السلعِ
الباقيةِ، ولو تعاملا على الثلاثين للعاملِ، فبيعت بثلاثين، فلا زكاة عليه
حتى ينيبَ منها ربُّ المالِ، منها ما فيه الزكاة، وكذلك لو تعجَّلَ بعضَ
رأسِ المالِ قبل الحولِ.
(2/182)
وذكرها ابن الْمَوَّاز، وقال: فإذا باع
السلعة الباقية بأربعين فلا زكاة على العامل في نصيبه، ولو قال له ربُّ
المال حين أخذ المالَ: بعنِي نصف السلعة قراضاً. فلا خير فيه؛ لأنَّه شريكٌ
له فيها. وقال سحنونُ، في "كتاب" ابنه: عليهما الزكاة على ما ذكرت لك –
يريدُ: من قول مالكٍ، في رواية أشهبَ، فِي مَنْ أخذ تسعة عشر ديناراً
قراضاً، فنضَّ له للحولِ عشرون. قال ابن الْمَوَّاز، في المائة: ولو كان
إنَّمَا ردَّ عليه خمسةً وتسعين لعشرةٍ أشهرٍ، وبقيت خمسةٌ في السلعِ،
فبيعت للحولِ بخمسةٍ وعشرين، فوقعَ في "كتاب" ابن الْمَوَّاز في هذا أنَّ
ابنَ القاسمِ يقول:
لا زكاة على العاملِ حتى يبيع بخمسةٍ وأربعين وإنَّما ذكر هذا على رواية
ذكرها عن ابن القاسم، خلاف ما يعرف عنه، وذكر ابن الْمَوَّاز أنَّها خلاف
قول مالكٍ، وأصحاب ابن القاسم، أنَّ العامل في القراض لا يزكِّي حتى ينيبه
في ربحه خاصَّةً عشرون ديناراً، ولم أرَ هذه الرواية في "كتاب" ابن
الْمَوَّاز، وهي شاذةٌ أو غلطٌ في "الكتاب".
قال محمدٌ: وأمَّا على ما تقدم من قول نالكٍ، فعليهما الزكاة. وقاله أصبغُ:
قال محمدٌ: وإنَّما يزكي العامل الذي رَدَّ خمسةً وتسعين قبل الحولِ، ثم
باع ما بقي بعد الحولِ بخمسةٍ وعشرين نصف دينارٍ، يخرج ربع عشر ذلك النصف؛
لأنَّه إنَّمَا يقع للخمسةِ الباقيةِ من رأسِ المالِ دينارٌ واحدٌ.
(2/183)
من العشرين الربح، فله نصفه فيزكيه، وذلك
إذا كان بقي بيدِ ربِّ المالِ ما يُوجبُ عليه الزكاة، يريدُ محمدٌ: ما إذا
ضمَّه على ما يقع له من هذا من بقية رأس ماله، وحصته من الربح الخمسة
والتسعين التي انفصل فيها الأمر، وهي تسعة دنانير ونصف، وجميع ما ربح في
الخمسة وهو دينارٌ، يريدُ: فإن كان لربِّ المالِ مع هذا أربعة دنانير
ونصفٌ، مضى له حولٌ، إن كان ذلك مع هذا وزكَّى العاملُ نصف الدنانير، الذي
نابه في الخمسة، ولم يزكِّ التسعة ونصف التي نابته من ربح الخمسة وتسعين.
وهذا على المذهب الذي اختاره محمد من رواية أشهب، عن مالك في التسعة عشر
دينارا لقراضٍ، يربح فيها ديناراً للحولِ.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، ومَن أخذ مائة دينارٍ قراضاً فاشترى بها نخلاً
فأثمرت، فباع الثمرة بمائة، والأصول بمائةٍ بعد حولٍ فزكاةُ الثمرة منها،
ثم للعاملِ ربعُ ما صحَّ بعد ذلك من ثمنها، ولا زكاة عليه فيه؛ لأنَّه قد
زكَّى ثمراً، ثم يكون له ربع ثمنِ الرقابِ أيضاً، فيزكيه وذلك خمسةُ وعشرون
ديناراً، يُخرج نصف دينارٍ ويزكِّي ربُّ المالِ خمسة وسبعين، ولو كان ثمن
الثمرة خمسين، فذلك الثلث يُسقِطُ عن العاملِ زكاة ثلثِ مصابته، ويزكِّي
الثلثين. ولو كان اشترى أصول تينٍ أو جوزٍ، فباع الثمرةَ بمائةٍ، والأصول
بمائةٍ فنصيب العاملِ خمسونَ ديناراً، فنصفه من ثمنِ
(2/184)
غلَّةٍ لا يزكيها، ويزكي خمسة وعشرين،
وكذلك يزكي رب المال نصف ما يصير إليه، ولو باع الأصول بثمرها في صفقةٍ
واحدةٍ، ولم يجددها وقد طابت، لزكَّى عن كلِّ شيءٍ، وأمَّا ما يزكِّي من
الثمار فبيعه مع الأصول أو مفترق سواء، وقد تقدم في بابٍ آخرَ.
في زكاة المال يعطى الرجل على أنَّ له ربحه أو يحبسُ عليه، وزكاة المال
يوقف للسلفِ
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز؛ قال مالكٌ: ومَن أعطى رجلاً مائة دينارٍ ليعمل
بها لنفسهِ، ويأكل فضلها خمس سنين، فل زكاة على ربِّها حتى يقبضها، فيزكيها
لعامٍ واحدٍ، وهي بيدِ الذي عمل بها كالسلفِ ولا زكاة عليه فيها. قال ابن
الْمَوَّاز: إلاَّ أَنْ يربح فيها للحولِ ما فيه الزكاةُ، أو يكون عندَه
عَرَضٌ يجعل فيه الدَّين أو بعضه، وإذا نضَّ له منها عشرون ديناراً للحولِ،
فإنْ كان فيما له من السلعِ منها أو من غيرها وفاءٌ لدَينهِ، زكَّى العشرين
وإلا فلا. وأمَّا لو قال له: اعمل بها قراضاً وربحها لك، فهذا لا يَضُمُّها
وزكاتها على ربِّها لعامٍ واحدٍ، وإن قبضها بعد أعوامٍ؛ يريدُ: وهو قراضٌ.
قال: وزكاة ربحها على ما ذكرنا في
(2/185)
القراضِ، وإنْ ردها قبل الحولِ فليأتنف
بالربحِ حولاً، وذكرها في "المَجْمُوعَة"، ولم يذكر دفعها قراضاً، وذكر ابن
القاسمِ، وابن وهبٍ روياها عن مالكٍ.
ومن "العُتْبِيَّة"، قال عيسى، عن ابن القاسمِ: إنْ قال له: اتَّجِرْ بها
ولك ربحها، ولا ضمان عليك، فلا زكاة على مَن هي بيده، فإذا قبضها ربُّها
زكاها لعامٍ واحدٍ، إلاَّ أنْ يكون مديراً. وقال سحنون: هي كالسلفِ، وعليه
ضمانها كالمال المحبسِ، وقال ابن حبيبٍ: إذا قال له: ربحها لك، ولا ضمان
عليك. فلا زكاة على المعطي في رأس المالِ، وإذا تمَّ الربح عشرين ديناراً،
ائتنف به حولاً، وإن قبضها ربُّها بعد سنينَ، زكَّاها لعامٍ واحدٍ.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم، عن مالكٍ: ومَن حُبستْ عليه دنانير
سنة يعمل بها، فلا زكاة عليه فيها، إلاَّ أنْ يكون عندَه عَرَضٌ يفي بها.
وقاله أشهبُ، قال: إذا رجعت على الورثة ففيها الزكاةُ.
وقال ابن نافعٍ، عن مالكٍ: ومَن أُعْطِيَ ألفَ درهمٍ ليأكل ربحها، ولا ضمان
عليه فيها، فلا ضمان عليه، والربح له، والزكاة على دافعها إذا قبضها.
قال مالكٌ في المالِ يوقفُ ليتسلَّفَ: إنَّ فيه الزكاةَ. ورواه ابن
القاسمِ، وأشهبُ، ووقف فيه في رواية أشهب. وقال أشهبُ: فيه الزكاة. قال ابن
القاسمِ في
(2/186)
روايته: كان على مجهولين أو مُعيَّنَيْنِ
ففيه الزكاةُ كلما رجع، إن أقام أحوالاً. وبعد هذا باب في زكاة ما يوقف
ليفرَّقَ، أو للغلةِ.
في زكاة الأموال توقف لتفرق أعيانها،
أو لتفرق غلتها، أو نسل الماشية، أو ربح المال أو النخلُ
تُطعَمُ ثمرتها سنينَ، والزرعُ يُوصى به
من "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم، عن مالكٍ: في الحوائطِ المُحبسةِ في
السبيلِ، أو على المساكين، أو على قومٍ معينين، ففي ذلك الزكاة. وقال عبد
الملكِ: إذا حُبستْ على مَن له الزكاة، فلا زكاة فيها، وإنْ كان على غيرهم
زُكِّيَتْ.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز؛ قال: وما حُبِسَ أصله، ليفرقَ ما يتولد منه من
غلَّةٍ أو ربحٍ أو ولادةٍ، فإنْ كان الصل ممَّا يزكي من عين أو ماشيةٍ
فالزكاة في الأصل جاريةٌ كل عامٍ كان على معينين، أو في السبيلِ، أو في
المساكين، وإذا كانت أصول نخلٍ يُفرَّقُ ثمرتها، والأصول حُبُسٌ، إن كانت
على معينين معروفين، فلا زكاة إلاَّ على مَن في حَظِّهِ، ما فيه الزكاةُ،
وإذْ كانت على غير معينين مثل في السبيلِ، أو في المساكين، أو على قيسٍ،
وشبه ذلك، فالزكاة في جملة الثمرة، إنْ
(2/187)
كان فيها خمسةُ أوسقٍ فأكثر. وقال ابن
سحنونٍ، عن أبيه: سَوَاءٌ حُبِسَتِ النخلُ على معينين أو غير معينين،
فالزكاة تؤخذُ منها مبدَأةً. وأمَّا من أطعمَ قوماً ثمرَ نخلاتٍ أعواماً،
فالزكاة عند مالكٍ، على الذي أطعمهم. وأنا أرى أنْ أُحَلِّفَهُ بالله ما
أراد حملَ الزكاة عنهم، ثم تؤخذ الزكاة من ثمرتهم مبدأةً، وإن لم يصيبوا،
إلا خمسة أوسقٍ، وسواء اسلم النخلَ إليهم، أو بقيت بيدهِ، فإنْ كان فيهما
أربعة اوسقٍ، وقد بقي لنفسهِ من النخلِ بقيَّةً، فليضمَّ ثمرة ذلك على هذا،
فإنْ بلغ خمسة أوسقٍ، أخذ من كل نخلةٍ بقدرها بعد يمينه، وكذلك مُعرِي
النخلاتِ، وقد يرى بها على مَن أعراها له، أو بقيت بيده يلي سقيها ويدلُّ
أنَّ في الأصلِ الزكاةَ، أنَّ النصرانيَّ يُساقيه المسلمُ، فيؤخذ من الأصلِ
الزكاةُ. وتمامُ هذا في باب زكاةِ العريَّةِ والهباتِ.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز ومن "كتاب" ابن عبدوسٍ، من رواية ابن القاسمِ
وأشهبَ، عن مالكٍ، وإذا كانت دنانير يفرقُ أصلها، فلم تفرق حتى أتاها
الحولُ، فلا زكاة فيها. قال في "كتاب" ابن الْمَوَّاز: كانت على معينين أو
مجهولينَ، أو في السبيل، كانت وصيَّةً، أو في الصحةِ.
قال ابن القاسمِ: وكذلك الإبلُ والبقرُ والغنمُ تُفرَّقُ رقابها في
السبيلِ، أو تباع؛ لتفرقَ أثمانها، فيأتي عليها الحولُ قبلَ تُفرقُ. فل
زكاة فيها كالعينِ، قاله مالكٌ.
قال أشهبُ، في المواشي: إذا كانت تُفرَّقُ على غير معينين، فهي
(2/188)
كالعينِ، وإن كانت تفرَّقُ على معينين، فهم
كالخلطاء في الزكاة على من في حظِّه منهم ما فيه الزكاة منها، وأمَّا في
العين تُفرَّقُ على معينين فلا شيء عليهم، وإن كان نصيب كل واحدٍ ما فيه
الزكاةُ، وإن بقيت تفرَّقُ على مجهولين، فالعينُ والماشيةُ سواءٌ، لا زكاة
في ذلك. ورواه ابن القاسمِ وأشهبُ في العين عن مالكٍ. وفي الباب الذي قبل
هذا القولُ في المالِ الذي يوقف ليسلَّفَ.
قال ابن القاسمِ: والمواشي إذا حُبستْ ففيها الزكاةُ، كانت على معينين، أو
مجهولين، ولو لم يقع للمعينين إلا شاةٌ شاةٌ؛ لأنَّها موقوفة على ملكِ
مُحبسها، إذا كان إنَّما يُفرِّقُ من لبنٍ وصوفٍ، وأمَّا إنْ سَبَّلَ
أولادها؛ لتفرَّقَ مع غلتها، فإن كانت على معينين، فإن كان يقع لكلِّ واحدٍ
من أولاد المعينين ما فيه الزكاةُ، إنْ كان للأولاد حولٌ من يوم ولدوا وإن
لم يقبض، وإن كانت تفرق على المساكين، أو في السبيلِ، فتأخرت حولاً من يوم
الولادة، ففي جملتها الزكاةُ، إنْ كان فيها ما فيه الزكاةُ، ومَن أوصى
بثلثِ زرعه الأخضر للمساكين، فإنْ كان في ثلثه خمسة أوسقٍ، زكَّى ولا نفقة
على المساكين فيه، وإن كان على قومٍ معروفين فلا زكاة على مَن في حظِّهِ
الزكاةُ، وعيهم النفقةُ، وهم كالورثةِ.
(2/189)
فِي مَنْ عجَّل إخراج زكاته أو أخَّرها،
وفي الزكاة تتلفُ، وقد أخرجها، أو يتلف المالُ
قال ابن سحنونٍ، عن أبيه، عن ابن نافعٍ، عن قيسِ بنِ سلمانَ، عن ابنِ
شهابٍ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُجْلِسُ عبدَ الرحمن بن عوفٍ
في كلِّ مُحَرَّمٍ، فيقولُ لهم عبدُ الرحمن: مَن كان عليه دَينٌ
فليُؤَدِّهِ، ومن أراد أَنْ يستحدثَ نفقةً، فليستحدثها حتى تؤدُّوا مما بقي
من أموالكم الزكاة.
قال مالكٌ: ومَن اُخذتْ منه زكاة زرعهِ قبلَ حصادهِ، وهو قائمٌ في سنبلِهِ
فهو يُجْزِئُهُ، ولا أُحبُّ أنْ يتطوَّعَ بها من قبلِ نفسهِ. وقال في مَن
أُخذت منه زكاة مالٍ: لم يجب عليه فيه زكاةٌ، فليس له أَنْ يَحْسِبَ بذلك
من زكاة مال آخرَ يلزمه زكاته.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسم، عن مالكٍ: لا يجوزُ أنْ
يُعَجِّلَ الرجلُ إخراجَ زكاةِ مالهِ، وحرثهِ، وماشيته إلاَّ بقربِ الحولِ،
أو قبله باليسيِر، وأحبُّ إليَّ حتَّى يَحِلَّ. وقاله أشهبُ. قال محمدٌ: لا
يُجْزِئُهُ إلا ما كان قبل الحولِ بيومٍ أو يومين، والفضلُ ألا يفعلَ،
فأمَّا إن بَعُدَ فلا يُجْزِئُهُ.
ومن "العُتْبِيَّة" قال أشهبُ ومَن أخرج زكاته قبل محلها أَعَادَ. قال
عيسى: قال ابن القاسم: لا أُحبُّ له أَنْ يفعلَ إلا بالأمر القريبِ، وأرى
الشهرَ قريباً على ترجيفٍ وكُرْهٍ. قال ابن حبيبٍ: قال (مَن لقيتُ) مِن
أصحاب مالك: إنه لا يُجْزِئُهُ إلا فيما قَرُبَ، مثلَ خمسةِ ايامٍ وعشرةٍ
قبلَ الحولِ. وقال أشهبُ: لا يُجْزِئُهُ. وبالأول أقول.
(2/190)
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، ورَوَى أشهبُ،
عن مالكٍ، والليثِ، إذا أخرجها قبل محلها لم يجزه، واحتجَّا بالصلاةِ.
قال عنه ابن وهب: وإن أخذها منه الساعي قبل محلها جبراً، لم تُجْزِئه.
قال ابن القاسمِ: وإن أخذه بزكاة زرعه بعدما يبس، أو بزكاة غنمه، أو ماله
قبل محلِّهِ، فإنْ كان بقربِ محلها أجزأه. والزرع أبيتهن ورَوَى ابن عبد
الحكم، عن مالكٍ، سئل إذا أخذها منه قبل إبانها. قال: إنما السبيل على
الذين يظلمون الناس.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال مالكٌ: وإذا عجَّل زكاة ماشيته، أو حبه، أو ماله
عن عامِ أو عامين، لم يُجْزِئُهُ. وقال عنه ابن وهبٍ، في قولِ الصديقِ: لو
منعوني عقالاً. قال: هو الفريضة من الإبلِ، لا الخيلِ.
قال ابن وهبٍ: وهو البعير.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: ومن أخرج زكاته بعد محلها بأيامٍ
يسيرةٍ فهلكت فإنه يضمنها. محمدٌ: ما لم يكن عند الحولِ وقربه.
قال: وكذلك إنْ أخرجها قبل الحولِ بأيام يسيرةٍ فتلفت، فإنَّه يضمنُ.
محمدٌ: ما لم يكن قبله بيومٍ أو يومين، وفي الوقت الذي لو أخرجها فيه
لأجزائه، فإنَّه يُزكِّي ما بقي لا ما تلف.
قال محمدٌ: وأما إن أخرجها بعد الحولِ بيومٍ وشبهه فتلفت، فأرجو
(2/191)
ألا يكونَ عليه غيرها، ولو أخرجها حينَ
وجبتْ فتلفت، أجزأته، ثم إن ذهبَ مالُه ولَحِقَه دَيْنٌ، ثم وجدها فلينقذها
ولا شيء عليه فيها لأهلِ الدين، وكذلك روى أبو زيدٍ، عن ابن القاسم في
"العُتْبِيَّة".
قال ابن الْمَوَّاز: قال ابن القاسمِ: قال مالكٌ: وإن خرصَ الكرم والثمر
للزكاة، ثم اجتيحَ، فإنْ بقيَ بعد الجائحةِ خمسةُ أوسقٍ فأكثر زكَّاهُ،
وإلاَّ فلا شيء عليه، وكذلك ما هلك في الأندرِ والجرين، إلاَّ أنْ يهلكَ
بعد أنْ يدخل المخازن.
قال ابن سحنونٍ: قال المغيرة: وإذا عزل عشرةً ثم استقرضه أو أكله أو باعه
فقد ضمنه، فإنْ فَلِسَ لم يحاصَّ بها السلطان غرماءَه، لأنَّه لو مات لم
يلزم إخراجها إلاَّ بوصيَّةٍ من ثلثه.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن وهبٍ، عن مالكٍ: ومَن اخرج زكاته حين لزمته
فتلفت، قال: يُجْزِئُهُ. وإن كان بعد محلها بأيامٍ، فهو ضامنٌ. قال ابن
القاسمِ: وكذلك زكاة الفطر. قال عليٌّ، عن مالكٍ: وكذلك لو بعث بها عند
محلها إلى الأمام مع مَن يثق به، أو ذهبَ هو بها فذهبت، فلا يضمن؛ لنَّ
سنتها أنْ يأتيَ بها الناسُ إلى الإمامِ. قال ابن نافعٍ: ما لم يؤخرْ ذلك
عن إبانه. قال عنه ابن سحنونٍ: أو يعجله قبلَ محله. قال ابن نافعٍ: ولو
بعثَ بصدقةٍ حَرْثِهِ أو ماشيته مع رسولٍ، لضمنَ، إذ الشأنُ فيها مجيءُ
المصدقِ لأخذها، وكذلك في "كتاب" ابن الْمَوَّاز، ومثله في "كتاب" ابن
سحنونٍ، وزاد عن ابنِ نافعٍ، عن مالكٍ: فأمَّا لو أخرج
(2/192)
زكاة العينِ من صندوقه فوضعها في ناحيةِ
بيتهِ فذهبت فهو ضامنٌ، لأنَّه لم يخرجها ما كانت في بيته. قال: وليستْ
كالماشيةِ تلك لا تُزَكَّى حتَّى يأتيَها المصدِّقُ فيزكيها على ما يجد
فيها، وأمَّا العينُ فحين يَحِلُّ حولُه يُخرجُ زكاته، والماشية والطعام
يرتقب بهما الساعي، إلاَّ أنَّ الطعامَ مثل العينِ في غيبةِ ربِّه عليه.
قال مالكٌ: وإنْ عزل زكاة قبل يأتيه المصدِّقُ فتلف أنَّه لا يُجْزِئُهُ،
لأنَّه ليس عليه ذك، إنَّمَا عليه إذا جاء المصدق أعطاه، فعلى ذهان أنْ
يُخرج زكاةَ ما بقي، إنْ بقي خمسةُ أوسقٍ فأكثر، ولا يُخرج عمَّا تلف.
ومن "المَجْمُوعَة"، و"كتاب" ابن سحنونٍ، قال أشهبُ: وإذا كان هو يلي إخراج
زكاة زرعه، فعزلَ عشرة ليفرقهن ثم لم يُفرِّطْ في تفريقه حتى ضاع، فلا شيء
عليه، ولا فيما بقي، وإن فرَّطَ ضَمِنَ، وإنْ لم يمن هو يلي إنفادَ ذلك،
وإنَّمَا يأخذه المصدِّقُ، ثم يُجْزِئُهُ إن تلف ما عزل، وعليه زكاة ما
بقي. وذكر ابن الْمَوَّاز في "كتابه" قولَ ابن القاسمِ في ذلك، أنَّه
يُجْزِئُهُ مجملاً، ثم ذكر قول أشهبَ. وقال: ونحن على قول أشهبَ. ولكن إنْ
أدخله منزله بعد انتظار منه للمساكين فطال ذلك وخاف ضياعه، فلا ضمان عليه
بعد ذلك.
ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، عن مالكٍ، قال مالكٌ: وإذا دخلَ منزله ما أصابَ من
حَبٍّ أو ثمرٍ ممَّا فيه الزكاة، فهو ضامنٌ لزكاتهِ، إن تلف، وقاله أشهبُ،
إلاَّ ما ضاع في المِربدِ والجرين، فلا يُضمنُ، لأنَّ عليه زكاة ما بقي
منه، إن بقي خمسةُ أوسقٍ. وقال مالكٌ: في مَن جدَّ ثمرته فيعزلها
(2/193)
فتسرق أو تحرقُ، وقد خُرِّصَتْ عليه. قال:
يضمنها، ويغرم بخلاف ما لو أُصيبَ في رءوس النخلِ.
ومن "المَجْمُوعَة"، ابن وهبٍ، عن مالكٍ، فيمن خرجَ لسفره، وأمرَ مَن يبيعَ
عروضاً له، ويُخرج من ثمنها خمسةَ أوسقٍ دنانير زكاةً عليه فبلغه أنَّها لم
تُبعْن فليؤدِّ ما عليه، وما يؤخر لقدومه إلاَّ أنْ يقربَ قبل قدرِ الشهرِ،
قال: لا إلاَّ أنْ يقرب ويقوِّمَ عروضهن إن كان مديراً.
ومن "المَجْمُوعَة" و"كتاب" ابن الْمَوَّاز: وليخرج المسافر زكاته بموضعٍ
هو به، وكذلك لو كان ماله بمصر وهو بالمدينةِ، إلاَّ أَنْ يخاف أنْ يحتاج
فيقطع به، وليؤخرها إلى بلدهِ. وفي باب تفرقة الزكاة بقية القول في هذا.
قال ابن سحنونٍ، عن أبيه: قال عليٌّ، عن مالكٍ، في مَن حملَ زكاة العينِ
ليؤديها، فوجدَ سلعةً فابتاعها بها وباعها بربحٍ، فالربح له وليؤدِّ ما
عليه.
في الرجل يعرف بمنعٍ زكاته
ومن "المَجْمُوعَة"، قال مالكٌ: ومَن عَلِمَ الإمامُ منه أنَّه لا يُزكِّي
فليأخذه بالزكاة، قال أشهبُ: ويحسنُ أدبه عن كان الوالي يقسِّمها، وإن كان
على غير ذلك فلا يعرض له.
قال في "كتاب" ابن شعبان: وإن عرف بمنعها، ولم يظهر له مال سُجنَ، وإن
كانوا أهل بلدٍ قُوتلوا، ولا يقاتلوا على منعٍ زكاة الفطر.
(2/194)
ومن "العُتْبِيَّة"، قال ابن القاسم: قال
مالكٌ: كتب عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ إلى عامل له في رجلٍ منعَ زكاةَ مالهِ
أَنْ يتركه، فندم الرجل فأداها فقبلها منه عمرُ. وهذا في "الموطأ.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: إذا كان الإمام عدلاً فعلى الرجلِ
دفعُ زكاته إليه. قال أشهبُ: إن كان عدلاً يُقسِّمُها على العدلِ بغير
تفريطٍ ولا ضيعةٍ، وامَّا على غير ذلك فلا يلزمه، قال مالكٌ، وابن القاسمِ:
وإن طلبه بها فقال: قد أخرجتها. فإن كان الإمام عدلاً، فلا يقبل منه إن كان
مثل عمر بن عبد العزيز. وقال أشهبُ: يقبل قولَه إن كان صالحاً، وإن كان
متَّهماً بمنعِ الزكاةِ فلا يقبل منه، وإن كان إمامٌ غيرُ عدلٍ فليصدقه.
وما أراه بفاعلٍ. ومسألة مَن ترك أنْ يخرج زكاة عشرين ديناراً سنين، في باب
زكاة من عليه دَينٌ.
في من مات وعليه زكاة، كما حلَّتْ، أو فرَّطَ فيها وقد أوصَى بإخراجها أو
لم يوصِ
من "المَجْمُوعَة"، قال أشهبُ: عن مالكٍ: ومَن مات قبل الحولِ بيومٍ، فلا
زكاة عليه ولا على ورثته، قال ابن القاسمِ: وإنْ مات بعدَ الحولِ، فما حلَّ
عليه ولم يُفرِّطْ، أو قدمَ عليه، فأمر بإخراجها في مرضهِ أو أوصى به، فذلك
من رأس ماله. قاله مالكٌ: قال ابن القاسمِ: وإنْ
(2/195)
لم يوصِ لم يجبر ورثته وأُمروا بذلك. وقال
أشهبُ: هي من رأسِ ماله وإن لم يُوصِ بها، إن لم يفرط كالزرع يطيب والثمر
يُزهي قبل موتِهِ، قال ابن الْمَوَّاز: قاله مالكٌ في الزرع والثمرِ. وقاله
أشهبُ: في زكاة الفطر إن مات يوم الفطر أو ليلته، ولم يوصِ فهي من رأس
مالِه وقال ابنُ القاسمِ: لا يجبر ورثته إلاَّ أنْ يُوصي بها، فتكن من رأس
ماله.
ومن "المَجْمُوعَة"؛ قال أشهبُ: ولو ضمَّ زرعه وجدَّ ثمره، وفرَّطَ في
زكاته، لم يلزم ورثته إلاَّ أنْ يشاءوا، فإنْ أوصى بها فللإمام أخذهم بها.
قال ابن القاسمِ وأشهبُ: قال مالكٌ: وإن حلَّ موت حول الماشيةِ ولم يأتِ
الساعي حتى مات ربُّها، فلا شيء على الورثةِ، وهب لا تجب إلاَّ لمجيء
الساعي، قال عنه عليٌّ وابن نافعٍ: بخلاف الثمرة، يموت وقد طابت تلك يخرج
قبل القسم؛ لأنَّها خرصت على الميت، قال أشهبُ: العينُ والحَبُّ بخلاف
الماشية؛ لأنَّ الساعي ينتظر بها ولا يضمن هلاكها، في ذلك وغيرها يخرج بكل
حالٍ، أُخِذَ بها أو لم يؤخذ. وقاله ابن القاسمِ، عن مالكٍ، في الزرع
والثمرة تطيب قبل موته، فإنَّه يخرج زكاته أوصى بها أو لم يُوص.
قال أشهبُ: والهارب بزكاة ماشيته يوصي بها فللساعي أخذها، وتبدأ في الثلثِ،
وإذا تخلَّفَ عنه الساعي للحولِ فلا يبدأ في الثلثِ ولا يأخذها المصدق
وينفذها ورثته أو وصيّه. وقاله ابن القاسمِ. يريدُ: وقد أوصى بها.
قال: وكذلك الموصِي بزكاة زرعه الأخضر، وثمرة الذي لم يَزْهُ، يُخرج من
الثلثِ غير مبدأةٍ ولا يسقط بذلك عن الورثة الزكاة، ولا زكاة على مَن لم
يبلغ حظُّه ما فيه الزكاة، وإن كانَ في ذلك العشر
(2/196)
خمسة أوسقٍ، أخذ زكاته المصدق. قال أشهبُ:
وإن أوصى في هذا فقال: تؤدي زكاته عنِّي، فوصيته باطلٌ في حصَّةِ مَن
تبلُغُ حصته ما فيه الزكاةُ من الورثةِ، لأنَّها وصية لوارثٍ ومن لم تبلغ
حصته ما فيه الزكاة، لم يؤخذ منه شيءٌ، ويؤدي ذلك من مال الميت – يريد من
ثلثه – وإن كان لا يجب في حصة أحدٍ منهم الزكاة، أدَّى ذلك منه، إن بلغ
خمسة أوسقٍ – يريدُ من ثلثهِ – غير مبدَأً، وإن كان نصيب كل واحدٍ منهم ما
فيه الزكاةُ، فالوصيَّةُ باطلٌ والزكاة عليهم.
قال ابن الْمَوَّاز، وقال مالك وأصحابه: وما اقرَّ به المريض من دينِ
الناسِ فمن رأس مالهِ، وما أوصى به من زكاةٍ متقدِّمَةٍ ففي ثلثهِ
مبْدَأَةٌ على العتقِ بعينهِ، وعتق الظهار والمدبر في المرضِ وغيره إلا
المدبر في الصحةِ.
ومن علمَ من أبويه تفريطاً في الفرائض، قال مالكٌ: فأمَّا الصيام، فليطعم
عنهما عددَ كل يومٍ مُدًّا، إن شاء عن كلِّ واحدٍ، وليؤدِّ الزكاةَ عنهما،
وأمَّا الصلاةُ فلا شيء في ذلك.
ومن "الواضحة"، ومن حلَّتْ عليه في مرضهِ زكاة ثمرٍ أو حَبٍّ، ولم يوصِ
بها، فإنْ جدَّ ذلك وحصده، ولم يضمه إلى بيته أُخرج ذلك من رأس ماله، وإن
لم يوصِ به، وإن ضمها إلى بيته فهي كزكاة ناضَّةٍ إذا كانت بلداً لا يأتيها
السعاة في الحبِّ والثمرِ، فإن لم يوصِ بها لم يجبر ورثته عليها، وإن أوصى
بها فهي من رأس مالهِ، وإن كانت بلداً يأتيها السعاة فهي مأخوذة بكل حالٍ،
ويورث ما بعدها وأما الماشية؛ فهي مأخوذة من رأس المالِ، أوصى بها أو لم
يوص، أو ثمرٍ ضمَّه إلى بيته؛ لنَّ ذلك مضمون عليه، والماشية حيوان لا يغاب
عليها، وأنَّا كلُّ ما تقدَّم تفريطه فيه في صحته من ماشيةٍ،
(2/197)
أو حَبٍّ، أو غينٍ، فإنَّ ذلك في ثلثه إن
أوصى به، وهي مُبْدَأةٌ عند ابن القاسمِ، على كلِّ شيءٍ إلا المدبر في
الصحة. وقال عبد الملكِ: لا يبدأ على ما لا يقدر أَنْ يرجع عنه مما بتلَ في
مرضه من عتقٍ أو عطيَّةٍ، وكذلك التدبير في المرض والصحة، وبهذا أقول.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، وتبدا الزكاة على الوصايا كانت زكاة فطرٍ، أو
حَبٍّ، أو مالٍ. قال أشهبُ: وتبدأ الزكاة على الوصايا في الثلثِ إلا المدبر
الذي دبر قبل التفريط في الزكاةِ. وفي باب زكاة العريَّةِ والهبةِ بقيةٌ من
ذِكرِ الموصِي بزكاته، وشبه ذلك، وفي أبواب زكاة الحبوب بابٌ في زكاة ما
وُهبَ أو أُوصي به من ثمرٍ أو زرعٍ.
القول في المعادنِ وملكها وإقطاعها
وأخذِ الزكاةِ مما يخرج منها من ذهبٍ أو ورقٍ
من "الواضحة" قال: والمعادن على وجهين؛ فمعادنٌ ظهرتْ في فيافي أرض العربِ،
وأرض العنوةِ، وارض الصُّلحِ، فذلك للسلطان، يأذن فيها بالعملِ لمن شاء
ويأخذ منهم الزكاة، وله أَنْ يقطعها من أحبَّ على النظرِ لأهل الإسلامِ،
قطيعةً وطُعمةً ما عاش أو على وقتٍ يوَقته، ويأخذ منهم الزكاة، وللذي
أُقطعت له معاملةُ الناسِ فيها على ما يحلُّ من غير بيعٍ، وللإمام أنْ
يحولها من رجلٍ إلى رجلٍ. ولا يجوز أَنْ يعطيها عطية تمليك للأبد، كما لا
يقطع أهل العنوةِ مِلكاً، لكن قطيعةَ إمتاعٍ، والأصل للمسلمين، فهذا وجهٌ،
والوجه الآخر، ما ظهر منها في الأرضِ التي صارت ملكاً للناسِ، من جبالهم،
وأرضهم المعتمرة، فلا
(2/198)
حكم للإمام في هذه، ولا يزيل ملك ربِّها
منها ظهور المعدن فيها، كانت ارضَ صُلْحٍ، أو عنوةٍ، أو من ارضِ العربِ،
وهي لمن ظهرت في أرضه يعامل الناسَ فيها على ما يجوز، وفيها الزكاة، وهذا
تفسير من لقيت من أصحاب مالكٍ.
ومن "العُتْبِيَّة"؛ قال يحيى بن يحيى، عن ابن القاسمِ: وما ظهر من معدنٍ
في ارضِ ذمِّيٍ من أهل العنوة أو أرض مَواتٍ فأمره إلى الإمام.
وللإمام إقطاعُ المعادنِ على غير تمليكٍ، ولكن إذا مات أقطعه لغيره.
وللإمام إقطاعُ المعادنِ على غير تمليكٍ، ولكن إذا مات أقطعه لغيره. قال
سحنونٌ: إنَّما ينظر الإمام في الأرض التي كالمواتِ، وأمَّا من ظهر له في
أرضٍ يملكها معدن فهو لم يمنعه، ولا يجوز له بيعه، إذا لا يدري ما فيه، وكم
يدوم، وله منع ما في البِرْكَةِ في أرضه من الحيتان.
ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، قال ابن نافعٍ: وما ظهر من المعادن فلاةٍ، فليقطعه
الإمام لمن يعمل فيه، وما ظهر منها في أرضِ رجلٍ وفي حظِّهِ فهو له، وليس
للإمام عليه سبيلٌ، وما ظهر منها في أرضِ الصُّلحِ فهو لأهل الصلحِ. قال:
ومعادنُ القبيلة، لم يكن حظُّه لأحدٍ، وإنما كانت بفلاةٍ.
قال يحيى بن يحيى في "العُتْبِيَّة": قال ابن القاسمِ: وما ظهر منها في
لأرض الصلح، فهو لأهل الصلحِ ويوفي لهم بعهدهم، فمن أسلم منهم وفي أرضه
معدنٌ، فأمره إلى ألإمام، وقال ابن الْمَوَّاز: بل ذلك لهم إذا أسلموا.
وذكره عن مالكٍ.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسمِ: كلُّ ما كان من المعادنِ قبل
الإسلامِ، أو ظهر بعد الإسلامِ في أرضٍ أسلم عليها أهلها، فأمرها إلى
ألإمامِ، وأمَّا معادن أرض الصلحِ ما ظهر منها قديماً وحديثاً
(2/199)
فلأهلها منعها، ومن شاءوا عاملوه فيها
بالثلثِ أو الربعِ. وأنكر محمدٌ مُعاملتهم فيها بالثلث والرعبِ، ووقف عنه.
قال: وما ظهر منها في أرض العنوةِ فللإمام أَنْ يقطعها، وليس فيها إلا
الزكاةُ، وإذا أسلم أهلُ الصلحِ فلابدَّ من الزكاة من معادنهم، ومن عاملهم
منها من مسلمٍ قبل إسلامهن فعليه الزكاة كما لو زرع في أرضهم بكراً. ومن
أسلم من أهل العنوةِ كأهل مصر، فليس له أرضه ولا داره ولا ماله يريد: المال
الذي كان له يومَ الفتحِ.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن نافعٍ، وعليٍّ، عن مالكٍ، قال مالكٌ: وما
أصابه الذِّمِّيُّ بعمله في المعدن، فإن كانت الأرضُ من عَفَاءِ الأرضِ،
فلا يقرهم فيها الإمام على شيءٍ معلومٍ يؤدونه وإن كانت لبعضِ المسلمين
فعلى ما راضاهم عليه بها، وإن كانت من الأرض التي أمر صلى الله عليه وسلم
بإجلائهم منها، لم يتركوا فيها. قال سحنون: قوله: يقاطعهم على أمر معلومٍ.
لا أعرفه، فإذا كانت من عفوِ الأرضِ التي أسلم عليها أهلها فلهم النفع بها،
ولا يبيعونها وقد كانت تُقطع فيها المعادن، وفيها قيل: "لا يُمنع فضلُ
الماءِ ليُمنع به الكلاُّ"، وهي التي حَمى عمرُ. وأمَّا في البلدان فهي لمن
أحياها. قال مالكٌ: وأهلُ الصلحِ أحقُّ بمعادن أرضهم.
بابُ بقيَّةِ القولِ في زكاة ما يخرج من المعدن من ذهبٍ أو فضةٍ
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسمِ: قال مالكٌ، في الدرة تخرج من
المعدنِ أو توجد على الأرض بالمعدنِ بغير عملٍ أو بعملٍ يسيرٍ: ففيها
الخمسُ، وأمَّا من أقام يكدُّ ويعملُ، ثم يجد هذا، ففيه الزكاة، وأمَّا ما
(خفَّ من العملِ) فلا، وقد يتكلف عملٌ في دفنِ الجاهلية،
(2/200)
وكذلك في الذهب النابت يجده فيما لي سفيه
كثير عملٍ، ففيه الخمسُ، وقال ابن سحنونٍ، عن أبيه، عن ابن نافعٍ، عن
مالكٍ، في الندرة تخرج من المعدن: إنَّ فيها الزكاة، وإنما الخمسُ في
الركاز، وهو دفنُ الجاهلية. قال سحنونٌ: وإذا أصاب في نيل المعدن مائة
درهمٍ، ثم انقطعَ فابتدأ العملَ فأخرج مائة أخرى، فلا يضم ذلك بعضه على
بعض، كزرع ائتنفه بعد حصادٍ، ولو أنَّ له أربع معادن، أو أُقطعها لم يضم ما
يصيب في واحدٍ منها في باقيها، ولا يُزكِّي إلا عن مائتي درهم فأكثر، من
كلِّ معدنٍ، وكل معدنٍ كسبه مؤتنفه في الزرعِ، وليس كزرع في مواضع يضم بعضه
إلى بعضٍ زرعه في عامٍ واحدٍ.
وقال محمد بن مسلمة: يضم بعضها على بعض ويُزكِّي الجميع كالزرعِ.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، ولا يسقط زكاة ما يجد في المعادن دَينٌ محيط،
وكذلك الركاز، وهو قول مالك. ومن أدرك نيلاً، فليس له بيع ذلك الغار ولا
يورث عنه، وهو يقطع لغيره. وقال أشهبُ: لا يبيعه في حياته، وورثته أحقُّ به
بعد مماته، ولا يبيعونه بمنزلة بئر الماشية يسقون منه بقدر مواريثهم، ومن
أسلم منهم نصيبه منه ومن المعادن، فهو لسائر الناس يقطعه الإمام لمن رأى.
قال ابن القاسم: وَلا بَأْسَ للشريكين في المعدن أَنْ يُقسما ترابه كيلاً.
ومن "الواضحة" وإذا انقطع عِرق المعدن قبل بلوغ ما فيه الزكاة، وظهر له
عرقٌ آخر فليبتدئ الحكم فيه. قاله مالك: وقال ابن الماجشون: والشركاء في
المعدن كالواحدِ، والعبد كالحرِّ، والذمي كالمسلمِ، وذو الدَّين كمن لا دين
عليه، كالركاز يجده منذ كرنا، وكذلك ذكر عنه
(2/201)
ابن سحنونٍ. قاله سحنونٌ: لا زكاة فيه إلا
على حرٍّ مسلمٍ، كحكم الزكاة، وقاله المغيرة. قال سحنونٌ: والشريكان فيه
كشريكي الزرع. قال ابن حبيبٍ: وما وُجدَ بساحل البحر من ترابٍ فعُملَ
فاستخرج منه ذهبٌ أو فضةٌ، فهو مثل ما يوجد من المعدن. وقاله مالك.
قال ابن سحنون: قال ابن كنانةَ: ومن باع تراب المعدن قبل يزكيه لم ينظر إلى
الثمنِ، ولينظر إلى ما يخرج من ذلك التراب على ما اختبره قبل ذلك، فيزكيه
إن بلغ ما فيه الزكاة، من ذهب أو فضةٍ.
قال ابن نافعٍ، عن مالكٍ: ويزكي ما يخرج من المعدن إذا بلغ ما فيه الزكاة،
وإن كثرت نفقته فيه، وكذلك الزرع والثمر.
جامع القول في الركاز
من "الواضحة"، قال: والركاز: دفن الجاهلية خاصَّة، والكنز يقع على دفنِ
الجاهلية ودفن الإسلام، فدفن أهل الإسلام فيه التعريف، وفي دفن الجاهلية
الخمس وباقيه لمن وجده كان في أرض العربِ، أو أرضِ عنوةٍ أو صلحٍ، قاله
مطرِّفٌ، وابن الماجشون، وابن نافع، وأصبغ. ورواه ابن وهبٍ، عن عليِّ بن
أبي طالبٍ، وعمر بن عبد العزيز، ومكحول، والليث. وفرَّق ابنُ القاسمِ فيه
بين أرض العربِ وأرض الصلحِ والعنوة، ببلاغ عن مالك، واحتجَّ
بالسَّفَطَيْنِ اللذين ردَّ عمر، وذلك شيءٌ يسيرٌ.
من "العُتْبِيَّة"، وليس بركازٍ، وقد قال مالكٌ: ما أصيب في قبورِ
(2/202)
الجاهلية ففيه الخمس، أفترى بالحجاز واليمن
كانوا يقبرون بالذهب؟ وإنما أراد قبور ملوك فارس، والروم، والعجم الذين ظهر
عليهم الإسلام.
وقال عبد الملك: وهذا إن كانت الأرض للذي وجده أو كانت فلاة، فإن كانت
ملكاً لغيره، فالأربعة أخماسٍ لربِّ الأرضِ، وهو كالأجير يحفرُ في دار رجلٍ
فيجد كنزاً.
قال سحنونٌ: في "العُتْبِيَّة": ومن وجد ركازاً في أرض عنوةٍ، لم يبقَ ممن
افتتحها أحدٌ ولا من نسلهم، فليتصدَّقْ بها على المساكين، يريد: زخمسُه
يخرجه أيضاً في مسلك الفيءِ. قال سحنونٌ: فإن لم يُعرف أعنوةٌ هي أو صلحٌ،
فهو لمن أصابه، حرًّا أو عبداً أو امرأة، فهو له وعليه خمسه.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسمِ: قال مالكٌ: ومن أصابه ببلدِ
العنوةِ فليس لمن وجده، وفيه الخمس، وأربعة أخماسه لمن فتح تلك البلاد
ولورثتهم. وإن هلكوا، أو يتصدَّقُ بها عنهم، وإن لم يعرفوا. وقد ردَّ عمر
السِّقْطيْنِ، وإنما هو كنزٌ دلَّ عليه. قال: وإن كانت بلد صلحٍ، فهو كله
لهم، لا خمسَ فيه إذا عرف أنَّه من أموالهم، وإن عرف أنَّه ليس من أموال
أهل بلدِ الذمَّةِ، ولم يرثه عنهم أهل هذه الذمة، فهو لمن وجده، وإذا أصابه
رجلٌ في دارِ صلحٍ فمن صالح على تلك البلاد. قال ابن القاسمِ: فهو لربِّ
الدار لا خمس فيه.
قال سحنونٌ، عن ابن نافعٍ: قال مالكٌ: ومَن وجد في البحر من تراب الذهب
والفضةِ، والتماثيل منذ هبٍ، أو فضةٍ، ففي تراب الذهبِ
(2/203)
والفضةِ الزكاة، وفي التماثيل الخمس.
وقال عليٌّ، عن مالكٍ، فيما يحفر في مدائن الأولين، فيستخرج قِطعَ القصَارِ
من ذهبٍ يصيب في شهرٍ منها، أو حولٍ عشرين مثقالاً أو أربعين، ففي كل شيءٍ
من ذلك الخمس، قال عنه ابن نافعٍ: فيما أصيب من الركازِ الخمسُ قلَّ أو
كثر. وإن كانت عشرة دراهم، ثم رجع، فقاتل: إنْ كان يسيراً، فلا شيء فيه.
قال مالكٌ: وليس فيما وجدَ من لؤلؤٍ أو جوهرٍ شيءٌ، حتى يبيعه ويأتنف
بالثمنِ حولاً، إذا قبضه فيزكيه.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال المغيرة: في كل ما وجد من الركاز من العين وغيره
الخمس وجده، حرٌّ أو عبدٌ، أو ذمِّيٌّ، ذكرٌ أو أنثى، صغيرٌ أو كبيرٌ.
وقاله ابن نافعٍ. ولم يُرد ذلك فيما أصيب بأرض الحرب. قال مالكٌ: ما أصيب
منذ دفنِ الجاهلية، بأرض الحربِ فبين أهل الجيش. قال أشهبُ: وكذلك إن فتحت
لهم مطامر فوجد فيها مالٌ، فهو مغنم.
قال ابن القاسم: في الركاز يجده الفقيرُ: فليخرج خمسه وإن قلَّ.
قال أشهبُ: وما وُجِدَ من ركاز في بلد الصلح، فإن كان مما يجوز أَنْ يكون
لهم، ففيه التعريف، ـ ثم هو لمن اعترفه منهم، كما يعرف المسلم ما كان من
دفن المسلمين، ولو كانت لقطة، فادَّعاها ذمِّيٌ، لَقُبلَ قولُه مع يمينه في
الكنيسة، وإن كان ممن لا يجوز أَنْ يكون لهم، وهو لمن لم يكن له ذمة، ولا
ممن ورثه أهل هذه الذمة، فهو لمن وجده وفيه الخمس، وإن وجده في أرض العنوة،
ويجوز أَنْ يكون لأهل هذه العنوة،
(2/204)
فهو لمن افتتح البلاد إن عرَّفوا، وإلا فهو
لعامة المسلمين وخمسه فيءٌ. قال سحنونٌ: يسلك بأربعة أخماسه مسلك
اللُّقَطَةِ، فيتصدَّق بها على مساكين تلك البلدة، وإن كان مساكينهم مع
بقايا الذين فتحوها. وإن كانوا ابتنوا غيرها، رأى فيه الإمام رأيه.
قال أشهبُ: وإن كان لمن ليس من أهل هذه العنوة، ولا همن ولا ورثتهم، ففيه
الخمس، وهو لمن وجده، قال المغيرة: ما وُجدَ من ركاز بأرض الصلحِ، فهو لأهل
الصلحِ. قال سحنونٌ: يكون لأهل تلك القريةِ جون الإقليم. قال المغيرة: وإن
كان من دفن مَن سكنها من أهل الإسلام، فهو كاللقطة.
وقال عليٌّ: عن مالكٍ: مَن وجدَ ركازاً في منزل اشتراه، أو في منزل غيره،
فهو لربِّ المنزلِ دون من أصابه. وقال ابن نافعٍ: بل هو لمن وجده. وكذلك في
"كتاب" ابن سحنون.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز" وما وُجدَ من دفنهم من عُمُدٍ، وخشبٍ، وصخرٍ،
فهو كالركاز، قال محمد بن الْمَوَّاز: اختلف قول مالك فيما وُجِدَ من دفنهم
سوى العينِ، من جوهرٍ، ولؤلؤٍ، وحديدٍ، ونُحاسٍ، ومسكٍ، وعنبرٍ، فقال: ليس
بركازٍ، ثم رجع، فقال: له حكم الركاز. روى القولين ابن القاسمِ، وأشهبُ.
,اخذ أشهبُ، بأنه ركازٌ في ذلك كله، إلا في النحاس والرصاص. وهذا أبين؛
لأنَّه لا خمسَ إلاَّ فيما وجب عليه، وإنما أخذ من الذهب والورقِ، لأنَّه
الركاز نفسه الذي جاء فيه النصُّ. وقال ابن حبيبٍ: قال مطرِّفٌ، وابن
الماجشون، وابن نافعٍ: إنَّه الركاز.
وقال ابن الْمَوَّاز: قال مالكٌ: وما في قبورهم من مالٍ ففيه الخمسُ، ولا
(2/205)
شيء فيما وجد فيه من جوهرٍ، ونحوه مع
الكراهية لحفرِ قبورهم، فليس بحرامٍ. قال أشهبُ: لا أكره حفرها ونبشهم منها
وسلبهم ما فيها من مالٍ أو حِرزٍ، أو ثوبٍ، وفيه الخمسُ، وليس حرمتهم
مَوْتَى بأعظم منها أحياءً، وهو مأجورٌ في فعل ذلك بالأحياء منهم. قال
سحنونٌ: قال ابن القاسم، عن مالكٍ: وليس بضيق إن فعله أحدٌ ولكنِّي أكرهه.
فيما يؤخذ من أهل الذمةِ إذا تجروا على غير بلدهم
من "المَجْمُوعَة"، و"كتاب" ابن سحنونٍ، من رواية عليٍّ، وابن نافعٍ، عن
مالكٍ، قال مالك: أَخذَ عمرُ من أهل الذمة العشرَ إذا تجروا من أُفقٍ إلى
أُفقٍ، وأخذ من النبط نصف العشر، في الحنطةِ والزيت، وأمَّا في القُطنيَّةِ
فأخذ منهم العشر، قال مالكٌ: وإنَّما خفَّفَ عنهم في حملهم الحِنطةِ
والزيتَ إلى المدينةِ ومكة خاصَّةً، وكذلك إلى ما كان بأعراض المدينةِ من
القُرَى؛ ليكثر حملهم ذلك إليهم. وذُكر في "كتاب" ابن سحنونٍ، من روايته،
عن ابن نافعٍ، عن مالكٍ: يؤخذ من أهلِ الذمة من الزيت والطعام العشر، إذا
تجروا في بلاد المسلمين إلى المدينة ومكة أة غيرها، وإنما يؤخذ منهم عمر
نصف العشر في الحنطةِ والزيتِ، ليكثر الحملُ إلى المدينة، وقد أغنى الله عز
وجلَّ المدينة وغيرها عنهم اليوم، فليؤخذ منهعم العشر من الزيت والطعام.
وقال ابن نافعٍ: لا يؤخذ منهم بهذين البلدين إلا نصف العشر، كما فعل عمرُ
وإن استغنوا اليوم عن ذلك، وكذلك رواية أخرى لابن نافعٍ، عن مالكٍ، قال
مالكٌ: وإنَّمَا
(2/206)
يؤخذ من الذمي إذا تجر إلى غير أفقه، قيل:
لمالكٍ في سماع أشهب.
من "العُتْبِيَّة"، فما حملوا إلى المدينةِ من تيماء، قال: فليؤدوا وأمَّا
من وادي القرى فلا، لأنَّها من المدينة.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن وهبٍ: قال مالكٌ: وإن تجرَ ذمِّيٌّ من أهل
العراقِ، من البصرةِ على الكوفةِ، ولم يؤخذ منه شيءٌ، إلا أَنْ يخرج من
بلده على بلد آخر. قال ابن القاسمِ، وأشهبُ، وابن نافعٍ: قال مالكٌ: ومَن
تجرَ منهم من مصر إلى الشام أُخذ منه العشر، ثم عن مضَى منها على العراقِ
أُخِذَ منه أيضا مما معه من التجارة، وكذلك إنْ مضَى على بلدٍ آخر.
قال ابن القاسم، في الذمي يكري إبله من مصر: فلا شيء عليه، فإن أكراها من
الشام راجعاً، فعليه في ذلك. وقال أشهب: لا شيء عليه؛ لأنَّ ذلك غلةٌ.
ورُوِيَ عن مالكٍ، في النصرانيِّ يُكري في بلد الإسلامِ، قال: لا يؤخذ منه
شيءٌ. قال ابن نافعٍ: يؤخذ منه عشر الكراء سلعةٍ باعها. قال ابن نافعٍ، عن
مالكٍ: وإن تجروا بالخمرِ وما يَحرم علينا تُركوا حتى يبيعوه، فيؤخذ منهم
عشر الثمن، فإن خيفَ من خيانتهم، جُعلَ عليهم أمينٌ.
قال ابن نافعٍ: وذلك إذا جلبوه إلى أهل ذمةٍ، لا على أمصار المسلمين التي
لا ذمة فيها.
قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ: ويؤخذ من عبيدهم إذا تجروا. وقاله أشهب. وإن
قال: عليَّ دَينٌ محيطٌ. لم يصدَّقْ. ولو ثبتَ ذلك
(2/207)
ببينةٍ، لم يؤخذ منه شيءٌ عن كان دَيناً
للمسلمين، وإن كان دَيناً لأهلِ الذمَّةِ أُخذ منهم.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسمِ: ومَن كان من أهل ذمةِ مصرَ،
فرحل إلى الشام فأوطنها، ثم قدم مصرَ بتجارةٍ فباع. فلا يؤخذ منه شيءٌ؛
لأنَّها بلده التي صالح عليها، وإن رجع إلى الشام التي أوطن أُخذ منه
العشر، قال أصبغُ: وذلك ما تُركت جزيته لم تُحوَّلْ. ولم يؤخذ منه شيءٌ
فيها حيث انتقلن فإن أُخذت منه حيث استوطنَ ومَحَى عنه الأول، صارت كبلدهِ
ولم يؤخذ منه شيءٌ فيها.
قال ابن الْمَوَّاز: وإذا تجرَ الذمي إلى غير بلده فباع ثم اشترى، فلا شيءَ
عليه إلاَّ عشر ثمن ما باع، ثم إذا قدمَ بلده بما اشترى فباعه، فلا شيءَ
عليه.
قال ابنُ القاسمِ: وإذا قدِمَ الذمي بعينٍ، فلا شيء عليه إلا أَنْ يشتريَ
به، فيؤخذ عُشره حين يشترى به، ولو أقام يتجرُ سنين، ثم رجع لم يؤخذ منه
غير ما أُخذ أول مرةٍ، ولو أكثر الاختلاف إلى غير بلده في السنة، لأخذ منه
كلما أتى وباع.
قال ابنُ سحنونٍ، عن أبيه: وإذا نزلَ الذمي ببلدنا فاشترى منا فأُخذ منه
العشر، ثم استُحقَّ من يده، أو يرده بعيبٍ، أنَّه يرجع على العشر فيأخذه،
وإذا قدم المدينة، فباع تجارته، فأُخذ منه العشر، ثم اشترى أخرى، وخرج بها
على بلده، فلاشيء عليه فيها، وإن خرج بها على بلدٍ آخر أُخذَ منه العشر،
يريد إن باع هناك.
قال ابن سحنونٍ: عن أبيه: قال: رُويَ عن مالكٍ في اليهود والنصارى ممن
بأعراض المدينة يزرعون، أيؤخذ منهم العشر؟ قال" إن كانوا ممن يؤدي الجزية
لم يؤخذ منهم شيءٌ، وإن كانوا ممن لا يؤخذ منهم
(2/208)
الجزية، فعليهم العشر إن بلغ ما رفعوا خمسة
أوسقٍ. قال سحنون: هذه رواية سُوءٍ. ولم يجزها.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال سحنونٌ: وإن قدمَ ذمِّيٌّ فاشترى متاعاً، فأُخِذَ
منه العشر، ثم يرده بعيبٍ، ويستحقُّ أنَّه يرجع إلى ما دفع فيأخذه.
ومن هذا الباب بقية مذكورة في الثالث من الجهاد.
في ما يؤخذ من الحربيين إذا نزلوا عندنا للتجارة
من "المَجْمُوعَة"، قال عليٌّ، عن مالكٍ: ويؤخذ من تجار أهل الحربِ، إذا
نزلوا عندنا، العشر. وقال ابن القاسم، وابن نافعٍ: إنَّمَا يؤخذ منهم ما
صالحوا عليه. قال أشهبُ: إلاَّ أَنْ ينزلوا من غير مقاطعةِ على شيءٍ، فلا
يزاد عليهم على العشرِ. ورُوِيَ ذلك عن أنس بن مالكٍ.
قال أصبغُ في "كتاب" ابن الْمَوَّاز: إذا كانوا معروفين النزول قبلَ ذلك
على العشر، فلم يُقَلْ لهم شيءٌ حتى باعوا، فلا يُزاد عليهم.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم: وإذا نزلوا على دنانير أو دراهم، لم
يُحَلْ بينهم وبين رقيقهم، قال ابن القاسمِ: قال مالكٌ: وإن كان على العشر
حِيلَ بينهم وبين وطءِ الإمامِ حتى يبيعوا. ولو لم يبيعوا ورجعوا، فليؤدوا
العشر ويذهبوا، بخلاف الذميين. وقاله سحنونٌ في "كتاب" ابنِهِ.
وقال: ويقاسموا. ونحوه في "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال" وحيث ما نزلوا من
بلاد المسلمين، فلا يؤخذ منهم شيءٌ، لأنَّه قد أُخذَ ذلك منهم مرةً وليسوا
كأهل الذمةِ \في هذا.
(2/209)
قال ابن عبدوسٍ: وقال ابن نافعٍ: لا يؤخذ
منهم إن لم يبيعوا شيئاً، فإن باعوا أُخذَ منهم عشر الثمنِ. قال ابن
الْمَوَّاز: وقال أشهبُ: إنَّ لهم الرجوعَ بسلعهم على موضع آخر، إلاَّ أَنْ
يُشترط عليهم شرطٌ. قال ابنُ القاسمِ: إذا نزلوا على العشر، ولم يريدوا
الخروج حتى يبيعوا فأراد الوالي أَنْ يقاسمهم رقيقهم، فليس له ذلك انْ
يقاسمهم الرقيق ولا غيرها، حتى يبيعوا، إلاَّ أنْ يبدوا لهم في البيع
والخروج إلى بلدٍ آخر، أو على بلدهم، وأمَّا الذميون فلهم ذلك، ولا يؤخذ
منهم شيءٌ، قال ابن القاسمِ: إلاَّ أنْ ينزل الحربيين على أنْ يقاسمهم ما
بأيديهم، فلا يكون لهم أَنْ يطأوا، ولا يبيعوا حتى يقاسموا، فإذا قُوسموا
أخذوا ما صار لهم، فلهم فيه الوطءُ والبيع والخروج به حيث شاءوا.
قال ابن سحنونٍ، عن أبيه، عن ابن القاسمِ، مثله. قال عنه: ولو جَزُّوهم
عشرةً عشرةً، على أَنْ يختارَ الإمامُ من كلِّ عشرةٍ واحداً، فلا بأس بذلك،
قال ابن الْمَوَّاز: قال أصبغ: وارى ألا يتركوا يدوروا في سواحل الإسلامِ
لبيعٍ ولا شراءٍ، إلا الموضع الذي نزلوه، إن لم يبيعوا؛ لأنَّ ذلك عورةٌ،
وتفتيش بموضعِ الغرة، ولا ينبغي أَنْ ينزلوا إلا بموضعٍ المَجمع، وبموضعٍ
تؤمن غرتهم فيه، غير أنَّ لهم الأمان في أنفسهم وأموالهم في بلدِ الإسلام
أجمع، حتى يفارقوا دارَ الإسلامِ كلها. وقال أشهبُ في الربانيين: لا
يُمنعوا من وطءِ من معهم من الجواري، فإن لم يوافقهم وقد نزلوا على العشرِ،
وأرادوا الخروجَ على موضعٍ آخرَ من بلدِ المسلمين فذلك لهم، ولا يؤخذ منهم
شيءٌ إلا أَنْ يكونَ اشترطَ عليهم شرطٌ، قبلُ، فيخرجون إلى بعض الريفِ
ليشتروا؟ قال: يخرجون
(2/210)
حيث شاءوا. قال أصبغُ: لا يعدوا موضع
نزولهم، ولا يدوروا أزفة موضع نزلوا، إلا ألأسواق والطريق الواضحة
لحوائجهم. قال ابن القاسمِ: وإذا أسلم رقيق الحربيين بعد أن نزلوا، وقبل
يباعوا فليقرُّوا بأيديهم، حتى يخرجوا بهم عن شاءوا. قاله مالكٌ. واحتجَّ
بردِّ النبي عليه السلام أبا جندلٍ. وقاله سحنونٌ في "كتاب" ابنِهِ:
صُولحوا على عشر الرقيقِ، وعلى مالٍ بعد أنْ يقاسموا إن نزلوا على العشرِ.
وقال ابن الماجشون، في "كتاب" آخر: يُعطون قيمتهم أشحطَ قيمةً تكونُ ولا
يُتركون معهم. قال ابن الْمَوَّاز: قال ابن القاسمِ: وإن نزلوا على أن لا
عهدةَ عليهم فيما باعوا منَّا، فليُوَفِّ لهم بذلك، وهذا جهلٌ من الإمام،
ولم يكن ينبغي له ذلك، وإذا نزل ذلك فليصح بذلك وينذر به الناس، فمَن اشترى
ممن لم يعلم، ولم ينذرهم أحد، فما كان من عيبٍ خَفِيٍّ أو خفيف، فلا ردَّ
فيه، كبيعِ المُفلسِ، وما كان من تدليسٍ وعيبٍ فاحشٍ، وعيب ظاهرٍ فلهم
الردُّ عليهم وعلى ألإمام.
ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، عن ابنِ القاسمِ: وإذا اشترط ألا يردَّ عليهم إلا
ما كان من جنونٍ، أو جُذامٍ، أو برصٍ، فليبينوا لهم ما شرطوا من ذلك. قال
سحنونٌ: ولا يجوز هذا الشرط ولا يلزم. فإن كانت الرقيق مجوساً فشرَى
المسلمون لهو قوتاً، ويرجعونَ بقيمةِ العيبِ وإن كانوا كتابيين، فليردوهم
عليهم بالعيبِ، وإذا نزلوا برقيق على أَنْ يؤدوا
(2/211)
مائة دينارٍ ويُخلَّى بينهم وبينَ الرقيقِ
فاخصى أحدهم عبداً له، أو مثل به، فلا يعتق عليه، وإنَّمَا يؤدب الذمي عن
فعل مثل هذا.
قال: وإن كان مع الحربيِّ دنانير عيناً، فابتاعَ بها تجارةً؛ ليتجهَّزَ بها
إلى بلده، أو معه سبائكُ ذهبٍ فضربها دنانير، أو خرج بها، أو كتاناً غزلاً
حاكَه وخرج به. قال: أمَّا في قول ابنِ القاسمِ، فإنَّه يرى في ذلك كله
العشر، أو ما نزل به عليه مثل ما جاء به من تجارته؛ لأنَّه يرى، أنَّه بدى
له فيما نزل به من تجارته، فأراد ردَّه أنَّه يؤخذ منه عشرةٌ، بخلافِ
الذميِّ عنده. وأشهبُ يراه كالذميِّ، لا يؤخذ منه شيءٌ فيما وصفته، إلا
أَنْ يشتري تجارة، لأنَّه لا يى عليه في تجارته شيئاً، حتى يبيع.
قال ابن الْمَوَّاز: وأمَّا الذمي فلا شيء عليه – في (قول ابن القاسمِ)،
وأشهبَ – في الذهب التي ضربها دنانير، أو ما خاطَ من الثيابِ، وإن جلبَ ذلك
من أُفقٍ إلى أُفقٍ، وإن أخرج معه إلى بلده. وزاد محمدٌ في موضعٍ آخر. أنَّ
عليه عشر الأجرة التي دفع في الضرب والصياغةِ والحياكةِ، وهذا في
الذِّمِّيِّ يدخل غير بلده، فأما الحربيُّ ففي قول أشهب: إنَّ ذلك عندَه
فيه مثلُ الذميِّ. وفي قول ابن القاسمِ: يؤخذ منه عشر ذلك معمولاً. قال أبو
محمدٍ: انظر قوله. معمولاً.
قال محمدٌ: وإن حاكه هو بيده، فلا شيء عليه. قال: وأشهبُ لا يرى عليهم في
المال شيئاً، حتى يشتروا به شيئاً، فيؤخذ منهم – يريد عشر
(2/212)
قيمةِ ما اشتروا، إن نزلا على العشرِ –
وابن القاسمِ يرى أنْ يؤخذ منهم، اشتروا أو لم يشتروا.
وإذا باع تجارته، ثم اشترى أخرى، فلا شيء عليه فيما اشترى، كان ذمِّيًّا أو
مُستأمناً، وإذا كان معهم دنانير صرفوها، أُخِذَ منهم عُشر الدراهم، وإن
صاغوها حُليًّا، فلا شيء عليهم. قال محمدٌ: بل يؤخذ منهم عشر أجر الصائغ،
وأجرِ الحائكِ إذا حاكُوا غزلاً. قال: وأشهبُ لا يرى في هذا كله شيئاً على
حربيٍّ ولا ذمِّيٍّ، إلا في تجارةٍ يبيعها. وابنُ القاسمِ يرى ذلك في
الذمي، وأما الحربي فيرى أَنْ يؤخذ منه، كما يؤخذ من تجارته التي لم يبعها.
وهذا الباب مذكورٌ في كتاب الجهاد. وفيه ما لم يذكر هاهنا.
في الجزية
قال مالكٌ: ولا يزاد عليهم في الجزية على فريضة عمرَ بنِ الخطابِ، رحمه
الله.
ومن "كتاب ابن الْمَوَّاز: ولا يزاد في الجزيةِ على ما فرض عمرُ أربعة
دنانيرَ على أهل الذهب، وأربعين درهماً على أهل الورق، وإن كثر يسرهم.
قال في "المختصر": ولا يزاد عليهم على فرائض عمر بنِ الخطابِ. قال ابن
القاسمِ: ول ينقص من ذلك. قال أصبغُ، ومحمدٌ: بل يخفَّفُ عن مَن لا يقدرُ.
وقد كتب عمرُ بنُ عبد العزيز، أَنْ يخففَ عن جماجمهم، فإن احتاجوا فاطرحوها
عنهم، فإن احتاجوا فأنفقوا عليهم، أو أسلفوهم من بيتِ المالِ.
قال مالكٌ: وتوضع عن أهل الذمةِ ضيافة ثلاثة أيامٍ التي جعل عمرُ
(2/213)
إذا لم يوف لهم - وفي موضع آخر: - لأنهم لم يوفَّ لهم بما ينبغي من الذمةِ.
قال مالكٌ: ولا جزية على نصرانيٍّ أعتقه مسلمٌ. قال أشهبُ: قلتُ له: فإن
أعتقه نصرانيٌّ. قال: لا أدري. قال أشهبُ: وأنا أرى أن لا جزية عليه.
ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، قال مالكٌ: وتؤخذ الجزية من نصارى العربِ، كما تؤخذ
من أهل الكتابِ. قال مالكٌ: وإذا فلسَ أهل الذمةِ، فلا يؤاجرون في الجزيةِ
ولا يباعون، وليتركوا حتى يرزقهم الله.
قال عليٌّ، وابن نافعٍ، عن مالكٍ، فِي مَنْ أسلم من أهل الذمةِ: فأمَّا
الصُّلحيُّ، فهو أحق بأرضه، وتوضع عنه الجزية في نفسه وأرضه، وأمَّا أرض
العنوةِ فإذا أسلم، فهي للمسلمينَ وقد أحرزَ هو نفسه وماله. أبو محمدٍ:
يريدُ، ماله الذي كسَبَ بعد الفتحِ.
ومن "كتاب" ابن القُرْطِيِّ: ولا يؤخذ من رهبان أهل الذمةِ جزيةٌ، وتسقط عن
معسرهم، وإن احتاجوا إلى أَنْ ينقصوا من فرض عمر نقصا، وإن منعوها قُوتلوا
وسُبوا. |