النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات

كتاب زكاة الماشية والحَبِّ والفطر
ذِكرٌ من أصول زكاة الماشية، وفي الإبلِ تزيدُ على عشرين ومائةٍ أو يجبُ فيها أخذُ سنينَ مختلفةٍ
(قال أبو محمد): قد جرى في "المدونةِ" من ترتيب زكاة الإبلِ والبقرِ والغنمِ، ما فيه كفايةٌ على ما في كتاب آلِ حزمٍ. ورُوِيَ مثله أيضاً في صحيفةِ كتبها أبو بكرٍ الصديق، يذكر أنَّها الزكاة التي أمر بها

(2/214)


النبي صلى الله عليه وسلم. وزكاة البقرِ على ما روى مُعاذٌ حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمنِ.
قال ابنُ حبيبٍ: وفي تسعين من البقرِ ثلاثة أتابيعَ، وفي المائة تبيعان ومُسِنَّةٌ، وفي مائةٍ وعشرةٍ مُسنتان وتبيع، وفي عشرين ومائةٍ ثلاث مُسِنَّاتٍ. قال ابنُ الْمَوَّاز: أو أربعُ توابعَ، أيُّ ذلك شاءَ المُصدِّقُ، يريدُ إن كان فيه السنان.
قال ابن الْمَوَّاز: واختلف مالكٌ، وابنُ شهابٍ في خيارِ المصدقِ إذا بلغتِ الإبلُ من أحدٍ وعشرينَ ومائةٍ إلى تسعٍ وعشرين ومائةٍ. فابنُ شهابٍ لا يرى له إلا ثلاثَ بناتٍ لَبُونٍ، كانت في الإبلِ أو لم تكن، وكان فيها الحقَّتَانِ. وبه قال ابن القاسمِ. وقال مالكٌ: إنَّه مخيَّرٌ في حِقَّتَيْنِ، أو ثلاث بناتِ لبونٍ، كانت في الإبلِ أحد السنينَ، أو لم تكن. وقال أشهبُ: وأصبغُ كقولِ مالكٍ: إنَّه مخيَّرٌ. قال ابن عبدوسٍ: ورَوَى أشهبُ، وابن الماجشون، وابن نافع، عن مالكٍ: ليس له إلا حِقَّتانِ. قال عنه ابن الماجشون: وإنَّمَا يعني في الحديث بقولهِ: "فما زاد على عشرين ومائةٍ".

(2/215)


يريدُ زيادة تحيُّلِ الأسنان، ولا يزولُ عن الحقتين إلى ثلاثين ومائةٍ – وذكر ابن عبدوسٍ، من اختيار أشهب، وابن القاسمِ مثل ما ذكر ابنُ الموازِ.
وأنَّ ابن نافعٍ اختار مثل اختيار ابنِ القاسمِ. وذكر ابنُ حبيبٍ نحوَ ذلك: إنَّ قول المغيرةِ، وابنِ الماجشون ليس فيهما إلا حِقتان، فإنَّ عبدَ العزيز بنَ أبي حازمٍ، وابن دينارٍ، ومطَرِّفاً، وأصبغ، يرونَ تخيير المصدق، كما قال مالكٌ، في رواية ابنِ القاسمِ، وبه أقول.
قال ابن الْمَوَّاز: وأمَّا مَن له مائتان من الإبلِ، فقال ابن القاسمِ، وأشهبُ: فإن كان فيها الحِقاقُ وبناتُ اللبون، فالساعي مُخيَّرٌ في أخذِ أربعِ حِقاقٍ أو خمسِ بناتِ لبونٍ، قاله مالك. قال محمد: إلاَّ أن تكون الأربع حِقاقٍ فيها قوامُ ربِّ الإبلِ ومصلحته، فيضرُّ بها. ونحو ذلك في رواية أشهبَ، عن مالكٍ. وقد قال ابن وهبٍ، عن مالكٍ، للساعي الخيار ما لم يضرَّ بربِّ الإبلِ. وقد قال عمرُ: لا تأخذوا حزراتِ الناسِ.
قال مالكٌ: وإنْ لم يكن فيها السِّنانُ فهو مخيَّرٌ، وإن كان فيها أحدهما، فليس له غيره. وذُكر عن ابنِ القاسمِ، أنَّها إنْ خلتْ من السنين، أنَّ ما أتى به ربُّها منهما، فليقبله. قال أصبغُ: وليس هذا بشيءٍ، والساعي مخيَّرٌ.
قال مالكٌ: وأمَّا خمسةٌ وعشرون من الإبلِ، فإن لم يكن فيها السنان، فليس الساعي بمخير، ولا يأخذ منه إلا بنتَ مَخاضٍ. قال ابنُ

(2/216)


القاسمِ: إلا أنْ يشاء المصدق فأخذ ابن لبونٍ. يريدُ: ويرى ذلك نظراً.
وقال أِشهبُ: ليس ذلك للمصدقِ، بخلاف المائتين. وإذا كان أحدُ السنين في الخمس والعشرين، وفي المائتين، فليس له غيره.
قال مالكٌ: وإذا لم يكن في الخمس والعشرين السنين، وفيها بنتُ لبونٍ، فليس للساعي أخذها إلا أَنْ يشاء ربُّها، فليس له أنْ يأبى أخذها. قال ابن الْمَوَّاز: في عشرين من البقرِ ثلاث مسناتٍ أو أربع توابعَ، أي ذلك شاء المصدق.

ذِكر أسنان ما يؤخذ في زكاة الماشية،
وصفاتها من غنمٍ أو إبلٍ أو بقرٍ
من "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم، وأشهب، ولا يأخذ المصدق من الغنمِ ما فوق الثنيِّ ولا ما دون الجذع، إلا أَنْ يتطوَّعَ ربُّ المالِ بالأفضلِ، والجذع من الضأن سواءٌ في الصدقةِ جائزٌ في الضأنِ والمعز.
قال أشهبُ: وغيره: وكذلك فيما يؤدي منها عن الإبلِ. قال أبو محمدٍ: وذهب ابن حبيبٍ، إلى أنَّه إنما يؤخذ الجذع من الضأنِ، والثنيُّ من المعزِ كالضحايا، وليس بقولِ مالكٍ، وأصحابه فيما علمنا.
قال عليُّ بن زيادٍ، في "المَجْمُوعَة": والجذع في الضأنِ، والمعز ابن سنةٍ. وقاله أشهبُ، وابن نافعٍ. وفي موضعٍ آخر عن ابن وهبٍ، أنَّه ابنُ عشرة أشهرٍ.
ورُوِيَ عن سحنونٍ، عن عليِّ بن زيادٍ، أنَّه ابنُ ستةِ أشهرٍ.

(2/217)


قال ابن حبيبٍ: ويؤخذ الجذع ذكراً كان أو أنثى، والثنيُّ من معْزٍ أو ضأنٍ ابنُ سنتين، ولا يؤخذ الثنيُّ من المعزِ إلاَّ أنثى، والذكر الثنيُّ منها تيسٌ. وقد نُهيَ عن أخذه إلا أَنْ يكون مسنًّا من كرائم المعز فيُلحقَ بالعجولِ، فيؤخذ إنْ طاع به ربُّه.
قال ابن الْمَوَّاز: قال مالكٌ: وما يؤدي فيه الغنمَ من الإبلِ، فإنَّما ينظر إلى جُلِّ كسب ذلك البلدِ، وإن كان ضأناً أدَّى منه، وإن كان المعز أدَّى منه، ولا ينظر إلى ما في مِلكه هو منهما.
قال ابن الْمَوَّاز: يُكلَّفُ أَنْ يأتيَ بما عليه وإن خالف ما عنده.
ومن "كتاب" ابنِ سحنونٍ، قال ابن نافعٍ، عن مالكٍ: يأخذ في ذلك ما تيسر عن ربِّ الإبلِ، من ضأنٍ أو معزٍ لا يكلف ما ليس عنده، وما أدَّى من ضأنٍ أو معزٍ أجزأ عنه. قال ابن الْمَوَّاز: قال مالكٌ: أهلُ الحجاز أهل ضأنٍ، وأهل الساحلِ أهل معزٍ. قال ابن حبيبٍ: إن كان من أهل الضأن فمنها، وإن كان من أهل المعزِ فمنها، وإن كان من أهل الصنفين أخذ المصدق من أيهما شاء، وبنت المخاض من الإبلِ، بنتُ سنتين، قد لحقت أمها بالمخاضِ في ذلك فهي في حدِّ ذلك، وهي في السنة الثالثة بنت لبونٍ، والذكر ابن لبونٍ؛ لأنَّ أمّها في حالِ أن تضع،

(2/218)


وتصير ذات لبنٍ، وفي الرابعة حِقَّةٌ استُحِقَّتْ أنْ يُحملَ عليها، وتُركبَ، وطرقةُ الجملِ، (أن يطرقها الفحلُ)، فإذا دخلت في الخامسةِ فهي جذعةٌ، وفي السادسة ثنيَّةٌ. قال: والجذع من البقرِ. وهو التبيع من سنتين، يجوز أَنْ يؤخذ ذكراً وأنثى في الصدقةِ، والثنيُّ منها ما أوفى ثلاث سنين، ودخل في الرابعة وهو سنُّ المسنةِ، ولا يؤخذ إلاَّ أُنثى.
وكذلك في "كتاب" ابنِ الْمَوَّاز.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن نافعٍ: والجذع من البقرِ الذي أوفى سنتين، ودخل في الثالثةِ مثل الدَّوَابِّ.

تفسير الذَّوْدِ، والشَّنَقِ، والوَقْصِ، والسَّائمةِ، والسِّخالِ،
والفُصْلانِ، وغير ذلك ممَّا يجري ذِكره في الزكاة
قال ابنُ حبيبٍ، في كتاب "شرح الموطأ"، في قولِ النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس فيما دون خمسِ ذودٍ صدقةٌ». فكأنَّه قال: ليس فيما دُونَ خمسٍ من الإبلِ صدقةٌ؛ لأنَّ الذودَ ثلاثة وأربعة وخمسة إلى السبعة، وما فوقَ السبعةِ شَنَقٌ إلى أربعٍ وعشرين، فيُقطعُ منها اسمُ الشنقِ، ويُحَمِّلُهَا

(2/219)


اسم افبلِ، ولا ينقصُ الذودُ، ولا يكون الذود واحداً، كما لا ينقصُ من عددِ البقرِ، فلا يكون البقرُ واحداً، والبقرُ من ثلاثةٍ إلى سبعةٍ، وما فوق السبعة إلى العشرة رَهْطٌ، وفوق ذلك إلى الربعين عُصبَةٌ، وفوق ذلك إلى المائة فأكثر أُمَّةٌ. وقال ابنُ مزينٍ، عن عيسى بن دينارٍ: آخرُ أقلِّ الذَّوْدِ واحدٌ. وقاله غيره.
وقال ابنُ حبيبٍ: والسَّخلةُ، المولودة من الخِرقانِ والجديان.
والأكولةُ، ما تُعُوهِدَ بالرعي وكَثُرَ أكلُها، من ذَكَرٍ أو أنثى كما يتعاهد العليف. والأكيلةُ، التي قد أكلت أو تؤكلُ، ويقال: شاةٌ عَلِيفٌ.
والعلوف، الرجل الذي يعلفها. مثل قاتلٍ وقتُولٍ. والماخضُ، ما دنا ولادها، والرُّبى، التي كما ولدت أو قربَ ما ولدت، والحافِلُ، الكبيرة الضرع، حزراتُ الناسِ خِيارُ مواشيهم، والهَرِمَةُ، الشارفُ، والعوارُ، بالفتحِ العيبُ. وهو الذي في الحديث، فيما لا يؤخذ في الصدقةِ، وأمَّا برفعِ العينِ فمن العَوَرِ، قال هو وغيره: والوَقْصُ، ما بين الفرضين، والنِّصَابُ ما فيه الزكاة، والسائمة، الراعيةُ، قال الله تبارك وتعالى: {فيه تسيمون}. والفُصلانِ، صغارُ الإبلِ مما لم يبلغ السنَّ المأخوذَ، وكذلك العجاجيل من البقرِ.
في من أعطى أفضل مما عليه، وأخذ عِوَضاً، أو دون ما عليه، وأدَّى عِوَضاً، أو أعطى أفضل بغيرِ عوضٍ، أو معيبةً وهي أثمنُ، وفي من كانت ماشيته عِجافاً كلها أو سِخالاً أو عجاجيلَ
من "كتاب" ابنِ الْمَوَّاز، قال مالكٌ: وإذا كان له خمسون كلها بنات مَخاضٍ أو فُصلانٌ أو بُزلٌ، فليَشْتَرِ له حِقَّةٌ، ومَن له أربعون سَخلةً، فليشتر له شاةً جذعةً أو ثَنِيَّةً.

(2/220)


قال ابن القاسمِ: ولا خير أَنْ يعطيَ بنتَ مخاضٍ من بنتِ لَبونٍ عليه، ويزيد سِنًّا أو يعطيَ بنتَ لبونٍ من بنت مخاضٍ، ويأخذ ثمناً. قال أصبغُ: فإن أعطَى بنت لبونٍ، فليس عليه إلا ردُّ الثمنِ الذي أخذ، وأمَّا معطي بنت المخاض مع الثمنِ، فعليه البدلُ ولا يُجْزِئُهُ.
وقال ابن القاسمِ، وأشهبُ، في "المَجْمُوعَة"، في من يعطي أفضلَ ويأخذ ثمنا أو أدنى، ويؤدي ثمناً. أنَّه لا ينبغي، فإن نزل أجزأه. وقال نحوه سحنونٌ، في "كتاب" ابنهِ.
قال ابن الْمَوَّاز: قال مالكٌ: ومَن وجبَ عليه مَعْزٌ فأعطَى ضأناً فليقبل منه، وأمَّا معزٌ عن ضأنٍ فلا. قال أشهبُ: إلا أَنْ يبلغَ لفراهتها مثل ما لزمه من الضأنِ. فلا بأس بذلك.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ: التيسُ منذ ذوات العَوَارِ، وهو دون الفحلِ، فإن رأَى المصدقُ أخذه، وأخذَ ذاتِ العَوَارِ، لأنَّه خيرٌ له فعل. قال أشهبُ: ربما كانتِ العوراءُ ذواتُ العيبِ والكسرِ أسمنَ وأثمنَ. فلا ينبغي أنْ يردَّهَا إن أُعطيَهَا ولا يأخذ الفحل، وإذا كان التيسُ والهرمة أوضع، فلا يأخذهما، وأمَّا السِّخَالُ فخارجةٌ عن السنِّ الذي يُجزئُ.
ومن "كتاب" ابنِ الْمَوَّاز، وسأل عثمان بنُ الحكمِ مالكاً، الرجلِ تكونُ ماشيته عِجافاً كلها، قالَ: يأخذ منها وإن كانت عِجافاً. قال محمدٌ: ومعناه عندي، أنَّه يزكيها لا يدعها، ولكن لا يأخذ عَجفاءَ، وكذلك إن جُرِّبَتْ كلها، فعليه أَنْ يأتيه بما فيه وفاءٌ، وإذا كانت لَبناً كلها، لم يأخذ منها إلا إنْ يشاءَ ربُّهَا. وقد ذكرنا القولَ في السنةِ

(2/221)


الجدبةِ فتُعجفُ الغنمُ. الاختلاف في الأخذِ منها، أو تأخيرها في باب تخلُّفِ الساعي.

في من يؤدي في صدقته ثمناً أو يشتريها، أو يؤدي عن العينِ عَرْضاً أو عنِ الحَبِّ عيناً، وهل يُشترَى من الإمامِ شيءٌ من الصدقةِ، أو يُعطي لمِدْيانه ما عليه
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسمِ، وأشهبُ: مَن أدَّى عن ماشيةٍ أو حَبٍّ عيناً، رجوْتُ أَنْ يُجْزِئُهُ، ولا يُجْزِئُهُ عن الفطرةِ، ولا في كفارة اليمين.
قال ابن القاسمِ: ولا أحبُّ له شراءَ صدقتهِ فإن فعل أجزأه، إذا كانوا يضعونها مواضعها، فإن لم يكونوا كذلك لم يُجْزِئُهُ ما أخذوا طَوْعاً ولا كَرْهاً من صدقةٍ أو عوَضِهَا. قال أصبغُ: والناس على خلافِهِ يُجزئُ ما أخذوا في العشور والمُكوسِ، إذا أخذتْ كَرهاً بعد محلِّهَا. وبذلك كان يُفتي ابنُ وهبٍ، وغيره. قال أصبغُ: وإنْ أدَّاها طوعاً. قال أصبغُ: وإن أدَّاها طوعاً، فأحبُّ إليَّ أنْ يُعِيدَ.
ومن "العُتْبِيَّة"، عيسى، عن ابن القاسمِ: إذا أخذ السُّعاةُ في صدقةِ الحَبِّ والماشيةِ ثمناً طوعا أو كرهاً، أجزى ذلك. قال أصبغُ، وقال قبل ذلك: يجزئُ الي أخذوا كرهاً في السُّعاةِ وفي المكوسِ. وقاله ابنُ وهبٍ؟. قال ابن محمدٍ: يعني بالمكوسِ من يجلس بالطرقِ لأخذ الزكاة.
قال ابن سحنونٍ: قال ابن نافعٍ: عن مالكٍ: إنَّه لا يُجْزِئُهُ إذا أخذ منه في الحَبِّ ثمناً، وهذا في أئمةِ الجورِ والخوارجِ. وقال ابن نافعٍ: يُجْزِئُهُ كلُّ ما

(2/222)


أخذ منه من شيءٍ؛ الطعام، والعين، والبقرُ في ذلك سواءٌ، إذا كان مُكرهاً.
ومن "كتاب" ابن سحنون: ومن أعطى في شاةٍ، لزمته دراهم وأعطاه أفضل منها، وأخذ منه فضلاً، أو في ما لزمه من زكاة ثمرٍ أو طعامٍ دراهم عرْضاً جَهِلَ ذلك، فذلك يُجْزِئُهُ إن كان فيه كَفافُ القيمةِ، ولا يُجزئُ انْ يفععلَ هذا في كفارة اليمين.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ، فِي مَنْ عليه شاةٌ في خمسِ ذودٍ فدفع فيها دراهم، قال: لولا خوفي أَنْ يدخل فيه الظلم لم أرَ به بأساً، ثم رجع، فقال: لا يدفع إلا شاةً، فإن دفعَ دراهم أجزاه. وبه أخذ ابنُ القاسمِ. وأمَّا إنْ أعطَى دون السنِّ درتهم أو أعلى منها وأخذ دراهمَ، فمذكورٌ في بابٍ قبل هذا.
قال أشهبُ: وقلنا في مَن أدَّى قيمةَ صدقتهِ وأجبره المصدق على ذلك، أنَّه يُجْزِئُهُ إذا تعجَّله، وذلك للاختلاف فيه. قد أجاز بعضُ العلماءِ شراءَ الرجلِ صدقتهن وكره هذا البعضُ، فإن نزلَ عندنا لم نفسخه. وإذا تطوَّعَ رجلٌ بصدقةٍ فخرجت من يدِ المتصدق عليه ببيعٍ أو هبةٍ، فلا بأسَ بشرائها، فأمَّا من المتصدق عليه نفسه، فلا يفعل ولا يَدسُّ من يشتريها. وكره ابن القاسمِ في "المدونة"، أَنْ يشتريها من غير المتصدِّقِ عليه.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال عليٌّ، وابنُ نافعٍ، عن مالكٍ: إنَّه سُئِلَ، أيشتري من الإمامِ مما يجتمع عنده من زكاة ماشيةٍ أو حَبٍّ؟ قال: إن كان معه نظراً لأهله، فجائزٌ وإلاَّ فلا يشتري منه. زاد في "كتاب" ابنِ سحنونٍ: إذا أُخذتْ بحقٍّ، وتباع وتُجعل أثمانها في حقٍّ، فلا بأسَ باشتراء ذلك.
ومن "العُتْبِيَّة"، روى أبو زيدٍ، عن ابن القاسمِ، فِي مَنْ أخرج عن زكاةِ الحَبِّ عيناً له: يُجْزِئُهُ، وإن أخرج عن زكاة العينِ حَبًّا لم يُجْزِئُهُ.

(2/223)


قال ابن حبيبٍ في المخرج عن العينِ حَبًّا أو عن العين حَبًّا: فلا يُجْزِئُهُ، إلاَّ أنْ يُجبره الوالي، أو يخرج عن العينِ حَبًّا يرى أنَّ ذلك أحسنُ للمساكين، ويجزئه بسعره فيجزئه. قاله مطرِّفٌ، وابن الماجشون. وقال أصبغُ: في المخرج عن الحَبِّ عيناً أو عن العين حَبًّا: إنَّه يُجْزِئُهُ إن كان فيه وفاءٌ وما أحبُّ ذلك له. وقاله ابن أبي حازمٍ، وابن دينارٍ، وابن وهبٍ.
وقال ابنُ المواز، في المدير أو غير المدير: يُخرج زكاته عَرَضاً: فإنَّه لا يُجْزِئُهُ عند ابن القاسمِ. وقال أشهبُ إذا لم يحاسب نفسه، وبئسَ ما صنع.
وقال ابن القاسمِ، فِي مَنْ له على رجلٍ دنانيرُ فتصدَّقَ بها عليه عن زكاةٍ حلَّتْ عليه: فلا يُجْزِئُهُ. وقاله أصبغُ. وقال أشهبُ: يُجْزِئُهُ منها ما كان يُعطي مثله أو لم يكن له عليه شيءٌ.
ومن "العُتْبِيَّة" ابن القاسمِ، عن مالكٍ: ومَن لزمته شاةٌ في زكاتهِ، فذبحها وفرَّقها لحماً، لم يُجْزِئُهُ. وليعطيها حيَّةً لمَن رأى من المساكين.
قال ابنُ المواز، وقال أشهبُ: يُجْزِئُهُ، وقد أساء. وهذه بعد هذا في باب سيرة السُّعاةِ.
ما يجمع من أصناف الماشيةِ بعضه على بعضٍ، أو من الحَبِّ، وفي من له أموالٌ مفترقةٌ في البلدان من ماشيةٍ أو حَبٍّ
من "المَجْمُوعَة"، قال مالكٌ: ومن له ضأنٌ ومعزٌ يجب فيها شاةٌ، أخذها من أكثرهما فإن استويا، فمن أيهما شاءَ. قال ابن القاسمِ: فإن كان فيهما شاتان، فلهما عددُ الزكاةِ، فمن كل صنفٍ يأخذ واحدةً، وإلاَّ

(2/224)


أخذهما من الأخرى، فإن كان فيهما ثلاثُ شياهٍ، وكانت القليلة كونها أوجبت زيادة الواحدة، وفيها مع ذلك عدد الزكاةِ أخذَ الثالثة منها، وإن لم يُوجب كونها زيادة الواحدة، فهي وقْصٌ وإن كثرت.
قال أبو محمدٍ: ورأيتُ لسحنونٍ، ولم أروه، فِي مَنْ له عشرون ومائة ضأنيَّةٌ وأربعون معزية، أنَّه يأخذ الشاتين من الضأن والذي ذكر ابن عبدوسٍ عن مالك أبينُ وهو بخلاف من له أربعون بقرةً وعشرون من الجواميس. قال في هذه في "المدونة": يأخذ واحدةً من كلِّ صنفٍ.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ، وغيره، عن مالكٍ: ويُجمعُ على الرجلِ ما افترقَ له من مالٍ أو ماشيةٍ، أو زرعٍ، إذا كان في الجميع ما فيه الزكاة. قال أشهبُ: ويؤدي في كلِّ بلدٍ زكاة مالِه فيها. قال عبدُ الملكِ: ويعلمُ الإمامُ بالذي له في كلِّ بلدٍ من حَبٍّ، أو ماشيةٍ، ليجمعه عليه، ويأخذ منه في كلِّ بلدٍ بقدر ما فيه.
ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، وقال فِي مَنْ له أربعون شاةً في أربعة أقاليم، عشرة في كل إقليمٍ ولكلِّ إقليمٍ أميرُه، عشرةً بالأندلسِ، وعشرة بإفريقية، وعشرة بمصر، وعشرة بالعراقِ. وقال: إنْ كان الوُلاةُ عدولاً فليخبرهم ذلك فيأخذ منه كلُّ أميرٍ ربع شاةٍ يأتي بشاةٍ يكون الإمامُ شريكاً له بربعها، هكذا يفعل في كلِّ بلدةٍ، وإن أخذ منه كل امير قيمةَ ربعِ شاةٍ، أجزأه، وإن لم يكونوا عدولاً، فليخرج هو ما يلزمه كما قد أعلمتك.
وكذلك إنْ كان له خمسةُ أوسقٍ مفترقة كما ذكرنا، فليقضِ لكلِّ أميرٍ زكاةَ مالهِ في بلده، وإن لم يكونوا عُدولاً، أخرج هو ما يلزمه عن جميع ذلك.

(2/225)


وفي باب زكاة الحبوبِ شيءٌ من ذكر ما يجمعُ في الزكاةِ، من الحبوبِ والثمارِ.
في فائدة الماشيةِ، وكيف عن نمتْ أو نقصتْ قبلَ الحولِ
أو قبل مجيءِ السَّاعي
من "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ، وأشهب، وغيره عن مالكٍ: والنِّصَابُ أقلُّ ما فيه الزكاة من كلِّ ماشيةٍ من الأنعام فأكثر من ذلك، فكلُّ ما أفاد إلى النصابِ قبل حولهِ أو بعد حولِهِ قبل مجيء الساعي، فليُزكِّه مع النصابِ إنْ كان من صنفه، وإذا أفاد غنماً كثيرةً إلى غير نِصَابٍ ائتنفَ بالجميع حولاً. من يوم أفاد الآخرة، ولو أفاد شاةً إلى عشرين ومائةُ شاةٍ عندَه لزمه شاتان لحولِ الأولى وإن قرب. وكذلك في جميع الماشية. وذكر أصبغُ، في "العُتْبِيَّة"، عن بعض المصريين نحوه.
وقال: وإن أفاد غنماً كثيرةً على نصاب فنقصَ النصاب قبل حولهِ عمَّا فيه الزكاة، فلا يزكيه إلاَّ مع حولِ الفائدةِ الآخرة، إلاَّ أنْ تزيدَ الأولى بولادةٍ، فيتم عدد الزكاة، فليزكها مع الثانية بحولِ الأولى، وكذلك لو أقام الثانية إلى غير نصابٍ، ثم تناسلت الأولى قبل حولها، فتمت نِصَاباً، فليزكها لحولها مع الفائدة الآخرة.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال عبد الملكِ: ومَن أفاد غنماً كثيرةً إلى نصاب غنمٍ قبل الحولِ. فلا يُبالي ما نقص من الفائدةِ قبلَ الحولِ، فأمَّأ إن نقص النصاب

(2/226)


الأول قبل حولِهِ عن عدد الزكاةِ، فلينتقل حولُه إلى حولِ الفائدةِ الآخرة، وهو كنقصه قبل الفائدة. وقاله ابنُ القاسم، وأشهبُ، إن نقص قبل حوله ثم أفاد إليه غنماً. وكذلك ذكر في "كتاب" ابنِ سحنونٍ، عن ابن القاسمِ، وغيره. وذكر ابنُ الْمَوَّاز قولَ عبد الملكِ هذا، وقال: قاله أصبغ.
قال أصبغُ: وإن أفاد نِصَاباً إلى غير نصابٍ ثم نتجت الأولى فتمت نصاباً قبل حولها بيومٍ، فليزكِّ الجميع لحولِ الأولى.
ومن "كتاب" ابنِ سحنونٍ: ومَن زكَّى غنمه للساعي، ثم مات فضمها الوارث إلى نصابٍ فمرَّ به الساعي، فليأخذ منها أيضاً زكاتها مع ما ضمَّهَا إليه من النصاب. وقال فِي مَنْ لا يمرُّ به الساعي يكون له ثلاثون شاةً، لها حولٌ ثم نتجت تمامَ الأربعين: فليزكها مكانه؛ لأنَّه ليس ممن ينتظر ساعياً. وكذلك إن وَرِثَهَا فأتى عليه حولٌ من يوم وَرِثَ، فليزكها، ولو تمت السنة بعد مرور الساعي، فليزكِّ ربها، لأنَّه ساعي نفسه.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قلا مالكٌ: ومن مرَّ به الساعي، وغنمه أقلُّ من أربعين فجاوره، ثم رجع في عامه إليه، وقد صارت أربعين بولادةٍ فلا يزكيها، ولا يمرُّ به في عامٍ مرتين، ولو نزل به مع المساءِ فسأله عن غنمه، فقال: غداً آخذُ منك شاتين فنتجت تلك الليلة واحدةً، أو كانت مائتين وشاةَ فماتت واحدةً فلا ينظرُ إلى عدتها عند وقوفه لعددها، والأخذ منها، وقاله أصبغُ.
قال مالكٌ: وله اني ذبح ويبيع وإن حلَّ الحولُ ولم يأتِ الساعي، فإنْ نقصَ ذلك زكاتها إلا مَن فعَلَه فِراراً، فليُلزمه ما فرَّ به.
قال ابن القاسمِ: وإن عزل ضحايا لعياله قبل مجيئه، فإن أشهد عليها – قال محمدٌ: يريدُ لفلانٍ كذا – ولفلانٍ كذا، فلا زكاة فيها، وإن جاء

(2/227)


وهي حيَّةٌ إلاَّ أن تكون لمن شهد، فليزكها، وإنما لا يزكي ما لو ماتَ صحَّتْ لمن أعطاها له.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن وهبٍ، عن مالكٍ، في الجلاَّبِ يبتاعا الغنمَ ليذبحها أو ليبيعها من الجزارين، فيحولُ الحولُ عليها من يوم الشراء: فليزكها.
قال مالكٌ في كتاب ابن الْمَوَّاز: فإنْ كان مديراً وجاءه وقتُ زكاةِ الإدارةِ قبل حولِ الغنمِ، وقد ابتاعها – لما ذكرت – فلا تقويم عليه فيها. قال محمدٌ: فإن بيعت قبل يجب في رقابها الزكاة رجعَ حولها إلى الإدارة، كان ثمنها عيناً أو عَرْضاً أو دَيناً.
قال ابن عبدوسٍ: ورَوَى عليٌّ، وابن نافعٍ، عن مالكٍ، فيمن ابتاع غنماً للتجارةِ ثم ردَّهَا سَائمةً أو السائمة ثم ردَّهَا للتجارة فهو سواء: فليزكها للحولِ.
في الغنمِ تُباع قبل الحولِ وبعده بمالٍ أو بجنسها
أو بخلافها من الماشية، أو يقيل فيها أو يبتاع بمالٍ قبلَ حولهِ غنماً، أو يبيع غنماً بمالٍ ثم يبتاع به غنماً
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز: ومَن زكَّى غنمه ثم باعها بعد أشهرٍ، فلم يختلف مالكٌ وأصحابه، أنَّه يزكِّي الثمن بحولٍ من يوم زكَّى الرقاب، كانت لِقِنيَةٍ، أو بميراثٍ أو من تجارةٍ، وإنما اختلف قولُه فيمن باعها قبل أَنْ يزكيها قبل الحولِ، أو بعده وهي ميراثٌ أو مشتراةٌ لقنيةٍ. فقال: يأتنف بالثمنِ حولاً، ثم قال: يُزَكِّي لحولٍ من يومِ ملكها إذا باع بما فيه الزكاة، ولم يبعْ فراراً. وعلى هذا جُلُّ أصحابه إلا أشهبَ، فثبت على قوله الأول. ولم

(2/228)


يختلفوا أنَّها لو كانت للتجارةِ، لرجعت إلى حولِ أصلِ ثمنها، ويزول حولُ الغنمِ. وهو قول مالكٍ، ما لم تزكَّ الرقابُ قبلَ البيعِ. وكذلك لو كانت الموروثة أقلَّ من أربعين وبيعت بعد حولٍ، أو بيعت التي زكيت بما لا زكاة فيه ولا زكاة في ثمنها عند مالكٍ، وأصحابه. قال ابن حبيبٍ: ولم يختلف قول مالكٍ، وأصحابه، أنَّ مَنِ ابتاع غنماً للتجارةِ أو للقنيةِ بعينٍ له بيده شهوراً، أنَّه يأتنف بالغنمِ حولاً، ثم إن باع التي اشترى للتجارةِ بعد أن زكَّاهَا شهوراً، انَّه يزكي الثمن لحولٍ من يومِ زكَّى الرقابَ.
قال ابن حبيبٍ: واختلف قول مالكٍ في (المقتَنَى تبتاع) بعد أن زكَّاهَا. فقال: يأتنف بالثمنِ حولاً. ثم قال: يزكيه لحولٍ من يوم زكَّى الرقاب. وأخذ بالقول الأول مطرَّفٌ. وأشهبُ، وأخذ بالآخرِ ابنُ كنانة، وابن القاسمِ، وابن الماجشون، وأصبغُ. وبه أقول. وكذلك اختلف قوله في المقتناةِ والموروثةِ يبيعها قبل الحولِ. وأمَّا التي للتجارةِ فترجعُ على أصلها، لم يختلف فيها قوله. قال ابن حبيبٍ: ومَن ابتاع ماشيةً بعد الحولِ، ولم يأتهِ الساعي، فإنْ كان ببلدٍ لا يأتي فيه السعاة، زكَّى زكاة السائمة، وإن كان ببلدٍ يأتي فيها السُّعاة، فهو كمن باع غنمه قبل الحولِ، فإن كانت للتجارةِ رجعت على أصلها. وإن كان قنيةً أو ميراثاً فقد ذكرنا اختلاف قولِ مالكٍ في ذلك.
ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، قال مالكٌ: ومَن باع ماشيةً وجبتْ عليه فيها الصدقة قبل أَنْ يبيعها، فباعها بما فيه الزكاة، قال مالكٌ: تلزمه صدقةُ الماشية. قال ابن نافعٍ: وإن باعها فِراراتً أدَّى. كما قال مالكٌ. وإنْ باعها لغير ذلك، فلا شيء عليه في الغنمِ ولا في الثمن، ويأتنف به حولاً.

(2/229)


وقال مالك فِي مَنْ كانت عندَه أصلُ ماشيته تناتجتْ، ثم بادل بها غنماً أخرى أو بقراً أو إبلاً، أو باعها بالعين. فلا زكاة فيما أخذ فيها، حتى يحولَ عليه حولٌ من يومِ باعها أو بادل بها، إلا أَنْ يكون تاجراً يبيع ويشتري، فليحسب من يوم زكَّى الغنم التي باع أو بادل بها، فإذا تمَّتْ سنةً زكَّى ثمنها، أو ما أخذ فيها من الأنعام. وقد ذكرنا قولَ ابنِ الْمَوَّاز، أنَّ قولَ مالكٍ، وأصحابه، فِي مَنْ بادل غنماً بغنمٍ، أنَّها على حولِ الأولى، وهذه الرواية تُخالف ذلك، وأراها من رواية سحنونٍ، عن عليٍّ بن زيادٍ، عن مالك، مما قرأ على ابنِ نافعٍ.
ومن "كتاب" ابن سحنونٍ: ومن باع أربعين شاةً بعد الحولِ، فراراَ من الزكاة بأربعة أبعرةٍ أو وهبها فرراً، فعليه زكاتها. وذكر سحنونٌ، عن عبد الملكِ، أنَّه قال فيمن دفعَ حَبًّا فزكاه، ثم ابتاع به غنماً بعد أشهرٍ، ثم حوْلٌ من يوم حصادِ الحَبِّ. قال: فليُزكِّ الغنمَ. وخالفه سحنونٌ، فقال: لا شيء عليه. وكذلك يقول عبد الملكِ، في بدلِ الغنمِ بغيرها من النعمِ، فإنَّه يُزكِّي هذه لحول الأولى. وأمَّا إن أفرغ عيناً في غنمٍ أو إبلٍ للقنية، فلا يزكيها إلا لحولٍ من يومِ اقتناها. قال سحنونٌ: قولُه في العين صحيحٌ.
قال ابن الْمَوَّاز في الدير يبتاع الغنمَ، ليبيعها من الجزارين أو ليذبحها قبلَ حولِ الإدارةِ، قبل يأتيَ للغنمِ حولٌ: فلا تقويم عليه، ولو بيعت قبلَ

(2/230)


تجب في رقابها الزكاة، رجعت لحولِ الإدارةِ، بيعت بعينٍ أو عَرَضٍ، ولو بيعت بعد زكاة الرقابِ زالَ حولُ الإدارةِ، ويصيرُ حولُ ثمنها حولَ الرقابِ، ولو اشتراها للقنيةِ من مال الإدارة، ثم باعها، رجعَ حولُ ثمنها لحولِ الغنمِ – يريدُ باعها قبل يزكيها – وإلى هذا رجع مالكٌ، إن كان في الثمنِ ما يُزكِّي. وذكر ابن عبدوسٍ نحو ذلك كله، عن ابنِ القاسمِ.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال أشهبُ، وابن نافعٍ، عن مالكٍ: وإذا اشترى غنماً للتجارةِ، فأقامت بيدهِ خمس سنين، لا يأتيه الساعي وباعها، فليزكِّ ثمنها. قال أشهبُ: لحولٍ واحدٍ. وقال ابن الْمَوَّاز: إن كانت يومَ باعها أربعة وأربعين فأكثر. وباع بأكثر من عشرين ديناراً، فليزكِّ الثمن عن كلِّ سنةٍ ربع عُشره، إلاَّ ما نقصت الزكاة، وإن كانت ثلاثةً وأربعين زكَّاه لأربعِ سنين، وإن كانت اثنين وأربعين زكَّاه لثلاث سنين، إلاَّ أَنْ ينقص ذلك من عشرين ديناراً.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ: ومن أقام بيده مالٌ أشهراً، ثم باع به غنماً، فأقامت عنده حولاً، فلم يأته الساعي، ثم باعها، فليردها على حولِ أصلِ المالِ الأولِ.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال: ومن بيده ذَهَبٌ لها شهورٌ فابتاع به أنصاب نِصابَ ماشيةٍ لنفسه، فليأتنف بها حولاً، ثم عن باعها لحولٍ أو قبلَ حولٍ، فليأتنف حولاً؛ لأنَّ القنية أبطلت حولَ الذهبِ، ولو كانت للتجارة وباعها قبل أَنْ يزكيها، رجعَ حولها حولَ الذهبِ، وإن باعها بعد أن زكَّاها صار حول ثمنها من يوم زكَّى الرقابَ، وإن لم تبلغ ما فيه

(2/231)


الزكاة، فهي كسائر السلعِ ترجع إلى أصلها.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال أشهبُ، عن مالكٍ: وإذا حالَ الحولُ على مالٍ، فلم يزكِّه حتى ابتاع به غنماً، فعليه زكاة العين باقية، ولو ابتاع بالعين قبل الحولِ سلعةً فأقامت عنده حولاً. ثم ابتاع بها غنماً، فليأتنف بها حولاً.
قال عنه ابن وهبِ فِي مَنْ زكَّى مالَه ثم ابتاعَ به بعد شهرين غنماً، ثم باعها بعدِ أشهرٍ: فليُزكِّ لحولٍ من يوم زكَّى الغنمَ.
قال أشهبُ: ومَن باع غنماً بعَرَضٍ أو بعينٍ، ثم ابتاع بذلك غنماً، فليأتنف بها حولاً.
قال ابن القاسم: ومن باع ماشيته بعد الحولِ بعرضٍ أو بعينٍ، ثم باع العَرَضَ بعين، فإن أخذ العرض للتجارةِ زكَّى ثمنَه مكانه، فإن كان للقنيةِ، فلا زكاة عليه في الماشيةِ ولا في الثمنِ. واختلف قولُ مالكٍ فِي مَنْ باع غنماً ورثها بعد حولٍ ولم يزكِّها؛ فأمَّا عن كانت أربعةَ أبعرةٍ، فلا زكاة في ثمنها. أو بيعه بعيراً منها ببعيرين كالنتاج.
قال مالكٌ: وإن بادلَ غنماً بإبلٍ، فليأتنف بالثانية حولاً.
قال ابن حبيبٍ: (قال ابن الماجشون): ومَن بادلَ ماشيةً فيها الزكاة، أو لا زكاة في عددها بجنسٍ آخر من الماشيةِ في عدده الزكاة، فليُزكِّ الثانية لحولِ الأولى من شراء أو ميراثٍ، وإن حلَّ الحولُ ولم يأتِ الساعي، فالحولُ بمجيئه، وإن كان البلدُ لا يأتي فيه السعاة، فالعمل على حلول الحولِ في إيجاب الزكاة، وسواءٌ بادل ماشيته أو باعها بثمنٍ، ثم اخذ فيه خلافها من الغنمِ. وهذه رواية ابن وهبٍ، ومطرف، عن مالكٍ: وقاله أصحابه. وخالف ذلك ابنُ القاسمِ. قال ابنُ الْمَوَّاز: لم يختلف

(2/232)


مالكٌ وأصحابه فِي مَنْ باع صِنفاً بصنفه من الأنعام غنماً بغنمٍ، أو بقراً ببقرٍ أو بجواميس، أو جواميس ببقرٍ، أو بُختاً بعِرابٍ، أنَّها على حولِ الأولى، وكذلك معزاً بضأنٍ أو ضأناً بمعزٍ، فأمَّا إن أخذ جنساً بخلافه من ذلك، فاختلف قولُ مالكٍ، وأصحابه، فقال ابن وهبٍ، وعبدُ الملكِ: هي على الأولى وهي في روايتهما عن مالكٍ مع أشهب. وقاله ابنُ نافعٍ في "كتاب" ابن سحنونٍ: وقال ابن الْمَوَّاز: وقال ابن القاسمِ: وأشهبُ: يأتنف بالثانية حولاً. وهي رواية ابن القاسم.
ومن "العُتْبِيَّة"، من سماع أشهب: ومن زكَّى غنمه ثم باعها بإبلٍ بعد ستةِ أشهرٍ، فليزكِّ الإبل لحولٍ من يومِ زكَّى الغنم.
وقال ابن الْمَوَّاز: ومن باع غنمه بذهبٍ وسطَ الحولِ، ثم اشترى بها مثلها. فقال ابن القاسمِ، وأشهب، عن مالكٍ: يأتنف حولاً بالثانيةِ.
وذهب عبدُ الملكِ إلى أَنْ يزكِّيَ الآخرة لحول الأولى، قال العتبيُّ: ورَوَى أبو زيدٍ، عن ابن القاسمِ، فِي مَنْ باع أربعين شاة بعد ستة أشهرٍ بعشرين ديناراً، ثم ابتاع بها أربعين شاة بعد شهرٍ: فليأتنف، ولو باع الأولى بعد الحولِ بعشرين ديناراً زكَّاها نصف دينارٍ. وإن باعها بأقلَّ فلا شيءَ عليه.
قال ابن الْمَوَّاز: ومن باع غنماً بثمنٍ، ثم استقال منها، فليأتنف بها حولاً، وكذلك لو أخذ غنماً في قيمةِ غنمٍ استهلكت له – والإقالة بيع حادثٍ – ولم يره مالكٌ في الشفعة بيعاً حادثاً لتهمتهما عنده أَنْ يكونا أرادا نقض البيعِ الأولِ فراراً من الشفعةِ فيه.
قال ابن القاسم: ومن زكَّى أربعين شاةً، ثم باعها بعد شهرٍ بعشرين ديناراً، فليأتنف بها حولاً.

(2/233)


ومن باع من غنمه أقلَّ من أربعين ديناراً، قبل الحولِ وبقيت منها اربعون. قال مالكٌ: فإن كانت التجارة زكَّى العشرين لحولِ ما ابتاعها به، وتزكَّى رقاب الباقية لحولٍ من يومِ اشتراها، ثم عن باعها بعد ذلك كان حولُ ثمنِ هذه من يوم زكَّى الغنم. ومن باع من غنمه أقلَّ من أربعين بعشرين ديناراً، فليأتنف بها حولاً. قال أبو محمدٍ: يريد محمداً. وليس أصلها للتجارةِ.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال أشهبُ: فِي مَنِ استهلكت له غنمٌ فأخذ منها غنماً، أنَّه يأتنف حولا. وقاله ابن القاسمِ. وقال أيضا: يكون للحولِ الأولِ. وقال أشهبُ: بل ذلك كما لو باع الأولى بدينارٍ، ثم اخذ بالدينارين غنماً.
ومن "العُتْبِيَّة"، من سماع أشهب، ومن له خمسةٌ من الإبلِ ستَّةَ أشهرٍ، ثم باع ثلاثةً منها بثمن ثم اشترى منه بعد شهرين ثلاثةً، ثم حال حولُ الأولى فلا زكاة عليه.
في من باع غنماً ثم رُدَّت عليه بعيبٍ بعد حولٍ، أو أخذها في تفليس المُبتاع، وفي الساعي يأتي وقد قامت الغرماءُ
من "كتاب" ابن سحنونٍ: ومن ابتاع غنماً فأقامت عنده حولاً، ثم ردَّها بعيبٍ قبلَ مجيءِ الساعي، فزكاتها على البائعِ، ولو ردَّها بعد أن أدَّى غنماً شاةً فليردها، ولا شيء عليه في الشاة التي أخذها المصدق، ولو أفلس المشتري فقام الغرماء وجاء الساعي، فالزكاة مبدأةٌ وما بقيَ للغرماء،

(2/234)


وكذلك الحائط يُشترَى – يريد بثمره – فيأتي المصدق وقد طابت الثمرة، فالساعي مبدَأٌ، ولو طلب اغنمَ أخذَ الغنم في تفليس المبتاع، وقد أتى المصدق، فليأخذ المصدق شاة، ثم للبائع أخذ الغنمِ ناقصةً بجميع الثمن إن شاء، ويكون ما أخذ المصدق منه. وكذلك في أخذه لزكاة الثمرة. ولو هرب المشتري بالغنمِ عن الساعي، وهي أربعون ثم جاء السنة الثانية بعد حولٍ وقد فلس، فليأخذ الساعي منها شاةً، ويكون من البائع إن استرجع الغنمَ، ولا شيء عليه في السنة الثانية، ولا على المبتاع، وإن لم يأخذها البائعُ كان على المشتري فيها شاتان – يريدُ على مذهبِ سحنونٍ، لأنَّه ضامنٌ بهرو به، فصارت الشاة الأولى في ذمته – قلت لسحنونٍ: فلو جاء وقد تماوتت فلم يبقَ منها إلاَّ شاةٌ. قال: فربُّها أحقُّ بها بما يصيبها من الثمن ولا شيء للساعي، ولو قام عليه غريمٌ بدَيْنٍ من غير ثمنها، كان الساعي أحق بها. وقال بعض أصحابنا: إنَّ الساعي أحق بها. فأنكره سحنون. قلت له: ولو ماتت الأربعون كلها، ثم اشترى شاةً فجاء الساعي، أنَّه يأخذها. قال: أصاب. قلتُ: وقال: ولو كان عليه دَيْنٌ مُحيطٌ فليتحاصَّا الساعي والغريم. فقال سحنونٌ: بلِ الساعي أحقُّ بها. وقلتُ له: ولو كان الدَّيْنُ من ثمنها والغريمُ أولَى بها من الساعي، إنْ لم يكنْ من الأربعين التي هرب بها. فأجاز ذلك سحنون.

(2/235)


فِي مَنْ تخلَّفَ عنه الساعي سنين، ثم أتاه وغنمه قد زادت أو نقصت، وهل يتخلَّف في سنةٍ جَدْبَةٍ والغنمُ عِجَافٌ، وهل يؤخذ منها؟
من "المَجْمُوعَة"، قال أشهبُ: قال مالك: يُبعث السعاة في كل سنةٍ إلأَّ في سنةٍ شديدة الجدبِ، فلا يبعثوا؛ لأنَّه يأخذ ما لا يحلب، وإن بيع فلا ثمن له. وقال عنه ابن وهبٍ: لا تؤخر الصدقة وإن عَجَفَتِ الغنمُ. قال ابن شهابٍ: وقد بعثَ الخلفاءُ في الخَصْبِ والجدبِ.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، فذكر رواية ابن وهبٍ، ثم قال: وقد سأل عثمان بن الحكم عن ذلك مالكاً، فقال: يؤخذ منها عِجافاً، ولو كانت ذات عَوارٍ كلها أو يبوساً. فليأتِ بغيرها. قال محمدٌ: وكذلك العِجافُ، فليشتر له ما يعطيه. وقال مالكٌ: فإذا تخلَّفَ عنه الساعي، فلينتظره، ولا يُخرج شيئاً. وكذلك إن حلَّ الحولُ بعد أن مرَّ به بيسيرٍ، إنْ كان الإمامُ عدلاً، فإن لم يكن عدلاً، فليخرج للحولِ إن عفى له، فإن خافَ أَنْ يؤخذ بها انتظره. قال مالكٌ: وإذا تخلف الساعي سنين، فلا يضمن ربُّ الغنمِ ما نقصت غنمه، ببيعٍ أو أكلٍ أو غيره، ولو غاب عن مائة بعيرٍ، ثم جاء ولم يبق منها إلا خمسةٌ، فليأخذه بشاةٍ عن كل سنةٍ، ولو لم يجد ما فيه الزكاة، لم يلزمه شيءٌ.
قال مالكٌ: وإن وجده قد أضاف إليها غيره، لأخذه بما يجب عن ماضي السنين، إذا كانت في أول سنة نصابٍ، عَرَفَ عددَها في كل سنةٍ أو لم يعرف.

(2/236)


قال أشهبُ: عن مالكٍ: ولو غاب أربع سنين عن أربعين شاة لم تزد، فلا يأخذ منه إلا شاة، أخذها منها، أو اشتراها له. وكذلك قال في "كتاب" ابن سحنونٍ: فإن غاب عن أربعين جفرة. قال سحنونٌ: ولو غابَ عن أربعين عامين، ولم تزد، فقبل يأتيه أكل واحدةٍ أو وهبها أو باعها، ثم جاءه المصدق، فلا شيء عليه في العامين، ولو وجدها أربعين لم يزكِّها، إلا لعامٍ واحدٍ، ولو وجدها أحداً وأربعين وكانت كذلك في العامين أخذ منه شاتين، قال في "كتاب" ابن الْمَوَّاز: ولو أفاد إليها ثلاثة بقربِ قدومه، أخذه بأربع شياه.
قال ابن الْمَوَّاز: ولو كانت عن ألف شاةٍ، ثم وجدها أربعين لم يأخذ منه غيرَ شاةٍ، وإن نقصت عن أربعين منه شيئاً، ولو كانت أولاً أربعين ثم صارت ألفاً بفائدةٍ قبل مجيئه بيسيرٍ، وقد غاب خمسَ سنين لأخذه عن أول سنةٍ بعشرة شياهٍ. وعن كل سنةٍ تبقى بتسعٍ تسعٍ. وكذلك قال ابن حبيبٍ: عن مالكٍ: إنَّه يأخذ منه عن ما يجده عنده لأول سنةٍ، ثم عن التي تليها عن باقيها، ثم عن باقيها، هكذا حتى ينقضي عن عدد الزكاة.
وذكر ابن سحنونٍ، عن أبيه، أنَّ غيرَ ابن القاسمِ، يقولُ: إذا غاب عن أربعين خمسَ سنين، صم صارت ألفاً قبل مجيئه بيسيرٍ، أنَّه يزكِّي عن الأربع سنين بشاةٍ واحدةٍ، وعنِ السنة الخامسة بتسع شياهٍ، ولو كانت أولا مائة زكَّى عن الأربع سنين بأربع شياهٍ، وفي هذه السنة بتسع شياهٍ، وهو مصدق في ذلك كله.

(2/237)


قال غيرُ ابن القاسمِ: وإنما معنى قولهم: يزكي ما وجد بأيديهم عن ماضي السنين، إذا لم يدَّعُوا أنَّها كانت فيها دون ذلك. وهذا قول عبد الملكِ. وقال سحنونٌ بقول ابن القاسمِ، وأشهب، على ما ذكرنا، أنَّه يُزكِّي الألف لأول سنةٍ، ويُزكِّي ذلك عن كل سنةٍ بعدها، إلا ما نقصت الزكاة.
قال سحنونٌ: وإذا أتى الساعي بعد غيبة سنين، فقال له رجلٌ معه ألفُ شاةٍ: إنَّما أفدتها منذ سنةٍ أو سنتين. فهو مصدق بغير يمينٍ، ويُزكِّيه لما قال.
قال ابن الْمَوَّاز: قال مالك: وإن غاب عن خمس من الإبلِ خمس سنين، أخذه عن كل سنةٍ بشاةٍ، ولو انَّه يبيع في ذلك بعيراً منها لم تنقص من ذلك، ولو نقصت في بعض هذه السنين عن خمس ذودٍ، ثم رجعت في العام الخامس بغير نتاجٍ، فليس عليه إلا شاةٌ، إلاَّ أَنْ يرجع بولادتها، ولو تخلَّفَ عن أقلَّ من أربعين شاة، فتمت في السنة الخامسة بولادتها أربعين، فلا يأخذه إلا بشاةٍ. وكذلك لو تناسلت أكثر من ذلك لم يأخذه إلا بزكاة عامه هذا، حتى لو غاب عن نصاب، ثم نقصت عن النصاب، ثم تمت قبل مجيئه بولادتها، أو ببدل قليل بكثير، فصارت ألفاً وقد غاب خمس سنين، لزكَّاها عن ما يجدها به لكل سنةٍ غاب فيها، والقول في ذلك قولُ ربِّ الغنمِ بلا يمينٍ. قال أشهبُ: فيأخذ لأول عامٍ عشرة شياهٍ، ثم تسعاً عن بقية السنين.

(2/238)


وإن كانت زيادتها بفائدةٍ، فلا يزكِّي غل من يوم أفاد تمامها بعد نقصها عن النصاب. قاله أصبغ، وأشهب. قال مالكٌ: وإن غاب عنه، وغنمه عشرون ثم صارت في العام الثاني ثلاثين، فأتى في الثالثِ وهي أربعون، فعليه شاة، وقاله مالك. وابن القاسمِ. قال ابن الْمَوَّاز: وردَّدَ مالك السؤالَ على السائلِ في رواية أشهب، فقال: أكنت تزكيها قبل ذلك؟ فقال: لا. فكأنَّه يعني أنَّه لو كان أولها يزكَّى، ثم نقصتْ، ثم رجعت بولادةٍ أو مبادلة، أنَّ الزكاة ترجع لما مضى من ما تخلَّفَ عنه.
قال ابن الْمَوَّاز: ولسنا نأخذ بهذا، بل يأخذ فيها من يوم تمَّت ما فيه الزكاة، ويسقط ما قبل ذلك. قال أبو محمد: انظر لعلَّ محمداً يعني أنَّها وإن كانت تُزكَّى قبل ذلك إلا أن الساعي غاب عنها، وهي أقلُّ من أربعين فلا تزكى، إلا من يوم تتم ألربعين بولادةٍ أو ببدلٍ.
قال أشهب برأيه في مسألةِ التي غاب عن عشرين، ثم صارت في عامٍ ثانٍ ثلاثين، ثم أتى في الثالث وهي أربعون – يريد: فأكثر بولادةٍ أو مبادلة – أنَّه يزكي لكل سنةٍ مضت حتى يرجع إلى ما لا زكاة فيه.
قال ابن الْمَوَّاز: ولا يعجبنا هذا أيضاً، ويلزمه أَنْ يقول: إذا تمت الغنم بولادتها، أو نما المال بربحه، فجاوزا ما فيه الزكاة، أَنْ يزكِّيَ لكلِّ سنةٍ مضت من يومِ أفاد الأصلَ.
قال ابن الْمَوَّاز: وإذا غاب عن ثلاثٍ وأربعين بقرةً خمسَ سنين، فعليه

(2/239)


أربع مُسِنَّاةٍ وتبيع، على نحو هذا يُجزِئُ من الإبلِ، إلاَّ في الشنقِ فإنَّها لا تتغير، لأنها زكاتها من غيرها، فيأخذه بالغنمِ عن كلِّ سنةٍ سواءٌ وإن كثرت.
وإذا وجد الإبل أمثر من سنةٍ وثلاثين إلى خمسة وأربعين، فليأخذ عن كلِّ سنةٍ بنت لبونٍ، حتى تنقصَ عن ستة وثلاثين، فيأخذ بنت مخاضٍ، عن كل سنةٍ بقيت، فإنْ لم يكن فابن لَبونٍ ذَكراً حتى ينقص عن خمسة وعشرين، فيأخذ عنها الغنم ما تناهت.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال عبد الملكِ: وإذا غاب عامين عن خمسةٍ وعشرين من الإبلِ، فليأخذ لأول علمٍ بنت مخاضٍ، فإن لم يكن فابن لبونٍ، فإن كان ذلك من عددِ ما اخذ في العام الثاني أربع شياهٍ، وإن لم يكن منها اخذ فيه مثل ما في العام الأول، وإن كانت ستة وعشرين، لم يؤخذ منها غنمٌ، كان فيها ما يؤخذُ من الإبلِ (أو لم يكن). قال أشهبُ، وابن نافعٍ: وإذا غاب الساعي عن أربعين جفرة سنين، أو كانت غنماً فلم يبقَ إلا أربعون من عدادها، فليس عليه إلا شاة. وإن كان تُشترى له بخلاف الشنق من الإبلِ.
ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، قال مالكٌ: وإن غاب عن أربعين جفرة وأربعين تيساً. فليس عليه إلا شاة واحدة، ولا حجة للساعي، فإنَّها تُزكَّى من غيرها، بخلاف الشنق من الإبلِ، وكذلك عشرون ديناراً لعامين.
قال العتبيُّ: عن أبي زيدٍ، عن ابن القاسمِ، فِي مَنْ غاب عنه

(2/240)


الساعي فأوصى بزكاة غنمهِ: فلا تُبَدَّى على الوصايا. وليحاصَّ بها.

القول في الهارب عن الساعي
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، (قال مالك): والهارب عن الساعي إنَّمَا يأخذه بزكاة ما كانت غنمه كل عامٍ، ولا يأخذه بأن يزكِّيَ عن ما أفاد آخراً عن متقدم السنين.
وقال أشهبُ: أمَّا إذا زادت في هرو به، فهو كمن غاب عنه الساعي، ولا يكون أحسن حالاً منه. قال: وهو في نقصانها ضامنٌ يأخذه (في كلِّ عامٍ بزكاةِ ما كانت فيه؛ لأنَّه ضَمِنَ ذلك بهرو به. قال ابن حبيبٍ: إنَّ قولَ مالكٍ وأصحابه المدنيين والمصريين أَنْ يؤخذ بها الهارب بزكاة ما كانت غنمه كل عامٍ، إلاَّ أشهب، فذكر من قوله ما ذكر ابن الْمَوَّاز.
(قال ابن الْمَوَّاز): قال ابن حبيبٍ، عن مالك: فإذا هرب بألفِ شاةٍ، ثم جاء بعد ثلاث سنين بأربعين شاة، فليأخذ عن هذه السنة بشاةٍ.
وكذلك يبدأ في الهاربِ بالسنةِ التي هو فيها، ثم يؤخذ عن كل سنةٍ من الأولتين عشرة عشرة، ولو قال: كانت في السنةِ الثانية أربعين. لم يصدَّقْ إلا ببينةٍ. ولو هرب بأربعين، ثم جاء بألفٍ، فليأخذ منه لهذه السنة عشر شياهٍ، ثم عن عَلِمَ أنَّها في السنتين أربعين أخذه بشاتين لأنَّه

(2/241)


ضامنٌ فلا يُنقصها الأداء، فإن لم يكن إلا قوله أخذه بشاةٍ لأول سنةٍ، وللعامين بعدها بعشر عشر. وأمَّا مَن يتخلَّفُ عنه الساعي سنتين، فليأخذ منه لأول سنة عما بيده الآن، ثم عما بعدها إلاَّ ما حطَّتِ الزكاةُ.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال عبد الملكِ، فِي مَنْ هرب بأربعين، ثم جاء بعد ثلاث سنين بألفٍ، فقال: في هذا العام صارت ألفاً، مثل ما ذكر ابن حبيبٍ، أنَّه لا يُصدَّقُ ويؤخذ من كل سنةٍ بزكاة ألفٍ إلاَّ في العام الأول، فعليه فيه شاةٌ. وذكر ابن سحنون لأبيه قول عبد الملكِ هذا، فخالفه ورأى أن تقبل منه، ولا يؤخذ منه إلا شاة شاة عن العامين الأولين، وفي السنة التي صارت فيها ألفاً عشر شياهٍ. قال: ولو هرب بأربعين خمسَ سنين، ثم جاء بها بحالها فليؤدِّ خمسَ شياهٍ؛ لأنه كان ضامناً.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسمِ: ومن هرب بثلاث مائة شاةٍ، ثلاث سنين، ثم جاء في الرابعة وقد هلكت، إلا أربعين، فليأخذ منه تسع شياهٍ للثلاث سنين.
قال عنه عيسى، في "العُتْبِيَّة": وشاةٌ عن الرابعة, ولو جاء في الرابعة بألف شاةٍ، فليأخذ بتسع عن الرابعة، ولو جاء في الرابعة بألفِ شاةٍ، فليأخذه بتسعٍ عن الثلاث وتسعٍ عن هذه. قال أصبغ: بل يأخذه بعشرةٍ لهذه يبدأ بها؛ لأنَّه ضامنٌ لما تقدم. قال محمدٌ: بل يأخذ تسعة للثلاثة أعوام الماضية، بضمان الهربِ.

(2/242)


وقال بعض علماء المدنيين: يبدأ بالسنة الأولى، ثم يزكِّي ما بعدها.
ولا يعجبنا هذا. وبه يأخذ ابن القاسمِ. وإنَّمَا يبدأُ عنه أصبغ بالآخرةِ وهو الصواب. قال: ويقول أشهبُ: أقولُ إنَّه يزكيها في الزيادة لما مضَى؛ لأنَّه قد ضمن الفائدة إلى نصابٍ. وذكر أنَّه قول عبدِ الملكِ أيضاً. وقد ذكرنا ماذ كر عنه ابن عبدوسٍ، وابنُ سحنونٍ.
ومن "العُتْبِيَّة"، روى عيسى، عن ابن القاسمِ، في الفارِّ بأربعين شاة، فأقام ثلاث سنين وهي بحالها. فليس عليه إلاَّ شاةٌ. وقاله سحنون. كان له مالٌ أو لم يكن. قال عيسى: قال ابن القاسمِ: ولو صارت في الرابعة ألفاً بفائدةٍ، فعليه شاةٌ للثلاثِ سنين، وتسع شياهٍ لهذه السنةِ.
وذكر ابن سحنونٍ، عن أبيه، خلافَ ما ذكر عنه العتبيِّ، إذا لم يزد أنَّ عليه لكل سنةٍ شاةً؛ لأنَّه صار ضامناً، والدين لا يُسقِطُ زكاةَ الغنمِ.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ وأشهبُ، عن مالكٍ: والفارُّ عنِ الساعي ضامنٌ لصدقةِ ماشيته، وأمَّا من يتبع الكلا، أو يتأخر عنه الساعي فلا يأخذه إلا بزكاة ما وجده.
في من لا يأتيه السُّعاة لبعده، وفي الأسير كيف يُزكِّي
ومن "كتاب" ابن سحنون، وقال فِي مَنْ لا يأتيهم السُّعاة، ولا ينزلون بهم في مثل زماننا، يكون عند أحدهم ثلاثون شاةً ثم تتناتج بعد الحول، ومرور الساعي على الناس، فتتم أربعين: إنَّه يُزكيها يوم تمَّتْ بالولادةِ

(2/243)


أربعين؛ لأنه ساعي نفسه. وكذلك لو ورث غنماً، فمرَّ الساعي على الناس، وهو لا يمر به، ثم تمت له بعد مروره بالناس حولاً من يوم ورثها، فليزكها حينئذٍ، ويكون ذلك خوله وتصير كزكاة العين.
وعن الأسير بدار الحرب يكسب مالاً وماشية، ولا يحضُرُه فقراء المسلمين: فليؤخر زكاة العين حتى يخلُصَ أو يمكنه بعثها إلى أرض الإسلامِ، وهو في الغنمِ كمَن تخلَّفَ عنه الساعي، لا يضمنُ، فإن خَلصَ بها، أدَّى عنها لماضي السنين، إلا ما نقصت الزكاة.
وقال أبو محمدٍ: مَن لا يأتيه السُّعاة وهو يُزكِّي نفسه، هل نصيب الفائدة من الماشية على نصاب الذي سَعَى أن تكون فوائد هذا كالعين، إذ لا ضرورة تلحقه بانتظار الساعي.

في زكاة الخُلطاء، وما يوجب الخُلطةِ
قال أبو محمدٍ: قال بعض العلماءِ من أصحابنا: الخليطُ في الغنمِ الذي لا يُشارك صاحبه في الرقابِ/ ويخالطه بالاجتماع والتعاون، والشريك المشارك في الرقابِ، فكلُّ شريكٍ خليطٌ، وليس كل خليطٍ شريكاً. قال الله سبحانه في الخلطةِ من غير شركةٍ: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} الآية. وفي أول القصةِ {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ}. وقد جاء ذِكْرُ مرفقِ الخليطين في الزكاة بالتردد في "كتاب آل حزمٍ"، وكتب به عمر.

(2/244)


ومن "المَجْمُوعَة"، و"كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسم، وجماعةٌ غيره، عن مالكٍ: الخليطُ الذي غنمه معروفة من غنمِ خليطه، والذي لا يعرف غنمه هو الشريك، وله حكمُ الخليطِ في الزكاة، قالوا عنه: وتجب الخُلطةُ بجمعها في الراعي والدلو. وزاد عنه ابنُ القاسمِ، وابن وهبٍ: والفحلُ، وإن باتت هذه في قريةٍ، وهذه في قريةٍ.
قال ابن حبيبٍ: وبعض هذه الأمور تُوجب الخُلطةَ، ولو لم يجتمعا، إلا في الراعي والمرعى. وتفرقتْ في الشرب والمراح، فإنَّه إذا كان ذلك، صارَ الفحلُ واحداً هذه فحلُ هذه، وهذه فحلُ هذه، وإذا كان لكلِّ واحدٍ راعٍ لم يكونا خلطاءَ –يريدُ ابن حبيبٍ لا يتعاونان – قال ابن حبيبٍ: وإذا كان لها رُعاةٌ يتعاونون عليها، فهم كالراعي. وقاله ابن القاسم في غير "الواضحة".
قال ابن سحنونٍ، عن أبيه: إذا اجتمعت في الراعي والحوضِ والفحلِ، فهم خلطاء.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال أشهبُ: وإذا جمعهما في شيءٍ واحدٍ ممَّا يكونَانِ به خلطاء، لم تجب الخلطةُ إلا بالاجتماع في أكثر ذلك، وإذا افترقا في أكثرها فليسا خلطاء.
وقاله ابن القاسمِ في "العُتْبِيَّة".
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالك: وإذا كان الفحل واحداً، والراعي واحداً، والمَرَاحُ واحداً فهم خلطاء، وإن كان بعض ذلك يُجزئُ

(2/245)


من بعضٍ. قال أشهبُ: ما لم يفترقا في الأكثر مما يوجب الخلطة.
قال بعض البغداديين من أصحابنا: لا يكونان خليطين حتى يجتمعا في وجهين فأكثر. قال مالكٌ: وإنَّمَا يعني بما روى أن كلَّ خليطين يترادَّان؛ يعني في الماشية خاصَّة، لا في عينٍ ولا حَرْثٍ.
قال مالكٌ: وإذا اجتمعا وافترقا قبل الحولِ بشهرٍ، وبأقل من الشهر، فذلك جائزٌ. قال ابن القاسمِ: ما لم يَقْرُبْ جدًّا. أو يهربا بذلك من الزكاة. قال ابن حبيبٍ: لا يجوز بأقل من الشهر.
ومن "العُتْبِيَّة"، روى عيسى، عن ابن القاسمِ فِي مَنْ زكَّى غنمه، ثم خالط بها خليطاً بعد ستة أشهرٍ، فحلَّ حولُ خليطهِ في ذلك الشهر: فليزكِّ خليطه غنمهن ولا شيء على هذا حتى يأتيَ حولٌ مؤتنفٌ لخليطهِ، إلا أَنْ يفارقه قبل ذلك، كمَن مرَّ به الساعي لستة أشهرٍ من حوله.
ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، قال مالكٌ: فِي مَنْ له غنمٌ كثيرةٌ، ولآخر غنمٌ قليلةٌ، ولكل واحد راعٍ، فقال رب الكثيرة لرب القليلة: إنَّ غنمي لا يكفيها راعٍ واحدٍ، فتفضَّلْ بضمِّ غنمك إلى غنمي، ويعاون غلامك غلامي في الرعاية، وهي تفترق في الحلب والمبيتِ. قال: هما خليطان، / لأنَّ الراعي واحدٌ والفحل واحدٌ والماء يجمعهما.

(2/246)


في الخلطة بجنسين مختلفين (من الأنعام)،
أو بشيئين مختلفين وترادُدهما
ومن "كتاب" ابنِ الْمَوَّاز، ومثله لابن الماجشون في "المَجْمُوعَة": وإذا كان لأحدهما ضأنٌ ولآخر معْزٌ، فهما خليطان، وإن اتفق العددُ وفيهما شاةٌ أخذها من أيهما شاءَ. وإن كان شاتان، فمن هذه واحدة، ومن هذه واحدة. وإن اختلف العددُ وفيهما شاةٌ أخذها من أكثرهما، ويترادَّانِ فيها، وكذلك في البقرِ مع الجواميس، وفي البُختِ مع العِرابِ، وإن كان لأحدهما غنمٌ، ولآخرِ بقرٌ أو إبلٌ، لم يكونا خلطاءَ ولا ينتفعان بذلك ولا يضرهما.
ومن "كتاب" ابن سحنونٍ: ولا بأسَ أَنْ يختلطا، لهذا ضأنٌ، ولهذا معزٌ، ثم يأخذ المصدق منهما كما يأخذ من رجلٍ واحدٍ، وإنَّمَا يأخذ من الأكثر عدداً، ثم يترادَّان فيما اخذ من ضأنٍ أو معزٍ، ولا يقال: إنَّ صاحب معزٍ زكَّى بضأنٍ، ولا صاحب ضأنٍ زكَّى بمعزٍ، لأنهما كرجلٍ واحدٍ. وكذلك لو كان لواحدٍ من الإبلِ خمسةٌ وعشرون فيها بنتُ مَخاضٍ، ولآخر ستة وثلاثون يجب فيها بنت لَبونٍ، فالخلطة توجب عليهما جَذَعَةً يترادَّانِ فيها، وفي إبلِ أيهما وُجدت أخذت، فعلى صاحبِ الخمسة من بنت مَخاضٍ، فإن لم يكن فابن لَبونٍ، وكذلك ثلاثون تبيعاً وخمسون مُسِنَّةً ففيهما مُسنَّتَانِ، فعلى صاحب الثلاثين ثلاثة أجزاء من ثمانيةٍ من مُسنتين. وقال ابنُ عبدوسٍ مثله، عن ابنِ القاسمِ: إنْ كان لأحدهما أربعون مسنةً، وللآخر

(2/247)


ثلاثون تبيعاً، فيأخذ مسنة وتبيعاً. قال: يترادَّانِ فيهما، وذكر نحوه، عن ابن الماجشون في جميع ما قال سحنونٌ. قال: وإذا كان لواحدٍ أربعون من البقرِ ولخليطه ثلاثونَ منها، فليأخذ منهما مسنةً وتَبِيعاً ويترادَّانِ فيهما.
في ترادُدِ الخليطين في اختلاف العددِ
وكيف عن كانا أو احدهما لا زكاة في غنمه إن انفردتْ؟
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، ومن قول مالكٍ: إنَّ مَنْ ليس في حظِّه من الخليطين ما فيه الزكاة، فلا يضرُّ صاحبه ولا ينفعه، ولا يؤخذ إلاَّ ممَّن في حظِّه الزكاة، قال ابو محمدٍ: يريدُ هذا الذي ينبغي في مذهبه، فأمَّا إذا أخذ على مذهب غيره فمذكورٌ بعد هذا. قال مالكٌ: وإنَّما يترادَّانِ الخليطان بقدرِ العددِ، لا بقدرِ ما يلزم الواحد في الانفراد، لو كان ذلك ما انتفعا بالخلطةِ. وقد كان من مالكٍ في ذلك بعضُ القولِ فِي مَنْ له تسعة من الإبلِ، ولخليطهِ خمسةٌ: إنَّ على كلِّ واحدٍ شاةً. ثم رجعَ فقال: يترادَّانِ في الشاتين، وكذلك من له ثمانون شاة ولخليطه أربعون شاة، فعلى خليطه ثلثُ الشاة المأخوذة.
وإن كان لواحدٍ خمسةٌ وعشرون من الإبلِ، ولخليطه عشرةٌ، فإنَّه يأخذ بنت مخاضٍ ممن كانت في إبلهِ، وإن لم يكن فابن لَبونٍ ذَكَرٌ، ثم يرجع على صاحبه بحصته، وهو ما يلزمه من قيمة ذلك يومَ أخذه

(2/248)


الساعي، تقسَّمُ القيمةُ على سبعةِ أجزاءٍ، فجزآنِ على ربِّ العشرة، والخمسةُ على الآخر.
ومن "المَجْمُوعَة" قال أشهبُ: وكلك في شركتهما في أداء الحقَّةِ.
وليس للآخر أَنْ يقولَ له: لك في هذه الحقة كذا وكذا. ولا يُكلِّفُه أَنْ يأتيه بحقَّةٍ، إلا أَنْ يؤدي عنه حقَّة كاملة. ومن قال له أَنْ يعطيه جزءاً من حقَّةٍ. لم اعبه، ولا يكون أداء القيمةِ على هذا القول، إلا قيمة ذلك يوم يعطيه القيمة. وذكر مسألة عبد الملك في تراددهما في ثلاثين تبيعاً، وخمسين مسنة، وذكرناها في الباب الذي قبل هذا.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسمِ: إنَّما الترادُدُ فيما فيه قولُ قائلٍ من العلماء: فأمَّا ما لم يقله أحدٌ فهو مظلمةٌ ممَّنْ أخذ منه. قال مالكٌ: فإذا كان لخلطاءَ غنمٌ لا تبلغ أربعين وأخذ الساعي منها شاة فهي ممن أخذت منه، ولو كانت أربعون تراددوا فيها، فإن كان لأحدهم أربعون ولخلطائه اقلُّ من ذلك، فه يعلى صاحب الأربعين، يرجع بها عليه مَن أُخذت من غنمهِ.
قال ابن القاسمِ في "العُتْبِيَّة": وإن أخذ شاتين من ربِّ الأربعين لم يرجع على أحدٍ بشيءٍ.
ومنه ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، عن ابن القاسمِ: وإن أخذ شاتين من غير صاحب الأربعين رجعَ على صاحب الربعين بواحدةٍ، وإن كان له أكثر من عشرين ومائةٍ، رجع بالشاتين عليه.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز: وإن كان في جملة غنمهم نيِّفٌ وعشرون

(2/249)


ومائةٌ ولي منهم من له أربعون إلا واحدٌ، فأخذ شاتين من ربِّ الأربعين، فواحدته عليه، والثانية، يتحاصُّ هو وأصحابه فيها، وأحبُّ إليَّ أَنْ يتحاصُّوا في الشاتين، وإن كان جملة غنمهم لا يؤدَّى عنها إلا شاةٌ، فلا يرجع على أحدٍ بشيءٍ.
قال ابن عبد الحكم: وإن كان لرجلٍ عشرون ومائةُ شاةٍ، ولخليطه شاةٌ فأخذ منها شاتين، فواحدة على ربِّ العشرين ومائة، ويتحاصان في واحدةٍ، على أنَّ لهذا عشرين ومائة كاملة، ولهذا الآخر شاةٌ.
قال محمدٌ: وأحبُّ إليَّ أنْ يتحاصَّا في الشاتين، لأنَّ هكذا رأى من ذهب إلى هذا، وإنما هو كحكمٍ نفذَ فلا ينقضُ.
ومن غيره، قال ابن القاسمِ وغيره: هو قول ربيعة.
ومن "العُتْبِيَّة"، و"كتاب" ابن سحنونٍ، قال ابن القاسمِ: وإذا كان لواحدٍ عشرون ومائة، ولآخر ثلاثون فأخذ شاتين، فليتحاصَّا فيهما لا يُبالي من غنم من أخذها، أو اخذ من غنم هذا واحدةً وغنمِ هذا واحدةً، لترادَّا فيهما جميعاً، ولا أجعل واحدةً على صاحبِ المائة والعشرين، ويترادَّان في الأخرى، ولو ـخذ شاةً من غنمِ صاحبِ الثلاثين، لرجع بها على ربِّ المائة والعشرين، يريد لم يأخذ غيرها.
قال ابن القاسمِ: وإن كان لهذا مائة وثلاثون، ولخليطه عشرون فأخذ الساعي شاتين من العشرين، فليرجع بهما على ربِّ الثلاثين ومائةٍ، وإن اخذ له ثلاثة لم يرجع عليه إلا بشاتين، وإن أخذهما من صاحب الثلاثين ومائةٍ

(2/250)


أو أكثر منهما، لم يرجع على صاحبه بشيءٍ.
قال سحنونٌ في "كتاب" ابنه: إن كان لواحدٍ عشرون شاةً، ولخليطه ثلاثون، فأخذ شاتين من غنمِ أحدهما، فليتراجعا في واحدة بقدرِ غنمهما، والأخرى مظلمة ممن أُخذت منه، وإن تفاضلت الشاتانِ، تحاصَّا في الدَّنِيَّةِ.
وقال: قيل ذلك في نصف قيمةِ كلِّ واحدةٍ.
وإذا أخذ الساعي قيمةَ شاتين – يريد منهما – فقيمة شاةٍ يتحاصان فيها، والأخرى بينهما نصفانِ، إلاَّ أنْ يقولَ المصدق ذلك: على عدد غنمكما أخذته. فهو كما جعله.
قال في "كتاب" ابن سحنونٍ: وكذلك لو أخذ من غنم هذا شاةً ومن غنمِ هذا شاةً، تراجعا في شاةٍ، وتكون الثانية عليهما نصفين.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز: وإذا كان خليطان، لكلِّ واحدٍ أربعون شاةً، فأخذ الساعي شاةً، فليرجع الذي أُخذت منه على صاحبه بنصف قيمتها. وكذلك لو أخذ منه شاتين، لم يرجع إلا بنصف واحدةٍ.
قال مالك في خلطاء ثلاثة: لكل واحدةٍ أربعون شاةً، فأُخذ من غنمِ أحدهم ثلاثة، فلا يرجع على صاحبيه إلا بثلثي شاةٍ. يريدُ قيمتها يوم أخذها الساعي. وإذا كان لواحدٍ اثنان وثلاثون بعيراً، ولخليطه أربعة أبعرة، فأخذ منها بنت لبونٍ، فعلى صاحب الأربعة منها حصتهن لأنَّه أخذه بقولِ قائلٍ وذلك تسعُ بنت لبون، وهو حكمٌ يبعدُ.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ في خلطاء أربعةٍ، في أربعين شاةً لكلِّ واحدٍ عشرةٌ فأخذ شاتين لرجلين منهما: فليتحاضَّ الأربعة في نصف قيمتها، والنصف الآخر بين هذه للذين أُخذت

(2/251)


منهما. وكذلك روى عنه عيسى ويحيى في "العُتْبِيَّة".
قال عنه عيسى: وإذا أخذَ شاتين من غنمِ أحدهم ترادُّوا في شاةٍ.
قال سحنونٌ في "كتاب" ابنهِ: وإن اختلفت قيمتُهَا، تحاصُّوا في نصفِ قيمتها. وكان يقول في أدناهما ثم رجعَ على هذا. ومن "كتاب" ابنِ الْمَوَّاز، وقال في خلطاءَ ثلاثةٍ، لواحدٍ ثمانٍ وسبعون شاةً، وللآخرِ تسعٌ وثلاثون، ولآخر ثلاثةَ عشرَ، فذلك ثلاثون ومائةٌ فأخذَ الساعي شاتين: فواحدةٌ على ربِّ الثمانية والسبعين. والثانية، يترادون فيها على عشرة أجزاءٍ؛ فجزءٌ على صاحب الثلاثة عشر، وثلاثة على صاحب التسعة والثلاثين، وستة أجزاءٍ على الثالثِ.
قال (أبو محمدٍ): وهذا على القول الذي لم يختره ابن الْمَوَّاز، واختار أَنْ يترادُّوا في الشاتين على هذا الحساب.
قال محمدٌ: ولو أخذ ثلاثَ شياهٍ من غنمٍ كل واحدٍ شاةً فقد بقي على ربِّ الثمانية والسبعين ما يلزمه في الشاة التي فيها يترادُّون. وذلك ثلاثة أخماس شاةٍ يؤديها إلى صاحبه. قال في "كتاب" الزكاة الأول: يكون ذلك بينهما على أربعة أجزاءٍ، فالربع لصاحبِ التسعة والثلاثين، وثلاثة أرباعٍ لصاحب الثلاثة عشر. قال محمدٌ: بل يقتسمانِ ذلك على ستَّةَ عشرَ جزءاً، فتسعة أجزاءٍ لصاحبِ الثلاثة عشر. وسبعة لصاحب السبعة والثلاثين؛ لأنَّ ربَّ الثلاثة عشرَ بما يلزمه على المحاصة في شاةٍ شاةٍ فظُلمَ بتسعةِ أعشارها، وصاحب التسعة والثلاثين كان يلزمه ثلاثة أعشار

(2/252)


شاةٍ، فظلمَ بسبعةِ أعشارها. يريدُ فيتحاصان على قدرِ ما ظُلما به.
قال: ولو تاب المصدق فردَّ شاةً على صاحبيِ القليل، لقسَّماها مع ما أخذا من صاحب الكثير، حتى يصيرَ هذا غارماً لعشرِ شاةٍ، وهذا غرماً لثلاثة أعشار شاةٍ. ولو ردَّ شاتين أخذا بمذهبنا كانتا بين هذين، وردَّا على صاحب الكثير ما اخذا منه، ولزمته الشاةُ وحده. ولربِّ الكثير أخذ ما كانا أخذا منه من هاتين الشاتين، ثم يتحاسبان بهما فيما بقي بينهما.
قال: ولو أخذ شاتين من صاحبي القليل، شاةً من كلِّ واحدٍ، لرجعا على صاحب الكثير بشاةٍ، يعني التي لا حصاص فيها – على أحذ القولين من قولي أصحابنا، وبتسعة أعشار شاةٍ ثم يقتسمان ذلك على ستة عشر جزءاً، يريدُ – إذا أخذ صاحبُ الكثيرِ من هاتين المائتين ثلاثة أخماس شاةٍ – تحاسبا في الذي كانا أخذا منه، يحتسب كل واحدٍ ممَّا عندَه من ذلك، ثم يضيف كل واحدٍ من هذه الشاة والخمس، الشاة الباقية حتى يرجع إلى كلِّ واحدٍ شاةٌ كاملةٌ، كما ذكرنا.
قال: ولو أخذ شاةً من ربِّ الكثير وشاةً من ربِّ الثلاثة، عشرَ لرجع ربُّ الثلاثة عشرَ على ربِّ الكثير بستة أعشارها، وبثلاثة أعشارها على الآخر، ولو كان إنَّما أخذ الثانية من صاحب التسعة والثلايين، لرجع بعشرها على ربِّ الثلاثة عشر وبستة إعشارها على ربِّ الكثيرة، ولو لم يأخذ إلاَّ من صاحبِ الثمانية والسبعين شاتين، أو ثلاث شياهٍ، لم يرجع إلاَّ

(2/253)


بعُشْر شاةٍ على ربِّ الثلاثة عشر وبثلاثة أعشارها على ربِّ التسعة والثلاثين.

في الخليطين لأحدهما أو لكلِّ واحدٍ منهما
غنمٌ أخرى بخليطٍ أو بغيرِ خليطٍ
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: ومَن له ثمانون شاةً له فيها خليطٌ بأربعين ومنها أربعون ببلدٍ آخر، بغيرِ خليطٍ، فهو خليطٌ لصاحبه بما حضرَ وغابَ، وليس عليهما إلاَّ شاةٌ، على صاحب الأربعين ثلها.
قال أصبغُ: وكذلك لو كانت الثمانون ببلدٍ واحدٍ. وقال عبدُ الملكِ: يكون على ربِّ الأربعين نصفُ شاةٍ وعلى صاحب الثمانين ثلثا شاةٍ. قال محمدٌ: وقولُ مالكٍ أحبُّ إلينا، وعليه جُلُّ أصحابه. وقال سحنون لقولِ عبدِ الملكِ: وهو أحبُّ إليَّ من قول ابنِ القاسمِ وأشهبَ. وأنا أشكُّ أَنْ يكون ابن وهب رواه عن مالكٍ.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال عبد الملكِ، وسحنون، فِي مَنْ له في بعض غنمهِ خليطٌ: إنَّ خليطه لا يكون له حكم الخُلطةِ في التي لم تخالطه بها.
وقال ابن القاسمِ: يكون خليطاً له في ما حضر وغاب.
قال سحنونٌ: ولو أن البعض الذي له فيه الخليط لا تجب فيه الزكاة إل مع غنمهِ الأخرى، فله به حكمُ الخلطةِ مع شريكه، لأنَّ عليه الزكاة فيما غاب أو حضر.

(2/254)


ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن عبد الحكم، وأصبغ، فِي مَنْ له ثمانون شاةً فريقين له في كلِّ أربعين منهما خليطٌ بأربعين: فهم كلُّهم خُلطاءُ. قال محمدٌ: والذي آخذُ به انَّ صاحبَ الثمانين خليطٌ لهما، وصاحبيه خليطان له، وليس أحدهما حليطاً لصاحبه، فيقع على صاحبِ الثمانين شاةٌ، وعلى كل واحدٍ من صاحبيه ثلاث شياهٍ.
قال: ومن له عشرةٌ من الإبلِ ببلدٍ، وله فيها خليطٌ بخمسةٍ، وله ببلدٍ آخر عشرةٌ أخرى له فيها خليط بخمسةٍ، فهو خليط لرجلين لا خُلطةَ بينهما، فعلى كلِّ واحدٍ من الرجلين خمسُ بنتِ مَخاضٍ، وعلى صاحبِ العشرين ثلثا بنت مخاضٍ، فجملة ذلك بنت مخاضٍ وخُمسُ ثلث بنت مَخاضٍ، فمن وجدَ في إبله بنت مخاضٍ أخذها.
فإن أخذاها من إبل صاحبِ العشرين، أخذا بقيَّة حِقَّةٍ من أيِّهما شاء، وهو ثلث خمس قيمة بنت مخاضٍ، ويرجع الذي أدَّى بنت مخاضٍ – وهو ربُّ العشرين – ثلث قيمتها حتى يغرمَ كلُّ واحدٍ ما عليه، فإن أخذها من أحدِ صاحبيِ الخمسة رجعَ على صاحبيه بما عليهما، على ما ذكرنا.
ولو كان خليطٌ لرجلين لدفع هذا عشرةً، ومع هذا خمسةٌ فعليه ثلاثةُ أخماس بنت مخاضٍ، وعلى صاحبيه شاةٌ شاةٌ على كلِّ واحدٍ.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال غيره: ومَن له ثلاثون بعيراً مفترقة قد خالطَ بكلِّ عشرةٍ منها خليطاً له أيضا عشرة، ففي الجميع حِقَّةٌ، فعلى ربِّ الثلاثين نصف حِقَّةٍ، لأنَّه خليطٌ لجميعهم، وعلى كلِّ واحدٍ من خلطائه ربع بنت

(2/255)


لبونٍ. وكذلك من له خمسة عشر مفترقة، له في كل خمسةٍ خليطٌ بخمسةٍ فعليه نصف بنت مخاضٍ، وعلى كلِّ واحدٍ من أصحابه، وهذه في "العُتْبِيَّة". ذكرها هكذا أصبغُ، عن بعض المصريين.

في من خالطَ عبدَه بغنمٍ أو غيرها،
وفي من وهبَ لابنهِ غنماً فأراد عزلها في الصدقةِ أو يخالطه بها
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، و "العُتْبِيَّة"، من رواية عيسى، عن ابنِ القاسمِ، وقال في السيد يكون خليطَ عبدهِ، قال: لا يوجب ذلك خُلطةً وليؤدِّ كما يؤدي وحده، ولو زرع معه لم يكن على السيد شيءٌ، إلاَّ أنْ يكون في حصته همسة أوسقٍ، وكذلك عبدُ غيره. وكما لو كان خليطه. أو شريكاً نصرانيًّا.
وذكر ابن حبيبٍ فِي مَنْ هو خليطٌ لعبدهِ أو لعبدِ غيره أو الذمِّيِّ: فليأخذ منه على حساب الخُلطةِ في الماشية، ويُسقِطُ عن العبدِ والذمي. قال: وهو قول ابن الماجشون، فإن لم يُسقط عنه وأخذها من غنمِ المسلمِ فهي كلها منه. فإن أخذها من العبدِ أو الذمي رجعَ بنصفها على المسلمِ الحرِّ.
ومن "المَجْمُوعَة"، و "العُتْبِيَّة"، قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ، في مَن وهبَ لابنهِ الصغير غنماً، ووسمها وحازها لهن فإن ضمها إلى غنمهِ، وكان فيها شاتان، وإن أفردها كان له فيها شاةٌ. قال: فلا يضُمُّها إلى غنمهِ.

(2/256)


قال في "العُتْبِيَّة": وإن علم المصدِّقُ أنَّه إنَّمَا له منها كذا وكذا: فليصدقه وإن كان على صدقته بينةٌ، هكذا في رواية عيسى. قال سحنونٌ: إذا كلَّفه البينة فلم يصدقه.

في سيرة السُّعاة في أخذ الصدقةِ، وهل يؤخذ بها أحد في غير بلدهِ، وهل يُنصبُ لها في الطرقِ، وفي تعدِّي المصدِّقِ؟
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم: وليس على أحدٍ جلبُ صدقةِ الماشية، والحَبِّ، والثمرِ. وكذلك روى هو وأشهب، عن مالكٍ في الحَبِّ والثمرِ.
ومن "العُتْبِيَّة"، قال مالكٌ: ليس على أهل الحوائطِ حملُ صدقاتهم إليهم، وليؤخذ منهم في حوائطهم. وكذلك الزرع والماشية. وقاله ابنُ القاسمِ، عن مالكٍ في "العُتْبِيَّة"، ونحوه في "المَجْمُوعَة".
وعلى السعاة أَنْ يأتوا اصحابَ الماشيةِ على مياههم، ولا يقعدون في قريةٍ ويبعثونَ، فتُجلبُ إليهم المواشي. وأمَّا من بَعُدَ من المياه التي يردها السُّعاة، فعليهم جلبُ ما يلزمهم إلى المدينةِ، فإن ضعفت عن ذلك الغنمُ، فلا بُدَّ من ذلك، ليتفقوا على قيمتها، وَلا بَأْسَ بالقيمة في مثل هذا،

(2/257)


فإذا جلبوا ما فيه وفاءٌ، فليأخذه ولا يعنفهم، وإذا كانت الغنمُ كلُّها عِجافاً أخذَ منها. وهذا في باب تخلُّفِ الساعي.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ، في البصري يقدم بالمدينةِ بإبله، فلا يؤخذ بصدقتها؛ لئلا يؤخذ ببلدهِ بها ثانيةً، إلاَّ أنْ يكونَ بالمدينة أداءٌ.
قال ابن نافعٍ، عن مالكٍ: لا يأخذ المصدق ممن مرَّ به، ولكن يأخذ من أهل عمله.
قال أشهبُ، عن مالكٍ، فِي مَنْ إبله بذي الحُليفَةِ فذهب يبتغي الكلأَ أيؤخذ منهم بالمدينةِ، أم يبعث إليهم؟ قال: يفعل ما فعل من قبله من صالحي الولاةِ، ثم خفَّفَ أن تؤخذ القيمة في هذا ولا يُرهقوا عُسراً. قيل: فمَن لزمه بخيبر وفَدَكَ صدقةُ حَبٍّ أو تمر، أيكلف أَنْ يأتيَ بذلك بعينه المدينة؟ قال: إذا جاء بمثله، فلا حجة عليه. قال ابن الْمَوَّاز: وذلك إذا رضي ربُّها أَنْ يؤدي مثلها بالمدينةِ، وإلاّ لم يكلف ذلك.
ومن "العُتْبِيَّة"، روى عيسى، عن ابن القاسمِ، قال: وإذا حلَّ الحولُ، والإبلُ في سفرٍ فلا يصدقها للساعي حتى تأتيَ، فإنْ ماتت فلا شيءَ عليه. وإذا كان له خمسُ ذودٍ فشردَ بعيرٌ منها أو ضلَّ، فلا يأخذ منه الساعي شيئاً، فإن وجده صدقها حين يجده. قال في رواية أبي زيدٍ: لا ينتظر بها حولاً آخر.
ومن قرارُه بالبصرةِ، فأكرى على المدينة، فسألهم ساعي المدينةِ عن الصدقةِ، فقالوا: كنا نؤدي. فلا يأخذ منهم؛ لأنهم يؤخذون بالصدقةِ بالعراقِ، فإن سأل عنهم فظهر له أن صدقتهم تؤخذ بالمدينة، فليأخذهم بذلك

(2/258)


ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: ولا يُنَصَّبُ أحدٌ في الطرقِ لأخذ الزكاةِ، ولا على من دخل مدينةً أَنْ يقومَ ما معه لذلك.
قال أشهبُ: وليجلسوا في مواضعهم فمَن جاءهم بشيءٍ قبضوه، ولا يبعث في ذلك إلى أحدٍ.
قال مالكٌ: وقد أخطأ مَن حلَّفَ الناسَ من السعاة وليصدَّقُوا بغير يمينٍ.
ومن "العُتْبِيَّة"، ابن القاسمِ، عن مالكٍ: وإذا خرج الساعي قبل إبله، فأخذ من قومٍ قبل الحولِ لم يجزئهم. وذكر وقت خروج السعاة مذكور في باب تخلف الساعي.
قال مالكٌ: ومَن لزمته شاةٌ في زكاته، فإن ذبحها وفرَّقها لحماً، لم يُجْزِئُهُ وليُعطها حيَّةً لمن رأى من المساكين. وكذلك قال ابن القاسمِ، وأصبغُ في "كتاب" ابنِ الموازِ. وقال أشهبُ: يُجْزِئُهُ وبئسَ ما صنع.
وقد تقدَّمَ هذا في باب أخذِ السعاة في الصدقةِ ثمناً، وفيه ذكر المكوس، وبعد هذا بابُ دفعِ الزكاةِ إلى الإمامِ العدلِ أو غيره، وتصديق الناس فيها.

في أرزاق السُّعاة، وهل يتضيَّفُون بأحدٍ أو يُحملُون على إبلِ الصدقةِ، وهل يليها العبدُ؟
من "العُتْبِيَّة"، و"كتاب" ابن سحنونٍ، عن ابن القاسمِ، قال: رِزْقُ الساعي على قدر شخوصهِ في القرب والبعدِ، وربما كان له مثلُ ربعِ سهمٍ من المسعى القريب الكثير الأداء، وربما كان له سهمان وثلاثةٌ

(2/259)


فيما بعدُ منه. مالكٌ: ولا يليها عبدٌ وإن كان كالأجير، فلا يكون إلاَّ مَن له الأخذُ من الصدقةِ. ومن أُعينَ من السُّعاة من بيتِ المالِ في خروجه فليُحطَّ من عطاءِ العمالة بقدرِ ذلك، وأمَّا المُوسِرُ فلا يُعان في خروجه، وليأخذ عَمالته وأجرَه.
وإذا كان العاملُ عليها مِدياناً، فلا يأخذ مع الغارمين إلا أَنْ يعطيه الإمام باجتهادهِ.
ومن "المَجْمُوعَة"، و"كتاب" ابنِ سحنونٍ، قال ابنُ نافعٍ، وعليٌّ، عن مالكٍ: وإذا نزل الساعي بصديقٍ له في ضيافةٍ، أو يَمُرُّ ببعضِ عملهِ، فيُقْرُوه ويتدَثَّرُ من البردِ بمتاعهم، فالتنزه عن ذلك أحسنُ، وذلك في غير عمله أخفُّ. قال عنه المغيرة في "المَجْمُوعَة": لأنَّه ضيفٌ في عمله، ولا يقبل لهم طعاماً ولا هدايا ولا علفاً لدابته.
ومن "كتاب" ابن الموازن قال مالكٌ: ولا يعجبني أَنْ يتضيَّفَ الساعي بمن يريد أَنْ يزكِّيَ ماشيته ويذبح له ويستعير منه الدابة، وإن صحَّ ذلك منه، وقد يراه مَن يقتدي به.
ومن "العُتْبِيَّة"، قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ: ويُكره أَنْ يتضيَّفَ الساعي بربِّ الماشيةِ، أو يستعير منه الدابة، ولا يتضيف الرجل بغريمه. واستخفَّ للسُّعاة شربَ الماءِ من أهل الماشية، قال: وليأكلوا من أرزاقهم.
ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، وقال مالكٌ: لا ينبغي للأمير ولا للعاملِ على الصدقةِ أَنْ ينزلَ على أحدٍ من أهل عمله، ولا يأكل عندَه، ولا يقبلَ له هديةً ولا منفعةً، فإن فعل لم ينبغِ لمن معه أَنْ يأكل من ذلك.
قال مالكٌ: ولا يأكل الساعي إلا رأس مالهِ، وَلا بَأْسَ أَنْ يحمل متاعه على بعيرٍ من الصدقةِ، إن كان متاعاً خفيفاً، ويحمل ذلك إن كان لابدَّ فاعلاً على أدنى الإبلِ، إن كان شيئاً خفيفاً لا يضرُّ به فيما يحتاج إليه المسلمون.
قال أبو محمدٍ عبد الله بن أبي زيدٍ: إذا كانت الإبلُ مُحبسةً في سبيلِ الله وكانت من أربعةٍ وعشرين إلى خمسِ ذَوْدٍ، فإنَّ فيها الزكاة، وَلا بَأْسَ أن تُكرى في زكاتها ويُشترى من كرائها ما يجبُ فيها من الغنمِ، فإن لم

(2/260)


يُوجد من يَكرِي ويَئِسَ من كرائها، فلا باس أَنْ يُباعَ متها ما يُزكِّي به، مثل أَنْ يكونَ نصفُ جَمَلٍ منها يفي بزكاةِ ما عليها، فيُباع نصف جملٍ، وإن لم يفِ بذلك إلا ثمنُ بعيرٍ، فليبع بعيرٌ، فإن لم يوجد من يشتري نصف بعيرٍ، فجائزٌ أَنْ يُباع بعير كاملٌ، ويُخرج من ثمنه الزكاة، ويُشترَى بالباقي منه بعيرٌ دون السنِّ، أو بعضُ بعيرٍ، إن أمكن ذلك. وأمَّا إن كانت الإبل ممَّا فيها زكاة الإبلِ، فلم يوجد السنُّ الواجبة فيها، ووجِدَ أفضلُ، فإنَّه يُباع ويُشترَى منه السنُّ الواجبةُ، ويعملُ بالفاضلِ من الثمنِ ماذ كرنا. وأمَّا إن وجد فيها دُون السنِّ، فإنَّه يُباع منها ما يُشتَرَى به السنُّ الواجبة.

ما تجب فيه الزكاة من الحبوب والثمار
وفي كم تجب من الكيل، أو ما يُجمع منها من الزكاةِ، وفي الحائطِ فيه أصنافٌ أو صِنْفٌ
من "المختصر" قال مالكٌ: كلُّ ما كان من تمرٍ، أو عنبٍ، أو زيتونٍ، أو حَبٍّ يُدَّخَرُ ويأكله الناس – يريدُ وهو لهم قوتٌ وأصلُ معاشٍ – ففيه الزكاةُ في خمسةِ أوسقٍ فأكثر فيما سقتِ السماء العشرُ – وفيما سُقِيَ بالنَّضْحِ نصف العشرِ والوسْقُ ستون صاعاً بصاع النبي صلى الله عليه وسلم وما زاد على خمسة أوسقِ فبحسابِ ذلك.
قال ابن القاسم في "المَجْمُوعَة": والخمسة أوسقٍ ثلاثمائة صاعٍ بصاع النبي صلى الله عليه وسلم وهي عشرةُ أرادبَّ. قال سحنونٌ: وهي ستَّةُ أقفزةٍ وربعٌ بإفريقية.
قال مالكٌ في "المختصر": والحبُوبُ التي تُزكَّى، القمحُ والشعير والسِّلْقُ والذرةُ والدُّخْنُ والأرز والحِمَّصُ واللوبيا والعَدَسُ والجُلْبَانُ والبِسِلَّةُ

(2/261)


والفولُ والجُلجُلانِ والتُّرْمُسُ، وليس في الحلبةِ زكاةٌ.
ومن "العُتْبِيَّة"، قال أشهبُ، عن مالكٍ في الكِرْسِنَّةِ: إنَّها مِن القُطنيَّةِ. وقال ابن حبيبٍ: بل هي صنفٌ على حدته.
قال أصبغُ في "العُتْبِيَّة": والإشقاليَّةُ التي بالأندلس صِنْفٌ منفردٌ، وفيها الزكاةُ. وقاله ابنُ وهبٍ. قال أصبغُ: وهي حبَّةٌ مستطيلةٌ مصرفةٌ في طول الشعيرة، وليس على خلقته، وهي إلى خِلقةِ السُّلْتِ وخلقَةِ القمحِ أقربُ، وليست من القمح ولا من الشعير. وقال ابن كنانة: هو صنفٌ من الحنطةِ يقال له: العلسُ، يكون باليمن يُجمعُ مع الحنطةِ. قال ابنُ حبيبٍ: وهو قول مالكٍ فيه، وجميع أصحابه، إلا ابن القاسمِ.
قال مالكٌ: وليس في الفواكه كلها، رَطْبِهَا ويابسها زكاةٌ، ولا في الخُضَرِ زكاةٌ. قال أبو محمد: هذا قول مالكٍ، وأصحابه، ومَن اتَّبعهم إلاَّ ابن حبيبٍ، فقال في الثمار التي لها أصولٌ: الزكاة، مدَّخَرَةٌ أو غير مدخرةٍ.
قال مالكٌ: ولا زكاة في الثمار، إلا في النخل والعنبِ والزيتون.
ومن "العُتْبِيَّة"، ومنه ومن "العُتْبِيَّة"، روى ابنُ وهبٍ، عن مالكٍ: في التُّرْمُسِ الزكاةُ، وليس في الحُلْبَةِ زكاةٌ، ولا في العصفرِ والزعفران، ولا في العسلِ.
قال عنه ابن نافعٍ: ولا في شيءٍ من التوابل، ولا في الفستق وشبهه، ولا في القطنِ.
قال عنه ابن وهبٍ: وما علِمْتُ أنَّ في حَبِّ القُرطمِ وبزر الكتَّان زكاةٌ. قيل: إنَّه يُعصَرُ منها زيتٌ كثيرٌ. قال: فليُزكِّ إذا كثُرَ هكذا.
ولا زكاة في يابسِ الفواكه، ولا في قصَبِ السكر.

(2/262)


ورَوَى ابنالقاسم، عن مالكٍ، أنَّ في حَبِّ القُرطمِ الزكاة من زيته.
قال سحنونٌ: وقد قال: لا زكاة فيه. وهو أحبُّ إليَّ.
قال عنه ابن القاسمِ: لا زكاة في بزرِ الكتان، ولا في زيته إذ ليس بعيشٍ. وقاله المغيرةُ، وسحنونٌ.
قال أصبغُ في "كتاب" ابن الْمَوَّاز: فيه الزكاة وهو أعمُّ نفعاً من زيت القُرطمِ.
ابنُ القاسمِ، عن مالكٍ، قال: والترمسُ من القُطْنِيَّةِ، ففيه وفي حَبِّ القُرطمِ الزكاةُ، ولي سفي الحُلبةِ زكاةٌ، أصناف القطنية تُجمعُ في الزكاة إلاَّ أنَّه يُخرج من كل صنفٍ بقدره، إلا أنْ يُعطيه منها ما يرضى به، وليس القرطم منها ولا الجُلجلان والأرز، وقد جُمعَ البُرُّ مع الشعير والعَلسِ وجميعِ أصناف التمرِ وأصناف الزبيبِ في "المدونة". وقد تقدَّمَ في باب ما يُجمعُ على الرجلِ في الزكاة.
قال ابن نافعٍ عن مالكٍ في "المَجْمُوعَة": وإذا كان حائطٌ رديئاً كله أو جيداً كله، فليبتعْ له ربُّ الحائطِ وسَطاً من الثمرِ، وقاله عبد الملكِ.
قال ابن نافعٍ في "كتاب" ابن سحنونٍ: وهو عند مالكٍ بمنزلة الغنمِ.
وأنا أرى أنَّه بخلافهما، وليؤدِّ مما عنده. ومن "المَجْمُوعَة"، وقال عنه ابن القاسمِ: بل يؤدي منه. ورواه عنه أشهب. وقال به ابن نافعٍ: وقال: ليس كالغنمِ. وقال عنهِ أشهبُ: وإن كان في الحائط دنِيٌّ وجيِّدٌ، أحذَ من كلِّ صنفٍ بقدره. وكذلك إن كان أحدهما أكثرَ، فهو كاجتماع الشعير والقمح. وقاله أشهب.
ورَوَى ابن القاسمِ في أصناف التمرِ في الحوائطِ، أن تُؤدَّى من وسطهِ. وبه قال ابن القاسم. وهو قد روى القولين عن مالكٍ، ورَوَى مثله أشهب، وابنُ نافعٍ. وقال مالكٌ: والعجوةُ من وسطهِ. ونحوه في "كتاب" ابن سحنونٍ. وقال: قال ابن القاسم: يؤدي ما في حائطه دَنِيًّا كان أو جيداً، وإنما

(2/263)


يؤدِّي من وسط التمر عند مالكٍ، إن كان فيه اصنافٌ فيؤخذ من وسطهِ. وقال: والعجوة من وسطه. واختار أشهبُ، وابن نافعٍ قوله الأول، أنْ يؤدي من كل صنفٍ، وإن كان صنفٌ أكثر من صنفٍ، فمن كل صنفٍ بقدره. وقال ابن سحنونٍ: وقد كان سحنون مالَ إلى القول الأولِ. وقال سحنونٌ: إنَّ الثمرة كالغنمِ، ويؤخذ من وسطِ التمر لا من رديئه ولا من جيده، فإن كان مالُه رديئاً كله، فعليه أَنْ يأتي بالوسطِ، وكذلك عن كان ماله جيداً كله، وإن كان فيه أصنافٌ فمن كلِّ صنفٍ بقدره.

في زكاة ما يُسقَى بالنَّضْحِ وبماء السماءِ والعيون، وما يجمع من ثمر الشعارى أو من ارض العدوِّ، وفي الأرض تزرع في السنة مرتين
قال ابن حبيبٍ: البَعْلُ، ما يشرب بعروقه من غير سقيِ سماءٍ ولا غيرها، والسَّيحُ ما يشرب بالعيون. والعِدِّيُّ والعَثَرِيُّ، ما تسقيه السماء. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن نافعٍ، وعليٌّ، عن مالكٍ فِي مَنْ له النخلُ والعنبُ فيسقي نصفَ السنة بالعين، فيقطع باقيها بالنضح أو الساقية: فليخرج زكاة ذلك، نصفه على العشر ونصفه على نصف العشر. وقاله المغيرة، وعبد الملكِ، وابن القاسمِ. قال مالكٌ: وإن سقَى أكثرها بأحدِ الصنفين كان القليل تبعاً للكثيرِ – وقاله عبد الملكِ – تقدَّمَ الكثيرُ أو تأخَّرَ، فعليه أَنْ يخرج الجميع. قال ابن القاسمِ: وجُلُّ ذلك ثلثا سقيه، أو ما قارب ذلك. وأمَّا إن زاد على النصف اليسير، فليخرج نصفين.
قال ابن القاسم، عن مالكٍ، فِي مَنْ زرع زرعاً من ماءٍ يُسقَى فجاءه من ماء السماءِ ما أغناه: فليخرج زكاته بالعشر كما لو زرع على البعلِ فاحتاج على السقي فيسقي، فليؤدِّ ذلك على السقي، وجد ذلك ما تمَّ به وكان أكثر ذلك فعليه يُخرج.

(2/264)


قال مالكٌ: وإذا كانت الأرضُ تُزرع في السنةِ مرتين، فليؤدِّ في كل مرةٍ، ولا يجمع عليه ما حصدَ في المرتين، وإنَّما يَنظرُ على كلِّ حصادٍ. وكذلك في "المختصر".
قال ابن سحنونٍ، عن أبيه: قال مالكٌ: إن كان يحصد في كلِّ مرةٍ خمسة أوسقٍ، فليزكِّ، فإن لم يُصِبْ في كل مرةٍ خمسة أوسقٍ، فإنَّ ما زرع في الصيفِ في أوله يُضَمُّ مع ما زرع في آخر الصيف، ويُجعلُ كالبَكْرِيِّ والمتأخر، وكذلك يضم ما زرع في أول الشتاء إلى ما زرع في آخره، ولا يُضمُّ زرعة الصيف إلى زرعة الشتاء، وقال عنه ابن نافعٍ: لا زكاة عليه حتى يدفع في كل مرةٍ ما فيه الزكاة.
ومن "المَجْمُوعَة"، ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: ولا زكاة فيما يؤخذ من الجبال من كَرْمٍ وزيتونٍ وتمرٍ ممَّا لا مالك له، وأمَّا ما أُخِذَ من ذلك من ارض العدوَّ ففيه الخمس، إن جعل في الغنائم. قال مالكٌ في الزيتون الجبلي: يُنقَّى ما حوله من الشعرِ، أو يجمعه: فإن كان يأخذه ثم ينقطع عنه، فلا زكاة فيه، وإن قطع ما حوله ليكون له في المستقبل، فعليه الزكاة.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: وما جمع من تمرٍ وادى هبيبٍ: فلا زكاة عليه فيه. قيل: وإن ورَاهم ممَّن أخذتهم الصيحةُ فربما وجدوا القطعة من الورق. قال: يزكيها أحبُّ إليَّ. قال ابن القاسمِ: ولا أرى به بأساً. ومما تقدَّمَ في صدر هذا الباب، عن عليٍّ، وابن القاسم، وابن نافعٍ، عن مالكٍ، وهو أيضاً في "كتاب" ابن سحنونٍ.

(2/265)


في خرصِ العنبِ والنخلِ، وكيف إن نقص أو زاد
أو أُجيحَ، وكيف بما أكل أو تُصِدِّقَ أو جُدَّ قبل طيبه؟
ومن "المَجْمُوعَة"، و"كتاب" ابن سحنونٍ، قال عليٌّ، وابن نافعٍ، عن مالكٍ: لا يبعثُ في الخرصِ إلاَّ أهلُ المعرفة والأمانة. قال عنه ابن نافعٍ: ويُخرَّصُ الحائطُ نخلةً نخلةً، حتَّى يفرغَ الحائطُ ثم يجمعُ ذلك.
قال ابن حبيبٍ: وليخفَّفُ الخارصُ ويوسِّعْ على أهله لما ينتفعون وينالون من رءوس النخلِ. قال أبو محمدٍ: قول ابن حبيبٍ هذا خلاف ما روي عن مالكٍ، أنَّه لا يُخلَّى لهم شيءٌ من ذلك.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: ويُحسبُ على الرجلِ كلُّ ما جدَّ أو علفَ أو تصدق به أو وهبه، من زرعه بعد ما افرك إلا الشيء التافه ولا يحسب ما كان من ذلك قبل أَنْ يفركَ. قال عنه ابن القاسمِ: وأمَّا ما أكلت الدَّوابُّ بأفواهها عند الدِّراس، فلا يحسب ويحسب ما علفهم منه.
قال أشهبُ: ومنِ استأجرَ على خرطِ زيتونهِ على الثلثِ، فعليه زكاة ذلك الثلث.
ومن "المَجْمُوعَة"، و"كتاب" ابن سحنونٍ، قال مالكٌ: إذا خرَّصَ خارصٌ مائة وَسَقٍ، وخرَّصَ آخرُ فيه تسعين، وآخرُ ثمانين أخذ من قولِ كل واحدٍ ثلثه. قال: ولا يبعث في ذلك إلا أهل المعرفة والأمانة. قال عنه ابنُ القاسمِ، وغيره: ويؤدي زكاة ما زاده على ما خُرِّصَ عليه لقلَّةِ إصابة الناس اليوم. قال أشهبُ: إن كان في زمان العدل، لم يكن ذلك عليه.
قال أشهبُ: في "كتاب" ابن سحنونٍ: إن خرَّصَ عليه أربعة أوسقٍ فأصاب خمسةً، فإنْ كان في زمانِ العدلِ عَمِلَ على ما خَرَّصَ عليه،

(2/266)


زاد أو نقصَ، وإن كان زمان الجورِ، فليخرج على ما وجدَ، زادَ على الخرْصِ أو نقص.
ورَوَى عليٌّ وابن نافعٍ، عن مالكٍ، قال: إن خرَّصه عالمٌ، فلا شيء عليه فيما زاد، وإن خرَّصَه غيرُ عالمٍ، فليُزكِّ الزيادة، وعامة من يخرِّصُ اليومَ لا يعرفون كمعرفة من مضى. ونحوُه في "المَجْمُوعَة". وقال ابن نافعٍ: يؤدي زكاة الزيادة، خرَّصَه عالم أو غير عالمٍ. ورَوَى أشهبُ، وابن نافعٍ، عن مالكٍ: أمْثَلُ عندي أَنْ يؤدي على الزيادة، ومن الخُرَّاصُ مَن يُتَّهَمُ بالتخفيف على الناسِ. وأما من وجد أقلَّ. فليس عليه إلا زكاة ما وجد، إنْ صَدَقُوه ولو أطاعوني لم يأخذوا منه إلا ما وجدوا. ونحوُه في "المَجْمُوعَة".
قال عنه ابنُ نافعٍ في "الكتابين": ولا يُقبلُ قوله في الخَرصِ: إنَّه نقص عليه.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال عنه أشهب: وإن خرَّصَ عليه كرمةً خمسةَ أوسقٍ ففسدَ، فلا شيء عليه، فإن بيع ما فسد أدَّى من ثمنه. قال ابن القاسم: فإن بقي بعد الجائحةِ أربعة أوسقٍ، فلا شيء عليه. قال ابنُ القاسمِ: ولا يُحسبُ عليه ما اكل من حائطهِ بلحاً، بخلاف الفريك الأخضر وشبهه.
وقال مالكٌ: وما أكل من القُطنيَّةِ أخضرَ، أو بيعَ كذلك، فليتحرَّه، فإن بلغَ خرصُه على التيبيس خمسة أوسقٍ، زكَّاه، وأخرج عنه حَبًّا يابساً من ذلك الصنف.
قال في "كتاب" ابن الْمَوَّاز: وإن شاء أخرج من ثمنه. قال أشهب في "المَجْمُوعَة": إن غلبه معرفة ذلك ثم يؤدي من ثمنه.
قال ابن حبيبٍ: فيما يُفادُ من الزكاة في الخضر والفواكه: يُخرَصُ منها

(2/267)


ما يبس على ما يصحُّ فيه إذا يب وما لا يبيسُ، فما بلغ خرصه وهو أخضر مما يجب فيه الزكاة، زكَّى.
فيما لا يتزبَّبُ من العنب أو بلحٍ لا يُثْمرُ،
أو زيتونٍ لا زيتَ فيه
من "المَجْمُوعَة"، ابن القاسمِ، عن مالكٍ، وقال في بلحٍ لا يزهي: إنَّمَا يؤكل أخضر. قال: إن بلغ خمسةَ أوسقٍ أدَّى من ثمنه. قال أشهبُ: وإن أكله أدَّى من قيمته.
قال عنه ابن نافعٍ، وعليٌّ، في "كتاب" ابن سحنونٍ في العنبِ الذي لا يتزبَّبُ: يُخرَّصُ ذلك العنب زبيباً، فإن وجد بالبلد زبيباً، فليشتره للزكاة، وإن لم يُبَعْ بالبلدِ زبيبٌ، أخرج من ثمنه وإذا أكله، أخرج عشرَ ما يُباع به مثلُه، إن كان في الخرصِ خمسةُ أوسقٍ، وإلا فلا شيءَ عليه، وإن كثر الثمنُ. وقاله ابن اقاسمِ، وأشهبُ فيما لا يثمر من العنب والبلحِ.
قال مالكٌ في "كتاب" ابن الْمَوَّاز، فِي مَنْ لهم أعنابٌ لا يزببونها؛ لأنَّهم يعملون بها أو بأكثر ربا. قال: فليزببوا منها قدر الزكاة. قال ابن الْمَوَّاز: إذا أراد صاحب عنب مصر الذي لا يتزبب أَنْ يخرج زبيباً، فليس ذلك له وليخرج ثمناً. قال ابنُ حبيبٍ في عنبٍ لا يتزبَّبُ: إنَّه يُخرج من ثمنه وإن أخرج منه عنباً أجزأه ولا بدَّ أَنْ يُخرَّصَ، وكذلك الزيتون الذي لا زيت له، ورُطَبٌ لا يثمر إذا أُخرجَ من حَبِّه أجزأه.

(2/268)


في عصر ما يُزَكَّى من زيته، وفي من باع زرعاً
أو حَبًّا قبل أَنْ يزكيه، أو وهبَ ذلك أو تصدَّقَ به
بأصله أو بغير أصله، وكيف إن أجيح المبيعُ
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: ومَن لزمه زكاةُ زيتونٍ أو حَبٍّ فُجْلٍ فعَصَرَه عليه. وقاله في الجُلجُلانِ ثم خفَّفَ أَنْ يؤخذ من حَبِّهِ. قال أشهبُ: إلاَّ أنْ يُعصرَ فيؤخذ من زيته.
ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، ابنُ نافعٍ، عن مالكٍ، قال: يُخرج زكاةَ الجُلجلانِ وحَبٍّ الفُجلِ من زيته، فإن لم يعصرهما أخرج من حَبِّهما.
ومن "المَجْمُوعَة"، و"كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ، فِي مَنْ باع ما يُثمرُ وما يتزبَّبُ: فليأتِ بما كان يلزمه من ثمرٍ أو زبيبٍ. وكذلك الزيتون الذي له الزيت. قاله ابن القاسمِ، وأشهبُ. قال أشهبُ: إلا في الزيتون للزيتِ، فالمُصَدِّقُ مُخَيَّرٌ أنْ يأخذَ منه زيتاً أو قيمه الزيت.
قال مالكٌ: إنْ باعَ كَرْمَه عنباً فلم يَضْبُطْ خَرْصَه، ولا أنْ يتحرَّاه أو يتحرَّى له فليودِّ من ثمنهِ.
قال ابنُ نافعٍ في "المَجْمُوعَة"، في الذي باعَ زيتونه: فليأتِ من الزيت بالوَسَطِ من إخراج مثله.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: ومَن باع زرعه بعد يبسهٍ أو تَمْرَه، فله أنْ يأتمنَ المبتاعَ على ما يَجِدُ فيه، ويُزَكِّيَ على قوله. فإنْ باعَه من نصرانيٍّ فليتحفَّظْ من ذلك. قال أصبغُ: وإنْ لم يعلمْ توخَّاه وزادَ ليسلمَ، ومَن باعَ زرعَه اليابس فعليهٍ الزكاة، فإن أُغْرِمَ والطعامُ لم يَفُتْ أُخذت الزكاة من المبتاع ورجع بحصة ذلك من الثمنِ. قال أشهبُ: لا

(2/269)


يُتبع المبتاع وإن كان الطعام بيده، كعبدِ البيِّ يبيعه أبوه، فيأكل ثمنَهُ فلا قيام للصيب فيه.
ومن "العُتْبِيَّة"، روى عنه ابن القاسمِ فِي مَنْ باع زرعاً بأرضه قبلَ طِيبه، أو اصول نخلٍ بثمرها، قبل طيبها. قال مالكٌ: ولا يجوزُ أَنْ يشترطَ الزكاةَ على البائعِ، وهي على المبتاع، ولو طابَ ذلك كانتِ الزكاة على البائعِ، إلا أَنْ يشترطها على المبتاع. قال ابن حبيبٍ: وله بيعُ ما طاب من ذلك وإخراجُ زكاتهِ من غيره.
قال العتبيُّ عن يحيى بن يحيى، عن ابن القاسمِ، في مَن باع زرعاً قد أفرك، أو فولاً أخضرَ قد امتلأ حَبُّه، أو حِمَّصاً أو عدساً قبل يُبسه، فسخ ذلك، وقد اختلف في بيع الزرع، فقيل: إنَّما يُباع بعد أنْ يُفركَ. وقيل: بلْ حتَّى ييبس، واستحبَّ مالكٌ إذا يبسَ.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسم، وأشهبُ، عن مالكٍ: ومَن باع أرضه بزرعها الأخضر، أو نخلةً مع ثمرها، ولم يَزْهُ فالزكاة على المبتاع، ولو كان قد بدا صلاحُ ذلك كانت على البائع، والنكاح بذلك كالبيع
قال ابن الْمَوَّاز: قال مالك: ومَن باع زرعه اليابس فأُجِيحَ فلا جائحة فيه، والزكاة على البائع، فإن أُجيحَ يابساً قبل بيعه، فلا زكاة عليه، إلاَّ أَنْ يبقى منه خمسةُ أوسقٍ فيُزكِّيَ منه ما بقيَ منه.
ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، قال سحنونٌ: قا مالكٌ: مما قرأناه على نافعٍ، فأجازه، فِي مَنْ باع عنبه قبل أَنْ يخرَصَ عليه: فليُخرجْ زكاته من ثمنه عُشراً، أو نصف عشرٍ، وإن خرَّصَ فيه خمسةَ أوسقٍ فأكثر فبيعَ عنباً، فليُخرجْ

(2/270)


منه ثمنَه ولو اشترى بذلك زبيباً فردَاه على أصل ما خُرِّصَ عليه أجزأه.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ: ومَن باع ثمرةَ نخلهِ، وفيها خمسةُ أوسقٍ فأُجيحتْ بأقلَّ من الثلثِ فالزكاة عليه قائمةٌ، وإن كانت بالثلثِ فأكثر وضعَ ذلك عن المشتري وسقطت كلها عن البائع.
ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، قال مالكٌ: ومن باع ثمرة حائطه، أو الأصل مع الثمرة بعد أن طابت، ولم يذكر الزكاة فالزكاة على البائعِ حتَّى يشترطَ على المبتاع، وإن باع الأصلَ مع الثمرةِ قبل يحلُّ بيع الثمرةِ فالزكاة على المبتاع.
وقال عنه ابم نافعٍ، فِي مَنْ (تُصُدِّقَ عيه) بزرعٍ قائمٍ قد يبسَ، فإنْ كان المُعطَى ممن له أخذُ الصدقةِ فقد أعطاه عُشر الزكاة، والباقي صدقةُ تطوُّعٍ فلا شيء على المعطَى، وإن لم يُعطِه ذلك على وجهِ الصدقةِ، ولكن صلةً ونحوَه.
فعلى المعطِي العُشر يتصدَّقُ به، وإن كان لم يحلَّ بيعُه، فالزكاة على المعطِي.
وقال فِي مَنْ جعل لعبدهِ ثلثَ زرعهِ عِوَضاً من يومين كان يتركهما له من عمله كل جمعةٍ. قال: زكاةُ الثلثِ على السيدِ مع الثلثين.

في زكاة العَرِيَّةِ، والهبةِ، وزكاة ما أوصى به
من ثمرةٍ أو زرعٍ أو وهَبَه، أو تصدَّقَ به، أو انتزعه من عبدِهِ
كم "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسمِ: عن مالكٍ: إنَّ زكاةَ العَرِيَّةِ على المُعري قلَّتْ أو كَثُرَتْ يحسبُ عليه بخلافِ الهبةِ. وقالِ أشهبُ: هما سواءٌ، والزكاة فيهما على المُعرِي والموهوبِ، وما العرية إلا هبةٌ إلا أنْ يعريَهَا بعدَ بُدُوِّ الصلاحِ فزكاتها على المُعرِي، وما روي عن مالكٍ غيرُ هذا

(2/271)


فهي خَطْرَةٌ رَمَى بها. قال محمدٌ: وهذا أحبُّ إليَّ، إذا كان في ذلك خمسةُ أوسقٍ، وإل فلا شيءَ عليه ولا على المعرِي ولم يختلفوا أنَّ السقيَ على المعرِي.
ومن "المَجْمُوعَة"، و "كتاب" ابن سحنونٍ، قال ابن نافعٍ، وعلي، عن مالكٍ، وذكره ابنُ وهبٍ عنه في "كتاب" ابنِ الْمَوَّاز: أنَّه إنْ كانت إذا ماتَ المُعرِي رجعتِ الثمرةُ إلى المعرِي، فالزكاةُ على ربِّ الحائطِ، يُخْرَصُ عليه مع ثمرته وإن كانت تبقى لورثةِ المعرَى فزكاتها منها، إنْ بلغتْ خمسةَ أوسقٍ.
قال سحنونٌ في "كتاب" ابنهِ: إذا كانتِ الهبةُ أو العريَّةُ بيدِ المعرِي يقومُ عليها ويسقيها، فزكاته عليه في الوجهين، وإن كانت قد دفعها على الموهوبِ أو المعرَى يقومُ عليها ويأكل ثمرَها، فزكاتها على المعرَى والموهوب. قال ابن حبيبٍ: الزكاةُ على المعرَى في العرية والهبةِ، لا على المعرِ يأعراه الحائطَ كله، أو بعضه، أو نخلاتٍ بعينها، وذكر قولَ ابنِ القاسمِ وأشهبَ واختار هذا. وقال: أعرَى أو وهبَ قبل أَنْ يُؤبَّرَ، أو بعدُ، أو قد طابتْ، وإنما يختلف ذلك في البيع للأصلِ، وإذا باع الأصلَ أو وهبه بعد زهوِ الثمرةِ، فالزكاة على البائعِ والواهبِ والميتِ وإن كان قبل الزهوِ، فعلى المبتاع والموهوبِ والوارثِ.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال سحنونٌ، عن ابن القاسمِ: إذا أعطاه ثمرَ نخلاتٍ معينةٍ، فالزكاة والسقيُ على المعطى، لأنَّه حاز ذلك، وإن كان اطعمه الثمرة وربُّها يليلها ويسقيها، فالزكاة على ربِّها. قاله مالك، وفرَّقَ مالكٌ بين الهبةِ والعريةِ، فجعل الزكاة والسقيَ على المعرِي في الهبةِ، والتعمير على الموهوبِ.

(2/272)


ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، قال مالكٌ: ومَن أعرى أو سقَى مفترقةً بعد طيبها، فالزكاة عليه يجمع ذلك مع ما أبقى لنفسهِ، وكذلك الهبة وما وهب قبل الزهوِ فالزكاة والسقيُ على الموهوبِ.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال أشهبُ: وإذا أُبِّرَتْ ثمرةُ العريةِ، ثم ماتَ المعرِي، فالثمرة للمعرَى، وهو كالحوزِ، لأنَّه يدخل ويخرج لا يُمنعُ، وكالأرض في الصحراء فحوزها أَنْ يُخَلَّى بينه وبينها، وإن لم يؤبَّرْ فلا شيء له فيها، وسقيُ العرية على المعري. قال: وإذا كانت عريَّةً سَلَّمَ جميعها على المعرِي فسُلِّمتْ إليه، ثم مات ربُّها قبل خروجِ الثمرةِ، وقبل إبَّارها فهي للمعرَى، قال أصبغُ: صوابٌ كله. وأمَّا المتصَدَّقُ بما في بطنِ أَمَتِه على رجلٍ فحاز الأمةَ وماتَ ربُّها قبل أن تضعَ، فقوله: إنَّ ذلك لي يحوزُ، فلا يعجبني وأراه حوزاً. وهو قولُ ابن القاسمِ. قال محمدٌ: قولُ أشهبَ أَصوبُ، إلا ترى أنَّه لو أعتقه، ثم استحدث دَيناً أنَّ الدَّينَ يلحقه.
قال أشهبُ: ومَن أعرَى حائطه كلَّه قبلَ طيبهِ لنصرانيٍّ، فلا زكاة فيه على واحدٍ منهما.
ومن "كتاب" ابنِ سحنونٍ، قال المغيرةُ: في حائطٍ لرجلٍ فيه عرايا لغير واحدٍ، فإن كانت نخلاً معروفةً بعينها حازها أهلُها، فعلى الذين حازوها زكاتها إن بلغ حظُّ كلِّ واحدٍ ما فيه الصدقةُ، وإلاَّ فلا شيء عليه ولا على ربِّ الحائطِ.

(2/273)


قال: ولو كان ربُّ الحائطِ يُجرِي مَكِيلةً من مالهِ كلَّ سنةٍ على قومٍ، فإنَّمَا زكاةُ هذا عليه، وللذين أقام لهم ذلك المكيلةُ تامَّةً.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال سحنونٌ، عن ابن القاسمِ، عن مَن أعطَى نصفَ ثمرةِ حائطهِ لرجلٍ قبل أن تطيبَ، قال: تُزَكَّى منها، ثم يقتسمان ما بقيَ، والسقيُ عليهما، وإن أعطَى النصف للمساكينِ فالسقيُ عليه. قال سحنونٌ ولو أوصى بأوسقٍ مَسْميةٍ للمساكين، أو لرجلٍ بعينه، والزرع أخضر، أو أعرَى ذلك، أو وهبه، فذلك كلُّه لمَن جعله له، وزكاته مَن بقية ثمرهِ وزرعه ولا تنقصه الزكاة.
قال أشهبُ، عن مالكٍ: ومَن وَهَبَ ثمراً قبل زهوهِ، فالزكاة على الموهوبِ، ولو كان ذلك بعد الزهوِ وقد خرصَ أو لم يخرُصْ، فهي على الواهبِ
قال ابنُ نافعٍ: ومَن وهب حائطاً أُبِّرَ أو لم يُؤَبَّرْ، أو كان كَرْماً أو كان زرعاً أفرَكَ أو لم يفْرِكْ، فالزكاة منه مأخوذة بعد تمييز الواهبِ ما وهبه على حملِ زكاته من مالهِ.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: ومَن وهَبَ ثمرته أو باعها قبلَ طيبها لرجلين فلا زكاة فيها، حتى يبلغ خَرصُهَا عشرة أوسقٍ، فإن وهبها بعد طيبها فالزكاة عليه. قال مالكٌ: ومَن أوصى بثلثِ زرعهِ للمساكين، وقد طاب بُدِئَ بزكاتهِ، وكان ثلثُ ما بقي للمساكين بوصيتهِ. وإن مات ولم تَطِبْ فثلثه أجمعُ للمساكين، وعليهم في ذلك الثلث الزكاة إن بلغ خمسةَ أوسقٍ. ومَن كانت في حظِّهِ من الورثةِ خمسةُ أوسقٍ زكَّى حصته. قال أصبغُ: ولو قصدَ بوصيته بثلثِ ما طابَ الزكاةَ، كان قدرُ الزكاةِ من رأسِ مالهِ، وما زاد ففي ثلثه غير مُبْدَإٍ.

(2/274)


ومن "المَجْمُوعَة"، ابن نافعٍ، عن مالكٍ، فِي مَنْ تصدَّقَ بحائطٍ له على بنين خمسةٍ نصفه بين اثنين، ونصفه بين ثلاثةٍ، وهو يليه لهم ويجمعه فإن لم يكن صالحاً فإنَّمَا الصدقةُ على مَن بلغ في حصتهِ من الثمرةِ ما فيه الزكاةُ. قال ابن نافعٍ: ولو كان جنساً كانتِ الزكاةُ مُبَدَّاةً، وإن لم يكن في حظِّ أحدهم ما فيه الزكاةُ.
ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، قال ابنُ نافعٍ: وما وهب قبل الإبارِ، أو قبل أَنْ يُفْرَكَ الزرعُ، فالزكاةُ على الموهوب.
قال أشهبُ: ومنِ انتزع من عبدهِ مالاً أو ماشيةً، فليأتنف به حولاً، قبضه أو لم يقبضه، وأمَّا الثمار فإنِ انتزعها بعد طيبها، فلا شيءَ عليه وإنْ كان قبل لاطِّيبِ فالزكاة عليه وكذلك الزرعُ.

(2/275)


في دفع الزكاةِ إلى ألإمامِ ممن يَعْدِلُ
أو لا يعدلُ، وهل يُصَدِّقُ الناسَ فيها؟
وكيف إنْ أخفى منها، أو أخرج جميعها بنفسه؟
من "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ، وابن نافعٍ، عن مالكٍ: وإذا عدَل الإمامُ، لم يَسَعْ أحدٌ زكاتِه دونَه، ولتدفعْ إليه زكاة العين وغيره، وأمَّا مَن لا يعدلُ، فإن قدَر أَنْ يُخفيَ عنه زكاةَ الماشيةِ والحَبِّ فعل، إنْ لم يُحلِّفْه، فإنْ لم يقدرْ، فلا يحلفْ، وليجترئْ بما أخذ ويُخرج ما فضل عندَه. وكذلك لا تُدفعُ زكاةُ الفطرِ على غير العدلِ إن قدر. قيل: فإنَّهَا تُفرَّقُ عندنا؟ قال: نعم، ولكن تدخلها صنعته. قال: ولا يَقبلُ العدلُ قولَ ربِّ الماشيةِ. إنِّي قد زكَّيْتُهَا.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: لم أسمع أَنْ يفرِّقَ الرجلُ زكاتَه بنفسه، إن كان الإمامُ عدلاً، ولك يدفعها إليه. قال أشهبُ: إنْ كان يُقسِّمُهَا على الحقِّ، من غير تفريطٍ ولا ضَيْعَةٍ ولا حَبْسٍ عن أهله، ولم يَخفْ أنْ يُحْدِثَ والٍ غيرَه قبلَيُقَسِّمَهَا، فأمَّا إنْ كان على غير هذا فلا يدفعها إليه. قيل: فإنْ دفعها إلى (غير العدلِ) وقد كان يَخفَى ذلك، قال: لا

(2/276)


يُجْزِئُهُ، إلاَّ أنْ يُكرهه (فلعلَّه يُجْزِئُهُ) مع أنِّي لا أحبُّ أَنْ يجتزءَ بها، وليس عليك إذا حلَّ الحولُ انتظار غير العدلِ، إلاَّ أنَّ ذلك فيه سَعَةٌ، لخوفكَ أنْ يأخذك بها. وكان ابن عمر يدفع زكاته على من غلب على المدينة.
ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، ذكر رواية ابن نافعٍ، عن مالكٍ، مثلَ ما في أول الباب، وقال: فإنْ أحلفه فلا يحلفُ، وليدفع إليهم.
قال ابن نافعٍ: ويجزئه كلُّ ما دفع إليهم، إذا أُكره في العين والحَبِّ والماشيةِ.
قال مالكٌ: فإنْ أخذَ منه في الحَبِّ عيناً، لم يُجْزِئُهُ. وقد تقدَّمَ بابٌ في مَن يُؤَدَّى في صدقته ثمناً. وذكرنا فيه الاختلاف في ذلك، وبقية القولِ في هذا المعنى.
قال ابن عبدوسٍ: قال أشهبُ: ومَن أدَّى زكاتَه على الخوارج طَوْعاً أو كَرْهاً. أجزأهز وقال ابن الْمَوَّاز: ومَن فرَّقَ زكاتَه، والإمامُ عدلٌ فقد أخطأ، وأجزأته إنْ خفيَ ذلك عنه. وأمَّا إنْ طَلَبَهُ بها فأخبره أنَّه أنفذها، فقال ابن القاسمِ: لا يُقبل منه. وقاله مالك، إنْ كان مثل عمرَ بنِ عبد العزيزِ. وقال أشهبُ: ارَى للإمامِ أنْ يقبل قولَه، إنْ كانَ من أهلِ الصلاحِ. وإن كان متهماً بمنعِ الزكاةِ فلاي قبل منه، ولو كان الإمام

(2/277)


غير عدلٍ، رأيت أنْ يصدقه وما اراه بفاعلٍ. قالَ: وكذلك في زكاة الفطر وغيرها.
قال: ولا يبعثُ العدلِ مَن يأخذ زكاةَ أموالهم العينَ، وإنَّمَا يسألهم عن ذلكَ مسألةَ استحبابٍ، كما فعلَ الصِّدِّيقُ بغيرِ نداءٍ ولا بَعثٍ، ولا يمين، وإنما يبعث إليهم في زكاة الحَبِّ والماشية، لا يُكلَّفُون جلبَ ذلك، ويقبلُ منهم ما يذكرون بغير يمينٍ، إلاَّ في التمرة والعنبِ، فإنَّه يَخْرُصُ عليهم فقط، ثم لا يضمونه إن هلك، أو أُجيحَ، أو أبقى منه أقلٌ من خمسةِ أوسقٍ يابساً، فلا شيء عليهم.
قال مالكٌ: ولا يُنصَبُ أحدٌ في الطريقِ لأخذ الزكاةِ، ولا على من دخلَ مدينةً أَنْ يُقَوَّمَ ما معه؛ لذلك. قال أشهبُ: وليجلسوا في مواضعهم، فمن جاءهم بشيءٍ قبضوه ولا يُبعثُ في ذلك إلى أحدٍ.
قال مالكٌ: وقد أخطأ مَن يُحَلِّفُ الناسَ من السُّعاة، وليُصَدِّقُوا بغيرِ يمين.
قال مالكٌ: وأرى أَنْ يفرِّقَ كلُّ قومٍ في مواضعهم من أهلِ القُرَى والمُدن والعمود.

(2/278)


ومن "المَجْمُوعَة"، و"كتاب"، "وكتاب ابنِ سحنونٍ" قال ابن نافعٍ: قال مالكٌ: وإذا أظهر لغير العدلِ مُدَّيْن، وكتم مُدًّا، فأخذ منه قيمة ثلاثة أمدادٍ، فلا يُجْزِئُهُ إلاَّ عن مُدَّيْن، وليخرج الثالث.
قال سحنونٌ: وإذا قال له: أصبت عشرة أقفزةٍ، فأخذ منه عن عشرين، وقد كتمه عشرة، فإن لم يُصدقه، وقال له: قد اصبت عشرين. فأرجو أَنْ يُ<زئه، وإن صدقه وزاد عليه ظلماً، لم يُجْزِئُهُ إلا عن عشرةٍ. وقال (ابن حبيبٍ) (في من وجبت) عليه شاتان، فقال له المُصَدِّقُ: أنا أترك لك شاةً. ففعل وأخذ منه في قيمة الشاة قيمةَ شاتين، قال: فلا يُجْزِئُهُ إلاَّ عن شاةٍ.
قيل لسخنونٍ، في المعشر يقدُمَ القريةَ فيقولُ: ائتوني بكذا وكذا ديناراً عن جميعكم، أيتولَّى ذلك رجلٌ خشيةَ أَنْ يُطلَمَ الضعيفُ؟ قال: لا احب ذلك. وقيل: فإن أجمعوا عشورهم، فإذا هي أقلُّ مما جُعلَ عليهم أيؤَدُّونَ ذلك على قدرِ ما دفعول؟ فقال: بل على عددِ الرجالِ إلا أَنْ يقولَ المُصَدِّقُ: ذلك عليكم على قدر ما دفعتم فيكون كذلك.
قال: وإذا كان يأخذ في عشورهم في كلِّ زوجٍ ديناراً، وقد اشترك رجلان، فأخرج أحدهما الزوجَ، والآخر الأرضَ على أنَّ البذرَ، والعملَ بينهما، فالدينار عليهمت.

(2/279)


في وجهِ إخراج الصدقةِ في الأصناف الذين هم أهلها
قال الله سبحانه {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} على قوله: {وَابْنِ السَّبِيلِ}.
من "المَجْمُوعَة"، قا لالمغيرة، وغيره، عن مالكٍ: إنَّ الأصناف المذكورين في الصدقةِ، ليس هم قِسْمٌ، بل إعلامٌ بأهلها، فإن كان المساكينُ أكثر أُعْطُوا سهمهم، وزيدوا من غيره، وإن كانوا أقل أُنْقِضُوا من سهمهم بالاجتهاد.
قال ابن كنانةَ: وإذا لم يوجد من احدِ الأصناف إلا الواحدُ والنَّفَرُ، أُعطُوا بقدرٍ، ,أُصرفَ باقي سهمهم إلى الصنف الأكثر، ولو كان قِسْماً، لأُعْطِيَ الثمنُ لواحدٍ إذا لم يكن من الصنفِ غيرُه. قال: وإنْ لم يُوجدْ إلاَّ صنفٌ، قُسِّمَ كلُّه عليهم.
وقال أشهبُ: وقال عددٌ من العلماء: ولو وجد الأصناف كلها فقسَّمها في صنفٍ واحدٍ باجتهاده، جاز ذلك.
ومن "كتاب ابن الْمَوَّاز" قال أصبغُ: وأَحَبُّ إليَّ أنْ يُرْضِخُ الإمامُ لكلِّ صنفٍ، ممَّا سمَّى الله عزَّ وجلَّ في الصدقاتِ؛ لئلا يندرسَ علمُ حقهم، ولا شيء للمؤلفة اليومَ.
قال مالكٌ: في "المَجْمُوعَة": {الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}: السُّعاةُ، ولا مؤلفةَ اليومَ.

(2/280)


قال ابن وهبٍ، عن مالكٍ وغيره: ويُعطَى العاملون عليها على قدرِ المَسْعَى، من بُعدهِ وقُربه، وربما أقام سنةً في المسعى، وربما أُعطي الرئيس نائتي دينارٍ، ولعمَّاله الخارجين معه شيئاً آخر، ومن غنمٍ يأكلون منها. وربما أُعينَ في خروجه من بيت المال.
قال ابن القاسمِ: وقد يُولَّى الرجلُ ليست له قوةٌ، فيعدل في خروجه من بيت المالِ، فيفرض لهذا من الصدقة دونَ ماي فرضُ لمَن لا يُعَانُ فإذا كان مِدياناً فلا يأخذ منها؛ لأنَّه غارمٌ إلا أَنْ يعطيه السلطانُ بالاجتهاد.
ومن "كتاب ابن الْمَوَّاز"، قال مالكٌ: ولا ينبغي للعاملِ على الصدقةِ أَنْ يأكل منها، ولا يستنفقَ إذا كان الإمامُ غيرَ عدلٍ، وإذا كان عدلاً، فلا بأسَ بذلك، وإنَّما يُفرَضُ للعاملِ عليها بقدرِ شخوصه وغنائه، ولا يعطَى من صدقةِ الفطرِ (من يحرسها وليُعْطَ من غيرها).
قال ابن القاسمِ: ولا يُستعملُ على الصدقةِ عبدٌ، ولا نصرانيٌّ. فإنْ فات ذلك، أُخذَ منهما ما أخذوا، وأُعطيا من غير الصدقة بقدرِ رِعيانها. وقالَ محمدٌ: من حيث يُعْطَى العمال والولاةُ.
ومن "المَجْمُوعَة"، و"كتاب" ابن سحنونٍ، روى عليُّ بن زيادٍ، عن

(2/281)


مالكٍ قال: والمسكينُ والفقيرُ المذكوران في الصدقةِ يفترقان، فالمسكينُ هو اذلي لا شيء له، وهو يسأل، والفقير الذي لا غنى له ويتعفَّفُ عن المسألة.
قال ابن حبيبٍ: سمعتُ ابنَ السلامِ: يقولُ: الفقيرُ الذي له علقةٌ من مالٍ، والمسكين الذي لا شيءَ له. قال المغيرةُ، عن مالكٍ في "المَجْمُوعَة": الفقراءُ اذلين يُحرمون الرزقَ، والمسكين الذي لا يجد غنًى يُغنيه، ولا يُفطنُ له فيتصدَّقَ عليه، ولا يقومُ فيسأل الناسَ.
قال ابن الماجشون في "كتاب" ابن حبيبٍ: وأحبُّ الأصناف إليَّ، أن تجعل منه الزكاة، أرجَى للأجرِ في الفقراء والمساكين، إلاَّ أنْ يكونَ عدوًّا قد أضلَّ به الغزو أنها أفضلُ.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال مالكٌ: ويؤثَرُ أهلُ الحاجةِ، ولا يُرضخُ لمَن لا يستحقها.
قال أشهبُ: ولا يعطَى لغير محتاجٍ إلا غارمٌ، وابن السبيل، ومن "كتاب ابن الْمَوَّاز"، قال: وقال أشهبُ: ومَن أعطَى الغازي أو الغارم لم اعبْ عليه، وأهل الحاجةِ أحَبُّ إليَّ.
قال مالكٌ: وَلا بَأْسَ أَنْ يعطَى الغازي وابنُ السبيلِ منها وإن كان معهما ما يكفيهما، وهما غنيَّانِ ببلدهما، ولو لم يقبلا، كان أحبَّ إليَّ لهما.
قال أصبغُ: قولُ ابن القاسمِ في ابنِ السبيلِ: إذا كان معه ما يكفيه.

(2/282)


غلطٌ؛ لأنَّه لا يكون ابنَ السبيلِ ومعه ما يكفيه. وأمَّا الغازي، فيجزئه.
قال ابن القاسمِ: ولابنِ السبيلِ أخذها وإنْ وجدَ مَن يُسلِّفُهُ ويُغنيه، وإنْ لم يكن في غزوٍ ولا تجارةٍ.
قال ابنُ مزينٍ: قال عيسى بن دينار في الغازي: إنْ كان معه ما يُغنيه في غزوه، وهو غنيٌّ ببلدهِ، فلا يأخذ منها. وقال أصبغُ: له أَنْ يأخذ منها، وإن كان غنيًّا.
ومن "كتاب ابن الْمَوَّاز"، قال مالكٌ: ومَن أُعطيَ مالاً في مخرجه للحجِّ، أو لغزو يفرقه على من قطع به، فقطع به هو، فليأخذ منه بالمعروفِ.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال المغيرةُ، عن مالكٍ: ويُعطَى من الغارمين مَن دخلت عليه مَعْقَلَةٌ من دَمٍ، فأمَّا من صالح على جِرَاحٍ أو على ضربٍ، فلا يعْطَى. ويعطى من زرع بدَينٍ فأجيح زرعه.
ومن "المَجْمُوعَة"، و"كتاب" ابن سحنونٍ، قال ابن نافعٍ، عن مالكٍ، في الغريب الغني ببلده يجد من يسلفه قال: لا يعطَى، فإن لم يجد من يسلفه، فليعطَ.
قال عنه عليٌّ، وابن نافعٍ، في المرأةِ يغيب عنها زوجها غيبةً بعيدةً، فتحتاج ولا تجد مسلفاً: فلتعْطَ منها. وعنم الغريب يقيمُ بالبلدِ سنةً وسنتين، ثم يذكر أنَّه إنَّمَا أفاد إذ لم يجد ما يتحمل به، أيعطَى على أنَّه

(2/283)


ابن السبيل؟ قال: المختار أبين، فإن عُرِفَ هذا أُعْطِيَ، وأخاف أَنْ يأخذ ويقيم.
وكذلك قال في غريبٍ قَدِمَ لحاجةٍ له في البلدِ، فأقام سنين في ذلك، وقد عُرِفَ ذلك منه، وهو يقولُ: ما يمنعن يمن الرجوع لاإلى بلدي إلا الفقرُ. فالجواب في هذه وفي الأولى سواءٌ.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم فِي مَنْ يأتي فيقول: أنا ابنُ سبيلٍ.
ولا يُعرفُ، قال: يُعْطَى لذلك إذا كان عليه هيئةُ ذلك، وأين تجدُ من يعرفه؟!
قال عنه ابن القاسمِ، وابن وهبٍ، وغيرُه: أُحبُّ إلى الإمام وغيره شراء رقبةٍ يعتقها عن المسلمين.
قال ابن حبيبٍ: ورَوَى مُطَرِّفٌ، عن مالكٍ، في الذي يعتق من زكاته رقبةً عن المسلمين، أنَّ غيرَ ذلك أحبُّ إليه.
قال ابنُ القاسمِ في "كتاب" ابن الْمَوَّاز: ومَن اشترى من زكاته عَبَداً، فأعتقه في زكاته عن نفسه، فلا يُجْزِئُهُ. وقال أشهبُ: يُجْزِئُهُ، وولاؤه للمسلمين كمَن أمرَ مَت يُعْتِقُ عنه عبده، أو يذبح عنه اُضحيته، ففعل ذلك عن نفسه.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال المغيرةُ، عن مالك في قولِ اللهِ عزَّ وجلَّ {وَفِي الرِّقَابِ}، قال: المكاتب لا يقدر فيؤدي عنه. قال عنه ابن القاسم: وابن نافعٍ: يؤدي عنه ما يعتق به.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال: وكرِهَ مالكٌ أَنْ يعطَى من الزكاةِ

(2/284)


مُكاتبٌ، وإن كان يتمُّ به عتقُه، ولا عبدٌ ليعتق. قال أصبغُ: فإنْ فعل فليُعِدْ أحبُّ إليَّ، ولا أوجبه للاختلاف.
قال ابن حبيب، ورَوَى مطرفٌ، عن مالكٍ، في الذي يُعتقُ من زكاته رقبةً عن المسلمين، أن غير ذلك أحبُّ إليه، وأنَّه لا بأس أَنْ يفكَّ منها المُكاتبين، وأن يفط منها الرقابَ، مثلَ انْ يعطَى منها من له عبدٌ على أَنْ يعتقه، فإنْ كان ولاؤه للمعتقِ، فذلك جائزٌ. وكذلك رقبةٌ بعضها حرٌّ، فلا بأس أَنْ يشتري ما رقَّ منها، فتتم حريته.
قال مطرف: وإن جعل منها في مطاتبٍ لا يتم عتاقه، أو في رقبةٍ لا يتمُّ عتقها، فلا يُجْزِئُهُ. وقال بقولِ مطرفٍ وابن الماجشون. وقاله أصبغُ.
وخالف فيه ابن القاسم.
قال أصبغُ: لا يفكُّ الأسير من الزكاة، فإن فعل لم يُجْزِئُهُ، وقال ابن حبيبٍ: بل يُجْزِئُهُ؛ لأنَّها رقبةٌ، وقد ملكت بملكِ الرقِّ، فهي تُخرجُ من رقٍّ إلى عتقٍ، بل ذلك أحقُّ وأولى من فكاك الرقاب التي بأيدينا.
قال أصبغُ في "العُتْبِيَّة": وإذا أعتق أحدٌ في الزكاة رقبةً لا تجوز في الرقابِن لم يُجْزِئُهُ، وعليه بدلها. ولا يُعتقُ الإمام منها كافراً ولا ذميًّا.
ومَن ابتاعَ مكاتباً أو مدبراً من الزكاة، فأعتقه، فعلى قولِ مالكٍ الأولِ، فلا

(2/285)


يُجْزِئُهُ، ويردُّ. وعلى قوله الآخر، لا يردُّ، ويجزئه. قال أصبغُ: ولو أبدلها كان أحبّ إليَّ من غير إيجابٍ. وفي بابِ إعطاءِ القرابة ذكرُ الإعطاءِ لأهلِ الأهواء، وتارك الصَّلاَة، وفي الباب الذي يلي هذا، مسألة من معه ألفٌ، وعليه ألفانِ، وله دارٌ وخادمٌ يُساويان ألفين.

في قدر ما يعطِي الرجلُ من الزكاةِ، وذكر الاجتهاد في قيمتها
من "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ: قال مالكٌ: أُحِبُّ للرجلِ أَنْ يلي غيرُه تفرقة زكاته، لما عسى أنْ يدخل عليه، وليست عندي كالصلاة، لا يبالي أعلن بها، بقولِ الله سبحانه: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} الآية، ونحوه في "كتاب" ابن الْمَوَّاز عنه.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال عنه عليٌّ، وابن نافعٍ، سُئِلَ كم أكثر ما يُعطَى الفقيرُ منها، والصدقة واسعةٌ؟ قال: لا حدَّ فيه، وذلك قدرَ اجتهادِ متوليها؟ قيل: فيعطي قاسمها للفقير قوتَ سنةٍ، ثم يزيده الكسوةَ. قال: ذلك له بقدرِ ما يرى من كثرةِ الحاجةِ وقلتها، وقد تقلُّ المساكين، وتكثرُ الصدقةُ، فتُجْزَلُ لهم، قال عنه المغيرةُ: ويؤثِرُ الفقيرَ له الصلاحُ، لحسنِ حاله، ويُعطَى الآخر ولا يمنع لسوء حاله. ويُعطَى القويُّ البدنِ، ولا يمنع لقوة بدنهِ.
قيل لابن القاسمِ: أيعطَى الرجلُ منها أربعين درهما؟ قال: نعم، إن

(2/286)


كان ذا عيالٍ، ومن له عشرةٌ من العيالِ، فما عسى أَنْ يغنيه ذلك.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قيل لمالكٍ: أيعطَى الرجلُ أربعين درهماً، أو رأساً أو رأسين، قال: نعم، إن كان كثيَرَ العيال.
قال أصبغُ: قيل لابن القاسمِ، فمن زكاته دنانير أيعطيها لأهل بيتٍ واحدٍ؟ فقال: نعم، إن كان لهم عددٌ.
وقال عمر بن عبد العزيز: ويعطى منها، من له الدار والخادم والفرسُ.
وقاله مالكٌ عن لم يكن في داره فضلٌ عن مسكنٍ يكفيه.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال عنه ابن القاسمِ، وغيره: ويُعْطَى من له الدارُ والخادمُ إنْ لم يكُنْ فيهما فضلٌ بيِّنٌ. قال عنه المغيرةُ: إذا كان يَفْضُلُ له من الثمن عشرون ديناراً، لم يُعْطَ، وإلا أعْطِيَ على الاجتهاد، ثم لا يبلغ ما يعطَى – مع ما يفضل له – ما تجب فيه الزكاة.
وفي "السير" لابن سحنونٍ، قال المغيرةُ: لا بأس أَنْ يعطَى من الزكاة اقل مما تجب فيه الزكاة، ولا يعطى ما تجب فيه الزكاة".
قال ابن حبيبٍ: لا بأس أَنْ يعطِيَ المسكينَ الواحد – من زكاته – أربعين درهماً، وخمسينَ، وأكثرَ إلى المائة.
قال عروة بن الزبير: لا بأس أَنْ يعطِيَ الواحدَ من عشرةِ دراهم على مائةِ درهمٍ، قال ابن حبيبٍ: وذلك بقدرِ تعففه، وحاجته، ويعطِي من الطعام المُدَّيْنِ، وأكثر، وأقلَّ.

(2/287)


ويعطي المعيل المحتاج أكثر من ذلك. وَلا بَأْسَ أَنْ يعطي الواحدَ المتعفف من الزكاة من دينارٍ إلى خمسةِ دنانير، ويعطِي ذا العيال المحاويج أكثر بقدرِ اجتهاده. وَلا بَأْسَ أنْ يجمع النفرَ في الدينار أو يصرفها دراهم، إذا كانت الحاجة كثيرة. وإن زكَّى دراهم، فلاي صرف ما يخرج عنها دنانير، ولاي صرفها بفلوسٍ لكثرةِ الحاجةِ ليعمهم، ولكن يجمع النفرَ في الدراهم إن شاء، فإن صرفها فلوساً وأخرجها، فقد اساءَ، وأجزأه. وَلا بَأْسَ أَنْ يعطِيَ من زكاة غنمة للواحدِ الشاة، ولأهل البيت الشاتين والثلاث. وإذا كثرت الحاجة فلا بأس أَنْ يجمع النفر في الشاة.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال المغيرةُ، عن مالكٍ، في الذي يعلمُ من أهل بيت حاجةٍ، وهو أيتامٌ صغارٌ، وهو يلي قَسمها، أيجري لهم ما يكفيهم؟ قال لا يفعل ذلك من يليها.
قال ابن القاسمِ، وأشهبُ، فِي مَنْ بيده ألفٌ، وعليه ألفان، وله دارٌ وخادمٌ يسويان ألفين، فلا يُعطَى الزكاة؛ لأنَّه ممن تلزمه الزكاة، فإذا قضى الألف في دَينه، أُعْطِيَ، وصار من الغارمين إنْ لم يكُنْ في الدار والخادم فضلٌ يُغنيه، قال أشهبُ: إن كان فيهما فضلٌ قدرَ ما عليه، فهو غارمٌ.
قال مالكٌ: ويؤثَرُ أهل الحاجةِ، ولا يُرضَخُ لمَن لا يستحقها. قال أشهبُ: لا يُعْطَى لغيرِ محتاجٍ إلا الغارمَ، أو ابن السبيل.
قال عنه عليٌّ، وابن نافعٍ، فِي مَنْ له ربحٌ وعقارٌ، ليس في ثمنه ما يُغنيه،

(2/288)


فلا بأس أَنْ يعطَى منها. قيل: والمُسَدَّدُ له قوت شهرٍ أيعطَى تمام قوتِ نفسهِ، وفي المال سعةٌ؟ قال: يُعطَى بالاجتهادِ، قد يكون أفقرَ مَن يوجدُ فيعطَى، ويكون غيرُه أحوجَ، فيؤثر ألحوجُ. قيل: فمَ، له خمسون درهماً، أو عرضٌ يساويها، وله عيالٌ أيعطَى مثلَ ما يُعطَى من لا شيءَ له؟
قال: يُعطَى إذا لم يكن معه من هو أحوجُ ممن يستوعب المالَ، فإن كان أُعطيَ هذا وهذا بالاجتهاد، وقد يكون له ما ذكرت وهو ضعيفٌ أو ضريرٌ أو زَمَنٌ أو كثير العيال. وقال فِي مَنْ بيده مالٌ وعليه دَيْنٌ مُحيطٌ به. قال: لا يكون كالفقير المحتاجِ. قال: ولو كان قومٌ عليهم ديونٌ مختلفةٌ، لم أنظر على قلَّةِ الديونِ، وننظر إلى شدَّةِ الفقرِ والحاجةِ.
قال في "كتاب" ابن سحنونٍ: وليس للذي المالُ وعليه الدَّيْنُ أكثرُ منه، فالفقير الموصوف بالفقر المستحقُّ لهذا، وذلك للفقراء المحتاجين.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال عليٌّ، عن مالكٍ، في مكاتبٍ عليه كثيرٌ، وآخر عليه قليلٌ، فلينظر إلى من هو أضعف عن ما عليه، وفي رواية ابن، نافعٍ، إنَّما يُعطَى ما يتمُّ به عتقُه.
ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، و "المَجْمُوعَة"، روى عليٌّ، وابنُ نافعٍ، عن مالكٍ، فِي مَنْ ليس عنده ما ينكح به، ولا خادمٌ يخدمه، هل يقبل من الإمام من الصدقةِ ما ينكح به أو ما يشتري به

(2/289)


خادماً؟ قال: لا أنكر له ذلك، وأرى أنَّه لا يصيبه في حقِّه مثلُ ما أخذ، وقالا في امرأةٍ لا خادم لها، وأخرى لها خادمٌ، لا فضل فيها، قال: ما ذاتُ الخادمِ كالتي لا خادم لها، إذا تساوى حالهما في الضعفِ، ولكنَّ ذلك على الاجتهاد، ولا تمنع هذه أن تعطَى من أجلِ خادمها. قيل: فالفقير يُعطَى منها الشيءَ الكثيرَ مثلَ العبدِ، أو ما ينكح به؟ قال: إنْ كان يَسَعُ ذلك المساكين فيُغنونَ بذلك، لم أر به بأساً، ولكن أكره أَنْ يأخذ هذا حظَّ مساكين كثيرة بهذا التفضيل الواسع.
ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، وابن عبدوسٍ، قال ابن نافعٍ، عن مالكٍ: وإذا احتاج - يريد الساعي – إلى قسمِ شاةٍ بين نفرٍ كثيرٍ، فليبعها ويجمع في الدرهم نفسين وثلاثة، فإن سألوه قطعه بينهم، فلا يفعل.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال أشهبُ، في فقيرٍ له أبٌ مَليءٌ: فإن كان يناله منه ما يُغنيه، فلا يُعطَى من الزكاةِ أحبُّ إليَّ، إذا وُجِدَ مَن هو أحوجُ منه.

في إخراج الزكاة من بلدٍ إلى بلدٍ
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: تُقْسَمُ الصدقةُ بحيث جيئتْ، وإن كان غيرُهم أحوجَ إليها، وإن نُقلَ إلى غيرها لحاجةٍ نزلتْ بهم،

(2/290)


فلا يُعَرَّى منها مَن جُبيتْ فيهم. فإن تساوت البلدان لم ينقل منها شيءٌ.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال عليٌّ، وابن نافعٍ، عن مالكٍ، قال: وإذا كانتِ الحاجةُ في أهل الحضرِ أشدَّ، فلا بأس أَنْ ينقل بعضُ صدقات الباديةِ إليهم، وإذا كانت الحاجة في البادية اشدَّ. نُقلتْ بعضُ صدقاتِ الخضرِ إليهم.
وكذلك في الفيءِ.
قال ابن حبيبٍ: وإذا رأى الإمام أَنْ يضع بعضَ ذلك في فقراء موضعه، أو ببلدٍ من سلطانه بلغته عنهم حاجةٌ، ولم يكن في صدقةِ أهله ما يَسُدُّ خَلَلَهم، فله أَنْ يأمرَ السُّعاةَ بحملِ طائفةٍ من ذلك إلى من ذكرنا، ويُعطَى أجرَ حملها منها، لا على من أُخذتْ منه.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال عليٌّ، وابن نافعٍ، عن مالكٍ: وإذا فوَّضَ الإمامُ إلى الساعي قسم ما يأخذ، فلا ينقل بعضَها إلى فقراء الحاضرةِ للذريعة إلى نقل الصدقات. وإذا لم يجد في المَحَلَّةِ إلا فقيراً أو فقيرين، فليتبع ضعفاء من سعى عليه، أولى من نقلها إلى بلدٍ يجهل ذلك منهم.
ومن "العُتْبِيَّة"، روى عيسى، عن ابن القاسمِ، قال: كره مالكٌ نقل عشر موضع على موضعٍ، وإن كان أكثر مساكينَ، وأقلَّ عشوراً.
قال ابن القاسمِ: وإذا نقل زكاته على بلدٍ آخر، فلا يتكارى عليها من الفيء، ولكن يبيع ذلك، ثم يشتري مثلَه بالموضع اذلي يريد قَسْمَه فيه.
وقال في موضعٍ آخرَ، عن مالكٍ: إنَّه يتكارَى عليها من الفيءِ، أو يبيعه -

(2/291)


يريد ها هنا – الإمامُ. والله أعلم.
قال سحنونٌ: ومَن أخرج زكاتَه إلى غير قريته، وبقريته فقراءُ، لم يُجْزِئُهُ. قال ابو بكر بن محمدٍ اللَّبَّاد: هذا استحسانٌ. وهي تُجْزِئه.
قال ابن القاسمِ: وإن زرع بموضعين أخرج زكاة كل زرعٍ بموضعه، إلاَّ أن يقرب ما بين الموضعين، فيجمع الزكاة في موضعه، إذا كان الزرع على بريدٍ من المدينةِ، فإن كان بموضع الزرع قرًى مسكونة بها فقراءُ، فهم أحقُّ بزكاته.
ومن "المَجْمُوعَة"، و"كتاب" ابن الْمَوَّاز، وابن القاسمِ، قال مالكٌ: وليخرج المسافر زكاته بموضع هو به. وكذلك لو كان ماله بمصر، وهو بالمدينة، / إلا أَنْ يخاف أَنْ يحتاج فيقطع به، فليؤخرها إلى بلده.
وكذلك قال مالك في رجلٍ من الشام، بعث ببعضِ صدقته إلى المدينة، فذلك صوابٌ. وأرى مالكاً خصَّ المدينة بذلك؛ لأنَّها بلدةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال مالكٌ: في "كتاب" ابن الْمَوَّاز، في الذي يبعث من زكاة ماله إلى العراق، قال: ذلك واسعٌ، وأحبُّ إليَّ أَنْ يؤثر بها من عنده من أهل الحاجةِ إن كانت الحاجةُ عندهم، وإن لم يكن كذلك، فلا بأس به، فإذا بعث بها فأصيبت بالطريق، فلا شيء عليه. قال محمدٌ: وذلك إذا بعث بها قبل محلها قدرَ ما يكون حلولها عند بلوغها.
قال عبد الله: إنما يريد محمداً، أنْ هكذا ينبغي له أَنْ يفعل، إذا بعث، لا على أنَّه لا يضمن إن فعل هلكت قبل محلها.
ومن "المَجْمُوعَة"، ورَوَى ابن وهبٍ، وغيرُه، عن مالكٍ، قال:

(2/292)


وللرجل أَنْ يبعث ببعض زكاته إلى العراق، ثم عن هلكت في الطريق، لم يضمن، إذا كانت الحاجة كثيرة بموضعه، أحببتُ له ألا يبعث.
قال عليٌّ، وابن نافعٍ، قال مالكٌ: ومَن زرع من أهل الحضر في منزلٍ على عشرةِ أميالٍ، فلا بأس أَنْ يجعل من زكاته إلى ضعيفٍ عنده بالحاضرةِ. وكذلك في "كتاب" ابن سحنونٍ. وقال عن سحنونٍ: وإنما الذي لا ينقل زكاةَ طعامه من منزله، إذا كان بها ساكناً، أو يكونُ على مسيرةِ ما تُقْصَرُ فيه الصَّلاَة، وما قرُب من ذلك.
من "المَجْمُوعَة"، ابن نافعٍ، أشهبُ، عن مالكٍ، في نت انتجَعَ البادية على المدينة، من الفقراء: فإنَّهم يدخلون في صدقة البادية، إذا انتجعوا، وهم يريدون الرجعة إلى وطنهم، فأمَّا من لا يريد الرجعة، فلا وإذا كانت أقسام المدينة تصيبهم، ثم رجعوا إلى وطنهم ليأخذوا من الصدقات، فلا شيء لهم معهم، فإن لم يصبهم، فلهم القَسْمُ مع أهل ناحيتهم.
قال عنه عليٌّ، وابن نافعٍ، في المكاتب، وابن السبيلِ، يتبع الساعيَ من محلَّةٍ إلى محلَّةٍ، ايرضخُ له بكلِّ محلَّةٍ مع فقرائها؟ قال: إذا لم يجد سبيلاً على إعطائه إلاَّ هكذا لقلَّةِ ما في يديه، أو لحاجة أهل تلك المحلة، فليتَّبِعْهُ إلى محلَّةٍ أخرى.
وعن المكاتب يغشى الساعيَ، وليس بساكنٍ في عملِهِ، فإن لم يحضره في عمله من المكاتبين، مَن يفترق ذلك، فليعطه وإن كان في غير عمله. وفي باب إعطاء الزكاة للأقارب ذكرُ حملِ الرجلِ من عشوره على بلدٍ آخر لأقاربه.
قال ابن حبيبٍ: ولا يجوز لأحدٍ أَنْ يبقى من زكاته عندَه، حتى إذا سأله

(2/293)


أحدٌ أعطاه، ونهى عنه ابن عباسٍ، والنَخَعِيُّ وغيرهما.

في إعطاء الرجلِ أقاربه من الزكاة، وهل تُعطَى لأهل الأهواء؟
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: لا أُحبُّ للرجلِ أَنْ يَخُصَّ قرابته، وإن لم تلزمه نفقتهم، بزكاةٍ عليه، ولا بكفارة يمين، وكذلك إن نذر صدقةً، فإن اعطاهم من ذلك النَّذْرِ فليُقَلِّلْ لهم، ومَن دفع زكاته على غيره يُفرِّقُهَا، فهو أحبُّ إليَّ، فإن أعطى هذا المُتَوَلِّي مَن يلزم مُخرجها نفقته، لم يُجْزِئُهُ؛ لأنَّها رجعت إليه.
ومن "المَجْمُوعَة"، قالِ أشهبُ: ومَن أعطَى من زكاته لمَن لا تلزمه نفقته على الاجتهاد، أجزأه، وإنَّمَا أكرَه أَنْ يلي ذلكن لئلا يخرجَ عن الاجتهاد.
قال ابن القاسمِ: ولا تُعطي المرأةُ زوجَهَا من زكاتها. قيلَ: أتحْفَظُه عن مالك؟ قال: هذا أبين أن اسأل عنه مالكاً. وهذا في "المدونة". قال أشهبُ: إذا أعطته من زكاتها، فخِيفَ أنَّ ذلك يُرَدُّ إيها فيما يلزمه لها. فإن فعلت وصار ذلك على ما خيفَ منه، لم يجزئها، وأنا أكرهه، وإن لم يرجع إليها خوفاً من دفعِ مؤنتهِ، أَنْ يجعل ذلك وفايةٌ لمالها، فيما يلزم نفسها، من تأدية حقِّه، ومواساته، فإن اعطته حسبَ ما يُعطَى نظراؤه، ثم لم يَرُدَّ شيئاً من ذلك عليها، أجزأها.
قيل لمالكٍ، فيمن يُعطَى مالاً يُقَسِّمُه: أيعطي منه قرابته؟ قال: إن كان على الاجتهاد، فنعم.
ومن "الواضحة"، قال ابن حبيبٍ: ولا يُجْزِئُهُ أَنْ يعطِيَ

(2/294)


زكاته من يلزمه نفقتهمن ولا من يشبههم ممن لا يلزمه لانفقتهم، مثلَ الاجدادِ والجدات، وبنى البنين والبنات. وأمَّا المرأة تُعطِي زوجها من زكاتها، فلا يجزئها عندَ مالكٍ.
وقال ابن أبي ذئبٍ، وسفيانُ، وأهلُ المشرقِ: إنَّه يجزئها. وإنِّي أرى إنْ كان يستعين به في النفقة عليها، فلا يجزئها. وإن كان بيده ما ينفق عليها، وهو فقيرٌ ويصرف هذا في كسوته ومصالحه، فذلك يجزئها.
وأمَّا الأُخوةُ والأخواتُ، والأعمامُ والعماتُ، والأخوالُ والخالاُ، وسائرُ القراباتِ، فلا بأس أَنْ يعطيهم منها، إذا لم يكونوا في عياله.
ورُوِيَ مُطرفٌ، عن مالكٍ، أنَّه لا بأس أَنْ يعطيَ قرابته من زكاته إا لم يعطِ مَن يقول. قال: ورأيت مالكاً يعطي قرابته من زكاته.
حدَّثَنِي الحِزَامِيُّ، عن الواقديِّ، عن ابن أبي ذئبٍ، قال: قيل للقاسمِ: فِي مَنْ أضع زكاتي؟ قال: في أقاربك اذلين لا تعولُ، فإن لم يكونوا فجيرانك، فإن لم يكونوا فصديقك المحتاج.
ورُوِيَ ذلك عن ابنِ عباسٍ، وقاله النَّخَعِيُّ، والحسنُ، في إعطاء مَن لا يعولُ من قرابته.
قال الواقديُّ، عن مالكٍ، وابن أبي ذئبٍ، والثَّوْرِيُّ، والنُّعمانُ،

(2/295)


وأبو يوسفَ: إنَّ أفضلَ مَن وضعتْ فيهم زكاتك، أهلُ رَحِمِكَ الذي لا تعول.
قال ابن حبيبٍ: وله أَنْ يُوَسِّعُ عليهم، إن كان فيهم التعفُّفِ والصلاحُ، فإن أعطَى مَن في نفقته معياله، وهم مِن قرابته أو من غيرهم ممن يُنفقُ عليهم تطوُّعاً، لم ينبغِ ذلك، فإن فعل ذلك جهلاً، فقد أساءَ، ولا يضمن إذا لم يقطعْ بذلك عن نفسهِ نفقته، وقاله مطرفٌ عن مالكٍ. قال ابن حبيبٍ: وإن قطع بذلك عن نفسه نفقتهم، لم يُجْزِئُهُ. وقال: وَلا بَأْسَ أَنْ يجمل من عشور قريته إلى فقراء قرابته في الحاضرة، لما يعلم من حاجتهم، وكذلك إلى غير قرابته ممن له التعفف والحاجةُ.
وإن شحَّ على دَوابِّه، فلا بأس أَنْ يُكرِيَ عليه منه.
قال ابن الْمَوَّاز: قال أصبغُ: ولا يعجبني أَنْ يعطَى من الزكاة أحدٌ من أهل الأهواء، إلا الهوى الخفيف.
قال عيسى في "العُتْبِيَّة"، عن ابن القاسمِ، في أهل الأهواءِ: إن احتاجوا، فلا بأس أَنْ يعطوا منها، وهم من المسلمين يرثونَ، ويُورثون.
ولم يُجِزِ ابنُ حبيبٍ أَنْ يُعْطَى تاركُ الصلاةِ، وقال: إنَّ ذلك لا يجزئُ من فعله. وهذا قولٌ انفردَ به، وإن كان غيرهم أولى، وَلا بَأْسَ أَنْ يعطوا إذا كانت فيهم الحاجة البينة.
قال ابن حبيبٍ: قال مطرِّفٌ، وابن الماجشون: ولا يُعطِي من زكاته لأهل الأهواء، فإن فعل أساء ويجزئه.

في أخذ آل محمدٍ النبي صلى الله عليه وسلم من الزكاة أو التطوُّعِ
وذكر سهم ذي القُرْبَى من الفيءِ
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن القاسمِ، في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لآلِ محمدٍ». إنما ذلك في الزكاة لا في

(2/296)


التطوُّعِ، وهم بنو هاشم أنفسهم، ولم يرْمُوا إليهم من ذلك.
قال: وإن أعطى بني هاشمِ أنفسهم، لم يُجْزِئُهُ، وإن كانوا محاويجَ ويجوز لمواليهم. وكَرِهَ أصبغُ لهم فيما بينهم وبين الله أنْ يأخذوا من التطوعِ. ونحو ما تقدم في "العُتْبِيَّة".
قال أصبغُ في "العُتْبِيَّة": وآلُ محمدٍ الذين لا تحلُّ لهم الصدقةُ، عشيرته الأقربون اذلين ناداهم حينَ أنزل الله: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}. وهم آلُ عبد المطلب، وآل هاشمٍ، وآل عبدِ منافٍ، وقُصَيٌّ، وليس يَحرُمُ على مواليهم، وإنما معنى موالي القوم منهم يقول: في الحرمة، كما قيل: ابنُ أختِ القومِ منهم، ومثلَ " أنت ومالُك لأبيك"؛ يعني: في البرِّ والطواعية.
قال أصبغُ: واخْتُلِفَ في سهمِ ذوي القربى، من القسمةِ من هو ذوو القربى؟ فقيل: قرابة النبي صلى الله عليه وسلم خاصةً. وقيل: قريشٌ كلها.
وقال ابن عباسٍ: نحوهم؛ يعني: آل محمدٍ. ولكن أبى ذلك علينا قومنا. ووجدت معنى الآثار أنهم آلُ محمدٍ خاصة.

(2/297)


في قَسْمِ زكاة المعدن، وقَسْمِ الفيءِ والخُمْسِ، والجزيةِ، والمال يُجعل في السبيلِ، أو من وصيةٍ أو حبسٍ
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: وسبيلُ قَسْمِ زكاةِ المعدنِ سبيلُ قسمِ زكاة المال سواءٌ، ويُسلكُ بخمسِ الركازِ مسلكَ خمسِ الغنيمةِ والفيءِ، فمن ولِيه أخرجه بالاجتهاد. وجزية الأرض والجماجم وعُشُورِ أهل الذمة وخمسِ الركازِ، وما فُتِحَ بصلحٍ أو عنوةٍ، فسبيله واحدٌ.
قال أبو محمدٍ: يريدُ بقوله: بصلحٍ أي ذلك المال الذي صُولحوا عليه.
وقولُه: أو عنوةً، يريد الخمسَ المأخوذ فيه خراجَ الأرضِ.
قال ابن عبد الحكم: فهذا كلُّه يبدأُ منه بسدِّ الثغورِ والتَّحَرُّزِ من العدوِّ، ثم يُقْسَمُ ما بقي بين جميع المسلمين، فيُجعلُ قسمين، قِسْمٌ للذُّرِّيَّةِ والعيال، وقسمٌ للمجاهدين، قال: ويُجعل ابنُ خمسةَ عشرَ سنةً مع الرجال، وابن أقلَّ منها مع الذرية، ومَن أزمنَ من الرجال دخل مع الذرية، فيأخذ ما يكفيه لسنةٍ. قال: فإن فضل بعدَ ذلك كله شيءٌ جُعِلَ بينَ جميع المسلمين.
ويُساوَى فيه بين الناسِ أحبُّ إلينا. وقد اختُلِفَ فيه؛ فأبو بكرٍ الصديق رضي الله عنه قد ساوَى، وقال: البلاءُ والسابقة فضائل، أجرُها على الله سبحانه، والناسُ في المعاشِ سواءٌ. وفضَّلَ عمرُ الرجلَ بسابقته وببلائه.

(2/298)


قال ابن عبد الحكم عن مالكٍ: والتسوية أحبُّ إلينا، ولم يجعل الله قَسْمَ المواريث على قدر الحاجةِ.
قال محمدٌ: وأحَبُّ إلينا أَنْ يؤثرَ الحوجُ فيما فضَل، وهو قول مالكٍ.
قال ابن عبد الحكمِ: حتى لا يبقى منه شيءٌ، لم يختلف في هذا أبو بكرٍ وعمرُ. قيل: فإن نزلت بالمسلمين نازلةٌ، ولم يبقَ في بيتِ المال شيءٌ؟ قال: يتعاونون في ذلك. قال: ولكلّ أحدٍ في الفيءِ حقٌّ إلا أهلَ العمودِ، والأعرابَ، فلا شيء لهم في الفيء، وحقُّهم فيما يؤخذ منهم من صدقةٍ، إلاَّ أَنْ ينتقل أحدٌ منهم من دارِ أعرابيته إلى دار الجهاد، أو ينزل بالأعراب نازلةٌ زشدةٌ فيُواسُون حتى يحيون ثم يردون إلى دار أعربيتهم، كما فعل بهم عمر عامَ الرمادةِ حتى حَيَوا، ثم ردهم إلى دارهم.
قال: ويفرق ذلك في البلد الذي جُبِيَ فيه بعد سدِّ ثغوره، إلاَّ أنْ تنزلَ بغيرهم حاجةٌ، فيُواسَوا.
قال مالكٌ: وليس بين الذكر والأنثى، والعربيِّ والمولَى، والصغير والكبير، فضلٌ في الفيءِ، ويُعْطَى كلُّ واحدٍ بقدرِ فقره ما يُغنيه، فإنْ فضل شيءٌ فهو بين الناسِ؛ رفيعهم ووضيعهم، إلا أَنْ يرى الإمام حَبْسَه، لنوائب تنزِلُ به فليفعلْ.
قال أشهبُ: وأرزاق عمال المسلمين، وولاة أمرِهم وحُكَّامِهم من الفيءِ، إلا عاملَ الصدقةِ فيأخذُ منها.

(2/299)


من "المَجْمُوعَة"، قال أشهبُ: ولا بأسَ أنْ يُعطَى من الركازِ مَن تلزمه نفقتهن ومَن لا تلزمه على الاجتهاد، بلا مُحاباةٍ.
ابنُ القاسمِ، عن مالكٍ: ومَن أعطى مالاً في السبيلِ، فلا بأس أَنْ يأخذ منه مَن يأخذ العطاءَ.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز: ومن أوصَى بمالٍ في سبيلِ اللهِ، قال مالكٌ: يُبدأُ فيه بالفقراء، ويأخذ منه ألغنياءُ، إنْ وَسِعَ، ومَن أُعطِيَ مالاً في السبيلِ ففضلَ منه، فإن شاء ردَّه، وإن شاء أعطاه لغيره، ولا يُعْطى راجعاً. ومَن خُلِّفَ عندَه مالٌ في السبيلِ، فليُقَسِّمْه، فيمن يخرجُ ممن يثق به، ولا ينفرْ به فيهلك.
قال مالكٌ في "المَجْمُوعَة"، وغيرها: أشرتُ على محمدٍ أبي جعفرٍ أنْ يُقَسِّمَ خَيْبَرَ كلها مع صدقهِ النبي صلى الله عليه وسلم فقسَّمُوها على الأغنياء والفقراء، وليس برأيٍ.
قال مالكٌ: وأكثر الكتيبة منها عَنوةٌ.
قيل لأشهبَ: كيف تُقَيِّمُ صدقةَ النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: إنْ لم يُسْبِلْهَا، فهي كالفيءِ، فلْتُقَسَّمْ على غنيِّهم وفقيرهم بالاجتهادِ، وأرى أَنْ يؤثرَ فقراؤهم.
وفي كتابِ الصدقةِ وكتاب الجهاد بقية القولِ في هذا المعنى.
في إلزام زكاة الفطرِ، وذكر مِكْيَلِهَا، ماذا يُخرجُ من الحبوب، وهل يؤدي فيها ثمناً
من "كتاب" ابنِ سحنونٍ، روَى ابنُ نافعٍ، عن مالكٍ: أنَّ

(2/300)


الزكاة المندفروضة بالصلاة، تدخل فيها زكاة الفطر، ورُوِيَ عنه أيضاً، أنَّه قال: هي زكاة الأموال المُزكّاةِ. وقيل: فزكاة الفطر. قال: هي ممَّا سنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وفرض.
قال ابن حبيبٍ: وقد قيل في قول الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}: أنها زكاة الفطرِ. قال غيرُه في "المَجْمُوعَة": وهي زكاة الأبدان.
قال أشهبُ، عن مالكٍ في "المَجْمُوعَة" وغيرها: قيل: أيؤدِّي الرجلُ الفطرة بالمُدِّ الأكبر؟ قال: لا بل بمُدِّ النبي صلى الله عليه وسلم ثم إن اراد انْ يفعلَ خيراً، فليفعله على حدته.
ومنه، ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابنُ القاسمِ: قال مالك: وتؤدَّى من القمح والشعير والسُّلتِ والذرةِ والدُّخْنِ والأرز والزبيب والتمر والأَقِطِ، صاعٌ من قوت البلد الذي هو به، من ذلك كله. وأنكر مالك ما روي من الحديث في نصف صاعٍ، ولم يصح عندَه. ويدلُّ أنَّ ذلك لا يجزئُ عن القيمة، أنَّ ما ذُكر في الحديث الصحيح بعضُه أعلى قيمة من بعض، والكيل متفقٌ. قال: والحنطة أفضل من ذلك.
وقال أشهبُ: لا يجزئُ فيها إلا الأربعة المذكورة في الحديث، الشعير

(2/301)


والتمر، والزبيب، والأقِطُ، ومع الشعير، القمح والسُّلتُ، وهما منه، وأفضل منه.
قال أشهبُ في "المَجْمُوعَة": وأحبُّ إليَّ بالبلدان الحِنطةُ، وبالمدينة التمرُ، ولو كانوا، أو أكثرهم يؤدون الحِنطةَ كانت أحَبَّ إليَّ، ولكن لا يؤدونها بها. قال: وأنا السُّلْتُ أحَبُّ إلي من اشعير، والشعير أحبُّ إلي من الزبيب، والزبيب أحبُّ إليَّ من الأقِط، ومن كان عيشته من شيءٍ من هذا فليؤدِّ منه، وإن كان غيرُه أفضلَ.
قال ابن حبيب: تؤدَّى الفطرة من عشرة أشياءٍ، فذكر ما قال مالكٌ، أول هذا الباب، وزاد العَلْسِ، وقال/ مَن قدر على أحدِ هذته الثلاثة؛ القمح والشعير والتمر، فليخرج مما ياكل منها، فإن أكل من فضلها، وأدَّى من أدناها أجزأه، وكان ابنُ عمرَ يُخرج تمراً، ومرة واحدة، أخرج لاشعيراً، وكان يأكل البُرَّ والتمرَ والشعيرَ. وأحسبُ أنَّ التمرَ جُلُّ قوتهم، فأمَّا السبعةُ أصنافٍ الباقية فليخرج مما هو قوتُه منها، فإنْ أخرجَ من غيره لم يُجْزِئُهُ، ومَن أخرج من غير العشرة أصنافٍ لم يجزئه، وإن كان عيشهم. وأما الدقيق، فإنما نُهي عن إخراجه لريعه، فمَن أخرج منه قدرَ ما يزيد على كيلِ القمحِ أجزأه، وقاله أصبغُ.
قال ابن حبيبٍ في كتال النذور: والخبزُ كذلك. قال: وكذلك غَربلةُ القمحِ بواجبٍ، وهو مستحبٌّ، إلا أَنْ يكون غَلِيثاً. قال مالكٌ: في غير

(2/302)


كتابٍ: لي سعليه غربلة القمح في الكفارة.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، ونحوُه في "المَجْمُوعَة"، قال مالك: لا يؤدي أهلُ مصرَ إلا البُرَّ؛ نه جُلُّ عيشهم، ونحن في المدينة نؤدي التمرَ.
قال ابن الماجشون: تؤدي من الغالب من عيش أهل بلده. قال ابن الْمَوَّاز: بل مما يأكل هو وعياله مما يُفرضُ على مثله. قال أشهبُ: يُخرجُ مما يقوت به نفسه، وعياله. وقد سئلَ مالكٌ عن الشعير، فقال: يُخرج منه إن كان هو أكله، فلا يجزئ أَنْ يخرج من القُطنِيَّةِ، ولا من التينِ، وإن كان عيشَ قومٍ.
ومن "العُتْبِيَّة"، روى عيسى عن ابن القاسمِ، قال: إن كان العَدَسُ أو الحمصُ عيشَ بلدٍ، فأخرج منه، قال: هذا لا يكون، فإن كان رجوت أَنْ يُجْزِئُهُ.
وقال مالكٌ في "المختصر": يؤديها من كل ما تجب فيه الزكاة، إذا كان ذلك قوتَه.
ومن سماع ابنِ القاسمِ، وعن قومٍ ليس طعامُهم إلا التين، قال: لا أرى أَنْ يؤدَّى منه.
قال مالكٌ: ولا يُجْزِئُهُ أَنْ يدفع في الفطرةِ ثمناً. وقاله ابن القاسمِ في رواية أبي زيدٍ. قال عنه عيسى: فإن فعل لم أرَ به بأساً.

في الفقير هل يؤدي زكاة الفطر، وهل يأخذها؟
من "المَجْمُوعَة"، قال ابن وهبٍ، عن مالكٍ: إذا وجدَهَا الفقيرُ،

(2/303)


فليؤدها، يعني زكاة الفطرن وإن وجد مَن يُسلِّفُه فليستلفْ. قال عنه ابنُ القاسمِ: وقال: قيل: ذلك مَن له حقُّ أَنْ يأخذها فلا تجب عليه.
وقاله ابنُ الماجشون: وقال عنه ابن وهبٍ: إنْ كان له قوت شهرٍ أو خمسة عشر يوماً، فهي عليه. وقال عنه أشهب: مَنْ لم يكن له شيءٌ فلا شيء عليه، وإن كان ممن يتكلَّف تلك الأشياءَ، فعليه ذلك.
قال ابنُ القاسمِ، عن مالكٍ، في "كتاب" ابن الْمَوَّاز: وليؤدِّ الرجلُ الفطرة، وإن كان ممن يَحِلُّ له أَنْ يأخذها.
قال عنه في "العُتْبِيَّة": وإذا أدَّى الفقيرُ زكاة الفطر، فلا أرى أَنْ يُعْطَى منها. ثم رجع فأجازه إن كان محتاجاً.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال أشهبُ عن مالكٍ، فيمن له عشرة دراهم، فأدَّى الفطرة، أيأخذ منها؟ فلم يرَ له ذلك، قيل: فمن يملكُ عشرة دراهم أيسعه أَنْ يأخذ؟ قيل: ليس لهذا حَدٌّ.
قال مالكٌ: وإن وجد الفقير من يسلفه، فليتسلَّفْ، ويخرجها، فإنْ لم يجد، فلا قضاء عليه إن أيسر. قال محمدٌ: ليس عليه أَنْ يتسلف، وليس ممن هي عليه.
قال ابنُ حبيبٍ: وليستْ على الفقير الذي لا يجدها ولا يجدُ ثمنها، ولي سعليه أَنْ يتسلَّفَ، إلا أَنْ يتطوَّعَن فإنْ أُعطيَ منها يوم الفطر ما فيه قوت يومه، فلي سعليه إخراجها، وإن كان فيها فضلٌ عن قوتِ يومه ذلك، أخرج منه.
وكذلك روى مُطرِّفٌ، وابن الماجشون عن مالكٍ، أنَّ الفقير يؤديها مما يأخذ.
قال ابن حبيبٍ: وإن لم يدخل شيءٌ إلا في غدِ يومِ الفطرِ، فلا شيءَ عليه؛ لأنَّ يومَ الفطر قد زال عنه، وليس من أهلها.

(2/304)


فيمن عليه زكاة الفطر، ومن يلزم الرجلَ
أن يؤدي عنه زكاة الفطر
من "كتاب ابن حبيبٍ: وغيره، ومن قول مالكٍ وأصحابه: أنَّ زكاةَ الفطرِ على كلِّ مسلمٍ حرٍّ أو عبدٍ، ذكرٍ أو أنثى، صغير أو كبيرٍ، حاضرٍ أو بادٍ، مسافرٍ أو مقيم، كان ممن صام رمضان أو أفطره لعذرٍ أو بغير عذرٍ. وعلى الرجل أَنْ يؤديها عن يتيمه من مال اليتيم، وعلى الرجل أَنْ يؤديها من ماله عمَّن يلزمه أَنْ ينفق عليه من المسلمينن فيؤديها عن زوجته، وإن كانت مليَّةً، وعن بنيه الفقراءِ إلى احتلام الذكر، ودخول الأنثى على زوجها، وعن أرقائه المسلمين، وعن أبويه الفقيرين.
ومن "العُتْبِيَّة" روى أشهبُ عن مالكٍ، قال: ويؤدي المسافر عن نفسه زكاة الفطر، ويؤخر الأداء عن أهله، ولعلهم أدَّوْا.
قال ابن حبيبٍ: وعليه أَنْ يؤديَ عن والده الفقير، وعن زوجة والده وخادمها، وإن لم تكن هي أمه. قاله ابن الماجشون، ومُطرِّفٌ، وابنُ عبد الحكم، وأصبغُ.
قال ابن القاسم في "المدونة": وإنما ينفق عن زوجةٍ واحدةٍ لأبيه، أو أمِّ ولدٍ له، وعلى خادمه، أو خادمِ زوجته.
قال المغيرة في كتاب آخر: لا يلزمه أَنْ ينفق على زوجة أبيه، إلا أن تكون أما له.
وقال مالكٌ في "المختصر": وليس عليه أَنْ يزوجَ أباه.
قال ابن حبيبٍ: وإذا دُعِيَ الرجلُ إلى البناء بزوجته، فمن يومئذٍ تلزمه النفقة عليها، وزكاة الفطر عنها، ولا يلزمه ذلك عن خادمها حتى يدخل. كذلك قال ابنُ الماجشون.

(2/305)


ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، ونحوُه في "المَجْمُوعَة"، قال أشهبُ: وإذا دُعِيَ الزوجُ على البناءِ، فلم يجد ما ينفق منه، أو الثَّواءِ بذلك، فالنفقة والفطرةُ على الأب. قال عبد الملكِ: وإنما تلزمه الفطرة عن خادم زوجته إذا كان ممن عليه أَنْ يخدمها، فإن كان ذلك، فإنما ذلك عليه إذا بنى بها.
قال أشهبُ: وكذلك إذا امتنع من البناءِ، وقد دَعَوْهُ إلى ذلك. وقال ابن القاسمِ: ولو منعوه من البناءِ، فأتى يومُ الفطرِ، ثم طلَّق قبل البناءِ، فالزكاة عليها عن نفسها، وعن الخادمِ، وإن نكحت عليها. قال أشهبُ: وإن لم يدعوه إلى البناءِ، فزكاة الخادمِ عليها، ولولا الاستحسانُ، لكان عليه نصفُ زكاتها، وإنْ طلَّقَ يومَ الفطرِ. ولكني أكرهه؛ للذريعة أي أَنْ يخرج عن نفسٍ واحدةٍ زكاةً ونصفاً، وإن كان هو القياس، وإنْ طلقها دونَ يومِ الفطر فلا شيء.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، وعليه أَنْ يؤديها عن عبده الغائب، وإن طالت غيبته، وإن لم يعرف موضعه، إلا أَنْ يكونَ أَبِقَ إباقَ إياسٍ.
قال ابن وهبٍ: عن مالك: ومَن له عبدٌ تاجرٌ كثير المال فالزكاة عنه على سيده.
ومن "العُتْبِيَّة"، قال أصبغُ، عن ابن القاسمِ: ومَن لزوجته

(2/306)


خادمان، وهي ذاتُ شرفٍ، فليؤدِّ الفطرة عن الخادمين.
قال أصبغُ: ولو ارتفع قدرُها فوق ذلك، كالهاشمياتِ وبنتِ الملكِ، فليزد في عددِ الخدمِ مثل الربعة والخمسة، ويلزم الزوجَ النفقةُ عليهن والفطرة. وفي باب زكاة المديان ذكر زكاة الفطرة عن عبدِ ولدهِ.
في ما يلزم أو يسقط من الفطرةِ، فِي مَنْ يموت أو يولد أو يُسلمُ أو يباعُ أو يعتقُ أو يحتلمُ أو يبني أو يستغني ليلة الفطر أو يوم الفطر أو قبل دخول ليلته
قال ابن حبيبٍ: اختُلِفَ عن مالكٍ متى حدُّ وجوب الفطرة. فروى أشهبُ، عن مالكٍ: أنَّها تجبُ بغروب الشمسِ من ليلة الفطرِ، وبه قال.
ورَوَى ابن القاسمِ، ومطرف، وعبد الملكِ، عنه، أنَّ حدَّ ذلك، طلوعُ الفجرِ من يوم الفطر. وبه قالوا. وبه أقول. فمن باعَ عبداً قبل الفجر، يوم الفطر، ففطرته على المشتري، وإن باعه بعد الفجرِ، فهي على البائعِ، وكذلك يجزئُ هذا في العتقِ والطلاق والموتِ، وموتِ من يلزمه أداؤها عنه.
ولم يختلفوا عن مالكٍ، فيمن وُلِدَ قبل الفجر أو بعد الفجر أنها على الأب. وقال ابن الماجشون: هو فيه بعد الفجر مستحبٌّ. وقاله أشهب.
وأجمعوا عن مالكِ، فِي مَنْ أسلم قبل الفجر، أنها عليه، وأنَّه بعد الفجر مستحبٌّ. وهذا يدل على قول عبد الملك في المولود، وقال أشهبُ: إذا لم يسلم قبل الفجر بيومٍ وليلةٍ، حتى يلزمه صومُ يومٍ منه، فليست عليه

(2/307)


بواجبةٍ. وقال ابن حبيبٍ: وهذا شاذٌّ، ولو وجبت بالصوم سقطت عن المولودِ، وإنما تجب بإدراك أو حلول اليوم اذلي فُرضت فيه.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، و "المَجْمُوعَة": ومن أسلم يوم الفطر، فروى ابن القاسم، عن مالكٍ، أنَّه يُستحبُّ له أَنْ يؤديها. قال عنه ابنُ وهبٍ: وليس بواجبٍ. وقال أشهبُ: وكذلك لو أسلم قبل الفجرِ من يوم الفطرِ، أو بعد الفجر من آخر يومٍ من رمضان، فلا فطرة عليه، ويُستحبُّ له. ولو أدرك صومَ يومٍ، لزمته.
قال أشهبُ: ومَن مات بعد فجر يوم الفطر، ولم يُوصِ بالفطرةِ، فإنما تلزم ورثته من رأس ماله. وقال ابن القاسمِ: لا تلزمهم حتى يوصى بها. وقال أشهبُ: ومن مات، ممن يؤدي عليه، قبل فجر يوم الفطرِ، فليؤدِّ عنه. وما أُحبُّ له ترك ذلك، ولا أدري هل هو واجبٌ؟ وأمَّا مَن مات قبل دخول ليلة الفطر، فلا شيء عليه فيهم.
قال أشهبُ: ومَن أعتق عبدَه، أو باعه، أو طلق امرأته طلاقاً بائناً، أو احتلم ولدُه الذكرُن أو من بُنِيَ به من بناته، أو أيسر أحدٌ منهم، أو من أبويه بعد طلوع الفجر من يوم الفطر، فالفطرة عليه عنهم، وإن كان ذلك بعد غروب الشمسِ من ليلة الفطر، فليؤد عنهم، وما أدري أواجبٌ ذلك عليه ام لا؟ وإن كان ذلك كله قبلَ دخول ليلة الفطرِ، فلا شيء عليه عنهم، وذلك عليهم، إلا من بعته، فعلى مشتريه.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز: ومن باع عبدَه قبل غروب الشمسِ من آخر يومٍ من رمضانَ، فالفطرة عنه على المشتري، وإن باعه بعد غروب الشمس، فمُسْتَحَبٌّ للبائعِ، وهي لازمةٌ للمشتري، وقد استحبَّ

(2/308)


أشهبُ، فيمن اشتراه يومَ الفطر، أَنْ يؤدي عنهن وأما ابلائع فذلك واجبٌ عليه. وقال عبد الملكِ: إذا باعه قبل الفجر، فزكاته على المشتري.
في زكاة الفطر عن عبدٍ بين اثنين أو بعضه حرٌّ، أو عن العبدِ يُردُّ آبعيبٍ أو لفسادِ بيعٍ ليلة افطر أو يومه، أو تأخذه الفطرة ولم يخرج من العهدة
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز: وإذا كان عبدٌ بين اثنين، أخرج كلُّ واحدٍ عنه في الفطرة نصف صاعٍ مما يأكل السيدُ.
وفي "كتاب" ابن سحنونٍ، أنَّ عبدَ الملكِ روى عن مالكٍ، أنَّ على كل واحدٍ عنه زكاة الفطر كاملةً. وذهب عبد الملكِ إلى أنَّ على كلِّ واحدٍ بقدرِ ما له فيه من الرقِّ. قال: وأرى مالكاً قاسه على الذي بعضه حرٌّ، انَّ الرقَّ يُخرجُ عنه جميع الفطرةِ؛ لأنَّه يرثه وهو حابسه عن أحكام الحرية. ولم يعرف سحنون هذه الرواية، عن مالكٍ في الشريكين، وقال: قولُ عبد الملكِ في الشريكين، قولنا.
ومن "كتاب" ابن سحنونٍ: وذكر عبد الملكِ، عن مالك في الذي بعضه حرٌّ، انَّ مَن له الرقُّ يُخرج عنه جميع الكفارة. فلم يعرف سحنون هذه الرواية. وقال: بل عليه بقدرِ ما له فيه من الرقِّ ولا شيء على العبدِ.
قال ابن الْمَوَّاز: قال عبد الملك، في عبدٍ بين حرٍّ وعبدٍ: إنَّ على العبدِ نصف زكاته فقط.

(2/309)


قال ابن حبيب، وابن القاسمِ، وابن وهبٍ، عن مالكٍ: على من له فيه الرقُّ، أَنْ يؤدي عنه بقدر ملكه فيه، ولا شيء على العبدِ، وبه قالا.
وقاله أشهبُ، وابن عبد الحكم، وأصبغُ. وقال أشهبُ: على مَن له فيه الرقُّ بقدرِ رقِّه فيه. وعلى العبد أَنْ يؤدي بقدر ما عتق منه.
وقال مطرِّفٌ، وابن الماجشون: على الذي له الرقُّ الفطرة تامَّةً. وبه أقولُ. ولأنه يرثه إن مات. وذكر في "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قول عبد الملك فيه، وذكر قولَ ابنَ القاسمِ، وأشهب. وقال أشهبُ: وهو القياسُ، وأما الاستحسان فجميعُها على السيد.
قال ابن الْمَوَّاز: والعبد الموصَى بخدمته لرجلٍ، وبرقبته، لآخر، فقال ابن القاسم: النفقة وزكاة الفطر على المخدم. وقاله ابن عبد الحكم. وكذلك لو أخدمه السيدُ الحيُّ أجلاً، أو عمراً. وقال أشهبُ: بل الزكاةُ على من له مرجع الرقبة في الرقبة في الوجهين، وإن كانت نفقته على المخدم، وبه أخذ ابن الْمَوَّاز. قال ابن القاسم في "المَجْمُوعَة" مثل قول أشهب. قال ابن حبيبٍ: إلى هذا رجع ابن القاسم. وقال أشهب في "المَجْمُوعَة"، و"كتاب" ابن الْمَوَّاز: هو كعبدٍ مستأجر من رجلٍ، على أنَّ نفقته عليه، والزكاة على سيده، وليس كخادم الزوجة، لأنَّ الزوجَ، غيرُ الزوجة، ينفق على خادمها. ولو قالت هي: أنا أنفق على نفسي، وعلى خادمي، وأبي الزوجُ إلا أَنْ يُنفق هو، فذلك له. ولو أبى صاحبُ رقبةِ

(2/310)


المخدم إلا أَنْ ينفق هو، ويمنع المخدم من النفقة عليه، كان ذلك لسيده، بخلاف الزوج، لأنه لا يملك غير خدمته.
ومن "المَجْمُوعَة"، و"كتاب" ابن سحنونٍ، وقال عبد الملك في المخدم: ومرجعه على ربه، أو إلى آخر، فأمَّا ما طال من الخدمةِ، حتى يصير لو وطِئَ الأمة فيه، لكانت شبهة تزيل الحدَّ، فالنفقة فيه والفطرة على المخدمِ. وما كان مثل الوجائب والإجارة، فهي على من له الرقبة.
وقال سحنونٌ في "كتاب ابنه": لا أقول بما ذكر في طول الخدمةِ في النفقة والفطرة، وقول أصحابنا: إنَّ ذلك على من له الرقبةُ، وإن طالت الخدمةُ.
وقال مالك فِي مَنْ أعمر رجلاً خادماً عُمرا، أو أجلا: فزكاة الفطر عنها على السيد المعمر، وإن كان مرجعها إلى حرية فالزكاة على المعمر إذ لم يبق للسيد فيها ملكٌ.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز: ومن باع عبدا بيعاً فاسداً، ثم رده يوم الفطر ففطرته على المشتري، قاله ابن القاسمِ، وقال أشهبُ: على كل واحدٍ من البائعِ، والمبتاع عنه زكاةٌ كاملةٌ، وكذلك عن رده ليلة الفطر. وكذلك الجارية تأتيها الحيضة ليلةَ الفطر أو يومه.
قال أشهبُ: وكذلك العبدُ يباع بعهدة الثلاث، فانقضت الثلاث يوم الفطر أو ليلته، فالزكاة كاملةً على كل واحد منهما، إلا أَنْ يبيعه بيع براءةٍ، فهي على المبتاع فقط، ولو مضى يومُ الفطر في بيعِ العهدة قبل تمام الثاث، فهي على البائع فقط.

(2/311)


وقال ابن حبيب، عن ابن الماجشون في المبيع بيعاً فاسداً إن فُسخَ: بحدثان ذلك، فهي على البائعِ وإن فات، فهي على المبتاع وإن فات بعدَ يومِ الفطرِ، وبه أقول. وذكر عن أشهبَ إن أدركه يومُ الفطرِ لم يفت بحوالة سوقٍ فاعلاً، فهي على البائع، وإن فات بعدَ ذلك وإن أدركه الفطرُ فائتاً فهي على المبتاعِ، وقال ابنُ الماجشونِ، في المردودِ بعيبٍ، مثل المبيع بيعاً فاسداً.

في زكاة الفطر عن عبيد القِراضِ
من "الواضجة"، قال ابن حبيبٍ: روى ابن القاسمِ، وابن وهبٍ، عن مالكٍ في زكاة الفطر، عن عبيد مال القراضِ: على ربِّ المالِ في رأس مالهِ. وبه قالا. وقال أشهبُ، وأصبغُ: يُزكَّى عنهم من مال القراض بحسب ذلك على رب المالِ، ثم يكون رأس ماله ما بقي بعدَ إخراج زكاة الفطر منه.
وذكر ابن حبيبٍ، أنَّ فطرتهم كنفقتهم، من جملة القراض، ورأس المال بعدَ العددِ الأول. واختار ابن الْمَوَّاز رواية ابن القاسم. وقوله: إنَّ فطرتهم على ربِّ المالِ، قال: لأنَّه شيءٌ ليسَ على المالِ وجَب، وقد لزم ذلك قبل يجب للعامل شيءٌ، وما يأخذ العامل كالإجارةِ، فإنما يلزمه زكاةٌ في نصوصه، وبعد أَنْ يصيرَ له بعد الحولِ، ألاَ تراه لو كان العاملُ لا يديرُ وربُّ المالِ يديرُ، أنَّه يقوِّمُ ربُّ المال ما بيدِ العاملِ، ويزكّي كل عامٍ، ولا يزكِّي العاملُ إلاَّ على ما ينو به بعدَ المفاصلة لعامٍ واحدٍ؟ وكذلك في

(2/312)


زكاة رقاب الغنمِ، على رواية ابن القاسم. وبقية القولِ من هذا، في باب زكاة القِراض.

في دفعِ زكاة الفطر إلى الإمام أو تفريقها دونَه، وهل
تُخرجُ من موضعها، وهل تُخرجُ يوم الفطرِ، وهل يأخذُ
منها من يليها
من "المَجْمُوعَة" قال مالكٌ: وإذا كان الإمام عَدلاً، ولا يدخل زكاةَ الفطرِ عنده تضييعُ، فإرسالها إليه واجبٌ، وكذلك إنْ لها قومٌ تجمعُ إليهم ويفرّقونها. قال: وليس من أمرِ الناسِ أَنْ يبعث الإمام العدلُ في زكاةِ الفطرِ من يقبضها إنما له من موضع تُجمع فيه، وقد كانت تبعثُ إلى المسجد. قال أشهبُ: فإذا اجتمعت، أمر تُقاةً بتفريقها.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال: وكان مالكٌ يُضَعِّفُ دَفعها إليهم في المسجد، وأحَبُّ إليه أَنْ يفرقها مُخرجها، ويُعجِّلَ بها.
قال أصبغُ: وَلا بَأْسَ أَنْ يخرجها قبلَ الفطرِ بيومين، وثلاثةٍ. قال محمدٌ: وتُجزئه، ويوم الفطرِ أحبُّ إلينا. ولو أخرجها قبلَ الفجر بيومين ثم هلكت، لضمنها. وكذلك زكاة المال قبل الحول بمثل ذلك.
قال مالكٌ: ولا تنقل فطرة القرى إلى المدينة إلا أنْ لا يكونَ بها من يستوجبها، فتنقل إلى أقرب القرى.

(2/313)


قال مالكٌ: ولا يُعطَى منها من يليها، ولا من يحرسها، وليُعْطَوْا من غيرها.
قال ابن حبيبٍ: وليس لِما يُعطَى منها حدٌّ. وقد روى مطرِّفٌ عن مالكٍ: إنَّما يُستحبُّ لمن وَلِيَ تفرقة فطرته أَنْ يُعطَى كل مسكينٍ ما أخرج عن كلِّ إنسانٍ من أهله من غير إيجابٍ، وله إخراج ذلك على ما يحضره بالاجتهاد. وكانوا بالمدينة يبعثونها إلى المسجد، ثم تُفَرَّقُ يومَ الفطرِ بعد صلاة العيد. ومَن وَلِيَ إخراجها بنفسه، ولا يعدلُ مَن يليها، فأحسنَ له أَنْ يخرجها قبل أَنْ يخرج على المُصلَّى يوم الفطر، ومَن أخرجها قبله بيسيرٍ، أجزأه عند المصريين من اصحاب مالكٍ. لم يُجْزِئُهُ عند عبدِ الملكِ، إلا أنْ يبعث بها إلى مَن تُجتمع عنده.
ومن "كتاب" ابن سحنونٍ، واستحبَّ مالكٌ أنْ تُقسَمَ صدقةُ الفطرِ يومَ الفطرِ، وكره أَنْ يسال المساكين في العيد في المسجد والمُصلَّى.
قال: وقد جاء: " أغنوهم عن طوافِ هذا اليوم".

مسائل من "كتاب الزكاة" لابنِ سحنونٍ من غير معاني الزكاة
من "كتاب" ابن سحنونٍ، قال سحنونٌ، عن ابن القاسمِ: قيلَ: أيأخذ الإمامُ الناسَ بحرسِ البحرِ إن خاف على ذراريهم، ويجعل لكلِّ

(2/314)


ليلةٍ قبيلة للحرسِ. ومَن غاب عاقبه. وليسوا بأهل ديوانٍ مثلَ أهلِ الإسكندرية؟ قال: نعم، إذا خاف عليهم، فله أَنْ يُلزمهم ذلك.
وقال في أرض الخراجِ، تُباعُ باستثناءٍ، فاغتلَّها المبتاع سنين، والبائع يؤدي خراجها، أو لم يؤده: فأشهبُ يرى الغلة للمبتاع، وعليه الخراجُ ويردُّ الأرضَ إذا لم تفت، وإن فاتت ففيها القيمة والغلة للمبتاع، وعليه الخراجُ. فإن كان أدَّاه البائع رجع به عليه. وغيرُه لا يجيز بيعَ أهلِ غفريقية بشرطِ الخراج – يريد على المبتاع -.
ومن "كتاب"ابن سحنونٍ، قال مالكٌ: ومن تصدَّق بصدقةٍ فرُدَّتْ عليه، فله أَنْ يتصدَّق بها إلاَّ أَنْ يردها إليه الميراث.
وقال مالكٌ، في رفقاء يتخارجون في سَفِرٍ ويأكلون في موضعٍ واحدٍ، وفيهم أحدٌ فقيرٌ فيتصدق عليه أحدُهم، فأخرج عنه وعن نفسه، وهم يأكلون في موضعٍ واحدٍ: فلا بأس لمن معهم المتصدِّقُ: قال مالكٌ: وأكره أن تبعث مع الوالي؛ ليبتاع شيئاً.
تمَّ الكتا بالثاني من الزكاة من النوادر، والحمد لله رب العالمين كما ينبغي الحمد لله، وصلى الله على سيدنا محمدٍ خاتمِ النبيين وآله الطاهرين وسلم تسليماً. وحسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير.

(2/315)