النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات

كتاب الحج
في فريضةِ الحجِّ
وذكر الاستطاعة والسبيل، وفي من وجده،
وذكر استئذان الأبوين فيه، وذكر وجوب العمرة
ويوم الحج الكبر
من "العُتْبِيَّة"، قال ابن القاسمِ: قال مالكٌ: الحجُّ كله في كتاب الله تعالى، وأما الصَّلاَة والزكاة، فذلك مُجمَلٌ فيه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بيَّنَه.
قال أشهبُ فيه، وفي "كتاب" ابن الْمَوَّاز: سئلَ مالكٌ عن قولِ الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} أذلك الزادُ والراحلةُ؟ قال: لا، والله، قد يجد الرجل زاداً وراحلةً، ولا يقدر على المسير، وآخر يقدرُ أنْ يمشيَ راجلاً، ورُبَّ صغيرٍ أجلدُ من كبيرٍ، فلا صفة في هذا أبين مما قال الله سبحانه.
قال ابن حبيبٍ: رُويَ انَّ الاستطاعة مركبٌ وزادٌ. وقاله عددٌ من الصحابةِ، والتابعين. وقاله ابنُ أبي سَلمة.
قال ابن عبدوسٍ: وقاله سحنونٌ - يريدُ الزادَ والراحلةَ - في بعيدِ الدارِ. قال سحنونٌ: والطريق المسلوكة. وقال غيره من البغداديين: لم

(2/317)


يثبت في الراحلة حديثٌ، وظاهرُ القرآن يُوجبُ الحجِّ على مستطيعه مشياً.
قال ابن حبيبٍ: وقال عَطاءٌ: هو كما قال الله سبحانه. قال ابن الزبير: هو على قدر القوةِ، قال عكرمةِ: السبيل: الصحةُ.
قال ابن حبيبٍ: وذلك يرجع إلى البلاغ إلى مكة، ويدخل في البلاغ، الصحة والزاد، ويدخل فيه الحمولة، بشراء أو كراءٍ لبعيد اذلي لا يبلغ راجلاً إلا بتعبٍ ومشقةٍ، لقولِ الله تعالى: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ}. فإن كان صحيحاً وله زادٌ ولا يجد مركباً وعليه هذه المشقة في الرحلة. فلا حج عليه. ولا حج على من ليس بصحيح البدنِ، وإن وجد زاداً ومركباً. والصحيح إن لم يجد زاداً أو مركباً، فلا حجَّ عليه، فإن وجد زاداً، وهو قريب الدارِ، وليس عليه في المشي كثير مشقةٍ، فعليه الحج. وإذا كان في داره وخادمه وسلاحه كل ما يباع في دينه ما يبلغه الحج فعليه الحج.
قال عيسى، وابن الْمَوَّاز: قال ابن القاسم: إذا قدر على المشي، ولم يجد ما يتكارَى به، فعليه الحج.
قال محمدٌ: قال أصبغُ: إذا وجدَ زاداً. وليس النساء في المشي على ذلك، وإن قوين؛ لأنهن عورةٌ في مشيهن إلا المكان القريب، مثل أهل مكةَ وما حولَها وما قَرُبَ منها إذا

(2/318)


أطَقْنَ المشي.
قال العتبيُّ عن محمدِ بن خالدٍ، عن ابن القاسمِ، فيمن لا يملك إلا قريةً، وله ولدٌ، قال: يبيعها لحجِّ الفريضةِ، ويَدَعُ ولدَه في الصدقةِ.
قال ابن الموازِ: قال مالكٌ: وذكره ابن عبدوسِ، من رواية ابن نافعٍ، فيمن عليه دَيْنٌ، ليس عنده له قضاءٌ. فلا بأس أَنْ يَحُجَّ. قال سحنونٌ: وإن يَغْزُوا. قال ابن الْمَوَّاز: قال مالكٌ: وإن كان له وفاءٌ أو كان يرجو قضاءه. فلا بأسَ له أَنْ يحجَّ. قال محمدٌ: معناه: إنْ لم يكُنْ معه غيرُ مقدارِ دَينه، فليس له أَنْ يَحُجَّ –يريدُ محمدٌ، إلاَّ أنْ يقضيَه أو يَتَّسِعَ وجده.
قال ابن وهبٍ عن مالكٍ ونحوِه في "المختصر"، فِي مَنْ يؤاجرُ نفسه، وهو حاجٌّ، أيجزئُ عنه حَجُّه؟ قال: نعم، قيل له فِي مَنْ يسألُ ذاهباً أو جائياً، ولا نفقةَ عنده، قال: لا بأسَ بذلك. قيل: فإن ماتَ في الطريق. قال: حسابه على الله.
قال في موضعٍ آحرَ من رواية ابنِ القاسمِ عنه: ولا أرى الذين لا يجدون ما ينفقون أنْ يخرجوا على الحجِّ، والغزوِ، أو يسألون، وهم لا يَقْوَون إلا بما يسألون، وإني لأكره ذلك؛ لقولِ الله سبحانه: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ}.
قال في "المختصر": ويبدأ بالحجِّ قبل النكاحِ إذا لم يكن لذلك عنده سَعَةٌ.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسمِ: نَهَى مالكٌ عن حجِّ النساءِ في البحرِ، وكره أَنْ يحجَّ أحدٌ في البحر، إلا مثلَ أهلِ الندلسِ اذلي لا يجدُ

(2/319)


منه بُدًّا، وذكر في "كتاب" ابن الْمَوَّاز، وغيره، قول الله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ}. ما أسمعُ للبحرِ ذكراً. قال فيه، وفي "العُتْبِيَّة"، من رواية ابن القاسم: وكره مالكٌ حجَّ المرأةِ في البحرِ؛ لأنّها تتكشفُ، ولتخرج في البرِّ، وإن لم يجد وليُّها.
قال ابن حبيبٍ: رُويَ انَّ عمرَ قال: مَنِ اتصل وفره ثلاث سنين، ثم مات ولم يحجَّ، لم أُصَلِّ عليه.
قال العتبيُّ: قال سحنونٌ في الكثير المال القويِّ على الحجِّ، ولم يحجَّ: فهي حرمةٌ، إذا طال زمانه، واتصل وفره، وليس به سقمٌ. قيل: فهو كذلك مُذ بلغ عشرين سنة، إلى أن بلغ ستين سنة. قال: لا شهادة له. قيل: وإن كان بالأندلس؟ قال: نعم، لا عذر له.
قال العتبيُّ، وابن الْمَوَّاز: قال ابن القاسمِ: قال مالكٌ: أولُ مَنْ أقامَ الحجَّ للناس أبو بكرٍ، سنة تسعٍ.
قال غيرُ واحدٍ من البغداديين، ومنه لإسماعيل القاضي: إنَه لم يأتِ صريحاً أنَّ حجَّ أبي بكر حينئذٍ كان عن فرضٍ، والظاهرُ أنَّه حجَّ ليُنذرَ المشركين، بسورة "براءة"، أنْ لا يحجَّ بعد العامِ مشركٌ، ووقعَ حجُّهُ في ذي القعدةِ، والنسيءُ قائمٌ، وذلك أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال في حجه في العام الثاني: " ألا إنَّ الزمان قد استدار كهيئتهِ، يوم خلق الله السموات والأرض"، فأخبر أنَّه

(2/320)


لم يكن قبل ذلك مستديراً، ويبعد أَنْ يفترض عليه الحج، فيحج أبو بكر الفرضَ قبله، ولو كان مفروضاً، يومئذٍ فأخَّره عليه الصلاةُ والسلامُ لم يُشبه غيره؛ لأنَّ الله سبحانه أخبره أنَّه يفتحُ عليه، ويدخلُ مكة آمناً فكان على ثقة، فكيف يجوزُ لمَن كان عليه فرضٌ غيرُ معلومٍ بقاؤه إليه، أَنْ يؤخره وليس على علمٍ من تأخُّرِ عُمره.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: ولا يَحُجُّ بغير إذن أبويه، إلاَّ حجة الفريضة، فليخرج ويدعهما، وإن قدَر أَنْ يترضاهما حتى يأذنا له، فعَل، وإن نذر حجةً فلا يثكابرهما، ولينتظرْ إّذنهما عاماً بعد عامٍ، ولا يعجلُ فإنْ أبيا، فليحجَّ. ومَن توجَّه حَاجَّا بغيرِ إذن أبويه، فإن أبعد وبلغ مثلَ المدينةِ، فليتمادَ. ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن نافعٍ، عن مالكٍ: لا يعجل عليهما في الفريضة، وليستأذنهما العامَ، وعاماً قابلاً، فإت أبيا، فليخرجْ.
قال ابن القاسم، وغيره: قال مالكٌ: العمرةُ سنَّةٌ واجبةٌ كالوترِ لا ينبغي تركها.

(2/321)


ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابنُ القاسمِ: ومَن أسلم عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، فأحرمَ ولم يختتنْ، فذلك يُجْزِئُهُ من حجةِ الفريضة.
قال أشهبُ: وإذا عتقَ العبدُ عشيَّةَ عرفةَ، فليحرمْ حينئذٍ عن شاء، ثم يقطعِ التلبيةِ مكانه، ويُجزئه من الفريضة. وكذلك الوقوف بعرفاتٍ قبل الفجرِ، أجزأه. ومَ، اراد عتق عبدِه بعرفة فتعجيل عتقه أحبُّ إلينا.
قال مالكٌ: ويوم الحجِّ الأكبر، يومُ النحر.
قال غيره: أمر الله سبحانه نبيه عليه الصَّلاَة والسلام أَنْ يؤذَّنَ للمشركين بسورة "براءة"، وموقف قريشٍ، وكان غيرُهم يقفُ بعرفةَ، ثم يأتون المشعرَ فيجتمعُ فيه جمعهم كلهم.

في الغسل للإحرامِ، ولدخول مكة، ولوقوف عرفة، وذكر اغتسال المُحرمِ لجنابةٍ، أو لِتَبَرُّدٍ، أو لِتَطَيُّبٍ، أو لغير ذلك
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: وليغتسل من أراد الإحرامَ بالحجِّ. قال في موضعٍ آخر: أو بالعمرة. قال مالكٌ: والغُسلُ له بالمدينة عند خروجه، أو بذي الحُليفة. قال ابنُ القاسمِ: فإذا اغتسل بالمدينة،

(2/322)


ثم خرج من فوره، أجزأه.
قال مالكٌ: وَلا بَأْسَ لمَنِ اغتسل بالمدينة أَنْ يلبس ثيابه إلى ذي الحُليفةِ، فينزعها إذا أحرمَ. واستحبَّ عبدُ الملكِ، أَنْ يغتسلَ بالمدينة، ثم يخرج مكانه، فيحرم بذي الحُليفة. قال ابنُ حبيبٍ: ذلك أفضلُ، وبالمدينة اغتسلَ النبي صلى الله عليه وسلم وتجرَّدَ ولَبِسَ ثَوْبَيْ إحرامه. والذي رُويَ من الأحاديث الصحاح، من غير رواية ابن حبيبٍ، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى الظهرَ بالمدينة، وصلَّى العصرَ بذي الحُليفَةِ، وبات بها، وبها أمر النبي صلى الله عليه وسلم أسماءَ أنْ تغتسلَ حين نفسَتْ.
قال سحنونٌ: فإذا أردت من الخروج من المدينة خروجَ انطلاقٍ، فأتِ القبرَ كما صنعت أولَ دخولك، ثم اغتسل، والْبسْ ثوبي إحرامك، ثم تأتي مسجدَ ذي الحُليفة، فتركع، وتصلِّي. ومَن ترك الغسل، وتوضَّأ، فقد أساءَ، ولا شيءَ عليه، وكذلك إنْ ترك الغسل، والوضوء، وإن أراد تركَ الغسل إلى ذي الحُليفةِ، فعَل، أو يغتسل ويؤخر تجردَهُ، فعل.
قال مالكٌ، في "كتاب" ابن الْمَوَّاز: فأمَّا أَنْ يغتسل بُكرةً ويتأخَّرَ خروجه إلى الظهر، فإنِّي أكره ذلك، وهذا طويلٌ.
قال: وتغتسل النساءُ والصبيانُ، للإحرام، والحائضُ، والنُّفَسَاءُ. قال مالكٌ: فإنْ أحرمت الحائضُ والنُّفَسَاءُ ولم تغتسلْ، فلتغتسلْ، إذا عَلِمَتْ.

(2/323)


قال أبو محمدٍ: قال ابنُ الماجشون في "كتابه": ومن ركعَ للإحرامِ، وسار ميلاً قبل أنْ يُهِلَّ، وقد نَسِيَ الغسل، فليغتسلْ، ثم يركع، ثم يُهِلَّ، وإن ذكره بعد أن أهَلَّ، تمادى، ولا غُسلَ عليه.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: وليس في ترك الغسل عَمداً، ولا نِسياناً دَمٌ، ولا فديةٌ. قال سحنونٌ: وقد أساءَ.
قال مالكٌ، في "المختصر": وتغتسل الحائضُ، وتُحرمُ من فناءِ مسجدِ ذي الحُليفةِ، ولا تؤخر إلى الجُحفةِ رجاءَ أنْ تَطْهُرَ.
قال أشهبُ في "المَجْمُوعَة": وتغتسل الحائضُ والنُّفَسَاءُ؛ للإحرامِ بالعمرةِ، كالحجِّ.
وقال ابنُ حبيبٍ: ومَنِ اعتمر من التنعيمِ، فأحبُّ إليَّ، أَنْ يغتسلَ.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: ويغتسل المحرمُ، لإحرامه، ولدخولِهِ مكَّةَ، ولرواحِهِ على الصَّلاَة بعرفةَ. وغسلُ الإحرامِ أو جبُها، ويتدَلَّكَ فيه، ويغسلُ رأسه بما شاء. فأمَّا غُسلُ مكة، وعرفةَ، فلا يتدَلَّكَ فيه، ولا يغسلُ راسه إلا بالماءِ وحدَه يصبُّه صبًّا، ولا يُغَيِّبُ راسَه في الماء.
قال ابن عبدوسٍ: قال أشهبُ: ولولا أنَّه لم يؤمرْ بالغسلِ لزيارةِ القبرِ، ولرميِ الجمارِ، لأحببتُ ذلك، ولكنِّي أخافُ ذريعةَ استنانه، وإيجابه، ولو فعل أحدٌ في خاصةِ نفسه، رجوتُ له خيراً.

(2/324)


قال محمدٌ: قال عطاءٌ، ومُجاهدٌ: والحائضُ تتوضأ إذا توجهت لشيءٍ من امر الحجِّ.
قال أبو محمدٍ: وقال ابنُ الماجشون في "كتابه": ومَن ركع للإحرام، وسار مشيلاً.
قال محمدٌ: قال مالكٌ: وتغتسلُ النساءُ، والصبيان لدخول مكة. قال: والغُسلُ بذي طُوَى لدخول مكةَ، ومَنِ اغتسل بعد دخوله مكةَ، فواسعٌ، قال في "المختصر": وأرجو أَنْ يكون من ترك لك في سَعَةٍ.
قيل: فقبْلَ ذي طُوَى بمُرِّ الظَّهرانِ. قال: الذي سمعتُ بقربِ مكةَ.
قال مالكٌ: وليس على النُّفَسَاءِ والحائضِ غُسْلٌ لدخولِ مكةَ. قال أشهبُ: وذلك عليهما لوقوفِ عرفة. قال مالكٌ في "المختصر": وذلك حَسَنٌ لوقوف عرفة.
قال ابن حبيبٍ: وإذا اغتسل المحرم لدخول مكةَ، فإنما يغسِلُ جسده دونَ رأسه، فقد كان ابن عمرَ لا يغسلُ رأسه وهو مُحْرِمٌ، إلا من جنابةٍ. ومن غسل رأسه، فلا حرجَ ما لم يَغْمِسْ رأسه في الماء، وكان ابنُ عمرَ ربما اغتسل لدخول مكة، وربما توضَّأ، والغُسلُ أفضلُ، ومن لم يغتسل، فلا حرج.
وفي "الموطأ": أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغسل رأسَه، وهو

(2/325)


مُحرمٌ، وعمر بن الخطاب ولعلَّ ابنَ عمرَ كان لا يغسلُ رأسَه، إلاَّ مِن جنابةٍ يعني في غير هذه المواطن الثلاثة. قال: وَلا بَأْسَ أَنْ يغتسلَ المحرمُ لغيرِ ضرورةٍ، من جنابةٍ، ولغير حَرٍّ يجده. قال ابن حبيبٍ: وله أَنْ يغتسلَ لحرٍّ لا لتنظيفٍ.
قال مالكٌ: ولا يدخل الحمَّام، فإن فعل، فليفْتَدِ إن اتنقى وَسَخَهُ، وتَدَلَّكَ، وإن لم يبالغ في ذلك، فلا شيء عليه. قال أصبغُ: إذا كان إنَّمَا تَدَفَّأَ وصبَّ الماءَ، فلا شيء عليه. قال ابن حبيبٍ: لا بأس أَنْ يدخل الحمام للتدفُّؤِ، والتَّطَهُّرِ، لا لاستنقاء.
محمدٌ: قال ابن القاسمِ: وإنْ غسل رأسَه، ولحيته بالخِطْمِيّ، افتدى.
قال ابن حبيبٍ: وكذلك بالِّدْرِ، وإن غسله بالماء وحده لتنقية أطعم شيئاً.
قال محمدٌ: قال مالكٌ: وإذا اغتسلت المُحرمةِ من الحيضَةِ، فإت دَلَّكَتْ راسَها، وجلدها بالسِّدْرِ أو بغيره، افتدتْ، ولا تزيد على الماءِ.
قال مالكٌ: ولْيُعَجِّلِ المُحرمُ غسله من الجنابة، أَحَبُّ إليِّ، فإن أخَّره على وقتِ الظهر، فلا بأس بذلك.

(2/326)


ما يجوزُ أَنْ يفعله المحرمُ عندَ إحرامهِ قبل أَنْ يحرِمَ
وعندَ إحلاله؛ من دَهْنٍ أو إلقاءِ تَفَثٍ (أو تلبيدٍ) وغيره
قال مالكٌ، في "المختصر: وتركُ الطيبِ عند الإحرام، أحبُّ إلينا، فأمَّا الرَّازِقيُّ، والكادِيُّ، والبانُ السَّمْحُ، فلا بأس به، وكذلك قبلَ أنْ يُفيضَ.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال أشهبُ: وليس له سَعَةٌ أنْ يَدَّهِنَ قبل إحرامه، بِدُهْنٍ فيه طيبٌ، ولا يحلَّه قبلَ أنْ يُفيضَ، فإنْ فعل فلا فديةَ عليه، لما جاء فيه، وأكرههُ، لما نهى كثيرٌ من الصحابة عنه. قال مالكٌ: وقد أحدث الناسُ طِيباً يبقى ريحُه.
ومنه، ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، وابن القاسمِ، قال مالكٌ: وَلا بَأْسَ أنْ تمتشطَ المرأةُ قبلَ إحرامها، بالحنَّاءِ، وبما لا طيبَ فيه، ثم تُحْرِمُ.
وكذلك لها أن تختضبَ. محمدٌ: قال مالكٌ: ولا تجعل في رأسها زِواقاً، فإن فعلت افتدت، وإن جعلته قبل الإحرام.
قال مالكٌ فيه، وفي "المَجْمُوعَة": ولا يجعل الرجل في رأسه عندَ الإحرامِ قبل أَنْ يحرم للأبزيةِ، وأخاف أَنْ يقتلَ القملَ، قيل: به إليه ضرورة أفيفتدي؟ قال: لا يجعله، وليصبر حتى يَحِلَّ، أحبُّ إلينا.
قال مالكٌ: ولا بأسَ أنْ يَقُصَّ شاربه ويُقلِّمَ أظافره، ويتنوَّرَ عندما يريد أَنْ يحرم، وأما شعرُ رأسه، فأحبُّ إليَّ أَنْ يُعْفَى، ويُوَفَّرَ للشَّعَثِ.

(2/327)


قال في "كتاب" ابن الْمَوَّاز: وَلا بَأْسَ أَنْ يلبده قبل أَنْ يحرمَ، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم قيل: حين أحرمَ بمكة. والتلبيدُ، أنْ يأخذَ غاسولاَ، وصمغاً، فيجعله في الشعرِ، ويُضَفِّرَه، فيُلْصَقَ، فيقتل قمله، ولا يشعَثَ. ومن لبَّدَ، أو عَفص، أو ضفَّر، أو ربط شعرَه قبل أنْ يحرم من الرجال، فلا بدَّ له من الحِلاق، ومن فعل ذلك من النساء، فليس عليها إلا التقصير، عند الإحلالِ.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال مالكٌ: وينبغي للمرأة أن تخرج من قرون رأسها شيئاً للتقصير، عند الإحلال، وليس في قدره حدٌّ للرجل، ولا للمرأة.
قال ابنُ حبيبٍ: وَلا بَأْسَ أَنْ يُقَصِّرُ منه الرجال، إذا ترك منه مأخوذَ الموسَى، وله أَنْ يتنوَّرَ إذا أراد الإحرام.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال مالكٌ: وللرجل أنْ يكتحلَ قبلَ أَنْ يُحْرِمَ.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، وإذا كان في عنقه كتابٌ فلينزعه قبل أَنْ يُحرمَ، فإن اضْطُرَّ إليه أو خاف فليتركه، ويفتدى، وإذا انتفض على المُحرمةِ راسها، فلا بأسَ أن تعيده.

في الإحرام والتلبية والركوع عند الإحرامِ، وذكر النية وقطعِ التلبيةِ
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن وهبٍ: قيل لمالكٍ فِي مَنْ أتَى الميقاتَ

(2/328)


بعد الفجر: أيركع ركعتين ثم يحرم؟ قال: بل يقيمُ حتى يصلى الصبحَ، فأحبُّ إلينا أنْ يقيمَ حتى تحين النافلةُ، فإنْ أحرم بأثرِ المكتوبةِ، أجزأه.
وكان قال: لا يفعل. ثم رجع، وبرجوعه أخذ ابن القاسمِ. قيل: فتجزئُ المكتوبة. قال: أحبُّ إليَّ أَنْ يصليَ بعدَها ركعتين، فإن كانت لا تنفُّلَ بعدَها، فليركع قبلَها ركعتين, قال: وإذا اغتسل وتجرَّدَ، دخل المسجدَ فركع ركعتين أو أكثر إن أحبَّ، ثم يخرج فيُحرمَ.
قال فيه، وفي "العُتْبِيَّة"، ابن القاسمِ، عن مالكٍ: يجبرُ الكراء أنْ يُنيخَ بالمكترى ببابِ مسجد ذي الحُليفةِ، حتى يصلُّوا ثم يركبوا، فيُهلُّون، وليس له أَنْ يقولَ: اذهبوا، فصلُّوا، ثم تأتونَ إليَّ، فأحْمِلُكُمْ.
قال محمدٌ: قال مالكٌ: وتُحرِمُ الحائضُ من رحلها إذا كانت بالجُحْفَةِ وبينها وبين المسجدِ هُنيهةٌ، وإن كانتْ بالشجرةِ، يريدُ من ذي الحُليفةِ، فمِن فناء المسجدِ، ولا تدخله، ولتغتسلْ، ولا تؤخر لانتظار الطُّهرِ، ولا تُحرم إلا يف ثياب طاهرةٍ، ولا تحرم حتى تركب، وإن كانت ماشيةً فحين يُحرمُ الماشي، بفناءِ المسجدِ إذا توَجَّهَ.
قال عبد الملكِ، في "المَجْمُوعَة": ومَن أحرم في غير صلاةٍ، فلا حرج.
ومن "الواضحة"" وإذا ركعتَ بمسجد ذي الحُليفةِ، فاكثر من الدعاء، ثم أخرج، فإذا ركبتَ بفناءِ المسجدِ، وأنت مستقبلٌ القبلةَ،

(2/329)


وانبعثتْ بكَ راحلتكَ، فأحرمْ، وكذلك إذا أخذ الرجلُ في المشي أحرم. وقال مالكٌ، في "المدونة": لا ينتظرُ سيرَ دابته.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال أشهبُ: ومن اقتصر على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم المعروفة، اقتصر على حظٍّ وافرٍ، وَلا بَأْسَ عليه إن زاد على ذلك، فقد زاد عمر: لبَّيْكَ ذا النَّعماءِ والفضلِ الحسنِ، لبيك، لبيك مرهوباً ومرغوباً إليك. وزاد ابنُ عمرَ: لبيك ليك، وسعديك، والخير بيديك، والرَّغْبَاءُ إليك والعملُ.
ورُويَ أنَّ من تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم "لبيك إله الحقِّ لبيك". ولا تُكره التلبية في كلِّ موطنٍ، وعلى كل حالٍ، ولا وهو في حاجته.
ومن "العُتْبِيَّة"، قال ابن القاسم: وسئل مالكٌ، عن قولِ عروة: لا إله إلا أنت وأنت تُحيي بعدما أمَتَّ. قال: ليس عليه العملُ وقد ترك.
قال في "المختصر": وَلا بَأْسَ بتعليم التلبية.

(2/330)


ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: والتلبية خلف كلِّ صلاةٍ وخلفَ النافلةِ، ولا أحبُّ تركها في منازلهم، ولا في الطرق. قيل: ففي اصطلام الرفاقِ، قال: ما سمعت ذلك. وفي "الواضحة"، نحو ما ذكر، وزاد، وحين يلقى الناسَ، عندَ اصطلام الرفاقِ، وببطن كل وادٍ، راكباً، وماشياً، أو نازلاً، أو قاعداً، أو عند انتباهك من نومك، وإن صليت بأصحابك، فلبِّ دبرَ الصلاةِ مرة واحدةً على آخر التلبيةِ، قبل قيامك.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: كانت عائشة تُسَمِّي في الإحرام بالحج والعمرة، وكان ابن عمر يُحْرِم ويَنْوِي. قال ابن وهبٍ، عن مالكٍ: أحبُّ إليَّ النية، ولا يسمِّي. وفي رواية ابن القاسمِ: أكره التسمية، وذلك واسعٌ أَنْ يُسمِّيَ. قال: ويجزئه النية في إحرامه عن غيره.
قال ابنُ القاسمِ: قال مالكٌ: ومَن أراد أَنْ يُهِلَّ بالحجِّ مفرداً، فأخطأ، فقرن، أو تكلَّمَ بالعمرة، فليس ذلك بشيءٍ، وهو على حجِّهِ.
قال في "العُتْبِيَّة": ثم رجع مالكٌ، فقال: وعليه دمٌ. وقاله ابن القاسمِ. قال مالكٌ: وإذا أحرم بالحجِّ بالتلبيةِ قارناً، فليقل: لبيك بعمرةٍ وحجٍّ. معاً يبدأ بالعمرة.
ومن "كتاب" محمدٍ، قال: ومن لبى يريد الإحرام، ولم ينوِ شيئاً،

(2/331)


فالاستحسان أَنْ يُفردَ، والقياس أَنْ يقرِن. ولو نوى شيئاً فنسيه، فهذا قارنٌ لابدَّ. وقاله أشهبُ، في "المَجْمُوعَة".
ومن "كتاب" محمدٍ، وإن لبَّى بعمرتين، أو حجتين، فليس عليه إلا حجة واحدة، ولاي قضي الأخرى.
وليسمع نفسَه التلبية، ومَن يليه في المساجد، غيرِ المسجدِ الحرام ومسجد مَنًى، فليرفع فيها صوته. قال أشهب في "المَجْمُوعَة": لأن لك ينتشر فيهما، ولا تُشتهر بذلك الملبِي لأنها موضع ذلك.
ومن "العُتْبِيَّة"، أشهب، عن مالكٍ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرني جبريلُ أنْ آمُرَ أصحابِي برفعِ الصوتِ في التلبيةِ». وليس عليه أَنْ يصيحَ جدًّا حتى يعقرَ حَلقه، والوسطُ من ذلك يُجْزِئُهُ، إن شاء الله تعالى.
ومن "المختصر" قال مالكٌ: ولا بأسَ بتعليم المحرمِ التلبيةَ.
ومنه ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: والأعجميُّ يُلبِّي بلسانه الذي يرطُنُ به.
وواسعٌ للمحرم التلبية حولَ البيتِ، وتركها أحب إليَّ. وأكثر الناسِ

(2/332)


يفعله، وكان ابن عمر لا يفعله، ولا ابن شهابٍ. وما ارى به بأساً.
وإذا طاف المعتمر لم يَعُدْ على التلبيةِ، وليعد القارن.
قال العتبيُّ، وابن الْمَوَّاز: قال مالكٌ: ولا بأسَ أَنْ يلبِّيَ الحاجُّ على الصفا والمروة، وأما المعتمر فلا، أحرم من ميقاته أو من التنعيم.
قال أشهبُ، عن مالكٍ: لا يقطع الحاج التلبيةَ، وإن دخل أوائل الحرمِ، ولكن يقطعها في الطوافِ، وإن لبَّى فواسعٌ، ثم يعاودها حتى يروحَ إلى عرفة.
قال ابن الْمَوَّاز: قال مالكٌ: مَن أحرم من الميقات لحجٍّ أو عمرةٍ، فليقطع التلبية، ويسعى حتى يروح إلى عرفة.
ومن "المختصر": ومن اعتمر من الجُعرانة قطع إذا دخل مكة، وإن اعتمر من التنعيم قطع إذا رأى البيت، أو دخل المسجدَ، وإن اعتمر من الميقات قطع إذا دخلَ الحرمَ، وإن لبَّى في ذلك كله حتى يدخل المسجد، فذلك واسعٌ، والإحرام من الميقات أفضل له من الجعرانة أفضل من التنعيم.
قال محمدٌ: قال مالكٌ: يقطعُ التلبيةَ يوم عرفةَ إذا زاغت الشمسُ، وقال: إذا زاغت وراح إلى مصلَّى عرفة، وبه يأخذ ابنُ القاسمِ، وابن عبد الحكم، وأصبغُ، وقال مالك أيضاً: يقطع إذا وقف بعرفة.
قال ابن وهبٍ: قلت لمالكٍ: أيلبي في ممشاه إلى الموقف للدعاء حتى

(2/333)


ينتهيَ إليه؟ قال: لا. وقال عنه أشهبُ: إذا راح إلى موقف عرفة قطعَ التلبية، ولا يلبي الناس بعرفة، ولا الإمام في خطبته.
قال سحنونٌ: وإذا اغتسلتَ بعرفة، فإذا زاغتِ الشمسُ، فرُحْ إلى المسجدِ مُلبيًا، فإذا صليت الظهر والعصر، ورُحت إلى الموقف فاقطع التلبية، وخُذْ في التكبير والتهليل حتى تأتيَ الموقف.
قيل لمالك: أيردُّ الملبيَ السلامَ؟ قال: أحبُّ إليَّ ألا يرد حتى يفرغ من تليته، فيرد بعد ذلك، ثم قال: وهل يسلِّمُ على الملبِّي أحدٌ – إنكاراً لذلك -؟ قال مالكٌ، وفي "العُتْبِيَّة": وإن رجع لحاجةٍ، فلا يلبي رجوعه، وإذا حلَّ، فلا يلبي راجعاً.
ومن "كتاب" محمدٍ: ومَن كبَّر ولم يلبِّ، أو ترك التلبية حتى فرغَ، فعليه دمٌ. وإن أنكر في إحرامه، فعاودها، أجزأه. ولو بدأ بالتلبية، ثم كبَّر وهلَّل، فلا شيء عليه، وقيل: إن لبَّى أحرم ثم ترك، فعليه دمٌ، كمَن أحرم بغيرِ تلبيةٍ. ومن نادى رجلاً حلالاً، فأجابه: لبيك اللهم لبيك، فإنْ كان جهلاً وسفهاً، فلا شيء عليه.
وكثير من مسائل هذا الباب في "مختصر" ابن عبد الحكم.
ذكر المواقيت، ومَن تعدَّاها، وما يفعل مَن دخل المدينة، وذِكرُ أشهرِ الحجِّ والإحرامِ قبلها (أو من وراء الميقات) أو مَ، فاته الحجُّ من أين يُحرمُ بالعمرةِ؟
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قيل لمالكٍ: في ميقات الجُحْفَةِ أيحرم من

(2/334)


وسطِ الوادي، أو آخره، قال: هو مهلٌّ كله، فليحرم من أوله، أحبُّ إليَّ، وكذلك ما كلن مثلَ الجُحفةِ من المواقيت. وسئل أيضا: أيحرم منَ الجُحفةِ من المسجد الأول أو الثاني؟ قال: ذلك واسعٌ، ومن الأول أحبُّ إلينا. ومثله في "العُتْبِيَّة"، من سماع ابن القاسمِ، ولم يقل: والأول أحب إلينا.
قال مالك: والمواقيت في العمرة والحج سواءٌ، إلا من منزله في الحرمِ أو بمكة، فعليه في العمرة أَنْ يخرج إلى الحلِّ، وأقلُّ ذلك التنعيم، وما بعد مثلُ الجعرانة، فهو أفضل. ولو خرج الطارئ إلى ميقاته، كان أفضل وإهلال من أحرم (من مكة، فالحج من جوفِ المسجدِ إذا رأوا هلاَ ذي الحجة، وإن أخرُّوا على يوم التروية، فأرجو أَنْ يكونَ فيه سَعَةٌ. ومثله في "العُتْبِيَّة"، من سماع أشهب، وقال: يحرم من جوف المسجد، لا من بابه، ولا من منزله.
محمدٌ: قال مالكٌ: ومن حجَّ في البحر من أهلِ مصرَ وشبههم، فليحرم إذا حادى الجحفة، ومَن كان منزله حذاء الميقات، فليحرم من منزله، وليس عليه أَنْ يأتي الميقات. قال مالك: (ومن منزله دونَ المواقيت على مكة فليُحرم من داره أو مسجده ولا يؤخر ذلك)، وقد أحرم ابن عُمر من الفرعِ، حين

(2/335)


أراد الخروج منه إلى مكة، ومن أحرم من بلده، وقبل الميقات فلا بأس بذلك، غير أنَّا نكره لمَن قارب الميقات أنْ يحرم قبله، وقد أحرم ابنُ عمر من بيتِ المقدسِ، وأحرم من الفرعِ، كان خرج لحاجةٍ، ثم بدا له، فأحرم منه.
قال مالكٌ: فِي مَنْ نذر إن شفاه الله أَنْ يحرم بعمرةٍ من المدينةِ: فليغتسل بالمدينة، ويتجرد بها؛ لقوله: من المدينة. ولا يحرم إلا من ذي الحُليفةِ، وفي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أسوةٌ حسنةٌ.
قال في "المختصر": وأحبُّ لأهلِ المشرقِ إن مرّوا بذي الحُليفةِ أَنْ يحرموا منها. وقال في "المدونة": ليس لمن مرَّ بها من أهل العراق أَنْ يجاوزها؛ لأنَّه لا يتعداخا إلى ميقاتٍ له.
قال ابن حبيبٍ: وإذا أراد أهلُ مصرَ وأهلُ الشام والمغرب أن لا يمروا بالجُحفةِ، فلا رخصة لهم في تركِ الإحرامِ من ذي الحُليفة.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: وأُحبُّ لمَن دخل المدينة، إذا دخل المسجدَ أَنْ يبدأ بركعتين قبلَ الوقوفِ بالقبرِ، ومن دخل المسجدَ الحرامَ، فليبدأ قبل الركوعِ. قال ابن حبيبٍ: ويقولُ إذا دخل مسجدَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: بسم الله، وسلامٌ على رسولِ الله عليه الصَّلاَة والسلامُ، وافتح لي أبواب رحمتك، وجنتك، واحفظني من الشيطان الرجيم. ثم تقف بالقبر – يريد: بعد أن تركع – فتقف متواضعاً متوقِّراً،

(2/336)


فتُصَلِّي على النبي، وتثني عليه بما يحضرك، وتسلم على أبي بكر، وعمر، وتدعو لهما، وأكثر من الصاة بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالليل والنهار، الفرض والنافلة ما أقمت بها، ولا تدع أنْ تأتيَ مسجدَ قباءَ، وقبور الشهداء.
قال في "كتاب" ابن الْمَوَّاز: ويسلمُ على النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل وخرج، وفيما بين ذلك. قال مالكٌ في موضع آخر: وقد أكثر الناسُ من ذلك.
قال محمدٌ: وإذا خرج جعل آخر عهده الوقوف بالقبر، وكذلك مَن خرج مسافراً.
قال ابن حبيبٍ: وتركع ركعتين عند وداعك القبر، وتسأل الله فيهما الفوز والتقبل وتمامَ حجك، وقد اغتسلت لإحرامك وتجرَّدْتَ، فلا تُلبِّ حتى تأتي ذا الحُليفةِ.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ، في رجلٍ بمكة أراد أنْ يحجَّ عن رجلٍ: فليحرم من ميقات الرجل، أحب إلينا. وإن أحرم من مكة أجزأه.
قال ابن القاسم: ومن حلفَ بالمشي على بيت الله، وهو بمكة، من مكيٍّ أو طارئٍ، ثم حنثَ، فليخرج على الحلِّ، فليحرم بحجٍّ أو بعمرةٍ.
وكذلك لو نَوَى أنَّه محرمٌ ساعة يحنث، فلا بد أَنْ يخرج، وإن كان الإحرام لزمه. ورُوِيَ عن مالكٍ، في الحالف في المسجدِ، فهذا يخرج إلى الحل.
مالكٌ: ولا يَقْرِنُ أحدٌ من مكة، ومن أهَلَّ بحجٍّ أو بعمرةٍ، فلا يقيم بأرضه إلا غقامة المسافر. وليس مكةُ ولا الحرم بميقات المعتمر، فمن أحرم بعمرةٍ من مكةَ أو من الحرمِ، فقد اخطأ وقد لزمه، وعليه أَنْ يخرج إلى الحِلِّ على إحرامه، لا يقطعه، فيدخل مَهلاًّ به، وإن لم يذكر إلا في

(2/337)


طوافه أنَّه أَهَلَّ من الحرمِ، فليتم طوافه، ويخرج على الحِلِّ، فيدخل منه.
قال محمدٌ: يريدُ: ويبتدئ. قال: وإن لم يذكر حتى أتمَّ عمرته، وحلقَ رأسَه، فليس ذلك بإحلالٍ، ولابدَّ أَنْ يخرج إلى الحِلِّ، ويدخل منه، ويأتنف عمل العمرة ثانية. ويُمِرَّ المُوسَى على رأسه، ولا شيء عليه في حلاقه الأول. قال أبو محمدٍ: وهذه المسألة أراها لأشهب، وهي في "أمهات" أشهب نصًّا، إلا أنَّ في "كتابه": عليه الفدية في حلاقه الأول، وهكذا رأيت في "أمهات" يحيى بن عمر، وغيرهما، وهذا الصواب، وأراها وقعت في "كتاب" ابن الْمَوَّاز غلطاً.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، وهو لأشهب في "كتابه" قال: فإن أصاب أهله فيما بين أَنْ يخرج إلى الحِلِّ لعمرته الثانية، قال: فليتمَّها، وعليه عمرةٌ أخرى والهدي.
قال مالكٌ: في "كتاب" ابن الْمَوَّاز، في المريض: لا ينيغي أَنْ يجاوز الميقات، لما يرجو من قوةٍ، وليحرم منه، وإن احتاج على شيءٍ افتدى.
ورُوِيَ عنه، أنَّه قال: لا بأس أَنْ يؤخر إلى الجحفةِ. وفي رواية ابن عبد الحكم: لا يؤخر إلى مكة، وربَّ مريضٍ أزاله ذلك حتى يأتيَ الجحفةِ.

(2/338)


وقال: لا تؤخر الحائضُ من ذي الحليفة على الجحفةِ رجاء أن تطهر.
قال: ومَن تعدَّى الميقات، فليرجع إذا لم يحرم، ما لم يخفِ الفوات، فيحرم. وقيل: وإن شارف مكة، فلا يرجع، ويحرم ويُهدي، وإن لم يشارف رجع إن كان يدرك.
قال ابن حبيبٍ: ومَن تعدَّى ميقاته ثم أحرم بعد أن جاوزه، فعليه دمٌ، إلا أنْ يحرم وهو قريب منه، فلا دم عليه.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، ومن جاوز ميقاته لا يريد دخول مكة، ويريد حاجة بمثل أمَجٍ وقُدَيدٍ ثم بدا له أَنْ يدخل بعمرةٍ، فليحرم. ولا يجع، ولا دم عليه.
قال مالكٌ: ومَن جاوز ميقاته يريد دخول مكة حلالاً ثم أحرم بعد أن جاوزه، فعليه دمٌ، قال محمدٌ: (لا هدي عليه)، وإنما الهدي على من جاوز ميقاته يريد الإحرام.
وأخبرني أبو زيدٍ، عن ابن القاسمِ، فِي مَنْ دخل مكةَ حلالاً، ثم أنشأ الحج منها، فلا بأس بذلك، ولو خرج إلى الحِلِّ، كان أحبَّ إليَّ.
قال: وعلى متعدِّي ميقاته في قضاء ما فاته من حج أو عمرة، هَديٌ.
قال ابن القاسمِ: ومن تعدى الميقات ففاته الحجُّ، فلا هدي عليه، وإن أفسدَ حجه، فذلك عليه. وقال أشهبُ: عليه ذلك في الفوات والفساد، وبه قال محمد.

(2/339)


ومن أنشأ الحج من مكة ومن مكيٍّ، أو متمتعٍ طارئٍ، أو من دخل بعمرةٍ ثم اردغ إليها الحج أو بالحرمِ، ثم فاته الحجُّ، فليخرج كل واحدٍ منهم إلى الحِلِّ لعملهم عملَ العمرةِ، وليس مكةُ بميقاتٍ للمعتمر، ومن دخل مفرداً أو قارناً، ثم فاته، فلا يخرج إلى الحلِّ، لأنَّه منذ دخل مكةَ بإحرامه هذا، فليطف ويسعَ، طاف قبل ذلك أو لم يطف، وذك رنحوه ابمن القاسمِ، في "العُتْبِيَّة".
ولا أحب لأحدٍ أَنْ يحرم بالحجِّ في غير أشهر الحجِّ، إن فعل لزمه، وإن احرم في المحرم إلى ذي الحجة، لزمه، ولا يزال ملبياً محرماً حتى يرمي، ويحلق، وكُره أَنْ يقرن في غير أشهر الحجِّ.
قال أشهبُ: قال مالكٌ: وأشهر الحجِّ، شوال، وذو القعدة، وذو الحجة كله. وقال ابن حبيبٍ، عن مالكٍ: شوال، وذو القعدة، وعشر ذي الحجةِ، ورُوِيَ ذلك عن عمر، وعثمان، وابن عمر، وابن عباسٍ. وذكر في "المَجْمُوعَة" رواية أشهب هذه، وقال: وقاله أشهبُ، ورواه عن عمر بن الخطابِ. وقال محمد بن عبد الحكمِ: إذا انقضتْ عشر ذي الحجة فقد انقضى أشهر الحجِّ.

(2/340)


في لباس المحرم، وذكر ما فيه من صِبْغٍ أو طِيبٍ
من الثيابِ، ومما يَتَوَسَّدُ وينام عليه، وذكر العقد وشبهه
في لباسه، وما فيه الفدية من اللباس
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: ولباس البياض في الإحرام أحبُّ إلينا، وَلا بَأْسَ بغيره.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال ابن القاسم: وسَّعَ مالكٌ أَنْ يحرم في ثوبٍ غيرِ جديدٍ، ,عن لم يغسله. قال أشهبُ: وإن خاف عليها نجاسةً، فهذا من باب الوسوسةِ، فأحبُّ إلي غسلهما، كانا جديدين أو غسيلين.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: وإن ابتاع ثوبين من السوقِ، فخاف أَنْ يكونا مسروقين، فلا يحرم فيهما إن شكِّ. قيل: فإن باعهما وتصدَّقَ بثمنهما؟ قال: قد أصاب.
قال مالكٌ: والنساءُ والرجال فيما يُنْهَى عنه من الإحرامِ في المُوَرَّسِ، والمعصفرِ المُفدَمِ، والمزعفرِ، سواءٌ، وَلا بَأْسَ بغير ذلك من الألوان، وإن أحرم في ثوبٍ مُوَرَّسٍ، أو مزغفرٍ، فليفتدِ.
ومن "المَجْمُوعَة": وكره مالكٌ الإحرامَ في المعصصفرِ المُفدَمِ

(2/341)


للرجال والنساءِ. قال أشهبُ: اكره من المعصفرِ مالَه رَدْعٌ في الجسدِ. ولا فدية على /َن لبسه من رجلٍ أو امرأةٍ، وقد أساء. وأكره لُبس ما لم يردع منه للرجل المفتدِي به، وأفضل لباس المحرم البياض، ولا يمنع من سواه، والخَزُّ من أشهر ذلك. وما كان منه أبيضَ ومن الألوان ما لا شبهةَ به على الناسِ في لباسِ المصبغِ، فلا بأس به.
قال ابن القاسمِ: قال مالكٌ: وللمرأة أن تحرم في الحرير الصفر.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز: وللمحرمةِ أن تلبس ثياب حيضتها، ولتغسل ما فيها من الدمِ، ولا يُكره لها من اللباسِ غيرُ الوَرْسِ والزعفرن والمعصفرِ المفدَمِ. قال ابن حبيبٍ: ولها لباس المفدم إلا الذي ينتقض، فقد كره مالكٌ، ولها لباس الخزِّ في الإحرامِ.
ومن "كتاب" محمدٍ، قال: وتلبسُ كيف شاءتْ، إذا اجتنبت النقاب، والبُرقعَ، والقُفازين، وإن فعلت لك افتدت، إلا أنْ تنزعه مكانها، وكذلك البرقع، وإن خافته، ولها لباس الخُفَّيْن.
قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ في "المَجْمُوعَة": وتلبس السراويلَ والخفين وال؛ لي والحريرَ، وَلا بَأْسَ أن تلبس عمامة حريةٍ. قال ابن حبيبٍ: كان مالكٌ يوجب عليها الفدية والنقاب والبرقع والقفازين، وأنا لا أبلغ بهاذ لك في القفازين، لرخصةِ عائشةَ فيهما، وأما الخفين والسراويل فمجتمَعٌ على الرخصةِ لها فيهما.

(2/342)


ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز: ولا يحرم المحرم في ثوبٍ فيه ريحُ مسكٍ أو طيبٍ. فإن فعل فلا فديةَ عليه. قال أشهبُ في "المَجْمُوعَة": إلا أني كون كثيراً، أو يكون كالتطيبِ، فيفتدي، قال: وَلا بَأْسَ بالمورَّدِ، والأصفرِ بغير وَرْسٍ ولا زعفرانٍ، وأمَّا المعصفرُ، فإن غسلَ فذهب لونُه ورائحته فلا بأس به، وإن بقيت رائحته أو بقيت فيه صفرة فلا، إلا أن تكون معدَّةً يغشيها يوارى لونها.
ومن "العُتْبِيَّة"، و"كتاب "ابن الْمَوَّاز، قال مالك: ومن احرم في ثوبٍ فيه لُمعةٌ من الزعفران، فلا شيء عليه، وليغسله إذا ذكر. وَلا بَأْسَ أَنْ يحرم في ثوبٍ مصبغٍ. قال ابن القاسمِ: وإن كانت رائحته طيبةً، ما لم يكن مسكاً أو عنبراً.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: ولا ينام على شيءٍ مصبوغٍ بورسٍ أو زعفرانَ، من فراشٍ أو وسائدَ، ولا يجلس إلا أَنْ يُغشِّيَه بثوبٍ كثيفٍ، فإن فعل ولم يغشه افتدى إن كان صبغاً كثيراً، أو معصفراً أخف ذلك، ولا أحب أَنْ ينام على ذلك، لئلا يعرقَ فيصيبه، إلا الخفيف لا يخرج على الجسدِ، ولا يتوسَّد مرفقة فيها زعفران، وكره أَنْ ينام

(2/343)


على خشبةٍ مزعفرةٍ قد ذهبت الشمس بصباغها حتى يغشيها بثوبٍ أبيضَ.
قال مالكٌ: وللرجل أَنْ يحرم في ثوبٍ فيه حريرٌ، ما لم يُكثره. وأخبرنا أبو بكرٍ، عن يحيى بن عمر، عن ابن بُكيرٍ، أنه سأل مالكاً: هل يحرمُ في ثوبٍ فيه علمُ حريرٍ قدرَ الأصبعِ؟ قال: لا بأس بذلك.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: وله أَنْ يرتدي بقميصه وبُرنسهِ ودُواجه وقبائه ويطرحه على ظهره. وكُره أنْ يرتدي بالسراويل. قال: وإن لم يجد مئزراً، فلا بأس بالسراويل، وإن افتدى، وفيه جاء بالنهي. قال في "المختصر" إذا لم يجد مئزراً، فليلبس سراويل، ويفتدِ.
مالكٌ: وإذا اغتسل فجعل ثو به على رأسه، يتجفَّفُ به، فهو خفيفٌ، وتركه أحب إلينا، وإذا جرَّبَ خُفًّا فلبسه، ثم نزعه مكانه، فلا شيء عليه.
قال مالكٌ: وإن لبس قميصاً ولم ينتفع به من حَرٍّ أو بردٍ، حتى ذكر فنزعه، فلا شيء عليه، وإن مكث يوماً، أو انتفع به لحرٍّ أو لبردٍ افتدى.

(2/344)


ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز: وإذا لم يجد المحرم النعلين بثمنٍ يُشبه ثمنهما، أو يقاربه، فله أَنْ يلبس الخفين، ويقطعها أسفلَ من الكعبين، وإن فعل ذلك واجداً لشراء النعلين بماذ كرنا من الثمن، فليفتد. وقال ابن حبيبٍ: إنما أرخصَ في قطعِ الخفين في قلةِ النعالِ، فأما اليوم فقد كثرت فلا تقدم، ولا رخصة في ذلك اليوم، ومن فعله افتد. وقاله ابن الماجشون.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز: وكره مالك للمحرم الجوربين، أو نعلاً له عقب معطوف، يجاوز من وراء رجليه.
قال الن الماجشون: وإن لحتاج على لباسِ قميصهِ، ثم استحدث لباس سراويل معه، ففديةٌ واحدةٌ، ولو احتاج أولا على السراويل، فلبسه ثم لبس قميصاً، ففديتين. وأما إن لبس قَلَنْسِيَةً، ثم بدا له فلبس عمامة، أو لبس عمامة ثم نزعها فلبس قلنسية، ففدية واحدة في هذا كله. وقال عنه ابن حبيبٍ: وكذلك إن احتاج على قميصٍ فلبسه لم ينوِ لُبسَ غيره، ثم احتاج إلى جُبَّةٍ فلبسها، ثم اختاج إلى فروٍ فلبسه، فليس عليه إلا فدية واحدة، وكذلك لو لبس قلنسية ثم احتاج إلى عمامة ثم على التقبُّبِ والتظللِ، ففعله، ففدية واحدة في ذلك كله.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال: قال مالك: ولا ينبغي أَنْ يفعل ما فيه الفدية من غير الضرورة، ليسارة الفديةِ عليه، وأنا أعظه عن ذلك، فإن فعل فليفتدِ، وإن لبس لغير علةٍ، ثم مرض، فتركه، ثم صحَّ، فتركه، ففديةٌ واحدةٌ تُجْزِئه. ولو لبس لمرضٍ، ثن تمادى فلبسه يعد أن صحَّ فعليه فديتان. وكذلك ذكر ابن حبيبٍ، في أول المسألةِ، عن ابنِ الماجشون، وزاد: لا يبالي من مرضَ مرضةً ثانية بعد الأولى، ثم صحَّ منها، وهو عليه، أو لم يمرض ثانيةً، فليس عليه إلا فديتان. ومن هذا المعنى في باب التظللِ، وفي باب التطيبِ في تكرير ما يفعله مما نُهيَ عنه.

(2/345)


في العقد والاحتزام والتعصيب وشبهه للمُحرمِ، وتقليد السيف
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: وإن عقد الثوب عليه حتى صلَّى، افتدى. قال محمدٌ: وليس لأن هذا طويلٌ، ولكن لانتفاعه. وفي موضع آخرَ، قال ابنُ القاسمِ –وكأنه لا يرى عليه فديةٌ -: إن صلَّى كذلك لقربهِ، وقد قال مالكٌ: يفتدي، وما هو بالبينِ. قيل لمالك: أيَحْتَزِمُ المحرم بثو به على نفسه؟ قال: أمَّا إن أراد العملَ، فلا بأس به، وإلا فلا.
قيل: يستثفر بثو به عند الركوب؟ قال: أرجو أَنْ يكونَ واسعاً، وما هو من الشأن. قال في "المختصر": واختُلفَ في استثفاره به عند الركوبِ والنزولِ والعملن وأرجو أَنْ يكون واسعاً.
ومن "كتاب" محمدٍ: وإن احتزم فوق إزاره بعمامةٍ، أو حبلٍ، أو خيطٍ افتدى. وإن ائتزر بمئزرٍ فوق مئزره. افتدى إلا أَنْ يبسطهما ثم يأتزر بهما معاً، وكذلك ذكر ابن عبدوسٍ، عن عبد الملكِ: قال عنه: وأما رداءٌ فوق رداءٍ فلا بأسَ. قال: وَلا بَأْسَ فيما يجملُ من وفرةٍ أَنْ يعقده على صدره.
قال في "المختصر": وَلا بَأْسَ أَنْ يحملَ متاعه على رأسه، أو يجعل فيه الحبل، ويلقيه خلفه، ويجعل الحبلَ في صدره.
قال ابن عبدوسٍ: قال عنه ابن القاسمِ: وَلا بَأْسَ أَنْ يجعل إزاره في حجوته عند نزوله. قال عنه ابنُ نافعٍ: ولا يستثفره إذا ركب. قال عنه ابن القاسمِ: ومَن قصَّر إزاره أيعقده – إذا صلى – خلف قفاه؟ قال: لا،

(2/346)


وليأتزر به، فإن فعل فلا شيء عليه.
وكذلك في "العُتْبِيَّة"، وَلا بَأْسَ أنْ يتوشَّحَ بثو به، وأن يحتبي، فإنْ عقد ما يتوشح به على عنقه، فإنْ نزعه مكانه، فلا فدية عليه، وكذلك إن جلله عليه، فإن طال ذلك افتدى. وذكر نحوه ابن حبيبٍ، عن مالكٍ، وزاد عنه: وكذلك إن زرَّرَ عليه طَيلسانه.
قال مالكٌ: في "العُتْبِيَّة": ولا يجعل الكساءَ يلبسه بعودٍ.
ومن "كتاب " ابن الْمَوَّاز: قال مالكٌ: وأما أَنْ يحتبي بثو به، وليس من ناحية العقدِن ومَن عَصَبَ من وجعٍ يجده، فليفتد.
قال مالكٌ: ويتقلد المحرم الشيفَ، إن احتاج إليه وخاف، ولا فدية عليه إن فعله من غير حاجةٍ، وإن نزعه، ولا يفتدي. ومن كتاب آخرَ قال ابنُ وهبٍ: إذا تقلده من غير حاجةٍ إليه، فعليه الفديةُ.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، ومن "العُتْبِيَّة"، قال مالك: وَلا بَأْسَ أَنْ يتخذ الخرقة، ويجعل فرجه عند نومه، وهو بخلاف لفِّها عليه للمنِيِّ أو للبولِ، هذا يفتدى. وإن استنكحه بفديةٍ واحدةٍ تُجْزِئه إذا استدامه، ولو اعتمر بعد حجته، افتدى لذلك فديةً ثانيةً.
قال ابن القاسمِ: عن مالك، في "العُتْبِيَّة": وأما الذي يعصب على ذكره عصابةً للمنيِّ، أو للبولِ يقطر منه، قال: عليه الفديةُ. وقال في موضع آخرَ: يَلُفُّ على ذَكره خرقة للمَذْيِ أو للبولِ، والجواب سواء

(2/347)


في باب التظلل من مسائل العقدِ.
في التظلل والتقبب للنحرم، وتغطية الرأس وما يفعله من العقد ولصق الخرق ورباط المنطقةِ، ونحو ذلك
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: ولا يستر المحرم على رأسه ولا على وجهه من الشمس بعصاً فيها ثوبٌ. فإنْ فعل افتدى، ولا بأسَ بالفسطاط والقُبَّةِ وهو نازلٌ، ولا يعجبني أَنْ يستظلَّ يومَ عرفة بشيءٍ. ولا يستظلَّ في البحرِ، إلاَّ أَنْ يكون مريضاً، فييفعل ويفتدي. قال مالكٌ: وَلا بَأْسَ أَنْ يستظلَّ تحت المحملِ وهو سائرٌ، أو يجعل يدَه على رأسه أو يستر بيده وجهَه من الشمسِ، وهذا لا يدومُ. وقا سحنونٌ: لا يستظل تحت المحمل وهو سائرٌ.
ومن "المَجْمُوعَة"، قال أشهب: وإن غطَّى وجهه متعمداً، أو ناسياً حتى انقطع بذلك، لحرٍّ أو بردٍ، فلا فدية عليه، لما جاء فيه. قال ابن حبيبٍ: قال ابن الماجشون: لا بأس أَنْ يتظلل المحرم إذا نزل بالأرضِ، وَلا بَأْسَ أَنْ يلقيَ ثوباً على شجرةٍ، فيقيل تحته، وليس كالراكب، والماشي. وهو للنازل كخباءٍ مضروبٍ. وذكر ابنُ المواز، في "كتاب المناسك"، أنَّه لا يستظلُّ إذا نزل بالأرضِ بأعوادٍ يجعل عليها كساءً أو غيرَه، ولا يحمله، قال: فإنما وُسِّعَ له في الخباء والفسطاط والبيتِ المبنيِّ. وقال

(2/348)


يحيى بن عمر: لا بأس بذلك إذا نزل بالأرضِ.
ومن "العُتْبِيَّة"، قال أشهبُ، عن مالكٍ: وَلا بَأْسَ أَنْ يجعل يديه فوقَ حاجبيهن يستر بهما وجهه، وكره أَنْ يجفف رأسه إذا اغتسل بثوبٍ، ولكن يَحُكُّهُ بيديه. قال في "المحتصر": وهو خفيفٌ في الثوبِ، وتركه احب إلي.
قال في "المختصر": وليس على المحرم كشف ظهره للشمسِ إرادةَ الفضل فيه.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: وَلا بَأْسَ أَنْ يواريَ المحرمُ بعضَ وجهه بطرفِ ثو به، وإذا جاز للمحرم أَنْ يتعممَ، أو يتفلسَ، جاز له انْ يتظلل.
ومنه، ومن "العُتْبِيَّة"، ابن القاسمِ، وكره مالك أَنْ يَكُبَّ وجهه على الوسادةِ من الحرِّ، ولا يرفعها يستظلُّ بها، وَلا بَأْسَ أَنْ يضع خدَّه عليها.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: وإذا عصَّبَ رأسه لصداعٍ بعمامةٍ، ثم ذهب عنه، فبعد ايامٍ عاوده، فعصب رأسه، فإن نوى أولا إن عاد إليه الوجعُ عاودها، ففديةٌ واحدةٌ وإلا ففديتان.
ومن "العُتْبِيَّة"، قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ: وإذا جعل صُدغيه فعليه الفدية، وهو من ناحية العقد، وكذلك إن عصَّب رأسه.
ومن "كتاب" محمدٍ، قال: وإذا غطت المحرمة وجهها، وأسدلت عليه

(2/349)


لحرٍّ أو لبردٍ، لا لسترٍ، افتدت إلا انْ تنزعه مكانَها.
وإذا مات المحرم خُمِّرَ وجهُه ورأسُه.
قال مالك في المرأة تعادل الرجل في المحمل: لا يعجبني أَنْ يجعل عليهما ظلاًّ، وعسى أَنْ يكونَ في ذلك بعضُ السعةِ إن اضطُرَّ على ذلك، وفي رواية أشهب: لا يستظلُّ هو، وتستظلُّ هي. وقاله ابن القاسمِ.
قال: وفي الدُّمِّلِ تُوضعُ عليها رُقعةٌ، قدرَ الدرهم، إنَّ ذلك كثيرٌ، ويفتدي.
ومن "المختصر": وإن كان به قروحٌ، فألصق عليها رِقاعاً صغاراً، فلا بأس به، وإن كانت كباراً فليفتد.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز: ولا باس أَنْ يربط نفقته في إزاره، ويعقد ذلك فيهن وإن لم يكن له منطقةٌ، وكره له مالكٌ شدَّ المنطقةِ على العضدِ والفخذِ والساقِ. قال ابن قالاسمِ: ولا فدية عليه إن فعل، قال أصبغُ: أما في العضدِ فليفتد.
ومن "العُتْبِيَّة"، / قال ابن القاسمِ: عن مالكٍ: وإذا كان في إصبعه قطْعٌ بسكينٍ، فإن كان يسيراً وجعل عليه حِنَّاءً، وربطه بخرقةِ، فلا شيءَ فيهن وإن كان كثيراً، افتدى إذا فعل ذلك.
في الطيب للمحرم، وإلقاء التَّفَثِ، وقتلِ الدوابِ، والدُّهنِ والكحل والحجامة، وحلق الشعرِ والزِّنَةِ، وغيرها، ومن فعله بغيره
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال: ومَسُّ الطيبِ أشدُّ من شمِّهِ، وشربه أشدُّ من مسِّهِ، والفديةُ في شربهِ، أو مسِّهِ.

(2/350)


قال ابن وهبٍ، قال مالكٌ: في المحرم يشرب شراباً، فيه طيبٌ، أو رائحةٌ: فلا يعودُ، ولا شيء عليه، وقاله أشهبُ. قال محمدٌ: وهذا عندنا، فيما طبخته النار، أو فيما تغير لونه، ولا يوجد طعمه، كالترياقِ، وشبهه، والفُلُّونيَّةِ. وليس لما فيه من الزعفرن قدرٌ، ولا يُرى.
وكذلك ذكرَ في "العُتْبِيَّة"، عن مالكٍ، في الفلونيَّةِ والترياقِ: وَلا بَأْسَ عليه في شربههما.
قال ابن حبيبٍ: وله أنْ يأكل ما فيه زعفرانٌ، مما طبخته النارُ، حتى أذهبت ريحه، ولا يَعْلُقُ باليدِ، ولا بالفمِ منه شيءٌ مثلُ الخُشْكَنَانِ الأصفرِ، والخبيصِ، فأما الفالوذُ، والدقِّقَّةُ، فلا؛ لأنَّ الفالوذ، وإن مسته النارُ، فربما صبغ اليدَ، والفمَ، وأما الدِّقَّةُ المصبوغة فتصبغ اليد والفم.
ومن "كتاب" محمدٍ، قال ابن القاسمِ: ومَن شرب زعفراناً تداوياً؛ افتدى. قال مالكٌ: وليغسل ما أصابه من خلةق الكعبةِ بيده، ولا شيء عليه، وله تركه إن كان يسيراً، وإن أصاب كفُّه من خلوقِ الركنِ، فإن كان كثيراً، فأحب إليّ أَنْ يغسل يده قبل أَنْ يقبلها، وإن كان يسراً فهو منه في سعةٍ.
وكُره للمحرم بيعُ الزنبقِ وشبهه من الطيب الذي يَعلقُ، فإن فعل،

(2/351)


فالله حسيبه. وكُره أَنْ يخرج في رفقها أحمال الطيب، وإن أخذ باناً بأصبعه، فوضعه على ظهر كفه، فلا شيء عليه، هذا ما لم يدهن به.
ولا بأس أَنْ يضع يده على أنفه إذا مرَّ بطيبٍ. قال ابن القاسمِ، في "العُتْبِيَّة": أحبُّ إليَّ أَنْ يفعل ذلك، وَلا بَأْسَ إن سدَّ أنفه من الجِيفةِ، قال في "العُتْبِيَّة": أو الغبار.
قال ابن عبد الحكمِ، عن مالكٍ: وإن قطرَ في أُذنيه باناً غيرَ مُطَيَّبٍ، لوَجَعٍ به، فلا بأس به. وكذلك لو جعله في فيه.
قال ابن وهبٍ، وابن القاسمِ، عن مالكٍ: وما كان في باطنِ الكفِّ، والقدمِ من شقوقِ فدهنه بزيتٍ، أو سمنٍ ليمرَّ بهما، فلا شيء عليه، وأما على ظاهرالجلدِ مما يحسنه، فليفتدِ. قالا: عن مالكٍ، في المحرم الماشي يدهن باطن ساقيه أو ركبته أو ظاهر قدميه، لخوفِ أَنْ يصيبه شيءٌ: فعليه فديةٌ واحدةٌ، وإذا اشتكى بعضُ جسدهِ فدهن ذلك بدهنٍ، أو بزيتٍ، فليفتد.
قال ابن حبيبٍ: قال مالكٌ: وإن دهن باطن قدميه، وكفيه لشكوى، أو شقوقٍ بزيتٍ، أو شحم، أو دهنٍ لا طيب فيه ليمر بهما، فلا شيء عليه، وأما على ظاهر الكفِّ والقدمِ وسائرِ الجسدِ، فليفتد، لأنَّه يُحسِّنُه، ويثذهب قشفه، وأجاز ذلك غير مالك، في كل ما يأكله المحرم، وقاله الليث، ورُوِيَ عن عليٍّ، وابن عباس، وابن عمر، فلا فدية عندي فيه، وتركه أحوطُ.

(2/352)


ومن "كتاب" محمدٍ: وإن داوَى جُرحه بدواءٍ، فيه طيبٌ، فَبرِئَ، ثم انتقضَ فعاوده بهن فعليه فديتان، وإن حلق رأسَه، ثم وجد بَرداً، فتعمَّم، ففديةُ واحدةٌ، إن كان في موضعٍ واحدٍ، وكذلك إنْ حلق رأسَه ثم لبس ثوباً، ثم تطيب في وقتِ واحدٍ، ففديةٌ واحدةٌ.
وإذا اكتحل نحرمٌ أو محرمةٌ بالإثمدِ لا طيبَ فيه لغير وجعٍ، فليفتديا.
قال ابن حبيبٍ: إن اكتحلا به لزينةٍ، فليفتديا، وأما لغير زينةٍ، لحرٍّ وشبهه، فلا فدية فيه عن لم يكن فيه طيبٌ. قال في "المختصر": ولا باس للرجل بالكحل قبل أَنْ يحرم.
محمدٌ: قال مالكٌ: وليس من أن المحرم والمحرمة النظرُ في المرآةِ إلاَّ من وجعٍ، وذلك خيفةَ أنْ يرى شعثاً فيصلحه، وليس من شانه تسوية الشعر، ولا الحمام، وإن نظر في المرآة فلا شيء عليه، ويستغفر الله.
ومن "العُتْبِيَّة"، أشهبُ، عن مالكٍ، عن المحرمة تقيم أياماً، ثم تريد نظرَ وجهها، في المرآةِ، فكره لها ذلك.
ومن "كتاب" محمدٍ: وإذا أخذ من شاربه، أو نتف من عينه شَعراً، فليفتد ولو سقط من شعر راسه شيءٌ بحملِ متاتعه، فلا شيء ععليه، وكذلك إن جر بيده على لحيته، فسقط منها الشعرة والشعرتان. قال ابن القاسمِ: ولو اغتسل فتسلقط منذ لك شعرٌ كثيرٌ، فلا شيء عليهن وإن كان تبرَّدَ، أو لو قتل لذلك قملاَ من رأسه، فلا شيء عليه في الجنابةِ، وعليه الفديةُ في التبردِ. قال أصبغُ: وهذا إن تناثر دوابٌّ وشيءٌ له بالٌ، فأما في مثل الواحدةِ، فليطعم تمراتٍ، أو قبضاتِ سويقٍ أو كسراتٍ.

(2/353)


قال في المختصر: ومن شأنه قرضُ اظفاره، أو لحيته بأسنانه، فعليه فدية واحدةٌ. وكذلك في "العُتْبِيَّة"، عن ابن القاسمِ، عن مالكٍ: يفتدي. قال ابن القاسم: يريد في ظنِّي وإن كان مِراراً.
ومن "كتاب" محمدٍ: ومَن نتف شعراً من أنفه، أو من حلق مَرشحةٍ لضرورةٍ، أو لموضع المحاجمِ ناسياً، أو جاهلاً، افتدى. وكلُّ ما كان لإماطةِ أذًى وإن قلَّ، ففيه الفديةُ، وما كان لغير إماطةٍ ولا لمنفعةٍ، جاهلاً، أو ناسياً، فعليه في الشعرة أو الشعرات قبضةٌ من طعامٍ.
قال مالكٌ: وإن قصَّ ظفرين من غير كسرٍ، افتدى. قال ابن القاسمِ: ولا شيء في الواحد إلا أَنْ يُميطَ به عنه أذًى. وقال أشهبُ: يُطعمُ فيه شيئاً، وإن قصَّ من كل يدٍ، افتدى. قال ابن وهبٍ، عن مالكٍ: في الظفر الواحد مسكيناً.
ومَن فعل ما عليه فيه الفديةُ، فلم يفتدِ حتى فعله ثانيةً، أو غيره مما فيه الفدية، فإن قرَّبَ بعضَ ذلك من بعضٍ، وفي موطنٍ واحدٍ، ففديةٌ واحدةٌ، وإن لم يكن كذلك، ففي كل شيءٍ فديةٌ، إلا أَنْ يكون نَوَى أوَّل مرة أَنْ يفعل ذلك كله، ففدية واحدةٌ لذلك كله تُجزئه، وإن كان بينَ ذلك أيامٌ.
قال ابن وهبٍ: قال مالكٌ: ولا يقصُّ المحرمُ شاربَ حلالٍ، ولا حرامٍ، ولا يأخذ من شعرهن فإن فعل فلا شيء عليه في الشارب، والأظفار، ويُطعم في الرأس جفنةً من طعامٍ. وقال مالك: يفتدى، ولا فدية فيه عندي.

(2/354)


قالا: عن مالكٍ: وإن حلق من شعرٍ حلالٍ ما يُوقن أنه لم يقتل دَوَابَّ، فلا شيء عليه.
قال: وليَجُزَّ من شعر دابته ما شاء.
قال ابن حبيبٍ: وأكره الحِجامة للمُحرمِ إلا لضرورةٍ، ولا فديةَ في ذلك ما لم يحلق شعراً. قال مالكٌ: ورُوِيَ عن ابن عمرَ، قال: فإن احتجمَ لضرورةٍ، أو لغير ضرورةٍ، فحلق لها شعراً في الرأس، أو القفا، أو سائر الجسدِ، فليفتد. قال سحنونٌ: وَلا بَأْسَ عليه أَنْ يحتجمَ إذا لم يحلق الشعر، ولا يحتجم في الرأس، وإن لم يحلق منه شعراً خِيفةَ قتل الدوابِّ.
ومن "العُتْبِيَّة"، ابن القاسم، عن مالكٍ: وَلا بَأْسَ أَنْ يَحُكَّ المحرم ما به من القروحِ حتى يخرج الدمُ.
ومن "كتاب" ابن الْمَوَّاز، و "العُتْبِيَّة": عن مالك: قال: وللمحرم أَنْ يَتَسَوَّكَ، وإن أدمَى فاهُ، ويَبُطَّ جراحَه، ويقطع عِرقه، ويقلع ضرسه، ولا يحتجم إلا من ضرورةٍ، ويحكّ جسده، وقروحه وإن ادمى جلده، ويحكّ رأسَه خكًّا رقيقاً. وفي موضعٍ آخر، وله أَنْ يقفأ دُمُّلَه.
ومن "العُتْبِيَّة"، من سماع أشهب: وإذا أخذ القملة من ثو به، أو من جلدهِ، فيضعُها منه في مكانٍ آخرن فأرجو ألا بأسَ به، وأما أَنْ يلقيها بالأرض، فلا. قال في "المختصر": وإذا سقطت من رأسه قملةٌ، فليدعها، ولا يردها مكانها. قال في "المختصر": وله أَنْ يحكَّ

(2/355)


ما يراه من جسده، وإن أدماه. قال سحنونٌ: وليترفقْ بحكِّ رأسه. وفي باب ما يقتل المحرم من الدواب بقية القولِ، فيما يلزمه من قتل الدوابِّ، والذّرِّ وغير ذلك.
ومن "العُتْبِيَّة"، ابن القاسمِ، قيل لمالكٍ: أيُنْشِدُ المحرم الشعرَ؟ قال: لا. إلا الشيء الخفيف. وقال ابن حبيبٍ: لا بأس أَنْ ينشد الشعر، ما لم يكن فيه خنًى، وذكر النساء، وقد فعله أبو بكر وعمر وابن عباسٍ، وغيرهم.
ومن "كتاب" محمدٍ: ومَن طيَّبَ محرماً، وهو نائمٌ، أو حلقَ رأسه، فالفدية على فاعلِ ذلك بنُسكِ أو طعام، ولا بصيامٍ، وليغسل المحرم عنه الطيب، فإن فعل الفاعل عديماً، فليفتد المحرم، وليرجع على الفاعل – إن أيسر – من ثمن الطعام، أو ثمن النُّسك، إن افتدى بأحدهما، وإن صام فلا يرجع عليه بشيءٍ.
وكره مالك للمحرم غسل ثو به إلا لنجاسةٍ، أو وَسَخٍ، فليغسله بالماء وحده، وإن مات فيه دوابُّ. ولا يغسل ثوب غيره، فإن فعل أطعم شيئاً من طعامٍ؛ خيفة قتل الدوابِّ فإن أمِن ذلك، فليغسله، ولا شيء عليه.
قيل لمالكٍ: فالغسل بالأُشنانِ؟ قال: أما اليدين فجائزٌ ما لم يكن فيه طِيبٌ، وكرهه ابن حبيبٍ.
ومن "كتاب" ابن حبيبٍ: ومَن جهلَ فلَّى ثو به أو فلاَّ رأسَه حتى انتفع

(2/356)


بذلك، فعليه الفديةُ. فإن كان إنما قتل منه قملةٌ أو قملاتٌ، فليطعم حفنةً أو حفناتٍ، وما اطعم أجزأه، وأماإن فلاَّ ثوبَه أجمعَ، أو نشره، أو أكثر ما القى منه ليفتد، وكذلك إن امر بذلك غلامه الحلالَ، وإن كان حراماً أيضاً، فعليه فديتان، لأنَّه كأنَّه أكرهه بعزيمة الأمر، وكذلك لو أمره بذبحِ صيدٍ فذبحه، فعليه جزءانِ، أو وطئ أمَته المحرمة، فعليه هديان، طاعت له أو أكرهها.
قال ابن القاسمِ، غعن مالكٍ، في "العُتْبِيَّة": في محرم أمر جاريته المحرمة أن تَغْلِيَ إزاره، فغلته، وألقت الدوابّ عنه، فليفتد بشاة أو صيام ثلاثة ايامِ، ولو أمر بغليِ الثوبِ أجنبيًّا محرماً فعلى كل واحدِ فدية، ولو أمر حلالاً، لم يكن على الحلاِلِ شيءٌ، وهو على الآمرِ، ولو أمره بقتلِ الصيدِ، لم يكن على الآمر شيءٌ، والمحرم إذا حُلِقَ رأسُه، وهو نائم، فعليه تالفديةُ، وليرجع بها على الحالقِ، فإن كان الحالق محرماً، فعليه فديتان، قاله مُطرِّفٌ، وابن الماجشون.
ومن "العُتْبِيَّة"، ابن القاسمِ، عن مالك: وَلا بَأْسَ أَنْ يبيع إزاره لما فيه من القملِ، قال سحنونٌ: لي إذا باعه عرَّضَ جوابه للقتلِ.
وفي باب ما يجوز أَنْ يفعله عند إحرامه شيءٌ من معنى هذا الباب.

(2/357)


ذكر فدية الإذاء، وأين تُذبحُ
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال: له أَنْ يذبح نُسُكَ الفدية، حيث شاء، في ليلٍ، أو نهارٍ، والنسك، وإن شاء أَنْ ينسكَ ببعيرٍ أو بقرةٍ، في بلدهِ، فذلك له، وقد فعله عليُّ بن أبي طالبٍ، وله أَنْ يجعله هَدْياً، ويقلده، ويُشعره، ثم لا ينحره بمنًى، أو بمكة، إن أدخله من الحِلِّ.
قال: وإذا اختار الإطعام فأطعم الذرة نظرَ مجراه من مجرى القمح فيزيد من الذرة مثل ذلك. قال في "المختصر": وكذلك الشعيرُ. وقال في "المدونة": وإنما عليه مُدَّانِ، لكل مسكينٍ، من عيش البلدِ من شعيرٍ، أو بُرٍّ.
قال مالكٌ: وإن غدَّى ستةَ مساكين معَشَّاهم شِبعاً لم يُجْزِئُهُ. قال أشهبُ: غل أَنْ يبلغ ذلك مُدَّيْنِ، فأكثرَ، لكل مسكينٍ، وإذا افتدى لشيءٍ قبلَ أَنْ يفعله، ثم فعله لم تُجْزِئه.
قال في "المختصر": ولا يجب في الفدية جَدعاً.

بابٌ في حج الصغير، والعبد، وذات الزوجِ، والمولَّى عليه، وما يدخل عليهم من جزاءٍ أو فديةٍ وفسادٍ، والعمل عن الصبيِّ
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال ابن وهبٍ، عن مالكٍ: ولا يُحَجُّ بالرضيعِ، فأما ابنُ أربعه سنين وخمسٍ، فنَعَمْ. وإذا حجَّ به أبوه، فما أصاب من صيدٍ، أو ما فيه فديةٌ، ففي مال الأبِ، إلا أَنْ يخرج به؛ نظراً لأنَّه لو تركه ضاع، فيكون ذلك في مال الصبيِّ، فإن لم يكن له مالٌ، أتبعه به، وقد قيل: إنَّ ما أصاب من صيدٍ، ففي ماله، يريد كالجناية

(2/358)


وإذا أفسد حجه، فعليه القضاءُ، والهَديُ.
وإذا جُرِّد الصبيُّ، فل بأس أَنْ يترك عليه مثل القِلادةِ، والسوارين.
قال مالكٌ: وإذا رمى الأبُ عن نفسه، حمل الصبيَّ، فرمى عنه، ولا يطوف به /َن لم يطف لنفسه، ولا باي بذلك في السعي، أَنْ يحمله، فيسعى به عنهما سعياً واحداً. قال ابن القاسمِ: وإن طاف عنه، وعن الصبيِّ طوافاً واحداً أجزأ عن الصبيِّ وأحبُّ إليَّ أَنْ يُعِيدَ عن نفسه. قال أصبغُ: بل ذلك عليه واجبٌ، ولو أَعَادَ عن الصبيِّ، كان أحبَّ إليَّ، كقول مالكٍ، فيمن حجَّ حجةً عن فرضه، ونذره، أنَّه يُعِيدُ الفريضة ويُجزئه عن النذر. قال أصبغُ: وما هو بالقويِّ، والقياس أَنْ يُعِيدَ النذر.
قال مالكٌ: ويَحلقُ الصبيَّ، وأمّا الصبية، فإن شاء حلقها، أو قصَّر، والحِلاقً أحب إلينا، وأما الكبيرة، فلتقصِّرْ. قال ابن حبيبٍ: وَلا بَأْسَ لمَن طاف عن نفسه، أنْ يطوف بصبيين، أو ثلاثة يحملهم، طوافاً واحداً، وليرمِ عن الصبيِّ، أو المريض، بعد رميه عن نفسهِ، فإن جهل فرمى عن نفسه جمرةً بسبعٍ بقدرٍ، ثم رماها عن الصبيِّ، أو المريضِ، ثم فعل ذلك في بقية الحمار، فقد أخطأ، ولا يُعِيد عن نفسه، ولا عنهما.
ومن كتاب" ابن الْمَوَّاز، قال مالكٌ: ولا أحبُّ أَنْ يدخل بالعبد الفاره ذي الهيئةِ إلا محرماً، وأما الصغير، والأعجميُّ، والجارية، يصونها للبيعِ، فما ذلك عليه، فإن سألته الإحرام، فخيرٌ له إلا يمنعها، وإن نقص

(2/359)


من ثمنها، وليس عليه بواجبٍ. وكذلك في "المختصر"، وزاد، وله أن يحُجَّ بعبدهِ النصرانيِّ. ولا بأس أن يحرم العبد بالحج، وإن لم يَختتن – يريد الغلام – إذا أذن له السيد.
ومنه ومن "العُتْبِيَّة"، ابن القاسمِ، قال مالكٌ، في رجلٍ مُوَلَّى عليه أحرم بالحجِّ، أو المرأة عند أبيها، أو زوجها: إنَّ ذلك من السعةِ، لا يقضي، ولا على المرأة قضاءٌ، وإذا أهَّلها زوجها وأبوها إذا حجَّتِ الفريضةِ، قال محمدٌ: كعتقِ المُولَّى عليه، يُرَدُّ، ثم يلي نفسه، قال: وإذا أحرم عبدٌ بغير إذن سيده، فحلله، ثم أذن له في القضاءِ، في عامٍ قابلٍ، فذلك جائزٌ، وعلى العبد الهَديُ في حجة القضاء، فإنْ أهدى عنه السيدُ، أو أطعم، وإلا صام هو، وأجزأه، وليس له أن يَنسُكَ، ولا يُهدِيَ عما لزمه في ذلك من ماله، إلا بإذن سيده، فإن لم يأذن لهن ولا أهدى عنه فليصمن ولا يمنعه الصوم، إن كان ما أصاب خطأً، وإن تعمد، فله منعه إن كان ذلك يُضِرُّ به.
قال أشهبُ: إذا أحرم، فحلله سيده ثم عتق، أو حلَّلَ الصبيَّ وليُّه ثم بلغ، فليُحرما الآن بالحج، ويجزئهما عن حجة الإسلامِ، محمدٌ: لأن قضاء ما حللا منه لا يلزمُهما، ولو نذر ذلك العبد نذراً فلم يَرِدْ ذلك عليه حتى عتق، أو نَذَره سَفيهٌ بالغٌ، ثم رشد، فذلك يلزمُهما، وأما

(2/360)


الصبيُّ فلا يلزمه إنْ بلغ. وكله قولُ مالكٍ، لا اختلاف فيه. ولو أذن له سيده في الحجِّ، ففاته الحجُّ، قال: فعليه القضاء والهَديُ، إذا عتق.
قال، في بابٍ آخرَ: قيل لأشهب: فهل يمنعه سيدُه أن يحل من ذلك في عمرةٍ، قال: إن كان قريباً، فلا يمنعه، وإن كان بعيداً، فله أن يمنعه. فإما أن يبقيه إلى قابلٍ على إحرامه، وإما أن يأذن له في فسخهِ في عمرةٍ.
قال: وإن أفسد حجه. قال أشهبُ: فلا يلزم سيدَه أن يأذن له في القضاء، وذلك عليه إذا عتق، وقال أصبغُ: على السيد أن يأذن له. محمدٌ: والصواب قول أشهبَ.
قال ابنُ حبيبٍ: وإذا أذن لعبده في الحجِّ، فما لزمه مما فيه صيامٌ، وإن كان عن تعمده، فليس له منعه منه، وإن أضرَّ به، وكذلك لو نكح بإذنه، فلزمه ظِهارٌ، فلا يمنعه الصومَ إنْ أضرَّ به، وهو قول ابن الماجشون، وابن وهبٍ، وقاله ابن شهابٍ، ويحيى بن سعيدٍ، وفرَّق ابن القاسم بين ما لزمه بتعمده، وبين خطئه، فيما يَضُرُّ بسيدِه من الصيام، ورأى غيرُه أنَّ إذنه في الأصلِ، يوجب ألا يمنعه مما جرَّ إليه، إلا مما يكونُ في مال العبدِ، فيجتمع عليه، أنَّ له منعَه فيه.
قال ابن حبيبٍ: قال مالكٌ: وليس على الزوج نفقةٌ لزوجته، في خروجها على فريضة الحج، وذلك من مالها، ولها أن تخرج فيها بغير إذنه، وإن لم تجد ذا محرمٍ. وبل تخرج في التطوع إلا مع ذي محرمٍ، وبإذنِ الزوج، وكره عمر بن عبد العزيز، أن يخرج بها عبدُها، قيل له: إنه أخٌ لها من الرضاعةِ، فلم يُرِدْ لها بأساً.

(2/361)


وقال ابن المواز، في التي حللها زوجُها من حجة الفريضةِ: إنَّ إحلاله باطلٌ، وهي على إحرامها. والذي قال محمدٌ، قول أشهبَ. قال محمدٌ: وعليها من الفدية وغيرها، ما على غيرها، وأن وطأها، أفسد حجها، وتقضي، وتُجزئها في حجة الإسلامِ، وتُهدِي في القضاء، أو يرجع بالهَدي على الزوج، وإن كان قد فارقها. وإن تزوجت غيرَه قبل القضاء، فنكاحها باطلٌ؛ لأنَّها مُحرمةٌ بعدُ.
ومن "العُتْبِيَّة"، قال عيسى، عن ابن القاسمِ، في التي تركت مهرَها لزوجها، حتى يتركها تحج الفريضة، قال: يلزمه الصداقُ، لأنَّه يلزمه أن يدعها.
في العمرة، ووقتها، وإيجابها
من "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: العمرةُ سنَّةٌ واجبةٌ، كالوترِ، وليس كوجوب الحج، وذهب ابن حبيبٍ إلى أنها كوجوب الحجِّ، وذهب إليه ابن عبد الحكمِ وليس بقولِ مالكٍ، وأصحابه.
قال ابن المواز: وكره مالك أن يعتمر عمرتين في سنةٍ، يريدُ فإن فعل لزمه. وقال محمدٌ: وأرجو أن لا يكون به بأسٌ. وقد اعتمرت عائشةُ مرتين في عامٍ، وفعله ابنُ عمر، وابن المنكدر، والمِسورُ. وكرهت عائشة عمرتين في شهرٍ، وكرهه القاسم بن محمد، وفرَّطَتْ عائشة في العمرة

(2/362)


سبع سنين، فقضتها في عام واحدٍ. ورُوِيَ عن عليٍّ: في كل شهر عمرة، قال ابن حبيبٍ: ولم يرَ مطرِّفٌ بأساً بالعمرةِ مراراً في السنةِ.
قال غير ابن حبيبٍ: وإنما اختار مالكٌ العمرةَ في السنة مرةً، تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم ولأنه اعتمر ثلاث عُمَرٍ، في كل عام عمرةً. وقد كره كثيرٌ من السلفِ العمرة في السنة مرتين.
ومن "كتاب" ابن المواز، ومن "العُتْبِيَّة"، ابن القاسم، عن مالكٍ: ولا بأس لغير الحاجِّ أن يعتمر في آخر أيام التشريق، لا يفعل بعدَ ذلك ولم يرَخَّصْ للحاجِّ في ذلك قبل أن تغيب الشمس، قال مالكٌ: والعمرةُ في أيام التشريق جائزةٌ لغير الحاجِّ، وأن يُحل منها في أيام التشريق، وأما الحاج، فلا يحرم بها حتى تغيب الشمس من آخر أيام التشريق.
قال محمدٌ: فإن جهل، فأحرم بها في آخر أيام الرميِ، قبل غروب الشمسِ، وقد كان يُعَجِّلُ في يومين، أو لم يتعجَّلْ، وقد رمى في يومه ذلك، فإنَّ إحرامه يلزمه، ولكن لا يُحِلُّ حتى تغيب الشمسُ، وإحلاله قبل ذلك باطلٌ، وهو على إحرامه. فإن وطئ بعد ذلك الإحلال، أفسد عمرته، وليقضها بعد تمامها، ويُهدِ. ولو أنَّ المتعجِّلَ أحرم بعمرةٍ في اليومين بعد أن حلَّ، وخرج، وتمَّ عملُه لم يلزمه الإحرام، أحرم ليلاً أو نهاراً، ولا قضاء عليه.
قال مالكٌ: ولا بأس أن يعتمر بعد أيام الرمي، في آخر ذي الحجة، ثم يعتمر في المُحرَّمِ عمرة أخرى، فيصير في كل سنةٍ عمرة. ثم رجع

(2/363)


فقال: أحب إليَّ لمن أقام ألا يعتمر بعد الحج حتى يدخل المُحَرَّمُ.
وقال مالكٌ: والعمرة في ذي الحجة (بعد الحج) أفضل منها قبل الحجِّ في أشهر الحج، ولا بأس أن يعتمر الضرورة قبل الحج، وقد اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يحج، ومن احرم بالحج من مكة، فحَصِرَ بمرضٍ، ففاته الحج، فليخرج إلى الحل، ويُحلَّ بعمرة في أيام منًى.
ومن "كتاب" ابن حبيبٍ: وأحب للمعتمر أن يقيم لمرته ثلاثاً بمكة.

في القِران والتمتع والإفراد، وإرداف الحج على العمرة،
وما يلزم من قَرنَ، أو تمتع، وما يدخل في ذلك من فسادٍ أو فواتٍ
من "كتاب" ابن الموازن قال محمدٌ: والتمتع والقران والإفراد واسع، والإفراد أفضل ذلك. قال مالكٌ: في "المختصر": والإفراد أحب إلي.
قال عبد الملك: وقد اختلف في حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحق أن يكون أولى ذلك وأصحه الإفراد، لأنه اسلم، ولا هدي فيه، ولا يكون الهدي لا ليجبر به شيءٌ، فالإثم لا يُهدي فيه، واختار ذلك الأئمة، وامتثله أهل الخبرة بالنبي صلى الله عليه وسلم فجاء أن عائشة أفردت، وذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد، وهي منه بموضع الخبرةِ الأكيدة، ليلاً ونهاراً، وسرًّا وعلانيةً.
وأفرد أبو بكر سنة تسع، وأفرد عتَّابُ بن أسيد سنة ثمانٍ، وهو أول

(2/364)


حجٍّ تامٍّ للمسلمين، وأفرد عبدُ الرحمن عام الرِّدَّةِ، وأفرد الصديق السنة الثانية، وأفرد عمرُ عشر سنين، وأفرد عثمان عشرة سنة.
والمفضِّلُ به العمل بالمدينة من الأئمة والوُلاة ومن علمائهم وعامتهم فأين العدل عن هذا.
في "كتاب" محمدٍ، قال ابن المسيِّب: الحجُّ أفضلُ من العمرةِ. قال أبو محمد بن أبي زيدٍ: وأراه يعني أنه إذا جعل عملَه للحجِّ الذي هو أفضل من يوم يُحرمُ كان أفضل أن يشركه مع ما هو أفضل منه أو يبدأ في إحرامه بالعمرةِ. ويكون حَجُّه الذي هو أفضل إنما يحرم به من مكة، ليدلَّ أنَّ الإفراد أفضل.
ومن "المجموعة"، قال أشهبُ: عن مالكٍ: أما من قدم مكة مرافقاً للحجِّ، فالإفراد له أحب إليَّ، وأما من قدم، وبينه وبين الحج طولُ زمانٍ يشتدُّ عليه، فردَ الإحرام، ويُخاف على صاحبه، فله الصبر، فالتمتع له أحب غلي، ومن قدم مقارنا، ولم يشأ الإفراد، فالقِران له أحب إلي من التمتع.
ومن "كتاب" ابن المواز: وما أصابه القارن من شيءٍ، فهَديٌ واحدٌ لذلك، وجزءٌ واحدٌ، وفديةٌ واحدةٌ. قال مالكٌ: فيمن تمتَّعَ، وله أهلٌ بمكة، وأهل بغيرها: فأحوط له أن يُهْدِيَ. وقال أشهبُ: إن كان إنما يأتي أهله بمكة منتاباً، فعليه التمتع، وغن كان سُكناه بمكة، وإنما يأتي أهله التي بغير مكة منتاباً، فلا هَدي عليه، كالمكيِّ. قال ابن القاسمِ: بلغني عن مالكٍ.
وقال في "العُتْبِيَّة"، سمعت مالكاً يقولُ، في من ترك أهلَه بمكة من

(2/365)


أهل الآفاقِ، وخرج إلى غزوٍ، أو تجارةٍ، ثم قدم في أشهر الحجِّ: فلا متعة عليه. قال محمدٌ: معناه عندي أنه دخل بها للسكنى، قبل يُحرمَ بالعمرةِ، يريد في أشهر الحجِّ، وكذلك لو سكنها بغير أهل، قبل أن يتمتع.
قال أشهبُ: ومن انتجع إلى مكة للسكنى في غير أشهر الحج، ثم اعتمر، وتمتع في أشهر الحج، فلا متعة عليه، لأنه مكيٌّ، وإن كان لغير سكنى، فهو متمتعٌ. ومَنِ اعتمر من أهل الآفاقِ في أشهر الحجِّ، ثم رجع إلى مثل افقه، ثم حج من عامه، فإن كان ذلك إلى أفق غير الحجاز، كالشام، أو مصر والعراق، أو أفق من الآفاق، أفقه أو غير أفقه، فلا هدي عليه، ولو قدَّم هَدياً فاعتمر، ثم خرج إلى بعض الآفاق، ثم حج لم يكن متمتعاً.
ولو قدم نصريٌّ، ثم كان رجوعه إلى مثل العراق والشام، فليس بمتمتعٍ، فإن رجع إلى مثلِ الجُحفةِ، والمدينةِ، والطائف، فليس بقرانٍ له، وهو متمتعٌ. ورَوَى ابن عباس مثله.
قال ابن حبيبٍ: ولا تمتع لأهل مكة، ولا لأهل القرى المجاورة، أما مثل مرَّ ظهران، وضَجنان، ونخلتان، وعرفة، والرجيع، وشبهها مما لا تُقصر في مثله الصلاةُ، فأما ما بعد مما تقصر فيه الصلاة، مثل جُدَّةَ، وعُسفانَ، والطائف، وراهطٍ، فعليهم هَدي المتعةِ، هكذا رُوي عن ابن عباسِ، وهو مذهب قول مالك، وأصحابه.

(2/366)


(قال أبو محمدٍ): والذي تأوَّل ابن حبيبٍ في هذا، ليس بقول مالكٍ، وأصحابه، فيما علمتُ.
ومن "كتاب" ابن الموازِ: ومن اعتمر في أشهر الحج يريد التمتع، ففاته الحج قبل يحرم به، وفرغ من عمرته، فلا تمتع عليه.
وفي "العُتْبِيَّة"، ابن القاسمِ، عن مالكٍ: فيمن خرج يريد التمتع فألفى الناسَ قد فرغُوا من حجهم، فلا شيء عليه.
ومن "كتاب" محمدٍ: ومن اعتمر في أشهر الحجِّ، فأفسد عمرته بالوطءِ، ثم حلَّ منها، ثم حج من عامه قبل قضاء عمرته، فهو متمتعٌ، وعليه قضاء عمرته بعد أن يحلَّ من حجه، وحجه تامٌّ، ولو أردفه على العمرة الفاسدةِ، لم يلزمه ذلك الحج، ومن اعتمر عن نفسه، ثم حلَّ، ثم حج من عامه عن غيره، فهو متمتع، ومن حلَّ من عمرته في غير ذي الحجةِ، فتعجُّلُ إحرامه –يريد في غرَّةِ ذي الحجةِ – أحب إليَّ من تأخيره على يوم الترويةِ، فإن أخره، فلا باس بذلك.
قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ: ومن تمتع بالعمرة إلى الحجِّ، ثم مات بعرفة، فإن مات قبل رميِ العقبةِ، فلا شيء عليه، وإن مات بعد رميها، فقد لزمه هَديُ التمتعِ. قال ابن القاسم، وأشهبُ: من رأسِ ماله؛ لأنه لم يُفرِّطْ. قال ابن القاسمِ: وكذلك إن مات يوم النحرِ، وإن لم يرمِ فيه،

(2/367)


أو مات بعدَه، فقد لزمه ذلك، وكذلك روى عيسى، عن ابن القاسمِ، في "العُتْبِيَّة": وقال سحنونٌ: لا يلزم ورثته إلا أن يشاءوا، كمن حلَّت عليه زكاةٌ، فمات، ولم يفرِّطْ، ولم يُوصِ بها. والذي ذكر سحنونٌ، عن قول ابن القاسمِ في الزكاة، وخالفه أشهبُ.
محمدٌ: قال مالك: ومن صام ثلاثة أيام في الحجِّ، لتمتعه، ثم مات بعد تمام حجه بمكة، أو بعد رجوعه إلى بلده، قبل يصومه السبعة، فليُهْدِ عنه هَدْيٌ. قال مالكٌ: إذا تمتع العبد فلا يُهدِي إلا بإذن سيده، فإن لم يأذن له، فليصم. قال: والمعتمر مراراً في أشهر الحجِّ إذا حجَّ من عامه، فهَديٌ واحدٌ يجزئه لتمتعه. ومن أردف الحج، وهو في طواف العمرةِ، قد طاف بعضه، قال ابن القاسمِ: يلزمه ويصير قارناً، وقال أشهبُ، وابن عبد الحكمِ: إذا طاف ولو شوطاً واحداً، لم يلزمه إلا أن يشاء أن يبتدئه بعد تمام عمرته.
قال مالكٌ: لا أحب لأهل مكة أن يقرنوا، ما سمعت أن مكيًّا قرن، فإن فعل، فلا هدي عليه لقرانه، كتمتعه. قال ابن حبيبٍ: وكان ابن الماجشون يرى على المكيِّ هَدى القران. محمدٌ: قال مالكٌ: ولا يقرن المكيُّ إلا من الحِلِّ. قال: والقارن يعجِّلُ طوافه وسَعيه إلا أن يكون مراهقاً، ومن تمتع، ثم ذكر بعد أن حلَّ من حجه أنه نَسِيَ شوطاً، لا يدري من عمرته، أو من حجه، فإن لم يكن أصاب النساء، رجع فطاف وسعى وأهدى لقرانه فدية واحدة، لحلاقه ولباسه، لأنه إن كان الشوط من

(2/368)


حجه، فقد أتى له والهدي لتمتعه. وإن كان من العمرة، صار قارناً، قاله ابن القاسم، وعبد الملك، وإن كان أشهب يرى أنَّ مَن طاف شوطاً من العمرة، ثم أردف الحج، فلا يلزمه، فإنه إذا نَسِيَ هذا شوطاً من العمرة، وتباعد لا يبني فيه، بطل ما طاف، وصار كمن أردف قبل أن يطوفَ، واتفق أشهبُ معهما بهذا الوجه، ولو وطئ النساء، فإنه يرجع، فيطوف ويسعى، ويُهدي لقرانه وتمتعه، وعليه فديةٌ واحدةٌ، ثم يعتمرُ ويُهدِي لقرانه. وبقي من كلام محمدٍ في هذا شيءٌ ذكر فيه أنه إن كان الشوط من العمرةِ، صار قارناً وأفسد قرانَه، فعليه بدله مقرنا في قولهم أجمعين، وهذا من قول محمدٍ، لا أعلم معناه إلا على قول عبد الملك الذي يرى أن يردفَ الحج على العمرة الفاسدةِ. فأما في قول ابن القاسمِ: فلا، إلى أن يطأ بعد الإحرام بالحجِّ، وقبل رميِ جمرةِ العقبةِ والإفاضةِ، في يوم أنحر فيفسد حجه قِراناً، إذا كان الشوطُ من العمرةِ ولم يطأ فيها، وإن كان الوطء قبل يحرم بالحج والشوط من العمرة، فلا يكون قراناً إلا في قول عبد الملك، وقد بيَّنها في باب مَن أفسد حجه قِراناً.
وقال مالكٌ: ومن أحرم بعمرةٍ، وساق هَدياً ثم بدا له، فأردف الحج على العمرة، فأحب غلي أن يهدي غيرَه لقرانه، وأرجو إن لم يفعل أن

(2/369)


يجزئه هذان وكذلك التي أحرمت بعمرةٍ، وساقت معها هَدياً، ثم حاضت قبل أن تطرف، فإن كانت في غير أشهر الحجِّ، انتظرت، وهَديها معها لا تنحره حتى تطوف وتُحلَّ. وإن كانت في أشهر الحج، وكانت تريد الحج فلتردف الحج حين حاضت، وتؤخر هَديها، حتى تنحره بمِنًى لقرانها، ولو أهدت غيرَه كان أحب إلي. وكذلك استحبَّ ابنُ القاسمِ.
قال: والمتمتع إذا كان معه هديٌ، فلا يجعله لتمتعه؛ لأنه أوجبه قبل ذلك، وكذلك لو نوى به قبل ذلك لتمتعه. وقال ابن القاسمِ: وأرجو أن يجزئه، وغيره أحب إلي. وقال عبد الملك: لا يجزئه لتمتعه، وقاله أشهبُ، ورواه عن مالك، ورَوَى مثله ابن القاسم في "المدونة".
قال ابن حبيبٍ: في المتمتع، تفسد عمرته دون حجه، أو حجه دونَ عمرته، أو تفسد عمرته ثم يردف عليها الحج، فقال ابن الماجشون، في هذا الذي أردف: يصير قارنا، فيقضي قارناً، والمتمتع يقضي ما افسد وما ضم إليه، فيقضي متمتعاً، قاله ابن الماجشون، وقال أيضاً ابن الماجشون، إنَّ مَن قرن من أهل مكة، فعليه دمٌ بخلاف المتمتع منهم. والذي ذكر ابن حبيبٍ عنه من هذا – وفي الذي أفسد عمرته دون حجه –خلاف مالكٍ وابن القاسم.
قال ابن حبيبٍ: قال ابن الماجشون: ومن صام يومين من الثلاث في الحج، ثم وجد الهَدي، فله التمادي على الصوم، إلا أن يشاء أن يهديَ، ولو صام يوماً واحداً، فليُهدِ، ولا يَبنْ على الصوم.

(2/370)


ومن "العُتْبِيَّة"، قال ابن القاسم، عن مالكٍ، في المرأة تدخل بعمرةٍ، وهي حائضٌ، ثم تردف الحج عليها: إنَّ أحبَّ إليَّ إذا دخلت، تعتمر عمرةً، كما فعلت عائشة.
قال سحنونٌ: وللمحرم أن يسافر اليومين والثلاثة، والمتمتع إذا حلَّ من عمرته ثم خرج لحاجةٍ إلى جدَّةَ والطائف، ثم رجع، فإن كان إذ خرج نوى أن يرجع على مكة، ليحج من عامه، فليس عليه أن يدخل بإحرامٍ، ويصير كالمختلفين بالحطبِ والفاكهةِ، وإن خرج لا ينوي الرجوع ثم رجع، فلا يدخل إلا بإحرامٍ. انظر ابن الماجشون، هل يعني أفسدها ثم انشأ الحج، هل يطوف أو يتم طوافه؟ فأما بعد أن حلَّ من العمرة الفاسدةِ، يُحرمُ بالحجِّ، فلا يكون.
في دخول المحرم مكة، وما يبدأُ به، وذكر الطواف، والركوع، واستلام الأركان، والجُنبِ في الطواف، والسعي بين الصفا والمروة، والسع في المسيلِ، ومَن صلَّى قبل يتم طوافه أو سعيه فرضاً، أو نافلةً، وذكر القراءة، والكلام، والجلوس في الطواف وجامع القول فيه
من "كتاب" ابن المواز، قال: وكان ابن عمر إذا دخل مكة دخل من عقبة كَدَاءَ، وإذا خرج خرج من عقبة كَدَاءَ. قال محمدٌ:

(2/371)


فالتي دخل منها، فهي الصغرى التي بأعلى مكة، التي يهبط منها على الأبطح، والمقبرة تحتها عن يسارك، وأنت نازلٌ منها، فإذا نزلت أخذت كما أنت على المسجد، محمدٌ: وعقبةُ كداءَ التي خرج منها، هي الوسطى التي بأسفل مكةَ.
قال ابن حبيبٍ: وكذلك دخل النبي صلى الله عليه وسلم من كداءَ، وخرج من كداءَ.
وقال في "كتاب" ابن المواز: ومن دخل من السفلَى، ويخرج من العليا، فلا حرج. قال: وكان ابن عمر يدخل المسجدَ من باب بني شيبةَ. ونحوه في "المجموعة". وقال ابن وهبٍ: وكان لا يُنيخُ راحلته إلا باب المسجد.
وقال ابن حبيبٍ: ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من باب بني شيبةَ، وخرج إلى الصفا من باب بني مخزومٍ، وخرج على المدينة من باب سهمٍ.
ومن "كتاب" محمدٍ، وغيره، قال مالكٌ: فإذا دخلت المسجدَ، فلا تبدأ بالركوع، ولكن تستلمُ الركن وتطوفُ، وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
قال في "المجموعة": فإذا استقبل الركنَ، حمِد الله وكبر. قيلَ: أيرفع يديه عندَه؟ قال: ما سمعت، ولا عند رؤية البيتِ.
وقال مكحولٌ: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى البيت رفع يديه، وقال: " اللهمَّ زِدْ هذا البيت تشريفاً، وتعظيماً، ومَهابةً، وزِدْ مَن شرَّفه وكرَّمه ممن حجَّ إليه أو

(2/372)


اعتمر تشريفاً وتعظيماً وتكريماً".
وقال ابن حبيبٍ: إذا دخلت مكةَ، فأتِ المسجدَ، ولا تُعرِّجْ على شيءٍ دونه، فإذا وقفت على باب بني شيبةَ، ونظرت إلى البيتِ، رفعت يديك، وقلتَ: اللهمَّ أنت السلام، ومنك السلام، فحيِّنا ربنا بالسلام، اللهم زِدْ هذا البيت. . . فذكر مثل قولِ مكحولٍ. قال: ويقال عند استلام الركنِ: بسم الله، والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، وتصديقاً بما جاء به محمدٌ نبيك. ويستحبُّ من الدعاء حينئذٍ: {رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}، اللهم إليك بسطت يدَيَّ، وفيما عندك عَظَّمْتُ رغبتي، فاقبل مسحتي وأقلني عثرتي.
ومن "المجموعة"، و"كتاب" محمدٍ، قال ابن القاسمِ، في قول عروةَ، في الرَّمَلِ: اللهم لا غله إلا أنت، وأنت تُحيي بعدَ ما أمَتَّ.
يُخفى بها صوته. قال مالكٌ: ليس بمعمولٍ به. قال: وكذلك لا توقيت فيما يقال في بطنِ المسيلِ، ومحاذاة الركنِ، ولكن ما تيسر. وذكر ابن حبيبٍ، أنَّ ابن عمر كان يقول في الرَّمَلِ في طوافه: اللهم اغفر وارحمْ، واعفُ عما تعلم، إنك أنت الأعزُّ الأكرمُ، قال: ويقال ذلك في بطنِ

(2/373)


المسيلِ. وذكر قول عروةَ.
ومن "المجموعة"، قال عطاءٌ: ولمن طاف أن يركع خلف الإمامِ، أو حيث شاء من المسجدِ. قال القاسمُ: أما أوَّل دخوله، فخلف المقام، يعني بعدَ الطوافِ.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: ولا يَحسِرُ عن منكبيه في الرَّمَلِ، ولا يحركهما، ولا يسجد على الركن، وليُقَبِّلْه إن قدَر، وإلا لمسه بيده، ويضعها على ما فيه من غير تقبيلٍ. قيل له: كان بعضُ الصحابةِ يقبِّلُه، ويسجد عليه. فأنكره، وقال: ما سمعت إلا التقبيل. قال ابن حبيبٍ: قد روي عن مرَ، وابن عباسٍ، ولعل مالكاً كرهه خيفة أن يُرَى واجباً. ومَن فعله في خاصته فذلك له.
ومن "كتاب" محمدٍ، قال مالكٌ: ولا يرفعْ يديه عندَ رؤيةِ البيتِ، ولا آخذ بفعل عروة في استلام الأركان كلها. ولا أرى أن يُقَبِّلَ اليمانيَّ، وليلمسه بيده، ولا يلمسُه عند خروجه بخلاف الأسودِ، وما ذُكر عن مالكٍ من تقبيل اليدِ عندَ مسِّ اليمانيِّ، ليس بشيءٍ، ولم يرَ مالكٌ تقبيل اليدِ فيه ولا في الأسودِ. قال مالكٌ: ومن شأن الناسِ استلامُ الركنِ من غير طوافٍ، وما بذلك من بأسٍ. قال في "المختصر": ولا يستلم الركن إلا طاهراً.
قال أشهبُ، عن مالكٍ، في "العُتْبِيَّة": ومن ترك استلام الركنِ، فلا شيء عليه.

(2/374)


ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: وليقلَّ الكلامَ في الطوافِ، وتركه أحب إلينا في الواجب. ومن "المجموعة" قال ابن وهبٍ، عن مالكٍ: ولا بأس بالكلام فيه، فأما الحديثُ، فأكرهه في الواجب. قال أشهبُ: كان أكثر كلام عمرَ، وعبد الرحمن بن عوفٍ فيه {رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: وما القراءة فيه من عملِ الناسِ القديمِ، ولا بأس به إذا أخفاه ولا يُكثر منه.
قال ابن حبيبٍ: والوقوف للحديث في الطوافِ والسعي أشدُّ منه بغير وقوفٍ، وهو في الطواف الواجب أشدُّ، ولا يجلس في طوافٍ أو سعيٍ إلا من علَّةٍ. يريد أثناءه. قال محمدٌ: قال أشهبُ، عن مالكٍ: ولا بأس أن يُسْرِعَ الطائفُ في مشيه ويتأنَّى، وقد يُسرعُ للحاجةِ، وكره مالكٌ أنْ يطوفَ أحدٌ مُغَطَّى الفمِ، أو امرأةٌ منتقبةٌ، كالصلاةِ، قال أشهبُ، في "المجموعة": ومن فعل ذلك أجزأه.
ومن "كتاب" محمدٍ، قال مالكٌ: ومن فاته الحج، فلا يدع الرمل في طوافهِ، ويسعى في المسيلِ، وكان ابن عمر إذا انشأ الحج من مكة، لم يُر~مُلْ، والرَّمَلُ أحب إلينا. وإن ذكر في طوافه أنه نَسِيَ الرمل، ابتدأ وألغى ما مضى، وإن ترك السعي ببطن المسيلِ، فلا شيء عليه وهو خفيف، وقال أيضا: إن أهدى، فحسَنٌ، وقال أيضا: يُعيد إلا أن يفوتَ، فلا شيء عليه، وبه قال ابن عبد الحكم.

(2/375)


وقال أشهبُ في تارك الخَبَبِ في طوافه، والسعي في المسيل، أو أحدهما: إنه يعيد طوافه ما كان بمكة، وإن أهدى. وقال عبد الملك: لا يعيد الرمل، وعليه دمٌ. ورَوَى ابنُ القاسمِ، وابن وهبٍ، عن مالكٍ، في من ترك الرمل أو السعي في العَوَادِيَّ، نسي أو جهل: إنَّ ذلك خفيفٌ، ولا شيء عليه.
قال: ولا رمل على النساء ولا ببطن المسيل، ومن طاف عن مريضٍ، فليرمل، ولا يرمل عن النساء، ويرمل من طاف بصبيٍّ. وقال ابن القاسمِ: لا يرمل عن الصبي من طاف به. قال أصبغُ: وأحب إلي أنْ يرمل.
قال مالكٌ: والسعيُ في بطنِ المسيلِ وَسَطٌ؛ وهو الخببُ، ومن تركه في المسيل، أو الطواف؛ لضعفٍ به، فلا شيء عليه.
قال في "المختصر": ويرمل المعتمر؛ من مكيٍّ وغيره، ومن أخَّرَ الطوافَ حتى صدر، فليرمل، ومن ترك الرمل، فلا شيء عليه. وإن أهدى فحسنٌ.
قال ابن حبيبٍ: وينبغي للطائف الطوافُ بسكينةٍ ووقار، وواسع إن طاف بنعليه، أو خلفهما، ولا يطوف مع النساء، ولتكن النساء خلفَ الرجال.
وقال عن مجاهدٍ، أنه كره أن يقال: شَوْطٌ، ودَوْرٌ، وليقل: طوْفٌ.

(2/376)


ومن "المجموعة": وكره أشهب دخول الحجر بنعلٍ، أو خُفٍّ، لأنَّه من البيتِ. قال: وكراهيتي لذلك في البيت أشدُّ، ولم يكرهه ابن القاسمِ في الحجرِ.
قال ابن القاسم: ومن طاف في سقائف المسجد للزحام، أجزأه، وإن كان فراراً من الشمسِ، لم يجزئه. قال أشهبُ: لا يجزأ من طاف في السقائف، وهو كالطائف من خارج المسجد، ومن وراء الحرم. قال سحنونٌ: ولا يمكن أن ينتهيَ الزحام إلى السقائف ومن "كتاب" محمدٍ، قال ابن القاسمِ: ولا بأس بالطواف في سقائف المسجد من الزحام.
وقال أشهبُ، عن مالكٍ، قيل له: ربما كثُر الناس في الطواف حتى يكونوا خلف زمزم، والنساءُ من ورائهم إلى البيت، أيؤخر الطوافُ حتى يخفَّ ذلك؟ قال: أرجو ألا يكون بالطواف كذلك بأسٌ.
قال ابن حبيبٍ: وإذا خرجت إلى الصفا فارتقيت عليه، حيث ترى البيت، وأنتَ قائمٌ يديك حذوَ منكبيك، وبطونهما إلى الأرض، تقول: الله أكبر الله اكبر الله اكبر، ولله الحمد كثيراً، ثم تقولُ: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، ثم تدعو بما استطعتَ، ثم ترجعُ، فتكبر ثلاثاً، وتُهلِّلُ مرةً كما ذكرنا، ثم تعيد التكبير والتهليل، ثم تدعو، وتفعل ذلك سبع مراتٍ، فتكون إحدى وعشرين تكبيرةً وسبع تهليلاتٍ، والدعاء بين ذلك، ولا تدعِ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهذا كله مرويٌّ، وليس ذلك بلازمٍ، ومن شاء زاد، أو نقص، ودعا بما امكنه، ثم تفعل سبعة أشواطٍ، بين الصفا والمروة، فيصير

(2/377)


لك بذلك أربع وقفاتٍ على الصفا، واربعٌ على المروةِ.
وكذلك قال مالكٌ، في "المختصر": يبدأ بالصفا، ويختم بالمروة، ويسعى سبعة اشواطٍ بينهما، فذلك من الوقوف عليهما، أربعة على الصفا، وأربعة على المروة، ولا سعي على النساء ببطن المسيل. والذي ذكر ابن حبيبٍ من التكبير والتهليل والدعاء، على الصفا والمروةِ، مرويٌّ عن ابن عمرَ وغيره.
ومن "كتاب" ابن المواز، مالكٌ: ولا باس بشرب الماء في الطوافِ، لمن يصيبه ظمأٌ.
قال مالكٌ: ولا يصلِّي الطائف على جنازةٍ. قال ابن القاسمِ: فإن فعل فليبتدئْ، وقال أشهبُ: بل يبني. قال مالكٌ: ويصلِّي المكتوبة، ثم يبني قبل أن يتنفَّلَ. قال ابن حبيبٍ: يقطع، ثم يصلِّي، فإذ صلَّى بَنَى، وإنْ أحب ابتدأ طوافَه من الركن الأسودِ.
ومن "كتاب" محمدٍ، قال مالكٌ: وإن أقيمت الصلاةُ، وقد بقي له طوافٌ، أو طوافان، فلا باس أن يتمَّه على أن تعتدل الصفوف، وأما المبتدئُ، فأخاف أن يكثر ويطولَ ذلك من الناس، فلا ينقطعن ورخَّصَ فيه.
قال عنه أشهب: وليبتدئْ بركعتي الطواف، قبل ركعتي الفجر، فإذا فرغَ طوافه، وصلاة الصبح تقام، وهم يطيلون الإقامة، لطردِ الناسِ، أيركع؟ قال: لا ينبغي أن يركع أحدٌ بعد الإقامةِ، وعسى أن يكون هذا بمكة خفيفاً، وركعتا الفجر مثله، أرجو أن يكون خفيفاً.

(2/378)


أشهبُ عن مالكٍ: ومن طلع له الفجر وهو يطوف، فلا يركع للفجر ويبني. قال: وإن كان الطوافُ تطوعاً، فليركع. ثم يبني، وما أخاله بالنشيط، وما لم يدخل الطواف، وقد قارب ذلك، فإن فعل، ركع ثم بنى في التطوع، ولا باس لمن دخل المسجد أن يركع ركعتين، قبل ركعتي الفجرِ.
قال ابن حبيبٍ: ويُستحبُّ أن يقرأ في ركعتي الطواف، بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}.
ومن "كتاب" محمدٍ، و "العُتْبِيَّة"، قال مالكٌ: ومن أُقيمتِ الصلاة عليه في السعي، فليتمادى إلا أن يَصِلَ لوقتِ تلك الصلاةِ، فليصلِّ، ثم يبني على ما مضى من سعيه. وقاله ابن حبيب، عن مالكٍ.
قال: ولو حقنه بَوْلٌ، أو غائطٌ في السعي، فليقضِ حاجتهن ثم يبني على سعيه.

في الطواف والسعي على غير طهرٍ، ومن أحدث فيهما، أو طاف أو ركع بثوبٍ نجسٍ، والمرأة تحيضُ، وقد طافت أو لم تَطُفْ
من "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: ومَنِ انتقض وضوءه في طوافه، أو بعد تمامه قبل يركع، فليتوضَّأْ، وليأتنف الطوافَ إن كان واجباً، وليس عليه في التطوع أن يبتدئه به، إلا أن يشاء إذا لم يتعمَّدِ الحدثَ.
وإن أحدث في السعي فلا ينقطع لذلك.
قال ابن حبيبٍ: وأما الرعافُ، فليبنِ بعدَ غسلِ الدَّمِ في الطواف أو

(2/379)


في السعي، أو ذكر أنه غيرُ متوضيءٍ، فإن أتمَّه كذلك، أجزأه، وأحبُّ إلينا أن يتوضَّأَ، ثم يبني. قال مالكٌ: وفي الطواف لا بدَّ أن يبتدئ.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال ابن القاسمِ: إن أحدثَ بعد الطوافِ الواجب قبل أن يركع، فتوضأ وركع، ولم يُعِدِ الطوافَ جهلاً حتى فعل، فليركع بموضعه، ويبعث بهَديٍ. قال محمدٌ: ولا تجزئه الركعتان الأولتان، ويبعث بهَديٍ. قال ابن القاسمِ: ولو احدث في الطوافِ، فتوضأ، وبنى وركع، فليرجع، وهو كمن لم يطف، ومن ذكر بعد تمتم حجه، وهو بمكة، أنه طاف أول دخوله مكة على غير وضوءٍ فليُعِدْ طوافه وسعيه ولا دم عليه. بخلاف المتعمد، أو الناسي.
ومن طاف بثوبٍ نجسٍ، فعلم بعد طوافه فنوعه، وصلى بثوبٍ طاهرٍ، فلا شيء عيه، فإن ركع به الركعتين، أعادهما فقط إن كان قريباً ولم ينتقضْ وضوءه، وإن انتقض وضوءه أو طال ذلك، فلا شيء عليه، كزوال الوقت.
قال اصبغُ: سلامُه من الركعتين كخروج الوقتِ، وليس إعادتهما بواجبٍ، وهو حسنٌ أن يعيدهما بالقربِ. قال أشهبُ: إن علم به في طوافه، نزعه إن كان كثيراً، وأعاد طوافَه، وإن علم بعد فراغه، أعاد الطواف والسعيَ فيما قَرُبَ إن كان واجباً، وإن تباعد فلا شيء عليه، ويُهدي وليس بواجبٍ.
ومن العُتْبِيَّة"، قال أشهبُ، عن مالك: وأكره أن يطوفَ بثوبٍ نَجِسٍ.
ومن "كتاب" ابن المواز، و "العُتْبِيَّة"، قال مالكٌ: ومن أحدث في سعيه فتمادى، فلا إعادة عليه، وأحسن ذلك أن يتوضأ، ويُتمَّ بقيةَ سعيه.

(2/380)


قال أشهبُ، عن مالكٍ: وإن حاضت المرأة في سعيها، فلتتماد بخلاف الطواف، ولو حاضت بعد الركوع لسعت، وأجزأها.
وفي سماع ابن وهبٍ، سئل مالكٌ عن المرأةِ، تطوف بالبيت ثم تحيضُ؟ قيل: أن تسعى وهي حائضٌ.
ومن "كتاب" ابن المواز، ومن "المجموعة"، قال ابن وهبٍ: قال مالكٌ: واستحبَّ بعضُ العلماء التطهُّرِ للسَّعي، ولرمي الجمار، ولوقوف عرفة ومزدلفة، ومن لم يفعل، فلا شيء عليه.

في تأخير الطواف، وفي طواف المراهق والمكيِّ، ومن طاف راكباً، أو محمولاً، وفي تأخير السعي لمرضٍ، أو غيره، ومن جلس أو وقف في طوافه أو سعيه
من "كتاب" ابن المواز، قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ، فيمن أخَّر طوافه، وليس بمراهقٍ: فلْيُهْدِ. وقال أشهبُ: لا هَدي عليه. قال مالكٌ: وللمراهق سَعَةٌ في تعجيل الطواف وتأخيره، ومن أهَلَّ من مكة، فلا سعة له في تعجيله. قال أشهبُ: إنْ قدم المراهق يومَ عرفة، فأحبُّ إليَّ تأخير طوافه، وإن قدم يوم الترويةِ، أحببت أن يعجِّلَ طوافَه وسعيه، وله في التأخير سعةٌ.
قال مالكٌ في "المختصر": إنْ قدم يومَ عرفةَ، فليؤخر إن شاء، وإن شاء طاف وسعى، وإن قدم يوم التروية ومعه أهله، فليقدم إن شاء، وإن لم يكن معه أهله، فليطفْ ويسعى. وكلُّ مَن أحرم من منزله من الحرم،

(2/381)


فهو كمن أحرم من مكَّةَ من تأخير الطواف، وإن أحرم هؤلاء من الحِلِّ، فليُعجِّلُوهِ، إلا أن يكونوا مراهقين. قال مالكٌ، في المرأة ذات الجمالِ، تقدَمُ نهاراً: فلا بأس أن تؤخر الطوافَ إلى الليل.
قال مالكٌ: ومن به مرض أو ضعفٌ يقدر أن يمشي في طوافه، فلا بأس أن يركبَ. ثم رجع عن قوله: أو ضعفٌ. قال مالكٌ: وإن طِيفَ بالمريض محمولاً ثم أفاق فأحبُّ إليَّ أنْ يعيدَ، وإن طيفَ به محمولاَ من غير عذرٍ، فلا يجزئه، فإن لم يقدر حتى رجع إلى بلده، فليبعث بهَديٍ.
قال أشهبُ: إن ذكر قريباً أعاد.
ومن "الواضحة": والكلام في السعي بغير ما أنت فيه أخفُّ منه في الطوافِ، والوقوف فيهما؛ للحديث اشد منه بغير وقوفٍ، فلا يجلس في الطواف والسعي، إلا من علةٍ، وليجلس ما شاء بموقف عرفة، ومن أطال الجلوس لحديثٍ أو استراحةٍ، بين الصفا والمروة، أو في بيعٍ أو شراءٍ، ابتدأ السعيَ، وليَبْنِ فيما خفَّ من ذلك.
ومن "المجموعة"، قال أشهبُ: ومَن جلس بين ظهراني سعيه، فإن طال ذلك جدًّا، فليبتدئ فإن لم يتذكر فلا شيء عليه.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: ومَن طاف فلا ينصرف إلى بيته حتى يسعى، إلا من ضرورة ومن حقْنٍ أو يخاف على منزله.
قال مالكٌ: ومَن بدأ بالسعي قبل الطواف، فليس ذلك بشيءٍ، وليأتنف الطوافَ والسعيَ، فإن جهل حتى خرج من مكة رجع حتى يطوفَ ويسعى، وكره مالكٌ للمريض إذا طاف بالبيت أن يؤخر السعيَ، وأن يفرقَ بين الطوافِ والسعي، وكذلك من طاف وركع فمرض، فلم يقدرْ أنْ يسعى

(2/382)


حتى انتصف النهارُ. قال ابن القاسمِ: ومَن أصابه لك، فليبتدئْ.
قال مالكٌ: ومَن طاف بالبيت سبعاً، فلم يخرج إلى السعي حتى طاف تطوُّعاً أُسبوعاً أو أسبوعين، فأَحَبُّ غليَّ، أن يبتدئ الطوافَ ويسعى، وإن لم يعد الطوافَ، رجوت أن يجزئه.
قال أشهبُ، عن مالكٍ: ومَن أتى ليلاً فطاف، ولم يَسْعَ إلا بعد أن أصبح، فإن كان بطهرِ واحدٍ، أجزأه، وإن نام أو انتقض وضوءه، فبئسَ ما صنع، فإن كان بمكة فليُعِدِ الطوافَ والسعيَ والحِلاقَ، فإن خرج من مكةَ، فليُهْدِ هدياً، ولا يرجع. قال أشهبُ: فإن ذكر بعد أن صلى ركعةً من الركعتين أنَّه طاف ستة، فليقطع، وليتم طوافَه.

في الطواف بعد الصبح وبعد العصر
وكيف إن أخَّر الركعتين والسعيَ، وفي تأخير الطواف والركوع في الإفاضةِ
من "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: ومن دخل بعد العصرِ، فلا بأس أن يؤخر الطوافَ، فإن طاف وأخَّرَ الركعتين حتى صلى المغرب، فركع وسعى، فإن طاف بطهر واحدٍ؛ أجزأه، وإن لم يكن بوضوءٍ واحد أعاد الطوافَ والسعيَ، إن كان بمكةَ، فإن خرج وتباعد بعثَ بهَديٍ، وقد أخَّر عمرُ ركعتي الطواف حتى طلعت الشمس. وأحبُّ لمَن جاء مكة، وعلم أنه لا يدرك الطوافَ إلا بعد العصر، أن يقيم بذي طوًى حتى يُمسِيَ، ولو دخل فطاف وسعَى ولم يركع إلا بعد غروب الشمسِ، فليعد - إن كان بمكة - الطواف، ويركع ويسعَ. وإن خرج منها بعثَ

(2/383)


بهديٍ، وذلك لسعيه قبل أن يركع.
قال مالكٌ: وإن طاف بعدَ الصبح، ثم سعى قبلَ أن يركع، فليرجع، فيركع، ثم يسعى، ومن أفاض من مِنًى، فوجد الناسَ قد صلوا العصرَ، فإن خاف فوات الصلاةِ، بدأ بها وطاف وأخر الركعتين حتى يصليهما بعد المغرب، وإن لم يخف فوات الصلاةِ، بدا بالطواف وركع وصلَّى العصر.
قال مالكٌ: ومَن طاف بعد الصبح أو بعد العصر، وأخَّر الركعتين، فحلت النافلةُ، وهو في منزله، فأرجو أن يجزئه ركوعهما في المنزل.
قال ابنُ القاسمِ: قال مالكٌ: ومن أخر الركعتين بعد العصرِ، فليصَلِّهما بعد أن يصلِّيَ المغربَ، وإن ركعهما قبل أن يصلِّيَ المغربَ، وبعد الغروب أجزأتاه، وبعد صلاة المغرب أحب إلينا.
قال مالكٌ: ومن طاف للإفاضة بعد الصبحِ، فأحبُّ إلينا أن لا ينصرف حتى يركع الركعتين في المسجد، أو بمكةَ، وإن ركعهما في طريقه، فإن كان بوضوءٍ واحدٍ، فلا رجوع عليه، ولا يعيد ركعهما في طريقه في الحرم أو في غيره، فإن انتقضَ وضوءه فليرجع حتى يعيد الطوافَ، ويركع. قال ابنُ القاسمِ: ما لم يَبعُدْ، فلا يرجع، وليهدِ وليركعهما بموضعه.
قال مالكٌ: ومَن صلَّى العصرَ بمنزله بمكة، ثم أتى المسجد، فطاف قبل أن يصليَ الإمام، فلا يركع حتى تَغرُبَ الشمس، وإن كان بعيداً عن الإمام.
قال ابن حبيبٍ: قال مطرّفٌ، وابن الماجشون، فيمن طاف بعد

(2/384)


الصبح، وهو في غلسٍ: فلا بأس أن يركعَ لطوافه حينئذٍ، وقد فعله عمرُ بنُ الخطاب.
وفي بابٍ آخر، من "كتاب" ابن المواز، قيل لمالكٍ: هل يتنفَّلُ الرجلُ بعد الفجرِ بالركوعِ؟ قال: إنَّ الناسَ ليتركونه وما هو بالضيق جدًّا.
ومن "كتابه"، قال مالكٌ، في المرأة ذات الجمال تقدَمُ نهاراً: إلا بأس أن تؤخر الطواف إلى الليلِ. وقد تقدم هذا.
وقال مالكٌ: وإذا دخلتِ امرأةٌ بعمرةٍ، فطافت، ثم حاضت قبل أن ... تركع، فلتقم ختى تطهر، ثم تأتنف الطوافَ، وتركع وتسعَ. وإن خرجت قبل ذلك، رجعت حتى تفعل ذلك، وتُهدِيَ؛ يريد الذي خرجت.
قال ابن حبيبٍ: ولو حاضت بعدَ الطوافِ - يريد والركوعِ - فلتسعَ.

في من ذكر بعضَ طواف السعي أو الإفاضةِ، أو بعض السعي وقد رجع إلى بلده، أو لم يرجع أو ذكر الركعتين، أو صلاهما في الحجر وفي من طاف تطوُّعاً، وعليه طوافٌ واجبٌ نَسِيَه
من "كتاب" ابن المواز، قا مالكٌ: ومَن ذكر شوطاً من طوافه، فليرجع له من بلده، وكذلك من السعي، وإلى هذا رجع ابن القاسمِ بعد أن كان يُخفِّفُ الشوط والشوطين. وكذلك من السعي. وإلى هذا رجع ابن القاسمِ بعد أن كان يُخفِّفُ الشوط والشوطين. وكذلك عن شكَّ في ذلك، فليرجعْ.
قال مالكٌ: وإن ذكر بعد السعيِ شوطاً من طوافه، بنى وركع، ثم سعى.
قا مالكٌ: ومن طاف مع اخٍ له فشكَّ في طوافه، فأخبره الذي معه،

(2/385)


أنه قد اتمه، فأرجو أن يكون ذلك واسعاً. وذكره ابن القاسمِ، عن مالكٍ، في "العُتْبِيَّة"، وقال: فأخبره رجلان معه، أنه قد أتَّمه.
قال: أرجو أن يكون خفيفاً.
قال: ومن بدأ بالركن اليمانيِّ، فإذا فرغ من سعيه - قال أبو محمدٍ: أراه غلطَ قولُه: من سعيه. وأراه من طوافه، أولَى - فإنَّه يعيدُ الركوعَ والسعيَ بعدَه، وما بعده بدلٌ أتمَّ ذلك، فتمادى من اليمانيِّ إلى ألأسود، فإن لم يذكر، حتى طال أو انتقض وضوءه، أعاد الطواف والسعيَ. وإن خرج من مكةَ وتباعد، أجزأه أن يبعث بهَديٍ، ولا يرجع. قاله أصبغُ.
وغن كان متعمداً، فليبتدئ إلا فيما لا تراح مثله، مثل أن يعدِلَ إلى بعضِ المسجدِ، ثم يستفيقَ، فليبن كمَن يخرج من صلاته، إلى مثل جوانب المسجدِ، ثم يستفيق، فليبن كمن يخرج من صلاته، إلى مثل جوانب المسجد وأبوابه، وإن طال ذلك منه بنسيانٍ أو جهلٍ، ولم يتباعد، فليبنِ ما لم ينتقض وضوءه أو يطوِّلْ. ومن ابتدأ طوافه من بين الحجر الأسود، ومن بين الباب بالشيء اليسير، ثم ذكر، قال: يجزئه، ولا شيء عليه، وإن بدا من باب البيت ألغَى ما شاء من باب البيت على الركن، ولا يَعْتَدُّ به.
قال مالكٌ: ومن جهل، فلم يسعَ بين الصفا والمروة، حتى رجع إلى بلده، فليرجع متى ما ذكر على ما بقي من إحرامه، حتى يطوف ويسعى.
قال في رواية ابن وهبٍ: وأحَبُّ إليَّ أنْ يُهدِيَ، بخلاف رواية ابن القاسمِ.
قال أشهبُ: وكذلك من ذكر شوطاً من حجٍّ أو عمرةٍ. قال:

(2/386)


فإن أصاب النساءَ، فليرجع حتى يطوف، ويسعى، ثم يعتمر ويُهدِي. وقال أشهبُ: هَديَيْنِ هَدياً في عمرته للوطء، وهَدياً للتفرقةِ، وليس هَديُ التفرقة بواجبٍ. وابن القاسمِ يرى في ذلك كله هَدياً واحداً.
ومن "كتاب" محمدٍ، و "العُتْبِيَّة"، قال ابن القاسمِ: ومن دفع من عرفة بعد الغروب، فمضى إلى بلده كما هو، فليرجع أبداً حراماً من النساء والصيد، ويتقى الطيب، ويرجع لابساً للثيابِ حتى يطوفَ الإفاضة، وعليه هَديٌ واحدٌ لسائر ما ترك من الجمار وغيرها، ولو أصاب النساء اعتمر بعد إفاضته، وعليه هَديٌ آخر.
وكذلك من أُحْصِرَ بعد وقوفِ عرفة بعدُوٍّ – وفي باب آخر بمرضٍ – حتى فاته الحج، فحجه تامٌ، وعليه لما ترك من المزدلفة والرمي والمبيت بمنًى وغيره، هَديٌ واحدٌ. وقد قال غيرُ ابن القاسمِ: إنَّ عليه لكل شيءٍ من ذلك هَدياً. قال أبو محمدٍ: قوله: بعدُوٍّ. فابن القاسمِ لا يرى في المحصرِ بعدُوٍّ هَدياً، وأشهب يراه. وإن كان بمرضٍ. فيريد، أنَّه قد أفاض.
قال ابن القاسمِ: وكلُّ طوافٍ نَسِيَ فيه الركعتين، من طوافِ السَّعيِ أو الإفاضةِ، أو طاف عمرته، فذكر بعد أن تباعد من مكة، أو رجع إلى بلده، فليركعهما مكانه ويبعث بهَدْيٍ، وَطِئ النساء أو لم يطأ. وإن ذكره بمكةَ أو قريباً منها، ولم يطأ النساء، فإن كانتا من طواف السعي

(2/387)


وليس بمراهقِ –رجع فطاف، وسعى وأهدَى، وإن كانتا من طواف الإفاضةِ طاف ولا دم عليه، أو كانتا من طواف السعي الذي أخَّره؛ لأنَّه مراهقٌ، أو محرمٌ من مكة، أو كانتا من عمرةٍ، فليطف ويسعَ، ولا دمَ عليه، وإذا وطئ، وهما من أيِّ طوافٍ كان، فذكر بمكة أو قريباً منها، فليطف ويركع، ويسع ما فيه سعيٌ، وعليه عمرةٌ والهديُ، ولو رجع إلى بلده أو بعدَ، فلا يرجعْ، وليركعهما ويبعث بهَديٍ. ونحوه هذا في "العُتْبِيَّة"، من سماع ابن القاسمِ.
قال مالكٌ: ومن نسي الركعتين حتى سعى، فليركعهما وليُعْدِ السعيَ.
وقيل: يأتنف الطوافَ، ويركعُ، ويسعى.
قال ابن حبيبٍ: ومَن نَسِيَ الركعتين، فإن لم ينتقض وضوءه، ركعهما ولم يُعِدِ الطوافَ، وإن انتقض وضوءه، ابتدأ الطواف إن كان واجباً، وهو مخيَّرٌ في التطوعِ.
ومن نَسِيَ طوافَ الإفاضة أو بعضه، أو طاف على غير وضوءٍ، فليرجع له من بلده، إلا أن يكون طاف بعدَه متطوعاً أو مُوَدِّعاً، فيجزئه من كواف الإفاضة. وقاله كله مالكٌ.
ومن "كتاب" ابن المواز، وبعضه أيضاً في "المختصر"، قال مالكٌ: ولا بأس بركعتي طوافِ النافلةِ في الحِجرِ، وقال: لا أحبُّه. وأراه عن هذا رجع.
ومن صلى المكتوبة في الحجر، أعاد في الوقت، فإن ركع فيه ركوعَ الطواف الواجب طواف السعي، أو الإفاضةِ سهواً، أو جهلاً، فليُعِدِ الطوافَ، ويركع، ويسعَ ما فيه السعيُ، وهذا إن كان بمكةَ، أو قريباً منها، وإن تباعد بما في رجوعهِ مشقةٌ، أو بلغ بلده، بعث بهَديٍ وركعهما مكانه، وَطِئَ النساء أو لم يطأ. قال مالكٌ: ولو ركعهما في الحجرِ، ثم

(2/388)


ذكر في بعض السعي، أو بعد تمامه، أحببتُ له أن يعيد الطوافَ، ولو لم بعده وركع ثم سعى، رجوت أن يجزئه، ويأتنف الطوافَ أحب إلي.
قال مالكٌ، في المختصر": وإذا سعى بين الصفا والمروة، فلا يخرجُ من مكة حتى يخرج إلى منًى، إلا أن يرعى بعيره، أو ما أشبه ذلك.
ومن "كتاب" ابن المواز: ومن طاف بالبيتِ لا ينوي فريضةً، ولا نافلةً ثم سعى، فلا يجزئه، ويعيد إن كان قريباً، وإن تباعد فعليه دمٌ. قال محمدٌ: إن عرف ما أحرم عليه، لم يُعِدْ.
قال عبد الملكِ: ومن طاف متطوعاً، وظنَّ أنه قد أفاض، ثم أصاب النساء، ثم ذكر، قال: يجزئه طواف التطوع عنه. قيلَ: فكيف له بالركعتين؟ قال: حسبه أن ينوي بهما الواجب أولا من طواف التطوع.
قال: وسائر أمر الحج، فإنه يُجزئُ تطوُّعُه عن واجبٍ، إلا الصلاة، فلا تكون إلا بنيةٍ.

في الخروج إلى منًى، وإلى عرفة، والصلاة بها
قال ابن حبيبٍ وغيره: وإذا مالتِ الشمسُ يوم الترويةِ، فطُف بالبيت سبعاً، واركع ثم اخرج إلى منًى وأنت تلبي، وإن خرجت قبل ذلك فلا حرجَن فإذا خرجت من منًى إلى عرفة، فلا تجاوز مُحسراً حتى تطلع

(2/389)


الشمس تنير، فإذا جئت عرفة، فانزل نَمِرَةَ، فإذا زالتِ الشمسُ، فرُح منها إلى مسجد عرفة.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: وأكره المُقامَ يومَ الترويةِ بمكةَ إلى أن يُمسيَ، إلا من شغلٍ.
قال مالكٌ: ومن أدرك الجمعة بمكة يوم التروية؛ من مكيٍّ وغير مكيٍّ – قال في باب آخر ممن أقام بها أربعة أيامٍ – فعليهم أن يصلوا الجمعة قبل أن يخرجوا. قال ابنُ القاسمِ: يريد ممن يتم الصلاة. وقال أصبغُ: فأما المسافر فليس ذلك عليه، وأحب إليَّ أنْ لو فعل. قال محمدٌ: وكان أحب إلي خروجه إلى منًى، ليدرك بها الظهر، والعصر، وإنما تكلم مالكٌ على من لم يفعل، حتى أخذه الوقت.
قال ابن القاسم: قال مالك: ويغدو الإمام والناس إلى عرفة بعد طلوع الشمسِ، ولا أرى بأساً للضعيف ومن بدابته عِلَّةٌ، أنْ يغدوَ قبل ذلك.
قال مالكٌ: والحج على الإبلِ والدوابِّ أحب إليَّ من المشي لمن لم يجد ما يتحمل به، وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: ومن غدا من منًى إلى عرفة، فله أن يُكبرَ أو يلبِّيَ، كلُّ ذلك واسعٌ.
ابنُ القاسمِ: قال مالكٌ: ومَن فاته أن يجتمع بين الصاتين بعرفة. قال في "العُتْبِيَّة": ومن قويَ على ذلك، فليجمع بين الصلاتين في رحله إذا زالت الشمس، ويتبع في ذلك السُّنة. قال في "كتاب" محمدٍ:

(2/390)


وكان القاسمُ ربما صلَّى في رحله، وربما صلَّى مع الإمام. وقال ابن حبيبٍ: ولا ينبغي لأحدٍ أن يتركَ جميع الصلاتين بعرفة مع الإمامِ.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال أشهبُ: ومن جاء والإمامُ يصلي بعرفة، فلم يدرِ أي صلاةٍ هي، فدخل ينوي صلاة الإمامِ، فلا يجزئه.
قال مالكٌ: ومن صلى في رحله يوم عرفة كَفَتْهُ الإقامة لكل صلاةٍ.
لمالكٍ: أيتقدم أحدٌ من مسجد عرفةَ قبلَ الإمامِ، فإنَّ الأكرياء يفعلونه؟ قال/ إن ذلك ليكون ما لم يسرعوا.
ومن "المجموعة": قال أشهب: وإذا قطع المحرم التلبية بعرفة، فليهلل، ويكبر، ويذكر الله.
قال أشهبُ: ولا أكره تقديم الناس أثقالهم إلى منًى وإلى عرفة، وإن شاء من عرفة في رجوعه ومن مزدلفة وفي أيام منًى، ولا يُسئل عن تقديم مَن حجَّ، فقد اُرخصَ في تقديم النساء والصبيان وضعفةِ الرجالِ، من مزدلفة إلى منًى قد فعله النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن حبيبٍ: ويجمع بين الصلاتين بعرفة، ويبدأ بالخطبة إذا زالت الشمسُ، أو قبل الزوال بيسيرٍ قدرَ ما يفرغ من الخطبةِ، وقد زالت الشمسُ. قال أبو محمدٍ: في قول ابن حبيبٍ هذا نظرٌ؛ لأنَّه قال ألاً: فإذا زالت الشمسُ، فرُح إلى مسجد عرفة. وقال ههنا: يخطب بمقدار أن

(2/391)


تزول الشمس بعد الخطبة. وقال: يؤذن إذا جلس في الخطبة. والأذان يجب إلا بعد الزوال.
وقال أشهب في "كتبه": إذا خطب قبل الزوال، لم يجزئه، وليُعِدِ الخطبة، إلا أن يكون قد صلَّى الظهر – يريد بعد الزوال – فتجزئه.
قال ابن حبيبٍ: وإذا جلس في الخطبة الأولى، أذَّن المؤذن، ثم يخطب الثانية ثم يقيم، فإاذ جمع بهم ركب، فليرتفع إى عرفاتِ، فيقف عند الهضابِ، راكباً. والناس معه، وقد رُوِيَ في الجمع بينهما بأذانين وإقامتين، ورُوِيَ بأذان وإقامتين. وبهذا أخذ ابنُ الماجشون، وقاله ابن القاسمِ، وسالمٌ. قال ابن المواز: قال ابن شهابِ: ويُهْجِرُ بالصلاةِ يوم عرفة.

في الوقوف بموقف عرفة والدَّفعِ
منها، والمبيتِ بمزدلفة والدفع منها، والوقوف بالمشعرِ
قال ابن حبيبٍ: فإذا تمت الصلاة بعرفة، فجدَّ في التهليل والتكبير والتحميد، وقاله سحنون وأشهب. قال ابن حبيبٍ: ثم اشتدَّ إلى الهضاب من سفحِ الجبلِ، وحيث يقف الإمام أفضل، وكل عرفة

(2/392)


موقفٌ، وعرفة في الحِلِّ، وعرفة في الحرمِ، فبطن عُرَنَةَ الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالارتفاع منه، وهو بطن الوادي الذي فيه مسجدُ عرفة، وما قاربه لا يُوقف في ذلك الوادي، وهي ثلاثُ مسايلُ يسيلُ منها الماء أقصاها يلي الموقف، ورُوِيَ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه بالدعاء عَشيَّةَ عرفة، واستحبَّ مالكٌ أن يقف راكباً، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ومن وقف قائماً فإذا أعيا فليجلس.
قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ في "العُتْبِيَّة"، في الماشي إذا هبط من بطنِ مُحَسِّرٍ: أن يسعى على قدميه كما يفعل الراكب، ويدعو بعرفاتٍ قائماً، فإذا أعيا جلس.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: ويقف راكباً أحب إليَّ. محمدٌ: كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. قال مالكٌ: وأما الماشي، فأحب إليَّ أنْ يدعوَ قائماً فإذا أعيا جلس، وفي "المجموعة"، نحوه. قال مالكٌ: ولا أحب أن يقف على جبال عرفة، ولكن مع الناس، وليس في موضعٍ من ذلك فضلٌ إذا وقف مع الناسِ، ومَن تأخر عنهم فوقف دونهم، أجزأه. محمدٌ:

(2/393)


إذا ارتفع عن بطنِ عُرنة. قال مالكٌ: ولم يُصِبْ من وقف بمسجد عرفة.
قيل: فإن فعل حتى وقع؟ قال: لا أدري. قال أصبغُ: لا حج لهن واراه من بطن عرنة، ووقف ابنُ عبد الحكمِ كما وقف مالكٌ.
قال ابن حبيبٍ: فإذا رغبتَ وسألت فابسُطْ يديك، فإذا رهبت واستغفرت وتضرَّعْتَ، فحولهما، فلا يزال كذلك مستقبل بالخشوعِ والتواضعِ والتذللِ وكثرة الذكر، بالتهليل والتكبير والتحميد والتمجيد والتسبيح والتعظيم والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء لنفسك ولأبويك، والاستغفار.
قال ابن حبيبٍ: فإذا دفعت من عرفة، فارفع يديك على الله، سبحانه، وادفع عليك السكينة وامشِ الهُوينا، وإنْ كنت راكباً، فالعنقَ، فإن وجدت فُرجةً، فلا بأس أن تحرِّكَ شيئاً، وأكثر من ذكر الله وتحميده وتهليله، وتمجيده في مسيرك وفي مبيتك بمزدلفة ومقامك في منى، كما كمنت تفعل بالتلبية من رفع الصوتِ.
ومن "كتاب" ابن عبدوسٍ، قال ابن الماجشون: ولا أحب أن يتعمَّدَ الوقوف بعرفة بغير طهرِ، وكل المناسكِ تحضرها الحائضُ، إلا المسجد والطواف والصلاة.

(2/394)


قال ابن وهبٍ: قال مالكٌ: واستحبَّ بعضُ العلماءِ الغسل للسعي بين الصفا والمروة، ولوقوف عرفة، ولرمي الجمار والمزدلفة، ولا يرون بأساً على من لم يفعل.
قال أشهبُ/: وأحب موقف عرفة إليَ ما قرب من عرفة، ومن مزدلفة ما قرب من الإمامِ، وقال عطاءٌ: من أدرك أن يقف على أول من جبال عرفة مما يلي مكة إلى عرفة قبل الفجرِ، فقد أدرك الحج.
قال مالكٌ: ولا أُحبُّ أن ينزل يوم عرفة في الموقف عن بعيره، وهو أحب إليَّ، وإن وقف قائماً، فله أن يستريح إذا أعيا. قال أشهبُ: وإن وقف بنفسه، ولا علة بدابته، فلا شيء عليه. وكره مالك أن يستظلَّ يومئذٍ من الشمس بعصاً ونحوها.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالك: ومن دفع قبل الغروب، فإن رجع فوقف قبل الفجرِ، أجزأه ولا هَدي عليه. وقال أصبغُ: وأحب إلينا أن يهديَ، وليس بواجبِ. قال مالك: وإن لم يرجع حتى طلع الفجرُ، فعليه حجٌّ قابلٌ والهَديُ.
قال ابن القاسمِ، وأشهبُ: ومن تعمَّدَ تركَ الوقوفِ حتى دفع الإمامُ، ثم وقف بعد ذلك، فعليه الهدي. قال: ومن دفع قبل الغروب، إلا أنه لم يخرج من عرفة
حتى غربت الشمسُ، فعليه الهَديُ.
قال مالكٌ: ومن دفع قلب الغروب مثل الإمامِ، أجزأه، ومع الإمام أحب إلينا ما لم يتأخر.
قال في "المختصر": ولا بأس أن يتراخى الناس بالدفعِ ما لم يُسرفُوا،

(2/395)


ومن دفع من عرفة، فلا ينزل تلك المياه، يتعشَّى، ويقضي حاجته.
ومن "كتاب" محمدٍ: ومَن أتى عرفة ليلاً، فليقف ويدعُ ولا يؤخر الصلاة إلى المزدلفة، محمدٌ: ومن بعرفة مارًّا شقَّها ليلاً، ولم ينزلْ، فذلك يُجزئه إذا عرفها نَوَى الوقوف بذلك وإلا بطل حجُّه.
ومن أتى قرب الفجرِ، وقد نسي صلاةً، فإن صلاها طلع الفجر، ولم يقف، فإن كان قريباً من جبال عرفة وقف وصلى، وإن كان بعيداً بدأ بالصلاةِ، وإن فاته الحجُّ.
وبلغني أنَّ محمدَ بنَ عبد الحكمِ قال: إنْ كان من أهل مكةَ وما حولَها، فليبدأ بالصلاةِ، وإن كان من أهل الآفاقِ مضى إلى عرفة، فوقف، وصلى.
ومن "العُتْبِيَّة"، أشهب عن مالكٍ: ومن جاء مكةَ عشيَّةَ عرفة فخرج إلى عرفة، فتغرب عليه الشمس، أيصلي مكانَه، أم يؤخر حتى يقف بعرفة، ويرجع إلى المزدلفة؟ قال: بل يصلي الصلاة لوقتها.
ومن "كتاب" ابن المواز: ومن وقف به مُغَمًى عليه، أجزأه، ولا دمَ عليه، قال أشهبُ: وقيل: لا حج عليه، كمن فاته الحج.
ومن "المجموعة"، قال ابن نافعٍ: لا يجزئه، قال أشهبُ: إلا أنْ يقفَ غيرَ مغمًى عليه بها، حتى صدروا، فيجزئه، ولا دم عليه. قال

(2/396)


ابن الماجشون: إن أُغمِيَ عليه بعد الزوال. فوقف به حتى صدروا. أجزأه. وإن أغمِيَ عليه قبل الزوال، فلم يُفِقْ حتى الفجرِ، فقد فاته الحج. قال ابن حبيبٍ: قال ابن القاسم، وأشهبُ: وإن أُغميَ عليه قبل الزوال. وقال ابن الماجشون، ومطرِّفٌ: يجزئه، إلا أن يغمَى عليه بعدَ الزوال، وإن كان ذلك قبل الوقوفِ، فإنه يجزئه، وروياه عن مالكٍ، واحتجَّا بإغماء الصائمِ قبل الفجرِ، وبعده.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: ومَن صدرَ، وبه أو بدابته علة، لا يقدر يسيرُ بسيرِ الناسِ، فليُصَلِّ الصلاتين قبل المزدلفة، ولا يصلِّ حتى يغيب الشفق، فيجمع بينهما.
قال ابن القاسم: ومن صلَّى قبل يأتي المزدلفة، وهو يسير بسيرِ الناسِ فليُعِدْ إذا بلغها. قال أشهبُ: لا يعيد – بئس ما صنع – إلا أن يكون صلى قبل غيبوبة الشفقِ، فليعد، العشاء أبداً. قال محمدٌ: وقول ابن القاسمِ أحب إلينا. قال ابن حبيبٍ: هو كمن صلَّى قبل الوقتِ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم "الصلاةُ أمامَكَ".

(2/397)


قال ابن المواز: وهذا لمن وقف مع الإمامِ، وأما من وقف بعده، فليصلِّ كل صلاةٍ لوقتها. وقال ابن القاسم: إن طَمِعَ هذا أن يبلغ المزدلفة في ثلثِ الليلِ، أخَّرَ الصلاتين، وإلا صلَّى كل صلاةِ في وقتها. وقال أيضا: يصلي كل صلاةٍ في وقتها. إلا أن يُعجله السيرُ، فيجمع بينهما.
قال أشهبُ: عن مالكٍ، وفي "العُتْبِيَّة": ومن وصل إلى مزدلفة، فليبدأ بالصلاةِ قبل يَحُطُّ رواحله وزوامله، إلا مثلَ الرجلِ الخفيفِ، فليحطه قبل الصلاةِ.
وقال أبو محمدٍ: قال أشهبُ في "كتبه": ومن أتى المزدلفة، فله حَطُّ رَحلهِ قبل الصلاة، وحَطُّه له بعد أن يصليَ المغربَ أحب إليَّ. ما لم يُضطرَّ إلى ذلك؛ لما بدابته من الثقلِ، أو لغير ذلك من العذر، فإذا صلى المغرب، حَطَّ رَحله إن شاء قبل يصلي العشاء، وإن لم يكن بدابَّته ثِقَلٌ؛ لأن ذلك قريبٌ، لا تفاوت فيه بين الصلاتين، ولا يتعشَّى قبل أن يصليَ المغرب – وإن خفَّفَ عَشاءه – وليُصَلِّ المغربَ ثم يتعشَّى قبل أن يصليَ العشاء، إن كن عشاؤه خفيفاً، وإن كان عشاؤه فيه طُولٌ، فليؤخره حتى يُصلِّيَ العشاءَ، أحب إليَّ.
وذكر عبد الرحمن بن يزيد النَّخَعِيُّ أنَّ ابنَ مسعودِ، لمَّا نزل بالمزدلفة، صلى بهم المغرب، قال: ثم وضعنا أرحالنا، وتعشينا. ثم صلى العشاء، وفي حديث مالكٍ، في "الموطأ" أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب

(2/398)


بمزدلفة، ثم أناخ كل إنسانٍ بعيره في منزله، ثم أُقيمت العشاء، فصلاها، ولم يُصَلِّ بينهما شيئاً.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال محمدٌ: قال أشهبُ: عن مالكٍ، ومن أدرك بالمزدلفة من المغرب ركعةً، فليقضِ إذا سلَّم الإمامُ ولا يقطعْ.
قال ابن حبيبٍ: ومن شاء صلَّى ليلة المزدلفة مع ألإمامِ، وغن شاء في رحلهِ، ومع الإمام أفضلُ. والشأن أن يصلِّيَ الإمامُ بها الصبحَ حينَ ينصدعُ الفجرُ.
ومن "كتاب" ابن المواز: ومن وقف بمزدلفة مغمًى عليه أجزأه، وإنما اختلف ابن القاسمِ وأشهب في عرفة. قال أشهبُ: وإذا لم يزل بمزدلفة حتى طلع الفجر، فعليه الهَديُ، وغن كان من ضعفةِ الرجال والنساءِ والصبيان. وقال ابن القاسم: إن نزل بها بعد الفجرِ، ما لم تطلع الشمسُ، فهو مدركٌ، ولا هَديَ عليه. وليقف بالمشعرِ الحرامِ. ما لم يُسفِرْ جدًّا. وإن دفع الإمامُ، وإنما الذي إلا يقف بالمشعر بعد دفع الإمام، من بات بها، أو وقف معه، فهذا لا يقف بعدُ.
قال: ووقت دفع الإمام من المشعر الإسفار الذي يجوز تأخير الصلاة غليه. قال في "لمختصر": ويدفع إذا كان الإسفارُ الذي يجوز تأخير الصلاةِ إليه.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال: ويُستحبُّ ليلةَ المزدلفة كثرةُ

(2/399)


الصلاة والذكر، وكان ابن عمر يطيل بها التهجد، وكان الناس يستحبون الوقوف على الجبل الذي عليه الإمامُ.
وقال سعيد بن جبيرٍ: وما كان بين الجبلين موقفٌ منها، وقال ابن أبي يحيى: وما صبَّ منه في منًى فهو منها. قال ابن حبيبٍ: المشعر ما بين جبلي المزدلفة، ويقال لها أيضا: جَمْعٌ، وكلها موقفٌ، ولا يرتفع عن بطن مُحَسِّرٍ، ويقف الإمام حيث المنارة التي على قُزَحَ.
قال مالكٌ: ولترفع يديك بالدعاء والذكر، والرغبةِ على الله سبحانه، ويُكثِرُ من التهليل، ويفعل في الدفعِ من المشعر من الذكر والتلبية مثلَ فعلك في الدفع من عرفة، ويُهروِلُ في بطنِ مُحَسِّرٍ. وكان عروة يقول فيه: لا إله إلا أنت، وأنت تُحيي بعد ما أمتَّ.
وقال غيره:
إنْ تغفرِ اللهمَّ تغفرْ جَمًّ ... وإلى عبدٍ لك ألَمَّا
ومن "العُتْبِيَّة"، عيسى، عن ابن القاسمِ: ومن دفع من عرفة بعد مغيب الشمسِ، فتمادى إلى بلده، فإنه يرجع لابساً للثيابِ حتى يفيضَ،

(2/400)


وعليه لجميع ما ترك هَديٌ واحدٌ، بَدَنَةً أو بقرةً، وهذا في باب الفوات.

جامع القولِ في رميِ الجمارِ
ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: لقطُ حصى الجمارِ أحبُّ غليَّ من كسرها، وليس عليه غسلها، قال ابن حبيبٍ: واستحبّ القاسمُ، وسالمٌ أخذها من المزدلفة، ولا باس بأخذها من غيرها، إذا اجتلب ما رمى به، وكان القاسمُ يرمي بأكبر من حصى الخذفِ قليلاً.
ومن "العُتْبِيَّة"، قال عيسى، عن ابن القاسمِ: ووقت الرميِ يومُ النحرِ من طلوع الشمسِ إلى الزوالِ، فإذا زالت، فات الرميُ، إلا العليلَ، أو لمن نَسِيَ. ولو رمى بعد الزوال فلا شيء عليه، ولكن في صدر النهار أصوبُ في ذلك اليوم، وأما في أيام منًى، فمن حين تزول الشمس إلى أنْ تَصْفَرَّ، فإذا اصفرَّت، فقد فات الرمي إلا لمريضٍ أو ناسٍ.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: والرميُ في أيام منًى بعدَ الزوال قبل الصلاةِ، وإن رمى بعد أن صلَّى الظهر أجزأه. قال مالكٌ في "الواضحة ": وقد أساء. قال: ويعيد من رمى قبل الزوال.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: ومَن رمى جمرة العقبةِ، رجعَ، من حيث شاء. قال مالكٌ: ويرميها من أسفلها، ومن لم يصل

(2/401)


لزحامٍ، فلا بأس أن يرميها من فوقها، وقد فعله عمرُ لزحامٍ. ثم رجع مالكٌ فقال: لا يرميها إلا من أسفلها فإنْ فعل، فليستغفر الله. وكذلك في "المختصر": وإذا رماها من أسفلها، فليستقبلها، ومنًى. عن يمينه، والبيت عن يساره، وهو ببطن الوادي. وكذلك كان ابنُ مسعودٍ يفعلُ.
قال: وليرمها كما هو راكباً، إلاّ أنْ يأتيَ قبل الفجرِ، وغن رماها ماشياً، فلا حرج ولا يقف عندَها بعد الرميِ.
قال مالكٌ: وليمشِ في رمي الجمارِ أيام منًى في اليوم الآخر. قل: إنَّ الناس تحملوا براحلتين، قال: في ذلك سعة، ركب أو مشي.
قال: وإذا رمى الأولى، تقدَّم أمامها وأطال الوقوف للدعاءِ، ويرمي الوُسطَى، وينصرف عنها ذات الشمال ببطنِ المسيلِ، فيقف أمامها مما يلي يساره، ووجهه إلى البيتِ، فيفعل كما فعل في الأولى، وليكثر الوقوف عندَها. وكان القاسمُ، وسالمٌ يقفان عندَهما. قدرَ ما يقرأ الرجل السريع سورة البقرةِ. قال ابن عبد الحكمِ: وهو موضع ذلك.

(2/402)


قال مالكٌ: ويرفع صوتَه بالتكبير عند الجمارِ. قال ابن القاسم، وأشهبُ: ويُطيلُ الدعاء.
قال ابن حبيبٍ: ورُوِيَ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل عند الأولى القيامَ، ويقومُ عند الوسطى دون ذلك، ولا يقوم عند العقبةِ. وكان ابن مسعودٍ يقفُ في الولى للدعاءِ قدرَ البقرةِ مرتين، وعند الثانية قدرَ قراءتها مرة. وكان قيام ابن عمر فيهما قدرَ قراءة البقرةِ. قال ابن حبيبٍ: والوقوف في الثانية دون الأولى.
وكان ابن مسعودٍ كلما رمى أو عمل شيئاً من أمر الحجِّ، قال: اللهمَّ اجعله حجًّا مبروراً وذنباً مغفوراً.
وأيام مِنًى أيام ذكرٍ، قال الله: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ}، وهي أيام منًى، والمعلومات أيام النحرِ لقولهِ: {عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}.
وقال مالكٌ: وليعلن الحاج التكبير أيام منًى ويذكر الله؛ لقوله {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} الآية، فكان ابنُ عمر يكبّرُ

(2/403)


أول النهار في قُبَّتِهِ أو حيث كان من منًى رافعاً صوتَه، فيكبِّرُ الناسُ بتكبيرِهِ، ثم يكبِّرُ إذا ارتفع انهار كذلك، ثم يكبِّرُ إذا زالتِ الشمسُ كذلك، ويكبِّرُ الناسُ حتى تَرْتَجَّ منًى بالتكبير، حتى يبلغ ذلك مكة وبينهما ستةُ أميالٍ. ثم يكبِرُ بالعشاءِ كذلك أيام منًى كلها. فأما أهلُ الآفاقِ، فإنما يُظهرونَ التكبيرَ في غُدُوُّهم إلى المصلى، وفي دبرِ الصلوات.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: وإذا رمى في اليوم الثالث، فلا يقيم بعد رميه، ولينفذْ ويصل في طريقه، وإذا كان له ثقلٌ وعيالٌ، فله أن يؤخر ما لم تصْفَرَّ الشمسُ، ولا يصلى لك اليوم بمسجدِ منًى غيرَ صلاةِ الصبحِ.
وذكر مثله ابن القاسمِ، عن مالكٍ في "العُتْبِيَّة": وقال: لا يرمي، ويرجع إلى ثقله، فيقيم فيه حتى يتحمل.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال أصبغُ: والسنة للإمامِ أن يرميَ الجمرة الآخرة عند الزوال، ويتوجَّه فاصلاً، وقد أعاد رواحله قبل ذلك، أو يأمر من يلي ذلك له، ولا يرجع إليه.
قال مالكٌ: أُرخِصَ لرعاة الإبلِ أن يرموا يومَ نحرِ العقبة، ثم يخرجوا، فإذا كان اليومُ الثاني من أيام منًى – يومُ نفرِ المتعجل – أتَوْا يرمون الجمار لليوم الماضي ولليوم، ثم لهم أن يتعجَّلُوا، فإن أقاموا، رَمَوا للغدِ مع

(2/404)


الناسِ. محمدٌ: فإن دعوا النهار ورَموا الليل، أجزأهم، ورُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص في ذلك.
قال عبد الملك: ومَن ترك جمرة العقبةِ، أول يومٍ، ثم رماها من الليلِ أو من الغدِ بغيرِ نيَّةٍ، لقضاء ما نَسِيَ منها؛ أنه يجزئه كلُّ ما فعله من أمر الحج تطوعاً لا ينوي به القضاء، إلا الصلاة فلا تجوز إلا بنيةٍ.
قال: وخالف عبدُ الملكِ أصحابه؛ فقال: وإن لم يَرْمِ العقبة في شيءٍ من أيام الرميِ بطل الحج. وكذلك ذكره عنه ابن حبيبٍ، وزاد عنه، فإنْ لم يرمها يومَ النحرِ حتى أمسى، فعليه دمٌ ويرميها في ليلته، وإن ذكرها في اليوم الثاني أو قبل انقضاء أيام منًى، رماها، وعليه بَدَنَةٌ، فإن لم يذكرها حتى زالت أيام منًى بطل حجه، فإن ذكر منها حَصاةً إلى مَيِّتٍ ثم ذكرها في أيام منًى، فليرمِ منها ما نسي فقط وعليه دمٌ. وإنما عليه بَدَنَةٌ لو ذكر رميها كلَّه.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: وإن ذكر بعد أيام منًى حصاةً، ذبح شاةً، فإن كانت جمرة ذبح بقرةً. محمدٌ: وإن كانت الجمارَ كلها. فبدنة. قال عبد الملك فيمن ترك حصاةً إلى بيتٍ، فإن كانت سبعاً فهو كالجميعِ. وعليه بدنةٌ ما لم يكن جمرة العقبةِ.

(2/405)


قال محمدٌ: ومن ذكر في اليومِ الثالثِ قبلَ أن يرمي أنه لم يرمِ لأول يومٍ من أيام الرميِ إلا ستَّ حصياتٍ لكلِّ جمرةٍ. قال ابن القاسمِ، وأشهب: فليرمِ لأول يومٍ بحصاةٍ وللاثنين بسبعٍ سبعٍ، وكذلك إن كان رمى ليومه هذا، عند ابن القاسم، ثم يعيد رميَ اليومِ. وقال أشهبُ: إذا ذكر بعد الزوال أعاد رميِ أول يوم كله، ورمي اليومِ.
قال ابن القاسم: ومن صدر في اليوم الرابع ثم ذكر أنه لم يرمِ، فليرجع فيرمِ ما لم تغبِ الشمسُ، فإن لم يقدر أن يرمي إلا جمرة أو جمرتين حتى غابت فليرم ما أدرك، وعليه في الآخرة دمٌ.
ومن "كتاب" محمدٍ، و "العُتْبِيَّة": ابن القاسم، قال مالكٌ: وإذا شكَّ في حصاة من الأولى بعد أن رمى، فليرمها بحصاة ثم يعيد الجمرتين بعدها، فسبع سبعٌ، وأما إن بقيت بيده حصاة أو حصاتين، لا يدري من أيتهما هي، فليبتدئ الرميَ من أوله بسبعٍ سبعٍ، وقد قال: إنها مثلُ الأولى.
قال ابن القاسمِ: وإن رمى الآخرة، ثم الوسطى، ثم الأولى، أعاد الوسطى، ثم الآخرة، ولو رمى الأولى ثم الآخرة ثم الوسطى أعاد الآخرة.
قال ابن المواز: وإن رمى الجمار بحصاةٍ حصاةٍ كل جمرةٍ حتى أتمها بسبعٍ سبعٍ، فليرمِ الثانية بستٍّ، ثم الثالثة بسبعٍ، ومن نفذت حصاه ثم رمى بحصاةٍ من الجمرةِ، فلا أحب له ذلك، وقد أجزأه، قاله

(2/406)


ابن القاسم. وقال أشهبُ: لا يجزئه.
قال مالكٌ: وأحبُّ إليَّ للمريض – إنْ طمع بصحةٍ – أن ينتظر بالرميِ آخر أيام الرمي، فإن لم يرجُ ذلك، فلا يؤخر، وليرمِ عنه ويهدِ، فإن صحَّ في أيام الرمي، أعاد ما رُميَ عنه وأُهديَ، يريد عما مضَى. وقال أشهبُ: لا هَديَ عليه إذا أعاد ما رُميَ عنه، وقاله عطاءٌ.
واختلف قولُ ابن القاسمِ، في وقوف الرمي عن المريض للدعاءِ، فقال: يقف عنه. وقال: لا يقف. وقال أشهبُ: يقف عنه إذا لم يرمِ المريض، حتى غربت الشمسُ، ثم ركب فرمى، فعليه دمٌ.
ومن "العُتْبِيَّة"، ابن القاسمِ، عن مالكٍ: ومَن أفاض بعدَ رميِ الجمرةِ فأقام بمكة وكان مريضاً، فلم يرجع إلى منَى ولا رمى حتى ذهبت أيام منًى فقال: عليه بدنَةٌ فإن لم يقدر، فما استيسر من الهَديِ، يريد: شاة. قيل: إن قوماً قالوا: لو رمى بعد أيام منًى؟ قال: هذا خطأٌ.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال ابن وهبٍ: وليس على من رمى الجمار على غير وضوءٍ إعادةٌ، ولكن لا يتعمد ذلك، ولم يرَ عطاءٌ، والشعبي بهذا بأساً. وكان لبن عمر يغتسل لرميِ الجمار. وقال ابن أشهبٍ: لا يرمي إلا وهو طاهرٌ. قال عطاءٌ، ومجاهدٌ: وتتوضأ الحائض إذا توجهت إلى شيءٍ من ذلك.
قال ابن حبيبٍ: ومن نسي رمي الجمار إلى بعد يوم النحرِ، رمى الساعة

(2/407)


ذكر، ولا دم عليه، إلا أن يذكر ذلك بعد الصدر وزوال أيام منًى، فليبتدئ، وإن ذكر بعد أن صدر قبل غروب الشمسِ، رجع فرمى، وعليه دمٌ، لأنه رمى بعد الصدرِ، وإنما يعتدُّ بأن يرميَ الأولى بسبعٍ، ثم الثانية ثم الثالثة لأول يومٍ ثم يعود، فيرميهم. هكذا عن اليومِ الثاني، ثم عن الثالثِ، ولا يرمي الأولى، ولا غيرها عن الثلاثة أيامٍ في مرةٍ.
ومن "العُتْبِيَّة"، قال يحيى بن يحيى، عن ابن وهبٍ، عن مالكٍ، فيمن نسيَ الرميَ يوماً، أو يومين، ثم ذكر، قال: يرمي في اليوم الثالثِ لليومين الماضيين، ويُهدي.
قال ابن وهبٍ: إن كان متعمداً، فليقضِ، ويُهدِ، إن كان ناسياً، فلا هدي عليه، إلا أن يذكر بعد أيام الرميِ، فليهدِ في العمدِ والسهوِ، وإذا أدرك في اليوم الثالثِ، فلا يرمي الأولى ليومين، ثم الثانية كذلك، والثالثة. ولكن يرمي عن أول يومٍ جميعهن، ثم يبتدئ كذلك للثاني.
قال: وكان أحب إلى مالكٍ في تاركِ جمرةِ العقبةِ شاة، وفي جمرتين بقرةٌ، وفي الثلاث بَدَنَةٌ، ويرى أنَّ أدنى الهَدي في ذلك يُجزئُ أيضاً.

(2/408)


ومن سماع ابن القاسم: ومن نسي أن يرميَ نهاراً ورمى ليلاً، فلا هَديَ عليه، ثم رجع، فقال: يُهدي. قاله ابن القاسم.
قال ابن حبيبٍ: قال مالكٌ: ومَن أخطأ حين أفاض من عرفة، فلم يأت منًى إلا بعد يومِ النحرِ بيومٍ، أو يصيب امرأةً بعفة، أو مزدلفة، فلم يأتِ منًى إلا بعد يومِ النحر بيومٍ، فليرموا، وعليهم هَدْيٌ.

جامع القول في الحلاقِ، والتقصير للحاجِّ
والمعتمر، وما يَحِلُّ للحاجِّ برميِ الجمرةِ
من "كتاب" ابن المواز، قال عروة: ول يجاوز أحدٌ جمرة العقبة، حتى يحلق. قال عبد العزيز بن أبي سلمة: لا ينبغي لأحدٍ أن يحلق خلفَ العقبةِ.
قال مالكٌ: ومن رمى جمرة العقبةِ يوم النحرِ، فقد حل له كل شيءٍ إلا النساء، والطيب، والصيدَ. وقاله عليُّ بن أبي طالبٍ. وقيل: إنَّ عمر لم يذكر الصيدَ في خطبته، لأنه ليس من شأن أهل منًى، وإنما شانهم ما بحضرتهم. قال مالكٌ: واراه لهذا لم يذكره.
قال مالكٌ: وإذا أفاض بعد الرميِ حل له كل شيءٍ، من النساءِ، والطيبِ، والصيدِ، وكل شيءٍ.
قال مالكٌ: ومن الشأنِ أن يغسلَ رأسَه بالغاسولِ والخِطميِّ، حين يريد أن يحلق، ولا باس أن يتنوَّرَ، ويقصَّ أظفاره، ويأخذ من شاربه، ولحيته قبل أن يحلقَ، وإذا رمى، فله لبس الثيابِ في الإفاضةِ.

(2/409)


قال ابن القاسم في المعتمر يغسل رأسه قبل أن يحلقه، أو يقتل شيئاً من الدوابِّ، أو يلبس قميصاً بعد تمام السعي، قال: أكره ذلك له.
قال مالكٌ: ولو وطئ قبل أن يحلق كان عليه عمرة ثانية، وقال في بابٍ آخر: ليس عليه إلا الهدي. وقال في "العُتْبِيَّة": يبتدئ. وقال ابن حبيبٍ، عن مالكٍ: إذا لبس المعتمر الثيابَ، أو مسَّ الطيبَ، أو النساءَ، قبل أن يحلق، أو يُقَصِّرَ، فلا شيء عليه.
محمدٌ: قال مالكٌ: وليُعَجِّلِ الحاجُّ حِلاق رأسه إذا رمى، وكذلك المرأة تُعَجِّلُ التقصير. فإن أفاض قبل أن يحلق، فإن ذكر في أيام منًى، حلق شيء ولا عليه. وإن ذكر بعدَها حلق وأهدى. قال ابن القاسمِ: إذا تباعد ذلك بعد الإفاضةِ، أهدى، وليس لذلك حدٌّ. وإن ذكر وهو بمكة قبل أن يفيضَ، فليرجع حتى يحل ثم يفيض.
ومن "المختصر": ومن أفاض قبل الحِلاقِ، فقد اختُلفَ فيه؛ فقيل: يرجع فيحلق، ثم يفيض، فإن لم يُفِضْن فلا شيء عليه. وقيل: ينحرُ، ويحلقُ، ولا شيء عليه. والأول أعجبُ إلينا.
ومن "العُتْبِيَّة"، ابن القاسمِ، عن مالكٍ: ولا يتنفل أحدٌ بطوافٍ، وقد لزمه الحلاق، حتى يحلقَ، فإن وطئ قبل يحلق أو يقصِّرُ، فعليه هَديٌ قرُب أو بعُدَ.
والمرأة كذلك كان في حجٍّ أو عمرةٍ.
ومن "الكتابين": ومن نسيَ الحِلاقَ أو التقصيرَ، أو امرأة أقامت سنين نسيت التقصير أو جهلته، فليُهدياه، وتقصِّرُ المرأةُ. ويحلق الرجلُ.

(2/410)


مالكٌ: ولا بأس لمن طاف لعمرته ليلاً، أن يؤخر حِلاقه حتى يصبحَ، ولكن لا يتنفل بطوافٍ حتى يحلقَ، قال اصبغُ: فإن فعل فلا شيء عليه.
قال ابن القاسمِ، في "العُتْبِيَّة": قال مالكٌ: إذا تأخر المعتمر بالليلِ حَلاقه إلى الصباح، فلا يتنفل بطوافٍ حتى يحلق، وكذلك فعل ابن عمر.
وإن عجَّل حلاقه، فهو خيرٌ له، وإن أخَّره، فواسع، وقد فعله القاسم.
قال مالكٌ: ولا يلبس الثيابَ حتى يحلقَ، فإن فعل، فلا شيء عليه، وإن أتم عمرته، ثم أحرم بالحجِّ، ذم ذكر أنه لم يقصر، فعليه هَدْيٌ لذلك مع هَديِ التمتعِ.
ومن "الكتابين"، قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ: ولا أرى للمعتمر أنْ يدخل الكعبى حتى يحلق. قال في "كتاب" محمدٍ: فإن فعل، فذلك واسعٌ.
قال في "العُتْبِيَّة": ولا يطوف ولا يقرب البيت حتى يحلق. قال في "المختصر": ولا يدخل البيت حتى يحلق، فإن فعل، فلا شيء عليه فذلك واسعٌ.
قال مالكٌ: وليس تقصير الرجلِ أن يأخذ من أطراف شعره، ولكن يَجُزُّ ذلك جَزًّا، وليس مثل المرأةِ، فإن لم يَجُزَّه وأخذ منه، فقد اخطأ ويجزئه.

(2/411)


ومن "الكتابين": قال مالك وحلاق المعتمر أحب إلينا، إلا أن يقارب أيام الحجِّ، فليقصر أحب إلينا. قال محمدٌ لموضع حِلاقهِ في الحجِّ: واستحبَّ مالكٌ لمَ، حلق، أن يأخذ من شاربه، ولحيته وأظفاره، وليس بواجبٍ. وقد فعله ابنُ عمر.
قال محمدُ بن كعبٍ في قوله: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ}. قال: حلق الرأسِ.
والأخذ من الشارب واللحيةِ والأظفار، ورمي الجمارِ، والذبحُ، والطوافُ، - وعن ابن عباسِ وعطاءٍ – نحوه وحلق العانةِ، ونتف الإبطِ.
وإذا أرادت المرأة أن تحرم أخرجت من قونها شيئاً للتقصيرِ، فإذا أحلت قصَّرتْ. وجاء عن ابنِ عمرَ: أنَّ نساءً يُقَصِّرْنَ أُنملةً. وقالت عائشةُ: يكفيها قدرُ التطريفِ. قال مالكٌ: وليس ذلك عندَنا حدٌّ معلومٌ، وما اخذ منه الرجل والمرأة أجزأه. قال: والمرأة إذا أذاها أقملُ في رأسها، فلها سَعَةٌ في حِلاقه، وتدع التقصير، قال مالكٌ: وأما الصبية، فتحلق أحب إلي، والتقصير لها جائزٌ. قال عنه ابن القاسم، في "العُتْبِيَّة": إن شاءوا حَلقُوا لها، أو قصَّرُوا.

(2/412)


قال محمدٌ: ومن لم يقدر على حلاق رأسه، ولا التقصير، من وجعٍ به، فعليه هَدْيٌ، بَدَنَةٌ، فإن لم يجد فبقرةٌ، فإن لم يجد فشاةٌ، فإن لم يجدْ، صام ثلاثةَ أيامٍ وسبعةً.
قال ابن حبيبٍ: ومَن حلق قبل أن ينحرَ، فلا شيء عليه عند ابن القاسمِ. وقال ابن الماجشون: يُهدي؛ لقول الله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}. وما ذُكر من قول النبي عليه السلام، إذ سُئلَ، فقال: "احْلِقْ ولا حَرَجَ". يعني: أنَّ حجَّهُ تامٌّ.
قال: ويبلغ بالحلاق إلى عظم الصُّدْغينِ، منتهَى طرفيِ اللحيةِ. وكان ابنُ عمر يأخذ من لحيته حينئذٍ ما جاوز القبضة، ويأخذ من شاربه، وأظفاره، ولا يأخذ من عارضيه.
قال مالكٌ في "المختصر": ومن أخَّر طوافَ السعي، من مراهقٍ وشبهه، فإنَّه إذا رمى الجمرة، فليحلق، ويَحلُّ له ما يحلُّ لمَن طاف وسعى.
وذهب ابنُ الجهمِ، إلى أنَّه إن كان قارناَ، فلا يحلق بعدَ الرميِ، حتى يطوفَ، ويسعَى.
ومن "العُتْبِيَّة"، أشهبُ، عن مالكٍ، في من دخل بعمرةٍ، فحلَّ، وأنشأ الحج من مكة، وأخر الطوافَ، فإنه إذا رمى الجمرة، فله لُبْسُ الثيابِ، قبل أن يطوفَ، ويسعى.

(2/413)


في الإفاضةِ، والتعجل في يومين، وذكر المقام بمنًى أيام منًى، والمبيت بها، وذكر الصيد وذكر المحصبِ
من "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: والتعجل بطواف الإفاضةِ أفضلُ، ولا رمل فيه، وله أنْ يؤخره إلى آخر أيام التشريقِ. قال: وإذا أفاض، وقد رمى، حل له كل شيءٍ، ومن أفاض قبلَ الرميِ، لم يجزئه، وليرمِ، ثم يحلقُ، ثم يفيص ثانية. وإن رمَى ولم يحلق ثم أفاض، فأحبُّ إليَّ قولُ عمر: أن يحلقَ بمنًى ثم يعيد الإفاضةِ، فإن لم يُعِدِ الإفاضةِ، أجزأه.
ولو وطئ امرأته قبل أن يحلق، وقد أفاض، فعليه دمٌ.
قال ابن حبيبٍ، في من رمى ثم أفاض قبل يحلق: فليرجع إلى منًى، فيحلق، أو يقصر، ثم يفيضُ، وغن حلق بمكة، أجزأه، وبمنًى أفضلُ.
ومن "العُتْبِيَّة"، و "كتاب" محمدٍ، قال ابن القاسم عن مالكٍ: ومَن طاف للإفاضةِ، ثم أراد أن يتنفَّلَ بطوافٍ أو طوافين، قال: ما هو من عمل الناسِ، وأرجو أن يكون خفيفاً. ومن فرغ من طواف الإفاضةِ، ثم سمع ألآذان، فواسع له أن يخرج، أو يقيم حتى يصلي.
زاد في "كتاب" محمدٍ: وإن سمع الإقامة، فله أن يَثْبُتَ، ليصلي.
ومن "العُتْبِيَّة"، قال عنه أشهبُ، فيمن أفاض يوم النحرِ، يومَ جمعةٍ، هل يقيم حتى يصلي الجمعة؟ قال: أحب إليّ أن يرجع إلى منًى.

(2/414)


قال ابنُ حبيبٍ: ولمن طاف لإفاضته أن يتنفَّلَ بطوافٍ، أو طوافين قبل أن يرجع إلى منًى.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: وللرجلِ أن يَطَّلِعَ أهلَه بمكةَ أيام منًى، ليُصيبَ منهم، وينظر من ظهر له، ما لم يختلف كل يومٍ، أو يُطِلِ الإقامة.
قال مالكٌ: ومَن بات من وراء العقبةِ في أيام منًى، فعليه دمٌ.
قال مالكٌ: وإذا أفاض يوم الجمعةِ، فأحبُّ إليَّ أن يرجع إلى منًى فلا يقيمُ لصلاةِ الجمعةِ، وإذا طلب الحاجةِ أيام منًى، فلا يبعد إلا مثل الاستقاء وشبهه، ولا أحب أن يتنفل بطوافٍ أيام منًى، بعدَ الإفاضةِ، وخفف الأسبوع والأسبوعين، وما ذُكر انَّ العباسَ، وابن عباسِ كانا يبيتان بمكةَ، فذلك رخصةٌ من النبي عليه السلام لهما لموضع السقايةِ.
قال ابن حبيبٍ: قال ابن الماجشون: ومَن أقام بمكة أكثر ليلتهِ، ثم أتى إلى منًى، فأقام باقيها، أو أقام بمنًى أكثر ليلته ثم مضى إلى مكة، فأقام باقيها حتى أصبح، فلا شيء عليه حتى يبيت ليلةً كاملةً، فعليه دمٌ.
وكان عطاءٌ يقولُ: يجزئه صدقةُ درهمٍ.
ومن "كتاب" ابنِ المواز، قال ابنُ أبي سلمةَ: ليس نزول المُحَصَّبِ بواجبٍ، والفضل فيه. قال مالكٌ: ولا أعلم المحصَّبَ يكون لم، تعجَّلَ في يومين، وقال ابن أبي ذئبٍ، وقاله ابن شهابٍ.
قلا مالكٌ: ومن أراد أن يتعجَّلَ في يومين فذلك له، وذلك في اليومِ

(2/415)


الثاني من أيام منًى، وهو ثالث أيام النحر أن يرمي فيه الجمار، إحدى وعشرين حصاةً، وذلك له ما لم تغرُب الشمس بمنًى، فإن غابت له بمنًى، فليقم حتى يرمي في غدٍ، فإن جهل، فتعجَّل في ليلته، فقد أساء وعليه الهَديُ، وإذا جاوز العقبةَ، ثم غربت الشمسُ، فلا شيء عليه، وإن شاء طاف ليلاً، وانصرف. وقاله اصبغُ.
ومن أفاض في يومين وهو يريد التعجُّلَ، فلا يضرُّه أن يقيمَ بمكةَ حتى يمشي، وكذلك أهل مكة، ومن أفاض وليس شأنه التعجل، فبدا له بمكة أن ينفرَ، فذلك ما لم تغب عليه الشمسُ بمكة، فإن غابت فليقم حتى يرمي من الغدِ، ولو رجع إلى منًى، ثم بدا له قبل الغروبِ أن يتعجَّلَ، فذلك له، وهي السنَّةُ.
ومنه، ومن "العُتْبِيَّة"، ابن القاسمِ، عن مالكٍ: ومن تعجَّلَ فأتى مكةَ، فأفاض، وانصرفَ، فكان مَمَرُّه على منًى، فلم ينفذ منها حتى غابت الشمسُ، فلينفذ ولا يضرُّه. قال في "كتاب محمدٍ": وكذلك لو لم يكن ممره، إلا أنه نسيَ بها شيئاً فرجع له، فغابت له بها الشمسُ، فلينفذ، ولا يضره. قال: وللمتعجل في يومين أن يقيمَ بمكة، ولا يضره. وقال عبد الملكِ: إن بات المتعجل بمكة، فعليه دمٌ، قال محمدٌ: يريدُ: ويرمي من الغدِ، وليس كالمكِّيِّ. لأنه تعجل على بيته.
ومنه، ومن "العُتْبِيَّة"، قال ابن القاسم: قال مالكٌ: أرَى أهلَ مكةَ مثل غيرهم في التعجلِ، ثم استثقله لهم إلا من عذرٍ من تجارةٍ، أو

(2/416)


مرضٍ. قال مالكٌ: ويُعجبني افمامُ الحاجُّ أن يتعجَّلَ.
محمدٌ: قال أشهبُ: فإن فعل، فلا بأس عليه. وأخذ ابن القاسمِ بقوله: إن هل مكة التعجل، كغيرهم. وذهب ابن حبيب على أن المتعجل في يومين، يرمي جمارَ يومهِ ذلك، ثم يرمي في فوره جمارَه لليوم الثالثِ، كما كان يرمي لو لم يتعجل مكانَه. وليس هذا قولَ مالكٍ، ولا اعلم من يهب إليه من أصحابه.
قال ابن المواز: وإنما يصير رميُ المتعجل كله تسعاً وأربعين حصاةً، منها سبعة يوم النحرِ، ولليومين اثنان وأربعون.
قال مالك في "المختصر": ولا باس بالصدر قبل دخول البيتِ.

في قصر الحاج الصلاة بمنًى، وذكر صلاة العيد والجمعة
من "كتاب" ابن المواز، ومن "العُتْبِيَّة"، وهو في كتاب الصلاة أيضاً، قال أشهبُ، عن مالكٍ: ومن أقام بمنًى آخر أيام الرميِ بعد أن رمَى؛ لزحامٍ أو لتبردٍ، أو لغير ذلك. قال في "العُتْبِيَّة": فحانت صلاةُ الظهر بمنًى، فَلْيَقْصُرْ. وكذلك لو رجع غليها بعد الرمي، فأقام حتى صلاة الظهر، فليقصرْ، كان مكيا أو غيره، ممن يريدُ الإقامة بمكة، أو لم يرد، وقد قال قبل ذلك: إنه يُتم. واختلف فيه قول ابن القاسمِ،

(2/417)


وقال أصبغُ: يقصُرُ. وإليه يرجع ابن القاسمِ.
قال مالكٌ: وأهلُ منًى يُتِمُّونَ، ويقصرونَ بعرفة، وأهل عرفة يتمون بها، ويقصرون بمنًى، وليس الحج كغيره، وهو في الحجِّ سفرٌ يَقْصُرُ فيه. قيل له: فمن خرج من مكة، ممن قد أتمَّ بها الصلاة إلى منًى، أيقصر حين يخرج إلى منًى؟ قال: نعم. ثم قال السائلُ: يقصرُ بمنًى، ولا ادري ماذا خرج.
قال مالكٌ: وعلى أهل مكة صلاة العيد، وليس ذلك على أهل منًى.
قال مالكٌ: وإن كان يوم الترويةِ يوم الجمعة، فمن زالت له الشمس بمكة من أهلها، أو ممن أقام بها أربعة أيامٍ، فعليهم أن يصلوا الجمعة، وإن لم يأخذه الوقت، فالخروج إلى منًى أحب إلي، وهذا قد تقدم في باب آخر.
قال مالكٌ: وإذا كان يومُ الترويةِ يوم الجمعة، فليصل الإمام بمنًى ركعتين بغير خطبةٍ ويُسِرُّ القراءة.
قال مالكٌ: وأحب للإمام إن صدر يوم الجمعة، يصلي بأهل مكة الجمعة، ولا يقيم بالمحصَّبِ، وقد فعله عمر بن الخطابِ رضي الله عنه.

(2/418)


في وطء المحرم وتلذذه، وما يفسد من ذلك حجه، أو عمرته، وكيف إن أكره أهله، وفي نكاحه ورجعته، وغسله امرأته وكيف إن وطئ ثم أحرم
قال ابن حبيبٍ في قول الله تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}: فالرفث هاهنا، ما نلذ به من أمر النساء، من تذكر أو ما رجعةٍ أو غيره، ونحوه. وما ذكر منه في ليلة الصيام الجماع. قال مالكٌ: والفُسوق؛ الذبح لغير الله، ورُوِيَ عن ابن عمرَ، وابن عباسٍ، أنها المعاصي كلها، وأنَّ الجدال المراءُ حتى يُغاضب صاحبه. قال مالكٌ: هو ما كان من تفاخر أهل الجاهليةِ بآبائها.
ومن "كتاب" ابن المواز، ابن القاسمِ، قال مالك: ومن نظر إلى امرأته فأنزل، فإن أدام النظرَ فسدَ حجه، وإن كان ذلك في نظره، من غير إدامةٍ، فليس عليه إلا الهدي.
ومنه، ومن "العُتْبِيَّة"، قال ابن القاسمِ: قال مالكٌ: وكذلك الذي يردد التذكر إلى قلبه حتى ينزل، ما أراه إلا وقد فسد حجه، وأما إن تذكر شيئاً، فينزل، فلا يَفْسُدً حجُّه. قال احمد بن مُيَسِّرٍ: ويُهدي.
ومن "الكتابين" قال عنه أشهب: ليس على الذي يتذكر أهلَه حتى يُنزلَ حجُّ قابلٍ، ولا عمرةٌ، وعليه هَدْيٌ بدنة، ويتقرب إلى الله تعالى بما

(2/419)


استطاع من خيرٍ، قال محمدٌ: وبرواية عن ابن القاسمِ، أقول في إدامة ذلك وإدامة النظرة، فأما القُبلة والمباشرة والجسَّة والضمةُ فينزل مكانَه، فقد أفسد حجه.
محمدٌ: وقال مالكٌ: ومن قبَّل امرأته، فلم يُنزل شيئاً فليُهدِ بدنةً، وإن غمزها بيده فأحب إلي أن يذبح في ذلك، وفي كلِّ ما يتلذذ به منها.
قال مالكٌ: ولا يلمس كفَّها تلذذاً، ويُكره أن يرى ذراعيِ امرأته، ولا بأس أن يرى شعرَها، ويُكره أن يحملَها على المحملِ، وإن الناس ليتخذون سلالم، ولا بأس أن يُفتى المحرم في أمور النساء.
ومن "الكتابين"، ابن القاسمِ، عن مالكٍ: وأكره له أن يُقلِّبَ جاريةً للابتياع له أو لغيره. وقال عنه أشهبُ: ولا يَحضُرُ المحرمُ نكاحاً. قال محمدٌ: وقال اصبغُ: فإن حضره أساء ولا شيء عليه.
قال أشهبُ: فإن حضره أساء ولا شيء عليه.
قال أشهبُ: عن مالكٍ: وله – إذا أمِن – أن يمسك بيدِ امرأته، ورُبَّ رجلٍ لا يأمنُ.
قال مالكٌ، في "الكتابين": وللمحرمِ أن يرتجعَ امرأته من طلاقٍ غير بائنٍ.
محمدٌ: قال ابن القاسم، وأشهبُ: وإن تزوج بعدَ رميِ العقبةِ، قبل أن يفيضَ فُسخَ نكاحه. قال مالكٌ: بغير طلاقٍ. وقاله أشهبُ: وقال ابنُ القاسمِ: بطلاقٍ.
قال مالكٌ: ولا ينبغي أني غسل أحدُ الزوجين المُحرمين الآخر، يرى عورته، فإن فعل، وكان عن ذلك مَذْيٌ فليُهْدِ، فإن لم يكن مذيٌ،

(2/420)


فلا شيء عليه، ويُكره له ذلك.
ومن "الكتابين" قال محمد: وإذا أفسد حج الزوجين بالوطءِ، فليفترقا في حج القضاء، من يوم يُحرمان، ولا يتسايران، ولا يجتمعان في منزلٍ، ولا في الجُحفةِ، ولا في مكة، ولا في منًى.
ومن "كتاب" محمدٍ: وإذا طاف معتمرٌ، وسعى على غير وضوءٍ، ثم وطئ، ثم تذكر، فعليه عمرةٌ والهَديُ.
ومن أفسد عمرتَه بالوطءِ، فليُتمَّهَا، ثم لا ينصرف حتى يأتنف العمرةَ ويُهديَ، فإن لم يجد صام ثلاثة أيامٍ وسبعةً. ومن وطئ قبل أن يُحرمَ ثم نسيَ أن يغتسل حتى حلَّ من حجهِ، فليرجع من بلده لابساً للثيابِ، ويتجنب النساء والطيبَ، فيطوف ويسعى، ويهديَ، ولو وطئ، لاعتمر، وأهدى هدياً واحداً عن ذلك كله.
وإذا وطئَ المحرمُ أهلَه مُكرهةً، ثم طلقها، فتزوجت غيرَه، فعلى الأولِ أن يُحجَّها، ويُجبر الثاني على الإذنِ.
ومنه، ومن "العُتْبِيَّة"، ابن القاسمِ عن مالكٍ: ومَن وطئ أمَته – وقد أذن لها – فعليه أن يُحِجَّهَا، ويُهديَ عنها. قال ابن القاسم: والإكراه فيها من السيد، وغير الإكراه سواءٌ، وطَوعها له بالإكراه. قال محمدٌ: قال عبد الملكِ: ولو باعها، لكان ذلك عليه لها. محمدٌ: وهو كعيبٍ تُرَدُّ به، إلا أن يبرأ منه.

(2/421)


وقال عبد الملكِ، ويُهدي عنها، ولا يصوم. قال العتبيُّ: روى عيسى، عن ابن القاسمِ، في مُحرمٍ وطئ أهلَه مكرهةً، وليس معه ما يُهدي عنها وهي مَلِيَّةٌ، فليس عليها هي حج ولا صيام.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال ابن القاسم: ومن أكره زوجته المحرمة، فلم يجد به ويُهدي عنها، فلتفعل هي ذلك، ويُرجع به عليه. فإن صامت لم يُرجع عليه من قبل الهدي بشيءٍ، وكذلك المُدْخِلُ على المحرم شيئاً كرها يوجب الفدية.
وإن أفلس الزوج فللزوجة مُحاصَّةُ غرمائه، بما وجب لها من ذلك، ويُوقف ما يصير لها حتى تَحُجَّ به وتُهدي، فإن ماتت قبل ذلك، رجع بحصة الإحجاج إلى الغرماء، وأنفذ الهدي عنها.
قال مالك: ومن أصاب أهلَه يوم النحر بعد الرمي، وقبل الإفاضةِ، فليعتمر ويُهد. وقاله ابن عباسٍ، وربيعة، وقال ابن عمر: يحجُّ قابلاً. وقاله الحسن، وابن شهابٍ، وقيل عن ابن عباسٍ: يجزئه بدنة. وقال ابن المسيب والقاسم، وسالم، وعطاء: ليس عليه إلا الهدي، وإن أفاض قبل أن يرمي، ثم وطئ قبل الرمي في يوم النحر، أو بعده، فليس عليه إلا الهدي، في قول ابن القاسم، وابن كنانة. وقال أشهب، وابن وهبٍ: إن وطئ يوم النحر في حجه، وإن أفاض إذا لم يرمِ. وقال اصبغُ مثل قول ابن القاسمِ، وقال: وأحب إلي أن يعيد الإفاضةَ، بعد أن يرميَ.

(2/422)


قال محمدٌ: لا يعيد الإفاضة، ولو لم يجزئه لفسد حجه. كذا قال أشهب، وابن وهبٍ، وذكر ابن حبيبٍ، أنه إن وطئَ يومَ النحرِ بعدَ الإفاضةِ، وقبل الرمي، فعليه عمرةٌ والهدي، وإن وطئ بعد يومِ النحرِ، وقد أفاض ولم يرمِ قائماً، عليه الهدي، وذكره عن أصبغ.
ومن "كتاب" محمدٍ، قال مالكٌ، في الذي وطئ بعد الرمي وقبل الإفاضةِ: إن طلقها فبانت منه فتزوج كل واحدٍ منهما قبل أن يعتمر، فنكاحها فاسدٌ، وإن طلقها طلقةً فراجعها في العدة، فلا بأس، فإن انقضت ثم تزوجها، فُسِخَ النكاح، فإن أصابها فلا يتزوجها حتى تستبرئ نفسها، بثلاث حِيَضٍ، من ذلك الماء الفاسد، وكذلك نحوه في "العُتْبِيَّة"، من سماع ابن القاسم، ونحوه في "المختصر"، في تزويجها هي خاصة.
قال أبو بكر الأبهريُّ: إنما فُسِخَ نكاحها؛ لأنها بقيَ عليها الإفاضة؛ لأنها طافته بعد الوطءِ، فلم يتم إحلالها، فبقي عليها أن تبدأ به في عمرةٍ، فكأنها تزوجت، قبل تمام إحلالها.
قال ابن حبيبٍ: قال ابن الماجشون: في من أفسد حجه فيُستحبُّ أن يكونَ الهديُ الذي يلزمه في فساد الحج، أن يكون منعه في حجه القضاء، فإن قدَّمه أداه.
ومن "المحتصر"/ ومَن أصاب أهلَه بعد رميِ العقبةِ، فليتم حجه،

(2/423)


ثم يعتمر من الميقات أحب إلينا، وإن اعتمر من التنعيم، أجزأه.
في من افسد حجه قِراناً أم متمتعاً أو مُفرداً، أو افسد حجه، ثم فاته، أو افسد عمرته ثم تمتَّعَ، أو قضى حجًّا لفساده فأفسده، أو حج عن غيره أو لنذر فافسد
من "كتاب" ابن المواز، و "العُتْبِيَّة": قال أشهب، عن مالكٍ، في قارنٍ أفسد حجه، قال: عليه الهدي لقرانه الآن، ويقضي الحج قارناً، ويُهدي معه هديين، هديٌ لقران القضاء، وهديٌ للفسادِ، فإن لم يجد صام ستة أيامٍ، فإن شاء أفطر بين كل ثلاثةٍ، وإن شاء وصلها، ثم يصومُ أربعة عشر يوماً بعد ذلك. ولو وجد هَدياً واحداً، صام عن الآخر ثلاثة ثم سبعة.
ومن "كتاب" محمدٍ، قال ابو زيدٍ: قال ابن القاسم: فإن أفسد هذا القارن حجه، ثم فاته الحج مع ذلك، فعليه أربع هَدَايا، هديٌ لقرانه الأول، وهديٌ ثانٍ حين صار يعمل عمل العمرةِ، محمدٌ: فكأنَّه وطئ فيها ثم هديٌ لقران القضاء، وهدي للقضاء في الفواتِ، محمد: ورَوَى أصبغُ، عن ابن القاسمِ، إنما عليه ثلاث هدايا. والأول أحب إلينا.
قال مالكٌ: ومن أفسد حجه، ثم فاته، فلا ينبغي أن يقيم إلى قابل على أمرٍ فاسدٍ، وليُحِلَّ بعمرةٍ، ثم يحج قابلاً.
قال ابن القاسم: ومن فاته الحجُّ، ثم وطئ، فليحل بعمرةٍ، ويُهدِ لوطئه فيها، وعليه حجُّ قابلٍ وهَديٌ آخر للقضاء، ولا بدل عليه لهَديِ

(2/424)


العمرةِ؛ لوطئه فيها، كما ليس عليه قضاءُ عمرةٍ إن وطئ في الحجِّ، ثم فاته الحج. وكذلك قال في سؤالٍ آخر، فيمن فاته الحج ثم وطئ في عمرته التي يتحلَّلُ فيها: إنه لا بدلَ إيه. وقاله عبدُ الملكِ، وابن وهبٍ. وليس عليه إلا حجٌّ واحدٌ، وهديٌ للفسادِ، وهديٌ للفواتِ، ولو أصاب صيداً، أو تطيب في هذه العمرة، كان عليه الجزاء والفدية.
قال ابن القاسمِ: وسواءٌ أفسد حجه ثم فاته، أو أفسده بالوطء بعدَ الفواتِ، قبل أنْ يطوفَ، فلي عليه إلا حجٌّ واحدٌ، وهديٌ للفسادِ، وهدي للفواتِ.
قال مالكٌ في رجلٍ حجَّ في وقتٍ خرج فيه حسين بنُ عبد الله، فلما رأى ما رأى، رجع إلى أهله، ورفض إحرامه، / ووطئ، ثم جاء العامُن قال: يدخل على إحرامه الأول، فيعمل عملَ العمرةِ، ثم يحج ويُهدي، لأنَّ حجه الذي أفسده قد فاته، فصارت عمرة. قال محمدٌ: وعليه في هذه التي جعلها عمرة هديٌ آخر، وكأنه وطئ فيها. قاله ابن القاسمِ.
ولو رفض إحرامه من غير عذرٍ، فأصاب النساء والطيبَ والصيدَ، فلكلِّ ما أصاب من لباسِ وطيبٍ فديةٌ واحدةٌ، ولكلِّ صيدٍ جزاؤه، وللوطءِ هديٌ، مع حجٍّ قابلٍ، ومن افسد حجه مفرداً، لم يجزئه أني قضيه قارناً، ولو أفسده قارناً، لم يجزئه أن يقضيه مفرداً، ومن تمتع فافسد حجه، فقضاه مفرداً، فإنه يجزئه، وعليه هديان؛ هدي التمتع، وهدي الفسادِ. وذكره

(2/425)


عيسى، في "العُتْبِيَّة"، عن ابن القاسم، وقال: يُعَجِّلُ هديَ التمتعِ، ويؤخر هديَ الفساد إلى حجة القضاء.
وفي غير "العُتْبِيَّة": ومن حجَّ قارناً، فافسد بالوطءِ، فقضاه مفرداً، متمتعاً، لم يجزئه، وعليه في هذا دَمَانِ، دمٌ للقرانِ، ودمٌ للمتعةِ، ويقضي قابلاً قارناً، ويُهدي أيضاً هديين. والمتمتع إذا فاته الحج، فإنما عليه حجٌّ واحدٌ قابلٌ، فإن فاته وأفسده، فعليه هديان مع القضاء مفرداً. ورأيت لعبدِ الملكِ، ابن الماجشون، في غير "كتاب" ابنِ الموازن أنَّ من أفسد حجه مفرداَ، فقضاه قارناً، أنه يجزئه.
ومن "كتاب" ابن المواز: ومن حلَّ عمرته، وانصرف ثم ذكر السعيَ، فليرجع حراماً، فيطوفَ ويسعى، ويُهديَ للتفرقةِ، وعليه فديةٌ.
ولو وطئ لأت عمرته هذه، وقضاها وافتدى، وهديٌ واحدٌ يجزئه عن الفسادِ والتفرقةِ. قال أشهبُ: ومن افسد عمرته ثم حلَّ ثم حجَّ من عامه قبل يقضي عمرته، فحجه جائزٌ وهو متمتعٌ، وعليه هديُ التمتعِ، ثم يقضي عمرته، ويُهدي هدياً آخر.
قال محمدٌ: فإن لم يُتمَّ عمرتَه الفاسدة حتى أنشأ الحج، فإنَّ أردافه باطلٌ لا يلزمه، ويرجع فيتم عمرتَه الفاسدة، ثم يقضيها، ثم عن احرم بالحج قبل يقضيها، لزمه وعليه قضاء عمرته بعد ذلك. ولو أتم عمرته في أشهر الحج، ثم أنشأ الحج فأفسده، لم يزل عليه دمُ المتعةِ، ويحج قابلاً

(2/426)


مفرداً، ويهدي للفسادِ. قال محمدٌ: إذا كانت عمرته صحيحة، وغن كانت فاسدةً، قضاهما جميعاً، واحدة بعد واحدةٍ. يريد وقد تقدَّم عليه هديٌ لفساد العمرةِ، ولو يسقط عنه هدي التمتعِ.
ومن غير "كتاب" ابن المواز، روى اصبغُ عن ابن القاسمِ، في من تمتَّعَ، ثم فاته الحج بعد الإحرامِ، أنه يسقطُ عنه دمُ المتعةِ، بخلاف المفسد لحجِّ التمتعِ.
ومن "كتاب" ابن الموازن قال ابن القاسمِ، ومن أفسد حجه فقضاه قابلاً، فأفسده، فعليه قضاءُ الحجتين. ورواه ابن القاسمِ عن مالكٍ، في من افطر في قضاء رمضان، أن يقضي يومين، وكذلك في رواية عيسى، عن ابن القاسمِ، في "العُتْبِيَّة" من أول المسألة. قال محمدٌ: قال أصبغُ: هذه الرواية في الصومِ، وليس عليه إلا قضاء يومٍ بخلاف الحجِّ، وما ذلك في الحج بالقويِّ، وهو أحب إلينا أن يقضيَ حجه الآخر، ثم يقضي الأول. قال عبد الملكِ: ليس عليه إلا حجة واحدة، ولا يعيد حجة القضاء التي أفسد، وإن نحر فيها الهدي، فذلك الهدي يجزئه، كمَن عجَّل هدي القضاء، وإن كان أحب إلينا أن يكون مع حجة القضاء. وقال محمدٌ بقول عبد الملكِ.
ومن "العُتْبِيَّة": روى عيسى عن ابن القاسمِ، في من حجَّ عن غيره، فأفسد حجهن فليقضِ من مال نفسه، أخذ ذلك على البلاغ أو بالإجارةِ، وإن أُحصرَ بمرضٍ، أو غيره فليقض أحب إلي، وإن استؤجرِ

(2/427)


مقاطعةً، فعليه القضاء بكل حالٍ.
قال يحيى بن يحيى: قال ابن القاسم في من حجَّ في مشيٍ عليه إلى مكة، فأفسد حجه بالوطء بعرفة: فليتم حجه ويقضي، ويعيد المشيَ من الميقاتِ، ويركب ما قبله؛ لأن المشي الذي يجوز له فيه الوطءُ يجزئه ولا يعيده، وعليه هديٌ للفسادِ، وهديٌ لتبعيض المشي.
في من فاته الحج، أو أُحصر بعدوٍّ أو مرضٍ، وفي المحرمة تحيض قبل الإفاضةِ، وذكر المستحاضة
من "كتاب" ابن الموازن قال مالكٌ: وكلُّ مَ، فاته الحج بخطأِ العددِ، أو بمرضٍ، أو بخفاءٍ من الهلالِ، أو بشغلٍ، أو بأي وجهٍ غير العدوِّ، فلا يحله على البيت، ويحج قابلاً ويُهدي. قال مالكٌ: في "المحتصر": كان إحرامه بحجٍّ واجبٍ، أو تطوُّعٍ. قال، في "كتاب" ابن المواز: وأهل مكةَ وغيرهم في ذلك سواء. وقال ابن شهابٍ: لا حصر على المكيِّ وإن نُعِشَ نعشاً، قال محمدٌ: يريد: وإن حمل على نعشٍ على عرفة وغيرها؛ لمرضه.
قال مالكٌ: ومن فاته الحج، فله أن يثبت على إحرامه على قابلٍ. قال عنه أِشهبُ: ويُهدي احتياطاً. قال عنه ابن القاسمِ، وابن وهبٍ: لا هدي عليه. وقاله أصبغُ. قال مالكٌ: وأحب إلينا، أن يتعجَّل إحلاله، / ثم يحج قابلاً ويُهدي. وكذلك في "العُتْبِيَّة"، وفيها رواية أشه عنه في الهدي. قال مالكٌ: وإن اختار المُقام على إحرامه إلى قابلٍ، ثم بدا له،

(2/428)


فذلك له أنى حل متى ما شاء، ما لم تدخل أشهر الحجِّ، فليس له حينئذٍ، أن يُحِلَّ، حتى يُتمَّ حجه.
قال: ولو دخل مكةَ أو الحرمَ قبل أشهر الحجِّ، وهو على إحرامه، لم يكن له أن يثبت على إحرامه، وليُحِلَّ بعمرةٍ، ما لم تدخل أشهر الحجِّ.
ولو دخل مكةَ قبل شهور الحجِّ، فثبت على إحرامه حتى حج، فذلك يُجزئه، من فريضته، ولو دخلت أشهر الحجِّ، فحلَّ منها بعمرةٍ، فبئس ما صنع.
قال أشهبُ: وقيل: إحلاله باطلٌ إذا قدم فيها ونوى الحجَّ من عامه، وإن أصاب في فسخه هذا صيداً ادَّاه، وإن حَلَقَ افتدى. وقال ابن القاسم مرة: فسخُه باطلٌ، وهو على إحرامه. وقال إنْ جهِل وفعل، كان متمتعاً، يريد إذا حلَّ وأنشأ الحج. وقال أيضا: لا يكون متتعاً إن حجَّ بعدَ إحلالِهِ، لأنها لم تكن عمرةً، إنما تَحلَّل بها من حجٍّ.
قال أشهبُ: ومن فاته الحج وأحرم بحجةٍ أخرى قبل يُحِلَّ، فذلك لا يلزمه، وهو على إحرامه.
قال أشهبُ: والعبد إذا أحرم بالحجِّ بإذن سيده، ففاته الحج، فلا يمنعه سيده أن يحل بعمرةٍ، إن كان قريباً، وإن كان بعيداً فذلك له، إن شاء أن يبقيه على إحرامه إلى قابلٍ، وإن شاء أذن له فحلَّ منه بعمرةٍ.

(2/429)


ومن "العُتْبِيَّة"، قال عيسى عن ابن القاسم: وإذا أتى عرفة بعدَ الفجرِ من يوم النحرِ، فليرجع إلى مكةَ، فيطوف، ويسعى، ويُقَصِّرَ وينوي بها عمرةً، ويحُجّ قابلاً ويُهدي.
ومن "كتاب" محمد: ومن دخل مفرداً أو قارناً من الحِلِّ من مكيٍّ، وغيره، ثم فاته الحج، فليحلَّ بعمرةٍ، ولا يخرج على الحل، ولو دخل بعمرةٍ فحلَّ منها ثم أنشأ الحج من مكة، أو أردف الحج بمكة أو بالحرمِ، فهذا يخرج إلى الحلِّ فيدخل منه ويُحلُّ بالطواف والسعي، وقد تقدم هذا في باب المواقيت.
قال ابنُ حبيبٍ، في المحصرِ بمرضٍ قبل يَبلُغُ مكة: فله إن صحَّ قطعُ التلبيةِ، إذا دخل الحرم ورأى بيوت مكة، ولو مرض بعد أن طاف وسعى، ثم أفاق بعد أن فاته الحجُّ، فليطف ويسع، ولا يخرج على الحِلِّ، إلا من أحرم من مكة بالحج ثم فاته.
ومن "العُتْبِيَّة"، روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، قال: إذا أخطأ أهل المَوسِمِ فكان وقوفهم بعرفة يوم النحر، مضَوا على عملهم، وينحرون الغد، ويتأخر عمل الحجِّ كله يوماً، ويجزئهم.
ولو وقفوا بعرفة يو التروية، لأعادوا الوقوف يومَ عرفة بعينه. واختلف فيه

(2/430)


قول سحنونٍ، فيما أخبرنا أبو بكرٍ، عن (حَمْدِ يس، عن سحنونٍ، وأخبرك عن يحيى بن عمر، في أهل المَوسمِ ينزل بهم ما ينزل بالناسِ من) سندٍ العلويِّ.
وهروبهم عن عرفة، ولم يتموا الوقوف، قال: يجزئهم، ول دم عليهم.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال ابن القاسم، والمحصَرُ بمرضٍ، بعدَ وقوفهِ بعرفة، فحجه تام، وليس عليه لما ترك من المزدلفة والرمي والمبيت بمنًى إلا هدي واحدٌ، وقال ابن شهابٍ: عليه هدي للمشعرِ، وهدي للجمارِ، وهدي للمبيتِ.
وقال ابن القاسمِ، عن مالكٍ، في: هديٌ واحدٌ، وأحب إلي أن تكون بنية، فإن لم يجد صام. وكذلك في "كتاب" ابن حبيبٍ، وقال: إلا أنه إن لم يُفضْ، فلا يحله إلا الطواف بالبيت.
وفي بابٍ آخر من "كتاب" ابن المواز، عن ابن القاسم، فيمن أُحصرَ بعد وقوفِ عرفة بعدوٍّ، قال: يُهدي هدياً واحداً. قال: والمعروف عنه، ما قال أولا: إنما الهدي في حصر المرضِ. وفي رواية سحنونٍ مبهمةٌ، قال سحنون: يعني بمرضٍ.
قال ابن القاسم: ومن أُحصرَ بعدوٍّ، بعد أن احرم - في الحل أو في الحرمِ، في قربٍ أو بعدٍ – حتى فاته الحج، فليحل وينحر هدياً، إن كان معه. وكذلك يُحِلُّ من العمرة، وإن كان لا يخشى فيها فوتاً، فإن النبي

(2/431)


صلى الله عليه وسلم من العمرة حلَّ.
قال: ولا يقضي الحج، إلا أن يكون ضَرورة. قال: وينحر هذا هديه، ويُحلُّ، وإن كان بغمر الحرمِ. وقد حلَّ النبي صلى الله عليه وسلم عامَ الحديبية بالحرمِ، وليس بمحلٍّ للهدي؛ لقول الله تعالى: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ}.
قال ابن القاسم: فإذا اُحصرَ الحاج بعدوٍّ، تربَّصَ فإذا صار له وقتٌ ليي أن يدركَ الحج، حلَّ، وغن كلن قبل يوم النحرِ. قال مالكٌ: ول يقضي الحج إلا أن يكون صرورة، ولا هدي عليه، ولم يامر النبي صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية بقضاءٍ، ولا هدي عليه. قال أشهبُ: لا يحلَّ حتى يومِ النحرِ، ولا يقطع التلبيةَ حتى يروحَ على عرفةَ، وعليه الهدي، لقول الله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}. وقال إسماعيل القاضي: هذا أحصارٌ مرضٍ، ولو كان عدوًّا لقال: فإن حصرتم، ومنه يقال: قَبَرَ وأَقْبَرَ، وقتلَ وأقْتَلَ، وضربَ وأضربَ، فما وليه بنفسه، فهو من فعلت، وما كان له فيه سببٌ أدَّى

(2/432)


إلى المسبَّبِ، فهو من أَفْعَلْتَ؛ فإذا حبس رجلٌ رجلاً، قيلَ: حبسه.
وغن قتله قيل: قتله. فغن فعل به فعلاً عرَّضه للحبسِ، قيل: احتبسه.
وكذلك إن فعل به ما عرَّضه للقتلِ. قيل: أَقْتَلَه. واخذ ابن المواز بقول ابن القاسمِ.
وقال عبد الملكِ: وإذا أخَّر هذا المحصر حلاق رأسه، حتى رجع على بلده. فقال ابن القاسمِ: لا دم عليه. وقال أشهبُ: عن لم يحلقْ حتى ذهبت أيام منًى، فعليه هديٌ.
ومن "كتاب" ابن حبيبً: قال ابن الماجشون: من حَصِرَ بعدوٍّ في حجٍّ أو عمرةٍ، فهو سواءٌ، وفي العمرة تَحلَّلَ النبي صلى الله عليه وسلم، فليتربص في الحجِّ، ما رَجَى كشفَ ذلك قبل فواتهن فإذا أيسَ، حلَّ، وأما في العمرةِ، فليقم ما رجى إدراكها بفورهِ. وبرجائه يريد بحدثانه، ممَّا لا ضررَ به في الصبر عليه، فإن لم يرجه إلا فيما يطولُ، فليحل.
قال في المحصر بالحجِّ: إن وصل إلى مكةَ، وأُحصرَ عن عرفة ومنًى، فليطف ويسع، ويؤخر الحلاق، فإن لم يرج كشف ذلك، حلَّ ونحرَ. ولو كان الهدي بمكة، فلم يدخلها وذهب فوقف بعرفة، وشهد جميع المناسكِ، وزالت أيام منًى، والعدو بمكة، فليحلَّ ويمضَ. قال ابنُ الماجشون في المحصر بعدوٍّ في الحجِّ: فيحلُّ سنة الإحصار، فغنها تجزئه من حجة الإسلامِ، وقال: إنما استحب مالكٌ القضاءَ. وقال ابنُ

(2/433)


القاسمِ: بل ذلك واجبٌ، وبه أقول. والمعروف عن مالكٍ في غير "الواضحة" إيجاب القضاء على الضرورة.
ومن "المختصر": ويجب للمحصر أن يحل من حجه، فإن رجع ولم يفعل، فلا شيء عليه. قال ابن حبيبٍ: وإن أحصرَ في عمرةٍ بمرضٍ، حتى أتى الحج القابل، فإن شاء حلَّ منها وانصرف، وغن شاء أردف عليها حجًّا، وصار قارناً.
ومن "كناب" ابن المواز، قال ابن الماجشون: وإن انكشف الخوفُ عن المحصرِ بعدوٍّ قبل يُحلَّ ويحلقَ وينحرَ في الموضع الذي فيه إدراكٌ، فله أن يحل ويحلق مثلَ ما لو كان عدوُّ قائماً.
ومن "كتاب" ابن المواز، قيل لابن القاسم: فإن أحصر بعدوٍّ، قبل أن يحرم، ثم أحرم لطول السفرِ أو لغيره، قال: ما احسب هذا يحله إلا البيت؛ لأنه أحرم بعد أن تبين له المنع. قال: وإذا كان بطريقِ الحاجِّ، من مصر أو الشام عدوٌّ، فإن كان عدوًّا يَسُدُّ عليه سبيل طريقه على مكة، ويمنعه أن يسلكَ إلى غيرها، حتى يتخلَّصَ إليها، فهذا مُحصِرٌ، وليس عليه أن يسلك حيث لا يسلك، ولا المخاوف ولا حيث أل يسلك إلا بالأثقال فإن وجد سبيلاً مسلوكاً، وإن كان ابعدَ في المسافةِ، فليس بمحصرٍ، ومن حبسه سلطان في دَينِ، فليس بمحصرٍ، ولا يحله إلا البيت.
وقال ابن القاسمِ، عن مالكِ مثلَه إذا حبس في ذين، وقد احرم.
قال ابن القاسم: ومن أحرم من بلدٍ بعيدٍ، ثم جاء عليه من الوقت ما لا يدرك، فليثبت على إحرامه إلى قابلٍ. فإن حصره عدوٌّ، لم ينفعه ويبقى على إحرامه على قابلٍ، لأنَّ العدوَّ ليس الذي منعوه الحج.

(2/434)


وإذا حاضت امرأةٌ بعد الرميِ قبل الإفاضةِ، جلست تطهر أو تستحاض ويُحبس عليها كريها. قال أشهب: قال مالكٌ مرةً: خمسةَ عشرَ يوماً. وقال مرةً: شهراً ونحوه. وقال مرةً: خمسة عشرَ يوماً، وتستظهر بعده بيومٍ أو يومين أحب إلينا. وقال عنه ابن القاسم: قدر ما تقيم في حيضتها والاستظهار. وقال عنه ابن وهبٍ: تجل ما تقيم الحائض والنفساء. وعلى هذا أكثر أصحابه. قلت: فلتجلس كريها وحدَه.؟ قال: إن كان مثلَ يوم أو يومين، فتحبس كريها، ومن معه.
وإن كان أكثر من ذلك، لم تحبس إلا كريَّها وحدَه، وول شرطت عليه عمرة المحرمِ، فحاضت عند ذلك قبل أن تعتمرَ، قال مالكٌ: لا يُحبسُ على هذه كريَّهَا، ولا يوضعُ لذلك شيءٌ من الكراء، أو لم يره كالحجِّ.
ومن "كتاب" محمدٍ: و "العُتْبِيَّة"، قال أشهبُ، عن مالكٍ مثله، وقال في التي حاضت قبلَ الإفاضةِ: يُحبسُ كريها خمسة عشرَ يوماً.
وقال: يحبسُ على النفساء – يريد قدر ما تطهر فيه)، ولا تبالي كانت حاملا حين الكراء، أو غير حاملٍ، ولا عليها أن تخبره بحملها.
قال في "العُتْبِيَّة": ولا أدري هل تعبِّنه النفساء خاصةً من العلفِ؟
قال أبو بكرِ بن محمدٍ: وقد قيل أيضا: إنها تحبسُ كريَّها إذا كان الأمنُ، وأما

(2/435)


في هذا الوقت، حيث لا يأمن في طريقه، فهي ضرورة، ويُفسخُ الكراءُ بينهما.
قال ابن القاسمِ في "العُتْبِيَّة": قال مالكٌ في المرأة تريد العمرةَ بعدَ الحجِّ، وتخاف تعجيل الحيضة: فإني أكره أن تشرب دواءً لتأخير الحيضة.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: وللمستحاضةِ أن تحجَّ وتطوفَ وتركع وتسعى، وتستثفر بثوبٍ. وفي باب القران وباب الطواف على غير طهرٍ، شيءٌ من ذكر حيض المحرمة.

في وداع البيتِ، وفي دخولها
من "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: دخول البيت حسنٌ، وقد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم ولم أسمع أنه اعتنق شيئاً من أساطينه، ولا باس بدخوله في اليوم مراراً. قيل: ما رأينا أحرص من النساء على دخوله. قال: هنَّ الجهلةُ الجُفاةُ.
قال ابن حبيبٍ: وكان عمرُ بنُ عبد العزيز، يقول إذا دخله: اللهم إنك وعدت الأمان دَخّالَ بيتك، وأنت خيرُ منزولٍ به في بيته، اللهم اجعلْ أمان ما نؤتي به أن تكفيني مؤنة الدنيا، وكل هَولٍ دون الجنةِ، حتى تبلغنيها برحمتك. قال اب حبيبٍ: وغن قدرت المرأة على دخوله مع

(2/436)


النساء، فلتفعل، لما في ذلك من الرغبةِ. وقد دخلته عائشة مع نسائها.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: ولا يدخل البيت بنعليهن ولا بأس أن يكون في حجرهِ أو يده، وإذا صلَّى، فلا يجعلها بين يديه، وليصلِّ وهما في إزاره، يريدُ: في البيت. وفي آخر الكتاب باب فيه ذكرُ الصلاةِ في البيتِ.
قيل لمالك، في من نسي الوداع حتى بلغ مر ظهران. قال: لا شيء عليه.
قال ابن القاسمِ: لم نجد فيه حدًّا، وأرى إن لم يخف فواتَ أصحابه، ولا منعه كريُّه أن يرجعه، وغلا مضى ولا شيء عليه.
قال ابن عبد الحكمِ، عن مالكٍ، وإن وَدَّعَ، أقام بذي طوًى يوماً وليلةً، فلا يرجعن قال: وليتموا بذي طوَى صلواتهم؛ لأنها من مكة.
قال مالكٌ: ومن وَدَّعَ، ثم خرج إلى الأبطح، فأقام نهارهن فواسعٌ ألا يرجع.
قال ابن القاسم، عن مالكٍ: في من ودَّعَ قبلَ طلوعِ الشمسِ، ثم خرج وهو يريد أن يركع الركعتين بذي طوَى، فانتقض وضوءه، فإن تباعدَ، فلا شيء عليه، بخلاف ركعتي الطواف الواجب، وكذلك قال في "العُتْبِيَّة": وقال: ولو كان قريباً من الوداع رجع. قال ابن حبيبٍ: فيأتنف الكوافَ.

(2/437)


قال ابن حبيبٍ، في ركعتي طواف الوداع، عن مالكٍ: إذا لم يركعهما حتى بلغ بلده أو تباعد، فليركعهما، ولا هدي عليه.
قال: وقال مالكٌ: طوافُ الوداعِ على النساء، والعبيدِ، والصبيانِ، إذا حجُّوا.
ومن "كتاب" ابن المواز، قيل لمالكٍ: فإذا ودَّع أيأتي الملتزم إذا أمكنه؟ قال: ذلك واسعٌ، قيل: واليذ يلتزم أيتعلق بأستار الكعبةِ؟ قال: لا، ولكن يقفُ، ويدعو – وكذلك عندَ قبرِ النبي صلى الله عليه وسلم – ولا يُوَلِّي ظهرَه البيت، إذا دعا، وليستقبله. قال: وكان ابن عباسِ يقف عند الملتزم، بين الركن والباب، ولا يُقبِّلُ، ولا يلتصق بها، غيرَ أن ثيابه تكادُ أن تمسَّ ثياب الكعبةِ، وقال ابن حيببٍ، عن ابن الماجشون، عن مالكٍ: أنَّ الملتزم، ما بين الركن والباب. قال مطرف: يعني بالملتزم، أنه يعتنق ويُلحُّ الداعي عندَه، وانه يستحبُّ ذلك، وقاله هو، وابن وهبٍ، عن مالكٍ، وقاله ابن نافعٍ، وابن الماجشون، وذُكرَ مثلُه في حديثٍ، لعبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن وهب: قال مالك: ويقال له: المتعوَّذُ أيضاً، ولا باس أن يعتنقَ ويتعوذ به، ولا يجعل ظهره على البيتِ جين يدعون وكره عطاءٌ اعتناق الملتزم، ولا التصاق به، ولكن يقف للدعاء عندَه، ولا يلصق بالبيت بطنه، ولا ظهره، ولا يعتنق شيئاً منه. قال: وكذلك فعل ابن عباسٍ.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: وإذا ودَّعَ بعدَ العصرِ، فله أن

(2/438)


يركع الركعتين في الحرمِ، أو خارجاً منه.
قال أشهبُ: عن مالكٍ، في من حلَّ من حجه، ثم أراد أن يخرج إلى الجُحفةِ ليعتمر، هل يُوَدِّعُ؟ قا: إن شاء فعَل أو ترك، وإنما الذي قال عمر: لا يصدر أحدٌ حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيتِ. فمن أفاض ثم عاد على منًى للرمي، ثم صدر، فليودع بالطواف، فإذا طاف هذا الطواف الذي هو آخر نُسكه، ثم أقام أياماً، ثم أراد الخروج، فليس عليه أن يودع، إن شاء فعل أو ترك. وقال عنه ابن عبد الحكمِ، الوداع في مثل الجحفةِ أحب إلينا. كرواية ابن القاسم.
قال أشهبُ: عن مالكٍ، في من قدم معتمراً، ثم أراد الخروج على الرباطِ، فهو من الوداع في سعةٍ.
وكره مالك أن يقال الوداع، وليقل الطواف.
ومن "العُتْبِيَّة"، قلا ابن القاسم: قال مالك: في المعتمر يطوفن ويركعن ثم يودِّعُ، ثم يخرج فيسعى وينصرف، قال: يجزئه من الوداع.
قال أبو محمدٍ: قوله يودعُ – يريدُ يطوف ويركع.

في تقليد الهدي، وإشعاره، وتجليله، وإيقافه
من "كتاب" ابن الموازن قال مالكٌ: تقلَّدُ البُدنُ عندَ الإحرامِ بنعلين في رقبتها، ثم تشعر في شقها الأيسر عَرضاً، ووجها على القبلةِ، ثم تُجلِّلُ إن أحب، وليس الجلال بواجبٍ. قال عنه أشهبُ: ثم يركع، ثم يحرم، ويقول إذا أشعرها: بسم الله، والله أكبر.

(2/439)


ومنه، ومن "العُتْبِيَّة"، قال ابن القاسمِ: قال مالك: وكان ابن عمرَ يُشعرُ بدنه من الشقين جميعاً، إن كانت صعاباً، وإن كانت ذُلَلاً أشعرها من الشق الأيسر.
قال في "العُتْبِيَّة": ولم يشعرها من الشقين؛ لأنه سنةٌ، لكن ليذللها. وإنما السنة في الشق الأيسرِ، في الصعابِ وغيرها. وقال ابنُ المواز، في قوله: يُشعرها من الشقين. أي من أيّ الشقين أمكنه.
قال مالكٌ: ويجزئه نعل الواحدة في التقليد، والنعلان أحب إلينا. قال مالكٌ: وتقتل القلائد قتلاً.؟ وأحب إلينا أن تكون مما تنبت الأرضُ.
قال مالكٌ: ولا يُجَلِّلْ بالمخلق، وغير ذلك من الألوانِ خفيفٌ، والبياض أحب إلينا.
قال ابن حبيبٍ: وذلك بقدر السعة، فمنهم من يجلل بالوشي، ومنهم بالحبرِ، ومنهم بالمسطبِ، والقُباطِيِّ، وبالأنماطِ، وبالملاحفِ، والأرزِ.
ومن كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: وأحب إلينا شقُّ الجلالِ عن الأسنمةِ – عن كان قليل الثمنِ، كالدرهمين – ونحوها؛ لأنها تحبسه عن أن يسقطَ، وأن لا يشقَّ عن المرتفعةِ استبقاءً لها.

(2/440)


قال محمدٌ: وذكر نافعٌ أنَّ ابن عمر كان يعقد أطراف الجلالِ على أذنابها من البولِ، ثم ينتزعها قبلَ أنْ يُصيبها الدمُ، فيتصدق بها. قال ابن المبارك: وكان ابن عمر يُجلِّلُها بذي الحُليفة، فإذا مشَى ليلةً نزعها، فإذا قرُبَ من الحرم، جللها، وإذا خرج إلى منًى جللها، فإذا كان حين النحرِ نزعه.
ومن "العُتْبِيَّة"، و"كتاب" ابن المواز، قال أشهبُ، عن مالكٍ: ويَشُقُّ الأجلةَ عن الأسنمةِ لئلا يسقط، وما علمت من ترك ذلك، إلا ابن عمر استبقاءً للثيابِ؛ لأنه كان يُجلل الجللَ المرتفعة. وأحب إلي في المرتفعة، ألا يشقها، وكان ابن عمر لا يجلل حتى يغدو من منًى.
ومن "كتاب" ابن المواز، أشهب، قال مالكٌ: وإذا لم يكن للإبلِ أسنمة، فإنها تقلدُ، ولا تشعرُ، كالبقرِ. ولا تُساقُ الغنمُ من البعدِ إلا من عرفة، وما قار بمكة، وبه قال ابن القاسمِ.
ومن "كتاب" ابن حبيبٍ: قال: والإشعارُ في السنامِ طُولاً في شقِّهَا الأيسر. وذُكر عن ابن عمرَ، أنَّه كان يشقها طولا. قال: فإن كانت صعاباً وقد قرنت، ولم يقدر أن يدخل بينها، فلا بأس أن تُشعر في شقها الأيمن.
قال أبو محمدٍ: وما ذكر ابن حبيبٍ، عن ابن عمر، في الإشعار في شقها الأيسر طولا إلى آخ الحديث. وكذلك في "موطأ ابن وهبٍ"،

(2/441)


عن ابن عمر، إلى آخر الحديثِ. وقال ابن القاسم، في "المدونة"، عن مالكٍ: يشعرها في شقها الأيسرِ، وبلغني عنه أنه قال: عرضاً، ولم أسمعه منه.
وقال مالكٌ في البقرِ: إن كانت لها أسنمةٌ أشعرتْ. ورُوِيَ عن ابن عمر، وابن شهابٍ، أنها تُشعر كانت لها أسنمةٌ، أو لم تكن، وبه أقول.
قال ابن حبيبٍ: وتقلَّدُ الغنمُ، ولا تُشعرُ. روي ذلك عن عائشةَ، وعطاء، ولم ير مالك. أن تقلد. قال: ومن لم يجد نِعالاً يقلدها، أو ضنَّ بها فيقلدها ما شاء، ويجزئه. قال ابن عمر: يقلدها جرابه. وهي إذن المرادةُ.
قال ابن حبيبٍ: واجعل حبلَ القلائد مما شئت.
ومنه، ومن "كتاب" ابن الموازن قال: ويغدو بها من منًى، ليقف بها بعرفة. ومن اشتراه بعرفة، فقلده، وأشعره بها، وأمر الباعة أن يقفوه له مع الناس، أجزأه، وقاله، في "كتاب" ابن المواز، عن مالكٍ، وعبد العزيز: وليس كشرائه منهم بعدما أوقفوه بعرفة، هذا لا يجزئه.
قال ابن حبيبٍ: ومن أوقف هديه بعرفة، فلا يدفع بع قبل الغروبِ، ولا بأس إن لم يبتِ الهدي بمزدلفة، وقدم إلى منًى.
ومن "العُتْبِيَّة"، و"كتاب" ابن الموازن وقال ابن القاسم: قال مالكٌ، في الشاميِّ، والمصريِّ: أكره أن يقلد هديه بذي الحُليفةِ، ويؤخر

(2/442)


إحرامه، إلا من يبعث بهدي، ويقيم من أهله.
قال مالكٌ: ولا ينبغي أن تقلد المرأة بدنتها، ولا تشعرها، إلا ألا تجد من تلي ذلك مثلَ الذبحِ، وأنكر قول ابن شهابٍ: أنَّ المرأة تقلِّدُ وتُشعر. قال مالك: في "كتاب" محمدٍ: فإذا لم تجد إلا أن تأمر جاريتها، بالتقليد، والإشعار، فذلك لها.
ومن "كتاب" محمدٍ، قال مالكٌ: ومَنِ اشترى كبشاً أو شاة، تطوعاً، فأستحسن أن يوقفه بعرفة. قال مالكٌ: لا بأس بالنعجةِ، والتيس في الهدي، ومن أصاب بدنة ضالَّةً مقلدة، فأوقفها لربها، فذلك يجزئه.
قال ابن حبيبٍ/ ومن قال: لله عليَّ أن أنحر جزُوراً بمكة، فلينحر بها جزوراً، وليس عليه أن يقلده، ويُشعره.

في محلِّ الهدي، وموضع النحر والذبح، وكيف تُنحرُ البدن؟
من "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: ما وقف به من الهدي بعرفة، فمحلُّه منًى، فإن نحر بغيرها، في أيام منًى، لم يجزئهن وكل مت نحره مما لم يوقفه بعرفة، فلا يجزئه. وإن دخله من الحلِّ كان تطوعاً أو عن واجبٍ، أو جزاءَ صيدٍ أو غيره، وكلُّ ما نحره بمكة، ممَّا لم يدخله من الحِلِّ، فلا يجزئه.
وكل ما محله من الهدي مكة، فلم يقدر أن يبلغ به داخل بيوت مكة، حتى نحره في الحرم، فلا يجزئه. قال مالكٌ: وإنما محله مكة، أو ما

(2/443)


يلي بيوتها، من منازل الناس. زاد عنه أشهب، في "العُتْبِيَّة": ولا يجزئه أن ينحر عنه ثنية الهديين، وقد نحر النبي صلى الله عليه وسلم هديه، بالحديبية في الحرمِ، فأخبر الله سبحانه وتعالى أنَّ ذلك الهديَ لم يبلغ محله.
محمدٌ: قال مالكٌ: ومنًى كلها مَنْحَرٌ إلا ما خلف العقبة، وأفضل ذلك عند الجمرةِ الأولى.
قال أشهبُ: قال مالكٌ: وكل ما كان من هدي، فلا ينحر بمكة، إلا بعد أيام منًى، قال مالكٌ: والقارن إذا ساق معه الهدي، فدخل به مكة، فَعَطِبَ بها، قبل يخرجه على عرفة، فلينحره بمكة، إن شاء، ولا يجزئ عنه، وكذلك ما ساقه رجلٌ لعمرته، فنحره بمنًى، فلا يجزئه، وإن أوقفه بعرفة.
قال: وجزاء الصيد إذا ساقه معه في عمرةٍ، فلا ينحره إلا بمكة، لا بمنًى. قال أشهبُ: وإن ساقه في حجٍّ، لم ينحره إلا منًى، بعد وقوفه به بعرفة، لا إن نحره بمكة في أيام منًى، لم يجزئه إلا أن تنحره بها، بعد أيام منًى، قال: فإن لم يقف به بعرفة، فلينحره بمكة.
وقال عبد الملكِ: إن ساق هدياً واجباً، فعَطِبَ بمكة، فنحره بها، أجزأه وذلك له محلٌّ. قيل: فإن عَمَدَ لذلك؟ قال: نعم. لأنه محلٌّ، ولو مرَّ به من مكة إلى منى يريد به عرفة، فعطب بمنًى، أو بمزدلفة، أو بعرفة، فنحره، لم يجزئه حتى يرجع به إلى منًى، من عرفة، في أيام النحر، وذلك أنَّ منًى في البدأةِ كسائر المواضع. وقال مالكٌ: كل هديٍ

(2/444)


دخل مكة من الحل، فعطب بمنًى، فنُحرَ بهل فيجزئ، إلا هدي التمتعِ، لأنه إنما يبتدئ الحج من مكة، قال ابن حبيبٍ، عن ابن الماجشون: فكأنه عَطِبَ قبل محله، فلا يجزئ.
قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: وكل ما وقف به بعرفة، فمحله منى، فإن جهل، فنحره بمكة، أجزأه، وقد أساء، ولو أن ما لم يقف به بعرفة، نحره بمنًى في بدائهن لم يجزئه، وليست منًى فغب البدأةِ منحره، ولو نحره بمنًى، بعد رجوعه من عرفة، أجزأه، وكذلك ما وجد بها مما ضلَّ عنه ولم يقف به بعرفة، فيجزئه نحره بمنًى، وكذلك لو وجده بها منحوراً.
ومن "كتاب": محمدٍ: قال ربيعة، ومالكٌ، في جزاء الصيد: إن ساقه في حجٍّ، فمحلُّه منًى، وإن ساقه في عمرةٍ، فمحله مكة. قال أشهبُ: وإن أوقف الجزاء بعرفة، ثم نحره بمكة، في أيام النحر، فلا يجزئه، وإن نحره بمنًى ولم يوقفه بعرفة، لم يجزئه. قال ابن القاسم: وإن أوقفه بعرفة، ثم تعمد تركه، حتى زالت أيام منًى، فنحره بمكة، أجزأه. وقال محمدٌ: وقد أساء.
محمدٌ: قال مالكٌ: ومَن بعث بهديه، ثم خرج معتمراً، فأدركه فأحب إلينا ألا حيلَّ، حتى ينحره.

(2/445)


قال عنه ابن القاسمِ: إذا حلَّ من عمرته نحره، ولا يؤخره على منًى، ولو كان إنما بعثه في حجٍّ أخره، حتى ينحر في الحجِّ.
قال مالكٌ: في امرأةٍ قرَّبَتْ، فقيل لها: اشترِ شاةً من منًى. ففعلتن وظنَّتْ أنَّ ذلك يجزئها. فإنَّ عليها البدل، فإن لم تجد صامتْ. قال أشهبُ: ومن دخل بعمرةٍ في أشهر الحجِّ، ومعه هديُ تطوُّعٍ، فلينحره بمكة، إلا أن يكون ندره بمنًى، فإن نحره بمكة قبل عرفة، فعليه البدلُ. قال ابن حبيبٍ: قال مالكٌ: ولا يكون النحر في الحجِّ إلا منًى، ولا يكون في العمرة إلا بمكة.

فيما ضلَّ أو عَطِبَ من الهدي قبلَ محلِّه
من "كتاب" محمدٍ: وإذا ضلَّ هديه المقلد المشعر به، ثم وجده بعدَ يوم عرفة – يريد في أيام النحر، ولم يكن وقف به بعرفة – فقد اختلف فيه قول مالكٍ، وأحب غلينا أن يجزئه عن قرانه، وعن ما وجبَ عليه ولينحره بمكة، إن دخل به من الحلِّ، وإلا أخرجه إلى الحلِّ ثم ردَّه فنحره بمكة.
وقال ابن القاسمِ، عن مالكٍ، في من ساق هدياً عن قرانه، فضلَّ عنه قبل يقف بعرفة، ثم وجده يوم النحرِ بمنًى: أنَّه لا يجزئه، ولينحره بمكة، ويُهدي غيرَه، فإن لم يجد صام، وقال عنه أشهبُ: يجزئه. وإن لم يجده إلا بعد أيام منًى ولينحره بمكة. وقاله ابن القاسمِ، وابن

(2/446)


عبد الحكمِ. قال ابن القاسمِ: وينحره بمكة فإن عطبَ قبلَها، فعليه بدله/، إن كان واجباً.
قال مالكٌ: ويُستحبُّ لكلِّ من لزمه هديٌ أو وجب عليه، ثم له أن لا يسوقه إلا في عمرةٍ – فينحره بمكة، وكذلك من تمتع، فلم يجد هدياً بمنًى، فرجع على مكةَ، فاشتراه فليسُقْهُ في عمرةٍ من الحلِّ، أحب إليَّ، فغن ساقه من الحلِّ حتى نحره بمكة، في غير عمرةٍ، أجزأه. وإذا لم يشعر هديه، فضلَّ عنه فنحرَ غيرَه ثم وجده، فله بيعه، وكذلك لو لم يشعر البدلَ، حتى وجد هدياً كان أشعره، فله بيع البدلِ.
ومن "العُتْبِيَّة"، أشهب، عن مالكٍ: ومَن ضلَّ هديه يوم النحر، وهو قارنٌ، فله أن يحل قبل أن يبدله، وكذلك لو مات هديه.
ومن "كتاب" محمدٍ، قال ابن وهبٍ، عن مالكٍ: في من وجد بدنةً بمنًى – يريد مقلدة – قال: يعرِّفها إلى يوم ثالث النحرِ، وهو الثاني من أيام منًى، ثم ينحرها، ويجزئ عن صاحبها، ورُوِيَ ذلك عن عليٍّ بن أبي طالبٍ. وكذلك إن وجدها ربُّها.
قال محمدٌ: فإن لم ينحرها بمنًى في ثالث النحر، فلا ينحرها بمنًى من ثالث أيام منًى، ولكن بمكة، فإن نحرها بمنًى، فعليه بدلها، كانت واجبةً، أو تطوعاً. وإذا ضلَّ هَدْيُ التطوُّعِ، أو عطبَ، لم يلزمه بدله، فإن أبدله، ثم وجد الأول، لزمه نحرهما جميعاً. وإذا ضلَّ له هديٌ أوقفه بعرفة، فوجده في ليلة اليوم الثالث من ايام منًى، فلا ينحره إل بمكة، لزوال أيام النحر.

(2/447)


قال ابن حبيبٍ: قال ابن الماجشون: ومن ضلَّ هديه الواجب، فاشترى غيرَه، فقلده، ثم وجد الأول، فهما هديان، ولا يأكل من الأول.
قال عنه ابنُ المواز: إن الأول وجبَ من جزاء الصيدِ. وتمامُ هذا في باب ما يؤكل منه من الهدي.

في صفةِ النحر والذبح
من "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: والشأن أن تنحر البُدنُ قائمةً، قد صَفَّ يديها بالقيد، ولا يعقلها إلا من خاف أن يضعف عنها، وكان ابن عمرَ ينحر بيده، ويتلو: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ}.
وكان القاسم إذا صفَّ يديها بالقيودِ، وهي قائمةٌ، وأمسك رجلٌ بخطامها، ورجلٌ بذنبها، طعنها بالحربةِ، وقال: بسم الله والله أكبر، ثم جبذاها حتى يصرعاها.
قال مالكٌ: ولا تُعرقَبُ بعد أن تُنحرَ، إلا أن يخاف أن تفلتَ، ويضعف عنها، ولينحرها باركةً، أحبُّ إليَّ من أن تُعرقبَ، وليريطها بجبلٍ، ويمسكها رجلان؛ رجلٌ من كلِّ ناحيةٍ، وهي قائمةٌ مصفوفةٌ أحب إليَّ من أن ينحرها باركةً. وذك ونحوه كله ابن حبيبٍ، عن مالكٍ.
قال ابن حبيبٍ: في قول الله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ}: وذلك أن تصفَّ يديها بالقيود عند نحرها. وقرأ ابنُ عبَّاسٍ "صوافنَ"؛ وهي المعقولة من كل بدنةٍ يدٌ واحدةٌ، فتقف على ثلاث قوائم. وقرأ الحسنُ: "صوافي"؛ أي: صافيةً لله سبحانه.

(2/448)


ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: ومن نحرَ هديه بمنًى قبل نحر الإمامِ، فلا شيء عليه، وليس على الناس الئتمام في هذا بالإمامِ، ولكن يأتمونَ به في الدفعِ من مزدلفة، فالناسُ من بين مُسرعٍ ومبطئٍ، وإنما يأتمونَ بنحره في الأضحى، في الآفاقِ.

ما يتقى من العيوبِ في الهدي، وما يرجع به من قيمة عيبٍ أو رأسٍ، وما يحدث في الهدي من عيبٍ، أو عجفٍ، وفي الهدي يُباع
من "كتاب" محمدٍ، قال مالك: ولا تجوز الدبرةُ في الهدي إن كانت كبيرةً. قال ابن القاسمِ: وكذلك الجُرح الكبير. قال مالكٌ: وتجوز الشارف التي لا أسنان لها.
قال أشهبُ، عن مالكٍ: وما وجد فيه عيباً بعدَ أن قلَّده، فليرجع بقيمةِ العيب، فيستعن به في البدلِ، إن كان واجباً، وإن كان تطوُّعاً صنع به ما شاء.
ورَوَى عنه ابن القاسم، في التطوُّعِ: يجعل ما يأخذ فيه من هَدي، وإن لم يبلغ تصدَّقَ به وجعله كالعتقِ الواجبِ، يجد بالعبدِ عيباً بعد العتقِ. قال مالكٌ: فإن كان مما يجزئ به، فليجعله في رقيةٍ، فإن لم يبلغ ففي آخر كتابة مُكاتبٍ، وإن كان لا يجوز به صنع ما شاء إلا أن عليه البدل.
قولُه: عن كان واجباً فعليه بدله – يريدُ: ووجدَ العيبَ به قديماً، ولم يُحدث بعدَ الإشعارِ. ويريدُ في الواجبِ: من لزمه من متعةٍ أو قِرانٍ، أو لنقصِ من أمر الحجِّ، أو جزاءٍ، أو فدية أهداها، أو نذرَ هدياً للمساكين، وليس بعينه. فأما لو نذر أن يهديَ هذا البعير بعينه فقلده وأشعره، ثم ظهر له به عيبٌ قديمٌ، فلا يدلُّ عليه؛ لأنَّ نذْرَه لم يتعدَّ إلى غيره: قال محمدٌ: وإنما يتصدَّقُ

(2/449)


بما يأخذ في عيب الهدي، إذ لله يبلغ بعد هَديٍ، لأنه لا يُشتركُ في الهجي، فيؤمر أن يشارك في هديٍ، بخلاف العتقِ.
قال ابن القاسمِ: وإذا كان متطوعاَ بالعتقِ، صنعَ بما يأخذ في العيب ما شاء، وغن كان عيباَ لا يجزئ في الواجبِ، ولم يقل ذلك في هد التطوعِ. قال مالكٌ: وذلك أنه لو استحقَّ هدياً بعد التقليد، فأخذه ربه، لأمرت هذا أن يرجع بثمنه، فيجعله في هديِ، ولا آمره بذلك في عتقِ التطوعِ. ورُوِيَ أيضاً عن ابن القاسم، أنه يصنع ما شاء بما يرجع به من قيمة عيب هدي التطوع. قال أصبغُ: وذلك إذا كان عيبُ الهدي ممَّا يجزئ به في الهدي، وإلا فعليه بدله كله. محمدٌ: صوابٌ. لأنه يتطوَّعُ بعتقِ المعيبِ، ولا يتطوَّعُ بهدي المعيبِ. وما جُنِيَ على الهدي بعد أن قلَّد، فما أخذ في ذلك، فكالعيب يرجع به. قال محمدٌ: وأحب إليَّ في الجناية أن يتصدَّقَ به في التطوع، والواجب لأنه شيءٌ قد وجب لله.
يريد محمدٌ: عن لم يكن فيه ثمن هديٍ، وكلام محمدٍ هذا لم أروه.
قا مالكٌ: وللرجلِ أن يبدلَ هديه، ما لم يقلده ويشعره، وإذا عطب الواجب قبل محله، فلا بيع من لحمه في البدل وليأكل إن شاء.
قال ابن حبيبٍ: وأجاز له ابن الماجشون البيع منه، كالأكل؛ لأنَّ عليه بدله، وكره مالكٌ البيعَ.
قال ابن حبيبٍ: وإذا قلَّد هديه سميناً، فنحره، فوجده أعجف، فإن كان العجف يحدث في مثل مسافته، أجزأه، وإن كان لا يعجف في مثلها، لم يجزئه في الواجب، ولو أشعره أعجف، ونحره سميناً، فإن كان لا يسمن بمثلِ مسافته أجزاه. وإن كان يسمن في مثلها فأحب إلينا

(2/450)


أن يبدله، لما يُخشى أن يكون حدث سِمنةٌ. وكذلك قال ابن الماجشون.
ومن أهدى هدياً معيباً، مضى في التطوعِ، ويعيد في الواجبِ، ولا يبع لحمَ المعيبِ.
ومن "كتاب" محمدٍ، قال: ومن باع هديه بعد التقليد، ردَّ بيعه، فإن فات اشترى بثمنه مثلهن فأهداه، فغن لم يبلغ زاد من عنده، وإن زادت القيمةُ، اشترى بالجميع هدياً. ولم اسمعه من مالكٍ.
فيما يؤكل منه – من الهدي – وما يطعن منه ومن يطعم، وذكر ولد البدنةِ ولبنها والأكل مما عَطَبَ من الهدي، أو من بدَّل ما ضلَّ منه
من "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: ويؤكل من الهدي كله، إلا ما عُدلَ منه بالصدقةِ من جزاء الصيدِ، وكذلك فديةُ الأداءِ، وما نذره مُهديه للمساكين، وما عطِبَ من هذيِ التطوُّعِ قبل محله. قال مالكٌ: وله أن يأكل من الهدي النذر، والبدنةِ النذر إلا أن ينذر ذلك للمساكين، قال ابن حبيبٍ: بلفظٍ، أو بنيةٍ أنَّه للمساكين، فإنه لا يؤكل منه وما نذره تقرباً إلى الله بالهدي به فليأكل منه، إلا أن ينذره للمساكين.
قال ابن المواز، قال مالكٌ: لا أحب له أن يأكل مما نذر من الهدي للمساكين، وما أخرجه بمعنى الصدقة.
قال آخر: ومن ترك الأكل مما نذره للمساكين، يقوى كقوةِ الجزاءِ، أو الفديةِ، ومت عَطِبَ من التطوعِ، قبل محله.

(2/451)


قال محمدٌ: وكان الحسن يقولُ: يؤكل من كلِّ هديٍ. وقال سعيد بنُ جبيرٍ: لا يؤكل من النذرِ، ولا من جزاء الصيدِ، ولا الفدية.
وقال طاووسٌ: لا يأكل من الجزاء، والفدية. قال ابن الماجشون: وإذا ضلَّ جزاء الصيد، فأبدلَه ثم وجد الأولَ، فلينحرهما، إن كان قلَّدَ الآخرَ أيضا ولا يأكل من الأول، ويأكل من الثاني إن شاء. قال محمدٌ: ولو أكل من الثاني بعدَ أن بلغ محلَّه، قبل يجد الأول، فليبدله، إلا أن يجد الأول، فيجزئه، ويثير الثاني هديَ تطوُّعٍ يأكل منه، بعد أن يبلغ محله. وذكر ابن حبيبٍ المسألة من أولها، عن ابن الماجشون، وقال في سؤاله: إن ضلَّ هديه الواجب، فأبدله. والذي ذكر محمدٌ، من جزاء الصيدِ هو اصحُّ.
قال ابن حبيبٍ: قال ابن الماجشون: ومن معه هدي تطوُّعٍ، وهديٌ واجبٌ، فاختلطا، فلا يأكل من واحدٍ منهما، وإن ضلَّ أحدهما، ولم يدرِ أيهما هو، فلا يأكل من الباقي، ولا يجزئه الباقي، إذ لعلَّه التطوعُ، والبدلُ الواجبُ، ولا يأكل من البدل، إذ لا يدري أيهما التطوعُ. قال أبو محمدٍ: قولُه: الهدي واجبٌ. إنما يصحُّ على أنه جزاءُ صيدٍ، أو نذرٌ للمساكين.
قال في "كتابه": إن ضلَّ منه هديُ تمتعهِ، وهو مقلِّدٌ، بعد أن بلغ، فأبدله، فَعَطِبَ البدلُ، قبل يلغ محله، فله أن يأكل منه، وعليه بدله لمتعته، فإن وجد الأول، نحره عن تمتعه، ولا يأكل من الثاني؛ لأنه صار تطوعاً أكل منه قل محله.
قال: ويؤكل من هديِ القِرَانِ والمتعةِ والفوات والفساد. وقيل في هدي

(2/452)


الفسادِ: لا يؤكل منه. والقولُ: أن يؤكل منه أحب إلينا. ومن قال: إني أنحر في مقام إبراهيم، فأهدى هديه فله أن يأكل منه. وقاله أشهب.
قال ابن القاسمِ: وإذا أكل من نذر المساكين بعد بلوغِ محله، لم يبدله، وعليه قدر ما أكل، وليس ترك الكل منه بالقويِّ.
قال عبد الملكِ في "كتاب" محمدٍ، وابن حبيبٍ: عليه ثمنُ ما أكل طعاماً يتصدَّقُ به. وكذلك في قوله: إن أكل من جزاءِ الصيدِ. ولو عطيا قبل المحل، فنحرهما، فله أن يأكل منهما، لأنَّ عليه البدلَ. قال ابن الماجشون: وله أن يبيعَ. وكره مالكٌ البيع، وإن أكل من هدي التطوعِ قبل بلوغ محله، فعليه بدله، وله الأكل منه إذا بلغ محله.
قال محمدٌ: قال ابن عباسٍ: إذا عطب الهدي، فانْحره، واغمس نعليها في دمها، واضرب بها صفحتها، فغن كانت تطوُّعاً فأكلت أو أمرت من يأكل غرمتَ، وقاله عليٌّ، وابن مسعودٍ.
قال سفيانٌ: الرأي أن يغرم ما أكل، ولكنَّ السنةَ مضتْ بتضمينه كله.
وقال الليثُ: إن أكل من فدية الأذى، فعليه بقدر ما أكل الطعام.
قال ابن القاسم: وإن اطعم الأغنياء من جزاء الصيدِ، وفدية الأذى، وهو لا يعلم، فلا يجزئه. وقال أيضا: أرجو أن يجزئه إذا لم يتعمَّدْ، وإن اطعم منها مساكين أهل الذمةِ، لم يجزئه، وإن أطعمهم ممَّا يجوز له أن يأكل منه، أساء ولا بدل عليه. ولا يطعم من الجزاءِ والفديةِ ولده، ولا والده ولا أخاه ولا من فيه بقيةُ رقٍّ من أقاربه.
قال أشهبُ: وإن أعطى جلال بدنته غير الواجبة لبعضِ ولده، فلا شيء عليه. وقال ابن القاسمِ: ويصنع بالجلال والخِطامِ ما يصنع بلحمها. وقاله أشهب.

(2/453)


قال مالكٌ: وإن أنتجت البدنة بعد التقليد والإشعار، فلينحر معها ولدها إذا نحرت. وما أنتجت قبل الإشعار، فأحب إلي أنْ يُنحر معها، إن نوى ذلك. محمدٌ: يريدُ: إن نوى بأمها الهدي قبل الإشعار. قال أشهبُ في نتاج البدنة: إن خلَّفَه فعليه أن ينفق عليه حتى يجد له محلاًّ، ولا محل له دون البيتِ، وغن باعه فعليه بدله هدياً كبيراً تامًّا. وقاله ربيعة، وقاله ابن القاسمِ، إن نحره في الطريق أبدله بهدي بعيرٍ، ولا يجزئه بقرةٌ.
وكذلك من أضرَّ بولدٍ، فديته في لبنها حتى مات، فعليه بدله ممَّا يجوز في الهدي.
قال ابن حبيبٍ: قال ابن الماجشون: ولو سَقْبَ هدي التطوعِ سقباً قبل محله، كان مثل أمه إن أبدله، ولو سقبَ الهدي الواجب قبل محلهن فعطبَ السقبُ، لم يكن كأمه إن نحره، وليخلِّ بين الناس وبينه، ويصير كالتطوعِ، فإن أكل منه، أبدله، وإن نحر السقبُ قبلَ المحل، فليبدله.
ومن "كتاب" ابن المواز، وكره ابن القاسم ضُرْبَ لبنِ البدنةَ بعدَ ريِّ فصيلها. قال: فإن فعل. فلا شيء عليه. قال محمدٌ: إلا أن يكون لها ضررٌ في ترك الحلاب، فيحلب قدر ذلك. قال ابن وهبٍ: لا يشرب

(2/454)


لبنها إلا من ضرورة، ولا تركب إلا من ضرورةٍ. وقاله مالكٌ.

في الشركة في الهدي والأضحية، ومن أخطأ فنحرَ هديَ غيره، وفي الهدي يختلط والأضحية
من "كتاب" ابن المواز، قال ابن وهبٍ: قال مالكٌ: لا بأس أنْ يشترك في هدي العمرة، التي يتطوع بها الناس، وأما الواجب، فلا. قال محمدٌ: لا يشترك في تطوُّعٍ ولا غيره، وقد قال مالكٌ: ومن فعله في التطوعِ فهو خفيفٌ. قال مالكٌ: ومعنى حديث جابرٍ: نحرنا البدنة عن سبعةٍ؟.
أنَّ ذلك في التطوعِ، وكانوا معتمرين.
قال مالكٌ: ومن اشترى أضحية عن نفسه، ثم بدا له أن يُشركَ فيها أهل بيته، فلا بأس بذلك.
قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ: ومن نحر هدي غيره، ونحر غيره هديه، فذلك يجزئهما، ولا يجزئ في الضحايا. وقال أشهبُ: لا يجزئ في الهدي ويضمن كل واحدٍ منها لصاحبه. وذكراه عن مالكٍ. وكذلك في "المستخرجة"، وزاد: وكذلك لو ذبح هدي غيره، عن نفسه، لم يجزئه.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال أشهبُ: وتجزئ في الضحايا عن ذابحها، ويغرم في الضحايا، كل واحدٍ قيمة ما ذبح لصاحبه، ويجزئه

(2/455)


كمن ضحَّى بكبشٍ، فاستحقَّ.
واختلف قول أشهب في الضحايا، قال محمدٌ: ذلك جائزٌ في الهدي، عن شاء الله، وإن اختار كل واحدٍ أخذ قيمتها في الضحية، أجزأت ذابحها، وغن اختار أخذ اللحم، كان ذلك له.
قال محمدٌ: والهدي الضالُّ، من نحره عن نفسه، لم يضر صاحبه، وهو يجزئ عن صاحبه. وتقدم في الباب الذي هذا بعده شيءٌ منذ كر اختلاط الهدي.

في من نذر هدياً أو بدنةً أو جَزُوراً
من "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: في من نذر بدنةً: فهي من الإبل ومحلها مكة، إلا أن يُسمِّيَ موضعاً، فهي على ما سمَّى، فإن لم يجد فبقرةٌ.
قاله ابن المسيب، وسالمٌ، وخارجةٌ، وعبد الله بن محمد بن عليٍّ، قالوا كلهم، إلا ابنَ المسيبِ: فإن لم يجد فسبعٌ من الغنمِ. وقال ابنُ المسيبِ: فعشرٌ من الغنمِ. وبالأول أخذ مالكٌ.
قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ، في "العُتْبِيَّة"، في من نذر بدنة: فإنه يجزئه ذكراً أو أنثى، كان في تطوعٍ، أو وصيَّةٍ، أو غير ذلك.
ومن " كتاب" محمدٍ: ومن نذر جزوراً، نحره حيث شاء. قال سليمان بن يسار، وربيعةُ، وغيرهما، في ناذر البدنة: ينحرها حيث نوى. وقال محمدٌ: إلا في موضع يتكلف فيه سوقها، فلينحرها بموضعه، ولا

(2/456)


تساقُ إلى غير مكةَ. قال مالكٌ، كانت بعينها، أو بغير عينها. ولو نذرها لمساكين البصرةِ، أو مصرَ، فلا ينحرها إلا بموضعه. قال أشهبُ: إن نوى بها مساكين المدينةِ، نحرها بالمدينةِ. وقال ابن القاسمِ: بل بموضعه، وقاله مالكٌ، وقال مرة أخرى: ينحرها حيث نوى، وكذلك في "المختصر".
وقال في ناذر البدنةِ: إن لم يجد سبعاً من الغنمِ، لم يجزئه الصيامُ، فإن صام، فعشرة أيامٍ. قال مالكٌ: وكذلك مَن نذر عتق رقبةٍ، فلم يجد فلا يجزئه الصيام. فإذا وجد أعتق هذا وأهدى ها. وقال أشهبُ: إن لم يجد سبعاتً من الغنمِ، صام سبعين يوماً. وكذلك قال ابن حبيبٍ، وذكره عن مالك. وقال أشهب في "كتاب" ابن المواز: يصومُ سبعين يوماً، أو يطعم سبعين مسكيناً؛ لكل مسكينٍ مُدًّا، فإن وجد شاةً واحدةً، أهداها وصام ستين يوماً.
ولو قال: لله هَديٌ، أجزته شاة إلا أن ينويَ أعلى منها، فإنْ نوى جذعةً من المعزِ، فعليه ثنيَّةٌ من المعزِ، أو جذعةٌ من الضأنِ. وكذلك إن نوى عوراء أو معيبةً، أهدى سليمةً، وهذا في غير شيءٍ بعينه، ومن نذر شيئاً بعينه، فلينحره، كما هو. أشهبُ: وقال: لا يجوز في السنِّ، والسلامةِ، إلا ما يجوز من الهدي. وقوله: أنا أهدي أو لله علي هديٌ، فذلك سواءٌ، وذلك عليه. قال مالكٌ: وقولُه: عليَّ المشيُ أو لله عليّ المشيُ سواءٌ.

(2/457)


ومن "العُتْبِيَّة"، قال سحنونٌ، عن ابن القاسم: ومن قال: عليَّ هديُ عبدٍ، أو ثوبٍ، فلينظر إلى وسطٍ من العبيدِ، أو الثيابِ، فيبعث به، فيشترى به هديٌ. قال ابن القاسمِ: ومن قال: عليَّ رقبةٍ من ولدِ إسماعيل، فلينظر على اقرب الناس من ولد إسماعيلَ، ممن يُسترق فيخرج قيمته يُشترى به هديٌ. وقال مثله مالكٌ، فيمن نذر عتق رقبةٍ من ولدِ إسماعيل.
في من لزمه هديٌ فلم يجده، أو تصدَّقَ به أو بثمنهِ، وفي صيامِ المتمتعِ والقارنِ وغيرهما، إذا لم يجد هجياً، وفي هدي الفوات والفساد هل يُعجَّلُ؟
قال مالك في "المختصر": إنَّ ما استيسر من الهديِ، شاةٌ.
من "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ، في من لم يجد ثمنَ هديٍ وقد لزمه وهو مليٌّ ببلدهِ، فإن وجد مسلفاً، فليتسلف، فإن لم يجد، صام ثلاثةَ أيامٍ في الحج، وسبعة إذا رجع، ولا يؤخر الصيامَ ليُهديَ ببلده، فإذا صام أجزأه. قال مالكٌ فيمن لم يجد هدياً، فتصدَقَ بثمنه، فلا يجزئه. ومن دفعَ الهديَ حيًّا للمساكين، بعد أن بلغ محلَه، وأمرهم بنحره، ورجع على بلده، فاستحيوه، فعليه بدله، كان واجباً أو تطوعاً. وإنما يجزئه أن يدفعه إليهم، بعد أن ينحره، ولو نحره ثم سرق منه، أجزأه، وإن كان واجباً، ولو سرقَ، وهو حيٌّ مقلدٌ، فإن كان واجباً، بدله.
ومن نحر بمكة جزاء صيدٍ، ثم حمله إلى غير مساكينها، أجزأ عنه.

(2/458)


قال أشهبُ: وإن لم يجد مساكين، ولا قدر على حمله، أجزأه.
قال مالكٌ: في المتمتع: إن لم يجد الهدي، فليصم الثلاثة أيام في الحجِّ وسبعةً من يوم يُحرمُ إلى عرفةَ. وقال أيضا: يصومها قبل يوم عرفة، أو يكون آخرها يوم عرفةَ، فأن لم يفعل صام أيام منًى، ثم له وطءُ أهله في ليالي أيام صيامه بمنًى. قيل لمالكٍ: أفيصومُ السبعة إذا رجع إلى مكة؟ قال: إذا رجع إلى أهله احب غلي، إلا أن يقيم بمكة ويجزئه إن صام في طريقه. قال مالكٌ: فإن نسيَ الثلاثة حتى صام السبعة، فإن وجد هدياً فأحب إلي أن يهديَ، وإلا صام. قال اصبغُ: يعيد حتى يجعل السبعة، بعد الثلاثة.
قال مالكٌ: ويصوم القارن ثلاثة في الحجِّ، مثل المتمتع، ولا يجوز له أن يؤخر رجاء أن يجد هدياً، وأحب إلي أن يؤخر إلى غير ذي الحجةِ، أو بعده عن رجا هدياً، وإن لم يرجُ فليصمْ.
ابن وهبٍ: وسألت امرأة مالكاً، فقالت: قرنت عام أول ولم أجد هدياً، وقد قدمت العام. فقال لها: إن لم تجدي هدياً، فصومي ثلاثة أيامٍ في إحرامك، وسبعة إذا رجعتِ.
أشهبُ: قال مالكٌ: ومن صام يوماً أو يومين من الثلاثةِ، ثم وجد هدياً، فليهدِ. ورَوَى عنه ابن القاسمِ، أنه إن شاء بنى على صيامه، وأجزأه. قال: والمعتمر في الصيام، كالحاجِّ، يصوم ثلاثةً – يريد في إحرامه – وسبعةَ بعد ذلك.
قال مالكٌ: ومن لزمه هديان، مثلَ أن يقرن ويفوته الحج، فإن وجدَ واحداً صام ثلاثة في إحرامه وسبعة بعد ذلك، وإن لم يجد

(2/459)


صام ستة أيامٍ في إحرامه، وأربعة عشر إذا رجع. قال: وصيام من نسيَ حلق رأسِه في عمرته، حتى أحرم بالحجِّ، ثلاثةٌ وسبعةٌ، بعدَ ذلك. وكل ما يجب فيه الهديُ، فصيامه فيه صيام المتمتعِ، وكذلك صيامُ الفواتِ وصيامُ الفسادِ، يصوم كذلك في حجه القضاء. وقاله أصبغُ استحباباً. ولا أراه بواجبٍ، كالقارنِ.
قال: ومن عجز عن مشيهِ، فليصم عشرة كيف شاء وحيث شاء، وكذلك من نقصَ من حجِّه، مثلُ رمي الجمارِ، أو ترك النزولِ بمزدلفة، إذا لم يجد الهديَ. ولا يصوم هذا في أيام التشريق، وليصم كيف شاء وحيث شاء. وقاله اصبغ، وعبد الملكِ. وهكذا من قبَّل امرأته في إحرامه، ومن أخَّرَ رميَ الجمارِ، أو بعضها على الغدِ، فليصم ثلاثةً، وسبعةً إذا رجع، مثل المفسدِ، والمتمتعِ. قال في "المختصر": ويصومُ المحصر السبعة في أهلهِ، أحب إلينا.
ومن "العُتْبِيَّة"، روى عيسى عن ابن القاسمِ، فيمن أفد حجه، ولم يجد هدياً، قال: يصوم ثلاثة في الحجِّ، وسبعة إذا رجع.
ومن "كتاب" ابن المواز، ورُوِيَ عن مالك، في صيامِ فدية الإيذاء: أنه لا يصومها في أيام منًى. قال مالكٌ: ويؤخر هدي الفواتِ والفسادِ، فيخرجه مع حجة القضاء، قال في "المختصر": لا يقدِّمْ هدي الفوات عن

(2/460)


واجبٍ، أو تطوعٍ، وإن خاف الموتَ. قال أصبغُ، في "كتاب" محمدٍ: وإن قدَّمَ لم يجزئه، وبعده أحب إليَّ. وقال بعض العلماءِ: يجزئه على ضعفٍ، وإن تركه، فليس بواجبٍ.
ومن قلَّد هدي تمتعه، قبل يحرم بالحجِّ، أو نحره، لم يجزئه. قال أشهبُ، وابن الماجشون: وسهَّل فيه ابن القاسمِ، أنه يجزئه، وإن ساقه في عمرةٍ ثم قرن، أجزأه عن قرانه، والثقة له أن يبدله.

ما يقتل المحرم من الدوابِّ
من "كتاب" ابن المواز، وكره مالكٌ للمحرم قتل الوزغِ؛ لأنها ليست مما أمر النبي صلى الله عليه وسلم المحرم بقتله، ولا بأس بقتلها للحلالِ في الحرمِ، ولو لم تُقتل فيه لكثرت وغلبت، وأما المحرم فشانه يسيرٌ. قال مالكٌ: وقد سمعت أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتلِ الوزغِ، وكانت عائشة تتخذ لها رمحاً. فأما المحرم، فلا يقتلها، فإن قتلها، رأيت أن يتصدَّقَ مثلَ شحمةِ الأرضِ. قيل له: لِمَ وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم

(2/461)


في قتلها؟ قال: وكثيرٌ مما أذن في قتله، لا يقتله المحرم، وقد احلَّ الله الطيباتِ من الرزقِ، والصيد من الرزقِ. قال مالكٌ: وال يقتل المحرم قرداً، ولا خنزيراً. قال ابن القاسم: ولا وحشيًّا ولا أهليًّا، ولا خنزير الماء. وقف محمدٌ عن خنزير الماءِ.
قال ابن حبيبٍ: وقال عطاءٌ في القرد: أنَّ فيه الجزاءَ.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال: ويقتل المحرمُ الفأرة والحية والعقرب، صغارهنَّ، وكبارهنَّ، وإن لم تؤذه، ولا يقتل صغار الذئابِ، ولا فراخَ الغربانِ.
قال ابن عبد الحكمِ: واختلف قولُ مالكٍ في الذئب بعينه، فقال: لا يصيده المحرم، وقال: يصيده.
وأحب إلينا أن يقتله إذا عدى عليه؛ لأنه داخلٌ في اسمِ الكلبِ العقورِ.
قال في "العُتْبِيَّة" أشهبُ عن مالكٍ: لا يصيد المحرم الذئبَ، ولا الثعلبَ.
قال مالكٌ: والحدأة والغراب لا يقتلها المحرم، ولا الحلال في الحرمِ، إلا أن يضراه، ويؤياه، قال في "المختصر": لا أحب لأحدٍ قتلهما في الحرمِ، خوفَ الذريعة لاصطياد، إلا أن يؤذياه.
ولا تصاد في الحرمِ الرخمة، ولا الثعلب، ولا الضبع، ولا الهرُّ الوحشيُّ أو الإنسيُّ.
وقال ابن حبيبٍ: ولا الدُبُّ وشبهه من السباع التي لا تؤذي. فإن قتلهم ولم يؤذوه، وداهم، وإن كانوا آذوه، فلا شيء عليه. وكان عطاءٌ يجعل الهرَّ الوحشيَّ من السباع العاديةِ، ويأمر المحرم بقتله. وقو لمالكِ أحب إليَّ.
قال ابن حبيبٍ: ولا يقتل الضبع بحالِ. وقد جاء أنَّ فيها شاةً. قال مالكٌ: إلا أن يؤذيه ويعدو عليه، فله قتله. وقال اصبغُ: يديها، وإن بدأ بها. وهذا من اصبغ غلطٌ. وكذلك له قتل سباعِ الطيرِ إذا آذته.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال: ويقتل السبع والفهد والنمر، ويبتدئها، وإن لم تبتدئه. قال ابن القاسمِ: ولا يقتل صغارها، فإن فعل، لم يدهم. قال أشهبُ: بل يديهم.

(2/462)


قال ابن القاسمِ: وأحب إلي أن لا يقتل الغراب، والحِدأةَ، حتى يؤذياه، فإن قتلها قبل يؤذيانه، فلا شيء عليه. قال اصبغُ: يريد في كبارها، لأنها من الخمس الفواسقِ، وأما صغارها التي لا حِراكَ لها، فيديها إن قتلها، ويقتل بقية الخمسِ، وإن لم تؤذِ. قال اصبغُ: لأن صغارهن عدوٌّ يضرُّ. ويعقرُ. وقال البرقيُّ، عن أشهبَ: يقتل صغار السباع وصغار الحية والعقرب والفارةِ، عَدَتْ أو لم تَعُدْ.
وقال أشهبُ، في "كتبه": إن قتلَ غراباً أو حِدأةً أو صغارَ السباعِ ممن غير أذًى، وداهم. ويقتل الكلبَ، وإن لم يعقرْ، وإن كان كلبَ ماشيةٍ، ولا يقتل سباع الطير عندَ مالكٍ. قلتُ: فما عدى عليه من الطيرِ؟ قال: لا شيء عليه فيه، إذا آذاه.
قال أشهبُ: إذا عدى عليه شيءٌ من الطير فقتله، فعليه جزاؤه. قال: ولا بأس أن يلقيَ عن نفسه الذرةَ والبرغوث والقراد والنملةَ، وإن قتل شيئاً من ذلك، فعليه شيءٌ من طعامٍ، في قليلٍ ذلك وكثيره.
قال مالكٌ: ويُلقي عن نفسه البراغيث والذبابَ والذرةَ، والحصان، وهي ذبابٌ صغارٌ، وإن لذعته دَرَّةٌ فقتلها ولا يشعر، فليطعم شيئاً، وكذلك النملة، وكذلك ما وطئ عليه من ذك ببعيره.
قال: ولا بأس أن يقتل البراغيث، وأما القمل، فلا. وقال أيضا في البراغيث، والباعوضِ: عن أَطْعَمْ لذلك شيئاً، فهو أحب غلي.
قال محمدٌ: وليس عليه في كثرةِ القملِ وقليله إلا قبضةٌ من طعامٍ.

(2/463)


ورُوِيَ لمالكٍ في كثيره، الفدية. قال ابن القاسمِ: وأرجو أن يجزئه شيءٌ من الطعامِ.
قال مالكٌ: ولا يُشَمِّسْ ثوبَه، ولا يُفَلِّه، وإذا وجد عليه البَقَّةَ، فأخذها، فتموت في يده، فلا شيء عليه، وإذا كثر عليه الذَّرُّ، فلا يقتلها، فإن حكَّ فقتلها، أطعم شيئاً.
قال مالكٌ: وإن وقعت من رأسه قملةٌ على ثو بهِ، فإن شاء تركها، وإن شاء حوَّلها من ثو بهِ، إلى موضع أخفى من مكانها. وقال عنه أشهبُ: يدعها مكانها. ورَوَى هون وابن القاسمِ مثل القول الأول.
ومن "المختصر": وإذا جعلتِ المحرمة زاوُوقاً قبل الإحرامِ، قلتفتدِ. وتقدَّم هدا. وتقدَّم في باب غُسلِ المحرم ذكرُ دخوله الحمَّامَ.
ومن "كتاب" محمدٍ: ولا شيء في الضفدعِ، إن قتلها. قال أشهبُ: وقيل: يطعم شيئاً.
قال ابن القاسمِ: قال مالكٌ، في جرادةٍ: قبضه من طعامٍ. وقال محمدٌ: بحكومة ذوي عدلٍ، فإن ودى بغير حكومةٍ، أعاد بحكومةٍ. قال مالكٌ: ولا يُصادُ الجراج في الحرمِ، وما أصابت البدنة في سياقٍ أو قيادٍ أو ركوبٍ، في ليلٍ أو نهارٍ، فهو ضامنٌ له؛ لأنه أوطأها، وكذلك لو ضربها فقتلت صيداً، وأما ما فعلت بنفسها، من غيرِ هذه السباب، فلا شيء عليه.
قال ابن وهبٍ، عن مالكٍ، في الذباب: يطأ عليه، لا يمتنع من

(2/464)


ذلك لكثرته، فليطعم مسكيناً، أو مسكينين. وقال: بعد ذلك لا شيء عليه في مثل هذا الغالبِ. قال ابن عبد الحكمِ: وهذا أحب إلينا.
قال في "المحتصر": وإذا كثر الجرادُ على الناسِ في حرمهم، فلا يقدرون على التحفظِ منه، فلا شيء عليهم فيه، إذا لم يتعمدوا قتله، ولو أطعم مسكيناً، لم أرَ بذلك بأساً.
قال ابن القاسمِ: ولا يصيد المحرم سُلحفاءَ البرِّ. قال مالكٌ: ولا يصيد من الطير شيئاً مأواه البحرُ وجزائره.

في المحرم يأكل ما صيد من أجله، أو ما ذبحه الحلال، أو صاده المحرم
من "كتاب" ابن المواز، قال أشهبُ: عن مالكٍ: لا باس أن يأكل المحرم من صيدٍ ذُبحَ للمحرمين، قبل أن يحرموا، أو صيدَ من أجلهم، قبل أن يحرموا، لقومٍ بأعيانهم، أو بغير أعيانهم. قال مالكٌ: ولو صيدَ من أجل محرم بعد إحرامه، لم يأكله، فإن أكل منه، وهو بذلك عالمٌ، وداه، وإن أكل منه غيره من أصحابه، وهو يعلم فلا شيء عليه، لما جاء عن عثمان. ولكن لا ينبغي أن يأكل من ذلك حلالٌ ولا حرامٌ.
وقال في محرمٍ، قُتلَ من أجله صيدٌ، أو من أجل محرمٍ غيره، ثم أكل منه، وهو يعلم، فعليه جزاؤه. فإن لم يعلم، فلا جزاء عليه، وقد قيل:

(2/465)


لا جزاء عليه؛ علمَ، أو لم يعلم. لأنه أكل منه، إلا أن يعلمَه قبلَ يذبحه، فيذبحه على ذلك، أو يأمرهم بصيدهِ، فهذا عليه جزاؤه.
ومن "العُتْبِيَّة"، روى يحيى بن يحيى، وسحنونٌ، عن ابنِ القاسمِ، مثل هذا كله. وقال: إذا أكله محرمٌ، ولم يُصَدْ من أجلهِ، وهو عالمٌ بذلك، فلا جزاء عليه، وبئس ما صنع، ولا يده، ولا أحب له ذلك، وإنما يديه من صيد من أجله، إذا أكله الذي صيدَ من أجله عالماً بذلك، وكان محرماً يومَ صيدَ من أجله، وإذا كان ذلك، فإنما أكله بعدَ أنْ حلَّ، فذلك مكروهٌ، ولا جزاء عليه عن فعل.
قال عنه ابن القاسمِ: وإن صيد من أجله قبل أن يحرم كرهت له أكله، ولا جزاء عليه إن فعل.
قال: وروى ابنُ القاسمِ، عن مالكٍ: أنه لم يرَ به بأساً بأكله إذا صيدَ من أجله، قبل إحرامه. قال ابن القاسمِ: وما صيدَ للمحرمينَ، يتلقَّوْنَهم به، فأكله محرمٌ يعلم أنه صيدَ لهم، وقد كان يومَ يصيدُ قد احرم، فليَدِه، وإن لم يعلم فلا شيء عليه، وغن كان أحرم، وبعدَ أن صيدَ للمحرمين، فلا شيء عليه، وإن علمَ به، فلا خطأ، وقد تقدم ما ينوب ذكره عن هذا.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ في المحرمِ، إذا قتل صيداً فوَدَاه ثم أكل منه – قال ابن القاسمِ: هو أو غيره من المحرمين – فلا شيء عليه في أكله، كمن أكل منه، وكذلك ما صيدَ في الحرمِ. وفي رواية

(2/466)


أشهبَ، عن مالكِ، في صيدٍ قتلَه محرمٌ، فأكله غيرُه من المحرمين.
قال: في ذلك نظرٌ، وإن أكله حلالٌ، فلا شيء عليه.
وقال مالكٌ، في المحرم، يصيد الصيد في الحِلِّ، فيذبحه الحلال، أو يذبحه هو، بعد حِلِّهِ، فلا يؤكل، وعليه جزاؤه، وكذلك ما صاد وهو حلالٌ، وقتله وهو محرمٌ.
قال مالكٌ: وإذا اضطرَّ على الميتةِ، فليأكلها، ولا يصيدُ صيداً، فيأكله، فأما صيدٌ صيدَ من أجلهِ، بغير أمره، فله أكله، ويديه أحب إلينا من أكلِ الميتةِ.
في المحرم يدلُّ محرماً، أو حلالاً على صيدٍ، وفي المحرم يجرح الصيدَ، أو يعين في قتله
من "كتاب" ابن المواز، قال أشهبُ: وغن دلَّ محرمٌ على صيدٍ، فقتله، فعلى كلِّ واحدٍ منهما جزاؤه.
وإن دلَّ محرمٌ حلالاً على صيدٍ، فقتله، فلا جزاء على الدال، وليستغفر الله، وكذلك إن ناوله سَوطاً. وابن القاسمِ لا يرى على الدالِّ المحرم في الوجهين شيئاً.
قال أشهبُ: وإذا قطع رجل صيد، وذبحه الآخر، فعليهما الجزاء جميعاً. محمدٌ: إن كان في فورٍ واحدٍ، بخلاف الإنسانِ، لأنَّ هذا لو لم يقتله الآخر، للزم القاطع جزاؤه.

(2/467)


ومن جرح صيداً، فعليه جزاؤه، إلا أن يعلم أنه سلمَ فلا شيء عليه.
محمدٌ: وذلك إذا برئ على غير نقصٍ، وإن جرحه، ثم قتله في فورٍ واحدٍ، أو بعد ذلك، قبل يبرأ من الأول، فجزاءٌ واحدٌ، وغن برئ من ألأول، فعليه جزاؤه، وعليه في الجرحِ الأول ما نقصه، ما بين قيمته صحيحاً، وجريحاً. وقاله ابن القاسمِ.
قال ابن حبيبٍ: ومن رمى صيداً، وهو محرمٌ، فأصابه، فتحاملَ حتى غاب عنه، فإن أصابه بما يفوت بمثله، فليَدِهِ، وإن وَدَاه، ثم وجده لم يعطب بعدُ، ثم عطبَ، فليده ثانية، لأن الجزاء الأول، كان قبل وجب لله. قاله ابن الماجشون.
في الصيد يموت بسبب المحرمِ مثل أن يفزع منه أو يقع فيما نصبه لسبعٍ، أو يقتله كلبه، وقد أرسله على غيره، أو يذبحه ناسياً لإحرامه، ومن ادخل كلبه الحرم، وكيف إن افلت على صيدٍ
من "كتاب" ابن الموزا: وإذا رأى الصيدُ محرماً، ففزع فعطبَ لذلك، قال أشهبُ: لا شيء على المحرمِ، وقال ابن القاسمِ: عليه الجزاءُ.
وقول أشهب أحب إليَّ.
قال ابن حبيبٍ: قال أصبغُ: إلا أن يكون كانت من المحرم حركةٌ نَفَرَ لها.
ومن "كتاب" ابن المواز: ولو أرسل كلبَه على سَبُعٍ في الحرمِ،

(2/468)


فأصاب صيداً. فقال أشهبُ: لا شيء عليه. وقول ابن القاسمِ، إنه يديه أحب إلينا.
ولو نصبَ شرَكاً لسبعٍ، فعطب فيه صيدٌ، وداه، عند ابن القاسمِ.
وقال أشهبُ: إن كان في موضعٍ يتخوَّفُ فيه على الصيدِ، وداه، وإلا فلا. وهذا أحب إلينا.
وقال في محرمٍ نزلَ بالسيالةِ، فاشترى عشرة من الطيرِ، فذبح منها ناسياً لإحرامه، ثم ذكر، ثم جاء بها – يعني ليردها على البائع – فما ذبح، أو أمر بذبحه، يلزمه، وما بقي رده، ويلزم البائع، شاء أو أبى. ويجزئُ كل كيرِ ذبحه، يعدله طعاماً، ولا يجزئه أن يجزئهم جميعاً بشاةٍ.
قال مالكٌ: ولا أحب أن يصحبَ المحرم كلباً، ولا بازاً. قيل: فإن فعل؟ قال: ما أرى من أمرٍ بيِّنٍ إن لم يكن أفلتَ، أو أُرسلَ على شيءٍ.
قال أشهبُ: إن أدخل حلالٌ بازًّا الحرم، فليخرجه، ولا شيء عليه، وغن افلت على شيءٍ من حمام الحرمِ، فإن صنعَ، فعليه الجزاء، وإلا فلا شيء عليه.
في من أحرم وبيده صيدٌ أو بيدِ من جعله عنده، وكيف عن قتله غيرُه بيدهِ، وفيمن أخرج صيداً من الحرم، أو أدخله فيه من الحِلِّ، أو قص جناجه، وفي المرحم يبتاع الصيدَ
من "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: وإذا احرم، فعليه أن يرسلَ

(2/469)


كل صيدٍ معه، ولا شيء عليه فيما في بيته، وفيما ليس معه عند إحرامه.
قال أشهبُ: قال مالكٌ: ولا يسافر المحرم بالصيدِ، فغن فعل، فلا شيء عليه يريد ويرسله ومن أرسله من يده، فعليه قيمته. قال محمدٌ: وقول ابن القاسمِ أحب إلي: أنَّ لا شيء على من أرسله من يده؛ لأن عليه هو أن يرسله، وكذلك لو حلَّ، فإن قيل: كيف يرسله في وقتٍ يحلُّ له صيده؟ قيل له: وكذلك يلزمه في الحلال، يخرج الصيدَ من الحرمِ، إنَّ له أن يحبسه، لأنَّ له أن يصيده هناك، وهذا لا يجوز. قالا جميعاً: ولو أرسله المحرم، فأخذه رجلٌ، لم يكن له أن يطلبه منه، إذا حلَّ. قالا: وما خلَّف عند أهله، فذبحوه، فله ولهم أكلُه، ولا جزاء عليه فيه.
ومن "العُتْبِيَّة"، قال سحنونٌ: قال ابن القاسمِ، فيمن صاد صيداً، وهو حلالٌ، أو محرمٌ فأدخل الحلال صيده الحرم، أو احرم وهو معه، ثم حلَّ أو خرج من الحرمِ، أو حل الذي صاده، وهو محرمٌ، والصيد معهما، فأكلاه فعليها جزاؤه؛ لأنه وجبَ عليهما إرساله. قال: وخالفني أشهب، فقال: لا شيء عليهما جميعاً.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال أشهبُ: وإذا أخذ محرمٌ صيداً، فقتله في يدهِ حلالٌ في الحرمِ، فعلى كل واحدٍ منهما جزاؤه، ويغرم الحلالُ قيمته للمحرم، كان القاتلُ حرًّا، أو عبداً، أو صبيًّا، أو نصرانيًّا، إلا انَّه لا جزاء على النصرانيِّ. قال: وإن كان في الحِلِّ غَرِمَ له قيمته، وعلى المحرم وحده جزاؤه. قال محمدٌ: وإنما نرى على

(2/470)


قاتله لصاحبه القيمة، إلا أن تكون اليمة أكثر من الجزاء، فلا يلزمه إلا الجزاءُ لحجة المحرمِ، وعليه إني كنتُ اقدرُ، على السامةِ، بإطلاقه، فعليك ما أدخلت على بقتله، وإن كان في الحرمِ غَرِمَ جزاءً ثانياً.
وقال أشهبُ، وابن القاسمِ: وإذا صاد محرمٌ صيداً، أو احرم، وهو بيده، فأرسله من يده حلالٌ، فلا شيء عليه، ولو نازعه فيه حتى قتلاه، فالجزاء على المحرم بخاصَّةٍ فيه، ولو كان الآخر محرما وداه. وإذا أودع رجلٌ رجلاً صيداً، وهما حلالاً، في سفرٍ، ثم أحرم ربه، فإن كانا رفيقين، فليراه، وإن لم يكونا في رحل واحدٍ، فهو كالذي خلّفه في بيته، ولو احرم الذي هو بيده وديعة، فليرده على ربه، إن حضر. قال ابن حبيبٍ: ثم يطلقه الذي هو له إن كان محرماً، وإن كان حلالاً جاز له حبسه.
قال في "كتاب" ابن المواز: فإن غاب، فلا يرسل متاعَ الناسِ، ويضمنه إن فعل، ولو كان يومَ استُودعَ محرماً، كان عليه أن يطلقه، ويضمن قيمته لربه.
ومن "العُتْبِيَّة"، قال مالكٌ، فيمن باع صيداً على أنه بالخيارِ ثلاثاً؟ ثم أحرم المتبايعانِ مكانهما، فليوقف من له الخيارُ، فإن لم يختر، فهو منه ويسرحه، وإن أمضى البيعَ، فهو من المبتاع، ويسرحه، ولو سرحه المبتاع قبل إيقاف الآخر، ضمن قيمته.
ومن "كتاب" ابن المواز، ومن "الواضحة" قال: وإذا اشترى المحرم صيداً، فعليه أن يرسله، وإن حلَّ. وقال عطاءٌ: إا حل، فله حبسه.
قال ابن حبيبٍ: وإذا لم يرسله المحرم وجهل، فردَّه على بائعه، فعليه جزاؤه. وفي باب الصيد يكون بسبب المحرم ذكرٌ من شراء المحرم، الصيدَ

(2/471)


وإذا صاده يف الحل، ثم أدخله الحرم. فإن كان إرساله بذلك المكان مصلحةً له، أرسله، وإلا فليرده إلى موضعِ أخذهِ منه. وول كان إذا حبسه في ذلك لم يعش، فليرسله، وليده. ولا بأس أن تطرد طير مكةَ عن طعامك ورحلك. قاله عطاءٌ، ومجاهد.
قال أشهبُ: وإذا أخذ محرمٌ صيداً بمكة، فأخرجه على الحل، فسرحه، فإن كان صيداً ينجو بنفسه، فلا شيء عليه سواءٌ خَلاَّه قريباً، أو بعيداً، ولو كان بالأندلس، ولو كان صيداً مما لا ينجو بنفسه، فعليه جزاؤه. وذكر في "العُتْبِيَّة"، يحيى بن يحيى، عن ابن القاسمِ، مثلَه، إذا صاده وهو محرمٌ، فيرحه بعد أن حلَّ، فليده، إن خيف عليه الهلاك.؟
قال: فإن ذبحه بعدَ أن حَلَّ رداه.
ومن "كتاب" محمدٍ: وإذا أخرج عنزاً من الظباء نم الحرمِ، فكانت عندَه حتى ولدت، فعليه الكفارة فيها، وفي أولادها بشاةٍ شاةٍ، وغن كفَّرَ ثم ولدت، لم يحلَ له ولدُها، كما لم تحلَّ له هي، وليُخَلِّهَا، وأولادها.
وإن أصابها رجلٌ بعدَ ما كفَّر، فعليه كفارة ثانية، وغن لم يكفر حتى قتلها، رجلٌ لم يكن عليه فيها غير كفارة واحدةٍ. قال مالكٌ في المحرم إن ابتاع صيداً، فقصَّه فليدفئه. ثم يدعه في موضعٍ ينسل فيه، ثم عليه جزاؤه، وكذلك لوم مات بيده. وإذا أصاب المحرم صيداً فنتفه ثم حبسه

(2/472)


حتى نسل، فكار فلا شيء عليه، وإن حلَّ فليرسله، ولا شيء عليه، إلا أن يخاف عليهن فليده.
قال ابن حبيبٍ: إذا نتف المحرم صيداً، فليحبسه، حتى يعفوَ ريشه، ثم يرسله، ويطعم مسكيناً، فإن غاب عنه بعد أن قصَّه، أو نتفَ ريشَه، ما يخاف عليه فيه العطبُ، فليده.
ومن "كتاب" ابن المواز: ومن صاد في الحرم صيداً، أو خلاه في الحِلِّ بموضعٍ له فيه معاشٌ، وحفظَ مثل ماله في الحرمِ، فلا شيء عليه، وإن لم يكن كذلك بيقينٍ، فعليه جزاؤه.
في الغصن في الحِلِّ وأصله في الحرمِ، هل يُصادُ ما عليه؟ وفي رمي صيداً من الحِلِ في الحرمِ، أو من الحرمِ في الحِلِّ، وفي إرسال الكلب كذلك
من "كتاب" ابن المواز: وإذا كانت شجرةٌ أصلها في الحل، وبعض غصونها في الحرمِ، فلا يصاد ما على الغصن الذي في الحرمِ، ولا باس أن يقطعن وغن كان أصلها في الحرمِ، وغصنٌ في الحلِّ، فلا بأس بصيدِ ما عليه، ولا يقطع ذلك الغصن، ورَوَى ابنُ عبد الحكمِ، عن مالكٍ، وقاله عبدُ الملكِ، أن لا يصاد ما على الغصن الذي في الحِلِّ، وأصله في الحرمِ، وقال: وإذا كان الغصن في الحرمِ، فقتل ما عليه، فقد قتل في الحرمِ، وإذا كان الغصنُ في الحل، فقد قتل ما كان

(2/473)


على ما أصله في الحرمِ، وهو قريبٌ منه.
وقد قال أصحابنا، فيما قتلَ من الصيدِ، قريباً من الحرمِ: فيه الجزاءُ. ومثله عن مالكٍ في كتابٍ آخرَ.
وقال مالكٌ: ومن كان في الحرمِ، فرمى صيداً في الحِلِّ، فلا يؤكل.
محمدٌ: وعليه جزاؤه.
قال ابن القاسمِ: وكذلك إن أرسل كلبَه من الحرمِ على الحلِّ، فعليه جزاؤه، ولا يؤكل. قال ابن القاسمِ: وكذلك إن رمى صيداً، وهو والصيد في الحلِّ، وقد مكرَّ سهمه في الحرم، فليده، ولا يأكله. وقال أشهبُ فيه، وفي الذي رماه في الحرم: لا جزاء عليه، ويأكله.
وقال عبد الملكِ: إذا كان بعيداً من الحرمِ. قال أصبغُ: في المسالتين خطأٌ ولا يأكل منذ لك شيئاً. قال: وإن رمى صيداً في الحل فمات في الحرمِ، فإن نفذتْ مقاتله في الحل أكل، وإن لم تنفذ مقاتله في الحل، ومات في الحرم، فلا يؤك لولا جزاء فيه، وغن هرب.
ومن "الواضحة"، قال ابن الماجشون، ومن أرسل كلبَه على صيدٍ في الحرمِ، فطرده حتى قتله في الحِلِّ بعيداً من الحرمِ، فليده، وكذلك لو عطب من غير ذلك في الحل، أو طرده من الحرم إلى الحلِّ، ثم رده من الحل حتى رجع على الحرمِ، فعطب فيه من غير ذلك، فإنَّ عليه جزاءه؛ لأنه حرَّكه من مكانه الذي كان فيه، ولو كان رجع في الحرمِ إلى مكانه الأول، فعطب فيه، فلا جزاء عليه، إلا أن يعطب مما ناله من اللبِ، وبسببه.
وذهب ابن الماجشون إلى أنه يرسل كلبَه من الحرمِ على صيدٍ في الحلِّ بعيداً من الحرمِ، ولا يسكن بسكونه، ويرة أن يؤكل.

(2/474)


قال: لأن الحرم لا يحرم الصائد، إنما يحرم الصيدَ. قال: ورواية ابن القاسم أحوط، أنه يَدِيه. وقد قال مالكٌ: ما قتل من الصيد قريباً من الحرمِ، يسكن بسكونه، فعليه جزاؤه.

في ذبح ما دجن في الحرمِ للمحرم، وغيره، وفي بيضِ الطيرِ وفراخهِ، وحمام مكة والحرم، وفي قطع شجر الحرم، وغيره، وذكر حرم المدينة، والصيد فيه
من "كتاب" ابن المواز: وكره مالكٌ للمحرم ذبح الحمام الداجن، والحمار الوحشي، إذا دجنَ، أو أن يحج عليه راكباً، قال ابن القاسمِ: فإن أصاب المحرم حماراً وحشيًّا بعد أن دجن، وداه.
ومن "العُتْبِيَّة"، قال عيسى، عن ابن القاسم، عن مالكٍ: وإن المحرم صيداً داجناً، فعليه جزاؤه وقيمته لصاحبه، فإن كَسَرَ رجله، فإن برئَ، فلا جزاء عليه، وعليه ما نقصه الكسر.
قال ابن حبيبٍ: كره مالك للمحرم ذبح الحمامِ المتخذ في البيوتِ للفراخِ، ولم ير فيه جزاءً إن فعل، وكان عطاءٌ لا بذبحه بأساً.
قال: وكره مالكٌ ذبح الحمامِ الأحمرِ، وقال: جنسه يمامٌ وله عرقٌ في الوحشيةِ.

(2/475)


ومن "كتاب" ابن المواز قال مالكٌ: ولا يذبح فراخ برجٍ له، ولا باس بما ذبح أهله منه، ولا يأكل هو ما ذبحوا له منه. قال أشهبُ: ولا بأس أن يأكل ما ذبحوا منه لأنفسهم، وهو محرم. قال أصبغُ: وما ذبح هو من حمام بيته، وهو أيسر، فليَدِهِ.
وقال عبد الملكِ: ولا خير في بيض الحمام كله للمحرم.
وقال في "العُتْبِيَّة": فأما بيض الدجاجِ والأوزِّ، فجائزٌ له أكله.
وقال ابن نافعٍ: لا آخذ بقولِ مالكٍ في بيض النعامِ، وآخذ فيه بما ذكر عطاءُ بن يسارٍ، هن النبي صلى الله عليه وسلم: "في كلِّ بَيْضَةٍ صيامُ يومٍ".
ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ، في مكيٍّ احرم، وفي بيته فراخ حمامٍ من حمام مكة، فأغلق عليهم باباً: فنفق فليُهدِ من كل فرخٍ شاةً، وإذا دخل مكةَ حمامٌ إنسيٌّ أو وحشيٌّ، فللحلالِ أن يذبحه، فإن ذبحه بها محرم، فعليه قيمته طعاماً، وليس عليه شاةٌ في هذا، إذا لم يكن من حمام الحرم. وحمام الحرم كحمام مكةَ عندَ مالكٍ، ولم يره ابنُ القاسمِ مثلَه. وقال: فيه حكومةٌ. وقال أصبغُ: وبقول مالكٍ أقولُ.
وقَمَاريُّ مكةَ كحمامها. قال أصبغُ: وكذلك يمامها، وقماريُّ الحرمِ ويمامه. وقال عبدُ الملكِ: في ذلك حكومة، إلا حمامَ الحرمِ، ففيه شاةٌ، فإن لم يجد صام عشرة أيامٍ. قاله مالكٌ: وليس في ذلك صدقةٌ، ولا تخيير.

(2/476)


قال مالكٌ، في بيضِ النعام يكسرها المحرم، أو تكسر في الحرم: ففي كل بيضةٍ عشر ثمن أمها، كان فيها فرخٌ، أو لم يكن، أو كان ميتاً، أو حيًّا غير مستهلٍّ، وإن استهلَّ، ففيه الجزاءُ كاملاً، محمدٌ: بحكومة عدلين. قال أشهبُ: فيه ما في أمه، إذا خرج حيًّا. ولم يذكر: استهلَّ.
قال مالكٌ: في "المحتصر": وفي بيض النعام عشر ثمن البدنةِ.
وكذلك قال مالك، في بعض "الموطآت" عشر ثمن النعامةِ. قال ابن حبيبٍ: وكذلك في بيض حمام مكة، عشر ثمن الشاةِ.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: في صغيرِ كل صيدٍ مثلُ ما في كبيره.
قال محمدٌ: وإن شكَّ في حياته، فأحب غلينا أن يديه، ولعله إنما مات بكسره، ما لم يوقن أنه كان ميتاً قبل ذلك، بالرائحة وغيرها. وقاله كله ابن القاسمِ، رواه لي عنه أبو زيدٍ: وكذلك في بيضِ حمامِ مكة إن كان فرخها حيًّا، فشاةٌ، وإلا فعشر ثمن شاةٍ.
قال مالكٌ: ولا يقطع شجرُ الحرمِ، ولا يكسرْ، ومن فعل لم يحكم عليه بشيءٍ، وبئس ما صنع، ولم يبلغنا أحداً حكم فيه بشيءٍ، ولم يثبت عندنا ما قال أهل مكةَ: في الدَّوْحَةِ بقرةٌ، وفي كل غصنٍ شاةٌ، ولا يقطع إلا السَّنَى والإذْخِرِ، وله أن يرعى، ولا يحتشَّ، وله أن يحتشَّ في غير الحرمِ عند الحاجةِ، وليتقِ قتلَ الدوابِّ.
قال ابن حبيبٍ: قال عطاءٌ: من قطع شجرةً من الحرمِ، فعليه دمٌ.
ولم يره مالكٌ، وقال: ما بلغني أن أحداً حكم فيه بشيءٍ.

(2/477)


ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: ولا بأس أني قطع في غير الحرمِ من الشجر مثلَ العصاة والعصاتي والقضيبِ لحاجته. قال مالكٌ: وله أن يخبطَ في غير الحرمِ لبعيره.
قال مالكٌ: ولا بأس أن يتفلَّى الحلال في الحرم. وكره قتلَ الجراد في حرم المدينةِ. ولا يقطع شجر الحرم، ولا غرم عليه إن فعل فيه، ولا في حرم المدينة – يريدُ وقد اخطأ -.
ومنه، ومن "العُتْبِيَّة"، قال مالكٌ: ولا نعلم فيما صيدَ في حرمِ المدينةِ جزاءً، وكل شيءٍ وسنته. ومن مضَى اعلم ممن بقيَ، ولو كان هذا لسنُّوا فيه وقد قُتلَ الصيد في أيامهم، ونزل ذلك وتكرَّر، وزاد في "كتاب" محمدٍ: قيل: أفيؤكل ما صيدَ بها، وذبح. قال: ما هو مثل ما صيدَ بحرمِ مكةَ، وإني لأكرهه، فروجعَ، فقال: لا أدري.
قال في "العُتْبِيَّة"، عيسى، عن ابن القاسمِ: وأخذ مالكٌ بالحديثِ في تحريمِ ما بين المدينة، ولم يرَ فيه جزاءً، ونراه ذنباً من الذنوب.

ذكر جزاء الصيد، وذكر الحَكمين فيه، وأين يخرج الجزاءُ؟
ومن "العُتْبِيَّة"، قال أشهبُ، عن مالكٍ: في الحمار الوحشيِّ

(2/478)


بقرة، ولا يؤديها، إلا بحكم ذوي عدلٍ.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: ويحكم في كل شيءٍ من الصيد يصيبه المحرم –صغيره أو كبيره، الجراد فما فوقه – حكمان، فإن كفَر قبلَ الحكمين، أعاد بهما.
قال عنه أشهب، في "الكتابين": ولا يكتفي في الجراد ولا غيره، أو النعامة أو البقرة، فما دونها بالذي جاء في ذلك، حتى يأتنف الحكمَ فيه، ولا يخرجا عما مضى، قيل لمالكٍ: فإن أصاب صيداً، فأفتاه مفتٍ بما جاء في ذلك؟ قال: لا يجتزئ بذلك، إلا بحكمين، وقال أيضا في المفتي: لا، حتى يكون معه غيرهم ولو كان في جراجة وهذا في كلِّ صيدٍ إلا في حمام مكة، ففي ذلك شاةٌ يحتاج فيه على حكمين، لأنه لم يؤخذ من باب الاجتهاد في المماثلةِ لكنه أمرٌ خارجٌ عن ذلك مخصوصٌ. قال محمدٌ: وأحب إلينا أن يكون الحكمان في مجلسٍ واحدٍ، من أن يكون واحداً بعد واحدٍ.
قا محمدٌ: وليس فيما دون الظبي من جميع الأشياء إلا الطعام، أو الصيام، إلا في حمام مكة أو الحرم. وتوقف ابن القاسم في حمام الحرم.
وفي الضبِّ اختلافٌ، روى ابن وهبٍ، عن مالكٍ: فيه شاةٌ، ورَوَى عنه ابن القاسم: عليه قيمته طعاماً أو صياماً، وكذلك الثعلب ولا يجزئه إن ذبح عناقاً، فأشبع منها عددَ ما يجزئه من الحنطةِ واللحم، لا يجزئ في كفارة يمينٍ ولا في كفارة فطرٍ، ولا غيره، ولي يقوم

(2/479)


الجزاء بالطعام، ولكن الصيد نفسه قيمته بالحنطة بموضع أصابه، أو بما قرب الموضع إليه من المُدين، إذا لم يكن بموضعه من يقومه.
وكذلك يفرقه على مساكين أقرب المواضع إليه، عن لم يكن بموضع إصابة أنيسٍ.
وإن قوَّمه بدراهم، وأخرج قيمةَ الدراهم طعاماً، أجزأه، وقيمته بالطعام أحب إلينا. وإن أصابه بالمدينةِ، فأطعم بمصرَ، لم يجزئه، إلا أن يتفق سعراهما، وإن أصابه بمصرَ وهو محرمٌ، فأطعن بالمدينةِ أجزأه؛ لأنَ السعرَ بالمدينةِ أعلى. قال اصبغُ: إذا أخرج على سعرهَ بموضعه ذلك، أجزأه، إن شاء الله حيث ما كان.
ومن "العُتْبِيَّة"، قال يحيى، عن ابن وهبٍ: وإذا كان الطعامُ ببلدهِ أغلى من موضع قُتِلَ فيه الصيدُ، واُحكم عليه فيه، أو كان ببلده أرخص، فإنما يخرج قيمةَ الطعامِ الذي حُكمَ به عليه عيناً، حيث أصاب الصيدَ، فيشتري بمثل تلك القيمة طعاماً، حيث أحب أن يخرجه، فيتصدق به إلا بذلك البلدِ، أو رخص.
قال: والسنة أن الحكمين يخيران الذي أصاب الصيد أن يحكما عليه إن شاء بهديٍ، أو بكفارةٍ طعامِ مساكينَ، أو عدلِ ذلك صياماً، ما لم يبلغ أن يحكم فيه بهديٍ، فليحكما فيه بطعامٍ، ثم هو مخير أن يطعم ذلك، أو يصوم عن كل مُدٍّ يوماً، وكذلك إن أحب أن يحكما عليه بطعامٍ – يريد فيما يبلغ الهدي – فله أن يصوم بمبلغ الأمداد أياماً.
وقال ابن حبيبٍ: ولا يطعم الطعام إلا بموضع أصاب الصيد فيه، أو ما

(2/480)


قاربه، حيث يجد المساكين، فإن جهلَ، فأخَّره إلى يلده، فإن كان السعر ببلده ارخص، اشترى بثمن الطعام، حيث قتل الصيد طعاما ببلده، فأخرجه بها، وإن كان ببلده أغلى، فليخرج المكيلة التي حُكمَ بها عليه حتى يخرج مثلَها ببلده.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: وإذا أصاب صغيراً قُوِّمَ بالطعام، ثم يُسَوَّى الكبير منه، وكما يُهدي عن صغيره مثلَ ما يُهدِ يعن كبيره.

في الوصية بالحج، وفي من حج عن غيره
من كتاب ابن المواز، قال ابن وهبٍ: قال مالكٌ: لأن يؤخر الرجل نفسَه، في سوق الإبلِ وحمل اللبنِ، أحب إليَّ من أن يعملَ عملاَ لله عزَّ وجلَّ عن غيره بإجارةٍ، وحسنٌ أن يتصدق عن الميت، ويُهدي عنه، ويعتق ويقضي دَينه. وهذه دارُ الهجرةِ لم يبلغنا أن أحداً بها منذُ زمان النبي صلى الله عليه وسلم حجَّ عن احدٍ، ولا أمر بذلك، ولا أذن فيه. قيل: فإن أوصى به أحدٌ؟ قال: فافعل ما أمرك به.
قال مالكٌ: لا يحجُّ أحدٌ عن أحدٍ، ولا يعتمر عنه، لا عن حيٍّ، ولا عن ميت، إلا أن يوصيَ فينفذَ ذلك، ولا يصوم أحدٌ عن احدٍ، ولا يصليِّ عنه. قيل له: فمن أوصاني أن أحج عنه؟ قال: فافعل ما أمرك به. قيلَ: أفاحجُّ عنه أو أتصدَّقُ. قال قد وعدته أن تحج عنه، فافعل ما أمرك.
قال محمدٌ: لعل هذا على الوصية لبعد الموت.
وقال مالكٌ، في شيخٍ كبيرٍ زَمَنٍ، قد أيسَ أن يبلغ مكةَ، وهو ضرورةٌ:

(2/481)


فلا يجعل من يحجُّ عنه، ولا أحبُّ لابنه المليِّ أن يحجَّ عنه، ولن يحجه إن قدر، وإن مات ولم يوصِ بذلك، فلا يحج عنه، وليهدِ عنه من أحبَّ من ورثته، أو يعتق، أو يتصدَّقْ، فإن أوصَى بالحجِّ، فلتُنفَّذْ وصيته.
قال أشهبُ، في الكبير، وقد يئس من الحج: فلا يحجَّ عنه أحد تطوعاً ولا بإجارةٍ، فإن فعل، فذلك يُجزئه.
ابنُ القاسمِ: قال مالكٌ: في رجلٍ أوصَى أن يمشيَ عنه في يمينٍ حَنِثَ فيها بالمشي، أنه لا يمشي عنه، وليهِدِ عنه هديين فإن لم يجد، فهَدْيٌ واحدٌ يجزئُ عنه، ولا يمشِ أحدٌ عن أحدٍ.
ومن "الواضحة"، قال مالكٌ: ولا ينبغي أن يحج أحدٌ عن حيٍّ ولا ميت، ولا والدٍ ولا غيره، إلا أن يوصيَ، فينفذَ. وقاله النخعيُّ. قال مالكٌ: وال أدري هل يجزئه عندَ ربِّه؟ ولو سألني قبلَ يموتَ لأمرته أن يجعل ذلك في الهدي.
قال ابن حبيبٍ: وقد جاءت الرُّخصةُ في ذلك في الحجِّ عن الكبير الذي لا ينهض فيه ولم يحجَّ، أو عمن مات ولم يحج أنَّ ذلك جائزٌ لابنه أن يحج عنه، وإن لم يُوصِ، ويجزئه إن شاء الله والله واسعٌ بعباده وأحق بالتجاوز.
ومن "كتاب" ابن المواز، وقال عن مالكٍ، في امرأةٍ أوصت أن يحج عنها: إن حمل ذلك ثلثها، فإن لم يحمل أُعتقَ به رقبةٌ، فحمل ثلثها الحج،

(2/482)


قال: أرى أن يعتق عنها، ولا يحج. قيل له: أفكل من أوصى أن يحج عنه، أينفَّذُ ذلك، من ثلثهِ؟ قال: نعم. ولا يحج عنه ضرورةً، فإن فعل أجزأه.
قال أشهبُ: لا بأس أن يستأجر له ضرورةً، ممن لا يجد السبيلَ على الحج، فأما من يجد السبيل إليه، فلا ينبغي أن يعان على ذلك، فإن أحجوا عنه، أساءوا، ويجزئه.
وقال ابن القاسم: إذا جهلوا فوجدوا ضرورةً. ممن لا يجد السبيلَ، أجزأه.
قال أبو زيدٍ، عن ابن القاسم: فإن حجَّ عنه هذا لضرورةٍ، فنوى بالحجة عن نفسهِ وعن الميتِ، أجزأه عن نفسه، وأعاد عن الميت. ورَوَى عنه اصبغُ: لا يجزئه لواحدٍ منهما. وقاله أصبغُ. وليرجع ثانيةً عن الميتِ. وبه اخذ محمدٌ.
مالكٌ: وإن أحجُّوا امرأةً، أجزأه، وكذلك رجلٌ عن امرأةٍ.
محمدٌ: فأما العبدُ ومَن فيه بقيَّةُ رِقٍّ، فلا يجزئ عن الضرورةِ، ويضمن الدافعُ إليه، إلا أن يكون لا يعلم، ويظن به الحرية.
ابنُ القاسم: وإن أوصَى وهو ضرورةٌ أن يحج عنه أو صبي، دُفعَ ذلك لغيرها مكانه، ولا ينتظر به عتق العبدِ، وكِبَرُ الصبي.
قال أشهبُ: وأما التطوعِ يُوصِي أن يحج عنه عبدٌ، أو مكاتبٌ، أو صبيٌّ، فلينفَّذْ ذلك له، إذا لم يكن على الصبي مضرَّةٌ، وإن لم يأذن له وصيه، أو سيدُ العبدِ، تربَّصً بذلك حتى يونس من عتق العبدِ، وبلوغ الصبي، فإن عتق العبدُ، وبلغ الصبيُّ، فأبيا، رجع ميراثاً.
قال: ومن أوصى أن يحج عنه، فأنفذ ذلك، ثم استحقت رقبةٌ، فإن كان معروفاً بالحريةِ، فلا ضمان على الوصي، ولا على الجير، وما لم يفت من ذلك رَدٌّ.

(2/483)


قال ابن القاسمِ: وإن أوصى أن يحج عنه بعض ورثته بثلثه، فلا يُعطَى إلا قدر النفقةِ، والكِراء، ولو كان أجنبيًّا كان ثلثه كله، وكان له ما فضل، وإن لم يُسَمِّ بعينه، فلينفذ ثلثه كله في حج، ويوسع على أهلها بقدر الثلث.
وقاله أصبغُ، قال ابن القاسمِ: ومن أوصَى أن يحج عنه بهذه الأربعين ديناراً، فأحجُّوا بها رجلاً على البلاغِ. قال: فما فضل منها/ فهو ميراثٌ. وقاله لي مالك. وكمَن قال: أعتقوا بها عبدَ فلانٍ، فبيعَ بثلاثين. قال محمدٌ: إذا سمَّى ما يعطى، فذلك كله للموصَى له، إلا أن يرضى بدونه، بعدَ علمهِ بالوصيةِ، هذا إذا قال: يحج بهذه الربعين عني فلانٌ. أو قال: رجلٌ. فأما إن قال: حجوا عني بها، أو يحج عني بها، فأنفذ كلها في حجةٍ، أو حجتين، أو ثلاثةٍ، أو أكثر، ولو جعلت في حجة واحدةٍ، فهو أحسنُ، وكذلك عن قال: أعتقوا عني بهذه المائة، ولم يقل: عبداً. ولا سمَّى عدداً، فليعتق عنه بها كلها، وإن أوصَى أن يحج عهنه فلانٌ بهذه الأربعين، فأعطيَ ثلاثين، فرضيَ. قال مالكٌ: فالبقية ميراثٌ، وكذلك في عتق عبد فلانٍ. قال محمدٌ: وهذا إذا علم الموصَى له بالحجِّ، وسيد العبد بالوصيةِ، ومبلغها بأقل منها، وغلا فالوصية له نافذة، ولو قال: يحج بها فلانٌ، ولم يقل: عني. فله الأربعون كلها، إلا أن يترك منها شيئاً عد علمه بما أوصى له به.
وقال أشهبُ في من أوصى أن يحج عنه بثلثه، ولم يقل: حجة واحدة. والثلث كثيرٌ، وهو ضرورة، فليدفع الثلث كله في حجة واحدة، وإن كان غيرَ رورة، فأستحسنُ أن يدفعَ لثلثُ كله في حجةٍ أيضاً، وإن حجَّ بها عنه حججاً، لم أرَ بذلك بأساً. والأول أحب إلي.

(2/484)


ورَوَى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم، في "العُتْبِيَّة"، قال: يُعطَى الثلث، إن كان كثيراً، في حججٍ لرجالٍ يحجون عنه به حججاً.
قال أشهبُ، في "كتاب" ابن المواز، في الوصايا: ومن أوصى أن يُحجَّ عنه بمائة درهمٍ، فاستؤجرَ من حجَّ عنه بخمسين، فإن كان أوصَى لرجلٍ عينه، أخذ الخمسين الباقية، وإن لم يكن بعينه، فليحجَّ عنه بالخمسين الأخرى، ولا يضمن من أحجه عنه، ولأنه بحجةٍ واحدة أاوصَى، ولو كان يضمن لردّ الخمسين على ذالي حجَّ.
محمدٌ: يريد، لأن عليه نقداً ولا يُشبه النسمة، لأن النسمة تقلُّ ثمنها، ويكثر، والحجُّ هو حجٌّ واحدٌ. ولو أوصَى بعتقِ نسمةٍ بمائةٍ، فأعتقَ عنه بعشرةٍ ضمنوا. قال محمدٌ: قول أشهب صوابٌ، إذا قال: حُجُّوا عنِّي حجة. أو عرف أنه مراده، وأما لو قال: يُحجُّ عنِّي بهذه المائة، فليحج عنه بها كلها، وإن حججا. وكذلك النسمة، ما لم يقل أيضاً: نسمةً.
أو رقبةً.
ومن "كتاب" ابن المواز: ومَن أعطَى مالا ليغزوا به، ففضل منه فضلةٌ، دفعَ الفضلة، لمن يغزوا بها أيضاً، أو ردها، ولينفذها أحب إلينا.
ابن القاسم: ومن دفع إلى رجلٍ عيناً، أو عَرَضاً، أو جاريةً، على أن يكون عليه حجة عن فلانٍ، فمات الذي عليه الحجة، فذلك في ماله حجة لازمة، تبلغ ما بلغت، لا يلزمه غير ذلك، بمنزلة سلعةٍ من السلعِ، وقاله اصبغُ.

(2/485)


قال: ومن أخذ حجة على البلاغِ، فله أن ينفق ما لا بدَّ له منه مما يصلحه، من الكعك، والزيت، والخل، واللحم، مرة بعد مرةٍ، وشبه ذلك، والوطاء، واللحاف، والثيابِ، فإذا رجع، ردَّ ما فضل من ذلك كله، وردَّ الثيابَ، وغنا لنكره ذلك. وهذه والإجارة في الكراهةِ سواءٌ. وأحب إلينا أن يؤخر بشيءٍ مسمًّى، لأنه إذا مات قبلَ أن يبلغَ، كان ضامناً لذلك. –يريد: محمدٌ: ضامناً للمالِ، ويُحاسب بما شار، ويؤخذ من تركته ما بقي وكان هذا أحوط من البلاغ، وليس عليه أن يؤجر من ماله غيرَه، لأنه شرط عليه أن يحج بنفسه، فانفسخ ذلك بموته، إلا أن تكون الحجة إنما جُعلت في ذمته.
قال ابن القاسم: وإذا سقطت له النفقة أو سرقت، وقد أخذ المالَ على البلاغِ، فليس على الورثة شيءٌ، وإن كان في الثلث فضلٌ. قال أشهب: عليهم أن يحجوه هو أو غيره، من بقية ثلثهِ، مثل الرقبة يوصَى بشرائها للعتقِ، فيشتريها، فتهلك قبل العتق، فليعتق من بقية الثلث أخرى، لأنه لم يسم في ذلك شيئاً، ولو سمَّى لم يكن عليهم غيرُه.
قال ابن حبيبٍ: إذا سقطت نفقة الذي اخذ المالَ على البلاغ قبلَ أن يحرم، فليرجع من موضع سقطت، ولا نفقة له في رجوعه، وأما لو كان احرم لتمادى، وله النفقة في مال الميت، ذاهباً وراجعاً، فإن لم يكن له مال، فعلى من دفع المال إلى هذا ليحج به.

(2/486)


ومن "كتاب" محمدٍ، قال أشهبُ: ويُحج عن الميت من موضع أوصى، كالحالف يحنثن إن لم تكن له نيَّةٌ، فليمشِ من موضع يحلف، فإن أحجوا عنه من أمام ذلك إلى مكة، ضمنوا، وليحجوا عنه من موضع مات.
ومن استؤجر ليحج عن ميتٍ، ثم بدا له لما بلغه في ذلك من الكراهة، قال ابن القاسمِ: الإجارة تلزمه.
ومن "كتاب" ابن سحنونٍ: وكتاب سليمانَ بن عمران، على سحنونٍ، في من استؤجر لميتٍ على أن يحجَّ عنه، فاشترى منها دابةً، ثم بدا له، فاستقال الوصي، فأقاله، وأخذ منه بقية المالِ، إلا الدابة فإنها ضاعت من يديه، فدفع الوصيُّ بقية الدنانير لغيره يحجُّ بها ثم وُجدتِ الدابةُ، وقد كان عليها المستقيلُ، فكتب إليه: إن أخذ المال على الإجارةِ، فاستقال، فهو ضامنٌ للدابةِ، ويؤدي ثمنها الذي اشتراها به، ويحج عن الميت بالمال كله. وإن كان الوصي قد دافع أقل مما أوصَى الميت أن يحج عنه، فهو ضامنٌ للمالِ، يحج به ثانيةً – يريد: يضم غليه ثمن الدابة -.
قال: فإن أخذه على البلاغ، فالدابة ترجع إلى الورثة، وقد مضَى الحجُّ.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ، في من أوصَى أن يمضيَ عنه في يمينٍ حَنِثَ بها: فليُهدَ عنه هَديان، وإن لم يجد، فهَدْيٌ واحدٌ، ولا يمشي أح
ٌ عن احدٍ، وإن أوصَى بذلك ولدَه، فوعده الابنُ أن يمشيَ عنه، فليتم له ما وعده، وذكرها أيضا العتبيُّ في سماع ابن القاسمِ،

(2/487)


وقال في التي قبلها: فإذا لم يوصِ بشيءٍ، فأحب إلينا أن يهدي عنه هديان. وكذلك إن أوصَى أن يمشى عنه، فليهدَ عنه هديان، أحب إليَّ، لا يمشي أحدٌ عن أحدٍ، فإن لم يجد، فهَديٌ واحدٌ. قال سحنونٌ: لا يلزمهم الهديُ إلا أن يوصيَ به.
قال سحنونٌ: قال ابن القاسمِ، في من عليه نذرٌ أن يمشي حافياً، وأوصَى أن يسأل عن يمينه، فيُنَفَّذَ عنه ما يلزمهم. قال: يُنظرُ إلى كفافِ النفقةِ، والكِراء إلى مكةَ، فيهدَى عنه هديٌ.
قال ابن القاسمِ: ومن أوصَى أن يحج عنه بمالٍ، ولم يوجد من يحجُّ عنه به من مكانه لقلته، فليدفع من موضع يوجد. ولو سمَّى الميتُ، فقال: من الأندلسِ، أو من بلد كذا، فلم يوجد من يحجُّ بها عنه، رجعت ميراثاً. وكذلك روَى عيسى عن ابن القاسمِ، في "العُتْبِيَّة"، أنَّه فرَّق بينه وبين إذا سمَّى، وإذا لم يُسَمِّ. قال محمدٌ: وقال أشهبُ: بل يتقدَّمُ بها إلى بلدٍ يُوجدُ من يحُجُّ عنه بها منه. يلزم ذلك الورثة. قال محمدٌ: عن كان ضرورةً، فقول أشهب أحسنُ، وإن لم يكن ضرورةً، فهو ميراثٌ، إذا عرفت عزيمةُ الميتِ أنَّه أرادَ من موضعٍ مسمًّى. قال اصبغُ: ذلك سواءٌ سمَّى الميتُ بلداً، أو لم يُسَمِّ، وليتقدَّمْ بها من موضع يبلغ، إلا أن يستثنِيَ الميتُ ألا يُحجَّ إلا من البلدِ الذي ذكر، أو لم يُعلم ذلك من مذهبه.
قال مالكٌ: وإذا اشترطوا عليه إلا يُقَدِّمَ قبلَ الحجةِ عمرةً، فقدَم عمرةً، وتمتَّعَ، فذلك يُجزئُ عنه، ولا حجة عليه. وقال ابن القاسمِ: عليه أن

(2/488)


يوفِّيَهم ما شرطوا، أو يردَّ عليهم ما قبض منهم. ثم رجع إلى قولِ مالكٍ: إنَّه مُجزئٌ عنه. قال اصبغُ: وفيه مَغْمَزٌ، ويُجزئُ غنْ شاء الله تعالى.
وإن شرطوا أن يحرم من الميقات، فاحرم من غيره، فعليه أن يبدل لهم الحجة بتعدِّيه. وقاله أصبغُ.
وقال في "الأسدية": عن اعتمرَ عن نفسهِ، وحجَّ عن الميت من مكةَ، أجزأه، إلا أن يُشترطَ عليه من أُفقٍ من الأفاقِ، أو من المواقيتِ، فليرجع ثانيةً. قال محمدٌ: وكذلك، إذا أحرم عنه من مكة، فأما من ميقات الميتِ، فذلك يُجزئه.
قال ابن القاسمِ، في "العُتْبِيَّة": سواءٌ شرطوا عليه من ذي الحُليفةِ، أو لم يشترطوا إلا منِ استؤجرَ على الحجِ عن ميتٍ، فعليه أن يُحرمَ من ميقات الميت.
محمدٌ: قال ابنُ القاسمِ: وإن قرنَ فبدأ العمرةَ عن نفسه، والحجُّ عن الميتِ، فليردَّ المالَ. ثم رجع فقال: يضمن الحجَّ ثانيةً.
وقال ابن حبيبٍ: إذا أخذ المالَ على البلاغ، فقرنَ، أو تمتَّعَ، فقد أساء، ولا يضمنُ، وعليه في ماله هديٌ، ولو اعتمر عن نفسهِ، ثم حجَّ عن الميتِ، أو قرنَ، فنَوَى العمرة عن نفسهِ فقط لضمن المال في الوجهين.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال ابن القاسمِ: ومنِ استؤجرَ ليحجَّ عن ميتٍ، فوطِئَ في الحج، فليردَّ النفقة، ويثتمَّ ما هو فيه من ماله، ويحجَّ ثانيةً؛ للفساد من مالِه، ويُهدِ، ثم يَحُجَّ عن الميت بتلك النفقةِن إن شاء الورثةُ، وغن شاءوا أجروا غيرَه. وقاله أشهبُ.

(2/489)


ورَوَى عيسى، عن ابن القاسم، في "العُتْبِيَّة": في من أوصَى أبوه أن يمشَى عنه لنذرٍ عليه، فمشَى ينوي به نذر أبيه، وحجة الإسلام عن نفسه. قال: قال مالكٌ: يُجزئه لفريضته، ولا شيء عليه لأبيه.
ومن "العُتْبِيَّة"، قال ابن القاسمِ، عن مالكٍ: ومن أوصَى لرجلٍ بعشرين ديناراً، أو بعشرين في حجةٍ، فإن كان ضرورةً، بدأتَ الحجة، وغن كان تطوُّعاً تحاصَّا، وكذلك إن أوصَى أن يحج بها لرجلٍ أحجه بها، فليتحاصا فإن لم يُردِ الأجنبيُّ الحجُّ، ردَّ ما نابه.
قال: وما دُفعَ للحجةِ عن الموصِي فلم يبلغ، فليحج به عنه من حيث بلغ، فإن لم يكن إلا مثل الدينار وشبهه، رُدَّ إلى الورثةِ. قيل: فالأجنبيُّ. قال: إن أحبَّ الحج أعطيه يقوى به، وإن لم يُردِ الحج ردَّها على الورثةِ.
ومن "العُتْبِيَّة"، من سماع أبي زيدٍ، قال ابن القاسمِ، في

(2/490)


الذي يحج عن رجلٍ بأجرٍ، فيفسد حجه بإصابةِ أهله، قال: عليه القضاءُ بحجةٍ صحيحةٍ من ماله، استؤجر عليها مقاطعةً، أو دفعَ إليه على البلاغِ، فذلك واحدٌ، وإن كان إنما أصابه أمرٌ من الله ليس من فعله، مثل أن يمرض، أو ينكسر، فإنه: يقضي ذلك الحج عن الميت، هو أحب إليَّ، وإن كان استؤجر مقاطعةً، فعليه القضاء أيضاً على كل حالٍ، وكذلك الذي يُحصَرُ حتى يفوته الحج، وما أشبه ذلك، والذي يَخفَى عليه الهلالُ حتى يفوته الحج.
وقال في "كتاب" ابن المواز: قلتُ – يعني لابن القاسم -: فإن أُحصر عن البيتِ بعدوٍّ؟ وقال: إن أخذ المالَ على البلاغِ، فله نفقته، حتى يُحِلَّ بموضعه، أو حتى يرجعَ، ويردَّ ما فضل، وإن كان أجيراً، حُوسبَ، فكان له من الأجر بقدر مسيره، وردَّ ما بقيَ، وهو رأيي.
وقال مالكٌ في أجيرِ الحجَّ، يموتُ قبل أن يبلغ، فقال: يُحاسب، فيكون له بقدر ما سار، ويردُّ ما بقي. قلت: فأحصر بمرضٍ؟ قال: إذا أخذ المال على البالغ، فله نفقته في مال الميتِ، ما أقام مريضاً، وإن أقام إلى حجٍّ قابلٍ. ويجوز ذلك عن الميت، وذلك إذا لم يقدر على الذهاب، إلى البيت، وإن قدر على أن يذهب إليها، فليذهب حتى يُحلَّ بعمرةٍ، ولا بد له من ذلك، وله نفقته، وكذلك إن أُغميَ عليه، حتى فاته الحجَّ.
قلت: فإن كلن اخذ ذلك على الإجارة؟ قال محمدٌ: فذلك لازمٌ له أبداً.

(2/491)


في من أوجب على نفسه المشي على مكةَ في يمينٍ، أو غير يمينٍ
من "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: ومن قال: عليَّ المشيُ على بيتِ اللهِ. أو قال: أنا أمشي إلى بيت الله. فذلك يلزمه. قال: نذراً. أو لم يقل: نذراً. فهو نذرٌ. وكذلك قوله: عليَّ عتق رقبةٍ، أو صدقةٌ دينارٌ.
أو قال: أنا اعتق رقبةً، أو أتصدَقُ بدينارٍ. فذلك يلزمه.
ومن حلف بالمشي إلى مكةَ بمصرَ، وحنث بالمدينةِ، فليرجع إلى مصرَ حتى يمشي منها، إلا أن يكون نوى موضعاً يمشي منه، فله نيته، وإن لم يحرك به لسانه. وغن حلف بالمشي إلى مكة، وهو بمكة، فحنث، فليلزم حتى يمشي من الحِلِّ مُحرماً. فإن جهل فاحرم من مكةَ، فليخرج راكباً، ثم يحرم من الحلِّ ماشياً.
قال عبد الملكِ: وإاذ حلف، وهو في مسجدِ بلدٍ، أو موضعٍ منه فحنثَ، فليمشِ من تلك المدينة، من حيث شاء منها أجزأه.
قال: وإن حنث بغير البلدِ الذي حلف فيه، وهو ممن لا يقدر على المشي، فليرجع على تلك البلدِ، ثم يمشِ منه ما قدر، ويُهدِ. قال اصبغُ: إن كان قريباً، ليس عليه فيه كبيرُ مضرَّةٍ رجع، وإلا مشى من حيث حنث، وأهدى.
قال مالكٌ: ومن عليه مشيٌ فأصابَ أخصَرَ من طريقٍ، فليختصرْ.
قال مالكٌ: ولا بأس لمن حنث بالأندلس أن يركبَ البحرَ للمجازِ؛ لأنه لا بد له من ذلك. وكذلك روى أشهبُ عن مالكٍ في "العُتْبِيَّة".

(2/492)


مالكٌ: ومن حنث، فعجز فعاد ثانيةً، فليجعلها إن شاء خلاف الأولى من حجٍّ أو عمرةٍ. قال مالكٌ: إلا أن يكونَ نذره الأول في مشي بعينه، فلا يقضِ إلا في مثله، قال: وليس له أنْ يقضيَ مشيه في حجٍّ فريضةٍ. وإذا نَوَى في الثانية على مشي الطريق كله، فليس ذلك عليه.
قال ابنُ حبيبٍ: وله أن يجعل الثانية عمرةً إن حجَّ أولاً، إلا أن يكونَ نذرَ أولا الحجَّ، ولو نوى العمرةَ أولا – يريدُ نذراً – فله أن يجعل الثانية في حجةٍ؛ لأنه زاد ولم يرَ ذلك ابنُ القاسمِ، وأجازه غيرُه من أصحاب مالكٍ.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: ومن كثر ركو به حتى ربما مشَى عقبةً وركب أخرى، فليعدْ مشيه كله، وإنما يعيد ما ركب من كان ماشياً حتى عجز وركبَ.
قال عبدُ الملكِ: وإذا مشى أولَ مرةٍ مشياً كثيراً، ثم عجزَ، فصار يمشي قليلاً، ويركب قليلاً، فليرجع على حدِّ مشيه المتصل، فيمشِ من ذلك الموضع إلى مكة.
قال مالكٌ: ومن ركب يوماً وليلةً. قال، في موضعٍ آخرَ: يوماً ويومين، ومشى باقيَ ذلك، لم يرجع، وليُهدِ، فإن لم يجد صام عشرةَ أيامٍ، وليس كالراكب في المناسك. وقد ذكرها في "العُتْبِيَّة"، في سماع ابن القاسمِ، فذكر نحوَه، ولم يذكر يومين.
قال محمدٌ: قال مالكٌ: في الذي ركب في المناسك: إنه يرجعُ حتى يمشي ما ركب، ولا يلزمه هديٌ، إلا أن يشاءَ. قال ابن القاسمِ: لأنَّ

(2/493)


بعض الناسِ يرى أنه بتمام السعي يتمُّ مشيه.
ومن "الواضحة" قال: ومن مشى في نذرٍ لزمه، فركب بعضَ الطريق، من غير ضرورةٍ ولا ضعفٍ، ليقضيَ ذلك، فهذا يبتدئُ المشي، بخلاف ذي العذر، وجعله كمفطرٍ في صومٍ متتابعٍ، وحكاه عن بعض أصحا بمالكٍ، وقال: قال مالكٌ: وإذا كثر ركو به أول مرةٍ، حتى يُعلمَ أنه لا يقدر على قضائه، فلا يرجع، ويجزئه الهدي. قال ابن حبيبٍ: وكذلك لو لم يكثر، إلا أنه علم أنه لا يقوَى عليه؛ لضعفهِ، أو بعد بلده، فلا يرجع وليهِ بدنةً، فغن لم يجد، فبقرة، فغن لم يجد، فشاةً، فإن لم يجد، صام عشرة أيامٍ. ولو أهدى في هذا واجدَ البدنةِ شاةً أجزأه ولا يرجع في ركوب اليوم فأقلَّ منه ويرجع في أكثر منه وإذا مرضَ، فركب في رمي الجمار، أو في الإفاضةِ، فعليه دمٌ، ولا يرجع. ومن حيث في المشي فجعله في حجٍّ، فعجَّل طوافَ الإفاضةِ، فلا يركب في رجوعه على منًى. ولا في رمي الجمارِ.
قال أبو محمدٍ: والذي ذكر ابن حبيبٍ من هذا خلاف ابن القاسمِ وروايته عن مالكٍ.
قال ابن حبيبٍ: ومَن سفِهَ نفسه، فنذر ثلثي حجةً، وشبه ذلك، فمشى وعجز، فركب بعض الطريقِ، فليجتزئْ بالهدي، وليكن رجوعه لبقيَّةِ نذرهِ.

(2/494)


والمرأة إذا لزمها مشيٌ بنذرٍ، أو حنثٍ، فإن كان مثلها يقوَى، وقد تقرب دارها، فهي كالرجلِ، وإن ضعفت عن ذلك لثقلِ بدنٍ، أو تخفُّرٍ، ولينِ خلقٍ، أو لبعدِ الدارِ، فهي كالزَّمِنِ، والمريض الذي ايسَن وإن يرَ أن يقدرَ، أو بعد أن يعجزَ عن اكثر المشيِ، فهؤلاء يخرجون مُشاةً أو ليومٍ. ولو نصف ميلٍ أو أقل، فإذا وقفت بهم لطاقة، ركبوا بعد ذلك على مكة، وأهدوا.
ومن "كتاب" ابن المواز: وإذا مشى في حجٍّ، ففاته، فعمل عمل العمرة، ثم حج للفوات راكباً، قال مالكٌ: فليس عليه أن يمشي في المناسك، لأن مشيه قد صار في عمرةٍ، فأجزأه، وقال ابن القاسمِ: يمشي المناسك، إذا قضى.
مالكٌ: وإذا مشى الحالف في حنثه من بلدٍ على بلدٍ، فأقام بها شهراً، ثم خرج ماشياً أيضا، فلا شيء عليه. وكذلك في "العُتْبِيَّة"، من سماع ابن القاسم.
قال في "كتاب" محمدٍ: وإذا حنث بالمشي، وقد نوى في يمينه الحج، فأحرم بحجةٍ ينوي بها نذره وفريضته، فهذا لا يجزئه عن واحدٍ منهما، ولغى الذي قال مالكٌ: تُجزئه لنذره في الذي لم ينوِ حين يمينه حجًّا ولا عمرةً، فيجزئه عن نذره، ويُعيد فريضته، كما قيل، في من مشى في حجٍّ لنذره، ففاته الحج: غنه أجزأه بمشي النذر، وإنما يُعيد للفوات لا لنقصِ النذرِ، فكذلك لا يضرُّه في نذره ما ادخل معه من مشاركة فريضته التي ألزمناه فيها القضاءَ. وقال عبد الملكِ

(2/495)


وحدَه، من بين أصحاب مالكٍ، عن مالكٍ: ويعيد هنا. استحباباً. وقاله أصبغُ. وقال المغيرةُ: يجزئه نذره. وبه قال عبد الملكِ. وقول مالكٍ أحب إليّ، وإنما يعيدها من كانت يمينه بحجه، فحنث، لأنَّ هذا لا يجزئه في ذلك عمرةٌ، وكذلك لو أحرم هذا بحجةٍ عن نذره في يمينه، ففاته الحج، فعمل عملاً فلا يجزئه، ولا بد له أن يأتنف الحج عن يمينه قابلاً.
ولو حلف ولم ينوِ حجة ولا عمرة، فحنث، فخرج من بلده لحنثه خاصَّةً ماشياً، فلما بلغ الميقات أحرم بالحج عن فريضته خاصة، فأتمه ماشياً، فإنه يجزئه لفرضه، ويرجع فيمشي لنذره، من ميقاته الذي كان أحرم منه، وكذلك لو بدأ له، فرجع من هناك، ولم يخرج لعاد ثانيةً راكباً، ثم يمشي من الميقات.
وقد روي عن مالكٍ في الطائف عن الصبي ينوي عنه وعن الصبيِّ: يجزئ عن الصبيِّن ويعيد عن نفسه. ولو طاف حاملاً لرجلٍ لزمه الحج ينوي عنه وعن نفسه، لم يجز عن واحدٍ منهما؛ لأنهما واجبان، وحجُّ الصبي تطوُّعٍ. فهذا أولَى من اختيار عبد الملكِ. يقول المغيرةُ، في الذي ينوي لنذره وفرضه: ويحتجُّ بأن الطائف بالصبي يجزئه عن نفسهن ويعيد عن الصبي، ولو اوجب على نفسه في حجِّ فريضته أن يمشي فيه، للزمه، وأجزأه، وهذا نذر مشياً في فريضته، وذلك طاعةٌ تلزمه.

(2/496)


وكذلك من نذر اعتكافاً في فرض رمضان، لزمه، وكذلك لو نواه ودخل فيهن فأما لو نذر اعتكافاً مبهماً، لم يجزئه أن يقضيه في صيام فرضه وظهاره، وقتل النفسِ، ولا في قضاءِ رمضانَ.
قال: ولو أنه حين أحرم بحجِّ الفريضةِ نوى مشيها، لم يلزمه إلا أن يُوجب ذلك على نفسه، بنذرٍ نذره. قال محمدٌ: فإنْ أوجبَ مشيها، فعجز، فركب، عليه أن يرجع حتى يمشي ما ركب في حجٍّ أو عمرةٍ.
قاله عبدُ الملكِ.
ولو سمَّى في نذره حجة أو عمرةً مفردةً، فمشَى ثم تمتع بالعمرة إلى الحج، فإن كانت العمرة لنذره، فلمَّا حل أحرم بحج فريضته، فذلك يجزئه. وعليه هديُ تمتعه، ثم قال: ولو نوى الحج والعمرة عنهما، فذلك يجزئه. واراه يريدُ: إذا لم يذكر في نذره عمرة ولا حجٍّ؛ لأنه قال: لأنَّ العمرةَ لم تكن وجبت عليه فأجزأته عن نذره، وانفرد الحج لفرضه، ولا نذر عليه به. يريدُ: بخلاف من سمَّى في نذره حجًّ أو عمرةً.
قال: ولو كانت عليه عمرةٌ متقدمةٌ بنذرٍ، فاشترك فيهما، لم تجزئه عن واحدٍ منهما.
ومنه، ومن "العُتْبِيَّة"، أشهب: قال مالكٌ: ومن مشى عن واحدٍ، وحجَّ عن نفسه، وهو صرورةٌ، أجزأه لفرضه، لأنه لا يمشي أحدٌ عن أحدٍ. قال محمدٌ: وأحب إلي لمن عليه المشيُ، وهو صرورةٌ أن يبدأَ بفرضهِ، إذا كان في أشهر الحج، ويمشي بعد قضاء حجه، وإن أراد التخفيف، بدأ بالمشي في العمرةِ، فإذا حَلَّ منها أحرم بالحج عن فريضته، ولا بأس في أشهر الحج أن يبدأ بنذره. قال أبو محمدٍ: انظر: هل يريد إنما يلزمه مشيُ الفريضةِ، إذا نذره بلفظه؛ لأنَّ دخوله الحج ليس بدخولٍ

(2/497)


في المشي الذي ينوي اعتكافاً أو صوماً فلزمه بدخوله فيه ونيته؛ لأنه دخل في ما نوى، فلزمه تمامُه، والاعتكاف بتتابعٍ غير منقطعٍ، وكذلك صومُ يومٍ واحدٍ أو صلاةٍ تُلزم تمامَ ما دخل فيه من ذلك، بالاتصال والمشي، فيفصِلُ بعضَه من بعضٍ، ولا يلزمه بالنية في أوائله، كما لا يلزم من نوى صيامَ عشرة أيامٍ. بدخوله في أول يوم منها، وهو لم ينذرها بلفظه.
والله أعلم.
ومنه، ومن "العُتْبِيَّة"، من سماع ابن القاسم، قال مالك، في امرأةٍ حلفت بالمشي سبع مراتٍ إن كلمت أباها. قال: تكلمه، وتمشي سبع مراتٍ، فإن لم تطق المشي، فلتحج أو تعتمر بع مراتٍ راكبةً، وتُهدِ في كل مرةٍ.
ومن "كتاب" ابن الموز: ومن قال: إن كلمت فلاناً، فأنا محرِمٌ بحجة، أو قال: بعمرةٍ، ونوى، من وقت يكلمه، فذلك يلزمه كما نوى، فإن نوى، من موضع يحرم، فله نيته.
ومن قال: عليَّ الركوبُ إلى مكةَ، فعليه أن يأتيَ في حج أو عمرة.
قال أشهبُ: ولا يسعه أن يأتيها مشياً؛ لأنه يخفف عن نفسه مؤنة نفقةِ أوجبها الله. ومن قال: عليَّ السيرُ أو الذهاب أو الإتيان أو الركوب إلى مكة، إن فعل كذا، فحنث. قال ابن القاسم: لا شيء عليه، حتى ينويَ في حج أو عمرة. قال محمدٌ: ذلك يلزمه، إلا أن يمشي

(2/498)


مشياً، يريد موضعاً خارجاً من المسجد، أو ينويه، فلا يلزمه.
وقال أشهب، في غير "كتاب" محمدٍ، في من قال علي المشي إلى الصفا أو المروة، أو ذي طُوَى، أو عرفة. فذلك عليه، إلا أن ينويَ موضع المشي بعينه. قال محمدٌ: والذي ذكر لنا عن ابن القاسم، أنَّ ذلك لا يلزمه، إذا صحَّ ما روي عنه وعن غيره في ذلك.
قال ابن القاسمِ، في من قال: عليَّ المشي على الحرم: لا شيء عليه.
قال محمدٌ: يُحمل ذلك على أوائل الحرم، ولو نوى جميع الحرمِ لزمه المشيُ لدخول البيت في ذلك. ومن أوجب على نفسه المشي إلى مسجد بيت المقدسِ، أو مسجد المدينة، فليأتهما راكباً. وقد قيل: إلا أن يكون بينهما وبينه الأميال اليسيرةُ، فليأتهما ماشياً. والمشي ضعيفٌ. وقاله أصبغُ.
ومن غير "كتاب" محمدٍ، وقال ابن وهبٍ في الناذر المشي إلى مسجدِ المدينةِ، أو بيت المقدس: فليأتهما ماشياً.
قال ابن حبيبٍ: ومن قال: كلُّ ثوبٍ أبتاعه من فلانٍ، فأنا آخذه إلى مكة، فابتاع منه أثواباً. قال أصبغُ: فإن ابتاعها في صفقةٍ، فمشيٌ واحدٌ يجزئه، وإن ابتاعها ثوباً بعد ثوبٍ، فليمش على عدد الأثواب.

(2/499)


باب في ذكر البيت والصلاة فيه، وذكر الحجر والمقام وزمزم، وذكر الحرم ومعالمه ومنًى وعرفة، وذكر خُطبِ الحج، وذكر منبر النبي صلى الله عليه وسلم، وحرم المدينة
من "العُتْبِيَّة"، قال ابن القاسم: قال مالكٌ: بكَّةٌ موضع البيتِ، ومكةُ غيره من المواضع، يريدُ: القريةَ.
ومن "كتاب" ابن المواز، قال مالكٌ: وبناء الكعبةِ هذا، هو بناء ابن الزبير، وكان الحجاج قد أحرقه بالنارِ، وهدمه حتى كان قد سُترَ بالثياب، وطاف الناسُ من وراء الثيابِ، فبناه ابن الزبير، هو بناه كله إلا الحائط اذلي يلي الحجر، فإن ابن الزبير كان أخرجه غلى الحجرِن فهدمه الحجاج، وردَّ الحائطَ إلى موضعه، وكان قد جعل ابن الزبير للبيت بأبين.
وكان لاصقاً بالأرضِ، فلمَّا هدمه الحجاج، ردم البيتَ بما بقي من حجارته، فلذلك ارتفع البيت، وصار الباب في موضعه.
قال اشهبُ: قال مالكٌ: سمعت من أهل العلمِ من يقول: إن إبراهيم عليه السلام أقام هذا المقام، وأنه إثرُ مقامه، وقد كان ملصوقاً بالبيتِ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ، وإنما الصقَ إليه، لموضع السيلِ، فعمرُ هو الذي ردَّه، ويزعمون أن موضعه الذي رده غليه هو موضعه الأول الذي كان فيه.
قال مالكٌ: أُريَ عبد المطلب أنه يقال له: احفر زمزمَ، لا ينزف

(2/500)


ولا بدمٍ، بين فرثٍ ودمٍ يروي الحجيج الأعظم، في موضع الغراب العصم، قال/ فحفره.
قال ابن حبيبٍ: ويُستحبُّ أن تُكثرَ من شرب زمزم، والوضوء به ما أقمت، قال ابن عباسٍ: وليقل إذا شربه: اللهم إني أسألك علماً نافعاً، وشفاءً من كل داءٍ. قال وهب بن منبه: هي شراب الأبرار، طعام طُعْمٍ، وشفاء سقمٍ، قال ابن عباسٍ: هو شفاء لما شرب لهن وقد جعلها الله تعالى لإسماعيل ولأمه هاجرَ طعاماً وشراباً.
ومن "كتاب ابن المواز"، قال مالكٌ: وقد سمعت أنه يكره كراء بيوت مكة، وكان عمر فيما بلغني يقلع أبوابَ بيوت أهل مكة.
قال مالكٌ: وبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع مفاتيح الكعبة إلى عثمان بن طلحة، من بني عبد الدار، فيرون أنها ولايةٌ من النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينبغي أن يشاركوا فيها. وأستعظمه.
قال مالكٌ: وبلغني أتن عمر جدَّدَ معالم الحرمِ، ووضع أيضاً بها بعدَ أن كشف عن ملك من يعرفه بعرفة، ممن له قدمٌ. قال ابن القاسمِ: والحرم خلف المزدلفة بمثل ميلين. قال مالكٌ: وعرفة في الحل.
قال: وبطن عرفة هو وادي عرفة، ويقال: أن حائط مسجد عرفة القبلي على حده، فلو سقط، ما سقط إلا فيه.

(2/501)


ويقال: إن من وقف في مسجد عرفة فقد خرج من بطن عرنة، ولكنَّ الفضل بقرب الإمامِ، وقال ابن القاسمِ، عنه: ليس الوقوف فيه بحسنٍ.
قيل: فإن فعل؟ قال: لا ادري. وكذلك وقف فيه ابن عبد الحكمِ. وقال أصبغُ: لا حج فيه.
قال ابن القاسمِ: ومزدلفة في الحرم، وسمعت أن الحرم يعرف بان لا يجيئه سيلٌ من الحل، فيدخل الحرم، وإنما يخرج السيل من الحرم، إلى الحلِّ، وهو يجزئ من الحل فإذا انتهى إلى الحرمِ، وقف ولم يدخل فيه، ولا يدخل الحرم إلا سيل الحرم، ومجراه بين يدي موقف المزدلفة، وهو قُزَحُ، موضع بناء المنارة بما يلي منًى على منًى في أدنى موقف الإمامِ، والأخشبانِ من منًى فيما بينهما، والمأزمين اللذانِ يمر الناس بينهما منصرفهم من عرفة إلى المزدلفة.
ومن "كتاب" ابن الموزا، لغير واحدٍ من أصحابنا: أن حد الحرمِ مما يلي المدينة، نحو من أربعة أميالٍ، إلى منتهى التنعيم، ومما يلي العراق ثمانية أميالٍ، على مكان يقال له: المقطع، ومما يلي عرفة تسعة أميالٍ، ومما يلي طريق اليمن سبعة أميالٍ، على موضع يقال له: أضاةُ، وعلى جدة عشرة أميالٍ، على منتهى الحديبية.
ومن "العُتْبِيَّة"، قال مالكٌ: والحديبية في الحرم. ومن

(2/502)


"كتاب بن حبيبٍ"، قال: وحرم النبي صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة، بريداً في بريدٍ، لا يعضد شجرها، ولا يُخبط.
ومن "العُتْبِيَّة"، قال ابن القاسم، وابن وهبٍ، عن مالكٍ، قال: نهيت بعض الولاة أن يطلع على منبر النبي صلى الله عليه وسلم بنعلين. قال عنه ابن وهبٍ: أو بخفين. وقد نهي عن ذلك في الكعبةِ، وليجعل نعليه في حجرته.
قال عنه أشهبُ: وله أن يصلي في البيت على ايِّ جوانبه شاء. ثم سئل بعد ذلك، فقال: أحب إلي أن يجعل الباب خلف ظهره، ثم يصلى على أي موضع شاء بعد أن يستدبر الباب، وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن المواز: وخُطَبُ الحج ثلاث خطبٍ؛ أولهنَّ قبل التروية بيومٍ قبل صلاة الظهر، في المسجد الحرام، وقيل: قبل الزوال، والأول قولُنا، وهي لا يجلس في وسطها، يُعلِّمُ الناس فيها مناسكهم، وخروجهم إلى منًى، وصلاتهم بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء. وصلاة الصبح بها يوم عرفة، وغدوهم منها، وغير ذلك، والثانية، بعرفة، يجلس بينهما، وهي تعليم للناس ما بقي ومن مناسكهم، من صلاتهم بعرفة، ووقوفهم بها، ودفعهم، ومبيتهم بمزدلفة، وصلاتهم بها، ووقوفهم بالمشعر، والدفع منه، ورمي الجمرةِ، والحلق، والنحر، والإفاضة. والثالثة: بعد يومِ

(2/503)


النحر بيومٍ، وهو اول ايام الرميِ، وهي خطبة واحدة، لا يجلس فيها، وهي بعد الظهر يُعَلِّمُ الناس فيها الرمي، واوقاته، وكيف هو ويوم نفرهم، ما لهم من التعجيل، في يومين، وتعجيل الإفاضةِ واسعة في تأخيرها والبيوتة بمنًى ليالي منى. ولا يجهر بالقراءة في صلاته في شيءٍ من هذه الخطبِ.
قال ابن حبيبٍ: قال مطرفٌ، وابن الماجشون: ويفتتح في هذه الثلاث خطبٍ، بالتكبير، كالأعياد، ويكبر في خلال كل خطبةٍ، ويجل في وسطها بين كل خطبتين.

باب جامعٌ، وفيه ذِكر القفل والمُعَرَّسِ
من "كتاب" ابن المواز، و "العُتْبِيَّة"، ابن القاسم، قال مالكٌ: ولا بأس أن يحج بثمنِ ولد الزنا، قال في "كتاب" ابن المواز: ولا بأس من أن يحج ومعه النصراني يخدمه، وقد يُكري الحاج من النصراني، وحسن الصحبةِ.
ومن "الكتابين" قال مالكٌ: وليس النبيذ الذي يعمل في السقاية، من السنة، ولو ذكرت لكلمت أمير المؤمنين في قطعه. وشدَّدَ فيه الكراهية.
ومن "كتاب" ابن المواز، وغيره، قال مالكٌ والطواف للغرباء أفضل من الركوع، والركوع لهل مكة أفضل من الطواف.
قال مالكٌ: والأيام المعلومات؛ أيام النحر الثلاثة، والأيام المعدوداتُ؛

(2/504)


ثلاثة أيامٍ بعد يوم النحرِ، وهي أيام منًى.
وسئل مالكٌ، عن التكبير في النفل من حج أو عمرةٍ يرفع به صوته؟ قال: يُسمع من يليه، وأحب إلي لمن بالمدينة أن ينزل بالمعرس، فيصلي فيه، وإن جاء في غير حين صلاةٍ حين تحين الصلاةُ.
وفي غير "كتاب" لأصحابنا: ويُستحبُّ لمن قفل من حج أو عمرةٍ أن يكبر على كل شرفٍ ثلاث تكبيراتٍ؛ وهو: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وله الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، آيبون، تائبون عابدون ساجدون، لربنا حامدون، صدقَ الله وعدَه، ونصر عبدَه، وهزم الأحزابَ وحده".
ومن "كتاب" ابن المواز، وغيره، قيل لمحمدٍ: فالحج والجوار أحب إليك، أم الحج والقفل؟ قال: ما كان الناس إلا على الحج والقفل. ورأيته أعجب إليه. قيل: فالغزو؟ فلم يره مثله. وقال: قد أقام الصحابة بالشامِ، منهم أبو عبيدة، ومعاذ، وبلال، وأبو أيوبَ.
وفي كتاب آخر: قيل: فالغزو أحب إليك، أم الحج؟ قال: الحج، إلا أن تكون سنة خوفٍ.

(2/505)


ومن "العُتْبِيَّة"، قال ابن القاسم، عن مالكٍ، في قول الله سبحانه: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ}، قال: رمي الجمار. وفي قوله سبحانه: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} الآية؛ فعرفة ومزدلفة، والصفا، والمروة، من الشعائر، ومحل الشعائر كلها البيت العتيق. قال مالكٌ: والموسمُ هو الحج، لا في الأسواق. قال: وجعل عمر بن الخطاب إبلاً من مال الله للنا سيحجون عليها، ويردونها.
وقال ابن القاسم، عن مالكٍ، ورواه ابن أبي حسينٍ، عن معن بن عيسى، عن مالكٍ، في نصرانية بعثت بدينارٍ على الكعبة أيجعل في الكعبة.
فقال: بل يرد غليها.
تمَّ كتاب الحج الثاني من النوادر، والحمد لله رب العالمين وحدَه.
كما هو أهله ومستحقه. وصلى الله على نبينا محمدٍ خاتم النبيين، وآله الطاهرين وسلم تسليماً

(2/506)