النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الجهاد
ذكر بعض ما روي في فضل الجهاد
وذكر شيء من الرباط وفضله
قال أبو محمد: قد روي من فضل الجهاد ما يكثر ذكره , ونحن نذكر من مون الأحاديث فيه بعض ما روي فيه.
من كتاب ابن سحنون وكتاب ابن حبيب: روي أنه قيل: يا رسول الله , أي الأعمال أفضل؟ قال إيمان بالله وجهاد في سبيله. وفي حديث آخر: وحج مبرور , وروي أن الصحابة قالوا: يا رسول الله , وددنا لو علمنا أفضل الأعمال , فنزلت: " يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم إلى قوله: وفتح قريب ".
[3/ 11]

(3/11)


وقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل: لو قمت الليل وصمت النهار , ما بلغت يوم المجاهد. وفي حديث آخر: لم تبلغ غبار شراكه. وفي حديث آخر: ما بعد الصلاة المكتوبة أفضل عند الله من الجهاد. وقال: مثل المجاهد كمثل الصائم لا يفطر والقائم لا يفتر حتى يرجع إلى أهله.
وقال ابن عمر: لأن أقف موقفاً في سبيل الله مواجهاً للعدو , لا أضرب بسيف ولا أطعن برمح ولا أرمي بسهم , أفضل من أن أعبد الله ستين سنة لا أعصيه , وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لموقف ساعة في سبيل الله أفضل من شهود ليلة القدر عند الحجر الأسود. وقال لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها. وقال لرجل له ستة آلاف دينار: لو أنفقها في طاعة الله لم يبلغ غبار شراك نعل المجاهد.
وقال الحسن: من قلت حسناته وكثرت سيئاته , فليجعل الدروب وراء ظهره.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من اغبرت قدماه في سبيل الله , حرمه الله على النار. وروى أنه عليه السلام لم يكن يتلثم من الغبار في سبيل الله , وكره مكحول التلثم في سبيل الله.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: غزوة بعد حجة الإسلام خير من ألف حجة ومن صيامها وقيامها.
[3/ 12]

(3/12)


وروى ابن وهب قال: قال نافع في تخلف ابن عمر عن الغزو ولزومه الحج: إنه إنما ترك الغزو لوصايا عمر ولصبيه وضيعة كثيرة لا يصلحها إلا التعاهد , وقد كان يغزي بنيه ويرى أن الجهاد أفضل الأعمال بعد الصلاة. وقالت عائشة: من خشي من نفسه جبناً , فلا يغز. وقد روي من فضل أعمال البر في الجهاد من صلاة وصوم وصدقة وذكر الله: أن عمل ذلك في الجهاد أفضل منه في غيره. وكذلك إن مرض فيه أو نكب أو شاب فيه , فقد روي في ذلك فضل كثير , وفي من مشى في سبيل الله وفي من شيع غازياً أو حفظه في أهله أو جهزه أو أعانه.
وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا لم يوف بعهد ولا ذمة ولم يقم بكتاب ولا سنة , فالرباط أفضل غزوكم. قال مالك: الغزو على الصواب أحب إلي من الرباط ووالرباط أحب إلي من غزو على غير الصواب. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثمرة الجهاد الحرس , وحارس الحرس على فرس يصيح وقد أوجب يقول: استوجب الجنة ومن كتاب آخر. قال مالك لرجل سأله قد ابتلي بدم: تقرب إلى الله سبحانه بما استطعت والزم هذه الثغور.

ذكر بعض ما روي في فضل الرباط ولزوم الثغور
وذكر الغارات وذكر الأفضل من الحج والغزو والرباط
وذكر التكبير في الرباط والحرس في لقاء العدو

من كتاب ابن حبيب وغيره: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رباط الرجل ليلة
[3/ 13]

(3/13)


في سبيل الله أفضل من ألف ليلة يقوم ليلها لا يفتر ويصوم نهارها لا يفطر. وقال: من رابط فواق ناقة , حرمه الله على النار. قال ابن حبيب: قوله: فواق ناقة: قدر ما تحلب. وقال أبو هريرة: لحرس ليلة أحب إلي من صيام ألف يوم أصومها وأقوم ليلها في المسجد الحرام وعند قبر النبي صلى الله عليه وسلم. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنكم ستجدون أجناداً أو يفتح لكم أرضون , ويكون لكم ذمة وخراج , ويكون لكم على سيف البحر مدائن وقصور , فمن أدرك ذلك فاستطاع أن يحبس نفسه في مدينة من تلك المدائن أو قصر من تلك القصور , فليفعل. وروي في الرباط من الرغائب كثير.
قال ابن حبيب: وهو شعبة من شعب الجهاد , وبقدر خوف أهل ذلك لسفك دماء المشركين والرباط لحقن دماء المسلمين , وحقن دماء المسلمين أحب إلي من سفك دماء المشركين , وقيل إنما هذا حين دخل فيالجهاد ما دخل , وقال عمر: اغزوا ما دام الغزو حلواً خضراً قبل أن يكون مراً عسيراً , ثم يكون ثماماً ثم يكون رماماً ثم يكون حطاماً , فإذا انتاطت المغازي وكثرت العزائم واستحلت الغنائم , فخير جهادكم الرباط. والثمام: الرطب من الثياب , والرمام: اليابس , والحطام: الذي ينكسر ويتحطم , وقوله: العزائم يريد: حمل السلطان شدة الأمر عليهم والعزم فيما يشق عليهم لبعد الغزى وقلة عونه لهم وغير ذلك.
[3/ 14]

(3/14)


وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تمام الرباط أربعون ليلة. وروي أنه إذا نزل العدو بموضع مرة فهو مرابط أربعين سنة. وهذا والله أعلم على الترغيب في الرباط , وكلما كثر الخوف في ثغر من المرابطات كان أعظم لثواب أهله.
وكذلك قال مالك. وسئل عن من جعل شيئاً في السبيل أيجعله في حده؟ قال: لا , قيل: قد نزل بها العدو مرة , فضعف ذلك.
ومن العتبية: من سماع ابن القاسم ومن غير ديوان , قيل لمالك , ما أحب إليك الرباط أم الغارات في أرض العدو؟ قال: أما الغارات فلا أدري , كأنه كرهها , فأما السير في أرض العدو على الإصابة , يريد: السنة , فهو أحب إلي.
قال ابن سحنون عن أبيه: قد مضى عبد الله بن نافع إلى المصيصة فأقام بها أربعين يوماً مرابطاً وترك دخول أرض العدو.
قال في الكتابين: قيل لمالك: أيما أعجب إليك الرباط أم المصيصة؟ قال: المصيصة إلا أن يكون ما عندكم أخوف , فليؤثر الرجل ناحيته. فإن كان فيها غناء فالمصيصة , يعني: الغزو ودخول بلد الروم والرباط فيها , فذلك أحب إلي. قيل: فعندنا مدائن على البحر ضيعت من العدو , وفيها حشر من نساء وصبيان , فرباطهم أحب إليك أم دخول بلد الروم؟ قال: ما في هذا حد إلا على ما يرى وينزل.
[3/ 15]

(3/15)


وقال الله سبحانه: " قاتلوا الذين يلونكم من الكفار " , يقول: من حولكم , فينبغي لكل قوم أن يرابطوا ناحيتهم ويمسكوا سواحلهم , إلا أن يكون مكاناً مخوفاً يخاف فيه على العامة. قال ابن وهب: قال ابن زيد: فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من قتال من يليه , نزلت: " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله " , إلى آخرها. وقال مالك: وليس من سكن بأهله في مثل الفسطاط والإسكندرية وطرابلس من أهل سواحل البحر مرابطين , وإنما المرابط من خرج من منزله فرابط في نحور العدو وعلى سواحل حيث الخوف.
ومن كتاب ابن حبيب: سئل مالك عن سكان الثغور على السواحل , يريد: بالأهل والولد , قال: ليسوا بمرابطين , وإنما الرباط لمن خرج من منزله معتقداً للرباط في موضع الخوف.
ومن العتبية: من سماع ابن القاسم , قيل لمالك: الحج والقفل أحب إليك أم الحج والمقام للجوار؟ قال: ما كان الناس إلا على الحج والقفل. قيل: فالجهاد مثله , فإنه قد قيل ذلك؟ قال: لا , قد أقام غير واحد من الصحابة بالشام حين فتحت وهي بحال الحرب , منهم: معاذ وأبو هريرة وبلال وأبو أيوب. قال أشهب , قيل لمالك: أعلينا بأس في إقامتنا عندكم وتركنا أهليا بالإسكندرية , وما أدركنا قط عدواً نزل بها وإنهم ليخافون؟ قال: قد قلتم: إن الموضع مخوف ضائع وأهلها قليل ومحارسها خالية , فلخوفكم بأهليكم أحب إلي وتكونون من وراء المسلمين.
قيل: فنأثم في مقامنا ها هنا؟ قال: لا أدري ما الاثم وأنعم أعلم بموضع خوفكم , وكونكم معهم أحب إلي. قيل: فالمقام بأرض العدو أم الذهاب
[3/ 16]

(3/16)


والرجوع؟ قال: كل حسن واسع. وفي باب الغزو مع ولاة الجور ذكر الرباط هل هو أفضل أم الغزو معهم؟
ومن العتبية: روى أشهب عن مالك , قال: لا بأس برفع الصوت: روى أشهب عن مالك , قال: لا بأس برفع الصوت ... بالتكبير بحضرة العدو وذلك حسن. وأما على السواحل في الرباط فلا بأس به إلا أن يؤذى بذلك الناس ممن يقرأ ومن يصلي , يؤذيهم برفع الصوت فلا أرى ذلك.
قال ابن حبيب: ويكره التطريب في التكبير وفي الحرس ولا بأس بما سهل من ذلك , وإن كان بتحزين فلا تطريب.
ويكره أن يلي واحد التكبير والتهليل ويجيب الباقون , ويكبر كل واحد بنفسه على نيته ورغبته وإن رفع به صوته. ولا بأس أن يكبر الواحد وينصت الباقون , ويستحب التكبير في العساكر والثغور بإثر صلاة الصبح وصلاة العشاء تكبيراً عالياً ثلاث مرات , وهو قديم من شأن الناس.
ومن غير كتاب ابن سحنون: روى ابن وهب عن مالك في من له بنات وأخوات وضيعة وأراد الجهاد أو الحج: أيهما أفضل , أيجاهد أو يقيم في أهله؟ قال: بل أن يجاهد أحب إلي من المقام في أهله وولده وضيعته , ويستخلف الله عليهم. وأما الحج , فإن كان صرورة فليحج , ولم يبلغني أن شأحداً ممن بالمدينة يقتدى به من صاحب وغيره خرج منها إلى الرباط إلا واحداً أو اثنين , وهي أحب المساكن إلي إلا أن يخرج أحد إلى الرباط ثم يرجع إليها.
[3/ 17]

(3/17)


ذكر فرض الجهاد وتطوعه , وذكر النفير والهجرة
من كتاب ابن سحنون , قال سحنون , كان الجهاد في أول الإسلام فرضاً على جميع المسلمين , ثم هو الآن يحمله بعضهم عن بعض , يريد: إلا في الضرورات , قال: والآن هو مرغب فيه. قال: إلا أن يرى الإمام أن يبعث بعثاً نظراً للإسلام , فعلى الناس طاعته فيمن رأى أن يبعث منهم ووعليه أن يجهزهم من بيت المال.
قال ابن المسيب: هو فرض على العامة إلا أن يتركوه , وليس كالصلاة على كل أحد. قالت عائشة: من حس نفسه جبناً , فلا يغز. وقال سحنون: وقد قرنه الله تعالى بالإيمان به فقال جل وعز: " تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله " , ثم خفف ذلك فقال جل وعز: " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً " , فدل أن ذلك على كل أحد في خاصته , وهو على الجميع فرض. قال غيره: ولقوله تعالى: " فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ".
قال سحنون: هو فرض على الجميع يحمله بعضهم عن بعض , إلا أن ينزل أمر يحتاج إليهم أجمعين فيكون عليهم فرضاً. ولا ينبغي مع ذلك أن يعطل الإمام الجهاد والدعاء إلى الإسلام. قال سحنون: وأما قول الله تعالى: " انفروا خفافاً وثقالاً " , وقوله " ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ". قال ابن زيد: آيتان مسنوختان بقوله: " فلولا نفر من كل
[3/ 18]

(3/18)


فرقة منهم طائفة " وقوله: " انفروا خفافاً وثقالاً " كان في أول الإسلام , فلما كثر المسلمون قال: " وما كان المؤمنون لينفروا كافة ". قال: والثقيل: من له ضيعة , والخفيف: من لا ضيعة له.
قال سحنون: والنفير فرض يحمله بعض الناس عن بعض. وقال عن الوليد عن بشير بن عبد الله قال: كان الوالي في أيام عمر وعثمان إذا قام في الناس بنفير البعث , فالمتعجل الرائح من عشيته , والغادي من غداة غدة , والرائح من عشية غد مقصر , والغادي من غداة بعد الغد معتذر. قال: وإذا وقع النفير , ورجل معتكف , فإن حل بموضعه ما لا قوة لمن حضر على دفعة خرج ثم بنى.
قال أبو محمد: وقد قيل يبتدىء , وإن كان فيهم قوة على دفعهم فلا يخرج. ولا ينفر العبد والمكائب ومن فيه بقية رق بغير إذن السيد , إلا من في ثغر فغشيهم ما لا قوة لمن حضر به فلينفر بغير إذن السيد , وقاله الأوزاعي.
قال سحنون: ومن عليه دين قد حل وعنده له قضاء فلا ينفر ولا يرابط ولا يعتمر ولا يسافر حتى يقضيه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: مطل الغني ظلم. وإن كان دين لم يحل أو لا وفاء له به فله أن ينفر. ولا أحب لمن له والدان أن ينفر إلا بإذنهما إلا أن ينزل بمكانه من العدو ما لا طاقة لمن حضر بدفعه فلينفر بغير إذنهما. ولو نزل ذلك بساحل بغير موضعه ولا غوث عندهم أو كان الغوث بعيداً منهم فلينفر إليهم بغير إذن الأبوين.
قيل لسحنون: فلو نزل العدو بسوسة أينفر إليهم أهل سفاقس والمنستير وهو يخافون أن يخالفهم العدو إلى مواضعهم؟ قال: إن خافوا ذلك حذراً بغير
[3/ 19]

(3/19)


معاينة مراكب ولا خبر فلهم النفير. وإن اشتد خوفهم مثل أن ينزل لهم مراكب وشبه ذلك فليقيموا بموضعهم.
وقال نحوه الأوزاعي وسفيان إذا نزل عدو ببعض الثغور: إن لمن أحب من المتطوعة بالمصيصة أن ينفروا إليهم.
وروى ابن وهب عن ابن شهاب في قول الله تعالى: " كتب عليكم القتال " , قال: الجهاد على كل أحد غزا أو قعد , فالقاعد إن استعين به أعان , وإن استنفر نفر , وإن استغيث به أغاث , وإلا قعد. قال غيره: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا هجرة بعد الفتح , ولكن جهاد ونية , وإذا استنفرتم فانفروا. وقد رفع الله ذلك عن ذي العذر من أعمى ومريض وأعرج وشبهه.
ومن كتاب ابن سحنون , قال سحنون: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقطع الهجرة ما قوتل الكفار , وإنما الهجرة اليوم من دار الكفار إلى دار الإسلام , مثل أن يسلم بدار الكفر , عليه أن يهاجر.
قلت: قال الحسن: هجرة الأعراب إذا ضمهم ديوانهم , قال: لا هجرة اليوم في الأعراب لأنهم دخلوا في أحكام المسلمين. وقد أسهم لهم عمر حين دون الديوان. وهم أهل البدو , وقد حكم في دياتهم بالإبل.
قال ابن حبيب: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من هاجر لعرض من الدنيا , فلا أجر له , وقوله: من هاجر إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها , فهجرته إلى ما هاجر
[3/ 20]

(3/20)


إليه. وفي حديث آخر: قتل فلان في سبيل الجهاد. وقال عمر: ليس كل من قتل في سبيل الله بشهيد , ولكن الله يعذب عدوه بالبر والفاجر.
قال سحنون: وإذا دخل المشركون أرض الإسلام فسبوا النساء والذرية وأخذوا الأموال فواجب على المسلمين إن كانت بهم قوة عليهم استنقاذ ذلك. فإن فصلوا إلى بلدهم فواجب عليهم اتباعهم ما دام لهم طمع باستنقاذ ذلك وفيهم له قوة. فإن صاروا إلى حصونهم ومدائنهم , وبمن اتبعهم قوة على ذلك ورجاء فيه فواجب عليهم استنقاذ ذلك حتى ييأسوا ولا يرجوا ذلك فلهم أن يذبوا عن أهل ذمتهم في أنفسهم وأموالهم مثل ذبهم عن أنفسهم في ذلك كله. ومن بلغه من نال العدو من المسلمين من هذا فعليه النفير لعونهم حتى يستنقذوا ذلك منهم أو يعجزوا عنه أو يقتلوا دونه. ومن كان بعيداً عنهم وإن نفر لم يدركهم حتى يفوتوا فله المقام. وإن غلب أنه يدركهم فعليه النفير لذلك. وهذا إذا لم يكن فيمن هو بإزائهم الذين خرجوا إليهم قوة عليهم والغالب عليهم الخوف. وهم مستطيعون لا يخاف عليهم فهو أخف في إيجاب نصرهم.

في الغزو والسفر بغير إذن الأبوين أو غيرهما أو العبد بغير إذن سيده
ومن نذر الغزو ثم تخلف لعذر أو لغير عذر
وهل يغزو المديان أو من له قرابة
من كتاب ابن سحنون وغيره: روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الغزو بغير إذن الأبوين , ونهى عن ذلك كثير من الصحابة والتابعين. قال يحيى بن سعيد: وليطعهما وليقم ما لم ينزل بالناس ما لا قوام لهم به. قال
[3/ 21]

(3/21)


الحسن: وإن أذنت لك أمك وأنت تعلم أن من هواها قعودك فاقعد. ونذر رجل الغزو فتجهز فنهته أمه فأمره أبو هريرة أن يقعد ويدفع جهازه لغيره. قال مالك: لا يكابر في ذلك أبويه وليصبر إلى عام آخر.
ومن المختصر وكتاب ابن المواز , قال مالك: لا يغز أحد إلا بإذن أبويه , فإن أوجبه على نفسه وتجهز فليستأذنهما. قال محمد: إن خرج بغير إذن فليرجع حتى يأذنا له. قال مالك: وإن لم يأذنا له فلا يكابرهما وليدفع جهازه ولا يأكله , فإن خاف فساده باعه وحبس ثمنه إلا أن يكون ملياً فليصنع به ما شاء حتى يمكنه الغزو. فإن مات قبل ذلك فهو ميراث كصدقة نذرها فلم ينفذها. ولو جعله على يدي غيره فمات على ذلك فهو ميراث إلا أن يشهد على ذلك أشهاداً أن ينفذ بعد موته فيكون من رأس ماله , مات قبل ذلك أو بعده ز قال مالك فيمن تجهز يريد الغزو متطوعاً ثم بدا له: وأحب إلي أن يدفع جهازه لغيره.
وذكر ابن المواز مثل ما تقدم أن أبا هريرة أمر بذلك في الناذر تكره ذلك أمه. وذكر ما تقدم من قول يحيى بن سعيد. قال: ورد عمر خداشاً من الشام وقال له: الزم أباك حتى يموت. وروى ابن وهب أن عبداً قاتل يوم أحد , فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أذن لك سيدك؟ قال: لا , قال: لو قتلت دخلت النار.
قال ابن حبيب: وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أهل الأعراف ناس قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم. وسمعت أهل العلم يقولون في العبد يغزو مع سيده: إنه لا يقاتل إلا بإذنه إلا أن يدخل العدو العسكر فله أن يدفعه , وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الشهادة تكفر كل شيء إلا الدين وروي أن الله سبحانه يقضي عنه دينه.
[3/ 22]

(3/22)


وأرخص مالك للذي عليه الدين أن يغزو إن خلف وفاء دينه أو كان بإذن غرمائه. وقال له رجل: علي دين كبير وأردت الغزو ولا مال لي. فإن مت فأحب الموضع إلي , وإن وجدت مالا ديني , فأباح له أن يغزو. و (وقال له رجل من أهل الأندلس أراد أن يلحق بالمصيصة والثغور , وله ولد وأهل بالأندلس: أترى له في ذلك سعة؟ قال: نعم. قال: أيخشى عليهم الضيعة؟ قال: نعم , فكأنه لم يعجبه ذلك).
ومن كتاب ابن سحنون: وأجاز مالك لمن عليه دين ولا وفاء عنده أن يغزو. قال سحنون: ومن له أبوان أو أحدهما باق فلا يغزو إلا بإذنه , وإن كانا مشركين , وقال سفيان. قال سحنون: وأما الجد والجدة فبرهما واجب , ولا يلحقان في هذا بالأبوين , وأحب إلي أن يرفق بهما حتى يأذنا له. فإن أبيا , فله أن يخرج. والعم والعمة من ذلك , ولا شيء عليه فيهما. وقال سفيان في الجدة المسلمة: لا يغزو إلا بإذنهما. قال الأوزاعي وسحنون: إن لم يأذن له أبواه المشركان فليطعهما , إلا أن يعلم أن منعهما له لا لحاجتهما إليه , لكن ليوهن الإسلام ولا يعين على النصارى فليخرج وإن كرها.
قال سحنون: ولا يسع الأبوان منع ولدهما من الغزو. ولو أثما بذلك لوسعه ترك إذنهما. ومنع الجدة ضعيف , فإذا أذن له أبواه لم ينظر إليها. وإن أراد أن يخرج إلى حج الفريضة فليرفق بهما حتى يأذنا له , فإن لم يفعلا فله أن يخرج. وأما السفر للتجارة ,
فلا إلا بإذنهما.

[3/ 23]

(3/23)


ويكره التجارة إلى العدو وإن كان مأمونا لا يحفر فيه عهد , فكيف إن لم يأذن له أبواه؟ وقد كتبت في كتاب الحج قول مالك في شيخ زمن كره خروج ابنه إلى السفر , فقال مالك: إن كان رجلا وكان رشيدا فله أن يخرج وقيل لسحنون فيمن ليس له أبوان وله زوجة وإخوة وأخوات وأعمام وعمات وأخوال وخالات: هل يغزو بغير إذنهم؟ فقال: إن لم يخف ضيعتهم أو كان غيره القائم بهم أو هم عنه في غنى فليخرج وإن كرهوا. وإن خاف أن يضيعوا وهو القائم بشأنهم , فالمقام عليهم أفضل. فإن لم يكن بيده مال يقوم به عليهم ولا في مقامه منفعة لهم فلا بأس أن يخرج. وكذلك إن كان له مال وترك لهم كفاية. وإن كان إنما يعود عليهم بفضل يده فالمقام عليهم أفضل. قال: والزوجة ومن يلزمه الإنفاق عليه من ولده , فله أن يخرج إن ترك لهم النفقة. وإن كان إنما يعود بعمل يده , فلا يقضى عليه بالمقام ولكن يؤمر بذلك لأنه ليس على الفقير أن يؤاجر نفسه وينفق. وهذا كله في الجهاد. وأما في النفير وما يدهم من العدو فليخرج بغير إذن أبويه ولا يطعهما , وهذا فرض , وإنما يطيعهما في النافلة. ويخرج في النفير العبيد بغير إذن السادة وإن نهوا , والنساء إن قوين , ومن أطاق القتال من الصبيان وإن كره الأبوان. وعن مليء فرط في الحج حتى ذهب ماله إن له أن يغزو ولا ينتظر أن يكسب ما يحج به. وعن فقير أفاد مالا فيه ما يحج به هل يغزو قبل أن يحج؟ قال: إن كان يرجع قبل إبانه فعل , وإلا فلقم حتى يحج. وكذلك لو كان مليا ففرط في الحج حتى افتقر ثم أفاد مالا على ما ذكرنا. ولو طلب تأخيره العام ليغزو فلا يفعل وليبدأ بالحج , تقدم له تفريط وملا أو لم يتقدم.
قال سحنون: لا يغزو المكائب إلا بإذن سيده. فإن أذن له فشهد القتال ثم مات وترك وفاء وله ولد في الكتابة فلا يسهم للمكائب في المغنم.

[3/ 24]

(3/24)


في الجهاد مع من لا يرضى من الولاة
من كتاب ابن سحنون: روى ابن وهب أن جابر بن عبد الله قال: قاتل أهل الضلالة , وعلى الإمام ما حمل وعليك ما حملت. وقيل لابن عباس: أغزو مع إمام لا يريد إلا الدنيا؟ قال: قاتل أنت على حظك من الآخرة. قال نافع: ولم يكره ابن عمر الغزو معهم وكان يغزي بنيه. وفي حديث آخر: ويبعث بالمال ويعين الغزاة. قال: وإنما تخلف لوصايا عمر ولصبية وضيعة كبيرة لا يصلحها إلا التعاهد. وقال الحسن: اغز معهم ما لم ترهم عهدوا ثم غدروا. ولم ير السلف بالغزو مع ولاة الجور بأسا. وقاله أبو أيوب وعبد الرحمان بن يزيد والنخعي ومجاهد والحسن وابن سيرين وطاوس وسالم بن عبد الله وأبو حذيفة وعمارة بن عمير , وقال مالك وقال: في ترك ذلك ضرر وجزأة لأهل الكفر. قال ابن حبيب: سمعت أهل العلم يقولون: لا بأس بالغزو معهم وإن لم يضعوا الخمس موضعه وإن لم يوفوا بعهد , وإن عملوا ما عملوا. ولو ترك ذلك لا ستبيح حريم المسلمين ولعلا أهل الشرك. وقاله الصحابة حين أدركوا من الظلم , فكلهم قال: أغز معهم على حظك من الآخرة , ولا تفعل ما يفعلون من فساد وخيانة أو غلول.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: الجهاد ماض منذ بعث الله نبيه إلى آخر عصابة تقاتل الدجال لا ينقضه جور من جار ولا عدل من عدل. وقال ابن عمر: اغز مع ائمة الجور وليس عليك مما أحدثوا شيء. وغزا أبو أيوب النصاري مع يزيد ابن معاوية أن كان توقف , ثم ندم على توقفه.
[3/ 25]

(3/25)


فى الغزو بغير إذن الإمام
وهل يسري أحد أو يقاتل أو يبارز بغير إذنه
ومن يصلح في الإمارة في الحرب وطاعته

من كتاب ابن سحنون: واختلف في قول الله سبحانه: (يا ايها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم) , فقال أبو هريرة: أمراء السرايا , ورواه ابن وهب. وقال جابر بن عبد الله: هم أهل الفقه والدين. قال بعض العلماء: وطاعة هاتين الطبقتين واجبة. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم يوما أصحابه عن القتال وهم مستقبلو العدو , فقاتل رجل فقتل , فأمر النبي عليه السلام من ينادي: لا تحل الجنة لعاص. وقال عليه السلام: وإن أمر عليكم عبد حبشي فاسمعوا له وأطيعوا. وفي حديث آخر: إلا أن يأمروا بمعصية , فلا سمع فيها ولا طاعة.
قال سحنون: وليؤمر الإمام على السرية أميرا يتقدمون بأمره ويتأخرون , ويكون من ذوي المراس في الحرب والحنكة , ويستظهر بأهل الرأى ممن معه. ومن كتاب ابن المواز , قلت: أيغزى بغير إذن الإمام؟ قال أما الجيوش والجمع فلا خروج لهم إلا بإذن الإمام وتوليته عليهم واليا. وقد أرخص لأهل الثغور ممن بقرب العدو يجدون الفرصة ويبعد عليهم إذن الإمام , فسهل مالك في ذلك. فأما في سرية تخرج من عسكر فلا يجوز لهم ذلك. قال عبد الملك: وهم عاصون خرجوا ببدعة ورغبوا عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والأئمة بعده , ولا أرى أن ينفلوا ولا ينفل إلا من أطاعه ويستألفه على حسن فعله , وليؤدبهم بما يرى. قال محمد: وإنما أبيح ذلك لمن بعد عن الإمام مثل اليوم ويجد الفرصة.

[3/ 26]

(3/26)


قال أصبغ عن ابن القاسم في ناس في ثغر يخرجون سراياهم لغزة يطمعون بها وإمامهم على أيام: فإن كانت الغرة بينة من العدو ولم يخافوا أن يلقوا بأنفسهم فيحاط بهم فلا بأس به. فإن خافوا أن يطلبوا فيدركوا ولا قوة بهم في من يطلبهم , فلا أرى ذلك لهم.
قال عنه أبو زيد في قوم سكنوا بقرب العدو فيخرجون إليهم بغير إذن الإمام فيغيرون: فإن كانوا يطمعون بالفرصة وخشوا إن طلبوا ذلك من إمامهم منعهم أو يبعد إذنه لهم حتى يفوتهم ما رجوا , فذلك واسع وإن كنت أحب أن لو كان بإذن الإمام. وكذلك في العتبية من رواية أصبغ عن ابن القاسم.
قال سحنون عن ابن نافع عن مالك , وهو في العتبية من سماع أشهب في العدو ينزل بساحل المسلمين: أيقاتلون بغير إذن الإمام؟ قال: إن قرب منهم استأذنوه , وإن بعد فليقاتلوهم ولا يتركوهم حتى ينفر إليهم.
قال ابن حبيب: وسمعت أهل العلم يقولون: وإذا نهى الإمام عن القتال لأمر فيه مصلحة فلا يحل لأحد ان يقاتل إلا أن يغشاهم العدو ويدهمهم منهم قوة فلا بأس بقتالهم إذنه.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم , وعن السرية تخرج مغيرة في أرض العدو وهم إذا ماتت دابة أحدهم لم يقفوا عليه ولم يرجعوا وتركوه وحده في أرض الروم فإن ظفر به الروم أسروه , قال: لا يعجبني أن يخرج معهم وهم هكذا. وروى عنه أشهب في الجيش بأرض العدو فاحتاج بعضهم إلى العلف , فخرج جماعة إلى قرية للعلف , فربما بعضهم أو أسر , قال:
[3/ 27]

(3/27)


لا ينبغي أن يخرجوا إلا في كثرة ومنعة , وما جاؤوا به فلا ينبغي أن يبيعوه. قيل: فإنا نتعلف ولا نستأذن الإمام؟ قال: لو كان بإذنه كان أحب إلى إن استطعتم , ولكن الناس أكثر من ذلك. ولكن إن خرجتم ففي كثرة وعدة. قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب , قيل: أيبارز أحد العدو بغير إذن الإمام؟ قال: إن كان عدلا فلا يفعله إلا بإذنه كالقتال.
ومن كتاب ابن سحنون: ذكر حديث معاذ: الغزو غزوان , وذكر غيه: ويجتنب فيه الفساد ويطاع فيه ذو الأمر ألا فكل شيء منه أجر تام. قال سحنون: ويجب أن يطيعوا أميرهم فيما يأمرهم به وينهاهم عنه , ولا ينازعوه لقول الله تعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا). فإذا أمرهم بأمر لا يدرون عاقبته فليطيعوا. وقد أمر عمرو بن العاص الجيش الذين معه ألا يقدوا ناراً في ليلة باردة. فلما قدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم شكوا ذلك , فقال عمرو: كان في أصحابي قلة , فكرهت أن يراهم العدو , فأعجب ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. وإذا أمرهم بأمر يخاف فيه الهلكة واجتمعوا على أنه خطا , فهذا الذي لهم أن يسألوه عنه ويناظروه فيه. فإما أن يظهر لهم صوابه فيرجعون أو يتبين له الزلل فيرجع , ولا يلزمهم طاعته في هذا. وقد رجع الصحابة إلى الصديق في قتال أهل الردة وانفاذ جيش أسامة. فإذا اختلفوا فرأى بعضهم رأي الأمير فليرجع إليه من خالفه , وليتهم رأيه حتى يأتي الأمر البين.
والإمارة في الحرب غير الإمارة في غيره , وإنما يقدم فيها العالم بها ذو الحنكة والتجربة مع الفضل , وقد يقدم فيها الدون في الفضل على الفاضل لما عنده من فضل العلم بالحرب.

[3/ 28]

(3/28)


وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأقدم الرجل وغيره أحب إلي منه , ولكن لعله أيقظ عينا وأسهر سهراً ومكيدة. قال سحنون: وإذا كان في الرجل الفضل والعلم بالحرب , فليقدم ولا ينظر في نسبه عربي أو مولى. وإذا نادى منادي الأمير: يكون فلان وجنده فيالميمنة وفلان وجنده في الميسرة وفلان في المقدمة وفلان في الساقة , فلا يتعدى أمره. ومن خالف ذلك من غير عذر فللإمام أن يؤدبه إذا رأى ذلك. وعلى الإمام حياطة الناس في خروجهم في المتعلقة يكونون ردءاً لهم , ولا يخرجوا إلا بإذن , ولا يركبوا الخطر , وأن يشتروا العلف خير من ذلك , والمشتري فيه أعذر من البائع. وإذا نادى منادي الإمام: من أراد العلف فليخرج تحت لواء فلان , فلا ينبغي أن يتعدوا ذلك ولا يفارقوا اللواء إلا مفارقة قريبة لا يغيب بعضهم عن بعض , وليحذروا عند دخول القرى فلا يدخلها إلا الجماعة. وإذا نهى عن قطع الشجر والحرق والهدم , فإن كان مذهب ذهب إليه فليس عليهم طاعته في ذلك إلا فيما يرجى ظهورنا عليه. وإن كان ذلك لئلا يشتغلوا عن مناصبة العدو فليطيعوه. وإذا نهى عن القتال فليقطع. وإذا بعث سرية وقال: لا يخرج إلا ثلثمائة , فلا ينبغي أن يتجاوز ذلك , فإن خرج أكثر من ذلك وغنموا فللإمام منع الذين تعدوا من سهامهم أدباً لهم , وله ألا يمنعهم. ولو نفل السرية الربع بعد الخمس , فهذا النفل عندنا لا يصلح. فإن عقده وخرجوا عليه فلينفذه كقضية قضى بها قاض بقول بعض العلماء.
وفي باب السرايا ذكر خروج السرية بغير إذن الإمام , وكيف إن غنموا , وللمبارزة باب.
[3/ 29]

(3/29)


في سيرة الإمام في الغزو وما ينبغي في سفره من القول والعمل
والسيرة في أرض العدو وأدب الإمام ووصيته في الغزو
ومسيرة ورفقه بالناس وذكر ما وقف من دوابهم
من كتاب ابن حبيب: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج في سفره يوم الخميس باكراً ويرجع يوم الإثنين باكراً , فيبدأ فيصلي في المسجد ركعتين , ثم يحدث أصحابه ساعة , ثم يدخل. وروي أنه كان يصلي ركعتين قبل أن يخرج. وكان عليه السلام يبعث السرايا أول النهار. قال ابن مسعود: ومن خرج إلى سفر فليأت إخوانه يسلم عليهم. فإذا قدم فليأتوه. وروي للنبي صلى الله عليه وسلم نحوه في المسير يرتجي بدعائهم خيراً. وكان عليه السلام إذا استوى على بعيره يريد سفراً , كبر ثلاثاً وقال: " سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون " , اللهم يسر لنا في سفرنا هذا التقوى , ومن العمل ما ترضى , اللهم ازو لنا الأرض وهون علينا السفر واطو لنا بعيده , اللهم أنت الصاحب في السفر والخليف في الأهل.
ثم ذكرنا في حديث الموطأ: وإذا رجع , قال: آئبون تائبون , إلى آخر الحديث المعروف. وذكر ما روي من القول والدعاء والتعويذ عند دخول قرية وعند النزول في ليل أو نهار.
وذكر ما روي من قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيشاً أو سرية , فمن ما روي أنه كان يوصيهم به: اغزوا بسم الله وعلى عون الله , فامضوا بتأييد الله بالنصر ولزوم الحق والصبر , فقاتلوا في سبيل الله , ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين , ولا تجبنوا عن اللقاء ولا تمثلوا عند الغدرة ولا تسرفوا عن الظهور ولا تقتلوا هرماً ولا امرأة ولا وليداً ولا تغلوا عند الغنائم , ونزهوا الجهاد عن عرض الدنيا , وأبشروا بالرباح في البيع الذي بايعتم به الله , وذلك هو الفوز العظيم.
[3/ 30]

(3/30)


وهكذا في رواية ابن وهب من كتاب ابن سحنون. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خير الصحابة أربعة وخير الطلائع أربعون وخيرالسرايا أربع وخيرالجيوش أربعة آلاف , ولن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة إلا باختلاف كلمتهم. ونهى عليه السلام عن الوحدة في السفر وغيره. وقال في الإبل: احملوها على بلادكم من السير , فإنما يحمل الله , يريد: شدة السير. وكان ابن المنكدر شديد السير. وسار ابن عمر من المدينة إلى مكة في ثلاث وابن مسعود منها إلى العراق في سبع وابن الزبير من إفريقية في شهر , يريد ابن حبيب: وليس هذا في سير الجيوش , ولكن على ما هو أرفق بالناس وبقدر الحال الحاضر
قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنجوا عليها بنقيها , وعليكم بسير الليل فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار. وقال: إذا سرتم في الخصب فأمكنوا الدواب من أسنانها ولا تجاوزوا المنازل , وإن سرتم في الجدب فعليكم بالدلج وإذا توغلت لكم الغيلان فنادوا بالأذان , وإياكم والتعريس على جواز الطريق والصلاة عليها. وإذا ضل أحدكم أو أخطأ فليتيامن , وإذا أيى فليهرول. وارتووا من الماء وأقلوا المكث في المنازل.
قال مالك: وكان من شأن الناس أن يقتادوا بعد الصبح إلى الإسفار وينزلوا من آخرالنهار فيقيموا حتى يناموا نومة إلى ثلث الليل وترعى دوابهم ثم يركبوا. قال: وكانوا يروحون عند الفياح وذلك عند زوال الشمس.
[3/ 31]

(3/31)


ومن العتبية من سماع ابن القاسم: وينبغي لإمام الجيش ألا يعجل على أصحابه , وأن يكون في وسطهم , ويبعث سراياه , وألا يقطع الناس. وقال أيضاً مالك فيه وفي الواضحة: وينبغي أن يكون الإمام في آخرهم حتى يتقدم الضعيف ويلحق المنقطع به. وكان عمر بن الخطاب يفعل ذلك وكذلك ينبغي , ويرفق بهم ولا يعجلهم.
قال في كتاب ابن حبيب: وأوصى عمر بن عبد العزيز صاحب الصائفة أن يركب أضعف دوابه فيالجيش يضبط سيرها , وروي أن أقطف القوم دابة أميرهم. وينبغي للناس أن يرفق قويهم على ضعيفهم ويتفقد ذلك الإمام. وكان عمر يقول: أيها الناس اعملوا عملاً صالحاً قبل القتال , فإنكم إنما تقاتلون بأعمالكم.
ومن كتاب ابن سحنون , قال سحنون: وينبغي للإمام أن يوكل بالساقة رجالاً في دخوله دار الحرب وفي خروجه يلحقون بمن تخلف ويقفون على الضعيف. ومن معه دابة لا فضل فيها أمروه بتركها واللحوق بالناس. فإن أبى فلينزعوها منه ويتركوها ويلحقوه بالناس ولا ضمان عليهم فيها , ولا فرق بين أن يزال عن دابته أو تزال دابته عنه , كما قال من خالفنا: وإذا خافوا على ربها ولا فضل فيها فلهم أن يذبحوها ولا يضمنوها. ومن معه رمك أو بقر أو غنم اشتراها من المغنم فلم يقدر أن يلحق بالناس , فعلى أصحاب الساقة قتل ذلك كله إن خافوا على الرجل. وإن تركوها وألحقوا ربها بالناس ثم مرت بها سرية لحقوا العسكر بعد ذلك بساعة أو يوم أو يومين , فقام ربها , فإن كان بقي خلف ربها بقية من المسلمين فليس لأهل الساقة أن يحولوا بينهم وبينها , فإن فعلوا فهم
[3/ 32]

(3/32)


ضامنون لما قتلوا أو هلك منها. وإن فعلوا ذلك ولم يعلموا من خلفهم أو خلفهم سرية لم يعلموا بها لم يضمنوا ما قتلوا أو هلك منها. وإن جاء بها هؤلاء فاربابها أحق بها ويؤدون إليهم ما أنفقوا عليها وإلا أسلموها إليهم. ولو أنفقوا عليها وهم يظنون أنها للعدو غنيمة , فلا رجوع لهم بالنفقة على أربابها , كما لو غنموا عبيداً من أيدي العدو للمسلمين فلأربابها أخذها بغير نفقة. ولو قسمت أخذوها بالثمن , فلا نفقة لأنهم أنفقوا على أموالهم.
وقال أكثر أصحابنا: من وقفت عليه دابته فتركها فأنفق عليها رجل , فلربها أخذها منه ويغرم له النفقة إلا أن يسلمها بالنفقة , والقول قوله فيما أنفق مما يشبه. فإن اختلفا في المدة فقال المنفق من وقت كذا وقال ربها من وقت كذا أو قال لا أدري وفالمنفق مدعٍ , فإن جاء بالبينة وإلا فلا شيء له إلا ما أقر به ربها.
وقال ابن كنانة: إنما يغرم النفقة إن كانت يسيرة , فإذا عظمت فلا يلزمه , لأنه لم يكن له أن يحبسها حتى يذهب في نفقتها. وقال بعض أصحابنا في المنفق على الضالة إن كان ممن يطلب الضوال فله جعل مثله , ولا نفقة له إلا أن يكون جعله أكثر من قيمتها فلربها إسلامها بذلك الجعل أو غرمه. وإن كان مثله لا يطلب الإباق فئة النفقة , ولا جعل له إلا أن يسلمها ربها بالنفقة فذلك له. وكذلك الوديعة ينفق عليها.

في الغزو بالمصاحف والنساء والاستعانة بالكفار
من كتاب ابن حبيب: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو. وقال مالك: أراه مخافة أن يناله العدو. قال ابن حبيب: لما يخشى من تعنتهم واستهزائهم به وتصغير ما عظم الله منه.

[3/ 33]

(3/33)


ومن كتاب ان حبيب وكتاب ابن المواز , قال ابن المواز: قال ابن الماجشون: ولو أن الطاغية كتب إلى السلطان أن يبعث إلية مصحفاً يتدبره أو يدعو إلية فلا ينبغى أن يفعل , وليس هذا وجه الدعوة , وهم أنجاس وأهل ظنة وبعض للإسلام وأهله. قال ابن سحنون قلت لسحنون: أجاز بعض العراقيين الغزو بالمصاحف إلى أرض العدو في الجيش الكبير كالصائفة ونحوها. فأما السرية ونحوها فلا. قال سحنون: لا يجوز ذلك لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك عاماً , ولم يفصل , وقد يناله العدو من ناحية الغفلة عنه.
قال ابن الماجشون: لا يتعرض بما يكون سبباً لاستخفافهم به. قال: وإذا طلبك ذمي أو حربي أن تعلمه القرآن فلا تفعل لأنه خبيث , وإنما المشركون نجس. ولا بأس أن يقرأ القرآن على الكفار ويحتج عليهم به كما قال الله عز وجل. ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون عن ابن وهب , قال مالك: ليس على النساء جهاد. قال سحنون: ولا نفير. ومن الواضحة نحوه. قال ابن عباس: وعزا النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء يداوين الجرحى ويمرضن المرضى.
قال في الواضحة: ويسقين الماء. قال ابن عباس وغيره: ولم يسهم للمرأة. قال ابن شهاب: لم يبلغنا أنه أسهم لامرأة ولا لعبد , ولا أن النساء قاتلن معه. قال سحنون: وقد قاتل نساء يوم اليرموك لما هجم الروم على العسكر. قال سحنون: وهم ثلاثون ألفا والروم مائة ألف وعشرون ألفا. قال: وكانت عائشة مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق. قال سحنون: وكانت أم سليم معه يوم حنين.
ومن الكتابين: وأجاز مالك أن يخرجن في الصوائف والعساكر العظام , وأجاز أن يخرج الرجل بأهله إلى الرباط.
[3/ 34]

(3/34)


قال سحنون: إلى المواضع المأمونة الكثيرة كالإسكندرية وتونس , وشك في سفاقس وسوسة. وأما غير هذين من سواحلنا فلا يخرج بهن إليها. وأجاز ابن القاسم الغزو بهن في العساكر المأمونة الكثيرة الأهل. وأجاز ذلك الأوزاعي في الجواري ونهى عنه في الحرائر , ولا فرق بين ذلك. قال مالك: ولا يعجبني أن يغزو بأم ولده , وأجاز مالك السكنى بالأهل والولد في الثغور المأمونة مثل ثغور الشام ومصر. ورب ثغر فيه ألف رجل وليس بمأمون ورب سواحل موطأة مثلالاسكندرية وشبهها , فهذه مأمونة.
قال ابن حبيب: ويكره للإمام أن يكون معه أحد من المشركين أو يستعين ببعضهم على بعض. قال النبي صلى الله عليه وسلم: لن أستعين بمشرك. قال ابن حبيب: وهذا في الزحف والصف وشبهه , فأما في هدم حصن أو رمي مجانيق أو صنعه أو خدمه فلا باس. ولا باس أن يقوم بمن سالمه من الحربيين على من لم يسالمه منهم بالسلاح ونحوه , ويأمرهم بنكايتهم. ولا بأس أن يكون من سالمه منهم بحذاء عسكره وقربه ومسايرين له يقوون بظلمه على من حاربه منهم ما لم يكونوا في داخل عسكره.

في السرايا والألوية والرايات والعمائم
وفي خروج السرية بغير إذن الإمام

من كتاب ابن سحنون: قال ابن شهاب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: خير الجيوش أربعة الأف وخير السرايا أربع مائة , والحديث بتمامه في باب سيرة الإمام.
ومن العتبية: روى أشهب عن مالك قيل له: إنه يقال خير السرايا أربعمائة , قال: قد بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة على سرية فيها ثلاثمائة , وربما بعث الرجل الواحد والرجلين سرية.
[3/ 35]

(3/35)


ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون: وليس في السرية توقيت لا يتعدى , وإنما ذلك على اجتهاد الوالي بقدر ما يرى من شدة الخوف وكثرة العدو وقلة ذلك , فيقابل ذلك بما يراه على حياطة المسلمين.
ومن العتبية: روى أصبغ عن ابن القاسم قال: لا بأس ببعث السرايا وانتشارها سراً وعلانيةً , وهي من أمر الجهاد قديماً. قال النبي صلى الله عليه وسلم: يرد على المسلمين أقصاهم. ولا أرى أن يكون إلا كتبية وذوي شجاعة وإن قلوا. ورب رجلين خير من مائة ما لم يبعثوا القلة على الحصون وشبهها , ولا ينبغي أن تكون السرية غرراً ولا إلى موضع غرر وغرة , فإن وهنها وهن العسكر. ومن كتاب ابن سحنون , قال سحنون: وأصحابنا يرون في سرية تخرج في قلة وغرر بغير إذن الإمام فغنموا: فللإمام منعهم العنيمة أدباً لهم. قال سحنون: فأما جماعة لا يخاف عليهم فلا يحرمهم العنيمة وإن لم يسأتذنوه , يريد ك وقد أخطأوا. قال ابن القاسم عن مالك في القوم يأتون المصيصة فيجدون الوالي قد أخرج سرية فيدعون دخول القرية لئلا يمنعهم الخروج معهم فيلحقون بهم , فلا بأس بذلك إن شاء الله إن لم يخالفوا على أنفسهم ضيعة. قال سحنون: فلذلك قلت في أولئك لا يمنعوا الغنيمة.
قال ابن الماجشون في سرية خرجت بغير إذن الإمام: فإن أمنت حصناً على مال أو على غير مال خوفاً على أنفسهم , فإن كان غلب عليهم الشرك فلم يخلوهم حتى أعطوهم الأمان فذلك باطل. وإن كان على ذلك طلباً للمال فلا يفجأهم الإمام بشيء حتى ينذرهم أنه لم يجز أمان أولئك.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أعز هذا الدين بالعمائم والألوية. قال يزيد بن أبي حبيب أول من عقد اللواء الأبيض معاوية , وكانت الرايات سوداء.
[3/ 36]

(3/36)


قال يحيى بن سعيد: أول من عقد الأولوية إبراهيم عليه السلام. قال زهير: وكان لواؤه أبيض. واعتم النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب بعمامة سوداء قد أسدلها بين كتفيه على قطيفة حمراء. وروى ابن حبيب أنه عمم علياً وأسدلها بين كتفيه.
ومن كتاب ابن سحنون: قال مالك: والعمائم من لباس العرب. قال ربيعة: وهي تزيد في العقل , وكان من أدركت يلبسونها , وكان الإمام يخطب بها في الشتاء والصيف. قال مالك: ولم أتركها إلا منذ ولي بنو هاشم , فتركتها خوفا من خلافهم لأنهم لا يلبسونها.
وكان من أدركت لا يرخي بين كتفيه منها شيئاً ولكن بين يديه يسدل منها , ولا أكره إسدالها من خلف لأنه غير جائز إلا أن هذا أجمل. قال غيره: وقد أسدل ابن عمر بين كتفيه بعمامة سوداء. وكانت عمامة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح سوداء.
قال ابن شهاب: أول راية عقدت على الحق يوم خيبر. وعقد النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص لواء في غزوة ذات السلاسل. قال الحسن: كانت راية النبي صلى الله عليه وسلم سوداء تسمى العقاب. قال غيره: وكانت راية خالد يوم دمشق سوادء. قال ابن القاسم في العتبية: ولا بأس أن يتخذ راية من حرير.
ومن كتاب ابن حبيب: روى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أكرم هذه الأمة بالألوية والعمائم , وكان علية السلام يعقد الألوية يوم الخميس. وإن جبريل أتاه في بعض المغازي وعليه عمامة سوداء قد أسدلها بين كتفيه , وقيل: حمراء. وفي الباب الذي يلي هذا شيء من ذكر العمائم.
[3/ 37]

(3/37)


في اتخاذ السلاح والعدة ورباط الخيل والنفقة عليها
وذكر الفروسية والرماية والعوم وزي العرب
من كتاب ابن حبيب: قال ابن عباس في قول الله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل): فالقوة: السلاح كله والعدة في سبيل الله , ومن القوة تعلم الرمي. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا إن من القوة الرمي , قالها مرتين. قال أبو معاوية الضرير: ومن القوة اتخاذ الحجور. قال عكرمة: القوة الحصون ورباط الخيل الإناث. قال عمر: ومن السلاح توفير الأظفار في الغزو. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من تقلد سيفاً في سبيل الله , البسه الله وشاح الكرامة , وكان يأمر بالقوس العربية ويكره الفارسية , وأمر بالعمة وعمم عليا بعمامة سواء أسدل منها بين كتفيه , وقد بعثه في سرية وقال: من أعد عدة في سبيل الله كانت له في زمانه كل غداة. ومن العتبية: قال ابن القاسم: قال مالك: لا بأس أن يحمل الرجل رمحه وسلاحه في الغزو ومعه من يحمله له من غلام وغيره. وقيل: أفيحمله غلامه؟ قال: لا بأس به , ولعل ذلك يكون خيراً له إن احتاج إلى القتال ألا يتعب نفسه , فذلك حسن أن يحمله غلامه.
ومن كتاب ابن حبيب , قال: وكان في درع النبي صلى الله عليه وسلم حلقتان عند الثندوة ومثلها في ظهره. قال محمد بن علي: لبستها فحطت في الأرض , وكان له مغفر وترس.

[3/ 38]

(3/38)


ومن كتاب اخر: وكان لعلي رضى الله عنه درع وهو الذي أصدق فاطمة. وكان درع عمر تامة وكان لها ساقان كساقي السراويل , وما بينهما مرفوع مفتوح يلبس منه , ثم يربط بشراكين فيصير كمقعدة السراويل , وكان له مغفر من نحوها. وكانت قبيعة سيف النبي صلى الله عليه وسلم فضة وفي وسطه حلقة من فضة وفي جفنه حلقتان من فضة , واتخذ عمر مثله , وزاد فيه ابن عمر بعده بكرات فضة , وكان عريضا فيه قصر طوله أربعة أشبار من نعله إلى قبعته.
وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه أن يكون الرجل سابحاً راميا فارساً وكتب عمر إلى أهل حمص: علموا أولادكم السباحة والرماية والفروسية والاختفاء بين الأغراض. وقال: أختفوا وتجردوا واخشوشنوا وتمعددوا واقطعوا الركب وانزوا على الخيل نزوا وارموا الأغراض , وإياكم ولباس العجم , البسوا الأزر والأردية والقوا السراويلات واستقبلوا حر الشمس بوجوهكم فإنها سامات العرب واطرحوا الخفاف والبسوا النعال.
قال أسلم مولى عمر: ورأيت عمر يمسك بأذن فرسه ثم ينزو عليه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: كل لهو يلهو به المؤمن باطل إلا في ثلاث: تأدييه فرسه ورميه عن كبد قوسه وملاعبته امراته فإنهن حق. وقال: من ترك الرمي بعد أن تعلمه فقد عصاني. وروي أنه عليه السلام قال: لهوان تحضرهما الملائكة الرمي واستباق الخيل. وقال: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة. وقال: ارتبطوها , فإن بطونها لكم وظهورها لكم عز , وأصحابها معانون عليها , قلدوها ولا تقلدوا الأوتار. قال ابن حبيب: يعني: الدماء والفساد , ونهى عن جز نواصيها وأعرافها وأذنابها. وقال: مثل الذي يربط فرساً كمثل

[3/ 39]

(3/39)


الصائم نهاره القائم ليله الباسط بالصدقة كفه فلا يقبضها. والفضل في رباط الخيل والتراغيب فيها في النفقة عليها كثير جدا. وكثير مما ذكر ابن حبيب من هذا مثله في كتاب ابن سحنون. وكره عليه السلام خصاء الخيل , وشدد الكراهية فيه ونهى عن ذلك. وقال في الخيل: خضرها صلبها. وكمتها ديباجها , وشقرها جيادها , وبارك في الشقر ثلاثاً , وروي عنه أنه قال: خير الخيل الحر. وكان يكره منها الشكال , وهو الذي برجله اليمنى بياض وبيده اليسري بياض أو في يده اليمنى ورجله اليسري , ونهى عليه السلام عن إنزاء الحمير على الخيل , ونهى عنه عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز.

في الدعوة قبل القتال
من كتاب ابن سحنون وكتاب ابن المواز: روى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا قوما لم يعز عليهم حتى يصبح , وأمر علياً , بالدعوة ثلاثاً , وفعله علي رضى الله عنه.
وقال نافع: إنما كان هذا قبل ظهور الإسلام. قال ابن المواز: يقول: قبل أن يفشو وينتشر. قالوا: وقد أغار النبي صلى الله عليه وسلم على بني مصطلق , وهم غارون , وبعث في قتل ابن أبي الحقيق وابن الأشرف وصاحب بني لحيان غيلة , واحتج بذلك يحى بن سعيد وقال: لا بأس أن تبتغي غرتهم إلا من ترجى إجابته من أهل الحصون , فليدعوا , وقاله عمر بن عبد العزيز. وقال ربيعة: من لم تبلغهم الدعوة , فليدعوا ويقرا عليهم القرآن ويعرض عليهم الإسلام
[3/ 40]

(3/40)


ويضرب لهم الأمثال والعبر. وإن آبوا جاز آلتماس غرتهم , ثم تصير الدعوة تحذيرا لهم. وقال النخعي في العدو: قد علموا ما يدعون إليه , وقاله الحسن. وقال أبو عثمان النهدي: كنا ندعو أو ندع. وقال ابن عباس: إذا لقيتم العدو فآدعوهم. ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب: الدعوة لأهل الكفر حسنة , وقاله عبد الملك. قال ابن المواز: وإنما الدعوة في من بعد عنهم خبر الإسلام. وقد قال مالك في أهل الكنيسة ومن دنا منهم من المصيصة والثغور: إن الدعوة فيهم ساقطة. قال عبد الملك: دعوة هؤلاء تحذير لهم وتحريض لأن يستعدوا. وأما من لم يكن مثلهم فالدعوة أحوط. ولعل الإجابة ستكون , فليدعوا بلغت الدعوة ما بلغت.
قيل لسحنون: أتجب الدعوة اليوم في من بعدت داره أو قربت؟ قال: قد قال من ذكرنا: إن الدعوة اليوم قد بلغت جميع الأمم.
قيل لأصبغ في العتبية وغيرها: أرأيت من دعي إلى الإسلام أو الجزية , فأبوا فقوتلوا على هذا مراراً , أيدعون كلما غزوناهم؟ قال: أما الجيوش الغالبة والصوائف , فلا يقاتلوا إلا بدعوة لأنهم ظاهرون. وأما السرايا فلا دعوة عليهم , ودعوتهم إنذار العدو. وهم مع الإختلاف في الدعوة , وقد قال جل الناس: إن الدعوة بلغت جميع العالم. وقال عمر بن عبد العزيز: لا يقاتلوا حتى يدعوا لأنهم يخيل إليهم وإلى كثير منا أنا نقاتلهم على الغلبة , فينبغي أن يبين , فإنما نقاتل على الدين. ومن كتاب ابن سحنون , قال: ولم يفرق سحنون بين الجيوش والسرايا وقال: إن وجبت فعلى الجميع , وإن لم تجب سقطت في الوجهين. قال ابن سحنون: اختلف في الدعوة على ثلاثة أوجه , فقيل: لا تلزم في كل أحد لبلوغ الدعوة , وقاله الحسن وغيره. وقيل: الدعوة واجبة في كل أحد بعدت داره أو قربت ,وقاله عمر بن عبد العزيز وغيره. وقاله مالك وأكثر العلماء. قال ابن

[3/ 41]

(3/41)


الماجشون عن مالك: لا دعوة فيمن قرب منا مثل المصيصة والكنيسة وطرسوس.
قال ابن حبيب: قال المدنيون من أصحاب مالك: إنما الدعوة اليوم في من لم يبلغه الإسلام ولا يعلم ما يقاتل عليه. وأما من بلغه الإسلام وعلم ما يدعى إليه وحارب وحورب كالروم والإفرنج ومن دنا من أرض الإسلام وعرفه , فالدعوة فيهم ساقطة. قال ابن حبيب: فليغر عليهم ويلتمس منهم الفرصة. وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى خالد بن يليم فأغتاله. وكذلك فعل بابن الأشرف وابن أبي الحقيق.
ومن العتبية , وهو في كتاب ابن المواز وغيره: قال ابن القاسم عن مالك: وإذا أغار أهل المصيصة في أرض الروم فأتوا حصناً لهم , فأحب إلي ألا يغيروا حتى يدعوهم , قيل: قد بلغتهم الدعوة. قال: وإن.
قال ابن سحنون: وقال أيضاً مالك: الدعوة أصوب إلا أن يعاجلوكم. قال ابن القاسم: غزوناهم أو جاءونا. وقد قال أيضاً مالك: لا يدعى من قرب من الدروب , وأما من بعد وخيف ألا يكونوا كهؤلاء فليدعوا. قال سحنون: ولو أن أهل الحرب ممن يظن أن الدعوة قد بلغتهم قوتلوا بغير دعوة فغنموا وقتلوا , فذلك ماض وليس عليهم رده , وقد أساءوا.

[3/ 42]

(3/42)


ذكر ما يدعون إليه , وذكر من تقبل منه الجزية
وكيف إن بذلوا مالأً على هدنة أو صلح
وهل تقبل الجزية من العرب؟

من كتاب ابن حبيب: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يدعوا إلى الإسلام والصلوات الخمس وصوم الشهر وحج البيت والزكاة: فإن أجابوك وإلا فقاتلهم. وأمر الصديق خالدا أن يقاتل من أبى واحدة من هذه الخمس منها الشهادة. وقي حديث روي للنبي صلى الله عليه وسلم , ذكره ابن سحنون وابن حبيب , ومعنى ما فيه: وإن أجابوك إلى الإسلام فادعوهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين ولهم ما لهم وعليهم ما عليهم. فإن أبوا الإسلام وبذلوا الجزية , فكف عنهم وإلا فقاتلهم.
قال سحنون: أما الدعوة إلى الإسلام فهي قائمة. قال ابن القاسم: يدعون إلى الله وإلى رسوله , فيسلمون أو يؤدون الجزية. قال سحنون: كانوث أهل كتاب أو غيرهم من مجوس أو عبده أو ثان. وأما ما ذكر في الحديث من التحول من دارهم إلى دار الهجرة فقد ذهب هذا بعد الفتح , ولكن إن كانوا الذين أسلموا فى القرب من سلطان الإسلام وحيث يأمنون أم يفتنهم الكفار عن دينهم فلا انتقال عليهم. وإن بعدوا من سلطاننا بحيث لا يؤمن عليهم منهم وأن تجري عليهم أحكامهم فعليهم الانتقال , ولا تقبل الجزية من هؤلاء إن بذلوها ولم يسلموا حتى ينتقلوا إلى دار الإسلام. وكذلك أمر الصديق رضى الله عنه يزيد ابن أبي سفيان وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة. قال ابن سحنون: وإنما

[3/ 43]

(3/43)


كانت الدعوة من النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام وحده حتى أمره الله جل وعز بأخذ الجزية في غزوة تبوك من أهل الكتاب , قاله مجاهد.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في المجوس: سنوا بهم سنة أهل الكتاب , وأخذها من مجوس هجر ومجوس البحرين. وأخذها عمر من مجوس السواد , وقيل من مجوس فارس. وأخذها عثمان من البربر.
ومن كتاب آخر: وقال ابن شهاب: ومن لم يتعلق من العرب بدين فلا يقبل منه إلا الإسلام. ومن تعلق منهم بدين قبلت منه الجزية لقول الله سبحانه: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله).
قال ابن سحنون: قلت لسحنون: روي عن ابن وهب قال: إنما قائل النبي صلى الله عليه وسلم قريشاً على الإسلام أو السيف. فمن كان اليوم من العرب من تغلب وتنوخ وغيره لم يدخل في ملة فلا تقبل منهم جزية ويقائلون على الإسلام. ومن هذا , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في المجوس: سنوا بهم سنة أهل الكتاب. وكتب إلى هجر إلى عظيم غطفان المنذر بن ساوى يدعوهم إلى الإسلام وقال: من أبى فعليه الجزية. فما فرق بين عربي وغيره , وكان فيهم مجوس وغيرهم.
وقال أشهب في الأمم كلها إذا بذلوا الجزية قبلت منهم , فأهل الكتابين بكتاب الله ومجوس بالسنة. وقال ابن القاسم: يسترق العرب إن سبوا كالعجم , ولم يفرق بينهم , وأرى ابن وهب ذهب في هذا إلى مذهب اهل العراق. ومن كتاب ابن المواز ذكر أصبغ أن ابن وهب قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قائل مشتركي قريش على الإسلام أو السيف , وكذلك سبيل تنوخ وتغلب وشبههم. وإن دخلوا في دين اهل الكتابين قوتلوا على أن يسلموا أو يؤدوا الجزية. قال ابن عباس: ومن دخل في ملة قوم فهو منهم. وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الجزية من
[3/ 44]

(3/44)


مجوس هجر. وأخذها عمر من مجوس السواد وعثمان من البربر. ومن لم يدخل في ملة قوم لم يقبل منه غير الإسلام أو السيف , ولا تقبل منهم الجزية. قال ابن حبيب: وإذا وجبت الدعوة فإنما يدعون إلى الإسلام جملة من غير ذكر الشرائع , إلا أن يسألوا عنها فتبين لهم , قاله مطرف وابن الماجشون. قال ابن حبيب: وإذا حاصرنا حصناً للروم فبذلوا لنا الجزية على الانصراف عنه , فإن كنا على رجاء من فتحه لم يجز قبول ذلك من غير تحريم للتربص والصبر على الإضرار بهم إن كان في الجيش قوة على ذلك. قال: وإذا بذلوا الجزية قبلت منهم إن كانوا بموضع ينالهم سلطان الإسلام وحكمه , أو يكون المسلمون قد حازوا ما حولهم وخلفهم واحتووا عليه , فليقبلها منهم. وإن لم يكونوا بهذه الصفة , وهم في بعد من سلطاننا وقرب من سلطاننا. ويستحب إذا انتقلوا إلى دار الإسلام أن يخفف عنهم في شرطهم وجزيتهم لفراقهم أرضهم , فإن أبوا فالسيف. ومن العتبية روى عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب: إن كانوا بموضع لا نصل نحن إليهم إلا بخوف شديد , فلا تقبل منهم الجزية إلا أن ينتقلوا , فإن أبوا قوتلوا. وإن كانوا بموضع يقدر المسلمون على الإختلاف إليهم ولا يخافون على أنفسهم فلتقبل منهم الجزية.
ومن كتاب ابن سحنون: وقد كان هارون الخليفة صالح قوماً من الروم على ثلاثين ألفاً , فكره ذلك أصحابنا ورأوا أن الجزية صغار لهم إن كانوا حيث ينالهم سلطان. قيل: فقد هادن النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة. قال: نعم , وذلك جائز إذا لم يكن بالإمام قوة على العدو وخاف الوهن فله أن يهادن حتى يكون للمسلمين قوة. وكان الإسلام قليلاً يوم صالح النبي صلى الله عليه وسلم والأرض كلها شرك.
[3/ 45]

(3/45)


وسأله أهل الأندلس فقالوا: أرأيت إن انقطعت عنا الجيوش وضيع أميرنا الجهاد وبعد منا , وعدونا قريب في قوة , هل لأمير الثغر أن يصالحهم على غير شيء يطرأ إذ لا طاقة لنا بهم؟ قال: نعم , فلا يبعد في المدة لما قد يحدث من قوة الإسلام.
في لقاء العدو ووقت قتالهم والبغتة للقتال والسكينة والذكر
وذكر الشعار ولباس الحرير وغيره في الحرب وتسويم الخيل
وفيمن قاتل للفخر , والنية في الجهاد , وطاعة الإمام
من كتاب ابن حبيب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاثبتوا واذكروا الله. وفي حديث آخر: فإن صاحوا فعليكم بالصمت والسكينة " ولا تنازعوا فتفشلوا " , وإذا أتوكم فاثبتوا وأكثروا ذكر الله وعليكم بالأرض , وقولوا: اللهم أنت ربنا وربهم ونواصينا ونواصيهم بيدك , وإنما تغلبهم أنت فاهزمهم لنا. فإذا غشوكم فقوموا وغضوا أبصاركم واحملوا على بركة الله
وكان النبي عليه السلام ينتهز إلى عدوه حين تزول الشمس , وكان يقول: اللهم منزل الكتاب , مجري السحاب , هازم الأحزاب , اهزمهم لنا وانصرنا عليهم وزلزل بهم. قال سحنون في كتاب ابنه: ويكره رفع الصوت عند اللقاء بالجدال والمنازعة ويعد ذلك فشلاً , وأما إن كان تحريضاً لقلوب المسلمين ونفعاً لهم فلا بأس به. قال قيس بن عباد: كره الصحابة رفع الصوت عند الجنازة وفي الصلاة وعند القتال. قال الحسن ويكره عند قراءة القرآن. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بالسكينة " ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ".
[3/ 46]

(3/46)


قال ابن نافع عن مالك: لا بأس برفع الصوت بالتكبير في السواحل بحضرة العدو وبغير حضرتهم إلا أن يؤذى به القارىء والمصلي. وقد تقدم هذا في باب الرباط.
قال سحنون: وتكره الخفة والطيش عند الفزع فيالعسكر , وينبغي التثبت والسكينة وترك العجلة حتى تتبين الأمور. وروي نحوه للنبي صلى الله عليه وسلم: وإذا سمعت النداء في العسكر: السلاح السلاح , فالبس سلاحك ولا تذهب نحو الصوت ولكن إلى الإمام لتسمع أمره أو نهيه إلا أن تخاف العدو على الموضع الذي ضربوا فيه فاقصد الموضع. فإن كان النداء ليلاً فامض إلى مضرب الإمام. وإن نادى مناديه الصلاة جامعة فلا يتخلف أحد إلا من يحفظ الرحال , رجل أو اثنان في كل رحل. وإن الزموا الساقة لزم ذلك كل امرىء إلا من ضعف.
قال سحنون. والدعاء والتضرع إلى الله سبحانه عند اللقاء حسن ومن فعل الماضين. وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين: يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت , برحمتك أستغيث , فاكفني كل شيء ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين. وروي بلفظ آخر. ومن دعائه عليه السلام يوم الأحزاب: اللهم منزل الكتاب , ومجري السحاب , سريع الحساب , هازم الأحزاب , انصرنا عليهم وزلزل أقدامهم. وروي أنه يقول عند اللقاء: اللهم أنت عضدي ونصيري , بك أحول وبك أصول وبك أقاتل. وقال: اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم. وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له , أعز جنده , ونصر عبده , وغلب الأحزاب وحده , فلا شيء يغلبه.
ومن سماع ابن القاسم , قال ابن اقاسم: قلت لمالك: هل بلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرى قتال العدو بعد الزوال؟ قال: ما بلغني ذلك , وما كان قتال النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر إلا أول النهار حين خرجوا لما أصبح بمساحيهم ومكاتلهم , وما كان قتاله يوم أحد إلا أول النهار.
[3/ 47]

(3/47)


قال ابن حبيب: ولم يزل الشعار من أمر الناس. قال ابن عباس: كان شعار يوم بدر: يا منصور , ويوم حنين: حم لا ينصرون , يريد: اللهم , وشعارهم حين انهزموا: يا أصحاب سورة البقرة , وكان ذلك تحضيضاً ليكروا فكروا.
قال سحنون في كتاب ابنه: والشعار من الأمر القديم , وينبغي أن يتخذ كل قوم شعاراً , فمن ضل منهم ناداهم بشعارهم. قال مالك: كان شعار الصحابة يوم حنين: يا أصحاب سورة البقرة , قال غيره: وشعارهم يوم بيتتهم هوزان: أمت أمت. وقال عليه السلام: إن لقيتم العدو , فشعاركم حم لا ينصرون. قال ابن حبيب قالت عائشة: كان للنبي صلى الله عليه وسلم جبة من سيجان مكففة بديباج , يلبسها في الحرب. قالت أسماء: وأعطى عليه السلام للزبير ساعدي ديباج كان يقاتل بهما. ولم ير القاسم بن محمد بلباس الحرير في الحرب بأساً. ولبسه أنس بن مالك في قتال فارس , ونحوه عن عروة وعطاء. وقال ابن الماجشون: لا بأس بلبسه عند القتال , وأجازه مالك وغير واحد من صاحب وتابع , وذلك لإرهاب العدو ومباهاته.
ومن كتاب ابن المواز قال مالك وهو في سماع أشهب: لا أحب لبس الحرير والذهب في الغزو , وما سمعت أن أحداً ممن يقتدى به لبس شيئاً من ذلك في الغزو , وقد كانت المغازي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم: وعن رجال بالإسكندرية يتهيؤون يوم العيد بالسلاح ويلبسون عليها ثياباً حريراً يتباهون بها. قال: ما يعجبني لبس الحرير. قال ابن القاسم: لا بأس أن يتخذ منه راية في أرض العدو. جهاد ومن كتاب ابن سحنون: ولا بأس باتخاذ التجافيف من جلود السباع
[3/ 48]

(3/48)


تعلق على الخيل للتهيب بها. وإن كان فيها أجراس فلا بأس به. قال ابن سحنون: ونهى عن ذلك الأوزاعي وخالفه سحنون واحتج بأن أبا دجانة لما عصب رأسه بعصابة حمراء وتبختر بين الصفين يوم أحد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن , فأجاز عليه السلام فيه ما لا يجوز في غيره. وقال ابن حبيب: واستحب أهل العلم تسويم الخيل عند القتال لقول الله تعالى: (يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين): يعني: معلمين في أذناب خيولهم ونواصيهم بالصوف , قاله مجاهد. وقال غيره: وسيما الملائكة العمائم وسيما خيلهم الصوف الأبيض. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من قتل وهو يريد وجه الله فذلك الشهيد. قال عمر: من الناس من يقاتل للدنيا ومن يقاتل رياء ومن يقاتل إن دهمهم القتال لا يستطيع غيره , ومنهم من يقاتل ابتغاء وجه الله فأولئك الشهداء. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: رب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته. وقال عليه السلام: شر ما في الرجل وشح هالع وجبن خالع. واتجز النبي صلى الله عليه وسلم , وهو يقاتل:
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب
وكان الصديق سالا سيفه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم يشرع القتل في المشتركين , فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أغمد سيفك يا أبا بكر لا تفجعنا بنفسك.
[3/ 49]

(3/49)


في الفرار من الزحف والانحياز إلى فئة
ومن حصر فخاف الهلاك
ومن يلقي بنفسه من خوف النار إلى غرق أو قتل
قال ابن حبيب: اختلف في قول الله سبحانه: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعيفاً) , الآية. فقيل: وهم الأكثر , يعني: ضعفاً في العدد لا في القوة ولا الجلد , فلا يحل أن يفر الرجل من رجلين ولا المائة من مائتين من العدو وإن كانوا أشد منهم سلاحاً وأظهر جلداً وقوة إلا أن يكونوا بأرض العدو وموضع مادتهم ولا مادة للمسلمين , فيخافون من استجاشة العدو عليهم فلهم حينئذ في الانحياز عنهم والتولية منهم سعة. وقيل: إنما ذلك في القوة والجلد , فلو أن مائة مسلم لقوا ثلاثمائة أو خمسمائة ليسوا مثلهم في القوة والجلد , لم يجز لهم التولية عنهم , فإنما الضعف في القوة والجلد لا في العدد. وهذا قول ابن الماجشون وروايته عن مالك وبه أقول. ولم يأخذ مالك بقول عمر: أنا فئة لمن انحاز إلي وهو بالمدينة , وإنما ذلك إلى رأس الجيش وولاته دون والي الطائفة.
وإذا دخل والي الجيش المستعظم فانحياز السرية أو الخيل إلى الجيش دون من هو أبعد منه , وانحياز الطوائف والجيوش إلى من هو أقرب إليها من المسلمين ومن إذا دنا منه خيف منه وانتهي عنه. وقال الحسن: لم يكن الفرار من الزحف كبيرة إلا يوم بدر , لأن تلك العصابة لو أصيبت ذهب الإسلام. فلما نصره الله صار الجهاد تطوعاً , فلو جاء المسلمين عدو لا يطيقونه تحيزوا إلى البصرة. فإن جاء ما يغلبهم تحيزوا إلى الكوفة. فإن جاء ما يغلب فإلى الشام. فإن جاء ما يغلب فإلى المدينة , ثم إن جاء أمر غالب , فلا تحيز لهم وصار قتالهم فريضة.
[3/ 50]

(3/50)


قال يزيد بن أبي حبيب: أوجب الله سبحانه لمن فر يوم بدر النار. ثم كانت أحد , فقال جل وعز: (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان , إلى قوله: ولقد عفا الله عنهم). ثم كانت حنين , فقال فيمن تولى: (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم , إلى قوله: ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء) , فنزل العفو فيمن تولى بعد يوم بدر.
ومن كتاب ابن المواز , قال: لا يجوز الفرار من المثلين إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة , كما قال الله سبحانه. ولم فئتهم إذا كان على خوف التهلكة والضعف عن قتالهم , وقاله عبد الملك عن مالك.
قال ابن المواز: وإنما الانحياز إلى والي جيشه الأعظم الذي دخل معه , وربما تكوؤن سرية دون سرية , فتنحاز المتقدمة إلى من خلفها ممن يليها , ثم تنحاز إذا جاءهما أكثر من مثليهما إلى من يليهما حتى يبلغ الانحياز إلى الجيش الأعظم وواليهم الأكبر , وقاله عبد الملك , والله أعلم بما يخرج من سخطه. وقال عن مالك: لا يجوز الانحياز إلا عن خوف بين وعن جيش مستطلع وضعف من السلطان , فأما عن أمر متناصف في الغلبة لهم طمع فلا. ولا يكون لأمير الجيش ما يكون للسرايا من الانحراف والتولي عنهم. قال: ولهم سعة أن يثبتوا لقتال أكثر من الضعفين والثلاثة وأكثر من أضعاف كثيرة , وهم يجدون مصرفاً عنهم.
قلت: فإن علموا أنهم مقتولون إن ثبتوا؟ قال: وأحب إلي أن ينصرفوا عنهم إن وجدوا إلى ذلك سبيلاً , فإن لم يجدوا (فلهم أن يقاتلوا حتى يقتلوا. فمن احتسب نفسه على الله فهو شهيد. ومن ثبت حتى قتل وهو يجد) منصرفاً وقد علم أنه إن ثبت قتل , فإنه يرجى له أفضل الشهادة , وإنما الشهادة لمن أيقن
[3/ 51]

(3/51)


بالموت قبل أن يموت , فاحتسب كما قال عمر. وروى أشهب عن مالك الكراهية لذلك , ثم ذكر الرواية.
وذكر العتبي قال: أشهب عن مالك في الرجل يحمل وحده على الجيش , قال: اخاف أن يكون ألقى بيده إلى التهلكة وليس ذلك سواء من كان في الجيش الكثيف , فيحمل وحده على الجيش , وآخر خلف خلفه أصحابه بأرض الروم أخطأوه , فهو يخاف الأسر فيحمل عليهم , فهذا خفيف. والأول مضطر , ويختلف إن حمل احتساباً بنفسه , وآخر يريد السمعة والشجاعة. قال عمر: والشهيد من احتسب نفسه قال عنه أشهب في الجيش بأرض العدو يصاح فيهم: السلاح , فيأخذ الرجل سلاحه , ثم يتوجه فيلقى جيشهم: فلا بأس أن ينحاز راجعاً إلى أصحابه.
ومن كتاب ابن سحنون: قال عقبة بن عامر: الفرار الأعظم من الزحف الفرار إذا التقت الفئتان. قال عطاء: من فر من مراماة من حصن , فلا بأس عليه ما لم يفر من الزحف , وللواحد أن يفر من الثلاثة , وقاله ابن عباس.
قال سحنون: لا يفر من المثلين ولهم أن يفروا الواحد من الثلاثة والمائة من ثلثمائة. وإذا دهمهم من العدو الأمر الذي لا فراق معه فلهم الفرار ولهم أن يقاتلوهم. وقال في قول الله تعالى " ومن يولهم يومئذ دبره " , الآية , إنه إنما كان ذلك في يوم بدر خاصة. قال محمد: لأنه لم يكن لهم فئة غير النبي صلى الله عليه وسلم. قال إسماعيل بن موسى: أول ما أمر النبي عليه السلام بالقتال , كان من فر عنه فر إلى غير فئة. فأما اليوم فحيثما فر فإلى فئة يفر.
[3/ 52]

(3/52)


وقال أهل العراق: لا يفر اثنا عشر ألفاً من العدو وإن كثروا , لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ولن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة. قال سحنون: لا أعرف هذا , ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: لا يفروا. وقد كان المسلمون يوم اليرموك ثلاثين ألفاً والعدو مائة الف , فرأى أبو عبيدة وخالد القتال. وقال غيرهم من الصحابة كثير ننحاز إلى فئة ويشاور أمير المؤمنين , ثم عزم أبو عبيدة على القتال.
قيل لمالك: أسمعت أن عمر قال: أنا فئة لكل مسلم؟ قال: قد سمعته ولكن لا أحب أن يتحرفوا إلى فئتهم إلا عن هلكة وضعف. قال مالك في السرية القليلة يلقون أضعافهم فلهم الانحياز إلى عسكرهم. قال عنه علي: إن عملوا أنهم لا ينكون العدو لقلتهم فلينحازوا ولا يلقوهم فيستأسد العدو إذا قتلوهم. وذكر قول عبد الملك الذي ذكره ابن حبيب أول الباب , وحكاه ابن المواز وأجاز قول عبد الملك في ذلك كله واستحسنه.
ومن كتاب ابن حبيب: ولا باس أن يحمل الرجل وحده على الكتيبة وعلى الجيش إذا كان لله وكانت فيه شجاعة وقوة , وليس من الإلقاء بيده إلى التهلكة , فلا يفعل ذلك لغير الله ولا يفعله الضعيف إن كان لله سبحانه , قال القاسم بن محمد والقاسم بن مخيمرة: لا بأس أن يحمل الرجل وحده على عشرة آلاف إذا كانت به عليهم قوة , وليس من الإلقاء إلى التهلكة , وإنما ذلك ترك الإنفاق والجهاد في سبيل الله. وقال أبو أيوب الأنصاري: نزلت حين أردنا أن نقيم في أموالنا نصلحها وندع الجهاد بعد ما نصر الله نبيه وظهر الإسلام , فأنزل الله هذا.
ومن كتاب ابن المواز: وقال أشهب في قوم نفروا في طلب عدو فأدركهم واحد من المسلمين أيحمل عليهم؟ قال: إن احتسب ولم يرد الفخر فذلك حسن , وإلا فلينصرف إلى أصحابه أو يتكعكع إليهم. وقال عن مالك في رجل لقي من العدو عشرة أو أكثر أيقاتلهم أو ينصرف إلى عسكره إذا أمكنه؟ قال:
[3/ 53]

(3/53)


ذلك واسع , وأحب إلي أن ينصرف إن لم تكن به قوة على قتالهم. قال محمد: ومن أحاط به العدو وهو وحده , وهو يدعى إلى الأسر , فله أن يقاتل وله أن يستأسر.
ومن كتاب ابن حبيب ومن كتاب ابن سحنون , رواه ابن وهب عن ربيعة: وسئل ربيعة عن مدينة حاصرها العدو فضعفوا عن قتالهم وليس عندهم ما يكفيهم: أيخرجون فيقاتلونهم أم يصبرون حتى يموتوا جوعاً أو يقتلوا؟ قال: بل يخرجون للقتال أحب إلي. قال في كتاب ابن سحنون: وإن بلغ بهم الجوع والعطش مبلغاً لا قوة بهم على القتال , فإن طمعوا أن في الأسر نجاة ومفاداة وقد عرف ذلك من العدو في غيرهم , فليخرجوا إليهم , وإن كانوا يقتلونهم فليصبروا للموت جوعاً وعطشاً.
قال ابن القاسم: ولا يحل للناس إن فر إمامهم أن يفروا من مثلي عددهم. قال ابن القاسم: ومن فر من الزحف وفراره من مثلين لم تقبل شهادته إلا أن يتوب وتظهر توبته.
وذكر مسالة المركب يرمي بالنار فيلقي الرجل نفسه في الماء: فإن أيقن بالغرق إذا فعل ذلك فلا يفعل. وإن طمع بنجاة فذلك له. وكذلك سمعت الفقهاء. وقال عن ربيعة: إن أيقن أنه يلقي نفسه إلى ما فيه قتله فلا يجوز له. وإن رجا النجاة فذلك له. قال ابن المواز: وهذا أحب إلينا.
في المبارزة وقتل الرجل ذا محارمه
وذكر الحرب خدعة , والقتال في الشهر الحرام
من كتاب ابن المواز روى أشهب عن مالك: سئل عن الرجل بين الصفين يدعو إلى المبارزة وقال: إن صحت نيته فلا باس. وقد فعل فيما مضى.
[3/ 54]

(3/54)


قال ابن حبيب: وسمعت أهل العلم يقولون لا بأس بالمبارزة , وذلك على قدر النية , ولا يكون ذلك إلا بإذن الإمام , فرب ضعيف يقتل فيهد الناس , فلا بأس أن يعضد إذا خيف عليه الغلبة. وقيل: لا يعضد لأنه لم يوف بالشرط ولا يعجبنا , لأن العلج إذا أسره , يحق علينا أن نستنقذه إن قدرنا. وقد ضرب شيبة رجل عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب في المبارزة فقطعها فكر عليه حمزة وعلي فاستنقذاه من يده.
ومن كتب ابن سحنون: قال سحنون: وكره مالك وغيره من أصحابنا أن يبارز الرجل أباه المشرك , وكره أن يقتله , ويفتديه أن يعتقله. قالوا: ولا بأس أن يقتل ذوي رحمه مبارزة وغير مبارزة. قال سحنون: وإن اضطره أبوه المشرك وخافه فلا باس أن يقتله. وليس الجد كالأب عندنا في هذا , والجد للأم كسائر القرابات. وقال غيرنا: إن الجد للأب أو للأم كالأب في كراهية قتله , وليس كذلك. وقد تنازع الناس في الاب. وقد أتى أبو عبيدة النبي صلى الله عليه وسلم برأس أبيه , وقد نزلت " لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر إلى قوله: آباءهم أو أبناءهم " , الآية. قال مالك: ولا بأس بالمبارزة. قال سحنون: وقد مضى ذلك من أمر الناس , ولا ينبغي أن يبارز إلا من يثق بنفسه لما يتقى أن يدخل من الوهن على الناس.
وقد بارز أنس بن مالك مرزبان الواره من البحرين فقتله وأخذ منطقته وسواريه فقوما بثلاثين أو أربعين ألفاً. قال لي معن عن مالك: إذا دعا العدو إلى المبارزة فأكره أن يبارز أحد إلا بإذن الإمام واجتهاده. واختلف قول سحنون إذا بارز مشركاً فخيف عليه هل يعان؟ فقال: لا يعان , وقال: لا بأس أن يعان , ولا يقتل الكافر لأن مبارزته كالعهد ألا يقتله إلا واحد , وقاله أشهب: كما لو أسره جاز لهم خلاصة منه. قال سحنون: وقد قيل لمالك: غذا خيق عليه أيعضد؟ قال: إن خاف الضعف فلا يبارز.
[3/ 55]

(3/55)


قال سحنون: ولو أن ثلاثة أو أربعة بارزوا مثلهم جاز معاونة بعضهم بعضاً مثل أن يفرغ أحدهم من صاحبه من الكفار فلا بأس أن يعين أصحابه , كما فعل حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث يوم بدر. وقال علي: سئل مالك أيبارز يخرج من الصف يطلب الشهادة؟ قال: لا يعجبني.
قال سحنون: وتأويل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: الحرب خدعة , إنما هو المكر لا الكذب , ولا يجوز الكذب فيالحرب ولا في غيره , ولكن المكر مثل أن يكني عن الجهة التي يريد الخروج إليها ويخبر أنه يريد غيرها , ويقول القول وليس الأمر كما قال من غير كذب , ولكن يرى أصحابه أنه قد ظفر أو أمراً يقوي به أصحابه. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج على طريق وهو يريد غيرها يعني بما يؤمل فيهم , لا يتحرجه , أو يقول أريد الخروج إلى موضع كذا مكراً بما أظهر من ذلك يريد أن يخرج إلى موضع ماكر ويرجع إلى موضع آخر. وكان بعض أهل الصائفة يقف في الناس فيحمد الله ويثني عليه ثم يقول: إني أردت إن شاء الله درباً كذا , ثم يأخذ إلى غيره.
قال سحنون: وأجمع العلماء أن القتال في الشهرالحرام جائز. قال مالك: خرج النبي صلى الله عليه وسلم حين صد عام الحديبية في الشهر الحرام , ولم أسمع أحداً قال: لا يقاتل فيالشهر الحرام. قال سحنون: كان الكف عنه في أول الإسلام حتى قتل ابن الحضرمي , فأنزل الله سبحانه " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه " , إلى آخرها.
[3/ 56]

(3/56)


في قتل النساء والولدان والعسيف والشيخ الفاني وذي الزمانة
وكيف إن قاتلوا هم أو الرهبان
من كتاب ابن سحنون وابن حبيب وغيره: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء والصبيان , وفي حديث آخر: والشيخ الهرم والرهبان. وفي حديث آخر: نهى عن قتل الذرية والعسيف. قال ابن حبيب: يعني: الأجير الذي لا يقاتل. قال سحنون: لم يثبت نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل العسيف وهو الأجير , وهو عندنا وغيره سواء. قال ابن حبيب: وروي النهي عن قتل الأكارين والفلاحين. قال ابن حبيب: إلا أن تقاتل المرأة بالسيف أو الرمح وشبه ذلك فلتقتل , لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة المقتولة فأنكر ذلك وقال: ما كانت هذه تقاتل. قال ابن حبيب: إلا أن يكون قتالها بالرمي من فوق الحصن وشبه ذلك فلا تقتل إلا أن تكون قتلت فتقتل وإن أسرت , إلا أن يرى الإمام استحياءها كما يستحيي من شاء من الأسارى. وكذلك الصبي المراهق مثل ذلك سواء.
ومن كتاب ابن سحنون: وقال عمر بن عبد العزيز في قول الله تبارك وتعالى (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا) , قال النساء والصبيان من ذلك , ومن لم ينصب الحرب منهم. قال سحنون: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما أصيب في غشم الغارة من الذرية , فقال هم من آبائهم. ومن العتبية: قال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في القاسم في المرأة والصبي لم يحتلم من العدو يقاتلان , ثم يؤسران: فإن قتلهما جائز بعد الأسر كما جاز قبل ذلك , فقد استوجبا القتل.

[3/ 57]

(3/57)


ومن كتاب ابن سحنون: وإذا قاتل الشيخ الكبير والمرأة والصبي المطيق للقتال فليقتل. وإذا لم يطلق الصبيي القتال لطفولته فليس قتاله قتالاً وإنما ذلك ولع فلا يقتل. وإذا قاتل الراهب والشيخ والمرأة والصبي ثم أسروا , فأما الراهب فيقتل , وأما المرأة والصبي فلا يقتلان إلا في حال القتال ولا يقتلان بعد الأسر. قال ابن سحنون لأبيه: بلغني أنك قلت: ثم إن أسر الصبي أن الإمام فيه مخير في قتله وتركه , فأنكره وقال: لا يقتل إلا أن ينبت الشعر. قال محمد: وقاله الأوزاعي: إلا في حال القتال , وكذلك المرأة. وقال سفيان: تقتل المرأة ويكره قتل الصبي وقال الأوزاعي في المرأة والصبي يحرسان على الحصن: فلا بأس أن يقتلا ويرميان. وقال سحنون: لا يقتلان في الحراسة وليس ذلك كالقتال. وأخبرني ابن نافع عن مالك في نساء العدو وصبيانهم يرمون الحصن فيه المسلمون بالحجارة أيقتلون؟ قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان. قال سحنون: أرى أن يرميهم المسلمون كما يرمونهم وإن قتلوا في ذلك. قال سحنون: وإذا دعا إلى ذلك الصبي والمرأة فلا يبارزان. وقال في الأجذم الذي يقتل ويدبر فليقتل , وأما من أبطله الجذام فهو كالشيخ ولا يقتل. وكذلك المفلوج الذي لا حراك به إلا أن يكون فيه العقل والتدبير. قيل له: روى عبد الملك عن مالك في الرهبان أن فيهم التدبير والإجتهاد والبغض على دينه فهو أنكى من غيره , والشيخ الفاني الذي لا يدع السرايا والجيوش فليقتل بعد استخباره , وهو من أهل التدبير والحمية في دينه. قال: ما أعرف هذا وما سمعت من يذكره عن مالك. وإنما ذكر ابن وهب عن مالك في قتل الأسارى قال: أما من يخاف منه فقتله أمثل. قال: وكذلك الكبير السن إن خيف منه. قلت: قال ابن أبي زائدة: لا يقتل العسيف , قال سحنون: يقتل العسيف وهو يقوى على القتال. ابن أبي زائدة والأوزاعي: ولا يقتل الأعمى والمقعد. وقال سحنون: يقتلان , وقد يقودان الجيوش وفيهم المكر والتدبير
[3/ 58]

(3/58)


والذهاب والمجيء. وأما المجنون فإن كان مطبقاً لا يفيق لم يقتل. وأما من يجن ويفيق فليقتل. وأما الزمانة فيختلف وقد وصفت لك ذلك. وقيل عن الأوزاعي في المقعد إن كان عنده معونة على قتال أو ذل فليقتل. وصوب ذلك سحنون. قال سحنون: ويقتل المريض الشاب من العدو والدنف لأنه قد يبرأ. ويقتل المجورح الملحوق إلا أن يكون منفذ المقاتل فهو كالميت. وانكر سحنون قول الأوزاعي في أقطع اليد والرجل أنه لا يقتل , وقال سحنون يقتل. قيل: فإن خيف من الشيخ الكبير والمرأة والراهب والصبي أن يدل على العدو , قال: لا يعرض للراهب. وأما الصبي والمرأة فقد صار فيئاً. فإذا غنموا لم يعرض لهم بقتل ولا أسر رضيع مع أمه , فلم يقدر المسلمون إلا على حمل أحدهما , وفي ذلك هلاك الصبي , قال: يتركان إلا أن يقدر على حملهما. واختلف أصحابنا في الصبي إذا أنبت الشعر ولم يحتلم فأكثرهم يرى أن يقتل. وذهب ابن القاسم وغيره أنه لا يقتل حتى يحتلم. قال: ومن قتل من نهي عن قتله من صبي أو امرأة أو شيخ زمن , فإن قتله بدار الحرب قبل أن يصير في المغنم فليستغفر الله سبحانه , وإن قتله بعد أن صار مغنماً فعليه قيمته يجعل ذلك في المغنم. ومن كتاب ابن حبيب قال: أما الشيخ الكبير فإن كان ممن له رأى وتدبير قتل وإن كان خرفا ً فانياً. وكذلك إن كان فيه بغية ومثله يخاف فليقتل وإن كان لا رأى له ولا تدبير. وإنما الذي لا يقتل الفاني الخرف الذي لا بغية فيه ولا رأي له ولا تدبير يتقى فهو الذى جاء أنه لا يقتل. قال: ولا يقتل الضمنى ولا الزمنى , فمن الضمنى المعتوه والمجنون والمختبل وشبههم , ومن الزمنى المقعد والأعمى والأشل والأعرج الذين لا رأى لهم تدبير ولا نكاية فيهم. وأما المريض الشاب فيقتل ويترك الشيخ. وكذلك من مرض من الأسرى بعد الأسر , فالشاب منهم يقتل إلا أن يرى الإمام إبقاءه نظراً للمسلمين.
وأما الحصن والمراكب فيه الذرية فمذكور في باب بعد هذا.
[3/ 59]

(3/59)


في الرهبان والنهي عن قتلهم وهل يترك لهم أموالهم؟
والشيخ الكبير , وفي قتل الشمامسة ,
وهل تؤخذ الجزية ممن ترهب عندنا منهم؟
من كتاب ابن حبيب وغيره: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الرهبان. (وفي وصية الصديق ليزيد بن أبي سفيان أنه نهاه عن قتل الذين حبسوا أنفسهم لله , يعني: الرهبان.) وقال فى الذين فحصو عن اوساط رؤوسهم: فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف , يعني الشمامسة.
قال ابن حبيب: ولم ينه عن قتل الرهبان لفضل عندهم من ترهبهم وتبتلهم , بل هم أبعد من الله من غيرهم من أهل دينهم لشدة بصيرتهم فى الكفر , ولكن لاعتزالهم أهل دينهم عن محاربة المؤمنين بيد أو رأى أو مال. فأما إن علم من أحد منهم أنه دل العدو على غرة سرية منا أو دلهم عليهم وشبه ذلك فقد حل قتله. وكل من نهى عن قتله من أهل الحرب فلم ينه عن سباه وإخراج من أرض الحرب إلا الرهبان فلا يقتلوا ولا يخرجوا من مواضعهم ما لم يحدثوا ما ذكرنا. وهذا في رهبان الصوامع والديارات سواء. فأما رهبان الكنائس فلا , ويجوز قتلهم وسباهم لأنهم لم يعتزلوا. قال سحنون: ويقتل القسيس والشمامسة بخلاف الرهبان.
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا وجد الراهب من غير صومعة في دار أو غار فهو كأهل الصوامع. قيل: فبماذا يعرف أنه راهب؟ قال: لهم سيما يعرفون بها. وإذا قاتل الراهب قتل.
قال العتيبي قال أشهب عن مالك: وسواء كان الراهب في صومعة أو ديارات فلا يهاج. قيل: فالراهبان من النساء؟ قال: النساء أحق ألا يهجن.
[3/ 60]

(3/60)


ومن كتاب ابن سحنون: ومن وجد من النساء في الصوامع واليارات رواهب فلا بأس أن يسبين بخلاف الرجال. وإذا وجد العلج ببلد العدو وقد طين على نفسه في بيت في غير صومعة وله كوة ينظر منها , فهذا راهب لا يعرض له. وإذا مروا براهب فلا يستخبروه عن شيء من أمر عدوهم.
قال الأوزاعي: ل يزل المسلمون يقتلون الشمامسة ويسبونهم , ولا يعرضون للرهبان الذين في الصوامع والغيران والديارات قد خرجوا إليها من ديارهم ويخلوا من الدنيا. قال سحنون: هذا كله قول مالك.
قال: وإذا أصابوا بأرض العدو حبشياً قد ترهب في صومعة فلا يعرض له , وهو كغيره , فإن علموا أنه كان عبداً لمسلم أنزل. فإن كان مسلماً استثيب , فإن تاب رد على مولاه إن عرف وإلا صار مغنماً. وإن لم يتب قتل. وإذا أدركت حبشياً بأرض العدو وقد ترهب فلا تقتلة وخذه إن خفت أن يكون مسلماً. فإن قاتلك فاقتله.
قال سحنون: ونحن نرى قتل الزراع والحرث ببلد الحرب. قال: ويقتل السائح في بلد الحرب. وقيل له روى عبد الملك عن مالك في الرهبان: أن فيهم التدبير والبغض على دينه فهو له روى عبد الملك عن مالك في الرهبان: أن فيهم التدبير والبغض على دينه فهو أنكى من غيره. والشيخ الفاني الذي لا يدع السرايا والجيوش فيقتل بعد استخباره. قال: ما أعرف هذا , ولا سمعت من يذكره عن مالك. قال أبو محمد: وقد تقدم هذا. قال سحنون: وإن صح عن راهب أن أهل الحرب يأخذون عنه الرأي عن حربهم فليقتل.
ومنه ومن العتبية: من سماع ابن القاسم: وقال في أموال الرهبان: إنه يترك لهم ما يصلحهم والبقرتان بكفاية. ولو قبل قوله لا دعى الشيء الكثير. قال فى كتاب ابن سحنون: ولكن يترك لهم ما يصلحهم مثل المزراعة والبقرات لأنهم إذا تركوا لابد من مصلحتهم وعيشهم. قال سحنون وما وجد عند
[3/ 61]

(3/61)


الراهب من المال والحلي والبز والخيل والبغال فليؤخذ منه كله ويترك له من الكسوة ما يستر عورته ويرد عنه البرد , ومن الطعام ما يعيش به. وأما ما سوى ذلك من الأموال فلا يترك للشيخ الكبير مثل ما يترك للراهب من العيش والكسوة. قال ابن نافع عن مالك في الراهب له الغنيمة والزريع في أرض الروم , قال: لا يعرض له وذلك يسير , ولا يعرض لبقره ولا لغنمه إذا عرف أنها له ولذلك وجه يعرف به , وما أدرى كيف يعرف. قال سحنون: يعني إذا كان قليلاً قدر عيشه. وأما ما جاوز ذلك فلا يترك له. قال أشهب عن مالك في العتبية في أموال الرهبان وعبيدهم وزروعهم: إن علم الجيش أن ذلك للرهبان فلا يمسوا منه شيئاً. ومن كتاب ابن المواز قال: ولا يعرض للراهب ولا لماله. قيل: فإن وجد له المال والأعكام والبقر والغنم؟ قال: أما ما لا يشبه أن يكون للرهبان فلا يترك له ولا يصدق فيه. قال مالك: أما مثل البقرتين والغنيمات وما يكفيه ويقوم بعيشه ومثل المبقلة والنخيلات فليترك له , ويؤخذ ما بقي أو يخرب أو يحرق. وإذا لم يترك له ما يعيش به فقد قتله. وأهل الديارات كأهل الصوامع.
قال: قال ابن القاسم ومن ترهب منهم في أرض الإسلام فلا تؤخذ منهم جزية إذا حبسوا أنفسهم في الصوامع.
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا وجد راهب قد نزل من صومعة وهو منهزم مع العدو فأخذ فقال: إنما نزلت وهربت خوفاً منكم , قال لا يعرض له. قال ابن نافع عن مالك قيل له ك وربما أسرى المسلمون سرية فيعلم بهم الراهب فيخافون أن يدل عليهم فلينزلوه يكون معهم , فإذا أمنوا أرسلوه. قال: ما سمعت أنه ينزل من صومعته.
[3/ 62]

(3/62)


قال سحنون: وإذا وجدوا في صومعته طعاماً واحتاجوا إليه , فليأخذوا منه ويتركوا له قدر عيشه لأشهر. وأما إن وجدوا معه مالاً ناضاً أو غير ناض خباه عنده الروم فليأخذوه منه ولا يستحلون بذلك دمه.
وفي باب قتل الأسارى شيء من معاني هذا الباب.
في إخراب بلد الحرب وقطع الشجر
وخراب أموالهم وما يذبح لمأكله
وهل يحرق ما فضل من الغنيمة ما لا يطاق حمله؟

من كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم فيما أوصى به أبو بكر يزيد بن أبي سفيان في نهيه إياه عن قطع شجر العدو وتحريق النخل وتغريقها وعقر بهيمة إلا لمأكل , وفي كتاب ابن حبيب: وخراب العامر , إنما ذلك فيما يرى ظهور الإسلام عليه. وأما ما لا يرجى ذلك فيه من داخل أرض العدو فلا بأس بقطع شجرهم وخراب حصونهم وإفساد أموالهم وعقر دوابهم وتحريق النخل وتغريقها , وقاله مالك واحتج بقول الله تعالى (ما قطعتم من لينة أو تركتموهم) , وقال: (ولا ينالون من عدو نيلا) , وقال ابن وهب. قال أصبغ: وخراب ذلك أفضل من تركه. قال مالك: ويحرق زرعهم وحصونهم بالنار , وكره تحريق النخل وتغريقها. وما فضل من الغنيمة لا يطاق حمله فليحرق بالنار وتعرقب الدواب , وقاله ابن القاسم. قال مالك: وإذا طلب أخذ العسل فخاف لدغ النحل فله أن يغرقها لأخذ العسل. قال ابن حبيب قال مالك وأصحابه: إنما نهى الصديق عن تحريق الشام وخرابه لأنه علم مصيرها للمسلمين. فأنما ما لا يرجى الظهور عليه فخراب ذلك الذي ينبغي , مثلما تقدم من الخراب وعقر الدواب والأنعام وإفساد
[3/ 63]

(3/63)


الطعام , وذكر أن تحرق النخل وتغرق. قال وسمعت أهل العلم يقولون: وإذا لم يقدروا على أنعامهم إلا بعقرها فذلك لهم إذا ذكوها بعد العقر ولم يبلغ العقر منها مقتلا , ما لم يكن نهبة , فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النهبة , وهذا فينما في داخل أرض الكفر. فأما في بلد الإسلام أو بموضع يؤمن أن يأخذه العدو فلا يعقر هناك خيل ولا حيوان من الأنعام وغيرها. وكره بعض العلماء أن يفدوا منهم الأسارى بالخيل إذا وجدوا الفداء بغيرها , فكيف يترك لهم؟
واتفق مالك وأصحابه على عقر دوابهم إن لم يجدوا النفوذ بها. واختلفوا كيف العقر , فقال المصريون: تعرقب أو تذبح أو يجهز عليها , وقال المدنيون: يجهز عليها وكرهوا أن تذبح أو تعرقب , وبه أقول لأن الذبح مثلة والعرقبة فيه تعذيب. ومن كتاب ابن سحنون روى ابن وهب عن مالك: وتعرقب الدواب إذا خافوا أن يأخذها العدو ويحرق الطعام وقرأ (ولا يطأون موطئاً يغيظ الكفار) , الآية. ومن وقف له فرس بأرض العدو فليعقره. وقال عنه ابن نافع: تحرق بيوتهم , ووقف عن تحريق النخل , ولا بأس بقتل خنازيرهم.
قال سحنون في كتاب ابنه مثل ما تقدم عن مالك في التحريق والخراب. قال: وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أسامة أن يذهب إلى البلقاء , فيحرق فيها. قال لي الوليد قال الأوزاعي: وإذا ظهر على أهل مدينة أو حصن فلتخرب بيوتهم وكنائسهم , وكره تخريب الكنائس في القرى وتحريقها , ويؤخذ ما فيها من ستور وحبال القناديل وصليب من حديد أو نحاس. قال: ولم يكن من عندنا يكسرون صلبان الخشب. فإن كسر فلا بأس. قال سحنون: وقولنا إنها تكسر ولا تترك.
[3/ 64]

(3/64)


قال سحنون في البقر والغنم: تذبح في أرض للحاجة إلى جلودها لا للحم. فإن كانت الجلود تراد لشيء من أمر الحرب من الدرق والدبابات فلا بأس به. وأما لحاجة الذابح في نفسه فلا إلا للحاجة للحم. قيل: فإن نزلنا بيرتهم في ثلج وبرد فنعدو أبوابهم؟ قال: نعم , ويطبخون بذلك ويشوون. قال ابن القاسم عن مالك: تعقر بقرها وغنمهم من غير حاجة إن أريد بذلك نكاية العدو. وإذا بقي من الغنيمة ما لا يقدرون على النفوذ به ولا بيعه ولا يريدونه , وإن ترك فلا قوة فيه للعدو في الحرب ولكن ينتفعون به , قال: فليحرق بالنار. قال: وهدم كنائس بلدهم أحب إلي من تركها , وتكسر صلبانهم التر في بيوتهم وأصنامهم , وتهراق خمورهم وتكسر خرائبهم وأزقاقهم ويحرق زرعهم وكلأهم. قال ابن سحنون عن ابيه: وكره الأوزاعي وسفيان لمن وقف فرسه أن يعقره وتأولا قول أبي بكر: إلا لمأكله , وليس هذا من ذلك , هذا مال المسلمين. وقد ذكرت لك قول مالك في معنى قول أبي بكر. وقال ابن وهب كقول الأوزاعي وسفيان , وروى هو عن مالك فيمن وقف فرسه قال: إن كان يتنفع بها العدو فليعرقبه. قيل: ولا يذبحه لئلا يعذبه. قال: فليبعجه أو يضرب عنقه وكره ذبحه , وبهذا أخذ سحنون.
ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ولا بأس أن يعقر بقرهم وغتمهم وإن لم يحتج إلى ذلك.
ومن كتاب ابن سحنون قال مالك: وما ظفروا به من المطامر فأخذوا منه حاجتهم للعلف. فإن كان الإمام عازماً على الرجوع إلى دار الإسلام من ذلك الموضع فلا بأس أن يحرقوا ما بقي أو يغرقوه. وإن كان يريد التقدم ورجوعه على هذا الموضع فليبقوه إلا أن يأخذوا على طريق آخر فليحرقوه إن قدروا أو يغرقوه.
[3/ 65]

(3/65)


في رمي العدو بالنار والمجانيق
وهل يغرقون أو يقطع عنهم الماء وشبه ذلك؟
أو يسم لهم الحديد أو الطعام وفي طرح الحسك
من كتاب ابن حبيب , قال: وقد جاء النهي عن التعذيب بعذاب الله , فقيل: إن ذلك فيمن أسر أو قتل صبراً. فأما إن تحصن العدو في حصن فلم يوصل إليهم إلا بالنار فلا بأس بذلك. وروي نحوه عن أبي عبيدة. قال ابن حبيب: ما لم يكن فيهم النساء والأطفال أو أسارى من المسلمين من غير نساء ولا ذرية فلا يرموا بالنار. قال الله سبحانه: (لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم). وكذلك لا بأس أن يلقى عليهم في مراكبهم أتوا بها أو لم يأتوا بها , وإن كان فيهم الذرية والنساء إلا أن يكون معهم مسلم أسير. ولا بأس أن يرموا بالمجانيق في حصونهم ويلقى عليهم الماء ليغرقوا به ويقطع عنهم مجراه ويقطع عنهم المير وإن كان فيهم النساء والذرية , ما لم يكن فيهم أسارى للمسلمين.
ومن العتبية: روى سحنون عن ابن القاسم في الحصون , قال: يرمون بالمجانيق وفيهم النساء والذرية. وأما بالنار فلا أحب ذلك بخلاف المراكب , إلا أن يرمونا به فحائز لنا أن نرميهم به , إلا أن يكون معهم مسلمون فلا ينبغي ذلك
وقال اشهب: لا بأس أن يرموا بالنار إذا رمونا به.
ومن كتاب ابن سحنون قال ابن القاسم عن مالك في مركب للعدو ومعهم ذرية المسلمين , فلا يلقى عايهم النار لقول الله تعالى: (لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم). قال ابن القاسم عن مالك: وكذلك إن كان معهم أسارى المسلمين. وإذا كان في الحصن النساء والذرية فلا يلقى عليهم النار. وإن لم يكن فيهم غير المقاتلة فلا بأس بذلك. وقال سحنون: لا يلقى عليهم النار وإن كان الرجال فقط. وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: ولا يلقى على مراكبهم النار إلا أن يبدأونا بذلك.
[3/ 66]

(3/66)


قال سحنون: وإذا كان العدو في مطمورة فلا أرى أن يلقى عليهم النار وإن لم يكن معهم ذرية. وأما الدخان يضطرون به للخروج فلا بأس بذلك. قال أشهب: وإن كان معهم في المطمورة الذرية أو أسارى المسلمين فلا يدخن عليهم , وقاله سحنون. وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يعذب العدو بالنار.
وقال عمر بن عبد العزيز: وددت أن لو عاهدونا أن لا يقتلونا بالنار ولا نقتلهم به. وأجاز بعض أصحابنا رمي العدو بالنار وإن كان فيهم الذرية كما يسبون معهم. وقال: إنما قال الله سبحانه (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات) , فلم يرفع إلا الرجال ولم يذكر الذرية , فأنكر هذا سحنون وقال: لا يرموا بالنار , وحجته بالسبي لا وجه له , لأن قتل الوالد دون الولد.
قيل له روي عن ابن القاسم: أنه لا بأس أن يرسل على حصونهم الماء ليغرقوا وإن كان فيهم النساء والذرية , ويرموا بالمجانيق ويقطع عنهم الماء والمير. قال: لا أعرف إرسال الماء عليهم , ولا بأس أن يقطع الماء والمير عنهم إلا أن يكون فيهم أسارى المسلمين يخاف هلاكهم بذلك , وأجازه الأوزاعي. وخالفه سحنون وقال: لا بأس أن يذبح في مائهم البقر والغنم ليفسدوه عليهم , ولا يطرح على الحصن النار كان معهم أسارى المسلمين أو يكن وإن كان لا يؤخذ إلا بذلك. قيل له: روي عنك أنك قلت إن كان إذا دخلوا بلادنا ألقوا علينا النار فلا بأس أن يلقى عليهم إن لم يكن معهم أسارى المسلمين , فأنكره وقال: إنما قلت هذا في المراكب إذا رمونا به. قال: ولنا أن نحرق طعامهم الذي خارج الحصن لأنه قوة لهم.
[3/ 67]

(3/67)


قلت: قال الأوزاعي إن كانت غارة لا يحرقوه وإن كانوا إنما يريدون حصارهم فقدروا أن يمنعوهم منه فليفعلوا ولا يحرقوه. قال: لا أرى ذلك وليحرقوه فى الغارة وفي الحصار. وإنما نحل الأوزاعي أنه لا يكره قطع البحر إليهم.
قلت: فإن حصرناهم فقالوا إن لم ترحلوا عنا قتلنا أساراكم عندنا وسألهم الأسارى الرحيل؟ قال: إن كانوا على إياس من فتحه فليرتحلوا. وإن كانوا أشرفوا عليهم وهم منه على شبه اليقين فلا يرتحلوا وإن قتلوا الأسارى , وقاله الأوزاعي وسفيان. وإذا بذلوا لنا مالاً على أن لا نقتل خنازيرهم ولا نفسد خمرهم لم يجز لنا أخذ شيء على ذلك إن قدرنا عليه.
ومن كتاب ابن المواز: قال في الغار أو الحصن فيه العدو ومعهم الذرية أو الركب , فلا يقدر على ذلك إلا بحرق المركب والتدخين على الغار والحصن أو تغريقهم فلا بأس بذلك كله , واجتناب النار أحب إلينا في ذلك كله , وهذا إن لم يكن معهم مسلمون , فإن كانوا فلا يحرقوا ولا يدخن عليهم. وقال في المطمورة فيها النساء والصبيان , فإن كان التدخين يقتلهم ولا خلاص لهم به غير القتل فلا يدخن عليهم. (وإن كان لهم خلاص فلا بأس بذلك. وذكر عن أشهب مثل ما تقدم من رواية سحنون في المطمورة فيها الذرية أو أسارى فلا يدخن عليهم.) وذكر ما تقدم ذكره عن مالك وابن القاسم في الحصون فيها الذرية أو أسارى فلا تحرق. وقال: وإنما تحرق أو تغرق إذا كان فيها الأعلاج فقط.
ومن كتاب ابن سحنون: وكره مالك أن يسم النبل والرماح يرمى بها العدو وقال: ما كان هذا فيما مضى. وروى مثله ابن حبيب.
[3/ 68]

(3/68)


ومن كتاب ابن سحنون قال الأوزاعي: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يلقى السم في آبار العدو ومياههم. قال الأوزاعي: ولا يفعل ذلك المسلم في طعام ولا سلاح , وهو قول مالك. قيل لسحنون: فإن أخذ المسلمون قلالاً مملوءة خمراً فجعلوا فيها سماً ونصبوها للعدو فشربوا منها فماتوا؟ فكره أن يعمل بهذا. قال: ولا بأس أن يلقى المسلمون الحسك حول عسكرهم إذا نزلوا يتحصنون به. وكذلك إذا التقوا فألقى المسلمون أمامهم الحسك يردعونهم به , فلا بأس بذلك.
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم وأشهب: لا بأس أن يقطع عن حصنهم المير والماء ويرموا بالمجانيق. وقال مالك: ولا بأس أن يعقر بقرهم وغنمهم وإن لم يحتج إلى ذلك. وكل ما قدر أن يهلكهم به فعل.
في قتال الحبشية وشراء النوبة
من كتاب ابن سحنون: قيل لمالك: أبلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ذروا الحبشية ما ذرتكم؟ قال عن النبي صلى الله عليه وسلم , فلا , ولكن لم أزل أسمع ذلك يقال. قيل: قد كانوا خرجوا بدهلك. قال ينظر في أمرهم , فإن فعلوا وإلا لم يهجم عليهم إلا بأمر بين. وقد خلا له دهر ما فعلوا مثل هذا. ولكن أخاف أنه ارتكب منهم باطل. ولم يزل الناس يغزون الروم وغيرهم وتركوا هؤلاء. فما أرى ترك قتالهم إلا لأمر , فلا أرى أن يخرج إليهم حتى يستبان أمرهم. فإن كان عن ظلم صنع بهم لم أر أن يقاتلوا وألا يعجل في أمرهم.
ومن العتبية: روى أشهب عن مالك , وسئل عن أسير النوبة والبجة , وبيننا وبينهم هدنة: يعطينا النوبة رقيقاً ونعطيهم طعاماً ويعطونا البجة إبلاً ونعطيهم طعاماً , فهل نشترى شيئاً من رقيقهم؟ فقال: دع ما يريبك إلى ما
[3/ 69]

(3/69)


لا يريبك , قاله ابن عمر. قيل: فيشترى رقيقهم الذين يبعثونهم إلينا للصلح الذي بيننا وبينهم؟ قال: لا أدرى ما هذا التفصيل الذي يفصل بين هذا وهذا.

في قتل الأسارى واسترقاقهم
والتمثيل بالعدو وحمل الرؤوس وفداء الأسارى واسترقاقهم
ومن لا يقتل منهم وفي أمان الأسير
من كتاب ابن سحنون , قال: روى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل سبعين اسيراً بعد الإثخان من يهود. وقتل عقبة ابن أبي معيط صبراً بعد أن ربط. ولم يقتل يوم بدر من الأسرى غيره , وكثر يومئذ الفداء , وأكثر ما فودي به الرجل أربعة آلاف. وربما فدي الرجل على أن يعلم عندنا الخط لأن أهل المدينة لم يكونوا يحسنون الخط. وقتلأبو بكر أسيراً بعد أن أعطى في فدائه مالاً فقال: اقتلوه فقتل رجل منهم أحب إلى من كذا. وقد قتل الأسرى غير واحد من الصحابة. وقتل عمر بن عبد العزيز أسارى من الروم وقتل أسيراً من الترك , وأمر بفداء من أسر من المسلمين وإن كان قد هرب إليهم من حر أو عبد.
قال سحنون: والإمام مخير في أسرى العدو في قتلهم أو استرقاقهم قبل أن يستحييهم , فإذا استحياهم لم يجز له قتلهم. قيل: فما معنى الحديث: إن عبد الرحمان بن عوف أسر أمية بن خلف أراد به الفداء , فحرض بلال على قتله حتى قتله غيره. قال: ما أدري , ولعل عبد الرحمان لم يؤمنه.
وقال مالك: إنما يقتل من الأسرى من يخاف منه , وقد كتب عمر: ألا تجلبوا إلينا من علوجهم أحداً. قال مجاهد: إذا أسلم الأسير لم يقتل. قال بكير: ومن قسم لم يقتل. قال سحنون: لأنه قد استحيي فلا يقتل. قال الأوزاعي: ولا يقتل الحراث والزراع وشبهه وليقسم. قال سحنون: إن خيف منه قتل.
[3/ 70]

(3/70)


وكذلك في كتاب ابن المواز مثل ما ذكر عن الأوزاعي ومكحول وبكير وغيره. وقال مجاهد: ومن ترك ليقسم لم يقتل. قال بكير: ومن قسم لم يقتل. قال محمد: وإن كان من الخسيء.
ومن كتاب ابن سحنون وابن المواز قال مكحول: إذا استأسر أسير لم يقتل إلا أن لا يقبل ذلك منه. قال سحنون وابن المواز: إنما هذا إن كان في منعه أو حصن , فإن قبلت منه حرم دمه. وإن لم تقبل منه رد إلى مأمنه. فأما أسير قدر عليه فبخلاف ذلك.
ومن كتاب ابن حبيب قال: وإذا استأسر , وهو منك في منعه , فهو آمن لا يقتل ولا يسترق. وإن استأسر وقد رهقته فلا أمان له. وإذا استسلم الأسير حرم دمه وصار مملوكاً.
ومن كتاب ابن سحنون: وأتى عمر باسرى فضلوا , فقسمهم ولم يقتلهم. قال ابن شهاب: إن طعنته فتشهد فقد حرم دمه , وقاله سحنون. قال: وأخبرني ابن نافع عن مالك أنه لا يقتل إذا اسلم. قيل: فقتل من مرض؟ قال: نعم , ومن يشك في هذا. قال عنه ابن وهب , قيل: يدعى الأسير إلى الإسلام قبل أن يقتل؟ قال: نعم. قيل: فإن حمل الأسير فمرض؟ قال: أخاف أن يكون ذلك أماناً , ولهذا وجوه. وإذا أخذ المسلمون أسارى فأرادوا قتلهم , فقال أحدهم: أنا مسلم , فإن ثبت إسلامه قبل الأسر فهو حر. وإن لم يكن غير دعواه فهو فيء ويسأل عن الإسلام. فإن عرفه فهو مسلم ولا يقتل وهو فيء. وإن تزيا بزي المسلمين لم يخرج من الرق بذلك حتى يثبت إسلامه قبل ذلك. قال ابن سحنون: وإن قال أنا مسلم ولم يصف الإسلام وصف له. قإن قبله فهو مسلم ويسترق. قال سحنون: وإن طلب الإسلام فلا يعجل عليه بقتل ويعرض عليه الإسلام , فإن أسلم لم يجز قتله.
[3/ 71]

(3/71)


ومن كتاب ابن المواز قال: وإذا ترك عن الأسير القتل لرجاء فداء أو بيع أو دلالة أو سبب سقط عنه القتل. وكذلك إن صلى. وإذا أخذوا إنساناً يستخبرونه الخبر فلا يقتل وهو رقيق لهم استبقوه لصنعه ظنوها فيه ولم يكن ذلك.
قال سحنون: وللإمام قتل الأسارى ممن حضر القتال أو غيره , ما لم يعرض فيترك عنه القتل لما ذكرنا فإنه لا يقتل. وأما من ترك ليعاود فيه رأيه فله قتله إن رأى ذلك. وكذلك في المحتصر. وكذلك السرية تبعث فتلتقط الأعلاج من القرى والجبال وغيرها , فمن جيء به إلى الإمام فإما قتل أو ترك لفداء أو بيع أو لصنعة , أو ليطلقه لما يرى في ذلك من الصلاح والاستئلاف , ثم ليس له ولا لغيره معاودة القتل في من ترك لما ذكرنا. وليس لمن أسر أسرى قتلهم حتى يأتي بهم الإمام فيجتهد فيهم رأيه. وقد أجر أمير الجيش الهرمزان حتى قدم على عمر , فكلمه فاستعجم , فقال: هلم تكلم ولا تخف. فلما تكلم أراد قتله , فقال له: قد قلت لا تخف فتركه. وقد عفا النبي صلى الله عليه وسلم عن من أسر ببدر إلا عقبة بن أبي معيط أمر بقتله. ولا ينبغي للإمام أن يدع قتل من يخاف منه أن بيع أو استبقي ضرراً لى المسلمين ممن يحامي على دينه. ولم يقتل عمر بن عبد العزيز في خلافته غير أسير من الخزر. وكان أبو عبيدة وعياض بن عقبة يقتلان كل من أتيا به من أسير.
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأبي أمامة سيد أهل اليمامة فخيره بين أن يعتقه أو يفاديه أو يقتله. فقال: إن تقتل تقتل عظيماً , وإن تفاد تفاد عظيماً , وإن تعتق تعتق عظيماً , وأما أن أسلم فلا والله أسلم قسراً أبداً. فقال: فقد أعتقتك , فقال: أشهد أن لا إلاه إلا الله وأنك رسول الله.
ومن كتاب ابن حبيب: ولا بأس أن تقتل المشرك قبل ظفرك به بأي قتلة أمكنك. فأما بعد الظفر فلا ينبغي أن تمثل به , ولا تعبث عليه ولكن تضرب عنقه.
[3/ 72]

(3/72)


قال سحنون: أخبرني معن عن مالك , قيل: أيضرب وسطه بالسيف؟ قال: قال الله سبحانه: " فضرب الرقاب " ولا خير في العبث. قيل: أيعذب إن رجي أن يدلنا على عورة العدو؟ قال: ما سمعت ذلك.
قال ابن حبيب: وقد أبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يمثل بحيي بن أخطب. وإنما مثل المشركون بالمسلمين يوم أحد , فتواعدهم النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من ذلك , فأنزل الله سبحانه " وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به " , الآية. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نصبر. وقد كره أبو بكر إذ حمل إله رأس البطريق من الشام وقال: هذا فعل العجم.
ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون لا يجوز حمل الرؤوس من بلد إلى بلد ولا حملها إلى الولاة. وذكر ما أنكر الصديق وقال: استنان بفارس والروم , يكتفى بالكتاب والخبر.
ومن كتاب ابن حبيب: وإذا أمر الإمام بتوقيف الأسير فيمن يرتد ولم يعطه أماناًفصيح به , ثم رأى قتله فذلك له إلا أن يكون الأسير هو سأله البيع فأجابه إليه فذلك أمان من القتل.
ومن كتاب ابن المواز: وعن علج أسر فأمر الإمام بالنداء عليه فبلغ أحد عشر ديناراً ثم أراد قتله , قال: ذلك له. قال أصبغ: هذا إن عرضه يختبر ما يبلغ فيرى رأيه وإلا فلا. وينبغي للإمام إذا أراد قتل أسير أن يدعوه إلى الإسلام ويسأله هل له عند أحد عقد ممن أسره. قال: وقتل البالغين من الأسارى أحب إلى العلماء من إحيائهم. وكتب عمر إلى أمراء الجيوش أن يقتلوا كل من جرت عليه المواسي ولا يحمل إليه من علوجهم أحد.
قال ابن حبيب: ومن لا يخشى عوره وعداوته من الشباب المراهقين فليباعوا ويقسموا.
[3/ 73]

(3/73)


ومن كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: واتقى مالك قتل الشيخ الفاني ومن لا يخاف منه ومن له صنعة والحراث والعامل بيده. وقال عبد الملك: يقتل الشيخ الكبير إن كان ممن له الكيد. قال محمد: إذا عرف بذلك , وإلا تركه أحب إلي للنهي عن قتل مثله. وكذلك الصناع من لم يكن من مقاتلتهم فيؤثر. وأما مقاتلتهم فيقتل إلا أن يسلم , ولا يؤخ لمرض أو غيره.
ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: ولا يقتل من الأسارى إلا من يخاف منهم , مثل من يعرف بالنجدة والفروسية , فله قتله.
ومن كتاب ابن المواز قال أصبغ عن أشهب: إذا أسرت سرية فغنموا أعلاجاً , ثم أدركهم أمر فخافوهم أيقتلونهم؟ قال: إن لم يستحيوهم فذلك لهم. وإن استحيوهم فليس ذلك لهم إلا أن يقاتلوهم. والاستحياء أن يتركوهم على أنهم رقيق للمسلمين أو فيئاً لهم. فأما إن تركوهم ليأتوا بهم الإمام فيرى فيهم رأيه فليقتلوهم إن خافوهم , وقاله أصبغ.
وفي الباب الذي يلي هذا شيء يشبه بعض معاني هذا الباب.
ومن كتاب ابن سحنون: ومن اشترى علجاً من المغنم فأراد أن يدخله المركب فيأبى ويريد الهرب إلى العدو وهو قريب منه ولا يقوى الرجل على حبسه ولا معه عوين أيقتله؟ قال: لا , لأنه لم يحارب إنما أراد الهرب. ولو سار به في البر فضعف عن المشي فلا يقتله لأنه قد استحيي.
ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون في مراكب الإسلام لقوا مراكب العدو في البحر فقاتلوهم , ثم طلب الروم الأمان فأمنوهم واستأسروا فجاؤوا بهم إلى أرض الإسلام: فإن أمنوهم على أن يكونوا ملكاً أو ذمة فالشرط لازم. وإن كان أمان مسجل لم يجز قتلهم ولا رقهم , وليردوا إلى مأمنهم إلا أن يرضوا بالمقام على الجزية أو يسلموا.
[3/ 74]

(3/74)


في الأمان وذكر الإشارة بالأمان
وما يجري من قول أو عمل فيظن أنه أمان
وما يكون منه على الخديعة
قال أبو محمد: وقد أمر الله سبحانه ورسوله عليه السلام بالوفاء بالعهد والذمة , والأمان من ذلك.
كتاب ابن سحنون وابن حبيب: وذكر حديث مالك عن عمر فيمن يقول للمشرك: لا تخف ثم يقتله: فمن فعل ذلك ضربت عنقه. قال سحنون , قال مالك: ليس هذا الحديث بالمجتمع عليه. وقال ابن حبيب , قال مالك: ذلك تشديد من عمر ولا ينبغي أن يقتل. وينبغي للإمام أن يقدم للجيوش ألا يقتلوا من أشاروا إليه بالأمان فإنه كالأمان.
قال ابن حبيب: سمعت بعض أهل العلم يقولون فيمن رهق مشركاً بالقتل فاتقاه المشرك فقال له المسلم لاتخف أو لا بأس عليك ثم أسره فأراد قتله , فإن كان أراد بقوله تأمينه من الضربة التي أشرف بها عليه لا من القتل فله قتله. وإن أراد تأمينه م القتل فلا سبيل إلى قتله. فإن فعل فعليه قيمته يجعلها في المغنم. قال سحنون قال ابن وهب عن مالك: والإشارة بالأمان كالكلام , وليتقدم إلى الناس في ذلك. وذكر ما روي عن عمر في القائل للعلج: مترس , وهو بالفارسية: لا تخف , قال سحنون: فهو أمان. وكذلك إن ناداهم المسلمون بالأمان بأي لسان من قبطية أو فارسية أو بالرومية أو غيرها , فذلك أمان. وإذا كان ذلك اللسان لا يعرفه العدو فهو أمان لهم وإن لم يعرفوه. وهو معنى حديث عمر في: مترس.
قال ابن المواز: ونزل عندنا أن مركباً من المسلمين لقي مركباً للعدو , فقاتلوهم يومهم , ثم طلب العدو الأمان , فنشر المسلمون المصحف وحلفوا بما فيه
[3/ 75]

(3/75)


لنقتلنكم , فاستسلموا وظنوا أنه أمان , ثم طلبوا بيعهم , فأجمع فقهاؤنا أنه أمان لهم. قال: وإذا طلبوا مركباً للعدو فصاحوا به: أرخ قلعك , فيرخيه , فيأسرونهم , فهذا أمان إذا كان قبل الظفر بهم وهم على رجاء من النجاة.
ومن المجموعة: قال مالك في قوم من العدو يأتون فيطلبون الأمان فينزلون فيقولون: الأمان الأمان , قال: إما أن يقبل منهم أو يردوا إلى مأمنهم.
قال سحنون: وإذا أشار مسلم إلى مشرك في حصن أن تعال , وأشار مع ذلك إلى السماء , أو أشار إلى أهل الحصن أن افتحوا , فظن من ذكرنا أن ذلك أمان ففعل , أو كان عرف عندهم أن مثل هذا أمان أو لم يعرف , فهذا أمان كالإفصاح به. وكذلك إن أشاروا إليهم أن تعالوا واشاروا بأصابعهم إلى السماء. وكذلك إن أشار إني قاتلك فأتى كما روي عن عمر. قال سحنون: إلا أن يكون المشرك فهم قوله: إني قاتلك , فأتى فهذا فيء يرى فيه الإمام رأيه. قال سحنون في موضع آخر: لا تكاد العجم تفهم هذا. وقد روي عن عمر في من أشار إلى مشرك: إني قاتلك إن نزلت فينزل يظنه أماناً فأمنه عمر.
قال ابن سحنون عن أبيه في المسلم يأسر المشرك فيقول المشرك: الأمان الأمان , فأمنه فإنه لا يحل له ولا لغيره قتله , ولكن يتعقب الإمام ذلك. فإن رآه نظراً أمضاه وصار فيئاً , وإن كان أصلح للإسلام قتله قتله لأنه أمن بعد أن صار أسيراً وفيئاً. ولو أسلم حرم دمه وكان فيئاً. ولو قال أكون ذمة لكم فليس له ذلك وللإمام قتله. ولو كتفوه أو ضربوه حتى يسلم فلا يجوز أن يفعل ذلك به لهذا. وإنما يجوز أن يفعل ذلك مخافة أن يهرب. فإن خيف أن يمنعه ذلك من الإسلام فليقيد ويدع التعكيم. وإن رام قتله فقال له العلج: الأمان الأمان , فأجابه المسلم: الأمان الأمان , رداً عليه وتغيطاً كالقائل: أتطلب الأمان؟ فليس هذا بأمان ويجوز قتله. ولكن إن سمعوا ذلك أصحابه رفعوه إلى الإمام يرى فيه رأيه. ولو
[3/ 76]

(3/76)


قال لهم: إنما أردت تعجباً ومنعاً فلا يصدقوه وليرفعوا أمره. ولو زاد من القول ما يوضح قوله فقال: الأمان الأمان تطلب؟ أو: لا تعجل حتى ترى ما تلقى , ونحو ذلك مما يكشف الأمر فل ولهم قتله. وقد يأتي أمر ظاهر إنما يراد به التهديد كالقائل: أفعل كذا إن كنت رجلاً , أو: افعل ما شئت إن كنت صادقاً , فأجابه مسلم من الجيش بمثل ذلك , أو ابتدأ المسلم هذا القول , فنزل العلج فقال القائل: إنما أردت التهديد فلا يقبل منه فإما أمنه الإمام وإما رده إلى مأمنه. وكذلك لو قال له ذلك الإمام فهو كالخديعة. فإما أمنه أو رده إلى مأمنه. ولو أبان ذلك فقال: الأمان الأمان انزل إن صدقت ونحو هذا فإنه لا يقتل. وإما أمن أو رد إلى مأمنه. وكذلك لو قاله له الإمام. ولو قرن مع ذلك كلامه بكشف أسمعه المشرك بلساننا أو بلسان الروم وعلم أن المشرك فهمه , فهو فيء إلا أن يشاء الإمام قتله , مثل أن يقول له: الأمان ما أبعده! أو: انزل إن كنت صادقاً ونحوه , كمن قال لرجل: لي عليك ألف درهم , فأجابه: لك علي ألف درهم , فأجابه: لك علي ألف درهم؟ ما أبعدك من هذا! فليس بإقرار.
وإذا أتى المسلمون حصناً للروم فأظهروا أنهم رسل الخليفة وجاؤوا بكتاب منه وذلك كله كذب فأدخلوهم , فلا يجوز لهم قتل أحد وليفوا بما أظهروا مما دخلوا عليه , والإشارة عند مالك بالأمان أمان , ولينه الإمام عن قتل من أشاروا إليه بالأمان. وكذلك لو صدقوهم من غير كتاب اتهروه معهم , أو قالوا نحن تجار فأدخلوهم فلا يجوز لهم قتل أحد ولا أخذ شيء. وكذلك لو تحلوا بحلية أهل الروم ولباسهم أو كانوا منهم ثم أسلموا وقالوا: كنا بأرض الإسلام بأمان , وانتسبوا إلى قوم من الروم معروفين ذكروهم , فدخلوا على هذا , فلا يجوز أن يؤذوا أحداً. وكذلك لو قالوا لهم نحن أهل ذمة أردنا نقض العهد فأدخلوهم.
[3/ 77]

(3/77)


قلت: فإن كعب بن الأشراف وسفيان بن عبد الله قتلا غيلة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم , وأظهر إليهما من جائهما غير ما جاء فيه , ولم يكن ذلك أماناً لهما. قال: هذان قتلا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لأذاهما الله ورسوله فلا أمان لهذين.
ومن العتبية: قال سحنون في مراكب الإسلام حاربوا مراكب للعدو , فجرت بينهم جراح , فطلب العدو الأمان فأعطوهم , فاستأسروا فقدموهم بهم بر الإسلام , هل يجوز قتلهم؟ قال إن أمنوهم على أن يكونوا ملكاً أو ذمة فالشرط جائز. وإن لم يكن الأمان مسجلاً فلا يجوز ملكهم ولا قتلهم , وليردوا إلى مأمنهم إلا أن يقيموا على الجزية.

في أمان العبد والمرأة والصبي والمعاهد والمجنون وغيرهم
وكيف إن أمنهم أحد بعد أن نهى الإمام عن التأمين
ومن حكى الأمان عن غيره
من كتاب ابن سحنون وابن حبيب: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يجير على المسلمين أدناهم ويرد عليهم أقصاهم. قال ابن حبيب: فأدناهم يقول: الدني من حر أو عبد أو امرأة أو صبي يعقل الأمان يجوز أمانه , ولا ينبغي للإمام ولا غيره أن يغدره , ولكن يوفي له بذلك أو يرده إلى مأمنه. وقوله: ويرد عليهم أقصاهم , أي: ما غنموا في أطرافهم يجعل خمسه في بيت مالهم.
[3/ 78]

(3/78)


قال: ولا ينبغي لأحد من الجيش أن يؤمن أحداً غير الإمام وحده , ولذلك قدم , وينبغي أن يتقدم إلى الناس بذلك , ثم إن أمن أحداً قبل نهيه أو بعده , فالإمام مخير إما أمنه أو رده إلى مأمنه.
ومن كتاب ابن سحنون , قال: وإذا أمن المسلم قوماً من أهل الحرب فهم آمنون , لكن ينظر الإمام فإما أتم ذلك أو نبذ إليهم. فإن نبذ إليهم ثم أمنهم ذلك الرجل فلا يحل قتالهم حتى ينبذ إليهم. وهكذا كلما أمنهم إلا أن ينذرهم الإمام فيقول: إن عاد هذا الرجل فأمنكم فلا أمان لكم , فهاهنا إن أمنهم جاز قتالهم بغير نبذ. وإذا أمن رجل حربياً فأدخله دار الإسلام فكره ذلك الإمام , فليعذر إليه أن يرجع إلى بلده ويؤجل له أجلاً يمكنه فيه ذلك ويحتاط له , فإن تعدى ذلك جعله ذمة ومنعه الرجوع. وهذا في من يقدر أن يرجع , وإلا على الأمير إبلاغه مأمنه. ولو قال الإمام لحربي: لا تقبل أمان فلان , فإن دخلت إلينا بأمانه فأنت فيء ففعل وتعدى فإنه فيء ولا أمان له , ويؤدب المسلم. ولو قال الإمام لأهل الحرب: من دخل إلينا بأمان فلان أو بأمان أحد من المسلمين فهو ذمة لنا لا ندعه يخرج , أو: فهو رقيق فهو على ما قال وذلك نافذ. وكذلك لو قال في حصار حصن: من خرج منكم بغير أمان الأمير إلى عسكرنا فهو فيء أو مباح الدم فهو كذلك. ومنالكتابين: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرت يا أم هانىء. قال ابن الماجشون وسحنون: لم يجعل ذلك بيد أدناهم ليكون له نظر الإمام بالمصلحة , كما أنه إنما أتم أمان أم هانىء صلى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرت.
ومن كتاب محمد بن سحنون: وروي عن عمر أنه قال: أمان العبد أمان. وقال سفيان: وإذا أمن العبد من في الحصن فهو أمان وليذهبوا حيث شاؤوا. قال
[3/ 79]

(3/79)


سحنون: إذا أشرفوا على فتحه قاهرين له فلا يقبل قول العبد بعد أن صاروا بأيدي المسلمين ولا قول لهم. وكذلك لو قال ذلك رجل حر مسلم حتى يثبت ذلك برجلين أن العبد أو الحر أمنهم , فيكون الإمام المقدم في إجازة ذلك أو رده. وإن ثبت أن العبد أمنهم فرده الإمام فأبوا إلا أن يقتلهم الإمام إو يسبيهم أو يتم أمانهم , قال: يقال لهم تحولوا إلى بلد الإسلام أو ودوا الجزية. فإن أبوا فهم فيء يرى فيهم الإمام رأيه فيمن يقتل أو يستحي. وإن لم يكن المسلمون مقتدرين عليهم , وهم في تحصين فهذه شبهة: فإما أن يردهم إلى حصنهم أو يؤمنهم. فإن أبوا سألهم النقلة إلى بلد الإسلام. فإن أبوا فهم فيء.
وأجاز ابن القاسم أمان العبد والذمي. قال ابن القاسم: إن قالوا: طننا الذمي مسلماً ردوا إلى مأمنهم. فإن علموا أنه ذمي فهم فيء. قال سحنون: لا يجوز أمان الذمي بحال. وأما الصبي فليس أمانه بأمان إلا أن يجيزه الإمام للقتال فيصير له سهم , فالإمام مخير إما أجاز أمانه أو رده. فأما غن لم يجزه للقتال فأمانه باطل. قال: وأخبرني معن بن عيسى عن مالك: سئل عن رجل من الجيش يؤمن الرجل أو الرجلين بغير أمر الإمام قال ذلك جائز. قيل له: فالعبد؟ قال: لا , وما سمعت فيه شيئا. قال ابن وهب: قال إسماعيل بن عياش قال أشياخنا: لا أمان للمعاهد والصبي إلا أن يجيزه الإمام , وقاله الليث. قال الليث: إذا أمن العبد رجلا من العدو فليرده إلى مأمنه. قال ابن المواز قال الأوزاعي والليث: لا أمان للذمي. قال سحنون: وأمان الخوارج جائز.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك وأصحابه: أمان المرأة جائز على جميع الجيش وعلى جميع المسلمين. قال ابن المواز: ويجوز أمان العبد. قال ابن القاسم: ويجوز أمان الصبي إن كان مسلماً كان عبداً أو حراً. قال محمد: إذا بلغ سناً يعرف به الأمان ما هو. وأما من ليس بمسلم فليس بشيء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يجير على المسلمين أدناهم , يقول: من هو منهم. فأما الصبي فكالمرأة لا سهم لها وإن قاتلت , وهو إن قاتل فله سهمه , قاله مالك. وقال: إن أمنهم

[3/ 80]

(3/80)


الذمى فلا أمان لهم وهم فيء قال محمد: فإن قالوا ظنناه مسلماً , فأحب إلى أن يردوا إلى مأمنهم إن أبى الإمام أم يؤمنهم. واختلف فيه قول ابن القاسم , فقال هم فيء وقال يردون إلى مأمنهم.
وقال ابن حبيب: إذا قال الحربي الذي أمنه الذمي ظننت أنه مسلم فلا يقتل. وإما أمنه الإمام أو رده إلى مامنه. ولو علم الحربي أنه ذمي فلا أمان له. قال ابن المواز: وإذا قالوا: علمنا أنه ذمي وظننا أن امانه يجوز لذمته منكم كما يجوز أمان عبدكم وصغيركم , قال لا امان لهم وهم فيء.
ومن كتاب ابن حبيب وابن سحنون وابن المواز: ذكروا ما روي أن عمر كتب به إلى سعيد بن عامر في الأمان وفيه: من أمنه منكم حر أو عبد من عدوكم فهو آمن حتى يرد إلى مأمنه او يقيم معكم على الجزية. وإذا نهيتم عن الأمان فأمن أحد منكم أحداً ناسياً أو عاصياً او لم يعلم أو جاهلاً رد إلى مأمنه. وكذلك إن أشار إليه: إني قاتلك فأتى ظناً أنه أمان. وكذلك إن جاء مطمئناً تعلمون أنه جاء متعمداً. فإن شككتم ولم تتيقنوا مجيئه إليكم فاضربوا عليه الجزية ولا تردوه. ومن وجدتموه في عسكركم لم تعلموا به فلا أمان له ولا ذمة. جهاد قال سحنون: بهذا كله قال أصحابنا إلا قوله: وإن شككتم فإن هذا فيء للمسلمين.
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا أمنهم الرجل المخالط العقل إلا أنه يصف الإسلام ويعرفه فأمانه جائز , والإمام مخير في إمضائه أو ينبذ الحرب إليهم. وإذا أمر امير العسكر ذمياً ان يؤمنهم فذلك جائز وهو رسول. وكان ينبغي أن يرسل مسلماً إلايبعثه ليكلمهم بلغتهم. وإن أمنهم الذمي عن رجل مسلم من العسكر فقال قد أمنكم فلان المسلم أو قال فلان , فإن علموا أنه ذمي فلا أمان لهم لأنه لا أمان له على نفسه فكيف على غيره؟ فإن قالوا: ما علمنا انه ذمي فهي شبهة , وإن علموا فهم فيء.
[3/ 81]

(3/81)


ومن كتاب ابن المواز: وروى ابن وهب عن فضل بن يزيد , قال: كنا مصافين للعدو , فكيب عبد في سهم أماناً للمشركين ورماهم به فأتوا واحتجوا بالسهم , فكتب إليهم عمر بإجازة أمانه. قال ابن القاسم: ومن أتي إلى العدو يزعم أن الوالي بعثه إليهم على أنه من أراد أن يخرج إليه فقد أمنه على دمه وماله ويؤدي الجزية فخرج واحد على ذلك فأنكر الوالي فإنه يقال له: إما أن تتم له ذلك أو فرده إلى مأمنه بما معه. قال ابن المواز: فإن أخذ علج في العسكر فقال: جئت لأمان فلان ولا يعلم ذلك أحد , فإنه يسأل فلان ويصدق فيما يقول , وقاله ابن القاسم وأصبغ , كان فيه بينة أو لم تكن. قال أصبغ: فإن أنكر المحكي عنه فالوالي مخير أن يؤمنه أو يرده إلى مأمنه. قال ابن المواز: لا يعجبني هذا , وقد صار في أيدينا بلا عهد له فللإمام ان يقتله أو يرى فيه رأيه , وكذلك روي عن عمر.

في أمان الأسير من المسلمين بأيدي العدو
وأمان المكره من الأسارى
وأمان من خرج من طاعة الإمام من الخوارج
ومن كتاب ابن المواز: وإذا كان بأيدي العدو أسير مسلم خلوه في بلادهم على أن أعطاهم الأمان , فما أظن أن ذلك كان منه لهم إلا لخوف غشيهم في وقتهم ولذلك الجيش وحده فذلك جائز. فأما امانه على أن لا يغزوهم أحد من المسلمين فلا يجوز ذلك. وإنما يجوز ذلك في الجيش الذي نزل بهم ما لم يخوفوه بالقتل.
ومن كتاب ابن المواز والعتبية من رواية أصبغ , ومن كتاب ابن سحنون: وقد قال أشهب فيمن شذ من سرية فاسر , فلما خشوا السرية طلبوا من الأسير
[3/ 82]

(3/82)


الأمان فأمنهم , فإن كان آمناً على نفسه جاز أمانه. وإن كان خائفاً لم يجز , والأسير مصدق. قال ابن المواز: فإن اختلف قوله أخذ بقوله الأول. وقال سحنون: لا أرى أماناً ولا أصدقه أنه أمنهم غير خائف , لأن المسلمين قدروا عليهم , وهذا ضرر على المسلمين , وهل يقدر الأسير إذا طلبوه الأمان إلا أن يؤمنهم؟
قال في كتاب ابن المواز وفى العتبية من رواية عيسى: قال ابن القاسم إذا امنهم عن تهديد بالقتل فلا أمان لهم. وأما إن قالوا له نخليك وتؤمنا فأمنهم فهو أمان جائز. قيل له: إنه بأيديهم وخاف إن لم يفعل قتلوه واغتنموا. قال: وما يدريه. قال في كتاب ابن المواز: بل أمانه جائز إن كان ذلك منه بعد أن أشرف عليهم المسلمون , ولو شاؤوا أن ينقذوا قدروا على ذلك وتخلصوا. قال في العتبية: ولو شاؤوا أن ينفذوا. وفي بعضها: بعد ما أشرف عليهم المسلمون ليس هذا بأمان إلا أن يخلوه ولا يشترطوا عليه شيئاً.
وفي كتاب ابن حبيب مثل ذلك: إن هددوه بالقتل أو إنما قالوا له: أمنا ونخليك , ففعل وخلوه فلا أمان لهم إلا أن يخلوه بغير شرط. فإن أمنهم وهو على نفسه آمن فذلك جائز. ويقبل فيه قول الأسير , وقاله لي من أرضى.
ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون في أسير بيد العدو أو أسيرين , أو دخلا مدينتهم بأمان , فإن سألوهم الأمان فأمناهم , فإن كان على القهرة لهما وأنهما لا يقدران على غير ذلك فالأمان باطل. وإن امناهم على غير قهرة لكن نظراً للمسلمين فالإمام مقدم في إجازة ذلك أو رده ويوذنهم بحرب. وكذلك لو أسلم منهم أحد ثم أمنهم , افترق أمانه على القهرة وعلى ما ذكرنا إذا ثبت أنه أسلم في دارهم ببينة مسلمين , وقاله الأوزاعي. ولا يجيز أهل العراق امانه ويرونهم فيئاً
[3/ 83]

(3/83)


وقال الأوزاعي في حصن أو مطمورة نزل بهم المسلمون وفيه أسير مسلم , فلما خافوا قالوا للمسلم: أمنا ونخليك , فأمنهم فخرجوا وخرج معهم: فالإمام مخير إن شاء أمنهم أو ردهم إلى حصنهم أو تركهم حتى يبلغوا مأمنهم. قال سحنون: إن أكرهوا الأسير حتى أمنهم فذلك باطل وهم فيء. وإن لم يكوهوه وإنما فعل ذلك نظراً وحياطة فالإمام مقدم أن يمضيه أو يردهم إلى مأمنهم. ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن خرج عن طاعة الإمام بالأندلس وتغلب على ناحية من الثغر واستعان بمن أمكنه من العدو , فنزل عنده ناس منهم فأمنهم , قال: ذلك لهم أمان لازم ولكن ينتظر فيه الإمام: فإما أمضاه أو ردهم إلى مأمنهم. فإن طلبوا المقام على أداء الجزية , لم أحب أن يأبى لهم من ذلك. قال سحنون في كتاب ابنه مثله.
قال أصبغ في العتبية في وال خرج عن جماعة المسلمين في حصن من حصونهم , فصالح من يليه من الروم واستمد بهم أيستباحون؟ قال: إن لم يغزوا ولا اعانوه فقاتلوا معه فلا يستحلوا. فإن فعلوا هذا فهم كمن نقض العهد وتلصص , قاله سحنون. وقد تقدم في باب آخر ذكر أمان الخوارج من المسلمين
.

في تأمين الخوارج لأهل الكفر
أو استعانوا بهم علينا
من كتاب ابن سحنون قال سحنون: وأمان الخوارج لأهل الحرب جائز. وكذلك لرجل حربي , وكذلك موادعتهم لهم , ولا ينكث لهم ذلك الإمام حتى ينبذ إلى الحربين إن كانوا في منعة , والإ فليبلغهم مأمنهم ثم ينبذ إليهم إذا رأى الإمام نقص ذلك وكان عنده على غير نظر. وإن كان خوارج لهم منعة امنوا قوماً
[3/ 84]

(3/84)


حربيين على أن يخرجوا إليهم يكونون معهم بدار الإسلام يقاتلوننا. فظهرنا على الجميع بعد القتال أو قبل أن يقاتلونا فلا يستباح أولئك الحربيون بسبي ولا أخذ مال , لأنه انعقد لهم أمان على الكون بدار الإسلام. ومن قتل منهم قتيلاً فليس له سلبه وإن كان الإمام قد نفل الأسلاب. وليسوا كالذين أمنهم الخوارج على أن يخرجوا من دار الحرب ليقاتلونا معهم , هؤلاء على أصل الحرب ولم يذكروا أماناً فليس خروجهم أماناً.
ولو دخل الخوارج أرض الحرب فأمن بعضهم بعضاً ثم دخلنا عليهم , فإن كان الحربيون في سلطانهم فما أصبنا منهم فيء ويكون السلب للقاتل إن نفله الإمام. وإن دخل إليهم الخوارج بموضع من بلد الحربيين لا يمتنعون فيه إلا بمنعة الخوارج , فإنا لا ننال منهم سبياً ولا غنيمة ولا فيئاً.
ولو جاء حربيون إلى موضع لخوارج بأرضنا يسألونهم قتالنا معهم , فأنعموا ولم يفعلوا , فلا يحل لنا منهم قتل ولا مال حتى يقاتلونا , فيستحل منهم ما يستحل من الخوارج فقط. ولو قالوا لمسلم خارجي أو غيره أدخل إلينا إلى بلد الحرب وأنت آمن ففعل , فلا يحل له أن يستبيح منها شيئاً ولا يغدرهم. وإذا كان الخوارج يقاتلوننا ثم أمنوا قوماً حربيين فخرجوا عليهم فسألوهم قتالنا فأبوا إلا أن يكون الأمير منهم والحكم لهم فرضوا الخوارج أن يكون الأمير من الحربيين وقاتلونا فظفرنا بهم ,فإن كان الحربيون في منعه فهم فيء وما معهم , ولا يؤخذ لأهل البغي شيء , وسلب الحربي لقتاله إن نقل السلب الإمام. ولو كان سلاح خارجي قتيل أخذه عارية من حربي كان للقتال لأن الأمير حربي. ولو كان الحكم حكم الشرك. فإن قاتلونا نقضوا ما خرجوا عليه من دار الحرب فلا ينبغي أن ينال منهم الخوارج سبياً ولا مالاً. ولو سبوا منا وغنموا فعلى الخوارج قتالهم حتى يستنقذوا ذلك منهم. ألا ترى لو استأمن إلينا عدد لهم منعه مثل ألف رجل ثم أمروا عليهم أميراً , فأمروهم بقتالنا من ناحية والخوارج من ناحية , فإن كان أمير الحربيين منهم وهم في منعه بغير منعه
[3/ 85]

(3/85)


الخوارج فهم فيء إن ظفرنا بهم. ولو لم يكن منعه إلا بالخوارج فليحكموا فيهم بحكم الخوارج إذا ظفروا بهم.
ولو أن عشرة من الخوارج أمنوا عشرة من الروم على أن يخرجوا من أرض الروم فيغيروا علينا معهم ولا منعه لكل فريق فظفرنا بهم فلهم حكم الخوارج , ولا سبي فيهم ولا غنيمة ولا ضمان. ولو لم يؤمنوهم ولكن قالوا اخرجوا قاتلوا معنا فخرجوا وحدهم لذلك فقاتلوا معهم كان ما ذكرنا من الحكم في الخوارج خاصة وكان الحربيون فيئاً , كان أميرهم حربياً أو خارجياً.
وإذا وادع الخوارج حربيين فليس لنا نقض ذلك حتى ننبذ إلى أهل الحرب.
ولو استعانوا بهم ثم وادعوهم على أن يأخذوهم من طريق وأولئك من طريق ففعلوا فظفرنا بهم , فالحربيون فيء إلا أن يؤمروا أحد الخوارج فلهم حكم الخوارج في رفع السبي ومنع المال. ولو أن الموادعين أغاروا ببلدنا وحدهم فهو نقض للموادعة وهم فيء.
وقال في الخوارج قتلهم يستعينون على قتالنا بطائفة من الحربيين فظفرنا بهم فلنا سبي أولئك الحربيين , ولا يكون استعانتهم بهم أماناً وهم فيء بجميع ما معهم. ولا يكون للخوارج قتلهم لأنهم في أمان منهم. فإن تعدوا فسبوهم فعليهم رد ذلك , ولا يشتري منهم أحد ولا مما غنموه لهم من أملاكهم.
قال ابن سحنون فإن اشترى منهم أحد كرهناه له ولم نبلغ به الفسخ , وهو كمسلم دخل بلادهم فغدرهم وسبى منهم وأخذ المال فإنما نأمره برد ذلك ولا يقضى عليه , ويكره شراؤه منه ولا يبلغ به الفسخ. ولو قاتلوا مع من ساعدعم من الكفار وقد نفل الإمام السلب فقتل رجل منا مشركاً كان سلبه له وليس له سلب من قتل من الخوارج , ولا يسبون. ولو أخذ الحربيون الذين أعانوا الخوارج مال مسلم فأحرزوه في عسكر الخوارج ثم تاب الخوارج وأسلم الحربيون فليردوا
[3/ 86]

(3/86)


كل ما أخذوا للمسلم إذا لم يحرزوه في دارهم. ولو أخذه منهم أهل العقل قبل أن يدخلوه دار الحرب ردوه على أهله. ولو أدخلوه دار الحرب ردوه على أهله. ولو أدخلوه دار الحرب ثم أسلموا عليه كان لهم. ولو أخذه منهم المسلمون كان لربه ما لم يقسم فيكون له بالثمن , وما سبى هؤلاء الحربيون من المسلمين فعلى أهل الحرب استنقاذ ذلك منهم وقتالهم عليه. وكذلك ما أخذوا من أموالنا. ولو استهلكوا ذلك ثم أسلموا لم يضمنوا. ولو أعان الحربيين لصوص كان كما ذكرنا في الخوارج.

في قتال الخوارج والحكم على أموالهم

قال سحنون في الخوارج: إنما قوتلوا وقتلوا لبدعتهم , وسماهم النبي صلى الله عليه وسلم مارقين. قال غيره: وقال: سمارا في الفرق. قال سحنون: فلم يسمهم كفاراً. وسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قتالهم بما كان عنده من النبي صلى الله عليه وسلم من العلم فيهم , فلم يكفرهم ولا سباهم ولا أخذ أموالهم , فمواريثهم قائمة , ولهم أحكام أهل الإسلام في ذلك. وإنما قتلوا بالسنة وبما أحدثوا من البدعة , فكان ذلك كحد يقام فيهم , وليس قتلهم يوجب تكفيرهم , كما لو يوجب قتل المحارب تكفيره ولا قتل المحصن تكفيره , وأموالهم لهم , ولهم حكم المسلمين في أمهات الأولاد وعدد النساء والمدبرين والوصايا , ويردون ما أخذوا للمسلمين إلى أربابه , ولا يتبعون بما أسفكوا من دم ونالوا من فرج , ولا قود ولا دية ولا صداق ولا حد , وما لم يعرف ربه من الأموال فيوقف لأهله. وإن أيس منهم تصدق به. ولم يثبت عندنا أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أجاز الانتفاع بسلاح الخوارج ما دامت الحرب قائمة.
[3/ 87]

(3/87)


في رجل من العسكر يؤمن العدو على مال أو على غير مال
وهل يقبل قوله في ذلك بعد خروجهم؟
وكيف إن اختلف فيه رجلان؟
من كتاب ابن سحنون: وإذا أمنهم رجل من العسكر فللإمام أن يمضي ذلك أو ينبذ إليهم ثم يقاتلهم. ولو كان قد خرجوا على هذا , فإن ثبت بالبينة أنهم إنما خرجوا لأمانة نظر الإمام: فإما أمضاه أو ردهم إلى مأمنهم. فإن لم يكن غير قوله وقولهم , فهم فيء ويقتل منهم من شاء , وقاله غيرنا ولكنهم كرهوا القتل. وإن شهد رجل مع الذي أمنهم , فقال سحنون: يجوز ذلك , ثم رجع فلم يجزه وجعلهم فيئاً. وقال الأوزاعي في السبي يرد العسكر فيقول المسلم: كنت قد أمنتهم , قال: ذلك جائز وإن لم تقم بينة. وكذلك لو قاله الإمام.
قال سحنون: يقبل قول الإمام إني كنت أمنتهم. وأما غيره فلا يصدق وهو يشهد على فعل نفسه وهم فيء. ولو أمنهم مسلم على ألف درهم أخذها ثم علم الإمام وهم في حصنهم فهو مخير: فإما أجاز ذلك وأخذ الألف وكانت فيئاً , وإن شاء ردها إليهم ونابذهم. ولو كان قد خرجوا إلى العسكر وأخربوا حصنهم , فإن ثبت تأمينه لهم على هذا المال فالإمام مخير أن يجيز ذلك والمال فيء , أو يردهم إلى مأمنهم من بلد الحرب. وإن أرادوا إصلاح حصنهم وخرهم لذلك , وقد يضعفون عن التحمل إلى بلد آخر. ولو ادعى هذا بعد أن فتح الإمام الحصن وصدقوه لم يقبل ذلك وهم فيء , إلا أن يكون قبل الفتح وهم ممتنعون فيرى الإمام رأيه في إمضاء ذلك أو رده.
قال الأوزاعي في مطمورة حاصرها المسلمون , فلما أشرفوا عليها جعلوا جعلاً لمسلم على أن أمنهم: فإن كان قبل أن يدخلها المسلمون جاز أمانه وبولغ في عقوبته وله ما أخذ. وقال سحنون: بل للإمام إبطال ذلك ويرد ما أخذ إليهم أو
[3/ 88]

(3/88)


يجيز ذلك والجعل فيء. قال الأوزاعي: وإذا جاء رجلان بعلج فقال أحدهما أسرناه , وقال الآخر أمناه , قال: يوضع في لمقاسم ولا يقتل. ومن جاء بعلج فقال قد أمنته , قال: يصدق. ولو قال العلج قد أمنني أو لقيني على الطريق أريد إليكم فقال الرجل: لقيته على الطريق وما أمنته , فهذه شبههة ويجعل فيالمقاسم ولا يقتل. قيل: أيحلف؟ قال: إن كان متهماً , حلف , وإن كان من أهل الصدق لم يحلف.
وفي مثل هذا المعنى باب بعد هذا قد تكرر منه كثير.

في المسلم يأتي إلى الحصن يزعم أن الأمير أرسله إليهم بالأمان
بكتاب يخبر فيه أو بغير كتاب
فصدقوه وفتحوا الحصن وقد كذب لهم.
وكيف إن جاء رسول من الطاغية هل يصدق في نكث أو غيره؟

من كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا أرسل الأمير رسولاً مسلماً إلى حصن أو مدينة للروم في حاجة له , فأتاهم بكتاب افتعله أو بغير كتاب يزعم أن الأمير أرسله إليهم بكذا من أمانهم أو بأمر ذكره لم يؤمر به , ففتح الملك المدينة ودخل المسلمون فسبوا , فذكر الملك ما قال الرسول عن الأمير فأقام عدلين مسلمين أن الرسول قال ذلك فأنكر الأمير ذلك , قال: ذلك يلزمه ولهم الأمان ويرد عليهم ما أخذ منهم لأنه رسول له معروف , فليس عليهم أن يعلموا ما أمره كما لو نادى: إن هذا رسولي وجب قبولا قوله لأنه أمينه. وكذلك لو كان ذمياً أو مستأمناً , وإن كنا نكره إرسال الكفار في هذا. فأما إن لم يعرف أن الرسول قال لهم ذلك قبل الفتح بالبينة إلا بقبول الرسول بعد الفتح إني قلته لم يصدق على الإمام وهم فيء. فإن وقع للرسول منهم سبي لم يعتق عليه لأن ذلك القول لم يعقد لهم أماناً.
[3/ 89]

(3/89)


وقال أهل العراق: يعتقون عليه لأنه مقر أنهم أحرار , ولكن لا يتركون يرجعون إلى دارالحرب. وأما إن جاءهم بهذا رجل ليس برسول للأمير بكتاب افتعله أو قول بلسانه بمحضر عدلين مسلمين بما حكى من الأمان ونحوه ففتحوا الباب فسبوا فقاموا بذلك , فلا سبيل عليهم لأمهم شبهة , ويرد ما أخذ لهم من مال أو سبي , , ولا يعارضوا حتى ينبذ إليهم كما لو أمنهم مسلم عندهم فهو أمان. ولو ادعوا أنه قال لهم ذلك أو جاءهم بكتاب ولا بينة لهم فهم فيء. ولو قال لهم هذا الذي ليس برسول هذا القول ففتحوا لكانوا آمنين حتى ينبذ إليهم , ولا يصدقون أنه قال لهم ذلك إلا بشاهدين من المسلمين عدلين. ولو قال لهم رسول الأمير: إن فلانا القائد يؤمنكم , أو إن المسلمون يؤمنوكم – قال ذلك بمحضر عدلين- ففتحوا , فهم في أمن حتى ينبذ إليهم ومن أخذ لهم شيئاً رده. ومن أرسل إليهم من مسلم أو ذمي أو حربي بالأمان فبلغهم , ثم رجع إليه فأخبره , فليف لهم وهم آمنون. ولو أمنهم رجل مسلم من العسكر فهي شبهة وهم آمنون حتى ينظر الإمام فيجيز ذلك أو يرده. فإن رده فأرسل رجلاً عدلاً ليأخذوا حذرهم ورجع إليه فأخبره أنه بلغ عنه , فليصدقه ويحاربهم إن شاء , ورجلان عدلان أحب إلي في هذا. ولو بعث مسلماً غير عدل أو ذمياً فأخبرهم , فلا يغير عليهم المسلمون بهذا. وليس وليس نقض العهد والنبذ مثل الأمان الذي يكف عنهم به لأن في النبذ القتل والسبي. ولو أغر عليهم المسلمون بذلك فسبوا فقالوا ما علمنا ذلك ولا نبذ إلينا , فليرد ما أخذ لهم ويؤتنف إليهم النبذ , ومن كان قتل منهم فلهم ديته , وليبعث في النبذ عدلين. وإن بعث أجزأه.
وقال أهلالعراق: يرسل إليهم رجلاً في النبذ معه عدلان يشهدان على نبذه لأنه لا يشهد على فعل نفسه , فأنكر هذا سحنون وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث
[3/ 90]

(3/90)


إلى ملوك العجم فما بلغنا أنه أرسل بينة على رسله ولا عمل به الخلفاء. وإذا جاء رجل من عند الطاغية بكتاب إلى الأمير فيه: إني نبذت إليك وناقضتك العهد الذي بيني وبينك فلا يعجل حتى يبعث من قبله عدولاً إلى الطاغية ويخبره بما جاء عنه , ثم يعمل على ما يأتونه به.
وأهل العراق يقبلون ذلك إن جاء به حربيان ولا يقبلون واحداً لأنهم يجيزون شهادة الكفار عليهم ولا يجيزون شهادة ذميين ولا مسلمين غير عدلين , وهذا تناقض.

في من أمن على أن يدل على شيء أو يخبر بخبر فلم يفعل أو خدعهم
أو أمنوا حصناً على أن يعرض عليهم الإسلام ليسلموا ثم أبوا ذلك

من كتاب ابن المواز قال عبد الملك فيمن استأمن على أن يخبر فلم يخبر واستعجم وبان لدده , قال يكره أبداً على ما شرط , وهو كسرية أخذت لساناً فاستخبروه فتبين أنه أخبرهم بباطل تعمد التغرير بهم , أو لم يجدوا لما أخبرهم به أثراً فليحمل أمره على أنه عين على الإسلام أراد الغرة بهم , أو غرهم بقلة عدد فجاءهم أكثر منها , أو صرفهم عن طريق عدوهم ولولا ذلك ظفروا بهم , فهذا يقتل لأنه عين وجاسوس. وذكرها ابن سحنون في كتابه عن عبد الملك , فقال: إذا استأمن إلى العسكر ببلد الحرب على نفسه وأهل بيته على أن يدل على العورة والغرة فاستعجم ولم يخبر فما تبين عليه فيه الظنة والكتمان , فإنه يجبر على الخبر , فإما يبين للإمام وإلا رده إلى مأمنه حتى إذا ظهر أنه أخبر الإمام بكذب
[3/ 91]

(3/91)


قربه به إلى غرة أو صدفة عن طريق إلى ما يضر بالمسلمين فقد أخفر وحل دمه.
ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون في الحصن يحاصر , فقال رجل منهم: أمنوني على أن أدلكم على مائة رأس بقرية كذا أو مطمورة كذا , فأمنوه على هذا , فنزل فذهب بهم إلى قرية أو مطمورة فلم يجدوا شيئاً فقال كان ذلك بها وذهب , فإن علم كذبه وأنه لم يكن لذلك أثر فلا أمان له وهو فيء , وإن شاء الإمام قتله. وإن لم يتبين كذبه وتبين أنه كان ثم شيء فذهب فله الأمان حتى يرد إلى مأمنه. وكذلك لو فتحوا حصنه لردوه إلى مأمنه من أرضه. وكذلك لو كان في شرطه: فإن لم أدلكم فلا أمن لي فإنما يكون فيئاً إن تبين أنه غرهم. وكذلك لو كان عند المسلمين أسير شرط أن يؤمن على أن يدلهم على مال فدلهم عليه فلا ينبغي , وهو كفداص الأسير بالمال , فإن نزل ذلك وفى له. وإن لم يوجد ما قال وتبين أنه غرهم فللإمام قتله أو استرقاقه. إن تبين أنه لم يغرهم فهو أسير كان للإمام قتله إن شاء إذا لم يأت بما شرط. قال أبو محمد: يريد إذا لم يكن أبقى للاستحياء.
قال الأوزاعي: ولو قال: أدلكم على عشرة فدلهم على خمسة , قال: يخلونه ولعله قد جرى فيه حدث. وقال غيرهم لا يخلى حتى يدل على عشرة.
قال سحنون: ونحن ننهي عن هذا لأنه من فداء الرجال بالمال. فإن نزل وفي له إن دل على عشرة. فإن دل على أقل لم يطلق. ولو شرط من حصنه أمانه على الدلالة على عشرة غدل على أقل منها , فإن دل على أكثرها فهو آمن. وإن دل على خمسة فأقل فلا أمان له ويرد إلى مأمنه إن تبين أنه لم يغرهم. وإن نزل فقال

[3/ 92]

(3/92)


لا أدلكم على شيء فهو فيء وللإمام أن يقتله أو يسترقه. ولو شرط إن لم أدلكم على ما ذكرت فأنا فيء فلم يف فهو فيء وليس للإمام أن يقتل هذا. وإن وفى فله شرطه , وكذلك في هذا. وإن تبين أنه لم يغرهم حين لم يجد شيئاً فإنه فيء لأنه لم يشترط إن لم أجدهم وزالوا فلا سبيل علي. وكذلك إن قال إن لم أف فأنا ذمة لكم فهو كما قال.
وإذا قال لهم أهل حصن: نفتح لكم على أن تعرضوا علينا الإسلام فنسلم فرضوا وفتحوا فعرض عليهم الإسلام فأبوا فليجبروا على الإسلام أبداً بالسجن والضرب ونحوه. ولو كان في الشرط: فإن لم تسلموا فلا أمان لكم , كانوا فيئاً إن لم يسلموا , واللإمام قتل من شاء من رجالهم. وإن أسلم بعضهم فهم أحرار والباقون فيء. ولو هذا علج فنزل فعرض عليه الإسلام فأبى فليجبر عليه من غير قتل ولا يرد ولا يسترق. وإن شرط عليه إن لم تسلم فأنت فيء فرضي فهذا إن لم يسلم فيء وللإمام قتله. ولو أسلم فقد صار فيئاً بامتناعه , ولا ينتظر حكم الإمام أنه فئ ولكن يبقى رقيقاً ولا يقتل. وإن قال أمهلوني حتى أنظر لم يمهل إلى أجل , وإما أسلم أو صار فيئاً كما لا تؤخر المملكة.
وقال غيرنا: يؤخر ثلاثاً كفعل عمر في المرتد , وتأخير المرتد لم ير مالك أنه أمر لازم ونحن نستحسنه. وقال قبل هذا سحنون: يؤخر المرتد. قال: وإن سكت في عرض الإسلام عليه ولم يتكلم فليعرفه الإمام أنه إن لم أسلم فأنه فيء فله شرط ويحسب من ساعة قال أسلم إلى مثل تلك الساعة من اليوم الرابع. فإن لم يسلم صار فيئاً ولا ينتظر فيه رأي الإمام. ولو قال على أن أسلم إلى ثلاثة أيام , فهذا إن مضت ولم يسلم جبر أبداً بالضرب والسجن حتى يسلم. ولو قال على أني إن أسلم إلى ثلاثة أيام فأنا عبد لكم , فهذا إن لم يسلم فهو عبد ولا يقتل , وإن أسلم كان حراً. وكذلك إن قال أكون لكم ذمة فهو كذلك , وكذلك أهل الحصون.

[3/ 93]

(3/93)


وإن نزل على أن يدلهم على مائة رأس في قرية ويؤمنوه فدلهم على قرية قد كان المسلمون يعرفونها أو رأوا ما فيها , فإن عرف أنه لم يعلم بذلك ولم يغرهم فهي شبهة ويرد إلى مأمنه. وإن كان بذلك عالماً فهو فيء إلا أن يدلهم على قرية أخرى. وإذا وصف لهم مكان القرية ولم يذهب معهم فقد وفي. وكذلك لو ذهب معهم فعرفها المسلمون قبل أن يصلوا إليها.
ولو نزل على أن يدلهم على بطريق بأهله وولده وإن لم يفعل فلا أمان له , فنزل فوجد بطريقاً قد أخذه المسلمون قبل نزوله أو بعد أو عرفوا موضعه ولم يأخذوه فقال: هو الذي وعدتكم , فإن عرف صدقه رد إلى مأمنه. وإن لم يعرف , فهو فيء إلا أن يدلهم على بطريق آخر بأهله وولده لم يعلموا به. فأما إن وصف البطريق الذي شرط أن يدل عليه قبل نزوله المدينة أو الحصن , فلما نزل وجد أنهم قد علموا بذلك قبل نزوله أو بعد , فقد تبين أنه لم يغرهم لأنه شيء بعينه وليس عليه أن يدلهم على غيره , وليرد إلى مأمنه. ولو كان ذلك بغير عينه , فإما دلهم على ما قال وإلا صار فيئاً إلا تتبين براءته فيرد إلى مأمنه. ولو دلهم على قرية كان دخلوها مرة ثم أشكل عليهم الآن مكانها فهي دلالة تامة. ولو نزل على أنه إن لم يدل حل قتله لزمه ذلك.
قلت: لم ذلك وأصل نزوله على أمان؟ قال: قد نزل أهل خبير على النبي صلى الله عليه وسلم على أنهم إن كتموا مالأ , حلت دماؤهم , فظهر على ما كتموه فاستباحهم بذلك. قال سحنون: وإذا قال الإمام لأسير من العدو دلني على حصن كذا وأخليك فدله , قال: يرسل ويوفى له بشرطه , ثم رجع فقال: لا يخليه لهذا , وكأنه فدي الرجل بمال , وإنما له أن يفادي به أساري المسلمين. ولو ضل عن الطريق , فدله علج أسير على أن يطلقه جاز هذا وكانه فادى به المسلمين حين خاف على هلاكهم. وكذلك من ضل عن العسكر فأسر علجاً ثم قال له: دلني على الطريق ونخليك , فذلك جائز ولا يشبه الفداء بالمال , وكأنه فدى نفسه به حين خاف أن يؤسر.
[3/ 94]

(3/94)


في أهل الحصن يؤمنه أحد أهل الجيش على مال أو على غير مال
أو يؤمن رجلاً منهم على أن يدخل العسكر ويرجع
وكيف إن كان أماناً إلى أجل؟
وكيف إن كان الإمام قد قدم النهي عن ذلك؟
من كتاب ابن سحنون عن أبيه: ولا ينبغي لرجل من العسكر أن يؤمن أهل الحصن الذي حاصروه ولا رجلاً منهم بغير إذن الإمام , فإن فعل فهي شبهة , وللإمام رد ذلك أو من إمضاؤه على النظر , وله تأديب من فعل ذلك إلا أن يؤمن أحد رجلاً لصلاح رآه من وعده إياه أن يدله على عورة أو يفتح لهم الحصن ويخا فوات ذلك إلى إذن الإمام فأمنه على النظر فيعذر بذلك , ثم للإمام إمضاء ذلك أو رده ويردهم إلى مأمنهم. ومن أمن حربياً بمال أخذ منه على أن يدخل العسكر فيلقي رجلاً ثم يرجع إلى حصنه فأخذ في العسكر فهو آمن حتى يرجع إلى حصنه , والمال المأخوذ فيء. وإن فتح الحصن قبل أن يرجه فله الأمان حتى يرجع إلى مامنه من بلد الحرب والمال فيء. وكذلك لو رجل الحصن المحاصر على مال أخذه فللإمام إمضاء ذلك والمال فيء , أو رد الأمان ورد المال إليهم وينبذ إليهم قبل القتال.
وإذا نودي في الجيش بأمر الإمام أن من أمن أهل الحصن أو رجلاً منهم فأمانه باطل , ففعل ذلك رجل من الجيش على جعل أو على غير جعل ولم يعلم أهل الحصن بنهي الإمام فهي شبهة وهم آمنون , ويؤدب من فعل ذلك , ثم للإمام رد ذلك أو إجازته. ولو كان الإمام بين ذلك لهم , ثم قبلوا أمان المتعدي فأتوا فهم فيء. وكذلك ما رد الإمام من هذا الأمان فعلموا برده ثم نزلوا بعد ذلك فهم فيء. وكذلك لو أمنهم رجل فرد الإمام أمانه فعلموا بذلك ثم نزلوا , أو تقدم إليهم الإمام أن لا أمان لكم بأمان من يؤمنكم ثم أمنهم رجل فنزلوا فهم فيء. ولو
[3/ 95]

(3/95)


ثم مثل هذا لم يفتح حصن أبداً بأمان فاسق من الفساق , إذ كلما نقضنا ذلك عليه عاد فأمنهم , ولكن إذا قال الإمام لا أمان لمن أمنكم حتى أومنكم فهذا كالنبذ إليهم.
ولو جاءهم رجل فقال: أرسلنى المير بأمانكم فنزلوا على ذلك وقد كذب الرجل , فهؤلاء يردون إلى مأمنهم إن كان يرسل في مثل هذا. وأما لو قال: لا أمان لمن أمنكم برسالة أو غيرها حتى آتيكم أنا فأؤمنكم فهؤلاء إن نزلوا بتأمين رسول فهم فيء إلا يصح أن الرسول من قبله , فهذا كرجوعه ولهم الأمان بذلك. وكذلك لو قال لا لكم إن أمنتكم ثم أمنهم. ولو أن رجلا وادع قوماً من أهل الحرب سنة على ألف دينار أخذها منهم , فالإمام مخير فإما امضى ذلك وجعل المال في بيت المال وإلا أبطل ذلك ودر إليهم المال ونبذ إليهم. إن لم يعلم مضت السنة أمضى ذلك وجعل المال في بيت المال , وله تأديب من فعل ذلك. وإن مضى بعض السنة فطلب الإمام أخذ حصة ذلك فعلى قياس قول سحنون إن كانت المنفعة قد وصلت اليهم بالموادعة فذلك له. وإن لم يمض إلا الأمر اليسير لا منفعة فيه فليرد جميع المال إن أبطل الموادعة. وإن وادعوهم ثلاث سنين في كل سنة بألف فمضت سنة , فله أن يحبس ألفاً لما سمي. ولو وادعهم الإمام ثلاث سنين فليس له نقض المودعة. وأعاب قول من رأى ذلك وقال: يقول الله سبحانه: " فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ".

في السرية تؤمن الحصن ثم تأتيهم سرية أخرى
وهل تدخل سرية فيما غنمت الأخرى؟
وذكر الدعوى في الصلح في ذلك
من كتاب ابن سحنون عن أبيه: وقال في السرية تحاصر حصناً , ثم يصالحهم أهل الحصن على مال على أن يؤمنوهم حتى تخرج السرية إلى بلد

[3/ 96]

(3/96)


الإسلام , ورأوا ذلك نظراً لامتناع الحصن ولما خشوا في انصرافهم عنهم من غير أمان , قال ذلك جائز ولا بأس أن تغير السرية على غيرهم , وأما هم فلا يغربوا لهم سرحاً ولا شيئاً من أموالهم إلا ما أخذوا قبل الصلح ثم إن دخلت سرية أخرى فلا يعرضوا لأهل الحصن إن شهد عدلان بالصلح قهم أمان لهم من جميع المسلمين حتى تخرج السرية الأولى إلى بلد الإسلام , وذلك كالأجل. وكذلك لو قالوا إلى أربعة أشهر , إلا أن ينقص أهل الحصن ذلك ويقولوا نحن ننفض ذلك الصلح وننابذكم الحرب فلهم أن يقاتلوهم. فإن ظفروا بالحصن ثم اجتمعوا مع السرية الأولى ونصراً لها لقلة عددها وخوفاً عليهم , وكانت كل سرية مأمون عليهم أن تقدر على التخلص من بلد الحرب من غير حاجة إلى صاحبتها.
فأما إن كانت كل سرية لا تؤمن عليها لو انفردت ولا فيها مقدار على التخلص من بلد الحرب دون الأخرى , فكل ما غنمت كل سرية قبل أن تلتقيا أو بعدما التقيا بينهما , وإذا لم ينقض أهل الحصن ذلك لم يكن للثانية قتالهم وإن ردوا إليهم ما أخذ منهم الأولون إلا أن يرضى أهل الحصن بذلك , فلا ينبغي للمسلمين أن يردوا إليهم شيئاً ولا يعطوهم على النقض مالاً. فإن جهلوا فأعطوهم ونقض أهل الحصن ذلك وقاتلوهم فظفر بهم المسلمون , فإن كانت كل سرية نجاتها بالأخرى فللأولى الدخول معهم فيما غنموا , ولا يأخذوا ما ردوا إليهم من الغنيمة. وقال غيرنا: يأخذونه من الغنيمة , وهذا غلط لأن ما فعلوا خطأ ولم يؤدوه على أن يرجعوا به على أحد. ولو غرموه من غنيمة أخرى لم يرجعوا به. وإن لم تلتق السريتان حتى خرجوا من أرض الحرب سلم لكل سرية ما أخذت , ولم يرجع الذين ردوا إلى الحصن ما ردوا بشيء على الأولى. ولو اجتمعتا بأرض الحرب فإن كان نجاة بعضهم ببعض دخل بعضهم فيما غنم بعض. ولو لم تغنم الثانية شيئاً
[3/ 97]

(3/97)


لدخلوا فيما غنمت الأولى إن كان بهم نجاتهم , ولا يرجعون بما ودوا من أموالهم. ولو غنموا من غير الحصن بعد ردهم المال على أهل الحصن فلا يأخذونه مما غنموا , وودوه من أموالهم أو مما غنموا. ولو أن الثانية لم تصدق أهل الحصن في الصلح ولم يجدوا بينة فقاتلوهم وظفروا بالحصن ثن صح عندهم الصلح فليردوا عليهم ما أخذوا , وديات من قتلوا على عواقلهم. وإن عرف كل قاتل فعلى عاقلته ديات من قتل في قول أشهب. وفي قول مالك: إنما الديات على جميع اهل السرية عرف القاتل أو جهل لأنه إنما قوي بمن معه.
ولو أن أهل الحصن قالوا للسرية الأولى: امنونا أنتم على مال أعطوهم على أنا آمنون حتى تخرجوا من بلدنا فهذا والأول سواء. ولو قالوا على أن لا تهيجونا وتكفوا عنا حتى تخرجوا من بلدنا , فهذا لمن جاء بعدهم من السرايا أن يقاتلوهم ويغنموهم لأن هذا أمان مخصوص من هؤلاء خاصة , ولمن صالحهم أيضاً ان يسري على غيرهم , ولا ينبغي لأهل لسرايا أن يؤمنوا الحصون على مال إلا ان يؤمنواالحصون على مال إلا ان يأمرهم بذلك الإمام الكبير , لما جاء في ذلك من زوال الجهاد إلا لعذر أو ضرورة. فإن فعلوه لغير ضرورة لم ينقض إلا ان ينقضه الإمام الكبير.
وإذا أمنتهم السرية الأولى حتى يخرجوا إلى بلد الإسلام فلا يهيجهم غيرهم. فإن خرج بعضهم فإن كان خرج الأمير والقوم الذين لهم المنعة حل قتال الحصن لغيرهم. ولو أصيبت السرية الأولى فقتلوا ولم يخرجوا فالأمان قائم إلى مقدار ما لو بقوا لخرجوا في مثله. وإن قتل بعضهم فإن لم يبق إلا الرجل والرجلان ومن لا منعة لهم فقد زال الأمان , يريد إلى تلك المدة. وإن بقي من لهم المنعة فالأمان قائم. قال الوزاعي في أهل ملطية لأن أهل ملطية لم يؤمنوهم من مدد , والروم هم , إلا أن يشترطوا عليهم أن تؤمنونا أنتم أيضاً من مدد رجالكم , وقاله سحنون.
[3/ 98]

(3/98)


قال سحنون: ولو لم يقع الصلح إلى خر3جهم ولكن على أن امنوهم هذه السنة فذلك لهم أمان من جميع المسلمين , والسنة على سني المسلمين. وإنما لهم ما بقي منها إلى آخر ذي الحجة , بقي منها شهر أو أكثر. ولو قالوا: إنما صالحناكم على ما نحسب نحن عليه فالقول قولهم لأنهم طالبوا الأمان فذلك لهم على عرفهم يحسب. وإن قالوا: نحسب سنة من يوم الصلح لم يندر إلى قولهم لأنهم قالوا هذه السنة.
ولو قالوا: أردنا حتى ترجعوا من صائفتكم لم يقبل منهم حتى يثبتوا ذلك في الصلح.
ولو قالوا: على سنة أوتنف لهم أثنا عشر شهراً بخلاف قولهم: هذه السنة , وهذا أمان مطلق من جميع المسلمين. ولو حاصروهم فأمنوهم سة على ألا يقاتلوهم ولا يغيروا عليهم فهو أمان من هذا العسكر خاصة. وإن صالحوهم على مال ولم يوقتوا فهذا أمان منهم ومن غيرهم إلى خروخ هذه السرية من بلد الحرب.
ولو أرسل إليهم الإمام من بلد الإسلام من يصالحهم على الأمان ولم يوقت فهذا على التأبيد بخلاف عقد السرية , وليس للإمام أن ينكث عليهم وإن رد المال الذي أعطوه إلا أن يرضى أهل الحصن بأخذه على انقض. ولو بعث الخليفة عسكراً من المصيصة وآخر من ثغر ثالث , فبعث أهل الحصن إلى أحد هذه العساكر قبل أن يصل إليهم أحد من العساكر مالاً على أن يؤمنوهم حتى يرجعوا من هذه الغزاة ففعلوا , فللعسكرين الآخرين قتالهم في قولنا.
[3/ 99]

(3/99)


وقال غيرنا: لا يعرضون لهم أجمع حتى يخرجوا إلى بلد الإسلام لأن إماماً واحداً بعثهم. قال ابن سحنون: بل لكل عسكر حكمه كما ينفرد بغنيمته عن الآخر , ولكل عسكر أمير لا طاعة له على الآخر. وجامعونا على أن ذلك لو كان بعد وقوف هذا العسكر إليهم أن هذا أمان من هذات العسكر خاصة. قالوا: فأما قبل وقوفه بهم فهو أمان من الجميع حتى يقولوا: أمنونا منكم خاصة فيقصر عليهم. قال سحنون: ذلك سواء.
قال سحنون: ذلك سواء.
قال سحنون: ولو دخل الخليفة في أحد هذه العساكر فكان إرسالهم بذلك إليه فرضي فذلك أمان من جميع العساكر حتى ينصرفوا لهذا الحصن خاصة. ولو كان الإرسال من الطاغية فقال أمنونا على كذا كان أماناً لجميع مملكته.
قال سحنون: ونحن نكره هذه الأمانات من السرايا ومن الأمير الأكبر , وكذلك نكرهه أيضاً من الخليفة لما في ذلك من توهين أمر الجهاد إلا لعذر. فإن نزل لغير عذر , مضى إلى مدته. وإذا أمنت السرية حصناً أربعة أشهر على مال أخذوه فليس لغيرهم قتالهم في الأجل إلا أن يرضى أهل الحصن بإسقاط العهد والحرب على أن يعطيهم هؤلاء ما ودوا إلى الأولين , أو على غير شيء يأخذزنه منهم فذلك لهم. فإن ظفروا بهم فليس لهم أخذ ما ودوا إليهم من الغنيمة. وإن عرفوه بعينة. ولو لم يقدروا عليهم بعد أن أعطوهم المال ثم مضوا إلى داخل أرض الروم فأتت سرية ثالثة فلهم قتالهم في الأجل وبعده. فإن ظفروا لم يدخل معهم من تقدم من السرايا في الغنيمة إلا ألا يقدروا على الخروج إلا بهم , وإلا فلا يدخلون معهم , وليس للسرية الثانية أخذ ما ردوا من هذه الغنيمة أصيب بعينه أو لم يصب
[3/ 100]

(3/100)


كل ما ردوا بأمر الإمام أو بغير أمره , ولكن إن ردوه بأمره فليرده عليهم من بيت المال.
قال: ولو لم يأتهم أحد غير أن السرية الأولى رجعت إليهم في الأجل فراضوهم على رد المال والحرب ثم ظفروا بهم فلا يأخذوا ما ودوا , وعليهم الخمس فيما أصابوا. وإن دخلت عليهم سرية أخرى فلا يشاركوهم إلا أ، يضعفوا , يريد عن التخلص. ولا ينبغي للإمام موادعة الروم سنة إلا لأمر يعرض فيجوز , ثم يكون ذلك المال كالخراج لا خمس فيه.
قال أبو محمد: أعرفه لا خمس فيما يصالح به , يريد ولو كان صلح بعد دخول أهل الحرب , فصالحوا حصناً على مال فينبغي أن يكون فيه الخمس , قاله سحنون في موضع آخر.
وقال ابن حبيب: لا خمس فيه كالجزية , قال ولو وادعهم , ثم تبين له أن ذلك خطأ وضرر بالمسلمين فلا ينبغي أن ينبذ إليهم حتى يرد عليهم ما أخذ ثم ينابذهم. وكذلك إن تبين ذلك لمن بعده , ولا سحبس من المال شيئاً بقدر ما مضى من الأجل بل يرده كله , ثم ليس له أخذه من الغنيمة تكون منهم. ولو ودت السرية الثانية إلى الحصن المال , يريد: ما صالحتهم عليه الأولى ودوه بغير أمر الإمام ولا بأمر أمير السرايا ولكن بأمر أميرهم , ثم حاصروه ثم جاءتهم سرية ثالثة ففتحت السريتان الحصن فالغنيمة بينهما بعد الخمس , ولا تأخذ الثانية ما ودت لأهل الحصن من الغنيمة.

[3/ 101]

(3/101)


في المرراوضة على الأمان والتداعي فيه
وهل يقبل فيه قول الرسل والوسائط؟
وهل يكون ما يترجم الترجمان يعمل عليه؟

قال ابن سحنون عن أبيه: وإذا حصر المسلمون حصناً فأنزلوا منهم عشرة ليوافقونا على الأمان ورضي أهل الحصن والطاغية بما حكم العشرة , فنزل العشرة وسألوا المسلمين ترك السبي فأبوا اتفقوا معهم على أن أمنوا العشرة خاصة في أنفسهم وأموالهم وعيالاتهم وكتبوا بذلك كتاباً أشهدوا فيه ومضوا , ففتحوا الحصن ودخل المسلمون فسبوا , فقال الطاغية وأهل الحصن: إنما قال لنا العشرة إنكم أمنتم السبي فأنكر ذلك العشرة أو أقروا , أو شهد مسلمان أنهم قالوا لهم قد أمنوا السبي , فهذا كله لا ينفعهم وعقد العشرة قد تم لرضى الطاغية أولاً بما عقدوا عليه وعلى أهل مملكته , ورضاه وحده كاف لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما كان يكاتب سيد القوم والرؤساء لا العامة , ويصير كل من في الحصن وكل ما فيه فيئاً غير العشرة وأموالهم وعيالهم , وهم مصدقون في عيالهم وأموالهم إلا أن يأتوا بأمر مستنكر. وكذلك لو أخذ الطاغية وأهل الحصن الأمان حتى يرجع إليهم العشرة فذلك سواء.
ولو أخذ الطاغية وأهل الحصن الأمان حتى يرجع إليهم العشرة فيخبروهم بما عقدوا فيرضى ذلك الطاغية أو يرده , فقال العشرة د أخبرناه بما كان ورضي به وقال هو لم أرض فلا يلزمه قول العشرة إلا ببينة. ولو أرسلهم للمقاضاة فقاضاه العشرة على أمر فقال الطاغية أرسلتهم على غيره وقال العشرة بل على ما عقدنا عليه أرسلنا فالقول قولهم لأنهم رسله , إلا أن يشهد للطاغية بينة مسلمون بما أمرهم به فليرد فعل الرسل. ولو نزلوا على تعريف الطاغية ليرضى فقالوا أخبرناه فرضي وأنكر هو الرضى فلا يصدقون عليه. فإن فات في الحصن كسر ونهب ردوا إلى مأمنهم وغرم المسلمون ما أخذ لهم وقيمة ما نهب لهم , ولا تقبل شهادة العشرة
[3/ 102]

(3/102)


عليه بالرضى وإن شهدوا بعد أن أسلموا. وكذلك لو شهد بعضهم أن بعضهم أخبره بالصلح فرضي.
ولو أن العشرة أخبروا الطاغية وأهل الحصن بالصلح على خلاف ما راضاهم عليه المسلمون وقالوا إنهم أمنوا السبي فصدقوهم , فهذا والأول سواء ولا يعرض لما في الحصن من سبي ولا غيره. ولو أن الطاغية وأهل الحصن رضوا بهذا الصلح الذي هو بخلاف ما عقدوا عليه فقال المسلمون نحن نسلم لكم السبي ونأخذ ما بقي لأنكم رضيتم به وفتحتم عليه وقال الطاغية والقوم لا نرضى به الآن أو علمنا أن الصلح لم يقع عليه , قال يلزمهم ذلك إذا رجع المسلمون إليه , ثم رجع فقال: لا يلزمهم وهم آمنون حتى ينبذ إليهم إن كانوا في منعه ويردوا إلى مأمنهم , كالمأمور ببيع سلعة بما رآه فباعها بخمسة عشر ثم أخبر ربها فرضي ثم ظهر أن البيع بثلاثة عشر فلم يرض فقال المبتاع: فإنا نؤدي خمسة عشر فأبى البائع فذلك له.
ولو بعث الإمام مع العشرة رجلاً مسلماً يشهد إخبارهم إياهم بالصلح فقالوا إنما قال لنا العشرة أمنوكم على السبي وصدقهم العشرة وقال الرجل كذبوا بل أخبروهم كيف كان الصلح أنه على أمان العشرة خاصة وأموالهم وأهليهم , فلا يجوز قول هذا المسلم لأنه واحد وأهل الحصن على أمانهم. ولو كانا رجلين جازت شهادتهما إن كانا عدلين , وصاروا كلهم فيئاً إلا العشرة , وتجوز شهادتهما وإن كان لهما في الغنيمة نصيب , كما لو شهدا أن ذمياً سرق من الغنيمة شيئاً إلا أن تكون الغنيمة جريدة خيل مما يصيب كل رجل منه ما له قدر كثير ومال عظيم فلا تجوز شهادتهما , ولا تجوز في هذا شهادة رجل وامرأتين ولا شهادة أهل الذمة
[3/ 103]

(3/103)


وإن بعث الإمام بكتابه مسلمين عدلين مع العشرة فشهدا أن الطاغية قرأ الكتاب ورضي جازت شهادتهما ونفذ الأمر على ذلك , فإن لم يعرفا لغة العلج وقالا قرىء عليه مترجماً فرضي لم يجز حتى يعرفا لسان المترجم. ولو قالا لم نجتمع مع الطاغية وقد جاءا من عنده بكتاب مختوم لم يقفا على أنه كتبه وأرسله , فلما فتح الحصن أنكر هو ومملكته الكتاب وقالوا مفتعل فهم على أمانهم ولا يلزمهم ذلك صدقهم العشرة أو كذبوهم.
وكذلك لو كاتب الإمام ملكهم الأعظم على مثل قسطنطينية أو عمورية ولم يدخل إلى نفسه أحداً من المسلمين , وكتب بالصلح إلى ملكهم كتاباً وأمره أن يكتب إليه بما يرضى به , وكتب الطاغية الجواب وطبعه ولم يشهد على نفسه أحداً من المسلمين لا الرسل ولا غيرهم بأنه كتابه ولا حضروا طبعه , فأتى الكتاب فقرأه الإمام وفيه الرضى بالصلح , فلما دخل المسلمون المدينة أنكر الطاغية الكتاب وما فيه وقالوا إنما رضينا بترك السبي , فلا يجب أن يستباحوا بهذا وهم على أمانهم. ولو حضر الرسولان كتاب الطاغية وطبعه إياه لجاز قولهما عليه.
قال سحنون: وربما تبين لي أن تقبل شهادة رسول واحد في هذا فيما أتى به عن الطاغية. قال أبو محمد: ويدل على قول سحنون هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث الواحد بكتابه وأوامره فيقبل ما يأتي به. وقال: اغد يا أنيس على امره هذا فإن اعترفت فارجمها , فكأنه شيء ولاه إياه من نقل خبر إليه أو عنه وإنفاذ أمر ونحوه. قال سحنون: ولو بعث الأمير عشرة مسلمين بكتاب النبذ إلى ملكهم فقرىء عليه وترجم له الترجمان وترجم عنه ولا يدرون هل بلغ عنه الترجمان الحقيقة فجاؤوا بالجواب على هذا , قال: فهم على أمنهم حتى ينبذ إليهم ويعرف الرسل أن ذلك بلغ إليهم بالحقيقة.
[3/ 104]

(3/104)


ولو أن مسلماً جاء بمشرك إلى الأمير , وهو يحاصر الحصن فقال قد كنت أمنت هذا فلا يصدق حتى يشهد شاهدان سواه بذلك , ثم قال سحنون بعد ذلك: أو يشهد شاهد معه أنه إنما جاء به على أمان متقدم.
واستحب بعض العراقيين ألا يقبله والإمام بخلاف ذلك , والإمام لا يسأل البينة على فعله , وغيره يكلف عدلان بما فعل. وكان سحنون ربما قال هذا وربما قال غيره.

باب في مسائل الأمان بمعان مختلفة
من كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا قال المسلمون لأهل حصن للعدو: أخرجوا إلينا أربعة نفاوضهم على الأمان فخرج إليهم عشرون. فإن خرجوا بإرسال من الطاغية فالأمان لأربعة يختارهم الإمام فيردهم , والباقون فيء ولا يقتلون. فإن خرجوا بغير إرسال منه ولا اختيار من أهل الحصن فهم كلهم فيء: إن شاء الإمام قتلهم أو أبقاهم , وليس كل من خرج تجوز مقاضاته. ولو جاز أن يخرجوا بغير إذن الطاغية فتجوز مقاضاتهم لجاز لو خرج عبد أو مجنون قاضيناه.
وأما لو قال: من فتح الباب فهو آمن ففتحه عشرون معاً فهم آمنون لأن هذا أمان مقصور على من بادر الباب , والأول يوجب أمان الجميع فلا يكون إلا عن رأي الطاغية. ولو قال لهم الإمام: عشرة منكم آمنون على أن يفتح لنا الباب , ففتح ودخل المسلمون , فيختار الإمام منهم عشرة يؤمنهم ليسوا من أراذلهم وعبيدهم وصبيانهم , وأحب إلي أن يكونوا من خيارهم , ولا شيء لهم في أموالهم وعبيدهم ونسائهم وذراريهم. ولو كانوا هم القائلين نفتح الباب على أن شرة منا آمنون كان اختيار العشرة لهم ويختارون برؤوسهم دون من لهم من عبيد ونساء وذرية ومال , ولا يترك لهم إلا ما عليهم , ولهم أن يجعلوهم عبيداً أو أحراراً نساءً أو رجالاً , فإن اختلفوا فيمن يختارونه أقرع بين جميعهم في ذلك.
واو قال الإمام: يخرج إلينا هؤلاء الأربعة وهم آمنون نراوضهم على الصلح , أو قال نراوضهم ولم يذكر أماناً ولا مراوضةً , فهو أمان عندنا للأربعة.
[3/ 105]

(3/105)


وقال أهل العراق وإذا قال: تخرجون فقط فله قتلهم. قال سحنون: بل ذلك يشبه الأمان. وكذلك لو قال: يخرجون إلينا نبايعهم كان أماناً. ولو خرج غير الأربعة المشار إليهم كانوا فيئاً. ولو خرج أربعة فأشكل علينا هل هم أولئك أو غيرهم فيسألون فإن قالوا نحن هم صدقهم الإمام بلا يمين. وإن قالوا نحن غيرهم كانوا فيئاً. ولو خرج عشرون كل واحد يقول أنا من الأربعة كانوا كلهم آمنين. وكذلك لو دخل عشرة إلينا ثم لحقهم مثلهم فلم يعرف الأولون.
ولو قال أمير الحصن أفتح لكم الباب على أني آمن على عشرة من الحصن أو على أن لي عشرة آمنين أو على أن تؤمنوا لي عشرة , كان هو وعشرة يختارهم آمنين في أنفسهم وأموالهم , وهو كقوله أمنوني وعشرة أو أمنوني على عشرة منهم. وإذا قال أفتح لكم على أن لي عشرة آمنين من أهل هذا الحصن فله عشرة يختارهم سوى نفسه , فيكونون هم آمنين وأموالهم لهم وهو آن معهم.
وقال بعض أهل العراق مثله إلا في حرف واحد , فإنه قال إن اختار نفسه فيهم كان آمناً , وإن اختار عشرة غيره كان فيئاً.
وروي أن أبا موسى حاصر حصناً فقال له صاحب الحصن أمن لي عشرة من أصحابي وأفتح لك , فرضي أبو موسى وقال له آعزلهم , فعزل عشرة ونسي نفسه فقتله.
قال سحنون: ولسنا نأخذ بهذا لأن مخرج ذلك أنه لم يأخذ ذلك لهم إلا وذلك له أوكد. وأمن عمر مع الهرمزان بأقل من هذا.
ولسحنون قول آخر أنه يكون عاشر تسعة منهم يختارهم أهل الحصن فيكونون آمنين وقاله بعض العراقيين , إلا أنهم قالوا يختارهم إمام المسلمين. ولو قال: على أني آمن وعشرة فهذا يكون هو وعشرة آمنون. وقال سحنون: الخيار في العشرة لصاحب الحصن.
[3/ 106]

(3/106)


وقال أهل العراق: الخيار فيهم لأمير الجيش. وكذلك لو قال على أن تؤمنوني مع عشرة , كان هو وعشرة يختارهم هو آمنين. وفي القول الآخر يختارهم الإمام.
قال: ولو قال أمنوني مع عشرة من أهل بيتي فهو آمن مع عشرة من أهل بيته يختارهم , وفي قوله الآخر هو وتسعة يختارهم. وكذلك في عشرة من بني أبي في اختلاف قوله. وأما إن قال في عشرة من إخوتي فهو أبين أن يكون هو وعشرة من إخوته يختارهم هو لأنه لا يحسن أن يقال للرجل هذا من إخوته. ويقال هذا من بني أبيه.
ولو قال رأس الحصن أمنوا عشرة من إخوتي أنا فيهم أو أمنوا عشرة من ولدي أنا فيهم , أو قال من أهل بيتي أو من حصني أنا فيهم , أو قال في ذلك كله أنا أحدهم , فهو سواء وهو حادي عشر ممن قال , وهو ومن اختار آمنون , يعني ولهم أموالهم. قال وليس يؤخذ الأعاجم إلا بظاهر قولهم , ولا يحمل عليهم المعاني المنصرفة في اللغة , يريد ولكن بما يعرف أنهم قصدوا إليه. وقد كان يقول في قوله أنا فيهم أو أنا أحدهم أنه عاشر عشرة , وهذا بخلاف قوله أمنوا عشرة من إخوتي أنا فيهم , أو من ولدي أنا فيهم , لأنه لا يقال إن الرجل من إخوته ولا من ولده , ويجوز أن يقال إنه من أهل حصنه ومن أهل بيته.
وإذا قال أمنوني في عشرة من ولدي أو قال من بني فهو آمن وعشرة غيره يختارهم هو من بنيه كانوا ذكوراً أو إناثاً , وله أن يختار من الذكور ومن الإناث أو من ولد البنين إن شاء , ولا يختار من ولد البنات , وله أن يدع الذكور ويختار الإناث أو من ولد الولد دون الولد.
وقال بعض أهل العراق وإذا قال في عشرة من بني وكلهم إناث فذلك باطل ولا يؤمن إلا هو وحده لأن البنات لا يقال لهم بنين.
[3/ 107]

(3/107)


قال سحنون هذا لو كان المستأمن من العرب أو ممن يعرف كلام العرب ومعانيه فأما العجم فلا يفرقون بين هذه المعاني وهم يذكرون المؤنث وؤنثون المذكر والبنات عندهم ينون وإنما يؤخذ في ذلك بمعانيهم. وكذلك في الإخوة والأخوات على هذا. ولو قال في عشرة من إخوتي لم يدخل في ذلك بنو الإخوة في لسان أحد من الأمم. ولو كان له أخوات لم يدخلن عندي في الإخوة إلا أن يكونوا عجماً لا يفرقون بين الإخوة والأخوات , ويجري الأعمام والعمات وبنوهم مجرى ما ذكرنا. وكذلك الأخوال والخالات وبنوهم.
ولو قال على أن تؤمنوني في عشرة من أصحابي أو قال موالي أو عبيدي فهو مع عشرة منهم يختارهم آمنون. ولو نظر الإمام إلى فارس منهم فقال له أنت آمن في عشرة من فرسان الحصن إن فتحت الباب فهو مع تسعة من الفرسان آمنون. وفي قوله الآخر: فهو وعشرة آمنون , والخيار لصاحب الجيش لأنه هو مبتدىء ذكر الأمان. ولو قال في عشرة من الرجالة لم يكن بد من عشرة سواه لأنه فارس والخيار له. ولو قال لراجل أنت آمن في عشرة من الرجالة فمثله في اختلاف قوله في العدد. ولو قال من الفرسان لم يكن بد من عشرة سواه.
ولو قال في عشرة من بناتي فلا يدخل الذكور ها هنا من بنيه ولا من بني بنيه. وإن لم يكن له إلا بنات بنات فلا أمان لهن إلا أن يسمي شيئاً يعرفن به مثل أن يقول لي بنات ماتت أمهن فأمنوني في بناتي فيكون هؤلاء كالبنات , أو يكون قوم عجم لا يفصلون بين بنات البنات ولا بين بنات البنين. ولو قال من موالي وله موالي من فوق وموالي من أسفل فهو على ما نوى منهم والقول قوله. وإن لم تكن له نية فإني أجعلهم في مواليه من أسفل. فإن لم يكن له أحد من أسفل كان ذلك في مواليه من فوق.
[3/ 108]

(3/108)


ولو قال: أمنوني علي قريبي زيد بن عمر , فكان له قريبان بذلك الإسلام والنسب ابن خال وابن عم , قال فالقول قوله فيمن أراد إن شاء ابن عمه وإن شاء ابن خاله. وإن لم يكن نوى أحدهما فله الخيار الآن في أحدهما.
وقال غيرنا: الأمان لمن نواه الإمام منهما , فإن لم ينو فما نواه المستأمن , فإن لم ينو فهما آمنان. ولو قال رأس الحصن: أمنوني على عشرة بنين من بني وأفتح لكم ففعلوا وفعل , وله بنون وبنات , فله أن يختار بنين وإن شاء بنين وبنات , وليس له أن يجعلهن بنات كلهن , لابد أن يجعل فيهن بنين ولو ذكر واحد , لقوله عشرة بنبن من بني , فأما قوله: على عشرة من بني فله أن يجعلهن بنات كما لو قال من عبيدي يجعلهن إن شاء إناثاً أو إناثاً وذكوراً. ثم قال سحنون: عاودني في قوله: عشرة بنين من بني وثبت على أنه إن قال عشرة من بني أن له أن يجعلهن إناثاً. وإن قال أمنوني في عشرة من عبيدي وله ذكور وإناث فله أن يخلط أو يجعلهن إناثاً كلهن أو ذكوراً وكذلك في العتق إذا لم تكن له نية في أعيانهم وقيل له اختر. وإذا قال أمنوني في عشرة من عبيدي وليس له إلا إماء بطل الأمان فيهن. وكذلك لو قال عبيدي أحرار أو عشرة من عبيدي أحرار وليس له إلا إماء فلا عتق عليه لأنه لا يقال للإماء إذا انفردن عبيد. وأما لو قال على موالي أو في موالي وليس له إلا مواليات فلهن الأمان لأنه وقع عليهن اسم موالي. ولو قال على إخوتي أو بني وليس له إلا أخوات أو بنات فلا أمان لهن إذ لا يقال لهن إخوة حتى يكون فيهن ذكر ولا بنون حتى يكون فيهن ذكر.
قال الأوزاعي: وإذا: وإذا طلبك العلج الأمان بعد أن استأسر في القتال فلك أن تقتله أو تسترقه ولا تؤمنه , وقاله سحنون.
وقال الأوزعي: ومن لقي علجاً فسأله الأمان لحاجة يريدها فهو مخير أن يؤمنه أو لا يؤمنه ولكن يرده إلى مأمنه.
[3/ 109]

(3/109)


قال سحنون في العدو يريد لقاءنا في أمر يعقده من صلح أو فداء أو رهائن , فأراد من جاء بذلك لقاءنا فيه من غير استئذان أو إحداث عهد ثقة بأنفسهم أو لغير ذلك , فقالوا لنا أخرجوا بحشدكم ونخرج بحشدنا ونجتمع لذلك , فلما تراأى الجمعان أراد المسلمون أن ينتهزوا منهم فرصة , قال لا تفعلوا وليس هذا أصل ما خرجوا عليه.
قال أبو محمد: وفي الجزء الثالث باب جامع في وجوه الأمان والخفر والخديعة.
[3/ 110]

(3/110)


باب آخر جامع لمسائل من معاني الأمان
وفي أمان الأساري والقول فيهم
من كتاب ابن سحنون: قال سحنون في قول الله سبحانه: " ثم أبلغه مأمنه " إنها قائمة معمول بها. وحد مأمنه أن يبلغه أول حصونهم ومعاقلهم وتكون حصون متصلة. وأما إن كان حصناً من حصونهم مما يلي الإسلام منقطعاً من حصونهم لا يأمنون فيه فأستحسن ألا يكون قد بلغ مأمنه. وإذا كانت الحصون متصلة فنزل في الحصن الأول فبات عندهم فأخذ المسلمون ذلك الحصن فلا أمان للذي بات عندهم. ولو لقيته السرية قبل بلوغه مأمنه فلا يعرض له.
قال سفيان والأوزاعي وإذا أسر رجل علجاً ثم قال له لا تخف , قالا فإنما الأمان قبل الأسر ولكن هذا لا يقتل ويباع. قال سحنون وإذا كان يعني: لا تخف من القتل فليبع ولا يقتل.
قيل له: فعمر حين قال للهرمزان تكلم لا بأس عليك , فوقف عن قتله لهذه الكلمة ولم يسترقه. قال فقد اختلف فيه وقيل إنما تركه لأن بعض أصحابه رآه يصلي , والصلاة لا توجب له الحرية وإنما صلى بعد الأسر. وإن جاء علج يطلب الأمان فبدر إليه رجل فقتله قبل أن يعطى الأمان فقد أساء ولا شيء عليه ولا دية. وإن كفن فحسن ولا ذلك عليه بواجب فيما يظهر.
[3/ 111]

(3/111)


قيل: فإن سأل الأمان وهو في الحصن أيرمى؟ قال: إن رضي بالجزية فلا يرمى. وإن لم يرضى بها فلنا أن نرميه. وإذا بذل أهل الحصن الجزية بعد أن بلغوا من حصارنا مبلغاً ضيقاً أشرفنا فيه على أخذهم فلا يحابوا إلى ذلك ورقهم أولى , ولو أسلموا في هذا الحال لأنجاهم من الرق.
وكره مالك كثرة جلب هؤلاء السودان وقال: هؤلاء العلوج لا يكاد يدخلهم الإسلام. وقد كره عمر جلبهم.
قال: ولما قتل أبو لؤلؤة عمر رحمه الله وقد كانت السكين التي طعنه بها رئيت قبل ذلك بيوم فى يد الهرمزان وهو صاحبه , فقال عبيد الله بم عمر فقتلهما فحبس وتكلم الناس فيه , وكان رأى عثمان ألا يقتل , فترك قبل أن يلي عثمان. قال عبد الملك بن مروان , فترى أنها أول مظلمة وقعت في الإسلام. وقال سحنون في أسير في وثاق يسور من الليل خزفاً مما يتقى وضجراً من الألم , فقال له حارسه لا تخف , أذلك له أمان؟ قال ليس ذلك بأمان له. وإنما هذا أمان لو قال له ذلك وهو مطلق هارب في الهزيمة.
قيل لسحنون فلو صاح به في الهزيمة لا تخف وقد أمكنه وعلم أنه لا يفوته؟ قال ومن يعلم أنه لا يفوته , فأراه له أماناً.
قلت له: روي عنك أنك قلت: ويسترق. قال: ما أعرف ذلك وقولي الأن إنه حر.
قيل فلو امتنع أربعة أعلاج فنادى واحد بالأمان فأمناه. فلما دخل عليهم لم يعرف من الصائح منهم , قال فالأمان لجميعهم وهم أحرار إلا أن يعطوه الأمان على استرقاقه فيرقون. قال ولو نادى علج بالأمان خارج العسكر فأمناه فهو حر آمن , وللإمام أن يجيز ذلك أو يرده إلى مأمنه. وإذا بعث الإمام سرية بأمير
[3/ 112]

(3/112)


أمره عليهم , فغنموا وجاؤوا بأسارى وفيهم من يعرف بالنكاية للإسلام فهل يقتل؟ قال: إن أسروهم على شرط الأسترقاق أو أسروهم ثم استحيوهم على الإرقاق فلا يقتل منهم أحد. وإن أسروا قهرا وغلبة ثم لم يسحيوهم على الإرقاق فليقتل منهم الإمام من رأى قتله صلاحاً , وليسترق من يرى أم ذلك أفضل فيه.
ولو اقتسموهم بأرض الحرب لم يكن للإمام قتل أحد منهم وإن كان ممن فيه نكاية ولو عزلوا خمسهم ببلد الحرب وفي رقيق الخمس من له نكاية , قال ك لا يقتل والقسم مانع للقتل. قال: وإذا بعث بأسرى إلى أمير المؤمنين , فإن كانوا من الخمس فلا يقتلون لأنهم قد قسموا. وإن لم يكونوا من الخمس وكان ذلك ليرى الإمام فيهم رأيه فليقتلهم إن كانوا أهل الحرب وله أن يستحييهم. وأحب إلينا ألا يفعل.
وإن بعثوا ليستخدموا فلا يقتلوا , وإن بعث بهم إليه ليقتلهم فأسلموا أو بعضهم فليبع من أسلم منهم. فإن قدر على الجيش قسم الثمن بينهم وإلا بيعوا وتصدق بأثمانهم.
قلت: قال الأوزاعي وسفيان: إذا أتي بالأسير إلى فأجمع رأيه على بيعهم ثم بدا له أن يقتلهم فذلك له. قال سحنون: لا أرى ذلك ولا ينبغي أن يقتلهم بعد أن استبقاهم. وعن الأسير يستخبره الإمام عن خبر فيخبره فيتهمه أيضربه ليصدقه؟
قال: ذلك له ولا أن يقتله إلا على الإجتهاد. قال الأوزاعي: لا يضربه , وكره سفيان ضربه.
[3/ 113]

(3/113)


قال سحنون: ولا بأس أن يوثق الأسير بالحديد إن خيف منه. وإن رأى أن يجعل في عنقه الحديد فعل إن خاف منه. قال سحنون: ولا بأس أن يؤمن الحربي على أنه إذا جاوز موضعاً كذا فلا أمان له.

في الأمان ومن يدخل فيه بالمعنى وإن لم يسم
وما يكون فداء من ذلك وما لا يكون فداء من الأموال
ويدخل في الأمان
من كتاب ابن سحنون: وإذا حاصر المسلمون حصناً فقال رجل من الحصن أفتح لكم على أن تؤمنوني على فلان رأس الحصن فرضوا وفتح , فالرأس مع الرجل آمنان. وكذلك لو قال: أنا آمن على فلان , أو قلنا له: قد جعلناك آمناً على فلان , كما قلنا له أمناك على أهللك كان آمناً معهم , ولو قال أعقدوا لي أو عاقدوني أو اكتبوا لي الأمان عليه أو أجعلوا لي الأمان عليه كانا آمنين. وكذلك لو خاطبوه هم بذلك. وإن قال عاقدوني لي الأمان على ولدي أو قال على قرابتي أو بني أو بناني , أو قال إخوتي أو أعمامي أو عماتي أو عيالي فهو ومن اشترط آمنون.
قال سحنون ولو قال عاقدوني الأمان على عيال فلان أو على ولده فهو آمن وكل من اشترط. وقال أهل العراق في هذا هو فيء والذي شرط أمانهم آمنون. وإن نسبهم إلى نفسه فقال عيالي أو بني أو إخواتي استحسنت أن يدخل معهم في الأمن. وأجمعوا لو قال على أهل بيتي أو أهل مملكتي أو أهل قلعتي أو حصني على أن أفتح لكم الباب أنه داخل معهم في المن. واما الأموال والسلاح ففيء. وأجمعوا لو قال آعقدوا لي الأمان على أهل حصني على أدلكم على الطريق فهذا

[3/ 114]

(3/114)


يكون كل من في الحصن آمنين على أموالهم وسلاحهم ومتاعهم. وأما قوله على أن أفتحه لكم دليل على أنه أراد الناس خاصة بخلاف قوله على أدلكم على كذا وكذا. ولو قال على أهل حصني على أن أفتحه فتدخلوا فتصلوا فيه ففعل وفعلوا فلا شيء لهم من سبي ولا مال. ولو قال أمنوني على اهلي على أن تدخلوه فهذا أمان على الناس خاصة.
قال سحنون وإن قال أفتح لكم على أن تؤمنوني في بني أو أهلي أو في أهل حصني , أو قال معهم أو تؤمنوني وأياهم , فالأمان للرجال , والأموال فيء. وإن قال رجل من الحصن أفتح لكم على أن تؤمنوني على ألف درهم نأخذها ففعل فله الألف وهو آمن وماله فيء وكل ما في الحصن فيء. ولو قال على ألف درهم من مالي أخذها من كان عيناً أو عرضاً فإن لم يف بها لم يكن له غيره. ولو قال من دراهمي فلم يكن له دراهم فلا شيء له وماله فيء وهو آمن بخلاف قوله من مالي وهذا كالوصايا إن أوصى له فقال من مالي وله عروض فذلك له. وإن قال دراهمي ولا دراهم له فلا شيء للموصى له.
ولو قال أفتح لكم على أن تؤمنوني على عشرة أرؤس من الرقيق أو عشرة أفراس من الكراع فهذا والأول سواء ويعطيه ذلك المسلمون. وذلك على ألف درهم ويكون على ما في الحصن في ويعطونه الألف كما شرطوا له. ولو لم يشترطوا عليه فتح الحصن ولكن قال لهم قولاً مستقبلاً أمنوني حتى أنزل إليكم على ألف درهم , قال من مالي أو لم يقل , ففعلوا فنزل فعليه الألف الدرهم , وكذلك على عشرة أرؤس من الرقيق أو من رقيقي , وهذا كله فداء وليعطهم ذلك.
قال سحنون وإن قال أمنوني على أهل بيتى أو قال على ولدي أو قال مالى حتى أنزل إليكم فأمنوه فهو آمن ولا شيء عليه , وما نزل به معهمن ذلك فهو آمن عليه. وإن لم ينزلوا معه فأهله وولده وماله له , بقي ذلك في الحصن أو نزل به ,
[3/ 115]

(3/115)


والقول قوله في تعيين ذلك ,وكذلك على رقيقي. ولو قال على نصفهم فعليه نصف رقيقه كالفداء. وكذلك على نصف ماله.
ولو قال أمنوني على زوجتي أو قال فلان فهما آمنان وليس هذا بفداء. ولو قال على عشرة من ولدي فليس هذا فداء وو آمن عليهم ولا فداء عليه لأنهم ليسوا بمال. وكذلك لو قال على فلان هما آمنان. وكل ما نسبه إلى نفسه فعم به فقال على مالي أو قال على رقيقي أو على سلاحي فذكر صنفاً وهو ماله كله فليس بفداء وهو آمن على ذلك. وإن خص صنفاً من أصناف ماله كله كان فداء ووجب ذلك عليه كقوله ونصف رقسقي أو نصف مالي , أو قال على سيفي هذا أو درعي أو على عشرة من رقيقي أو خيلي لأنه إنما فدى نفسه. فإن نزل أخذ بالفداء.
فإن نزل معه حين نزل بماله زوجته وبناته وعياله فهم فيء أجمعون , ولا نجيز له من ذلك إلا أن ينزل بنفسه وما عليه من لباسه , لأنا لو أمناه على أن ينزل بلا فداء لم يكن آمناً ألا على نفسه لأنا محاصرون له , فلا يدخل شيء من ماله في الحصن في الأمن إلا بأماننا. فإذا قال أمنوني على أن أنزل إليكم على عشرة أرؤس من رقيقي أو على ألف درهم فإن نزل معه بمثل ذلك وقال جئت به لشرطكم فله ذلك لأنا سلطناه بالشرط على أن يأتينا به. فإن جاء بزيادة فلنا أخذ الزيادة.
وكذلك إن جاء بعشرين رأساً فقال جئت بها لتختاروا كان لنا أخذ الباقي. وإن جاء بعروض فقال جئت بها لأبيعها وأعطيكم الشرط لم يصدق لأنه غير الصنف المشترط فيكون ذلك فيئاً ويطلب بالفداء.
وقال غيرنا إذا شرطنا عليه عشرة أرؤس ولم يقل من رقيقي , فنزل بمال وقال جئت لأبتاع به شرطكم صدقناه في العين خاصة مع يمينه وجعلنا ذلك فداء. وأبي ذلك سحنون وقال العين وغيره سواء لأنه خلاف الشرط.
[3/ 116]

(3/116)


وقال سحنون وأهل العراق ولو كان قال عشرة أرؤس من رقيقي فنزل بمال , كان فيئاً ويطلب بالرقيق. ولو قال لم يدعني أهل الحصن أنزل بالرقيق فنزلت بالمال لأشتري به لم يصدق حتى يخبرنا قبل نزوله فنأذن له ولو يذكر في هذه المسائل نزولاُ ولا فتح الباب وقال أمنوني على كذا كان ذلك وذكره للنزول سواء في قياس قول سحنون.
قال سحنون: وإذا قال صاحب القلعة أو الحصن أمنوني على قلعتي أو قال على حصني على أن أفتحه لكم ففعلوا وفعل , فهو آمن على الحصن أو القلعة وكل ما فيها من سبي وغيره من مال وسلاح وكراع وغيره. وكذلك لو جرى في كلام أخاف إن فتحتها لكم أن تهدموها , فقالوا له افتح وانت آمن على قلعتك ففتح , فقد دخل في الأمان القلعة وكل ما فيها من سبي. وكذلك الحصن والمدينة , لأنها لا تعتبر بهذا سلامة الحسطان من الهدم.
وكذلك لو قال الملك تؤمنونني على أهل مملكتي كان عاماً على كل ذلك. ولو قال رجل من أهل الحصن أفتح لكم على أن تؤمنوني على ألف درهم من مالي أو قال على أن تؤمنوني من مالي على ألف درهم أو بألف فهو سواء وله من ماله ألف درهم فقط إذا فتح. ولو قال على ألف درهم أو بألف ولم يقل من مالي , كانت الألف له على المسلمين , وماله وكل ما في الحصن فيء وقوله وتؤمنونني وعلى أن تؤمنوني سواء. وكذلك بألف أو قال على ألف. وكذلك لو لم يذكر فتح الحصن فذكر أمان نفسه فقط.
وإذا قال أفتح لكم على أن تؤمنوني على ألف درهم من مالي فلم يوجد له مال فهو آمن ولا شيء عليه لأنه هو شرط ذلك لنفسه من ماله فقال من مالي , حتى لو قال أمنوني على أن أنزل إليكم على ألف درهم من مالي كان لهم طلبه بها لأنه فداء بخلاف قوله أفتح لكم.
[3/ 117]

(3/117)


ولو قال أفتح لكم على أن تؤمنوني على أهلي وألف درهم ففعلوا ففتح , فله أهله وألف درهم يعطاها من ماله أو غير ماله والباقي فيء. وكذلك بأهلي وألف درهم. ولو بدأ بالمال فقال أفتح لكم وتؤمنوني على ألف درهم وعلى أهلى وولدي فهو آمن على ألف درهم يعطونها له وعلى أهله وولده , وما سوى ذلك فيء. وكذلك قوله: بألف درهم وبأهلي وولدي. وكذلك قوله بجميع قرابتي وأهلي وولدي وبألف درهم من مالي. فإنما هو استثناء وله الألف من ماله. ولو قال أفتح لكم على أن تؤمنوني على أهلي أو بأهلي وألف درهم من مالي ففعلوا فنزل بمال كثير وبأهله , فهو واهله آمنون وألف درهم مما نزل به , وباقي ذلك فيء. وكذلك لو قال على أن تؤمنوني بأهلي وألف درهم من مالي فهو والأول سواء. ولو قال أنزل إليكم على أن تؤمنوني بألف درهم من مالي وأهلي كان آمناً هو وأهله وعيله ألف درهم. وكذلك إن قال على أهلي وألف درهم.
ولو قال أفتح لكم وأعطيكم مائة دينار من مالي ففعلوا , فعليه أن يعطيهم مائة دينار من ماله. ولو قال أفتح لكم وأعطيكم مائة دينار من مالي على أن تعطوني عشرة آلالف درهم من أموالكم فهذا ربا , والربا بيننا وبين أهل الحرب لا يجوز. ولو قال أفتح لكم الحصن وأعطيكم مائة دينار على أن تؤمنوني بألف درهم من مالي فهذا جائز وهو آمن وعليه مائة دينار وله ألف درهم من ماله. ولو قال في الالف على أن يأخذها هو من المسلمين لم يجز.
قال محمد: فإن أمنوه على هذا الذي لا يحل فهو آمن ويرد إلى مأمنه إلا أن يدع الألف فيتم أمانه , أو يترك إمام الجيش المائة دينار ويتم أمانه.
[3/ 118]

(3/118)


في الحصن يصالحهم الجيش على أن لا يسلكوا عليهم إذا رجعوا
أو على ألا يشربوا لهم ماء ولا يفسدوا زرعاً ولا يأكلوه
ولا يخربوا لهم قراهم
أولا نأسرهم ولا نقتل أسراهم
وشرطوا لنا ذلك وكيف إن خالفوا

من كتاب ابن سحنون: وإذا مر الجيش بحصن أو مدينة لا طاقة لهم بها فتقدموا عنها , فطلبوا الصلح على ألا يرجعوا على هذه الطريق على ألا يقتلوا منا حداً ولا يأسروه , فإن رأي ذلك الإمام نظراً فليعطهم ذلك وإن كانت هذه أقرب. وقد يخاف أن يتبعوا الجيش ولا طاقة للمسلمين بهم ونحو هذا , ثم ليوف لهم ولا يرجعوا عليهم. وإن قال المسلمون إنا لا نزرأهم في شيء من رعي كلأ أو شرب ماء أو غيره وإنما نأخذ هذه الطريق لقربها فليس لهم ذلك. وقد يحتجون بأنكم قد تطلعون على عورة لهم وتنبهون من بلدنا على أمر لم تكونوا علمتم به فذلك جائز لهم. وكذلك صلحهم لهم على ألا يشربوا من نهركم على ألا تتبعونا ولا تر زؤنا بأسر أو قتل , فذلك جائز ويوفي لهم. ثم إن احتاج الناس إلى مائهم لأنفسهم ودوابهم وخافوا على أنفسهم فلهم تناوله وإن أضر ذلك بالماء. ولو كان على أن لا يأكلوا لهم زرعاً ولا ثمراً , فليوف لهم وإن كان لا ضرر على الكفار فيه , فإن اضطر المسلمون إلى ذلك فلهم تناوله. وإن كان على أن لا يحرقوا لهم الزرع والكلأ فليوفوا لهم.
قال بعض العراقيين: ولهم الأكل والعلف لأن ذلك ليس بحرق. وقال سحنون: ليس ذلك لهم لأن مرادهم تحصين الزرع والكلأ إلا أن يرى المسلمون أن الزرع والكلأ غير المراد أن يكون داخلاً في الشرط , ويكون ما ينال منه تافهاً لا خطب له. فإن كان الأكل والعلف يذهب أكثر زرعهم فهذا غير وفاء بما جعل لهم.
[3/ 119]

(3/119)


وإن كان على ألا نخرب قراهم. قال محمد وقال غيرنا: فلنا أن نأخذ ما وجدنافي قراهم من متاع أو علف أو طعام أو غيره مما ليس ببناء , ولا يمس البناء إلا الخشب الملقى. فقال سحنون: أما قولنا فإن الصلح على أن لا نخرب قراهم , فهذا عبارة عن تحصين أموالهم من زرع ومتاع وخشب ملقى وغيره إلا ما رآه المسلمون خارجاً عن ذلك. وقد يقال أحرق العسكر كذا , يعنون معرة الجيش من نهب وفساد وسيماء خراب الديار وذهاب أموال أهلها. قال غيرنا وإن قالوا على أن لا يأكلوا لهم زرعاً ولا يعلفوه لم يكن لهم حرقه. وإن قالوا على ألا تحرقوه فلهم أكله , وهذا تناقض. وإن شرطوا على ألا يحرق فليس لهم تغريقه. وكذلك لا يحرقون ما شرطوا ألا يغرقوه. وكذلك في السفن لأنه كله إتلاف العين , ما ليس لنا الذهاب بها ولا بإنقاص الديار التي شرطهم فيها.
قال سحنون: وهذا رجوع إلى قولنا: وإن شرطوا ألا نقتل لهم أسيراً إذا أصبناهم على ألا يأسروا منا أحداً , فأصبنا أسرى لهم فليس لنا أن نسترقهم ولا نجعلهم فيئاً. وإن شرطوا ألا نأسرهم ولا يأسرونا فليس لنا أن نقتلهم. وأجاز غيرنا في رفع القتل الاسر , فلا فرق بين ذلك.
قال سحنون: فإن قتلوا أسرانا ولم نأسرهم فلنا أن نقتل أساراهم أو نملكهم لأنه نقض. فإذا فعل ذلك واحداً منهم فليس بنقض حتى يفعله جماعتهم. أو أميرهم , أو يفعله أحدهم فلا يغيرون عليه. وإن شرطوا ألا يقتلوا أسرانا ولا نقتل أسراهم. فأسروا أسرانا ولم يسترقوهم ولا قتلوهم فليس ذلك بنقض.
[3/ 120]

(3/120)


في الصلح على أن لا يكتمونا مالاً أو يحدثولا حدثاً ونحو ذلك
فيظهر عليهم خلاف ذلك
أو ينكث أحد منهم أو منا ما وقع به الصلح

من كتاب ابن سحنون: قال يحيى بن سعيد: صالح النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر على ألا يكتموه مالاً على أن لهم النخل والأموال , فظهر على مال كتموه فاستحلهم بذلك. قال ابن وهب: وقال عمرو بن العص للقبط حين فتح مصر: من كتمني كنزاً فظهرت عليه قتلته , فظهر على رجل كتمه فقتله , فأخرجوا كنوزاً كثيرة. وكتب أبو عبيدة لأهل ديرة من أهل حمص: أمنتكم على دمائكم وأموالكم وكنائسكم أن تخرب أو تكسر ما لم تحدثوا حدثاً أو تأووا محدثاً , فإن فعلتم برئت منكم الذمة , وعليكم إنزال الضيف ثلاثة أيام وبرئت من معونة الجيش.
قال سحنون وإذا أمن المسلمون حربياً على أن يدلهم على حصن أو على أمر كذا فإن خانهم فهم في حل من دمه ورقه , فخرج معهم على هذا ثم ظهر أنه خانهم فللإمام قتله أو استراقه. وعن أمير الجيش يصالح قوماً من الكفار بمال أو بغير مال أو صالحهم رجل من المسلمين وصح ذلك , ثم أغارت عليهم سرية لم تعلم فسبوا وغنموا وقتلوا , فليردا الغنيمة , ودية من قتل على عاقله قاتله , وعليهم من أرش الجراح ما بلغ ثلث الدية , وأما ما دون ذلك ففي مال الجارح , ويردوا النساء ولكل موطأة منهن صداق مثلها , وولدها حر لاحق النسب , ويردوا الإماء إلا من حمل منهن , ففيها قيمتها يوم الوطء وتبقى أم ولد للشبهة. وكثير من مسائل النقض في غير هذا الباب الذي قبل هذا. وإن نكث أحدهم السبي لم يكن نكثاً حتى يفعله جماعتهم أو أميرهم.
وعن مدينة حاصرها العدو فوثب عليهم أهل ذمتهم من اليهود فحاربوهم , فهذا يوجب رقهم عند ابن القاسم ورق ذراريهم إن قاموا من غير ظلم ظلموا به.
[3/ 121]

(3/121)


وكذلك من خفر العهد ممن بيننا وبينه عهد من الحربيين فهو نقض على من وراءهم من النساء والذرية. وقال أشهب: يرد أهل الذمة إلى ذمتهم ولا يسترقوا. قال ابن سحنون: وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكاتب ويعاعهد الرؤساء , فيلزم ذلك من وراهم من النساء والذرية , فكذلك نقضهم نقضاً عليهم. وكذلك فعل الأئمة. وعن حربي استأمن إلينا على أن يدلنا على عورة ثم لقينا العدو فهزمناهم فوجدناه معهم , فقال أسروني في الصف الأول فلا يصدق وهو فيء يقتل أو يسترق إلا أن يوجد مع أسارى مسلمين فيصدقوه , أو يأتي بما يتبين فيصدقوه.
ولو ودناه مقيداً أو مصفداً فلا يصدق. وكذلك لو انهزم المسلمون ثم كروا فهزموا العدو فوجدوه معهم وقد فقدوه قبل اللقاء , فإن وجدوه بعد الهزيمة فلا يدرى أكان معهم أم لا وقال هو ما زلت من عسكركم , وقد فقدوه قبل اللقاء , فإن كانت السرية قليلة لا يخفى عن مثلهم زواله لم يصدق إلا أن يقول: ذهبت للعلف أو أطلب الطريق فيصدق. وإن كان الجيش عظيماً صدق بكل حال.

في النزول بعهد على شرط لا يجوز
ومن نزل بشبهة أو بأثر عهد ذهبت مدته
أو زاد على شرط أو لم يف به
من كتاب ابن سحنون: قال ابن وهب في العدو يداينون المسلمين على أن يرجعوا من قابل فيأتون فيقولون لا ننزل إلا على ألا يعدى علينا غرماؤنا , فلا يجوز أن ينزلهم الإمام على هذا. فإن فعل فليعد عليهم غرماؤهم. فإن باعوا أخذ منهم العشر. وإن لم يبيعوا فلا يؤخذ منهم شيء ويرجعوا إن شاؤوا. قال سحنون: بل ينظر فإن كان ما يؤخذ منهم من العشر أضعاف الدين فلينزلهم على ذلك , ثم يؤخذ منهم العشر فيؤدى منه الدين لغرمائهم وما بقي انتفع به المسلمون. وإن
[3/ 122]

(3/122)


كان ذلك كفافاً ورأى الإمام أن ينزلهم ليأخذوا منهم ما بأخذ أهل الدين القيام ليردوا على المسلمين ما أخذوا من العشر في الدين , قال لا شيء على العدو ولا على الإمام لأنه أمر جرى على المصلحة فيمضي. وإذا كان الدين أكثر مما يؤخذ منهم , وجهل الإمام وأنزلهم على أن لا يعدى عليهم بدين , قال: فليف لهم بالشرط ولا يبطل الدين , ولكن يردهم إلى مأمنهم ولا يدعهم يقيمون على منع الدين.
وعن الجيش بأرض الحرب يستأمن إليه حربي من غير حصن حوصر على أن يرجع إلى أهله ثم يعود بتجارة أو لم يذكر تجارة , فلا يجوز التأمين ليذهب ليذهب ويجيء فيصير عيناً لهم. فإن نزل هذا فهي شبهة ويرد إلى مأمنه. وإن قال وعلى أن آتي بتجارة فهو بما جاء معه من تجارة داخل في الأمان. وإن جاء معه بزوجة وأهل وولد فهم فيء. وقال غيرنا هم آمنون ويصدق فيهم , فإن تبين كذبه فهم فيء , ثم ناقضوا فقالوا إن جاء معه برجال فقال هم ولدي لم يصدق وهم فيء , وإنما يصدق في الإناث من رحمة صغارهم وكبارهم وفي صغار الذكور من رحمه. وقال سحنون لا أمان له إلا في نفسه وماله وما جاء به من تجارة ويصدق في رقيقه للتجارة. وجامعونا أن كل من جاء به من الأجنبيين فيء. وإذا أمن الأمير حربياً ليدله على منفعة للمسلمين وفعل ثم عاد إلى بلده فليس له أن يرجع إلينا بغير أمان مؤتنف , وما معه فيء. وإذا أمن على أن يذهب ويرجع ولم يقل أرجع بمال أو تجارة فذهب ورجع فهو آمن في نفسه وولا أمان له فيما جاء به من مال أو تجارة وأهل وولد وقرابة وأجنبيين ممن جاء به , جاء بذلك من قرية قريبة من العسكر أو بعيدة , أو من حصن حاصرناه , فما جاء به من ذلك فهو فيء إلا بتفسير أمان عليه. ولو جاز هذا أن يخرج كل ما في الحصن على هذا.
[3/ 123]

(3/123)


قال سحنون: وإذا قال رجل من الحصن أنزل على أن تؤمنوني على مائة دينار فرضوا فنزل فلم يعطهم وقال ما عندي فلا أمان له حتى يعطي المائة. فإن أبى فهو فيء إن شاء الإمام قتله أو استرقه. وكذلك على أن يعطيهم رأساً وإن لم يصفه ولهم رأس وسط أو قيمته فإن جاء بذلك فهو آمن يذهب حيث شاء من أرض الروم. فإذا بلغ مأمنه منها حل قتاله. وكذلك لو رجع إلى حصنه أو رجع إليه بعد أن بلغ مأمناً من بلد العدو إلا أن يشترط أنه آمن إلى أجل يذكره أو حتى يرجعوا إلى أرض الإسلام فله شرطه.
قال أبو محمد: ومن معاني هذا الباب في غيره.
ومن العتبية: ابن القاسم عن مالك , وعن تجار من العدو يأتوننا , وقد تقدم إليهم ألا ينزلوا إلا بموضع كذا فنزلوا دونه فيريدون أخذ الماء فمنعوا حتى يقاتلوا عليه , قال لا يقاتلوا عليه , وهذا مشكل فلا يقتلوا على هذا. وإذا نزلوا على أن لا يرد عليهم بما باعوا بعيب هو في باب في آخر الكتاب.

في من وجد من العدو ببلد الحرب أو ببلد الإسلام أو في العسكر
فقال جئت للأمان أو للذمة أو للفداء أو للإسلام
أو رسول وشبه هذا مما لم يوجف عليه

من كتاب ابن المواز: وإذا لقيت السرية علجاً على الطريق فيقول جئت أطلب إليكم الأمان أو أنا رسول , فإن كان ظفرهم به ببلد العدو لم يقبل منه إلا بدلالة تحق له قوله , فأما لو خرج في عمل المسلمين ولم يدخل بعد , ولعله يقول أنتهي إلى موضع سماه فينادي , فأمر هذا فيه شك وترك الشك أفضل.
[3/ 124]

(3/124)


قال عيسى عن ابن القاسم في العتبية في العلج يوجد ببلدنا أو قبل أن يصل إليها فيقول جئت إلى الإسلام , وهم ربما تلصصوا الواحد والإثنين. قال: إن أخذ قبل أن يدخل بلد الإسلام فلا شك أن يقبل منه أو يرد إلى مأمنه , قاله ملك. وكذلك إن قال جئت أطلب الفداء. وأما إن أخذ ببلد الإسلام فإن أخذ بفور وصوله وحدثان قدومه فهو مثله. فأما إن لم يظهر عليه إلا بعد طول إقامة بين أظهرنا , فبعد إن قال هذا فلا يصدق ويسترق , وليس لمن وجده والإمام يرى فيه رأيه ولا يقتل إلا أن يعلم أنه جاء جاسوساً للعدو.
قال عنه يحيى ابن يحيى في أعلاج من العدو تحملوا إلينا فأخذوا بأرضنا أو أو في مفاز بيننا وبينهم مترجلين ليسوا بحال أهل الحرب ولا مقتنصين فرصة , فقالوا جئنا نسكن عندكم على الجزية أو بغير جزية , فقال فلا يقتلوا ولا يسترقوا ويخيروا فإما أن يقيموا على أداء الجزية أو يرجعوا. وأما إن دعوا إلى الجزية حين خرجوا فيلزم الإمام أن يقرهم عليها ولا يقول لا أقبل إلا أن استرقكم أو أردكم. فإنما يحكم الإمام في الذين انكسرت مراكبهم فوجدوا , أو اضطرهم أمر حتى دخلوا بموضع غير هذا , فهذا له أن يبيعهم أو يصرفهم فيما رأى من مصالح الإسلام.
وقال في علج وجد عند أقاربه ببلدنا فقال: جئت لأقيم وأؤدي الجزية أو جئت زائراً لقرابتي , قال فإما أقره الإمام على الجزية إن رضي العلج , وإن لم يرض رده إلى مأمنه , وليس له استرقاقه ولا قتله. قال عنه أصبغ في ثلاثة من العدو أتوا على خيل لهم متسلحين حتى دخلوا قرية هي آخر عمل الإسلام فقالوا جنحنا إلى الإسلام أو قالوا جئنا لنؤدي الجزية ونقيم , فإن قالوا ذلك قبل أن يظفر بهم فإنه يقبل منهم.
وكذلك في كتاب ابن سحنون وقال: وللإمام – يريد إن ظهر عليهم قبل أن يقولوا هذا – أن يسترقهم أو يقتلهم إلا أن يسلموا فيكونوا رقيقاً للمسلمين , لا خمس فيهم ولا قسم , وقاله غير واحد من أصحاب مالك.
[3/ 125]

(3/125)


ومن كتاب ابن سحنون: ذكر رواية عيسى في الحربي يوجد بأرضنا وتفرقته بين أخذه بحدثان قدومه أو بعد طول , فقال سحنون: إذا أخذ بأرض الإسلام بحدثان قدومه أو بعد طول فهو فيء يرى فيه الإمام رأيه إلا في الجاسوس فيقتل. وأما إن أخذ في أرض الحرب فروى ابن القاسم عن مالك أنه يرد إلى مأمنه.
وقال عنه ابن نافع: من يعلم أنه جاء مستاًمنا فلا أرى أن يقبل منه وما ذلك بالبين , وفي الأمور أمور مشكلة. قيل لعبد الملك في العلج يطلع على السرية ويوجد بقرب من العسكر أو بعد أو كان بقرب محلة , أو أخذ بموضع لا يرى أنه جاء إلا لأمان وبحيث يمنعه البعد من النجاة , أو سفن ينزل معهم السلاح أو الأمتعة والتجارة: وكيف إن قلوا حتى يرى أن مثلهم في القلة والضعف لا يقدم ذلك الساحل , أو كثروا حتى يخافهم من ظهر عليهم , فألقوا بأيديهم وقالوا جئنا مستأمنين. قال يصرف هذا كله إلى اجتهاد الإمام , ولا يكاد يخفى ذلك فيما يستدل به. ومن أخذ بحيث لا مقدرة له فيه
ولا منهض فليؤمنه , وما قدح فيه الشك فليجتهد فيه.
وإذا كانت المراكب فيها التجارات ومن يدفع عنها إلى ناحية الضعف والاستئمان , يريد فيسعه الاجتهاد فيهم على حسب ما استدل به , قال ومنهم اهل قوة وعدة وسلاح والساحل الذي نزلوا به فيه ضعف وغرة , قال فهؤلاء يحبسهم ويجعلهم فيئاً وما معهم ويقتل مقاتلهم. وإذا كان العلج في موضع ممتنع لا يقدرون عليه ولو تكلم لسمعوه وقد أرادوا قتله أو سبيه أو لم يتعرضوا له فسكت حتى أتاهم من موضع منعة فوضع يده في أيديهم وقال أردت الإسلام فمقبول منه. وإن قال: جئت لأقيم على الذمة فللإمام أن يبقيه ذمة أو يردة إلى مأمنه. ولو نزل من معقله إلى موضع لا يحصنه منهم فناداهم بالأمان فهو آمن , فإما قبله أو رده إلى مأمنه. وكل من جاء وحده من منعة ولا سلاح معه علمنا أنه أراد الأمان , وكذلك لو كان معه سلاح ولم يروا فيه هيئة من يريد القتال فهو
[3/ 126]

(3/126)


آمن. ولو جاء سالا سيفه رمحه فلما صار بموضع لا يكون ممتنعاً ناداهم بالأمان فهذا فيء لأن هذا يؤخذ فيه بالعلامات والدلائل.
قال: ولو أن عسكراً بأرض الحرب للمسلمين هجم عليهم عسكر للروم فقالوا جئنا مستأمنين ووقع في قلوب المسلمين خلاف ما قالوا فهم فيء. فإن رأى الإمام قتلهم فعل. ولو نزل عسكر ليلاً بأرض العدو فجاء رومي يمشي على الطريق لا يعدوه ولا سلاح معه حتى لقي أول مسالح المسلمين ولم يعلموا به , فسألهم الأمان وذلك الموضع غير ممتنع من المسلمين فهو آمن. وكذلك المرأة. ولو وجد مسلم رجلاً من العدو وعليه سلاحه في موضع من العسكر أو عن يمينه أو عن يساره يعارض العسكر فلما بصروا به دعا إلى الأمان وهو في موضع غير ممتنع فهو فيء ويرى الإمام رأيه. وإنما هذا على ما يظهر من العلامات والدلائل , وما كان مشكلاً فليرد إلى مأمنه.
وقال سحنون في الحربيين يريدون الدخول إلى دارنا فلا يقدرون أن ينادوا بالأمان حتى يصلوا إلى موضع لا يكونون فيه ممتنعين , فأتوا ونادوا بالأمان , فوثب المسلمون إليهم فأخذوهم وليس معهم آلات الحرب , قال هم آمنون , وهكذا يكون الأمان إلا أن يشاء الإمام أن يردهم إلى مأمنهم.
ولو جاؤوا بمنعه وسلاح وهم قادرون على الامتناع فالمسلمون مخيرون في تأمينهم أو قتالهم. ولو تقدم المسلمون إلى تلك الديار أنه لا أمان لكم عندنا ولا يخرج أحد منكم إلينا , فعلموا ذلك أو علمنا أن القادمين علموا ذلك , وكانت دار قليلة الأهل لا يخفى عنهم ما يتقدم إليهم منا فلا أمان لمن جاء منهم وهم
[3/ 127]

(3/127)


فيء. وإن كان قدمنا إليهم غير مستفيض أو كان البلد في كثرة يمكن أن يخفى ذلك عن من قدم فليردوا إلى مأمنهم إلا أن يؤمنهم الإمام.
وإذا وجد حربي ببلدنا فقال جئت بأمان لم يصدق. فإن قال رجل أو رجلان بأماننا دخل قبل قول العدل في ذلك. وقد قال لا يقبل وإن كان عدلين لأنهما بينا فعلهما. فإن شهد عدل أو عدلان أن فلاناً أمنه فهو آمن ويرد إلى مأمنه. والحتياط فيما أشكل أولى. وإن قال بعد أن أخذ أنا رسول الملك إلى الخليفة , فإن أخرج كتاباً يشبه ورأى دلالة ذلك فهو آمن حتى يبلغ ويرجع , وإلا فهو فيء ولا شيء لمن أخذه.
ولو قال من أخذه أخذته في دار الإسلام بأمان فلا أمان له بذلك لأنه أمنه بعد أن صار فيئاً. ولو قال أمنته بأرض الحرب حيث هو ممتنع به ولا يعرف صدقه , فإما قبل منه وإلا رد إلى مأمنه.
قال الأوزاعي في الحربيين يوخذون بدار الإسلام فقالوا جئنا للتجارة بلا عهد ولا ذمة , فإن وجدهم ظاهرين في مجيئهم أو في بلد الإسلام فإما أن يؤمنهم أو يردهم إلى مأمنهم. وإن وجدهم مستخفين فهم فيء إن شاء الإمام قتل أو باع , والبيع أحب إلينا.
قال سحنون: هم فيء إذا وجدوا ببلدنا من غير عهد ولا ذمة. وبرواية ابن نافع عن مالك أقول لا برواية ابن القاسم.
قال الأوزاعي وإن وجد في عسكرنا بدار الحرب فقال جئت للأمان , فالإمام مخير في بيعه أو قتله. ولو قال جئت للإسلام فإن أسلم وإلا رد إلى مأمنه. قال سحنون: ولا أقول بهذا وبرواية ابن نافع أقول. وقد تقدمت.
ومن كتاب ابن حبيب: وإذا خرج الحربي إلينا فأخذ قبل أن يستأمن فقال جئت لتجارة أو لفداء أو جانحاً , فإن كان قد اعتاد المجيء وجاء مطمئناً مظهراً أمره غير متريب , فالوالي مخير بين أن يؤمنه على ذلك أو يرده إلى مأمنه , سواء أخذ قبل أن يصل إلى بلد الإسلام أو بعد وصوله إذا أخذ بحدثان وصوله.
[3/ 128]

(3/128)


فأما بعد طول مقامه فلا يصدق ويرق للمسلمين , ولا يقتل إلا أن يتهم بالتجسس فيقتل. وإن أخذ وهو مستخف أو متريب غير مطمئن بإقباله فهو فيء , أخذ قبل يصل أو بعد. وإن تعود الاختلاف قبل ذلك فذلك سواء , وإن شاء الإمام قتله أو استرقه. وأحب إلي إن اتهمه بالتجسس أن يقتله. وإن أخذ قبل يدخل أرض الإسلام فهو فيء لمن أخذه وفيه الخمس. وإذا لم يكن معتاداً للمجيء لفداء أو تجارة فهو فيء كيف ما أخذ قبل دخوله إلينا أو بعد , أخذ مستخفياً أو مطمئناً بإقباله , ولا يكون هذا يجري إلا بأمر قد ثبت وجرى.
وهذا قول ابن الماجشون وأصبغ ورواه ابن وهب عن ربيعة وقاله أشهب. إن أخذ قبل أن يظهر ما حاله فلا أمان له. ولو قبل من هذا عذر لقبل من المسلم يزني ويقول تزوجت والسكران يقول أكرهت. وإذا أخذ العلج على نحو ميلين عن العسكر فيقول جئت للأمان فلا يقبل منه إن ظهر عليه قبل يدعي ذلك.
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا دخل أرض الإسلام بغير أمان وادعى أنه أسلم قبل يؤخذ , فإن ثبت فهو حر. وإن كان عن قوله أو أسلم حين أخذ فهو رقيق.
قال مالك: قال الله تعالى: " فإما مناً بعد " فالمن العتق. فإذا أعتيق فقد ملك. وإذا دخل عندنا فأقام يبيع ويشتري ولم يعلم به ثم أخذ , فللمسلمين أخذه وما معه , وللإمام قتله أو استرقاقه.
ومن كتاب ابن المواز قال مالك ومن وجدناه قد دخل إلينا مستخفياً بغير أمان فأمره إلى الإمام وليس لمن وجده. فإن رأى قسمة على من يراه مستوجباً على الاجتهاد فعل. وذكر ابن سحنون هذه الرواية لأبيه فأعجبته.
ومن كتاب ابن حبيب: وإن جاء حربي نهاراً حتى عسكرنا أو قرية من قرانا فيسأل عن شأنه فيقول إن مسلماً أعطاني عهداً , فإن أخذ قبل أن
[3/ 129]

(3/129)


يتكلم بهذا فهو فيء إلا أن يصدقه ذلك المسلم على ما قله , وقاله ابن نافع وأصبغ.
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا غزوا في البحر فلقيهم العدو في البحر فغلبوا على المسلمين وأوثقوهم , ثم وثب عليهم المسلمون من وثاقهم فغلبوا الروم وأسروهم وغنموا ما معهم , فإن كان ذلك قبل يصلوا بهم إلى أرض الحرب ففي ذلك الخمس وهم فيء. فإن كان ذلك بعد أن وصلوا بهم إلى بلادهم ثم فعل بهم المسلمون هذا فلا خمس في ذلك , وما غنموا فلهم. وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم في العتبية وقاله.
ومن كتاب ابن المواز: وقال أراه – يعني ابن القاسم – في خيل للعدو يخرجون في أرض الإسلام على المسلمين فينهزمون عن غير قتال , ويشتت أمرهم فينهزمون , هل هم فيء؟ قال: هذا لا يكون , ولو كان لكان مما أوجف عليه وفيه الخمس وباقيه بين الذين أوجفوا عليهم وقاتلوهم. انظر قول عبد الملك في موضع آخر إن كانوا ممن لا تجارة لهم فهم كالأسرى ولا إيجاف فيه ويرى الإمام فيهم رأيه.

في من يوجد بساحلنا من مراكب العدو قد انكسرت أو لم تنكسر
فقالوا نحن تجار ونحو هذا وقاتلونا فظفرنا بهم

من كتاب ابن المواز: قال – يريد ابن القاسم -: وإذا وجدنا بساحلنا مراكب للروم قد تكسرت فقالوا نحن تجار , فإن بان صدقهم وإلا فهم أسارى يرى فيهم الإمام رأيه من أسر أو بيع أو فداء برأي أهل الفقه , ولا خمس فيهم
[3/ 130]

(3/130)


وليسوا لمن وجدهم لأنهم صاروا بموضع لا ملجأ لهم. وكذلك لو قاتلوا ومعهم العدة والسلاح حتى قتل من قاتل منهم وأسر الباقون , وهم كأسارى اجتمعوا فقاتلوا.
قال محمد: إلا أن يكون بقي لهم مركب أو غيره مما يتحملون في مثله لو تركوا أو نجوا أو وجدوا إلى النجاة سبيلاً فيكونون فيئاً لمن ظفر بهم وفيهم الخمس.
وفي كتاب آخر: وكذلك إن كانوا بقرب بلدهم يمكنهم الهرب والنجاة إليها.
قال ابن المواز: وما وجد في هذه المراكب التي تكسرت من عروض وثياب وأطعمة وذهب وفضة فإن كان ذلك مع الحربيين الذين أخذوا فهم وما وجدوا معهم سواء يرى فيهم الإمام رأيه , فإن وجد ذلك في المراكب ولا رجل فيها فذلك لمن وجده ولا خمس فيه لأنه لم يوجف عليه , إلا الذهب والفضة ففيه الخمس.
وسواء تكسرت مراكبهم أو إنما طرحوا ذلك خوف الغرق فلا خمس فيه إلا أن يكون ذلك لجنب قرية من قراهم ففيه الخمس إلا أن يكون ذلك شيئاً يسيراً فلا خمس فيه. ورواه أيضاً أشهب عن مالك.
قال عبد الملك في الذين تكسرت مراكبهم: إلا أن يرى من سببهم سبب من جاء يطلب الأمان لما معهم من التجارات , أو معهم آلة النقلة إلى بلدنا للمقام. قال ابن المواز: ونزل هذا عندنا فكتب فيه عبد الله بن عبد الحكم: إن أدنى ما يدخل في هذا الشك.
قال عبد الملك في مراكب للعدو توجد بساحلنا فيقولون جئنا نطلب الأمان , فلا يعجل عليهم الإمام ولا يكاد يخفي ذلك , مثل مركب فيه العدة من
[3/ 131]

(3/131)


المقاتلة والكثير من السلاح وآخر مملوء من التجارات , وهو مركب كبير ليس من الحربية وإن وجد فيه السلاح لأنهم يدفعون عن أنفسهم , فليقبل في مثل هذا قولهم أنهم جاؤوا للتجارة وإن كان نزولهم بغير موضع تجارة.
ومن كتاب ابن سحنون: قال: ومن جاء من مراكب الروم وقد قرب من المرسى أو بعد فأخذ , فإن كان ممن عرف بالتجارة إلى المسلمين فلا يحل إلا أن يوجد ببلده أو يوجد وهو يريد غير بلد الإسلام. وإن كان ممن لا يعرف بالتجارة إلى المسلمين فهو حلال. وإذا أخذنا مركباً في البحر جاء من بلد الإفرنج أو غيرها فقالوا نحن ذمة لصاحب الأندلس يأخذ منا الجزية , فإن جاؤوا ببينة على ذلك وإلا فهم فيء. فإن أثبتوا ما قالوا وادعوا أن من أخذهم أخذ منهم أموالاً , فإن كانوا مأمونين لم يحلفوا لهم. وإن كانوا من أهل الشر وممن عرف به حلفوا لهم.
ومن كتاب ابن حبيب قال لي غير واحد من أصحاب مالك: وإذا وجدوا على الساحل قد تكسرت مراكبهم فقالوا جئنا تجاراً , أو نزلوا للماء وادعوا أنهم كانوا على أن يستأمنوا للتجارة بعد أن ظهر عليهم فهم وما معهم فيء لا خمس فيهم ولا يقبل قولهم. فإن كان معهم ما هو للتجارة مثل الجوز واللوز والشحم والقطانية ونحو ذلك , وليس على جهة حرب , فإنهم حرب أبداً حتى يؤمنوا قبل الظفر بهم , إلا أن يكونوا تعودوا الأمان على الاختلاف بالتجارة قبل هذا فهم على الأمان إذا كانت هيئتهم هيئة التجارة. وروى ذلك المدنيون والمصريون عن مالك. قال عنه مطرف: وما شرد من بقر العدو عنهم إلى بلد الإسلام فهو لمن وجده ولا خمس فيه , ولا يأخذه الإمام إن كان يسيراً. وإن كان كثيراً نظر فيه الإمام وحاطه لجميع المسلمين.
وفي الباب الذي قبل هذا في الحربي يوجد ببلدنا , فيه مسائل مراكب العدو توجد بساحلنا.
[3/ 132]

(3/132)


في الحربي ينزل عندنا بلا عهد فيتزوج
أو معاهد يتزوج ببلد الحرب
ما حكم ولده؟
من كتاب ابن سحنون: وإذا دخل الحربي إلينا بلا عهد فتزوجةذمية فإنه فيء وولده حر تبع لأمه. وإن تزوج أمه فولده منها رقيق لسيدها. ولو دخلت حربية فتزوجها ذمي فهي فيء وولدها منه تبع لأبيهم.
وروى الأندلسيون عن ابن القاسم عن مالك في أهل قبرس يدخل إليهم الرومي فيتزوج أن ما ولد له فيء تبع للأب. ولو دخل القبرسي بلد الروم فتزوج فيهم فولده على مثابة أبيه في العهد. وقاله الليث , قالا: وإنما الولد تبع للأم في الملك. فأما في الأحرار من مصالح أو ذمي أو حربي فتبع للآباء.
قال سحنون: أما ولد القبرسي من الحربية فكذلك. وأما ولد الحربي من القبرسية فلا أقول إلا أنه حر لأمه.

في من دخل إلينا من الحربيين على المقام هل له أن يرجع؟
ومن نزل على المقام مدة فجاوزها
وتجار الحربيين يركبون البحر من عندنا فيردهم الريح أو نحوه

من كتاب ابن المواز قال: ومن دخل إلينا بأمان من الحربيين فإنه يكون عندنا حراً. فإن أسلم فله ما لنا وعليه ما علينا. وإن لم يسلم فهو حر وعليه الجزية إذا سكن عندنا. وقاله مالك: إن شاء كن على الجزية وإن شاء رجع. قال محمد: إنما يكون بالخيار قبل أن يرضى أن يدخل في أهل الذمة وتلزمه الجزية. فأما إذا رضي بأداء الجزية وألزم نفسه ذمة المسلمين فليس له أن يرجع إلى
[3/ 133]

(3/133)


بلده , وكالعبد النصراني يعتقه النصراني أنه تلزمه الجزية لا يخرج من ذلك. ولو أعتقه مسلم لم تلزمه جزية وليس له الرجوع إلى أرض الحرب. وقاله مالك وابن أبي سلمة وابن القاسم وأشهب وأصحاب مالك أجمع. قال أشهب: قلت لمالك: فإن أعتقه نصراني؟ قال: لا أدري. وقال أشهب وابن وهب: عليه الجزية.
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا استأمن حربي إلى الجيش ثم أراد أن يرجع قبل أن يصل إلى أرض الإسلام فله ذلك. ولو وصل إلى بلد الإسلام فله أن يرجع إلا أن يؤدي الجزية ويرضى بها فليس له أن يرجع إلى بلده. ولو قال حين جاء إلى الإمام في الجيش إني أريد المضي معكم إلى بلدكم لتجعلوا علي من الجزية مثل ما على أهل ذمتكم فأمن على ذلك ورضي به فليس له أن يرجع إلى بلده , وصل إلى أرض الإسلام أو لم يصل , ودى الجزية أو لم يؤدها.
قال: والمستأمن الذي لم يشترط عليه شيء إذا وجد راجعاً إلى بلده بغير إذن الإمام؟ قال: أخطأ إذا لم يستأذن ولكن لا يعرض له. ولو جاؤوا به فقالوا أخذناه بعد أن بلغ مأمنه وقال هو قبل أن أبلغ مأمني , فإن كان الذين أخذوه مثل اثنين وثلاثة أو أكثر قليلاً فالقول قول العلج. وإن كان جماعة العسكر فقولهم أولى. ولو أخذ بعد طول مدة من ما يرى أنه قد بلغ به طول ذلط لصدق من أخذه وإن كان واحداً. أرأيت: لو أخذ بعد سنة أو ستين أيصدق؟ وهذا يتبين عند نزوله , فيجتهد فيه الإمام. ولو قال جئت لأقيم عندكم بغير جزية فجهل الوالي وأعطاه ذلك فقد أخطأ ولكن يعرض عليه أن يقيم على الجزية وإلا رده إلى مأمنه وإذا جاء فنزل للمقام على الجزية فاتهمه الإمام أن يكون عيناً , قال لا يمنعه من ذلك بالتهمة ولكن يحترس مه. وإذا جاء علج لحاجة فأمن على أن يقيم عشرة أيام فخرج فعرض له نهر أو مرض فأخذ بعد الأجل قبل بلوغ مأمنه لما عرض له , قال يطلق ولا يعرض له. قال ابن نافع عن مالك: قال في الحربيين ينزلون على أن

[3/ 134]

(3/134)


لهم الأمان حتى ينصرفوا بسفنهم راجعين حتى لا تراهمخ العين , فيذهبوا حتى يراقبوا بعضهم جبال أرضهم ثم يردهم الريح , قال هم على أمانهم.
قال سحنون: لهم الأمان حتى يصيروا من البحر إلى موضع يأمنون فيه من عدوهم , فعند ذلك يحلون لمن ظفر بهم من المسلمين. قيل له: إنهم اليوم لا يأمنون حتى يردوا بلادهم فيخرجوا من البحر لكثرة مراكب المسلمين. قال إذا كان هذا فلهم الأمان حتى يخرجوا من البحر إلى مأمنهم.
قال عبد الملك: إن ردته الريح مغلوباً فهو على أمانه. وإن بلغ موضع منجاة لولا غلبه الريح فهو على أمانه حتى يصل إلى مأمن إن شاء أقام أو رجع , فهذا إن رجع فإنه حل إلا أن يأتنف أماناً. ولو رجع في البر فاشتدت عليه الطريق فرجع لكان على أمانه. وحد مأمنه أن يجاوز الدروب إلى سلطانه وحيث يأمن على نفسه. وأما ما كان في الفيافي والقفاز وحيث يخاف على نفسه فهو على أمانه. وقال إنه إذا ردته الريح في البحر إلى سلطان غير الذي أمنه فلا أمان له. وقال سحنون: بقول مالك أقول إن له الأمان حتى يرجع إلى مأمنه.
ومن كتاب ابن سحنون قال ابن حبيب قال ابن الماجشون: هو آمن إذا قلد حتى يبعد من بلد الإسلام ويقرب من حرزه ومأمنه فيصير كمن لا عهد له بعد فيمن لقيه من أهل ذلك السلطان الذي أمنه في رجوعه إليهم بريح غالبة أو رجع غير مغلوب أو نزل الماء أو شبهه. وأما من لقيه من غير أهل ذلك السلطان في البحر بقرب أو بعد من موضع قلد منه بأمانه أو سقط بساحل غير ساحل السلطان الذي أمنه فهو كمن لا أمان له. وكذلك المستأمن في ثغور المسلمين في غير بحر إذا رجع فاشتدت عليه الطريق بثلج أو غيره فهو على أمانه ما كان في قرب المكان الذي أمن فيه.
[3/ 135]

(3/135)


في النازل على الأمان يظهر أنه مرتد
أو عبد لمسلم أو رسول أو غير ما أظهر
من كتاب ابن سحنون: روي عن ابن القاسم في حربي نزل بأمان فإذا هو مسلم ارتد , قال لا يعرض له. قال سحنون: لا أرى ذلك بل يستتاب فإن لم يتب قتل وإن تاب لم يرد إليهم. قال ابن القاسم: ولو استحق بعبودية وهو مرتد لم يعرض له للوفاء بالعهد. قال سحنون: بل يرد إلى سيده بعد الاستتابة وبعد أن يسلم. فإن أبى قتل. ولو جاز هذا لم يشأ إلا فعل هذا. وقال الاوزاعي في علج أسر فبيع ثم هرب إلى أرض العدو ثم استأمن على أن يكون حراً , قال. وقال ابن أبي ليلى وسفيان: يرد إلى سيده ولا يكون حراً , وبه قال سحنون.
قال سحنون ولو جاءنا رسل لصلح أو هدنة , فإذا هم مرتدون , قال: يستتابون فإن تابوا لم يردوا إلى أرض الكفر , وإن أبوا قتلوا لأنا إنما أعطيناهم العهد على أنهم كفار لا على أنهم مرتدون , ولم ير ما روى يحيى بي يحيى عن ابن القاسم أنهم يردون ولا يعرض لهم.
ومن كتاب ابن حبيب: وإذا وجد المستأمن مرتداً أو عبداً لمسلم أو لمعاهد أو مديان عليه دين للمسلمين: إنه يحكم فيه بحكم الإسلام ولا يحجزه استئمانه عن ذلك. وقاله مطرف وابن الماجشون وأشهب وابن نافع وأصبغ , ولا يجوز للإمام أن يؤمنهم على أن لا يحكم عليهم في هذه الأشياء إن وجدهم كذلك. فإن جهل فأمنهم على ذلك فليس جهلخ يزيل ما أوجب الله سبحانه من أحكام دينه في ذلك من استرقاق حر مسلم أو ذمي.
[3/ 136]

(3/136)


قال عبد الله: يريد كما لو أسلم عليه لم يرق له حر مسلم. قال ابن حبيب: وكذلك إن وجد عبد لمسلم قد أبق أو أصيب , وليس هذا مما يمنعه العهد كما لا ينفع الإمام الجاهل تأمين المحارب , أو إن أمن سارقاً أو زانياً , وليستتب المرتد ويرد العبد إلى ربه. وأما إن أمن السلطان حربياً على ألا يتبع بما عليه من ديون المسلمين فلا ينقض عليه , ولكن ليتم له ذلك أو يرده إلى مأمنه , وليس كالمرتد يظفر به. قاله ابن الماجشون وغيره.
وقال ابن القاسم وأشهب في حربيين نزلوا بأمان فاشتروا السلاح في خفية من المسلمين فدخل المسلمون إلى سفينتهم ليفتشوا على السلاح فكتفوهم وتنجوا بهم في البحر وأبوا أن ينزلوا إلا على أن لا يفدوهم منهم ولا ينزعوهم ولا يؤدوا ديناً عليهم , فلا ينبغي للإمام أن ينزلهم على هذا , وليقاتلهم إن قوي أو يدعهم. فإن جهل فأمنهم على ذلك فقد ضل. فإن قوي على قتالهم فليخيرهم: فإما ردوا من معهم من المسلمين أو يؤذنهم بحرب ثم يقاتلهم. وإن لم تكن به قوة عليهم أقرهم على ما أعطاهم من العهد , وليف لهم للأنهم قد نصوا ذلك نصاً. ولو نزلوا على أمان حادث بغير اشتراط فليؤخذ منهم المسلمون الذين غدروا بهم وأموالهم بلا ثمن ولا قيمة , وقاله أصبغ. وسمعت أهل العلم يستحبون للإمام إذا استأمنه الحربيون أن يشترط عليهم: إني لا أؤمنكم من حق للمسلمين أو لأهل الذمة قبلكم , غصبتم ذلك منهم في عهد وأمان , أو من نجده منكم مرتداً أو عبداً أبق لنا إليكم إلا من سبيتموه.
[3/ 137]

(3/137)


في العدو ينزلون من الحصن على حكم الله أو على حكم فلان
وكيف إن نزلوا على ذلك أو حكم رجلين
من كتاب ابن سحنون: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقبل منهم النزول على حكم الله , فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم , وأنزلهم على حكمك. قال سحنون: فإن جهل الأمير فأنزلهم على حكم الله إذا طلبوا ذلك فنزلوا , فهذه شبهة , فليردوا إلى مأمنهم إلا أن يجيبوا إلى الإسلام. قال محمد: وليعرض عليهم الإسلام قبل ردهم. فإن أبوا عرضت عليهم الجزية.
قال سحنون: فإن أسلموا فهم أحرار لا يعرض لهم في مال ولا غيره , فإن أبوا وبذلوا الجزية فإن قربت دارهم منا قبلت منهم ولا يعرض لهم في مال ولا غيره. وإن بعدوا لم يقبل منه إلا أن ينتقلوا إلى حيث سلطاننا أو يردوا إلى مأمنهم ثم ينبذ إليهم. ولا ينبغي أن ينزلهم الإمام على حكم غيره وإن طلبوه. فإن فعل مضى ذلك. وإن لم يكن عدلاً لفسقه فحكم تعقب الإمام حكمه فإن رآه نظراً للإسلام وإلا رده هو الحكم بما يراه نظراً ولا يردهم إلى مأمنهم.
قال ابن القاسم: ولو حكم خصمان في الحقوق بينهما رجلاً فحكم جاز حكمه ولا يرده القاضي وإن خالف مذهبه. وأما أنا فرأيت أن لا ينفذ حكمه حتى يتعقبه القاضي فينفذه أو يرده. وكذلك لو حكما جاهلاً أو فاسقاً. وأما لو حكماً ذمياًَ أو حكموا امرأة أو عبداً أو صبياً وإن عقل وهم عالمون بهم لم يجز حكمه وليحكم الإمام بما يراه لأنهم رضوا بأقل المسلمين أو بذمي , فرددناهم إلى حكم من هو أعلى وأفضل فلا حجة لهم.
[3/ 138]

(3/138)


وقال بعض أهل العراق: يكونون ذمة إذا حكموا العبد والصبي وليس كتحكيم المحدود في القذف. وإن لم تقبل شهادته لتهمته فإنا نقبلها في النكاح إذا تصادقوا عليه. قال سحنون: وهذا تناقض إن تأولوا قول الله تعالى " ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً " فلا يقبلوها في النكاح , وقبولهم شهادة العبد أولى إذ لا نص فيه. وقد أجاز أنس ابن مالك وشريح وغيره. وقال غيرنا: إن نزلوا على حكم امرأة جاز حكمها بكل ما حكمت إلا بالقتل فإنهم يصيرون فيئاً.
قال سحنون: وإن نزلوا على حكم الله وحكم فلان , فحكم فلان بقتلهم أو بسبي الذرية وأخذ المال , فلا ينفذ ذلك وكأنه أنزلهم على حكم الله وحده , وليردهم إلى مأمنهم حسب ما ذكرنا.
وقال غيرنا: يصيرون ذمة إن لم يسلموا ويوضع عنهم الخراج. ولو نزلوا على حكم رجلين فلان وفلان فمات أحدهما قبل الحكم ثم حكم الباقي بالقتل والسبي لم يجز حكمه وليردوا إلى مأمنهم لأن شرطهم حكم رجلين. ولو حكم أحدهما أن يكونوا فيئاً وحكم الآخر بالفتل والسبي لم يلزمهم حكم واحد منهما حتى يجتمعا وليردوا إلى مأمنهم. وكذلك إن حكم أن يكونوا ذمة أو أن يردوا إلى دارهم فيكونوا حرباً فذلك نافذ. ولو مات قبل أن يحكم اردوا إلى مأمنهم. ولو قال لا أقبل وقد رددت ما جعلوا إلي فذلك له ويردون حتى يجتمعوا هم والمسلمون على حكم غيره. ولو أنه بعد أن رد ذلك رجع فقبله وحكم بالقتل والسبي أو بتركهم ذمة لم يجز لأنه رد ما جعل له , فلابد من ائتناف رضاهم بحكم.
ولو قالوا ننزل على حكم فلان فما حكم فينا بشيء مضى وإن لم يحكم رددنا إلى مأمننا فذلك جائز. فإن مات قبل الحكم ردوا إلى مأمنهم. ولو شرطوا أنه حكم فينا بالرد إلى مأمنهم فذلك لنا فذلك لهم. وقال غيرنا: إذا لم
[3/ 139]

(3/139)


يشترطوا هذا فليس من الحكم أن يردوا إلى مأمنهم , ويجيزون حكمه بذلك ويكونون ذمة ويكون عليهم الخراج. وكذلك إن أبى أن يحكم , ثم نقضوا ذلك بقولهم في التحكيم إذا مات , وقد شرطوا إن لم يحكم رددنا إلى مأمننا أنهم يردون إلى مأمنهم إذا مات قبل الحكم.

باب ذكر ما يكون أماناً من غير شرط
من قدوم زوجة مع زوج مسلم أو ذمي أو مع ذي محرم وغير ذلك
وكيف إن تداعيا ذلك واختلفا

من كتاب ابن سحنون: وقال في مسلم دخل دار الحرب بأمان أو أسر أو أسلم وهو منهم فتزوج امرأة منهم وخرج بها إلينا فهي حرة لا سبيل عليها ولا يسترقها وليس لها أن ترجع إلى أرض الحرب كالذمية. ولو قال الرجل: كنت أخرجتها قاهراً لها وأنكرت ذلك فهي مصدقة , حرة كانت أو ذمية , لا تترك والرجوع إلى بلد الحرب , ولا نكاح بينهما لإقراره أنه ملكها , ولا يسترقها حتى يقيم بينة مسلمين أنه أخرجها قهراً فيسترقها ويبطل النكاح , وليس نكاحه إايها أماناً لها. ولو قالت لست بزوجة له ولا قهرني ولكن أمنني فخرجت وادعى لأنها زوجة له وأنه لم يقهرها فهي حرة , فإن شاء الإمام أقرها على الذمة أو ردها ولا تكون له زوجة. ولو قال هي زوجتي فقهرتها وأجبرتها لم يصدق إلا ببينة مسلمين.
ولو أخرجها معه مقيدة بيده فهي أمة له لا خمس فيها. وإن لم يعلم أنه فعل هذا بها إلا بدار الإسلام وأنكرت الزوجية فلا سبيل له إليها وخروجها شبهة , فإما قبل منها وإلا ردت.
[3/ 140]

(3/140)


وعن ذمي دخل دار الحرب بأمان فتزوج بها امرأة فلم يخرج بها حتى استأمن عليها المسلمين فأمنوه فهي حرة ذمية إذا قبلت هي ذلك الأمان وخرجت معه , ثم ليس لها الرجوع إلى دار الحرب وإن أذن لها الزوج إن طلقها. ولو استأمن الذمي على أخته الكبيرة فخرجت راضية بذلك فهي آمنة لا سبيل عليها , وليس لها رجوع إلى أرض الحرب. ولو لم يستأمن عليها أحد أو أمنها هو فأخرجها حر مسلم فهي فيء وليست لمن أخذها. ولو قال أخوها أجرجتها وقد قهرتها بأرض الحرب لم يصدق وهي فيء. وإن قامت له بينة مسلمون فهي أمة له لا خمس فيها. وكذلك إن علم أنه أخرجها من أرض العدو مقيدة مغلولة , ولا يقبل في ذلك إلا مسلمون عدول. فإن لم يعلم أنه قهرها إلا في دار الإسلام فلا حق له فيها , وخروجها مع المسلم شبهة إذا قالت خرجت بأمانة , فإما قبل أو ترد إلى مأمنها وقد كان قال: تكون فيئاً لأنه لا يصدق على رقها , وهي فلم يعلم المسلمون بها إلا وهي في مقدرتهم. وإذا خرج المسلم بامرأة من أهل الحرب فقال تزوجتها فصدقته وليس إلا قولهما فهي له زوجة ذمية حرة.

في التداعي بين القادمين إلينا
على عهد في استرقاق بعضهم بعضاً
أو في رقيق قدموا بهم.

من كتاب ابن سحنون: وإذا خرج من بلد العدو علج ومسلم , فلما وصلا إلى عسكرنا قال المسلم أسيري , وقال الأسير جئت مستأمناً , فالأسير مصدق حتى يرد إلى مأمنه لأنه غير مقهور ولا مأسور. وكذلك لو قال أمنني فجئت معه فهو مصدق.
[3/ 141]

(3/141)


ولو جاء معه مكتوفاً أو مغلولاً أو في عنقه حبل يقوده به لم يصدق أنه مستأمن ويصدق المسلم أنه أسيره. وأما لو جاء مع عدد في غير وثاق ولا حديد فقال جئت مستأمناً وقال القوم هو أسيرنا , فهم مصدقون لأنهم عدد قاهرون له لا يقدر أن يتخلص منهم , وهو فيء لأهل الجيش. ولو كانوا مائة فقالوا إلا واحداً هو أسير , وقال الواحد بل هو مستأمن , لم يقبل ذلك إلا بشهادة رجلين ويكون أسيراً حتى يشهد له رجلان.
ولو خرج المسلم بحربية فقال تزوجتها فصدقته وليس إلا قومها فهي له زوجته ذمية حرة. ولو لم يدع الزوجية وقال أمنتها وجئت بها فهي شبهة , فإما قبل ذلك وإلا ردت إلى مأمنها , ولو لم يقل ذلك حتى أخذها المسلمون كانت فيئاً.
ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في حربيين قدما إلينا من بلد الحرب معهما رقيق وعروض , ومن ذلك ما سرقاه ببلدهما فتنازعا في ذلك وقد أسلما أو أسلم أحدهما , قال: أسلما أو لم يسلما فالرقيق والعروض بينهما إن لم يعلم أن ذلك في حوز أحدهما. فأما إن أسلم أحدهما فالذي لم يسلم , لو أقر بالرقيق والمتاع لصاحبه لم ينظر إلى إقراره لأنه عبد , وأمر ذلك إلى الإمام إذا كان يعرف ذلك في أيديهما , ويقاسم الإمام ذلك للمسلم. قال ولو أنكر الرقيق ملكهما وادعى كل واحد الحرية فهم كلهم سواء , لا يرق واحد للآخر حتى تقوم بينة بحيازتهما الرقيق والثياب أو حيازة أحدهما فيكون ذلك لمن حازه. قال: ومن أسلم منهم فماله له ومن لم يسلم فأمره إلى الإمام إن لم ينزل على عهد.
وفي كتاب ابن سحنون هذه المسالة وقال إنها عن بعض أصحابنا وقالوا: لو قدمنا بأمان فأسلم أحدهما , فإن كان في حوزهما فهو له.
[3/ 142]

(3/142)


قال سحنون عن ابن القاسم: وإذا قدم مسلم مع علج من أرض العدو فقال سرقته أو اشتريته وقال العلج بل خرجت معه رغبة في المقام عندكم , فقالقول قول العلج وهو حر إلا أن يقيم المسلم بينة.
وقال سحنون في كتاب ابنه: وهذا إذا لم يكن في وثاقه. وكذلك ذكر ابن حبيب عن أصبغ. قال ابن القاسم: ولو قدم علجان بأمان وادعى كل واحد ملك صاحبه فلا يقبل دعواهما وهما حران إن لم تقم بينة.
قال عنه أصبغ في العتبية , وهو في كتاب ابن المواز وابن حبيب لأشهب إلا أنه قال في عبد مملوك لمسلم , وفي سؤال أصبغ في أسير نصراني بيد مسلم , فعاهده على أن تركه على أنه يأتيه بابن نفسه أو بابنه أو بزوجته يفدي بذلك نفسه , فيذهب فيأتيه بهم ويقول سرقتهم أو غنمتهم ويقولون خرجنا معه بعهد , قال: فالقول قول الجائي بهم.
وقال ابن المواز: القول قولهم , ولا يقبل قوله لأنه مدع. قال أحمد بن ميسر: القول قوله لأنه سبق له الأمان قبلهم. ولو كانوا دخلوا أرض الإسلام وطلبوا الأمان ثم اختلفوا كان القول قولهم.
ومن كتاب ابن سحنون: وإذا قدم من بلد الحرب عبد كان أبق لسيده ومعه عبيد استألفهم وأنكر العبيد وقالوا نحن أحرار جئنا إلى أرض العرب ودين الإسلام , فجئنا معه على الصحبة وما أمن , قال: إن لم يكونوا في وثاق العبد فالقول قولهم , وعلى الإمام أن يفي لهم بعهد العبد إن أعطاهم عهداً أو يردهم إلى
[3/ 143]

(3/143)


مأمنهم. وإن كانوا في وثاق العبد فهم له عبيد. وإن ادعوا أنه إنما أوثقهم ببلد الإسلام حين خافوا على أنفسهم , فإن استدل على ما قالوا أنه إنما قهرهم بعد أن خرجوا معه فهم مصدقون , وإلا كانوا له أرقاء.

في المستأمن إلينا يسلم رقيقه أو يقدم بهم مسلمين
أو بيده رجل حر أو ذمي أو عبد مسلم
أو يجني جناية أو يحدث عندنا حدثاً
وكيف إن مات والقول في ماله وديونه
وفي الحصن يصالحون على ما بأيدينا فيوجد بأيديهم مسلمون

من كتاب ابن المواز قال ابن القاسم: وإذا نزل عندنا الحربيون بأمان للتجارة فأسلم رقيقهم أو بعضهم أو قدموا بهم مسلمين فلا يمنعوا من الرجوع إذا ودوا قيمة ما رضوا عليه. ولو كن إماء لم يمنعوا من وطئهن. وقال عبد الملك: بل يعطون في كل مسلم أوفر قيمة تكون وينزعون منهم.
ومن كتاب ابن حبيب: ومن أسلم من رقيق المستأمنين فليبلغ عليهم كما يفعل بالذمي , ثم لا يكون ذلك نقضاً للعهد , وقاله مطرف وابن الماجشون وروياه عن مالك , وقاله ابن نافع , وهو قول الأوزاعي.
وقال ابن القاسم: لا يباع عليهم وهذا وهم , ومن وجدناه بأيديهم من سبايا المسلمين فليؤخذوا منهم ويعطوا قيمتهم وإن كرهوا. وهذا أشد من الأول ولا يكون هذا خفراً. وأما ما بأيديهم من أموال المسلمين من ما أخذوا أو اشتروا أو بغير ذلك فلا يعرض لهم فيه. وكذلك إن كان في ذلك رقيق على غير الإسلام. وإن وجدنا في أيديهم أحرار ذمتنا لم يعرض لهم فيهم بثمن ولا بغير ثمن , وقاله مطرف وابن الماجشون وابن نافع وغيرهم ورووه عن مالك.
[3/ 144]

(3/144)


وانفرد ابن القاسم فقال: لا يعرض لهم فيما بأيديهم من سبايا المسلمين وأساراهم , ولا يعجبني. وأما إن أسلم المستأمن فيجتمع عليه أن يطلق من بيده من أحرار المسلمين وأهل الذمة , وأما أموالهم فهي له إلا أن يتنزه عنها ولا يحكم عليه. وقد كره مالك أن يشترى منه ومن المستأمن ما كان أحرز من أموال المسلمين , وإن لم يعرف ربه. قال ابن المواز: إذا أسلم وبيده أحرار ذمتنا فقال ابن القاسم يكونون رقيقاً له. وقال أشهب لا يسترقون وهم أحرار.
ومن كتاب ابن المواز: وإذا أودع المستأمن عندنا مالاً ثم رجع إلى بلده فمات أو مات عندنا فليرد ماله إلى ورثته. وكذلك لو قتل عندنا وكانت فيه الدية لبعث بالدية إلى من يرثه ويعتق قاتله رقبة. وكذلك لو قتل في محاربته المسلمين فإنا نبعث بماله الذي له عندنا إلى من يرثه. وأما لو أسر ثم قتل لصار ماله فيئاً لمن أسره وقتله لأنهم ملكوا رقبته قبل قتله. وقاله ابن القاسم وأصبغ.
قال ابن حبيب: وإذا مات عن مال وودائع فذلك لورثته إن قدموا , وعرفهم أنهم ورثته بشهادة مسلمين وإلا بعث إلى طاغيتهم. قاله مالك والأوزاعي وابن القاسم وأصبغ , وكذلك ديته إن قتل. قال ابن حبيب: وإن ظهرنا على ورثته قبل أن يأخذوا ذلك فذلك فيء. ولو رجع إلى بلده ثم سبي أو قتل بعد أن أسرناه كان ذلك فيئاً فيه الخمس. وإن قتل في المعركة فهو فيء لا خمس فيه لأنه لم يوجف عليه. وقاله ابن القاسم وابن الماجشون وأصبغ.
ومن كتاب ابن المواز: ولو أن المستأمن قتل عبداً مسلماً أو ذمياً لقتل به في العمد. وإن كان خطاً فعلى عاقلته الدية متى قدر على ذلك , وهو ما دام في عهده كالذمي في جميع أموره عند ابن القاسم وعبد الملك. ولو سرق من مسلم لقطع. ولو قذفه لحد , وليقطع من سرق منهم. وقال عبد الملك: يجري مجرى
[3/ 145]

(3/145)


الذمي في جراحاته وقتله في عمد أو خطأ وجناياته وسرقته وغصبه , وكذلك الرسل. ولا يرد الرسول حتى يعرف ما جاء به , وديته لورثته بأرضه. وقال أشهب: لا يقطع الحربي المستأمن في سرقته من مسلم أو ذمي ما قل أو كثر من حرزه , ولا على من سرق منه ولا حد عليه إن قذف مسلماً ولكن يعاقب.
وقال إن مالكاً قال: إن أخصني عبده لا يعتق عليه وكأنه أخصاه ببلده.
قال أشهب: ولو أخصني ذمي عبداً عتق عليه. وقال ابن اقاسم: لا يعتق عليه في ذلك ولا في المثلة ما كان في أمانه وهو كالذمي.
وقال ابن المواز: وإن لم يقم عليه حتى هرب إلى دار الحرب ثم عاد إلينا بأمان ثان , فليؤخذ بما تقدم ولا يزيله أمانه الثاني , ولا يؤخذ بما صنعه في بلده وفي غير عهده من قذف وقتل وغصب ونهب.
ومن كتاب ابن سحنون ذكر عن ابن القاسم مثل ما تقدم في المستأمن والذمي وقال: لا يعرض لهم في شرب الخمر وينهون عن إعلانه. وإن زنى رد إلى حكام دينه إلا أنه قال في جناية المعاهد لا عاقلة له: لأن العواقل على ثلاثة أوجه , عشيرة الجاني أو أهل جزية النصراني أو مسلم لا عشيرة له ولا ولاء كمن أسلم فعقله علي بيت مال المسلمين وميراثه لهم , والمعاهد ليس من هذه الأوجه , فذلك في ماله وإلا ففي ذمته , ولإمام منعه من الرجوع حتى يؤديها أو يبعث إلى بلده في ذلك إلا أن الدية عليه في ثلاث سنين مؤجلة. وقال أشهب: فإن أبوا أن يبعثوا إليه شيئاً فإنما عليه بقدر ما يلزمه معهم لو أطاعوا على اجتهاد الإمام , وقال سحنون: بل ذلك في ذمته.
[3/ 146]

(3/146)


ومن كتاب ابن حبيب: ذكر عن عبد الملك كما ذكر ابن المواز في المستأمن أنه يؤخذ بحوادثه عندنا , يحد في القذف والسرقة ويؤدب في الحوادث كالذمي. وقاله أصبغ وغيره , وهو قول الأوزاعي. وإن باع عبداً فظهرنا منه على عيب فليرد إليه وإن طال لبثه إلا أ، يكون العبد من المجوس أو الصقالبة أو شبههم فطال مقامهم بأيدي المسلمين فليرجعوا بقيمة العيب لأن ذلك فوت بإسلامهم. وكذلك عبد مجوسي إن أسلم عند مسلم وقد ابتاعه من ذمي أو مستأمن فليرجع بقيمة العيب. وقال ابن القاسم في هذا كله: يرد بالعيب ثم يباع عليه. والأول أحب إلي , وقاله ابن الماجشون وأشهب.
وقد نهى مالك عن بيع المجوس من أهل الذمة والكتابيين , فإن اشتروهم فعثر على ذلك بحدثانه بيعوا عليهم. وإن طال ذلك ورجعوا إلى دين الكتابيين تركوا إلا أن يكون الإمام نهى الكتابيين عن شرائهم فتعدوا فليعاقبهم بما رأى من سجن وغيره ويبيعهم عليهم من مسلم. وإن لم يتقدم إليهم تركوا وهو آثم في تفريطه. وإن شرط المستأمن في أمانه ألا يرد عليه من باع من الرقيق بعيب فلا يجيبهم إلى هذا. فإن جهل وفعل مضى لهم بشرطهم على من بلغه ذلك أو لم يبلغه , وينبغي للإمام أن يشهر ذلك. وإن اشترى بعضهم من تلك الرقيق ثم باعوها من الناس ففي هذه العهدة , وإنما لهم الشرط في بيعهم أولاً , وقاله لي من سألته من أصحاب مالك , وقاله أشهب وأصبغ وغيره.
ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون في شرطهم أن لا يرد عليهم ما باعوا بعيب: لا يلزم هذا ويرد عليهم بالعيب إن كان الرقيق من أهل الكتاب. وإن كانوا مجوساً فشراء المسلمين لهم فوت ويرجعون عليهم بقيمة العيب.
[3/ 147]

(3/147)


ومن كتاب ابن المواز والعتبية من رواية يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: وعن قوم من العدو قدموا لطلب صلح ومعهم عبد كان أبق لمسلم فلا يعرض له. ولو صالحناهم على هدنة وأداء الجزية ولم يشترط عليهم فيما بأيديهم للمسلمين شيئاً فلا يعرض لهم فيما حازوا قبل ذلك منا من عبد أو حر أو غيره إلا أن يفادوا فيه برضاهم , كانوا أخذوا ذلك أو أبق إليهم بعض عبيدنا. وأما من أسلم منهم قال مالك: فلا يؤخذ ما بيده إلا الحر المسلم. قال ابن القاسم: وليس بقياس ولكني أستحسنه , ولو لم يسلم لم يؤخذ منه.
وكره مالك أن يشترى من المسامن ما بيده من مال المسلمين. قال ابن المواز: أحب إلي أن يشتري منه ويعرض على صاحبه فيفديه إن شاء.
ومن العتبية قال سحنون: قال ابن القاسم في رسل ملك الروم إلى الخليفة يسلم بعضهم عندنا: فللباقين ردهم. وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم أبا جندل. وقال سحنون: ولو قدم إلينا معاهد معه مكاتب أو مدبر أبق إليه المسلم , فللمعاهد كتابة المكاتب. فإن وداها عتق وولاؤه لسيده. وإن عجز رق له وله خدمة المدبر. فإن مات سيده والثلث يحمله , عتق أو ما حما منه , وباقيه للمعاهد.
قال أبو زيد عن ابن القاسم: وإن قدموا لصلح أو تجارة ومعهم عبيد مسلمون فليمنعوا من ذلك ويتقدم إليهم فيهم. فإن عادوا عوقبوا. قال ابن القاسم
[3/ 148]

(3/148)


عن مالك: ولا يمنعون من ردهم , وكذلك من أسلم منهم عندنا. وقال عبد الملك: بل يعطون فيهم أوفر قيمة ويؤخذون منهم. قال ابن المواز قال عبد الملك: إذا قدم ومعه حر مسلم فليعط فيه قدر قيمة مثله , ولا يمكن أن يسرف في ثمنه ولا في ثمن الصغير. قال محمد: وقول مالك الذي رواه عنه ابن القاسم أحب إلي , وقاله أشهب.
ومن كتاب ابن سحنون في السير: وإذا أسلم عندنا عبد المستأمن بيع عليه. قال عيسى عن ابن القاسم في المعاهدين ينزلون بأمان فإذا فرغوا سرقوا عبيداً لنا أو أحراراً , ثم قدموا ثانية بأمان ولم يعرفوا وهم معهم , قال: يؤخذون منهم ولا يتركون يبيعون الأحرار ويطأون المسلمات. قيل: أليس قد صاروا حرباً ثم استأمنوا؟ قال: بل هم كمداينتهم للمسلمين ثم يهربون ثم ينزلون ثانية أن الديون تؤخذ منهم. ثم رجع ابن القاسم فقال: لا يؤخذ منهم حر ولا عبد ولا ما داينوا به المسلمين قبل ذلك.
وقال أشهب في حربي نزل عندنا بأمان فوجد كنزاً , قال هو له وعليه الخمس. وإن أقام عندنا ثم استأمن وله عبده فهو له. لفإن أسلم العبد بيع عليه وأعطى ثمنه.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه في المستأمن يصيب عندنا كنزاً: فإن كانت أرض عنوة فذلك لمن افتتحها بعد الخمس. وإن كانت صلحاً فذلك لأهل الصلح لا يخمس. وإن كانت من أرض العرب فهو لمن وجده من معاهد أو غيره. قاله ابن القاسم وخالفه أشهب.
[3/ 149]

(3/149)


قال ابن المواز: وأهلا كان مع المستأمن عبد مسلم مرتد فلا يعرض له فى قول ابن القاسم وليبعه إن شاء أو يرده كما لو أسلم أحد عبيده. ولو باع الحربى هذا المرتد لاستتيب فإن تاب وإلا قتل. قال: ولو اعترف الحربى المستأمن أنه عبد لمسلم أو لذمى أو ارتد، قال: إذا حكم عليه وليس كمال الحربى المستأمن. قال أصبغ قال أشهب: وإذا عرفه سيده فله أخذه وكل ما معه. وبلغنى عن أشهب خلافه وليس بصواب. وإن دخل إلينا فظهر أنه مرتد فليحكم فيه بحكم المسلمين.

قال أصبغ وأبو زيد عن ابن القاسم فى مسلم تنصر ولحق بأرض الحرب ثم قدم بأمان، قال: لا يقتل. وروى عنه فى الرسول يظهر أنه مرتد أنه يقتل. قال أصبغ: الرسول وغيره سواء.

قال ابن المواز: وإن داين المستأمن الناس عندنا ببيع أو سلف ثم عاد إلى بلده فد خلناها فغنمناه وماله وله عندنا ودائع ودين، قال: لولا غرماؤه كان ماله الذى ببلد الحرب والذى عندنا لمن غنمه، ولكن غرما ءه أحق بماله فى بلد الإسلام يأخذون منه دينهم إن بلغه. وإما ما كان له ببلد الحرب فللذين غنموه. وقاله ابن القاسم وأصبغ لأنهم أوجفوا عليه.
وفى كتاب ابن سحنون مثل ذلك وزاد: فإن وقع فى سهمان رجل أو اتباعه فآخرج لسيده مالا بأرض الشرك فذلك فىء للذين أصأبوه وليس لسيده إلا ما أفاد عنده، وليس له أيضاً ما كان له ببلد الإسلام من وديعة أو دين، وذلك للذين سبوه إلا أن يكون عليه ببلدنا دين فغرماؤه أحق بذلك دون ما كان ببلد الحرب. وقاله كله ابن القاسم.

وقال غيره: المال الذى له ببلدنا عليه فيه أمان وهو لا يملكه لأنه عبد، ولا يتبعه فى البيع وليرد إلى أهله وأهل مملكته. ولو أسلم أو عتق لم يكن له فى ماله
[3/ 150]

(3/150)


الذى بأرض الشرك شىء وإن أدركه بأيدى المسلمين. قال: وإما ما له أو عليه ببلدنا من دين أو وديعة أو رهن فليحكم له وعليه فى ذلك بحكم الإسلام. وإن مات عندنا أو كان حياً ولحق بأرض الحرب فمات أو قتل فتؤخذ منه الحقوق ويؤخذ له، وما فضل رد إلى ورثته. ولو أسر فصار عبداً كان ما فضل للمسلمين فيئاً فى قول ابن القاسم. وكذلك لو نقض العهد عندنا فقتل كان ما فضل بعد قضاء ديونه فيئاً فى بيت المال. ولو كان معه أم ولده فأسلمت ورجع إلى دار الحرب فلتعتق عليه إذا قال أنها أم ولدى ويتبعها ولدها. قيل: لا تعتق وتوقف حتى يسلم أو يموت.

ومن كتاب آخر قال ابن عبدوس: ولو أن حربياً أودع وديعةً فى دار الحرب ثم غنمه المسلمون فصار فى سهمان رجل فإن تلك الوديعة تكون للعبد لا للجيش الذين سبوه.

ومن كتاب ابن سحنون: وإذا قدم حربى عندنا فكاتب عبده فله الرجوع به إلا أن يسلم المكاتب فيباع كتابته من مسلم فيرق له إن عجز. وإن ودى فولاؤه للمسلمين ما دام سيده كافراً.

وإذا نزل عندنا الحربيون على الرجوع فعدا بعضهم على بعض، فبعض أصحابنا يرى أن لا يحكم بينهم الإمام ويردهم إلى أهل الذمة. ومنهم من يرى أن له أن يحكم بينه إذا رضى الخصمان لا برضاء أحدهما. وإن لم يقدر بعضهم من بعض قطع السارق. ويقطع المسلم إن سرق منهم. وإذا لم يقدر على السارق فلا شىء للمستأمن. ولو قدم معه بأسير فاغتيل فليطلبه له الإمام وليجتهد فإن لم يجده فلا شىء عليه.
[3/ 151]

(3/151)


وإن قدم ومعه ذرية فمات وله ذرية بأرض الحرب، فإن قدم على أن يرجع أو كان على ذلك جرى أمرهم على الرجوع فليرد ماله وذريته إلى بلده. وإن لم يكن كذلك فلا يرد ماله ولا لولده الرجوع وتؤخذ منهم الجزية، يريد: من ذكورهم إن بلغوا.

وإذا مات عندنا ولم يكن يذكر رجوعاً فإن كان أكثر المستأمنين بذلك البلد إنما هو على المقام، فميراثه للمسلمين ولم يكن لهذا أن يرجع. ولو كان شأنهم الرجوع فله الرجوع وميراثه إن مات يرد إلى ورثته، إلا أن تطول أقامته عندنا فليس له أن يرجع ولا يرد ميراثه. وإذا لم يعرف حاله ولا ذكر رجوعاً فميراثه للمسلمين.

ولو قدم أخوه فقال أنا أستأمن إليكم وهو يريد الرجوع لم ينظر إلى قول أخيه. وإن بعث المستأمن عبده إلى أرض الحرب فأخذته سرية للمسلمين، فإن قدم على المقام رد غليه عبده وإلا لم يرد إليه إذا أخذ بعد أن بلغ مأمنه. ولو أخذ قبل أن يبلغ مأمنه رد إليه. وكذلك فى مال إن كان مع العبد.
وإذا دخل مسلم بأمان دار الحرب فقتله حربى ثم قدم إلينا بأمان فقتله ولى المقتول فلا شىء على الوالى وليرد الإمام ديته لأنه أخذ الدم بما لا يجوز فى مثله من الخفر. وإذا جاء عسكرنا فاشترى أهله وقال أنا أبعث بالثمن مع عبدى فبعثه بالثمن فأبى العبد أن يرجع قال يرد إليه لأنه على هذا رجع.

ومن كتاب ابن سحنون قال سحنون وإذا أعطى أهل حصن أمان اً على ما بأيديهم فوجدنا بأيديهم مسلمين، قال يعطون قيمتهم كما لو أسلم عبد الذمى فبيع عليه فهذا مثله. وهذا إن كان صلحاً مؤبداً. فإما إن كان صلحاً إلى
[3/ 152]

(3/152)


وقت أو إلى أن يمر بهم الجيوش فلا يعرض لهم فيما بأيديهم من المسلمين. وعلى قول عبد الملك ذلك سواء ولهم القيمة فى الوجهين كما يعطى القادم بأمان قيمة المسلم فى يديه.

فى المعاهد يريد أن يبيع منا زوجته وولده
أو صالحت عبدك على أن يأتيك بذلك
من كتاب ابن المواز: وإذا قدم الحربى إلينا معه أهله وابنه وابنته فنزل عندنا مستأمناً فأراد بيعهم فلنا شراؤهم إلا أمرأته وابنه الكبير الذى ولى نفسه فلا يجوز بيعه كما لا يبيع صاحبه، إلا أن ترضى بذلك أمرأته وابنه وابنته التى وليت نفسها، لأن نزوله معهم بالأمان نزول واحد، وله بيع صغار بينه ورهنهم. وكذلك من هادن المسلمون مثل السنتين والثلاثة. فإما من صالحناه صلحاً لا أمد له فلا يجوز لمن قدم منهم بيع أولادهم لدخولهم معهم فى الصلح. قال ابن القاسم إن صالحناهم على مائة رأس كل عام، فإن كان عام اأو عام ين فلا بأس أن نأخذ ما أعطونا من أولادهم ونأخذ منهم النساء.

قال محمد: إنما جاز ها هنا أخذ النساء منهم لأنهم بأرضهم بخلاف من دخل بأمان ولو صولحوا على خراج كل سنة فأسلموا سقط عنهم.

قال أشهب فى عبد لرجل طلب سيده أن يخليه ويأتيه بزوجته أو بولده يكون ذلك فداءه ففعل، وجاء وادعوا أنهم خرجوا معه بعهد وقال هو بل سرقتهم أو غنمتهم، (قال: القول قول الذى جاء بهم لسيده.
[3/ 153]

(3/153)


وبقية القول فى الحربى والأسير يفدى زوجته بمال يرهن فيه ولده) وشبه ذلك فى أبواب الفداء فى كتاب آخر من كتاب الجهاد.

فى المستأمنة تريد أن تتزوج عندنا
من كتاب ابن المواز: قال أشهب فى علجة قدمت بأمان فأرادت نكاح مسلم وقالت ليس لى زوج أو قالت لى زوج تركته وحضت ثلاث حيض بعد خروجى، قال لها أن تتزوج. فإن كان لها زوج فاستبراؤها ثلاث حيض وهى مصدقة أنها حاضتها بعد آخر وطء وطئها. ولو قدم زوجها قبل تمام ثلاث حبض كان أحق بها إن لم تسلم هى.

ولو أسلمت لم يكن أحق بها إلا أن يسلم قبل تمام عدتها. (قال وخروجها إلى بلد الإسلام وحدها فراق ما لم يسلم هو قبل خروجها، وخروجها كما لو سبيت بغير) زوج، فهى تحل لمن صارت له بعد حيضة. قال أصبغ وذلك كالسبى.

قال محمد: فاستبراء السبى حيضة. وإذا جاءت وحدها فاستبراؤها ثلاث حيض. وإن قدم زوجها أو سبى قبل الحيضة وقبل أن توطأ فهو أحق بها، يريد فى المسيبة. وإن جاء بعد أن وطئت فلا نكاح بينهما ولا سبيل له إليها. ومن اشترى علجة وزوجها من المقاسم فلا يفرق بينهما فى النكاح، فإن هرب العلج لم يكن لسيدها وطؤها إن كانا أقرأ على النكاح وعلى ذلك بيعت.
ومن كتاب ابن حبيب: قال أصبغ فى المستأمنة تريد النكاح فلا ينبغى أن يتزوجها مسلم وإن قالت لا زوج لى، لأن لها أن ترجع إذا انقضى ما استأمنت
[3/ 154]

(3/154)


عليه، إلا أن تريد المكث ببلد الإسلام وعلى ذلك أمنت فلهاالنكاح بعد ثلاث حيض، كان لها زوج أو لم يكن لأنها جانحة، والجانح من الحربيين ليس له أن يرجع إلى بلد الحرب. وتلك التى لها أن ترجع المستأمنة للفداء (أو لتجارة ونحوه فكرهنا أن تتزوج لئلا يبقى ولد المسلم فى رحمها إذا رجعت. والقول فى الرهائن) والرسل فى كتاب آخر من الجهاد.

[3/ 155]

(3/155)


صفحة بيضاء

(3/156)


فى سهمان الخيل وسهم الفارس والراجل
وذكر المريض والفرس الرهيص والصغير ولهرم وما أشبه ذلك

من العتبية: روى يحيى بن يحيى قال: قال ابن نافع حدثنا عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم عن نافع عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم فرض للفرس سهمين وللرجل سهماً. ورواه ابن وهب عن نافع عن عبد الله بن عمر بإسناده. وفعله عمر ابن الخطاب ومضت به السنة. وذكر ابن حبيب من الرواية مثله.

وقال ابن سحنون: وما علمت أن من علماء الأمة من قال: إن للفرس سهماً ولفارسه سهم غير أبى حنيفة، وقد خالفه صاحباه أبو يوسف ومحمد، وما أرى مجوزاً أن يدخل هذا فى الإختلاف.

ومن الواضحة قال ابن حبيب: اختلف الرواية فى السهم لفرسين، فروى أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يسهم للزبير إلا لفرس واحد، وكان معه ثلاثة أفراس وروى أنه أسهم لفرسين. وأخذ به عمر بن عبد العزيز وغيره.
[3/ 157]

(3/157)


قال أبو محمد: وكذلك فى رواية ابن وهب وبه قال ابن وهب، ذكره عنه ابن سحنون.
قال ابن حبيب وقال مالك (فى الموطأ: قال الله تعالى فى كتابه (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل) قال مالك: فأرى البراذين والهجن من الخيل إذا أجازها الوالى. قال مالك: ولم أزل أسمع ان للفرس سهمين وللرجل سهم، ولم أسمع بالقسم إلا لفرس واحد.
ومن كتاب ابن حبيب: وقال مالك) وأصحابه: لا يسهم إلا لفرس واحد وهى روايته فى أمر الزبير. قال مالك: والخيل والبراذين سواء فى السهمان. قال ابن حبيب: والبراذين الدك العراض، فإذا أشبهت الخيل فى القتال عليها والطلب بها أسهم لها. وقال ابن الماجشون عن مالك: ويسهم للفرس الرهيص وإن كان كذلك منذ أدرب به، وقاله أشهب وأصبغ. قال ابن حبيب: بخلاف الكسير أوالخطيم يدخل به كذلك هذا لا يسهم له، وكأنه مات قبل الإدراب. وإما لو أوجف عليه صحيحاً ثم أصابه الكسر لكان له سهمه كما لو مات بعد الإيجاف.

ومن كتاب ابن سحنون قال مالك: يسهم للفرس المريض منذ أدربوا، وكذلك الرجل. وروى عنه أشهب وابن نافع أنه لا يسهم له، وبالقول الأول يأخذ سحنون. وروى عنه غير هذا فى المريض وقال: ما كل من حضر القتال يقاتل، وقال: ولا كل فرس يقاتل عليه. قال سحنون: وإن دخل دار الحرب بفرس لا يقدر أن يقاتل عليه من كبر أو مهر صعب لا يركب فهو راجل ولم يكن ينبغى للإمام أن يجيزه.
[3/ 158]

(3/158)


قال ابن المواز قال مالك: ومن لم يزل مريضاً منذ خرجوا من أرض الإسلام حتى قفلوا، فله سهمه. وكذلك الفرس لم يزل رهيصاً حتى قفلوا. قال ابن القاسم: وإن نفق قبل أن يحضر القتال لم يسهم له. ولو نفق بعد القتال وقبل الغنيمة أسهم له. وكذلك فى الرجل يموت على هذا المعنى.
قال ابن حبيب: وإما صغار الخيل لا مركب فيه ولا حمل فلا يسهم له. وإن كان فيه بعض القوة على ذلك أسهم له.

قال ابن سحنون عن أبيه: وإذا دخل رجل بفرس صغير لا يقاتل على مثله فأقاموا حتى كبر وصار يقاتل عليه فله من يومئذ سهم فرس لا فيما قبل ذلك. وإن كان لا يركب لمرض أو رهصة أو طلع فهو كالصحيح بخلاف الأول، وهذا يتوقع برؤه.
ومن بلغ وأنبت من الصبيان فى أرض العدو فلا يسهم له إلا فيما يغنمون بعدذلك. والفرس العقوق إذا وضعت وطال مقأمهم حتى كبر الولد، فمن يوم يصلح أن يقاتل عليه يسهم له. وأجمع أصحابنا أنه لا يرضخ لصاحب حمار أو بغل أو لصاحب برذون لا يجيزه الوالى.

وقال ابن وهب عن مالك فى من غزا على حمار أو بغل فأعطى فرس فى السبيل أيأخذه؟ قال: الحمار ضعيف والبغل أقوى، وإما الفرس فلا أرى أن يأخذه إلا أن يعلم من نفسه أنه يقوى على التقدم إلى إلاسنة. قال سحنون: ومن دخل دار الحرب راكب حمار ومعه فرس يقوده، أو راجل وفرسه عليه جل وهو يقوده أسهمت له سهم فارس. وقال أصحابنا: وإذا عسكروا بأرض الحرب ولبعضهم خيل فسروا رجالةً فليسهم للفرس.
[3/ 159]

(3/159)


وروى أصبغ عن ابن القاسم فى العتبية: وإذا لقوا العدو رجالةً وخيلهم فى رحالهم لغناهم عنها فأنه يسهم لخيلهم لأنها عدتهم.

ومن كتاب ابن سحنون قال مالك: والخيل التى يتجاعل فيها أهلالديوان، يسهم لها إذا حضروا الغزو. وإذا دخل رجلان أرض العدو ومعهما فرس وهو بينهما، فسهماه للذى ركبه فى القتال، وعليه للآخر نصف إجارته. وإن شهدا عليه القتال جميعاً، فلكل واحد منهما ما حضر عليه من القتال، وعليه نصف الإجارة لصاحبه إن كان يعرف ذلك، وإلا اقتسما الجميع وتحإلا. قال: ولو ركبه أحدهما كل الطريق فلما حضر القتال ركبه آخرهما، فالسهمان للذى ركبه فى القتال، ويغرم نصف الإجارة لصاحبه، وعلى راكبه أولاً نصف إجارته.

فيمن دخل أرض الحرب فارساً أو راجلاً
ثم انتقل إلى خلاف ذلك من ركوب أو رجلة
وفى من قاتل على فرس بعارية أو تعد أو شراء أو كراء
ومن مات بعد الإدراب

من كتاب بن سحنون قال سحنون قال مالك وأصحابنا: إذا دخل الجيش دار الحرب، فمن دخل منهم فارساً فهو فارس. ومن دخل منهم راجلاً فهو راجل وما مات من فرس أو رجل قبل الغنيمة فلا سهم له. ولو أخذ العدو فرسه قبل الغنيمة ثم رجع إليه فإنما يسهم له من كل ما غنموا بعد رجوعه إليه، وكذلك لو أسر ثم تخلص فإنما يسهم له فيما غنموا من يوم خلاصه. وكذلك الراجل يفيد فرساً فمن يوم يفيده يسهم له. وإذا قاتل فقتل فرسه ثم أسر ثم
[3/ 160]

(3/160)


غنموا بعده من ذلك القتال غنيمة ً ثم غنموا آخرى ثم تخلص وجاءهم فله سهمه فى غنيمة قتالهم الذى أسر فيه على أنه فارس، (ولا سهم له فيما غنموا بعد ذلك فى أسره. وإما ما غنموا بعد خلاصه فله فيه سهم) راجل، إلا أن يتخلص وهو فارس فله من يومئذ سهم فارس. وكذلك لو قفل أصحابه وجاء آخرون فتخلص إليهم فله مع هؤلاء من يوم تخلص إما فارس أو راجل، وله فى الأولين سهم فارس. ومن كتاب ابن حبيب: ومن أوجف فارساً ثم نفق فرسه قبل مشاهدة القتال لم يسهم لفرسه، ولو مات هو حينئذ لم يسهم له. ومن أوجف راجلاً ثم أفاد فرساً عند مشاهدة القتال بشراء أو كراء أو عارية أو بتعد فقاتل عليه فله سهم الفرس. وحد ذلك عند مالك مشاهدة القتال. وإما ابن الماجشون. فبالإيجاف يجب عنده وإن لم يشاهد قتالاً، فيوجب بالإيجاف لمن مات أو قتل من رجل أو فرس ما توجبه المشاهدة. ومن أوجف عنده راجلاً ثم أفاد فرساً حتى يمكن كونه بيده بملك أو كراء أو تعد فله سهمان الفرس. فإما إن ألفى فرساً عند زحمة القتال من خيل العدو أو خيل المسلمين فركبه بأحد هذه الوجوه فلا يأخذ سهميه، وسهماه لصاحب الفرس إلا أن يكون من خيل العدو فلا سهمان له. وإنما الفارس الداخل على فرس أو يفيده بحدثان ذلك وقبل شهوده القتال بأيما وجه وإن كان باعتداء إذا تمكن كونه بيده واستفرد دون الموجف عليه. قال ابن حبيب: وقول ابن الماجشون أقيس وبه أقول. وقول مالك استحسان وقال به أكثر أصحابه.
قال ابن المواز: ومن دخل أرض العدو راجلاً فاشترى فرساً فقاتل عليه فله سهمه، ولو دخل بفرس فنفق أو باعه قبل القتال فهذا يعد راجلاً. قال ابن القاسم: لا ينظر إلى الفصول إلى أرض العدو ولا النزول عليهم وإنما ينظر إلى القتال، فبه تجب السهام. وقال عبد الملك: بالإيجاف يجب له سهمه فيما غنموا.
[3/ 161]

(3/161)


ومن كتاب ابن سحنون ذكر سحنون قول عبد الملك هذا قال: وخالف فى ذلك أصحابنا وقال ولا يكون فارساً من أخذ فرساً عاثراً أو قتل مشركاً وركب فرسه أو استعاره من ساعته فلا يعطى سهم فارس وإنما الفارس من دخل على فرس أو اشتراه حتى تمكن فى كينونته له، وذلك لأنه إنما يجب عنده بالإدراب.

قال سحنون: وسهم الفرس المحبس للغازى عليه ولا يجعل فى علفه وسلاحه. ولو كرى فرساً أو استعاره فله سهم فارس. وقال ابن القاسم: ومن معه فضل فرس فى الغزو فأعطاه لرجل يقاتل عليه على أن له سهماً ولربه سهم فلا خير فيه. قال سحنون: فإن نزل فسهمان لراكبه وعليه إجارة مثله لربه وإن جأوز ذلك سهم الفرس.
وكذلك فى كتاب ابن المواز عن ابن القاسم عن مالك أن لربه أجر مثله. وقال ابن القاسم بل السهمان لربه إلا أن يكون دفعه إليه قبل خروجه من بلده. قال ابن القاسم صواب إن كانت عاريته غير بتل ومتى شاء أخذه.

ومن كتاب ابن سحنون: وكره مالك أن يكرى فرسه ممن يحرس عليه ومثله من لا يقاتل. فإذا قيل: من يرمى موضعاً كذا فله مائة درهم فيذهب فيرمى فهذا قبيح وكرهه.

وقال ابن القاسم فى فرس انفلت من ربه بأرض العدو فأخذه آخر فقاتل عليه حتى غنموا: إن سهمانه للذى انفلت منه وكذلك ذكر ابن المواز عن أصبغ عن ابن القاسم. قال سحنون: سهماه للذى قاتل عليه وعليه إجارة مثله إلا أن يكون هروبه من ربه بعد أن شهد عليه أول القتال وباشر عليه القتال فيكون السهمان لرب الفرس ولا أجر للمعتدى.
[3/ 162]

(3/162)


قال ابن القاسم: ولو شد القوم على دوابهم للقتال فعدا رجل على فرس آخر فقاتل عليه فغنموا مكانهم: إن سهمان الفرس لربه.

وكذلك عنه فى كتاب ابن المواز. قال ابن المواز: وكذلك لو تعدى عليه قبل يكون قتال، وليس ذلك مثل موت الفرس. وقال سحنون: بل السهمان للمعتدى وعليه أجر مثل الفرس إلا أن يأخذه بعد إثبات القتال، فيكون السهمان لربه.

قال ابن القاسم: ولو تعدى عليه فى أرض الإسلام فغزا عليه أو فى أرض العدو قبل حضور القتال فشهد عليه سريا أو قاتل عليه، فسهماه فى هذا للمتعدى وهو له ضأمن. قال سحنون هو كذلك فى السهمين، فإما الضمان فإن رده بحاله لم يضمن وعليه الإجارة. وإن رده وقد تغير أو عطب فربه مخير أن يضمنه قيمة الفرس أو يأخذ منه أجره فيما استعمله فيه، وقاله أشهب. ومن عقر فرسه قبل الغنيمة، يريد بعد القتال، فله سهم فارس فى تلك الغنيمة. ولو خرجوا من المدينة للقتال ثم أمر رجل غلأمه برد فرسه إلى منزله لم يضرب لربه إلا بسهم راجل. ولو رده العبد فلم يخرج من معركة القتال حتى أنهزم الكفار فلمولى العبد سهم فارس فى قول أشهب وسحنون، إذ لو شاء ربه أخذه فقاتل عليه.
(قال ابن المواز قال ابن القاسم: ومن تعدى فى أرض العدو على فرس لغيره فقاتل عليه) حتى غنم فسهمان الفرس للمتعدى وعليه لربه أجر مثله. قال ابن الموازعن أشهب: ولو وجد فرساً للعدو فأخذه قبل القتال فركب عليه فسهماه له وعليه أجر مثله لأهل الجيش.

وروى لنا عن أشهب خلاف هذا فى المركب يمنعه الريح أن يلحق بأصحابه: أن لأهله سهامهم، وهذا أصح، وهو قول مالك فى المريض والفرس
[3/ 163]

(3/163)


والرهيص والضال والمنفلت والمركب يعتل أو يرده الريح والأسير والدابة: إن سهمانهم قائمة لا يرد ذلك إلا الموت قبل القتال أو الرجوع بغير عذر أو البيع.

وروى لنا عن أشهب قول آخر فى من ضل فرسه يوم اللقاء فأخذه رجل فقاتل عليه: إن سهميه للذى ركبه وعليه لربه أجر الفرس. وكذلك لو غضبه إياه، وهذا قول متروك إذا كان دفعه إليه، يريد عاريةً بعد أن وقع القتال، وليس هو بمثل إذا أفلت منه أو غصبه رجل فقاتل عليه.
ومن كتاب ابن سحنون: ومن غصب فرسه بدار الحرب أو بدار الإسلام أو نزل عنه لحاجة أو غار فرسه، فإن رجع إليه قبل القتال فحضر عليه القتال فله سهم فارس. ولو قاتل عليه الغاصب كان له فى تلك الغنيمة سهم فارس، ويغرم لربه أجر مثله فى مثل ما استعمله، ثم يكون لربه فيما يستقبل سهم فارس، وابن القاسم لا يرى له أجراً.
قال سحنون: وإن تغير الفرس فربه مخير فى تضمينه قيمته ولا اجر له، (أو أخذه ناقصاً وإجارته. وكذلك لو غصبه بأرض الحرب على ما ذكرنا).وإذا أخبر لصاحب المقاسم عند دخوله أن فرسه قد غار أو غصب فليكتبه راجلاً، ثم إن خرج فلا يصدقه على وقت وجده إلا ببينة. ثم يصير فيما يغنم بعد ذلك فارساً. وإذا أحرزت الغنيمة فأخذ رجل منها فرساً فقاتل عليه، فقد سهل مالك فيه أن يأخذه يقاتل عليه أو ينقلب عليه إلى أهله، وكرهه فى رواية آخرى، وأنا أرى لهذه إلاباحة أن سهمى الفرس لراكبه ولا أجر عليه. ولو صرع رجلاً من العدو عن فرسه فركبه وقاتل عليه فإما ما غنم فى قتاله هذا عليه فلا سهم له لذلك الفرس. وإما ما حضر عليه بعد ذلك من السرايا وغيرها فله سهمه. وقال فى الوالى
[3/ 164]

(3/164)


يستعير منه رجل فرساً فى أرض العدو فيقاتل عليه إن سهمه لراكبه. وكذلك فى العتبية، رواه أشهب عن مالك. ورواه ابن القاسم عنه فى كتاب ابن المواز.

قال سحنون: ومن اعار رجلاً فرسه يقاتل عليه فسهماه للمعار، أعاره قبل الإدراب أو بعده. ولو كانت العارية مؤجلة أو إلى رجوعه أو لم يوقت فذلك سواء كله وسهماه للمستعير. ولو أعاره فى حومة القتال فإن كان فى أوله قبل بيان الظفر فهما للمعار. وإن كانت فى ىخره وبعد بيان الظفر فالسهمان لربه، ثم رجع فقال: هما للذى ناشب عليه القتال أول القتال.
قال ابن الماجشون: ومن أعار فرسه أول دخوله عليه بلد العدو واشترط إلى الرجوع أو لم يشترط فهذا للمستعير، وكان المعير قد أوجف بغيره. وإما إن أعاره واشترط السهمين أو بعضهما فأقام أو أوجف هو نفسه فله كراء مثله والسهمان للداخل عليه. وإما من تمكن من الإيجاف عليه والدخول فأعار بشرط أو بغير شرط أو بين فتحين، فإنظر ما وجب للفرس، فهو لمعيره لأنه بالإيجاف عندى وجب ذلك، ما لم يشترط جزءاً من سهم الفرس أو من سهمه، فهذا فاسد وله كراء مثله مع سهمى الفرس. وإما إن أعار فى سرية فما انفرد به من ذلك فهو له. فإما إذا رجع إلى أن يكون فى الجيوش والصوائف فهو لربه الذى أوجف عليه.

قال أشهب ومن غزا بأفراس له فإذا كان حمل من يقاتل فسهمانها لمن قاتل عليها. ولو شرط ربها أن يكون له السهمان فليعطوه كراء خيله
[3/ 165]

(3/165)


بقدر المسافة وبقدر إثخأنهم فى القتال وبقدر الخوف. قال سحنون: صواب ومن أعار رجلاً فرسه ليدخل به وليقاتل عليه لم يكن له نزعه منه قبل أن يقاتل، ثم إذا قاتل فله أخذه منه فيكون فيما يغنم بعد ذلك فارساً. ولو منعه منه أو جحده حتى فرغت المغانم فله حكم الغاصب.

قال سحنون فيمن حضر القتال على فرس فلم يفتح لهم فى يومهم. فباعه فقاتل عليه مبتاعه اليوم الثانى فلم يكن فتح فباعه الثانى فقاتل عليه الثالث يوماً ثالثاً ففتح لهم: إن سهم الفرس لبائعه الأول لأنه قتال واحد، كما لو مات بعد أول يوم وقاتل عليه أحد ورثته فى اليومين أو لم يقاتل: إن سهميه لورثته، وكل قتال مبتدأ بعد موته قاتل فيه وارث له على هذا الفرس فسهماه فيه للوارث وعليه أجر الفرس موروثاً.

قال الأوزاعى: ومن ابتاع فرساً وقد غنموا واشترط سهمه فجائز إن كان الثمن أكثر من السهم كمال العبد يشترط: قال سحنون: لا يجوز غن كان السهم ذهباً والثمن فضةً ويصير عرضاً بعرض وذهباً بذهب. ولو كان الثمن عرضاً والسهم معروفاُ جاز، وليس كالعبد لأن العبد يملك والفرس لا يملك. ولو كانت الغنيمة عروضاً والسهمان معروفةً جاز شراؤها مع الفرس بالذهب والورق. وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السهمان حتى يعلم ما هى.

ومن كتاب ابن حبيب: ومن أعطى فرسه لمن يقاتل عليه على أن سهمى الفرس لربه أو بينهما لم يجز فإن وقع فإن كان قبل القتال بأمد يتمكن كونه بيده وحوزه إياه فسهماه له، وإن كان ذلك بحدثان القتال فسهماه لربه وله على راكبه أجر مثله فى الوجهين فى مثل ما ركبه له وعرضه إياه، والحكم فى سهمان
[3/ 166]

(3/166)


الفرس فى صحة الكراء وفساده سواء. وكذلك لو أخذه متعدياً فالأمر فى سهمانه وكراته على ما ذكرنا. والأمر فى عاريته فى السهمان على ما ذكرنا ولا كراء فيه.

ومن كتاب ابن سحنون: وإذا نفق فرسه قبل القتال لم يسهم لفرسه. ولو حضر عليه القتال ثم نفق فله سهمه فى تلك الغنيمة. ولو نفق فرسه ثم كسب آخر قبل اللقاء فحضر القتال أو تركه فى العسكر فله سهم فارس وكذلك لو أفاده وقد التحم القتال. وكذلك لو قتل علجاً منهم فأخذ فرسه فقاتل عليه. وكذلك لو جاءه فرسه حينئذ. ومن مات أو قتل فى المعرطة قبل الغنيمة أو بعد فله سهمه. وكذلك بعد الهزيمة. ولو أصاب فرساً بعد هزيمتهم فقاتل عليه فله سهم راجل إلا فيما يستقبل بعد هذه الغنيمة. قال وينبغى للإمام أن يكتب أهل الجيش للغنائم إذا دنا من أهل الحرب قبل أن يغنموا وقبل أن يسروا السرايا.

فيمن مات بعد الإيجاف أو بعد القتال
ومن تخلف لمرض أو عذر أو ضل عن أصحابه أو بعث فى أمر
وفى المراكب يردها الريح أو يغرقها
من كتاب ابن المواز قال مالك: ومن فضل من الغزاة فأدراب ثم مات، ولعله قد نزل وتهيئوا للحرب ثم مات وكان القتال بعده وغنموا فلا سهم له. ولو وقع القتال ثم مات ولم يكن فتح ولا غنيمة ثم غنموا بعد ذلك فللميت سهمه موروثاً لورثته.

ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم مثله وذكره عن مالك وفى كتاب ابن سحنون نحوه، وقال: وكذلك لو قتل فله سهمه.
[3/ 167]

(3/167)


ومن كتاب ابن المواز قال: ولو لم يبلغ العسكر حتى مرض فخلفوه فى الطريق لعله يفيق فيلحق بهم فقاتلوا وغنموا ورجعوا فله سهمه. وكذلك إن كان تخلفه ببلد الإسلام وقبل أن يدرب فى بلد الحرب فله سهمه. قال ابن وهب عن مالك فى من مات بعد الوصول إلى أرض العدو وقبل القتال فلا سهم له. وإن مات بعد القتال قبل الغنيمة فله سهمه. ولو كانت غنيمة بعد غنيمة فما كان متتابعاً فله فيه سهمه فى الجميع، مثل أن يفتحوا (حصناً ثم يموت ثم يفتحوا) آخر على جهة الأمر الأول. قال أصبغ: وإما لو رجعوا قافلين ونحو ذلك من انقطاع الأمر فلا شىء له فيما استؤنف بعده.

كذلك روى عيسى عن ابن القاسم فى العتبية من أول المسألة، وقال عنه يحيى: ويقسم فى كل ما غنموا بعد موته من أسلاب الجيش الذين قاتلوهم أو من فتح حصن أو من ما أوجفت عليه خيلهم من سرايا وغير ذلك إذا مات بعد القتال. وإما إن لم يكن قتال إلا بعد موته فلا شىء له فيه وإن أوجف.
قال فى كتاب ابن المواز: ولو حاصروا حصناً فقتل فى أول يوم ثم أقام أصحابه حتى فتحوه بعد أيام فله سهمه فيه. ولو مات قبل حضور القتال (فلا سهم له. ولو حضر القتال) وهو مريض ثم مات ثم فتحوه حصوناً بعده حصناً بعد حصن، فله سهمه فى الجميع وذهب عبد الملك إلى أن من مات بعد الإيجاف فله سهمه فى كل ماغنموا بعد ذلك، والإيجاف عنده الوصول إلى أرض العدو ومفارقة أرض الإسلام.
[3/ 168]

(3/168)


قال ابن المواز قال ابن القاسم عن مالك فى المراكب تفصل إلى أرض العدو ثم يرد بعضها الريح إلى أرض الإسلام ولم يرجع أهلها من قبل أنفسهم، فإن لهم سهمانهم مع أصحابهم الذين وصلوا إلى أرض العدو وغنموا. قال عبد الملك: وكذلك لو كان سلطانهم الذى ردته الريح فسلطأنه عليهم قائم والغنيمة له ولمن معه كما لو حضروا القتال.

قال ابن سحنون: اختلف قول سحنون فى الذين ردتهم الريح فقال: لا سهم لهم مع الذين غنموا، وهذه الرواية على معنى من يقول بالإدراب، ثم رجع فقال: لهم سهمهم لأنهم مغلوبون كما قال مالك.

ومن كتاب ابن المواز: من مات ممن ردته الريح أو خلفه بالطريق مرض فكمن مات بعد أن فصل: إن مات بعد القتال فله سهمه وإن مات قبله فلا شىء له. قال مالك: وإن خرجت مراكب من مصر غزاة فاعتقل منها مركب فتخلفوا لإصلاحه فخافوا إذ بقوا وحدهم فرجعوا إلى الشام فلا شىء لهم فيما غنم أصحابهم. وكذلك لو مرضوا فرجعوا أو انكسر مركبهم فرجعوا.
قلت: فإن أسهموا لهم وأعطوهم؟ قال: فلا يرجعوا عليهم قد فات ذلك وأنفقوه.
قلت: فلو ولجوا بلد العدو وجاءوا قبرس ثم عرض لهم ما عرض فرجعوا إلى الشام خوفاً من العدو حتى رجع الجيش؟ قال: هذا عذر إذا بان خوفهم فهذا مشكل ويسهم لهم. قال محمد: الرجوع عند مالك أشد إلا رجوع يتبين فيه العذر ولا يكون رجوعهم رغبةً عن أصحابهم. قال عبد الملك: وإن فرقت المراكب الريح وحالت بينهم الظلمة أو عرض لهم غير ذلك حتى غنم بعضهم ولم يغنم الباقون، أو ردت الريح أميرهم وأوجف الباقون، فكل رجوع كان بأمر غالب
[3/ 169]

(3/169)


فهو كمن لم يرجع، وكالسرايا يغنم بعضها دون بعض فذلك بين الجميع ولواليهم معهم وكذلك لمن ضل منهم. ومن تاه عن السرية قبل القتال ولم يرجع حتى غنموا فله سهمه. وقاله أصبغ عن ابن القاسم فى من ضل عنهم. وكذلك من تاه بأرض العدو أو فى أرض الإسلام فى الطريق قبل بلوغهم.

قال سحنون: قد قالوا فيمن مات بعد الإدراب فلا سهم له، فالذى رده المرض ومن ردته الريح أولى أن يمنع.
وقال عن أشهب فى من تاه من سرية فلقى سريةً آخرى من غير عسكرهم فغنم معهم فإن كان السريتان خرجتا من أرض الإسلام فكلهم شركاء.
قال ابن المواز: وإن كان السرية من غير أصحاب الثانية، فإن دخل معهم قبل القتال ثم قاتلوا وغنموا فله سهمه. ثم إذا رجع إلى أصحابه ضم ما غنم إلى ما غنموا وكانوا شركاء.

وقال ابن سحنون عن أبيه مثل ما ذكر ابن المواز من أول المسألة، وذكر عن أشهب أنه لا شىء للذى ضل من ماغنم الجيش إذا ضل قبل الوقعة، ويصير حكمه حكم السرية التى صار إليها، غنم معهم أو لم يغنم. قال ابن سحنون: وهذا القياس على قولهم فيمن مات بعد الإدراب وقبل الغنيمة.
قال ابن سحنون عن أبيه: واختلف فى رجل ضل من سرية فاجتمع مع آخرى فقاتل معها فأخذ سهماً ثم اجتمع مع الأولى، والذى أقول به أنه يضم ما أخذ مع السرية الآخرى إلى ما غنم أصحابه ويقسمون ذلك كله. وروى ابن نافع عن مالك فيمن ضل عن العسكر حتى غنموا أنه لا سهم له. وقال ابن نافع له سهمه.
[3/ 170]

(3/170)


قال ابن المواز: ولو بعث الأمير قوماً من الجيش قبل أن يصل إلى بلد العدو فى أمر من مصلحة الجيش، من حشد أو أقامة أسواق أو غير ذلك، فاشتغلوا فى ذلك حتى غنم الجيش فلهم معهم سهمهم. وقد قسم النبى صلى الله عليه وسلم لعثمان يوم بدر وقد خلفه على ابنته، وقسم لطلحة وسعيد بن زيد وهما غائبان بالشام.
قال سحنون: وكذلك روى ابن وهب وابن نافع عن مالك. وروى عن مالك أنه لا شىء له إن بعثه الإمام فى بعض مصالح المسلمين ثم غنموا بعده، وبالأول أقول. وقال: وإذا رد الإمام قوماً من بعض الطريق لضعف الناس وإثقالهم وما وقف من دوابهم، فإن كل من رده لمصلحة المسلمين فله سهمه فيما غنم الجيش بعده إذا رده بعد الإدراب فى بلد الحرب. ومن رده لذلك قبل الإدراب فلا سهم له. وقال أيضاً قبل هذا: ما أعرف الإدراب ولم يقله من أصحابنا إلا عبد الملك، وأنكر ما ذكر منه عن المغيرة وقال وأرى أن كل من رده للمصلحة فله سهمه. وقد أسهم النبى صلى الله عليه وسلم يوم بدر لعثمان وقد خلفه على ابنته، ولا أعرف الإمام يرد المرضى والخيل ولكن يرد الرجل للخبر وشبهه.
وقال: ومن مرض بعد الإدراب وقبل القتال فرده الإمام لمرضه إلى بلد الإسلام فله سهمه على قول ابن القاسم.
ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فى أهل مركب غزوا فنزلوا ببعض مواضع الروم فبعثوا رجلاً إلى ناحية من الجزيرة ليختبر لهم ما فيها من مراكب المسلمين فأبطأ عليهم فأقلعوا إلى موضع أصأبوا فيه غنائم فإن للرسول نصيبه معهم إن كان قد رجع فلم يجدهم. فإن كان قد أقام عند من وجد من المسلمين رافضاً لأصحابه فلا شىء له معهم.
[3/ 171]

(3/171)


ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فى أمير خرج بأصحابه فلما دنا من العدو عرض لهم نهر فأمرهم بجوازه فأبى بعضهم وخافوه وجازه الباقون معه فغنموا، فلا يشركهم من تخلف فيما غنموا. وإن أنكروا أن يكونوا تخلفوا عن أميرهم فالقول قولهم إلا أن تشهد عليهم بينة ممن تخلف أو من غير الفريقين. فإما من جاز مع الأمير فلا يقبلون لجرهم إلى أنفسهم، فلا تقبل شهادة الأمير عليهم. وقال ابن وهب مثله.

وقال ابن سحنون عن أبيه مثله إن كان النهر جوازه خطر ومهلكة، فقد أخطأ الذين جازوا ويدخل من تخلف معهم فيما غنموا. وإن كان النهر على غير ذلك فلا سهم للمتخلفين إذ لا عذر لهم فى تخلفهم، ثم القول فى باقيها كما قال ابن القاسم إلا قوله إن الإمام كأحدهم فيما قال، وأرى أن الإمام إن كان عدلاً فقوله مقبول على من تخلف، وليس ذلك من طريق الشهادة.

ومن كتاب ابن سحنون قال: وسأل شجرة سحنون عن أربع مراكب خرجت للغزو، فلما بلغوا سرادنية أو قرسقة وجدوا مركباً عظيماً للروم، فغنموه وأجمعوا على الغزو إلى بعض الجزائر، فلم يمكنهم السير بذلك المركب العظيم، فاتفقوا على أن يدخل فيه ثلاثة من كل مركب منهم ويقيم معه مركب منهم ويمضى الثلاثة، وقالوا للباقين تمضون إلى مرسى كذا من بلد الروم نأتيكم إليه، فإن أقمتم عشرين يوماً ولم نأتكم، فإذهبوا إلى بلد الإسلام، فمضوا على هذا فغنمت الثلاثة غنائم، ولم تأت الريح المركب الرابع مع المركب الكبير، وجاءت
[3/ 172]

(3/172)


الثلاثة إلى موضع الموعد فأقاموا عشرين يوماً للموعد فلم يأتوا، فذهبوا إلى بلد الإسلام ثم طاب الريح للمركبين فأتوا أيضاً وقد غنموا أو لم يغنموا، فتنازعوا فيما غنمت الثلاثة مراكب وفيما غنم هؤلاء، قال: ذلك كله بينهم وقد ثبتت شركتهم لنصر بعضهم بعضاً، وأمرهم واحد وللفارس منهم سهمه وللراجل سهمه.

قال سحنون: وإذا نزل المسلمون بحصن فيه حصون بعضها فى بعض فلما فتح الحصن الأول مات رجل أو قتل، ثم فتح حصنان بعده أو ثلاثة فى يوم أو أيام لم يسهم للرجل إلا فى غنيمة الحصن الأول.

قيل له روى عيسى عن ابن القاسم: إن كان شيئاً متتابعاً قبل أن ينقطع ذلك فله سهمه فى ذلك كله، وقد يقاتل عشرة أيام وهذا قريب، وإن كانوا رجعوا وشبه ذلك ثم ائتنفوا قتالاً فهذا أمر مؤتنف. قال: لا أعرف هذا، وإنما له فيما وقعت فيه المناشبة قبل موته. وإما ما ابتدأ قتاله من الحصون بعد موته فلا شىء له فيه ولو كان للمدينة أرباص ولها أسوار فمات أو قتل بعد أن أخذوا فى قتال المدينة ثم فتح الربص الأول (وصار الكفار فى الربض الثانى فأخذ الناس فى قتالهم فى الثانى وانتهب الربض الأول) فتمادوا حتى فتحوا الثانى وانتقل العدو إلى الثالث، وتمادى الناس فى قتالهم فى غير فور واحد حتى فتحوا المدينة، قال: هذا قتال واحد ولمن مات فى أول القتال سهمه فى جميعه، وهذا كأنهزأم الميمنة أو الطلائع ثم يموت أحدهم ثم تنهزم الميسرة. قال: ولو قأمت الصفوف منا ومنهم ثم مات رجل قبل المناشبة فلا سهم له فى ذلك القتال.

قال أبو محمد: وبعد هذا باب فى القسم للغائب والقتيل والأسير وغيره، فيه بعض ما فى هذا الباب الثانى.

تم الجزء الثالث من كتاب الجهاد وبتمامه تم الجزء الثالث من كتاب النوادر ويتلوه إن شاء الله فى الذى يليه فيما تغنمه السرية تتقدم أو تتآخر عن العسكر
[3/ 173]

(3/173)