النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

كتاب العدة
باب في عدة المطلقات من ذوات الأقراء أو من اليائسات واللائي لم يحضن والحوامل، وذات الريب وذكر من مات أو طلق في بعض الشهر وذكر الأقراء ما هي؟
من كتاب ابن المواز وغيره، قال مالك في قول الله سبحانه وتعالي: "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء"، أنها الأطهار، بدليل قوله تعالى: "فطلقوهن لعدتهن". وإنما تطلق في طهر تعتد به. وقرأ ابن عمر: لقبل عدتهن. وفي حديثه دليل أخر، إذا أمره النبي عليه السلام أن يطلق للطهر، وقال: تلك العدة الذي أمر الله أن يطلق لها النساء قال بعض متبعي مالك، والقرء مذكر، ولو عنى به الحيض لقال: ثلاث قروء. والقرء: جمع الرحم الدم، ولا يجمعه إلا في الطهر، ومنه قريت الضيف. جمعته إليك ... [5/ 23]

(5/23)


قال الشاعر: ذراعي حرة أو ماء بكر ... هجان اللون لم تقرا جنينا
وقال آخر: لما ضاع منه من قروء نسائكا
ومن طلق آخر الطهر، فقد حصل له طهر تام، لأن المبتغي من الطهر، أن يخرجك إلى حيض، فحينئذ يدل أنه قروء، ولو تعدى فوطئها في الحيض، لم يكن مجئ الطهر والأعلى براءة الرحم، كان الخروج من الطهر إلى الحيض أبلغ في براءة الرحم، فدل ذلك أن الأقراء الأطهار.
قال ابن المواز: قال مالك: وذكره عنه أشهب في العتبية، في قول الله سبحانه: "واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم"، قال: ذكر سبحانه عدة الحائض والحامل في آية، ولم يذكر فيها التي يئست من المحيض، والتي لم تحض، ثم ذكرها في آية أخرى، فقال: "إن ارتبتم". يقول:] فلم تدروا ما عدتهن ["فعدتهن ثلاثة أشهر". وقال غيره: إن ارتبتم في معاودة الحيض لهن. وهي ريبة مستقبلة/، ولو كانت ماضية لقال: أن ارتبتم، بفتح الألف، والله اعلم، واحتج غيره بما تأول مالك، فقال: بل يعني بقوله: "إن ارتبتم"، إذا ارتبتم، لا يأتي في معنى إذا فتصير ماضية، والله أعلم. قال مالك: فذكر تعالى العدة في الطلاق في ذوات الحيض وعدة من لم يحضن، ومن يئسن من المحيض. وقال في الحوامل: "وأولت الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن"، فكان هذا عاما في الطلاق والوفاة. [5/ 24]

(5/24)


ومن كان ابن المواز، قال مالك: وهو [في كتاب ابن سحنون عن] أشهب وسحنون، قال سحنون: وهو قول مالك وأصحابه: إن عدة المطلقة الحرة من ذوات الحيض ثلاثة قروء، والأمة قرآن، وعدة الحوامل الوضع، من حرة أو أمة، من طلاق أو وفاة، وعدة اليائسة من المحيض، والتي لم تبلغ، حرة كانت أو أمة، قال بعض أصحابه: ولم تنقص الأمة، إذ لا يبرأ رحم في الأصول من الشهور بأقل من ثلاثة أشهر. قال مالك وأصحابه: وأكثره من شرح أشهب. وأما المرتابة – وهي التي كانت قد حاضت ثم فقدت الحيضة المعتادة- فإنها ترفع ألى تسع أشهر استبراء، ثم ثلاثة عدة، وكذلك لو حاضت مرة من دهرها، ثم انقطع عنها سنين كثيرة، لمرض أو غيره، وقد ولدت أو لم تلد، ثم طلقت، فإن عدتها الأقراء ما لم تبلع سن من لا تحيض فلا ترتقب الحيضة، فإن لم ترها في وقتها فلترجع إلى تسعة أشهر استبراء الريبة، فإن لم تحض فيها صارت كاليائسة فلتأتنف حينئذ ثلاثة أشهر عدة/ اليائسة، فتحل بالسنة، حرة كانت أو أمة، وهذا فيمن في سن من تحيض مثلها، حتى إذا بلغت سن من لا تحيض مثلها، فعدتها ثلاثة أشهر في الحرة والأمة في الطلاق وليست هذه بمرتابة.
وإذا حلت المرتابة بالسنة ثم تزوجت ثم طلقت، فعدتها ثلاثة أشهر في الحرة والأمة، وإن تبلغ سن اليائسة، لأنها اعتدت بالشهور مرة فصار لها حكم اليائسة إلا أن يعاودها الحيض ولو مرة فترجع إلى الحيض، ولا تحل إلا بثلاثة قروء في الحرة في الطلاق، وقرأين في الأمة، إلا أن ترتفع الحيضة، فترجع إلى حال المرتابة، فلا تحل إلا بسنة لا تحيض فيها، أو بما ذكرنا من الحيض، وما رأته اليائسة من الدم وقلن النساء: ليس بحيض لم تعتد به وتدع له الصلاة وتتطهر منه، وعدتها ثلاثة أشهر من يوم طلاق، والمرتابة التي تفقد الحيضة فترفع إلى السنة فإنها تحسب السنة يوم طهرت من تلك الحيضة، وإذا كانت من شأنها [5/ 25]

(5/25)


أن تحيض من ستة أشهر إلى مثلها أو من سنة إلى سنة أو إلى أكثر فلتأخذ في السنة وترتقب الحيضة، فإن جاء وقت الحيضة في السنة فلم ترها، حلت بتمام سنة من يوم طلاق، وإن حاضت كالعادة، فقد حلت، وإن مرت سنة ولم يأت وقت حيضتها، انتظرت وقتها، فإن لم ترها فيه، حلت، ثم إن حاضت بعد مضي وقتها بيوم لم يلتفت إلى ذلك، وإن جاء وقتها فحاضت فيه رجعت إلى الحيض فاحتسبت به، ثم حسبت السنة من يوم طهرت من الحيضة الثانية، فإن تمت سن ولم يات وقت/حيضها انتظرت وقت حيضها، وإن أتتها ائتنفت أيضا السنة ووقت مجئ حيضتها، فإن لم تأتها عند وقتها فقد حلت. وكذلك التي تحيض في السنة مرة تعمل هكذا حتى تعمل هكذا حتى تكمل لها ثلاث حيض، وسنة لا حيض فيها.
قال سحنون، في كتاب ابنه: وخالف ابن نافع أصحابنا أجمع في المطلقة تحيض حيضة أو حيضتين، ترفعها الحيضة، فقال: إذا كانت ممن يحيض مثلها، انتظرت خمس سنين، وإن كانت ممن ييأس مثلها من الحيضة، اعتدت بالسنة تسعة أشهر، ثم ثلاثة، وأصحابنا لا يفرقون بينهما، والعدة فيهما بالسنة. يعني سحنون – والله أعلم- فيمن يحتمل أن تحيض، وأما فيمن لا يحتمل ذلك منها، فعدتها ثلاثة أشهر. وقد تقدم هذا من كتاب ابن المواز.
قال مالك، في كتاب ابن المواز: وإذا مضى للمسترابة في الطلاق سنة، وفي الوفاة تسعة أشهر، فقد حلت، إلا أن تحس من بطنها حسا، فلتتربص إلى أقصى حمل النساء، خمس سنين، أو أربع، هكذا قال ابن القاسم. أراه يريد فيه القولين، قال: إلا أن تنقطع الريبة قبل ذلك، فتحل، وقال أصبغ: أربع سنين أقصى الحمل، وقال في موضع آخر: خمس سنين. وقال ابن عبدالحكم: تقيم أقصى حمل النساء.
قال أشهب: ولا أرى المرأة تلد أبدا وهي ترى الدم على حملها، وقد تحمل أربع سنين، وخمسا وستا وأقل وأكثر، وبلغني أن امرأة ابن عجلان حملت سبع سنين. قال مالك، في كتاب ابن سحنون، وغيره: وعدة المستحاضة في الطلاق [5/ 26]

(5/26)


سنة، حرة كان أم أمة، وللزوج الرجعة في السنة كلها وتحمل بالسنة، إلا أن/ تقيم إلى زوال الريبة، وبعد هذا باب في عدة المستحاضة، وباب في عدة المرضع والمريضة.
قال مالك: وعدة الحامل الوضع، في الطلاق والوفاة، وإن وضعت ولدا، وبقي في بطنها ولد، فله الرجعة إلى وضع آخر ولد، ولو طلقها بعد وضع الأول فله الرجعة إلى آخر ما تضع. قال أشهب: وتنقضي العدة بوضع المضغة والعلقة في الوفاة والطلاق، وأما الدم المجتمع فلا. وهذا في البائن وغير البائن في الحرة والأمة.
ومن العتبية، من سماع ابن القاسم، وفي كتاب ابن الموز، قال مالك: وإذا مات، أو طلق وعدة زوجته بالشهور، فليحسب إلى مثل تلك الساعة التي مات فيها أو طلق. ثم رجع، فقال: أرى إن بلغن ذلك اليوم، فإن نكحت بعد أن بلغت مثل تلك الساعة، لم أفسخ نكاحها لأنها قد أكملت، قال في كتاب ابن المواز: وتحصي ما بقي من هذا الشهر، وتحتسب بعد تمامه بالأهلة في الوفاة ثلاثة أشهر، ثم تتم على بقية الشهر الأول ثلاثين يوما، كان تاما أو ناقصا، ثم عشرة أيام، وفي الطلاق على نحو هذا.

باب في عدة الوفاة للحرة والأمة وكيف إن كانت حاملا أو مسترابة أو مستحاضة؟
ومن كتاب ابن المواز، وابن سحنون، قال: ومن قول مالك وأصحابه: أن عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشر، كانت صغيرة أو كبيرة، مدخولا بها أو غير مدخول بها، وفي الأمة شهران وخمس ليال، لا يراعى فيها حيض، إلا أن ترتاب حداهما/ بتأخير الحيضة عن وقتها، فترتفع إلى تسعة أشهر في الحرة والأمة، فتحل، إلا أن تحس تحريكا، فتقيم إلى خمس سنين. [5/ 27]

(5/27)


قال أصبغ: كانت حرة أو أمة، كانت الحرة مسلمة أو كتابية، أو كانت أم ولد أو استبراء في بيع. وكذلك في الوفاة والطلاق، في الأمة والحرة، قال: والمرتابة بتأخير الحيض في الطلاق يبدأ فيها بتسعة أشهر استبراء، إذ هو أكثر الحمل في أكثر النساء، فإذا لم تردها كانت كاليائسة، وقيل لها: اعتدى بثلاثة أشهر. وأما في الوفاة، فليس عدتها بالحيض، لكن بالشهور، وإن فقدت الحيضة في وقتها، بلغنا بها إلى شهور الحمل في أكثر النساء فكان لها ذلك براءة، وكذلك قضى عمر.
قال مالك: وذلك في الحرة والأمة، إلا أن تحيض الحرة قبل التسعة وبعد الأربعة الأشهر والعشر، أو الأمة بعد الشهرين وخمس ليال، فتحل حينئذ، وإذا كانت الحرة لم تحض، أو يائسة من المحيض، فإنها تحل بأربعة أشهر وعشر. وكذلك التي بلغت حد المحيض فلم تحض، ولا تحل الأمة من هؤلاء إلا بتمام ثلاثة أشهر.
قال أشهب: إلا أن يؤمن مثلها الحمل فتبرأ بشهرين وخمس ليال. وكذلك كل من فيها بقية رق، ومن لم تتم لها أحكام الحرية. وإذ اعتدت الحرة بالأربعة الأشهر والعشر، والأمة بشهرين وخمس ليال، ورأينا في ذلك الحيض على العادة، حلتا، وإن تأخرت رفعتا إلى تسعة أشهر. قال مالك، في الكتابين وفي العتيبة من رواية ابن القاسم: وإذا كانت لا تحيض إلا من ستة أشهر إلى/مثلها، أو من سنة إلى مثلها، فانقضت عدتها في الوفاة، ولم يأت فيها وقت حيضتها المعتادة، فقد حلت، وإن قرب وقت حيضتها، إلا أن ترتاب بحس البطن، وإن مر بها وقت الحيضة فلم تحض، رفعت إلى التسعة من يوم الموت.
قال في العتيبة: فإن مضت الأربعة أشهر وعشر فلم ترتب، فلينظر إليها النساء، فإن لم يرين بها ريبة حلت. قال ابن المواز: قال أشهب: وقد قال مالك لابن كنانة في هذه التي تحيض من ستة أشهر إلى مثلها، فإن لم يأت وقت حيضتها في شهور العدة: أنها تقيم حتى تحيض، ثم رجع إلى ما ذكر، وذكر ابن [5/ 28]

(5/28)


حبيب عن أشهب، وابن الماجشون. وذكره سحنون عنهما، وقال به في التي تتم العدة أربعة أشهر وعشرًا، ويمر بها وقت الحيضة فلم تحض أنها لا تنظر إلى ذلك وتحل بتمام عدتها، وتحل الأمة بتمام ثلاثة أشهر إلا أن يحسا ريبة الحس المولد فتقفا أقصى حمل النساء. وذكر ابن حبيب؛ عن ابن القاسم ومطرف، وأصبغ، مثل ما ذكر ابن المواز عن مالك مما تقدم، وقال: هو أحوط.
قال سحنون: وقال أشهب في أم الولد يموت السيد أو يعتقها، وفي الأمة تعتق أو تباع وشأنها أن تحيض في كل ستة أشهر مرة، وفي السنة مرة: أنهن يحللن بثلاثة أشهر إذا نظرهن النساء ولم يربن بهن شيئا، بخلاف الحرة، لأن تلك عدتها، وهذه استبراء، قال أشهب: وهذا على حد قول مالك، وعلى أول قوله، يبلغ بهن تسعة أشهر.
ومن كتاب ابن المواز، قال أشهب، عن مالك، وعدة / الأمة في الوفاة شهران وخمس ليال، فتحل بها إن مرت في ذلك وقت حيضتها فحاضتها، وإذا لم يمر عليها وقتها فلتتم ثلاثة أشهر وتحل إذا لم يمر أيضا عليها فيها وقت الحيضة فإنها تحل بتمامها وإن قرب وقت حيضتها، إلا أن ترتاب بالحس، ولو مر عليها وقت الحيضة فإنها تحل بتمامها وإن قرب وقت حيضتها، إلا أن ترتاب بالحس، ولو مر عليها في الثلاثة وقت الحيضة فلم ترها رفعت إلى تسعة كالحرة. يريد: إلا أن تحيض قبل ذلك. قال: وكذلك في الاستحاضة، فعدة الحرة والأمة في الوفاة –وهي مستحاضة- تسعة أشهر، وفي الطلاق سنة، فإن لم تكن ريبة ولا استحاضة، فعدة الأمة في الوفاة شهران وخمس ليال إن كانت صغيرة لم تبلغ الوطء أو كانت لم يقربها أو كانت يائسة من المحيض، فثلاثة أشهر، فإن نكحت قبل تمامها، فسخ نكاحها. قال بعض أصحابه ولم نجد في الأصول رحما يبرأ من وطء بغير حيض ممن يمكن منها الحمل في أقل من ثلاثة أشهر. قال أشهب، عن مالك: عدة الامة في الوفاة شهران وخمس ليال. قال ابن المواز: فإذا بنى بها وخيف من مثلها الحمل ولم تحض، فلتتم ثلاثة أشهر، وكذلك ذكره سحنون، عن أشهب وغيره. قال ابن المواز: قال أشهب: وقاله عمر بن عبدالعزيز، وابن شهاب وربيعة، ويحيى بن سعيد ومالك، والليث. قال ابن المواز: فإن نكحت بعد [5/ 29]

(5/29)


شهرين وخمس ليال، وقبل [ثلاثة أشهر فسخ ولم يعاقبا إلا أن تنكح قبل شهرين وخمس ليال وقبل] شهر ونصف في الطلاق. وهذا كله قول أشهب؛ لأنه لا يبرأ رحم ولا يستبين حمل في أقل من ثلاثة أشهر.
وروي/ أبو زيد عن ابن القاسم، في العتيبة، في الأمة المرضع، أن عدتها في الوفاة شهران وخمس ليال، وتحل بها وإن لم تحض، إلا أن تستريب. يريد: بالحس.
ومن كتاب ابن المواز، قال أصبغ: وإن تزوجت الحرة المستحاضة والمسترابة بتأخير الحيض بعد أربعة أشهر وعشر، في الوفاة، وقبل تمام تسعة أشهر لم أفسخ نكاحها، لأنها اعتدت بما أمرت به، وقد أبهم الله سبحانه ذلك، وقد علم أن منهن من تحمل، وإنما الزيادة استظهار، إلا أن تجد من بطنها حركة، فيفسخ إن نكحت قبل زوال ذلك، وعدة الحامل في الوفاة والطلاق الوضع. وقد ذكرنا تمام ذكرها في الباب الأول.

باب في عدة المريضة أو المرضع من حرة أو أمة في الطلاق وهل يعزل الولد عن المرضع ليعاودها الحيض؟
ومن كتاب ابن المواز، ونحوه في كتاب ابن سحنون، عن عبدالملك وأشهب وسحنون، قال ابن المواز: ولم يختلف مالك وأصحابه في المرضعة إذا لم تحض أنه لا يبرئها أبدا في الطلاق إلا الحيض ما أقامت حتى يزول الرضاع، وتأتنف الحيض، وتقيم سنة من يوم قطعت الرضاع بموت الصبي أو فطامه أو عزله. وقال ابن المواز: وإنما السنة لمن لم يدر لم رفعتها الحيضة؟ والمرضع، وقد علمت أن بالرضاع تأخرت، وقاله علي بن أبي طالب، وعثمان، وزيد بن ثابت. [5/ 30]

(5/30)


قال مالك: وإن طلب انتزاع ابن المرضع/؛ ليتعجل حيضها، خوفا أن ترقه، فذلك له في طلاق الرجعة خاصة، أو قال: لأني أريد نكاح أختها، أو عمتها. أو كانت راتبة فقال: لأتزوج غيرها. فذلك له بالقضاء إذا علم صدقه، وإنه لتأخير الحيض، ولم يطلب ضررا بها ولا بالوالد. قال مالك: وهذا في صبي يقبل غير أمه، فأما إن خيف إن انتزع منها مات، فهذا لا ينزع منها. وكذلك فيما ذكرنا إن كانت هي الطالبة لطرحه. وكله قول مالك في طلاق الرجعة، فأما في البائن وفي الوفاة، فلا.
قال ابن المواز: [واختلف في عدة المريضة في الطلاق إذا]، لم تحض، فروى ابن القاسم، عن مالك، عدتها سنة، وقال ابن القاسم، وعبدالملك، وأشهب، وأصبغ، عدتها الأقراء وإن تباعدت. قال محمد: وهذا أحب إلينا، وعليها واحدة. قال ابن المواز: قال مالك: وذكر مثله ابن سحنون، وعن أشهب، وعبدالملك، وسحنون، قالوا: وعدة المريضة أو المرضع في الوفاة سواء، لأن عدتها الشهور، وإن كانتا ممن يحيض، ويحلان بالأربعة أشهر وعشر، إلا أن يحسا التحريك.
قال ابن القاسم، وأشهب: وإن كانت أمة، فثلاثة أشهر، لأنه أقل ما يبرأ به الرحم.
قال ابن المواز: قال ابن القاسم، عن مالك، في المريضة المثقلة تحمل، ثم وضعت ثم طلقت ولم تحض، فعدتها سنة كالمستحاضة. ومن العتبية، روى أبو زيد عن ابن القاسم في الأمة تباع وهي ترضع فاستبراؤها ثلاثة أشهر، وإن طلقت فعليها حيضتان بعد الرضاع، وفي الوفاة، عليها شهران وخمس/ ليال وإن لم تحض إلا أن تستريب. قال عبدالله: ذكر ابن المواز في كتاب الرضاع، فيمن طلق امرأته وهي مرضع، فانقضت عدتها، فتزوجت واللبنمتماد بها، ثم أرضعت [5/ 31]

(5/31)


به: أنه ابن للزوجين، فانظر حتى تنقضي عدتها مع الرضاع وتحيض لا تأتي معه في أكثر النساء، إلا أن نقول: إنه إن جاء فيه أنها تعتد به كما قال بعض أصحابنا في المستحاضة.

في المعتدة من زوجين ممن نكحت في العدة أو المنعى لها أو امرأة المفقود، والتي تعتد للطلاق ولا تعلم بالرجعة
من كتاب ابن المواز، قال في المرأة تتزوج في عدتها، فيفسخ ذلك بعد البناء، قبل تمام العدة، فائتناف ثلاث حيض تجزيها، فإن كان بها حمل، فإن كان من الأول، وذلك قبل أن تنكح قبل حيض أو تنكح بعد حيضة، فتضعه لأقل من ستة أشهر من يوم نكاح الثاني، فهذه يبرئها الوضع من الزوجين، قال مالك: وإن تزوجت في حيضة، ووضعت لستة أشهر فأكثر من يوم نكاح الثاني، فهو له. وروى أشهب عن مالك أن ذلك يبرئها من الزوجين. محمد: إن في ذلك لضعفا. قال محمد: وتأتنف ثلاث حيض بعد الوضع، قال مالك، وابن القاسم: ولو كان الحمل من زنى، لم يبرئها وضعه ولا تبرأ بوضع ما يلحق بأبيه إلا في الملاعنة فإنها تبرأ به لأنه إذا استلحقه لحق به، والمنعى لها، إذا نكحت بعد العدة ثم قدم فطلقها وهي حامل من الثاني فلا يبرئها الوضع ولتأتنف بعد وضعها ثلاث/ حيض، كالمرضع إذا طلقت، تأتنف بعد زوال الرضاع، وإن لم تحمل، إئتنفت من طلاق الأول ثلاث حيض وأبرأتها، ولو لم يطلق، ولكن مات بعد أن قدم وهي في الاستبراء من الثاني فعليها أقصر الأجلين. هذا قول مالك وابن القاسم وأصحابهما إلا أشهب، فقال: إن أتى الأول ثم مات وهي حامل من الثاني إن وضعها يبرئها منها. قال ابن القاسم: ليست هذه كالناكحة في العدة تلد فيبرئها ذلك منها.
قال أصبغ: ولو طلقها الأول في حملها من الثاني لم يكن لها بد من ائتناف العدة بعد الوضع ثلاث حيض، كان الطلاق بائنا أو غير بائن، وغير هذا خطأ [5/ 32]

(5/32)


لأن الطلاق وعدته وجبت بعد الحمل، والحمل من غير من تعتد منه ولم يختلف ابن القاسم وأشهب أن ائتناف الحيض يبرئها منها في المنعي لها، والناكحة في العدة، وإنما اختلفا في الحمل في امرأة المنعي. قال أشهب: يبين بها وضع الحمل وإن كان من الثاني، وإن كان في وفاة الأول وطلاقه. وابن القاسم يقول: تأتنف في الطلاق بعد الوضع ثلاث حيض، وفي الوفاة يحسب لها من يوم موته أربعة أشهر وعشر ويكون عليها الإحداد فيها وإن تضع انتظرت الوضع تطالب أقصى الأجلين، وتحل.
قال مالك، في امرأة المفقود تتزوج في الأربع سنين ويدخل بها ويفرق بينهما: إنها تقيم تمام الأربع سنين، ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا، لابد في ذلك من ثلاث حيض وليس بنكاح في عدة. قال مالك والأمة تباع في بقية عدة من طلاق [أو وفاة فعليها حيضة مع بقية العدة، وإن كانت لا تحيض فثلاثة أشهر من يوم البيع. قال والتي تعلم بطلاق ولا تعلم برجعة من مسافر أو حاضر سواء إن بنى بها الثاني فهو أحق بها وكذلك كتب محمد. قال محمد والحاضر أعظم ظلما ولو دخل بها الثاني قبل موت الأول جاز نكاحه ولم ترث الأول. ولو مات المرتجع قبل بناء الثاني بعد نكاحه فدخل الثاني في عدة الأول فهو واطئ في عدة لا تحل له وترث الأول. ويختلف أصحاب مالك في هذا. يريد أصحاب مالك القائلين أنه لا يفيتها إلا الدخول. قال محمد وتعتد هذه أقصى الأجلين أربعة أشهر وعشرا مع ثلاث حيض.
محمد قال ابن القاسم ولو بنى بها الثاني بعد موت الأول وتمام عدته فرق بينهما وورثت الأول بعد وينكحها هذا إن شاء بعد ثلاث حيض.
محمد ولو ارتجعها الأول ثم طلقها ثانية فلم تعلم برجعته ولا بطلاقه الثاني حتى بنى بها الثاني قبل تمام عدتها الثانية كان ناكحها في عدة. قاله لنا عبد الملك. قالو التي تعلم بالطلاق ولا تعلم بالرجعة حتى تتزوج [فهو أحق بها ما لم [5/ 33]

(5/33)


يبن بها الثاني فيكون الثاني أحق بها وليس] كالمفقود إذا لم يقم بينة أنه ارتجع قبل عقد الثاني حتى يصح ذلك عند الزوج الثاني أو عندها قبل البناء فإما بقوله بعد عقده النكاح إني ارتجعت قبل عقدة الثاني فلا يقبل ذلك منه.

باب في عدة من يبلغها الطلاق أو الموت بعد مدة أو يظهر حنث متقدم
والتي تبني على عدتها أو تأتنف العدة فيما يحدث/ من طلاق ثان أو موت أو عتق في الأمة وأم الولد تلد في العدة أو بعدها
من العتبية، من سماع ابن القاسم في الذي يشك في يمينه فيقف ويسأل ثم يتبين له الحنث، فإن عدتها من يوم وقف عنها، ليس من يوم تبين له الحنث. قال ابن القاسم: فإن مات قبل ذلك، نظر في يمينه، فإن كان يحنث فيها لم يرثها ولا ترثه. وفي باب طلاق المريض في كتاب الطلاق: ذكر من الميراث فيما يشبه هذا.
ومن كتاب ابن [المواز من شك في حنثه بطلاق البتة] ثم أقام أياما ثم تبين حنثه، فإن أيقن بالحنث فالعدة من يوم كان فيها حانثا، وإن ألزم ذلك نفسه للشك فالعدة من يوم ألزم ذلك نفسه أو ألزم. وقال أصبغ.
محمد: لأن ما قبل ذلك مشكوك فيه. ومن غير هذا الكتاب عن مالك في التي يبلغها موته أو طلاقها، فالعدة من يوم [يصح موته، أو يصح طلاقه، ولو قدم، فأقر بالطلاق في سفره، فالعدة من يوم] إقراره، إذا لم تقم بينة، ولا يرتجع [5/ 34]

(5/34)


إلا في بقية العدة من تاريخ طلاقه على ما أقر به، ولو قامت بذلك بينة، كانت العدة من أول ما طلق، فإن انقضت فلا رجعة له.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ومن خالع زوجته ثم نكحها في العدة ثم طلقها قبل أن يمس، فهذه تأتنف العدة التي على عدتها الأولى ولها نصف الصداق، ولو طلقها طلاق رجعة، ثم ارتجعها في العدة ثم طلق قبل أن يمس فهذه تأتنف العدة، لأن الرجعة صدمت العدة، وكذلك قال فيها في سماع ابن القاسم في العتبية. ومن أعتق أمته/ أو أم ولده في عدة وفاة أو طلاق حلت بتمامها ولو لم يبق منها إلا يوم واحد، ولو أعتقها بعد خروجها من العدة، فأم الولد تأتنف حيضة والأمة تحل مكانها، وأم الولد إن كانت معزولة عن السيد، أو غابت عنه مدة فلا بد من حيضة في موته أو عتقه مؤتنفة، لا يجزئها إن كانت حائضا يومئذ.
كما يجزي في البيع في أول الدم، ما لم يكن الموت أو العتق في بقية عدة الزوج وحدوث العتق في العدة لا ينقلها إلى عدة الحرة، وحدوث الموت في طلاق الرجعة خاصة بوجب الانتقال إلى عدة الوفاة، وهدم العدة من الوفاة، كما تهدمها الرجعة.
قال مالك فيمن صالح امرأته ثم تزوجها في العدة ثم طلقها، يريد قبل البناء، فلتبن على عدتها الأولى، فإن مات في بقية منها وقد طلق لم تنتقل، ولو مات بعد أن نكحها ولم يطلق ثانية فعليها أقصى الأجلين تم بقية عدتها الأولى، وأربعة أشهر وعشرا من يوم مات بالإحداد. قال سحنون: فإذا تمت الأربعة أشهر وعشر، سقط الإحداد فيما بقي من تمام عدة الطلاق.
قال ابن المواز: وإذا طلقت الأمة واحدة ثم عتقت ثم مات الزوج فإنها تنتقل إلى عدة الوفاة عدة الحرة، ولو عتقت بعد موته انتقلت إلى عدة الوفاة، عدة أمة. من كتاب ابن سحنون، قال: وممن يطالب أقصى الأجلين، إن شهد [5/ 35]

(5/35)


على رجل أنه قال: إحدى نسائي طالق البتة. ثم مات وهي مجهولة، فعليهن أقصى الأجلين.
وأما الذي يقر أنه كان طلق زوجته منذ وقت تنقضي فيه العدة، فليس في هذا أقصى الأجلين]، أو مات، فتعتد عدة الوفاة، وإن عاش فعدة الطلاق، وهي ترثه ولا يرثها./

في عدة المستحاضة في الطلاق والوفاة في الحرة والأمة وأم الولد واستحاضة الحامل
من كتاب ابن المواز، قال مالك: عدة المستحاضة في الطلاق سنة كالمرتابة، تسعة أشهر استبراء وثلاثة عدة، كانت حرة أو أمة أو كتابية، والرجعة في ذلك تائمة، فإن ظهر حمل فالوضع يحلها، وإن جاءت الحيضة وزالت الاستحاضة رجعت إلى الحيض، وإن تمت سنة في الاستحاضة حلت. قال مالك: ربما عرفت إقبال الحيضة بكثرة الدم وإدبارها بقلة الدم، ولكن عدتها سنة؛ لأنها لا توقن أن ذلك كذلك.
قال مالك في التي طلقت فحاضت ثم تمادي بها الدم استحاضة ثم انقطع قبل السنة، فإن أيقنت أول أوله حيضة حسبت السنة من يوم القطع أو تحيض حيضتين، وإن شكت طالبت ثلاث حيض بعد الاستحاضة، أو سنة من يوم الطلاق. محمد: وقال بعض أصحابنا: تحسب السنة من بعد الحيضة والاستظهار إن أيقنت أنها حيضة، فإن شكت فالسنة من يوم طلقت.
قال محمد: والقياس في شكلها لن يكون السنة من بعد أيام الاستظهار، وقول مالك أولى لأنه أشبه بقول عمر. وابن المسيب: أن السنة في شك الحيضة من يوم طلق حتى توقن بالحيضة. [5/ 36]

(5/36)


قال أصبغ: وقد كان قال ابن القاسم في التي تطلق وهي مستحاضة ثم ينقطع الدم: أن السنة من يوم انقطعت الاستحاضة قبل تمام السنة ولو لم يبق منها إلا شهر. وليس هذا بشيء (وإنما) تنقطع السنة بحيضة/ مستقيمة قبل السنة، فهذه تبتدي سنة من بعد الحيضة، فأما إن انقطع مع الاستحاضة بلا حيضة فالسنة من يوم الطلاق انقطع ذلك الدم أو لم ينقطع [وإلى هذا رجع ابن القاسم. قال محمد إذا طلقت في الدم ثم انقطع لسنة من يوم الطلاق انقطع ذلك الدم أو لم ينقطع فإن كان] ذلك حيضة أو استحاضة، وهو جواب ابن القاسم، خبرني به أصبغ.
قال أصبغ: إذا طلقت وهي مستحاضة وأقامت ستة أشهر ثم انقطع عنها ستة أشهر فقد حلت. وكذلك لو لم تر دما من يوم الطلاق ستة أشهر ثم استحاضت فبتمام سنة من يوم الطلاق تحل إلا أن تحس حركة البطن فتقيم إلى أن تنفش أو تأتي حيضة أو تبلغ خمس سنين ثم تحل. قال: وإن طلق فاسترابت فانتظر سنة فرأت فيها دما يوما أو ما لا يكون حيضا انتظرت سنة من يوم الطلاق.
قال أصبغ: وإذا صلت المستحاضة صلاتين بوضوء واحد، لم تعد إذا رأت دما لا تشك أنه دم حيضة تركت صلاة فيه، وإن طلقت فيه جبر على الرجعة، وتغتسل بانقطاع هذا الدم الجديد ولا تعتد به من طلاق، وعدتها لسنة، وإن تمادى بها الدم المستنكر استطهرت بثلاثة أيام، ثم اغتسلت كغير المسحاضة، وقيل: لا تستظهر هذه ولا التي أول ما تبلغ ولا الحامل.
قال مالك: وعدة المستحاضة في الوفاة في الحرة أربعة أشهر وعشر وفي الأمة، ثلاثة أشهر إلا أن تستريب إحداهما فتقيم (إلى زوال الريبة). وقال ابن كنانة وأشهب، ورواه ابن القاسم عن مالك. وقال ابن وهب عن مالك: تقيم [5/ 37]

(5/37)


تسعة أشهر. وقال ابن وهب. [قالا واستحاضتها من أشد الريبة وإنما هريقت على] ولدها، وإذا استحيضت الحامل تركت الصلاة، واختلف فيه عن مالك؛/ فروى عنه أشهب وابن وهب – وقال به- أنها تستظهر على أيام حيضتها بثلاث. وقال أصبغ.
قال أصبغ: وتستظهر الجارية أول ما تبلغ على أيام لذاتها بثلاث، وإذا استحيضت أم ولد في وفاة السيد أو أمة قد عتقت أو بيعت فثلاثة أشهر يبرئنها، وكذلك في الريبة لتأخير الحيضة أو تأخيرها للرضاع أو مرض إلا أن تحس حركة البطن فتقيم إلى زوال ذلك، وإذا فلن النساء: لا حمل بها. وقد تمت الثلاثة أشهر، فقد حلت.

جامع من ذكر عدة الأمة وأم الولد والاستبراء في بيع أو عتق ومن اشترى زوجته وشبه ذلك
من كتاب ابن المواز، روى ابن القاسم عن مالك في تأخير حيض الأمة في البيع ترفع إلى التسعة. وروى عن أشهب: ثلاثة أشهر تبرئها إذا نظرها النساء وقلن لا حمل بها. وعلى هذا أصحاب مالك، بخلاف تأخير الحيضة في أم الولد والأمة في النكاح فهي تكون كالحرة في النكاح ويتفقن في اللواتي لم يحضن أو يئسن من المحيض أن ثلاثة أشهر براءة في ذلك كله إلا أن تحس حركة.
ومن ابتاع زوجته ثم باعها أو أعتقها قبل أن يطأها فلابد من حيضتين، عدة الفسخ. قال جميع أصحاب مالك. وكان من قول مالك: أنه تجزئها حيضة ما لم يكن طلقها قبل أن يستبرئها ثم رجع فقال: حيضتين من يوم الشراء إلا أن [5/ 38]

(5/38)


يطأها بعد الشراء فتجزئها حيضة، ولو لم يطأها حتى مضت حيضتان، أجزأها ذلك في العتق، وله أن يزوجها، وإن باعها، فلابد من الاستبراء./
محمد: وإن باعها بعد حيضة من يوم شرائه أجزائها حيضة أخرى، وإن تأخرت فلابد من السنة لأنها في عدة نكاح.
قال ابن القاسم ولو كانت تحت عبد فاشتراها وهو مأذون ثم انتزعها منه السيد مكانها قبل أن يصيبها العبد، فلا يقربها إلا بعد حيضتين، لا لبيع من غيره، ولو وطئها العبد قبل الانتزاع استبرأها سيدها بحيضة، وإن تأخرت فبثلاثة أشهر، بخلاف ريبة العدة.
ومن ابتاع زوجته ثم اعتقها قبل أن يطأها فله هو نكاحها وإن لم تحض شيئا. وكذلك لو كانت حاملا، إلا أن يأتي عليها ستة أشهر من يوم حملها فتصير كالمريضة لا تنكح. وكذلك في أم الولد يعتقها ثم يتزوجها.
ومن خالع زوجته الأمة ثم اشتراها قبل تمام العدة فله وطؤها مكانه. ومن ابتاع أمة، فخلا بها، ثم استحقت حرة فلا بد لها من عدة الحرة: ثلاثة قروء وإن تصادف أنه لم يمس. ومن أعتق أمته في أول الحيضة، أجزتها، كالبيع ولا تجزي أم الولد. ومن قال لأمته: إذا مات زوجك فأنت حرة. فعدتها من شهران وخمس ليال لأن العتق بعد الموت وقع. قال: وذهب ابن المسيب، أن على أم الولد من وفاة سيدها أربعة أشهر وعشرا. وإنما هذا عدة الزوجات وهذه مملوكة، وخالفه كثير من التابعين وقالوا: حيضة. وهو قول ابن عمر، وزيد ابن ثابت وغيرهما من الصحابة.
ومن ابتاع زوجته قبل البناء حل له وطؤها مكانه لأنها حلت له بالنكاح. قال ابن حبيب: قال مطرف، وابن الماجشون، ومن غصب أمة نفسها/، فاستبراؤها حيضتان، وإن طاوعته، فاستبراؤها حيضة. قال أصبغ: في ذلك كله حيضة. [5/ 39]

(5/39)


باب في عدة النصرانية وكيف إن أسلمت تحت كافر أو أسلم؟ وكيف إن أسلم ثم مات؟ وعدة امرأة المرتد
من كتاب ابن المواز، قال: ولا أعرض لنصرانية في عدتها من نصراني إلا أن تنكح مسلما فلا يجوز أن ينكحها إلا بعد ثلاث حيض في الوفاة والطلاق، إلا أن يكون لم يبن بها، فلا عدة عليها لوفاة أو طلاق. ومن تزوجها قبل تمام الثلاث حيض ودخل بها. قال ابن وهب: يفسخ نكاحه. وقال أصبغ: لا يحكم بذلك للاختلاف في الاستبراء، قد قيل: حيضة واحدة، ولكن الثلاث احتياط. قال مالك: وعدتها من المسلم الحر والعبد عدة الحرة في الوفاة والطلاق تجبر على ذلك وعلى الإحداد.
قال أشهب: وإن أنكحت تحت نصراني فمات في عدتها كافرا فليس عليها غير تمام ثلاثة قروء من يوم أسلمت، ولو أسلم فيها ثم مات لانتقلت إلى عدة الوفاة تأتنفها من يوم موته، ولو أسلم هو دونها فعليها ما على المسلمة من العدة والإحداد إن كانت كتابية، فإن عرض عليه الإسلام بعد إسلامه فأبت فلا عدة عليها للوفاة وعليها ثلاث حيض تجبر على ذلك، وإن لم يعرض عليها الإسلام حتى مات فقد قيل: عليها في الحرة أربعة أشهر وعشر وفي الأمة شهران وخمس ليال. وقد قال: ليس عليها إلا ثلاث حيض لأنه كان بريا من عصم الكوافر ولا كان له عليها عصمة/ ولا رجعة، وإن أسلم وتحته ستة، ثم طلقها، لم يلزمه الطلاق عند أشهب ويلزمه عند ابن القاسم يريد هذا إن أسلمت بالقرب قبل يعرض عليها الإسلام. [5/ 40]

(5/40)


باب في عدة النكاح الفاسد وذكر امرأة الصبي والخصي
من كتاب ابن المواز: وعدة النكاح الفاسد في الحرة والأمة كالنكاح الصحيح إلا في الوفاة فإنه لا يختلف فيما كان يفسخ قبل البناء، فعدتها أربعة أشهر في الحرة إذا مات قبل الفسخ بنى أو لم يبن، وما يفسخ بعد البناء، فلا عدة وفاة فيه، وإن بنى، فقيه ثلاث حيض. قاله أشهب وأصبغ. وإليه رجع ابن القاسم.
قال أصبغ وغيره: هذا خطأ. قال محمد: يعني، شيئا ذكر عن ابن القاسم، فيمن نكح في العدة، ثم مات أنها تعتد أربعة أشهر وعشرا. قال محمد: ولعله إنما تزوجها في عدة منه. وروى عيسى عن ابن القاسم في العتبية فيمن نكح في المرض، وبنى فيه، ثم مات، أن عليها أربعة أشهر وعشرا.
وقال ابن سحنون عن أبيه: قال مالك في امرأة المرتد: إنها تعتد من يوم ردته عدة المطلقة ولا ميراث بينهما في العدة، وإن حبس حتى تنقضي عدتها، فقد بانت منه.

في الدعوى في انقضاء العدة
من كتاب ابن المواز: وإذا قالت المعتدة: قد انقضت عدتي. قبل قولها فيما لا يستنكر. وإن قالت: حضت في شهر ثلاث/ حيض لم تصدق. وقد قيل: تصدق في الشهر. وليس بشيء. وروى ابن وهب عن مالك قال: يسأل النساء عن ذلك فإن صدقنها حلت. وروى عنه أشهب في امرأة قالت: قد انقضت عدتي في أربعين يوما. قال: قد أتت عظيما، وما أرى هذا يجوز لها. قيل: إن النساء يحضن إلى ذلك في هذه المدة؟ قال: لا، قد جعل الله سبحانه بدل كل قرء شهرا. قيل: فإن كان ذلك معروفا عندهن؟ قال: إن كان معروفا [5/ 41]

(5/41)


عندهن، فهو كذلك. وروى ابن وهب أن أبان بن عثمان [صدقها في خمس وأربعين ليلة] وحلفها.
قال أشهب: ولست أرى عليها يمينا إذا كن النساء يحضن في مثل ذلك ثلاث حيض. وروى أيضا عن مالك في التي قالت: حضت ثلاث حيض في شهر ونصف. لا أرى أن تمكن من ذلك، وأراها قد عجلت، وأقل حيض النساء أن يقيم خمسا، وإنما تقيم هذه عشرة أيام حتى تحيض، ما أرى أن تمكن من ذلك. قال أشهب: وتصدق في الحيضة الأولى لو قالت: حضتها يوم طلقني. وتنظر في الحيضتين وطهرها. كم قدر ذلك؟ فتصدق في مثله.
قال مالك في المطلقة واحدة تقيم سنة ثم يهلك زوجها فتقول: لم أحض إلا حيضة واحدة وتطلب الميراث، فإن كانت ترضع صدقت وإلا لم تصدق، إلا أن تكون قد تذكر من تأخير حيضتها وتظهر ذلك. وذكرها عيسى عن ابن القاسم، في العتبة قال: أما المرضع فتصدق حتى يفطم ولدها وبعد فطامه بسنة، وأما التي لا ترضع فتصدق حتى تأتي عليها سنة ذكرت ذلك أو لم تذكره وعليها اليمين، إلا أن يكون/ سمع منها أنها حضات ثلاث حيض.
ومن كتاب محمد، قال أشهب: وإذا أراد رجعتها، فقالت: أسقطت في المغتسل مضغة فهي مصدقة وإن كان بعد طلاقها بيوم.

في الإحداد للمعتدة من الوفاة
من كتاب ابن المواز قال مالك: وتجتنب الحاد الصباغ إلا السواد فلها لبسه، وإن كان حديثا، ولا تلبس الملون من الصوف ولا من غيره ولا أدكن ولا أخضر، ولا تلبس حليا وإن كان حديدا، ولا خرص فضة ولا غيره، ولا تحضر [5/ 42]

(5/42)


عمل طيب يعمل لبعض أهلها ولا تنجز به، ولا تبيعه وإن لم يكن لها كسب إلا فيه حتى تحل.
قال محمد: ولا يحل الإحداد لمن مات أبوها وولدها وأخوها وإنما ذلك في الزوج. قال مالك: وإن اكتحلت من علة وضرورة بالصبر بالليل، فلتمسحه بالنهار وإن كان فيه طيب عند الضرورة ودين الله يسر، قال مالك في المختصر الصغير: ولا تكتحل الحاد إلا أن تضطر؛ فتكتحل بالليل، وتمسحه بالنهار من غير طيب يكون فيه. قال ابن حبيب: قال مطرف وابن القاسم عن مالك: إن الإحداد على المرتابة حتى تنقضي الريبة وإن بلغت خمس سنين.
ومن العتبية قال ابن القاسم عن مالك في المتوفى عنها زوجها لا بأس أن تحضر العرس ولا تتهيأ فيه بما لا تلبسه الحاد ولا تبيت إلا في بيتها. وروى أشهب عن مالك في التي مات زوجها وقد امتشطت قال: لا تنقض مشطها، أرأيت لو اختضبت بالحناء؟ وقاله ابن نافع/.
قال سحنون: قال ابن نافع: وعلى امرأة المفقود الإحداد في عدتها. وقال ابن الماجشون، في موضع آخر: لا إحداد عليها. وروى أشهب، عن مالك في التي يموت زوجه فتحلق رأسها، هل فيه كفارة؟ قال: أما شيء مؤقت فلا "وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم".

باب في سكنى المعتدات
من كتاب ابن المواز، قال مالك: للمبتوتة السكنى على زوجها في العدة ويحبس في ذلك ويباع عليه ماله، أو يستيقن أنه لا شيء له، فيكون ذلك علما ولا تخرج. وكذلك لما فسخ من الحرام البين، فحيث يجب الصداق تجب السكنى. [5/ 43]

(5/43)


قال مالك: ومن مات وله زوجة وهي في دار هي له، أو نفد كراءها، فلها السكنى وإن أحاط به الدين فإن قام الغرماء، بيعت الدار واشترط سكنى عدتها على المشتري فإن ارتبات فهي أحق بالمقام حتى تنقضي الريبة وتحل، وأحب إلينا أن يرجع المشتري على البائع، فإن شاء فسخ بيعه وأخذ الثمن، وإن شاء تماسك بغير شيء يرجع به لأن البيع إنما وقع على استثناء العدة المعروضة أربعة أشهر وشهرا؛ ولو وقع بشرط زوال الريبة كان فاسدا.
وروى أبو زيد، عن ابن القاسم في العتبية أنه لا حجة للمبتاع، وإن تمادت الريبة إلى خمس سنين فلا حجة له؛ لأنه قد علم أن أقصى العدة خمس سنين، فكأنه دخل على علم، وإن مات وليست الدار له ولا نقد كراءها فليكرها، ويؤدي الكراء من مالها،/ إلا أن يخرجها، وبه قال مالك. وإذا أكراها مدة فمات وبقيت من المدة بقية ولم ينقد الكراء، فالكراء لازم للميت في ماله ولا تكون الزوجة أحق بذلك ثم يتحاص الورثة في ذلك، وللورثة إخراجها، إلا أن تحب أن تسكن في حصتها، وتؤدي كراء حصتهم، وإن نقد بعض الكراء، سكنت في حصة ما نقد بأسره، وكان الحكم فيما لم ينقد كما ذكرنا، وإن شاء الورثة أن يكروا منها لزمها المقام، وإن شاءوا إخراجها فذلك لهم، وكذلك صاحب الدار بعد المدة، ولو كان المنزل حبسا عليه حياته كان لها السكنى في عدتها، وإن تأخرت حتى تنقضي الريبة ولو إلى خمس سنين؛ لأن العدة من [أسباب أمر الميراث] وهذا بخلاف السنين لما يلزمه لسكنه إياها، فإذا انقضت قبل تمام عدتها، فلرب المسكن إخراجها.
وأما المطلقة واحدة أو البتة. قال في المدونة: واحدة بائنة، أو ثلاث إذا مات في العدة، فقد لزمته السكنى وهي في تركته إذا لم يكن نقد الكراء، وروى ابن نافع في المدونة أنها كالمتوفى عنها التي لم تطلق. [5/ 44]

(5/44)


ومن كتاب محمد، قال مالك: والبكر التي لم يبن بها تعتد في الوفاة في دار أبيها، ولو كان بنى بها وهي لا يوطأ مثلها، كان لها السكنى في منزل في عدة الوفاة، وأما في الطلاق فلا سكنى لها إذا كانت لا توطأ مثلها، إذ لا عدة عليها، ولو نقلها إليه لغير البناء لعلة، أو سبب لم يكن لهذه سكنى/ في وفاة ولا طلاق، كانت صغيرة أو كبيرة.
قال أصبغ في هذه الصغيرة التي لم يبن بها وهي لم تبلغ حد الوطء. إن كان أكرى لها موضعا جعلها فيه ثم مات وقد نقد كراءها أو الدار له، فلها السكنى في عدتها، وإذا مات زوج المعتكفة أو طلقها، فلا تقطع اعتكافها، ولو مات أو طلق وهي حائض قد خرجت إلى منزلها، لرجعت إذا طهرت، لتمام الاعتكاف. قال ابن القاسم، في المبتوئة تخرج من منزله وتسكن بسواه فلا حق لها بالكراء.
محمد: بخلاف النفقة. وروى عيسى في العتبية عن ابن القاسم في من أسكن أخا له منزلا فطلق امرأته وخرج فليس لرب الدار إخراجها حتى [تتم العدة]. ومن العتبية روى سحنون، عن ابن القاسم، في المبتوتة يموت زوجها، فيقسم الورثة منزله، فلا بصير لها ما يكفيها من السكنى، فعليهم أن يتوسعوا لها حتى يكفيها.
باب في انتقال المعتدة ومبيتها وعدة البدوية رحلتها وعدة المسافرة وسكناها
من كتاب ابن المواز: قال أشهب عن مالك: إذا كانت داره ذات منازل ولم يكن فيها غير الزوجين فمات الزوج فلا تبيت إلا في مسكنها منها، ولها أن تبيت في حجرة بيتها وأسطوانه وسطحه خزانته، حيث شاءت من ذلك كما [5/ 45]

(5/45)


كانت، وقال مالك، وإذا مات في دار لها بيوت/، فأرادت أن تتصيف في القاعة فلا تتصيف إلا حيث كانت تتصيف في حياته.
قال محمد: ومعنى الحديث في الزوجات لمن يتحدثن عند إحداهن ليلا، ثم يرجعن إلى بيوتهن فأبيح لهن. يعني- والله أعلم- أن يقمن إلى وقت قيام الناس. قال مالك: تقيم المعتدة في الوفاة والطلاق في الزيارة إلى قدر هدوء الناس بعد العشاء، وتخرج سحرا إن شاءت، ولها أن تخرج نهارا لشغل لها بين حرث أو زيارة، أو غير ذلك. وكره أن تكون عند أمها النهار أبدا محمد: خاف في الأم خاصة أن تكون مثل النقلة، وأما غير ذلك فجائز إذا رجعت بالليل، ولا تنتقل المعتدة إلى بيت هو لزوجها أيضا وإن كان أصلح لها.
وقال مالك: ويمنع السلطان المعتدة في الوفاة أن تنتقل إلا لخوف أو ضرورة، وما لا يقدر أن تقيم عليه كخوف منبوذة، وإنما خرجت عائشة لأختها أم كلثوم فرارا من الفتنة. قال مالك: وتنتقل إذا تهدم منزلها. قال مالك: والتي لا جار لها وتبعد عن أمها فإن انتقلت الأم إليها لم تحملها في متوضإ ومطعم ومشرب. قال: ولا تنتقل من منزلها ومن نقل امرأته بمتاعها إلى بيت أمتها أو نقلها إلى منزل وسكنها ثم طلقها قال مالك: فلترجع إلى البيت التي كانت تسكن فيه قبل يطلقها. وروى عنه ابن وهب، في من يكاري لامرأته منزلا فانتقل معها إليه أياما ثم طلقها فيه ورجع إلى منزله وتركها، قال: ترجع المرأة إلى منزله الأول إلا أن يكون حين انتقل أولا، [والانتقال من شأنه .. ] لأن يطلقها وتعتد فيه، ولو مات فخرجت من ليلتها إن خرجت حين أخرج نفسه، فانتقلت عند أهلها أو غيرهم، قال مالك: ترجع إلى منزلها، ولو طلقها وهي في بيت أهلها، قد نقلها إليهم ليمين عليه فلترجع، وإن حنث لتعتد في بيتها، قال: ورجع مالك عن قوله في المطلقة [5/ 46]

(5/46)


واحدة أنه يأكل معها إن كان معمها من يتحفظ منه، وقال: لا يدخل عليها بإذن ولا بغير إذن، حتى يراجعها.
محمد في الطلاق البائن أو غير البائن سواء.
ومن العتبية روى عيسى، عن ابن القاسم، في المعتدة وتكون مع أبيها في دار، وهو مريض أتبيت عنده؟ قال: لا تبيت إلا في بيتها. قال: ولا تمكث عنده إلى نصف الليل، ولتخف المقام بالليل عنده، ولا بأس أن تخرج إليه عند الفجر أو قبله بقليل.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك، في البدوية في الموت والطلاق: لها أن ترتحل إلى أهلها؛ كانوا في بادية أو قرار إلا أن يكون زوجها أخرجها من قرار، فلترجع إليه، ولا تنتوي من قرار، ولا تنتوي مع أهل الزوج وإن كانوا في قرار إلا ان يكون الزوج هو انتوى بها من القرار، فلتعد إليه إلا أن يكون انتقل رفضا له فلترجع حيث شاءت.
قال: وإذا مات الرجل، أو طلق وهي في سفر، فإن أبعدت لم ترجع إلا مع ثقة إذا كان يبقى لها بقية من العدة بعد وصولها، ولو خرج بها رافضا لقراره فلها أن تنحاز إلى موضع قريب فتعتد فيه ولها أن ترجع أو تتمادى، ولا تذهب في الوجهين فيما بعد إلا مع ثقة، وإلا أقامت فيما قرب منها. وروى ابن / عبدالحكم عن مالك في التي يخرج بها الثغور في مقام سنة فيموت بها أنها تعتد هناك وقوله الأول أحب إلينا أن ترجع.
قال مالك: وأما سفرها إلى حج، فإنها ترجع من مثل اليومين والثلاثة ما لم تحرم، فإن أبعدت نفذت بخلاف غير الحج؛ فإنها ترجع فيه وإن أبعدت إن وجدت ثقة، وكان يبقى لها بعد الرجوع بقية. [5/ 47]

(5/47)


في سكنى الأمة في عدتها وكيف إن عتقت؟ وأم الولد يموت سيدها أو تعتق
من كتاب ابن المواز: وإذا أعتقت أم الولد ومات سيدها؛ فابن القاسم لا يرى لها السكنى ولا المقام به، ورآه أشهب لها، وعليها على تضعيف من غير إيجاب. وقال: ذلك أحب إلي.
قال ابن القاسم: وإن كانت حاملا في العتق فلها السكنى والنفقة، ولها المبيت في غير بيته، ولها ذلك في العتق والوفاة. ورأى أصبغ رأي أشهب وأسد. وأما عدتها من زوج في وفاة وطلاق فلم يختلف أصحابنا أن السكنى في الموت لها، كان الزوج حرا أو عبدا. وكذلك الأمة إن بوئت بيتا فلا تبيت إلا في بيتها.
قال مالك: وتعتد الأمة حيث كانت وكان الزوج يأتيها عند أهلها، اعتدت عندهم، وإن كانت عندهم بالنهار وتمضي إلى زوجها بالليل لتبيت عنده فلتعتد في منزله فتبيت فيه ولا يمنعونها الإحداد، ولا يبيعونها ممن يخرجها. قال ابن القاسم: إلا أن ينتقل سادتها بها عن البلد فلتنتقل/ معهم، وتتم هناك بقية عدتها، بخلاف الحرة الصغيرة ينتقل أبوها.
قال ابن القاسم: وإن كانت الأمة منقطعة إلى زوجها، وليس ممن تأتيه من ليل إلى ليل بعد ليال فانتقل أهلها، فلا تنتقل معهم حتى تتم عدتها. قال أصبغ: إذا كان انقطاع سكنى عند ومعه. قال أشهب: إن كان ينفق عليها، فعليه السكنى، وإلا فلا. [5/ 48]

(5/48)


باب في نفقة المطلقات وسكناهن ونفقة الحامل من حرة أو أمة، والمرضع
قال في كتاب ابن المواز: قال مالك، في المبتوتة: لا نفقة لها إلا أن تكون حاملا، فإن ادعت الحمل فلا يقضى لها بالنفقة حتى يتبين الحمل فتكون حاملا، فإن ادعت الحمل، فلا يقضى لها حتى يتبين الحمل، فترجع بما أنفقت قبل ذلك، وبما يستقبل. قال: ولا تمنع من السفر، ولا عليه وضع النفقة إن ادعت حملا.
محمد: قال أصبغ: إن تبين طول السفر وهي ممن يخاف عليها الحمل، فليعطها حميلا بالنفقة ويوقف لها مالا، وإن لم تكن كما وصفنا فلا شيء عليه ولا تمنع من السفر. قال مالك: وإن أنفق عليه لغير قضية وقد ادعت الحمل لم يرجع عليها إذا أنفق بدعواها أو بقول القائل، وإن أنفق بقضية رجع عليها.
محمد: لأنه انكشف أنما قضى به غير الحق. وقال عبدالملك: إن أنفق بغير قضاء فله أن يرجع، وأراه عن مالك. قال في كتاب النكاح: وإن أنق بحكم لم يرجع عليها بشيء. محمد: وأحب إلى أن يرجع عليها في الوجهين، إذا سن ذلك بإقرار منها، أو بغير إقرار/.
قال محمد: وإن طلبت الكسوة فذلك لها، وينظر إلى ما بقي من مدة الحمل، فيقضي قدر ذلك من الكسوة ثمنا. قال مالك: والكسوة الدرع والخمار والإزار وليست الجبة عندنا من الكسوة. قال ابن القاسم: ونحن نقضي ها هنا بالحق.
وهذه المسألة كلها في العتبية من سماع ابن القاسم. روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في المبتوتة الحامل تطلب الكسوة؛ فإن طلبتها في أول الحمل [5/ 49]

(5/49)


فذلك لها، وإن كان في آخره وقد بقي منه شهران أو ثلاثة قوم لها ما تصير فيه تلك الأشهر من الكسوة لو اكتست أول الحمل، فتعطي دراهم.
ومن كتاب محمد، قال مالك: وإن مطلها بالنفقة حتى ماتت وقد تبين حملها فإن كان بينا فلتتبع بالنفقة من يوم طلق. وبيان الحمل ما يبلغ به تحريم الولد، وإذا لم يكن له شيء ثم أيس في بقية الحمل لم يتبع بما مضى وأنفق يوم عسره لغير المطلقة. وكذلك الكسوة، وإن أيسر بعد الوضع لم يتبع. وإذا طلق ثلاثا في مرضه وهي بينة الحمل فالنفقة في رأس ماله. وكذلك في الخلع والمبارأة وكذلك إن كان ذلك ثم مرض. فإذا مات انقطعت النفقة. قال مالك وإذا طلق امرأته وهي حامل ترضع فعليه نفقة الحمل ونفقة الرضاع جميعا. وكذلك في العتبية عن مالك.
قال مالك: والمطلقة إذا أخرجها أهل المنزل، فعلى الزوج أن يكري لها بقية العدة. قال مالك: وإذا مات سيد أم الولد فلا نفقة في ماله، ولا في مال الولد كالحرة، ولو أعتقها السيد كان لها النفقة عليه. قال مالك: والأمة الحامل من زوج، لا نفقة لها/عليه في الطلاق البائن، وإن أعتق ولدها في بطنها، إذ لا يتم عتقه حتى يخرج. ومن أبان امرأته الحامل على أن عليها رضاع الولد فطلبته بنفقة الحمل؛ فأما قبل المباراة فلها ذلك، ولا نفقة لها بعد المبارأة، ولم يكن يمنعها الرضاع ويعطيها هذا. وكذلك في العتبية عن مالك.
قال مالك: والغائب إذا طلق ثم أنفقت من ماله لم يرجع عليها بخلاف الموت، لأن الحي فرط، ولو قدم عليها رجل واحد يشهد بطلاقها فأعلمها أو رجل وامرأتان فليس ذلك بشيء حتى يشهد عندها من يحكم به السلطان في الطلاق، وترجع بما تسلفت عليه، ولا يرجع في ذلك بما تغيبت به. وكذلك في العتبية من [5/ 50]

(5/50)


سماع ابن القاسم من أولها، ولم يذكر ما سلفت، وذكره في رواية أشهب إلى آخرها. وقال سحنون، عن ابن نافع: لا يرجع بما تسلفت، بخلاف ما أنفقت من ماله.
ومن كتاب محمد، قال مالك: وإذا دفع نفقة أو كسوة عن سنة ثم طلقها قبل تمام- يريد طلاق بائنا- فليرجع بباقي النفقة ولا يرجع بالكسوة (عبدالله) يريد إن مضى لها مدة كبيرة. وقد أنكر هذا سحنون. محمد: ويتبعها ببقاي النفقة إن أعتقت، وإن دفع إليها نفقة من تلي من ولدها أو كسوتهم، فمات الولد، فإن كان عن قرب لم يفترق رجع عليها، وإن تطاول لم يرجع عليها. محمد: وأما كسوة المرأة، فلا تتبع بشيء، وذلك كالعطية المحازة. وأما النفقة، فلم يبتلها، إنما أعطاها من يظن أن يبلغ أمده/.
قال مالك: وما أخذت المطلقة من نفقة نفسها في حمل أو غيره، أو نفقة ولدها، ضمنته إن هلك. قال محمد: وما كان للولد فما كان بدعواها ضمنته، ولا تضمن ما قامت فيه البينة إلا في آخر الرضاع فتضمنه. قال: والنصرانية تسلم تحت النصراني فعليه النفقة في العدة، كانت حاملا أو غير حامل؛ لأنه أحق بها في العدة لو أسلم كالرجعة. وقال أصبغ. وقال في إسلام أحد الزوجين المجوسيين: لا نفقة في العدة ولها السكنى.
قال محمد في النصراني تسلم زوجته: فلا نفقة لها عندنا كالمجوسي تسلم زوجته لأنه لا رجعة له حتى يسلم. وهذا صواب عندنا. وكذلك روى عيسى، عن ابن القاسم، في العتبية، وقال: إلا أن تكون حاملا فلها النفقة. [5/ 51]

(5/51)


في النفقة على الولد ورضاعه، والأم في العصمة أو مطلقة أو مات عنها الأب وهل لها أو عليها أجر رضاعه أو حضانته؟
[قال مطرف وابن الماجشون: وكل مطلقة لا يملك زوجها رجعتها إلا بقول وفعل فلا نفقة لها عليه حتى ترجع كالتي يفرق بينهما بالإيلاء أو لعدم النفقة وهما متوارثان في العدة، ارتجع أو لم يرتجع. ولا رجعة للمقدم حتى يعسر في العدة].
من كتاب ابن المواز: قال الله سبحانه في الطلاق: "فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن".
قال مالك، في العتبية وكتاب محمد: فليس على الأم بعد الطلاق نفقةعلى الولد ولا عليها رضاعه بأجرة إن شاءت، فإن كان الأب عديما ولا مال للولد فرضاعه عليها، وإن كانت قليلة اللبن أو شريفة لا يرضع مثلها، فذلك في مالها.
قال أصبغ عن ابن القاسم في العتبية/: وكذلك إن مات الأب ولا مال للولد ولا لبن لها فعليها أن تسترضع له. قال مالك: وكذلك إن مات الأب ولا مال للولد ولا لبن لها فعليها أن تسترضع له. قال مالك: وكلك التي في العصمة إن كانت لا يرضع مثلها لمرض أو لشرف ولا مال للزوج ولا للولد وهي ملية. فذلك في مالها في رضاعهم خاصة. وكذلك الحرة في موت الزوج. ولو صالحها على رضاع ابنه حولين فانقطع لبنها فذلك في مالها، فإن لم يكن لها مال فعلى الأب، ثم له أن يتبعها، وبهذا أخذ ابن القاسم وعبدالملك وابن عبدالحكم وأصبغ، (قال وعلى الأب للمطلقة) أجر الرضاع ما يحتاج إليه الصبي من خرق وزيت وما لابد له فيه، فإذا بدأ يأكل، فذلك على أبيه غير أجر الرضاع، وإن كانت حاملا فلها نفقة الحمل مع أجر الرضاع، ولو كانت في العصمة سقط أجر الرضاع. [5/ 52]

(5/52)


وروى ابن وهب عن مالك، في الأب يجد من يرضعه بدون ما ترضعه به الأم، فذلك لها إلا أنترضعه الأم بمثله، وإن وجد باطلا، فذلك له، إلا أن ترضعه الأم باطلا. وقال ابن حبيب، عن مالك مثل رواية ابن وهب، قال إن ذلك للأولياء إن مات الأب وللولد مال ووجدوا بدون طلب الأم أو باطلا فذلك لهم، إلا أن ترضع الأم بمثل ذلك للأب في الطلاق، فإن أخذته باطلا كما وجدوا، وإلا تركته إلا أن لا يقبل غيرها، فتجبر على رضاعة باطلا أو بما وجدوا.
قال مالك: وإذا أراد الأب أخذ الولد لترضعه أمته، فإن لم يكن بالواحد فذلك له، وإلا فلها أجر مثلها وهي أحق به. محمد: ورواية ابن القاسم أقول: إذا وجد الملي من يرضعه باطلا/، أو بدون الأجر، فليس ذلك له؛ لقول الله سبحانه: "فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن" ولا بما يرضع غرها بالتراضي، لقول الله سبحانه: "إن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما ءاتيتم بالمعروف". قال مالك: وإن لم يكن للأب سعة، فله ذلك إلا أن ترضعه الأم باطلا وبما وجد الأب من الأجر. قال أشهب عنه: ولم يكن ذلك في الأب على الضرر.
قال مالك في قول الله تعالى: "وعلى الوارث مثل ذلك" يقول لا يضار. قال زيد بن أسلم لا تلقيه إليه وهو لا يجد من يرضعه، ولا ينزعه منها وهي تريد رضاعه، وعلى الوارث يريد ولي الميت مثل ذلك.
قال ابن وهب: قال ربيعة: إذا أرادت أن تتزوج وتلقي الولد إلى عمه أو وصي أيه ولا مال للولد فذلك لها. قال محمد: قول مالك أحب إلى أن ليس ذلك لها، إلا أن يكون للولد مال، ولا يقبل غيرها. وقال ابن وهب: وقد قال ربيعة. [5/ 53]

(5/53)


قال محمد: وإن كان الولد لا يقبل غيرها، فلتحبس عليه رضاعه، وكذلك إن لم يكن له مال يستأجر منه، إلا أن يؤاجر له من مالها، ويقبل غيرها. قال: وإذا انقضت عدة المطلقة فلها النكاح وتترك رضاعه إن شاءت، إلا في عدم الأب، وكذلك في الموت ولا مال للولد. يريد محمد: والرضاع عليها تزوجت أو لم تتزوج. قال: ومن طلب من الأبوين فطامه قبل الحولين فليس له ذلك، إلا عن تراض منهما وتشاور، ما لم يكن ضرارا بالولد. قال مالك: وليس على العبد في ولده الأحرار ولا المماليك نفقة ولا رضاع/، إلا أن يكونوا لسيده، ولا على الحر نفقة في ولده العبد إلا أن يعتق الولد قبل احتلام الغلام، وقبل نكاح الجارية فيلزمه ذلك. وكذلك روى ابن القاسم، عن مالك، في العتبية قال ابن القاسم: وإذا أبت المطلقة رضاع الولد فواجر له فطلبت الأم كون الظئر عندها فذلك لها إن كانت الظئر ممن تتبع الولد في أهله، وإن لم تكن كذلك فليس ذلك للأم، ولا يجبر الأب أن يستأجر ظئرا على أن يكون به عند أمه.
قال أصبغ: إلا أن يكون الأجر واحدا، فذلك للأم، وإن كان مختلفا فليس ذلك لها إلا في الأب الواجد الملئ فذلك عليه لرفق أمه به وأنه أقصد له. وإن لم يكن فيه. محمد: لم يكلف ذلك. قال محمد: ذلك للأب وإن كان مليا. قال أصبغ: وهو القياس، والأول استحسانه.
قال ابن سحنون، عن أبيه من سؤال حبيب، قال: وإن وجد الأب من يرضعه باطلا فقالت الأم: فات به أرضعه عندي ليلا ونهارا ولا يحال بيني وبين ولدي. قال: ذلك للأم. قال أشهب: قيل المالك: فمن طلق زوجته، أتطرح إليه ولدها الرضع منع من ساعتها؟ قال: لا، حتى يلتمس من يرضعه له. ومن سماع ابن القاسم: وإذا أسلم أحد الأبوين، فنفقة الولد- وهو حمل، أو بعد أن تضعه- على الأب، وهو على دين الأب.
ومن كتاب محمد: وإذا حاضت الزوجة في العصمة لزم الأب أن يستأجر لرضاع الولد إلى أن يعتق أمه ويعاودها اللبن. قال: وإذا مات الزوج ففطمت [5/ 54]

(5/54)


ولدها بعد الحولين لم يلزمها نفقته لا في غذاء ولا في/ كسوة وإن مات جوعا، وكذلك فيما يحتاج إليه من النفقة في رضاعه، وإن كانت ظاهرة الملا، قال مالك: ولا أحب لها ترك النفقة عليهم. قال مالك: وإذا كانت الأم غير محتاجة وهي تحضنهم ما لو تركت ذلك لم يكن لهم بد من حاضنة، فلينفق عليها من مالهم بقدر حضانتها وكفايتها، وإن كانت مع الأم خادم لها فإن لم يكن لها، قال: أنفق عليها، ثم رجع مالك في الملية فقال: إلا أن تكون محتاجة. وكذلك روى ابن القاسم في العتبية. وإن كانت تقوم عليهم وتلي أمرهم، فلا تأكل معهم إلا أن تكون محتاجة.
قال مالك: وإذا مات الأب وأوصى أن ينفق على الأم من مال الولد ما أقامت عليهم؛ فإن كانت فقيرة وإلا ينفق عليها، وأما ما أنفق عليها قبل الرفع فلا ترده. ولا بأس على الملية أن تخلط نفقتها معهم إذا كانت بفضل. وقال مالك في خلط اليتيم في طعامه: إن كان يفضل عليه وإلا فلا يعجبني.
قال محمد: وروى أشهب عن مالك في الأم لها خادم وهي تنفق وخادمها من مال الولد، وهي ملية، وإن كان ما للولد من الخدمة والحضانة والرفق بقدر ذلك، جعل ذلك لها، وإن كان يوجد من يخدم ويقوم قيام جارية أمه بدون ذلك لم يكن لهم أن ينفقوا من ماله. وقال أيضا مالك: ينفق على الأم من مال الابنة، إذا قامت عليهم، ثم رجع: فقال: إلا أن تكون محتاجة.
ومن العتبية عن ابن القاسم: وإذ تزوجت المطلقة يفرض لها في رضاع الولد خمسة دراهم في الشهر، فلما صار ابن سنة ونصف وأكل الطعام، طلبت النفقة [5/ 55]

(5/55)


وأبى الأب إلا الخمسة دراهم، قال: عليه النفقة للصبي مع الخمسة دراهم لرضاعه. ورأيت في كتاب عبدالله بن مسرور، أن علي بن زياد، روى عن مالك في التي توفي عنها زوجها أو طلقها وهي ترضع. (ولدها فتمادت في رضاعه حتى) فطمته، ثم طلبت الأجر، قال إن أخرت ذلك لغيبة الزوج أو لتفرق ورثته في الموت أو لغيبة وصيه أحلفت بالله ما أرضعت إلا لترجع بأجر رضاعه ثم أعطيت ذلك، وإن كان ذلك منها على وجه الإبطال والترك، فلا شيء لها، وفي باب بعد هذا ذكر من النفقة على الولد. باب في الأب يقدم أجر رضاع الولد أو نفقته ثم يموت الأب أو الولد، أو يفلس الأب
من كتاب ابن المواز: قال مالك: وإذا قدم إلى (الأم) نفقة الولد ثم مات الولد رجع ما بقي إلى الأب، وإن مات رجع ما بقي إلى ورثته. وكذلك كل من تلزمه نفقته، ولأنها ليس بعطية ولا صلة. وقال ابن القاسم، عن مالك: وإن واجر الأب ظئرا أربع سنين وقدم إليها الأجر ثم مات الأب قبل الوقت، فبقية ذلك يرجع إلى ورثة الأب ميراثا، وما مضي نافذ للابن، ولا يحاسب به/. قال ابن القاسم لأنه لو مات الصبي لرجع الأب بما بقي فليس بعطية للابن إنما هذا نفقة طن أنها تلزمه. قال مالك: وكمن قدم نفقة امرأته ثم مات هو لردت ما بقي، أو قدم نفقة ابن السنتين والثلاث.
وروى عنه أشهب، إن لم يقدم شيئا فما أرضعتت قبل موت الأب ففي مال الأب، وما بقي فعلى الابن يحاسب به وإن قدم أجر الرضاع كله، فذلك نافذ للابن لا يرجع إلى ورثة الأب. وقاله أشهب. وكذلك لو قدم لمعلم ابنه دنانير على تعليمه فالصبي أولى من بقية ورثة الأب، قال: وإن مات الصبي قبل موت الأب [5/ 56]

(5/56)


فذلك راجع إلى الأب، وإلى ورثة إن كان ميتا. قال أشهب: وهو كمن أخدم عبدا فمات المخدم.
وقال ابن القاسم إنما للظئر والمعلم من ذلك إلى موت الأب، ويرجع ما بقي إلى ورثته لأن كنفقة قدمها. وكذلك في الواضحة، قال ابن المواز: وقاله أصبغ استحسانا. والقياس أن ينقد للصبي ويبقي للظئر والمعلم لأن الباقي عليهما تعليم ورضاع. والذي أقول به: أنه ميراث يحاسب به الصبي، ولا يرجع. وقال محمد: قول مالك وابن القاسم الصواب، ولو كان ما احتج به أصبغ يصح لكان يجب للظئر المعلم، (وإن لم ينقداه) حتى مات الأب لأنه صار حقا لهما يطلبانه وعليهما رضاع وتعليم؛ نقد أو لم ينقد، وسواء في قول ابن القاسم نقد أو لم ينقد فالأجرة ثابتة بينهم في حق الصبي إن صار ذلك في حظه.
قال محمد: والخدمة صلة لا تلزم، والرضاع ليس بصلة ولا صدقة/. وذكر ابن سحنون عن أبيه فيمن شارط رجلا على تعليم ولده سنة بأجر معلوم فمات الأب بعد سنة أو شهر وتمادى الصبي حتى أتم السنة، قال: يكون تمام الحق في مال الأب قال: وليس مثل الظئر لأن الصبي رضاعه واجب على أبيه، فلما مات سقط عنه ذلك، والتعليم لم يكن واجبا عليه، إلا أن يشاء، فلما ألزمه نفسه، لزم في حياته وبعد مماته، كمن قال لرجل: بع فلانا سلعتك والثمن علي، أو زوجه ابنتك والصداق علي. فذلك في ماله حيا وميتا، يريد: قبض أو لم يقبض، ويلزم الصبي ما عقد عليه الأب من شرط يجب، وينبغي على قول سحنون أن الرضاع كنفقة عليه، فإذا مات رجع ما بقي لورثته، وكذلك في موت الصبي يرجع إليه، والتعليم لم يكن عليه، فكأنه شيء بتله للصبي، على ما تقدم تفسيره.
قال ابن المواز: ولو شرط الأب أني إن مت قبل أجل الرضاع فالباقي عطية لابني بتلا في الآن، لم يجز له لأنها عطية لم ينفذها لوارثه إلا بعد موته ما لو عزل مالا بيد أجنبي لينفق منه على ولده، فإذا مات فما بقي لولده كان كالوصية. [5/ 57]

(5/57)


ومن العتبية روى عيسى، عن ابن القاسم، قال: إذا قدم الأب رضاع الولد سنة ثم فلس بعد ستة أشهر فإن كان فعله وهو قائم الوجه لم يكن من سرف ولا محاباة، فذلك نافذ، وما جرى على غير ذلك فيرد ما بقي منه. وقال في موضع آخر: إذا دفع إليها نفقة كثيرة ثلاثين دينارا ونحوها، وقد فارقها والولد معها، فإن كان يوم دفع ذلك عليه دين محيط أخذ ذلك كله منها وأدى فرضا له، وإن لم يكن عليه دين، لم يؤخذ منها شيء.
من كتاب محمد، قال: ويجبر الأب على دفع نفقتهم شهرا شهرا أو أقل أو أكثر على قدر ما يرى الإمام إلى من يليهم من أم أو جدة أو غيرهما، ولا أجر حضانة للأم، ولا للجدة، وإن كان الأب واجدا.

باب ما يلزم الأب في الولد من الإخدام والسكنى مع أمه المطلقة
ومن الدمياطية، قال ابن القاسم، فيمن طلق امرأته وله منها ولد، فإن كان مليا فعليه أن يخدم، والسكنى عليه وعليها. قال يحيى بن عمر: يريد: على الجماجم. وقال أيضا فيمن طلق امرأته، وله منها ولدان: إنه ليس عليه لهما إلا النفقة، وليس عليه أن يكتري لهما.
ومن كتاب ابن سحنون، وقال في المطلقة لها ولد، قال: على الأب أن يكري لها منزلا ويغرم قدر ما يصيبه من الكراء، قيل: عليه النصف؟ قال: بقدر الاجتهاد. وقال ابن وهب: لا خدمة عليه لهم ولا سكنى. وكذلك قضي أبو بكر على عمر؛ دفعه إلى الجدة، وأمره بالنفقة عليه. [5/ 58]

(5/58)


وسئل أشهب عمن طلق امرأته وله منها ولد يلزمه كراء منزل لولده؟ قال: نعم. وقال ابن القاسم. قال ابن القاسم: وإن لم يكن له ما ينفق على ولده منها إلا دارا، فإن كان فيها فضل وإلا فلا نفقة عليه.
باب ذكر الحضانة وانتزاع الولد إذا نكحت أمه وكيف إن أسلمته ثم قامت فيه؟ وغير ذلك من معنى الحضانة والانتجاع بالولد
من كتاب ابن المواز: قال مالك: وإذا نكحت الأم فالجدة للأم أحق بحضانة الولد إن كان لها منزل تضمهم فيه لا يكون بضمهم مع أمهم، فإن لم تكن جدة فالخالة وخالة الخالة كالخالة، وأم أبي الأب كأم الأب، وأم أم الأم كأم الأم، وسواء كن مسلمات أو كتابيات أو مجوسيات. وروى ابن وهب، أن لا حق للنصرانية في حضانتهم لأن المسلمة لو اثنى عليه ثناء سوء وكانت تطوف لنزعوا منها فكيف بهذه؟
قال محمد: الحضانة لها واجبة، وكذلك الجدة النصرانية. مالك ولا حق منهن من كانت متزوجة، إلا أن يكون زوجها زوج الجدة جد الصبي فلا يضرها ذلك. وقال ابن وهب: لا حق لها وإن كان زوجها جد الصبيان. وقال أصبغ، والحارث بن مسكين: العمل على ما قال مالك، ثم بعد الجدات والخالات، الأب ثم العصبة.
قال محمد: قال أصبغ: والنساء من قرابة الأب أو أخت الصبي ثم عمته ثم بنت الأخ. وهذا مطروح في كتاب محمد، قال: فإن لم يكن، فالأخ ثم الجد ثم ابن الأخ ثم العم.
قال محمد: والوصي وولي النعمة أولى من الأم إذا تزوجت. وروى عن مالك: أن الأب أولى من الخالة. قال أصبغ: وليس هذا بشيء، وقوله المعروف: أن الخالة أحق. [5/ 59]

(5/59)


ومن كتاب ابن سحنون، قال أشهب: والخالة أحق من الأخوات الشقائق، قال: وعماته أولى من بنات خالاته بالحضانة.
ومن كتاب المواز، قال مالك: ووصي الأب في أخذ الولد إذا نكحت أمه، وليس له جدة ولا خالة. قال: ومن لم تكن في حرز، أو كانت غير مأمونة، أو تضعف عنهم، أو سفيهة، أو ضعيفة، أو مسنة، فلا حضانة لها كانت جدة أو غيرها.
قال ابن حبيب: وجدة الأب إن لم يكن، أو كان لها زوج أجنبي، فأخت الصبي بعدها أولى، فإن لم يكن، وكانت متزوجة فالعمة، ثم ابن أخي الصبي، ثم الأب، وابن لبنت الخالة، ولا لبنت العمة، ولا لبنت أخت الصبي من حضانته شيء. وقاله أصبغ كله.
ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: وإن تزوجت الأم والجدة فلم يؤخذ منها الولد حتى فارقها الزوج، فلا ينتزعوا منها، بخلاف أن لو أخذوا منها. قال مالك: ولو ردتهم استثقالا من غير نكاح، ثم بدا لها، فليس لها أخذهم. قال مالك: إلا أن تأتي بعذر وله وجه. وقال في رواية اشبه: مثل ان تكون مرضت، أو انقطع لبنها، وإلا فليس ذلك لها.
قال مالك: وإذا بقي الولد مع أبيه، والأم منتحيه عنه، فلما مات الأب أرادت أخذه، فليس ذلك لها. قال مالك: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم سلمة، وعمار بن ياسر بالباب، فذهب عليه السلام ليدنو منها، فبكت الصبية، فقال: خذيها فأخذتها وهداتها، ثم ذهب ليدنو منها، فبكت الصبية، فقال خذيها فأخذتها وهدأتها، ثم ذهب ليدنو منها، فبكت الصبية، فقال خذيها فسمع عمار، فقال: نحن نأخذها يا رسول الله فأمر له النبي صلى الله عليه وسلم وقال: للرجل أن يعلم ولده، ويخرجهم بالنهار، ويرجعوا إلى أمهم بالليل وهي مطلقة.
قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: إذا كانت الأم مع الأب في بلد وهي تحضنه فلا تمنع الاختلاف إلى أبيه في تعليمه ومكتبه، ويأوي إليها، فإذا [5/ 60]

(5/60)


استغلظ /، وقارب الاحتلام، وأنبت واسود إنباته، فللأب ضمه إلى نفسه. وكان ابن القاسم يؤقت فى ذلك الاحتلام. ومن كتاب محمد، قال ابن وهب فى أم الولد تعتق: أن لا حضانة لها فى الولد، وإنما فى الحرة يطلقها الزوج. ومنه، ومن العتبية من سماع ابن القاسم: وقال مالك: أم الولد أحق بالحضانة، مثل الحرة، وكذلك الأمة يطلقها الحر. وقال مالك، في الصبية تنكح أمها فتأخذها الجدة، فيبعث إليها عمها رسولا لزيارة، فلا ينبغي أن يمنع منها تسلم وتعود، ولا لهم أن يمنعوها أن تأتي عمها في الفرض.
ومن كتاب محمد قال مالك: وللعم والجد أخذ الصبية إذا نكحت أمها. وأما الصبي فليس بينه وبينها محرم. وكونها مع زوج أمها أحب إلى لأنه محرم منها إلا أن يخاف عليها غيره، فالوصي أحق. قال: وإذا تركت الولد وهو يرضع، ثم طلبته بعد أن فطم، قال مالك: إن كان لها عذر بين من الرضاع، رد إليها. قال أصبغ: وإن كان لغير عذر لم يرد إليها. وإذا كتب أبوان في ابنتها أنها لجدتها حياتها تليها، إلا في البضع فهو لأبيها، ولا تخرج بها الجدة من البلد، فإن ماتت فهي إلى أمها. قال مالك: يلزمهم ما كتبوا.
قال مالك: ومن وهب ابنته لرجل على الكفالة وأشهد له، قال مالك: ذلك جائز إن كان محرما من الابنة، وإلا فلا وإن كان منها محرما فليس له نزعها منه إلا أن يرى وجه ضرر وإساءة وللذي وهبت له إنكاحها إن جعل ذلك إليه ما لم يمت الأب، فإذا مات لم ينكحها حتى ترضى.
ومن/العتبية، من سماع ابن القاسم، ومن كتاب محمد قال مالك: وإذا تزوجت الأم فرضي لها الأب أن يقيم الولد عندها حولين ثم يأخذه وأشهد بذلك [5/ 61]

(5/61)


في كتاب ثم طلقت قبل ذلك فحبسته وقام الأب بالكتاب، قال مالك: أرى أن يدعه عندها، فإن هي تزوجت ثانية انتزعه من غير أن أرى ذلك: وذكر نحوه في العتبية، وزاد، فقال: ثم رجع، فقال: له أن يأخذ ولده. قال مالك: يبقى عندها إلى أن تتزوج ثانية.
قال في كتاب محمد: وإن تزوجت، فأخذتهم الجدة ثم طلقت، فردتهم الجدة إليها وأبى الأب فذلك للجدة إلا أن تكون تزوجت الأم فيكون القول للأب.
قال مالك: ولا ينبغي للأولياء أن يحولوا بين الولد وبين أمه إلا أن تنكح أو ينتزعوا أو يضيع عندها ثم لا يأخذوه أيضا إلا إلى كفاية وصلاح. قال ابن القاسم: وإن كان لها وليان فنكحت الأم أحدهما، فلا ينتزع عنها إذا كان ذلك أرفق به، والزوج ولي، قال أصبغ: إلا أن يخاف عليه عندها هفوة أو ضيعة ويخلو دونه ويدعه، فيكون الولي الآخر أحق به. قال مالك: وإن تزوج امرأة ومعها بنت صغيرة قد علم بها ودخل وهي معها، ثم قال: أخرجيها عني. فليس ذلك له.
قال مالك: وإذا كان الزوج عبدا وتزوجت الأم وليس له أحد من قرابة الأم، فالأم أحق به من الأب العبد. قال مالك: كانت الأم أمة أو حرة.
قال ابن القاسم: لأنه لا قرار له ولا عليه للولد نفقة ولا حضانة وأرى في الاستحسان إن كان العبد التاجر/ له الكفاية أن يكون أحق بولده إذا تزوجت، وأما العبد المخارج والذي يسافر فلا.
قال مالك في حر طلق زوجة الأمة فيعتق واره وله جدة حرة فالأم أحق به إلا أن تباع أو تنكح أو يظعن الأب. [5/ 62]

(5/62)


قال مالك: وإذا أوصى إلى رجل وأوصى ان امرأته أولى بولده فأرادت امرأته الخروج به إلى العراق وثم أهلها وللولد هناك دين فليس ذلك لها. ثم قال: ينظر الولى؛ فإن كان ذلك أرفق بالولد تركه، وإن كان أرفق بهم المقام، أقاموا. ومن العتبية روى أصبغ عن ابن القاسم قال: الوصي كالأب في الولد إلا في إنكاح البكر قبل البلوغ. قال أصبغ: فإن تزوجت الأم فالوصي أحق بالصبيان جواري كن أو غلمانا وإن حضن الأبكار وهو أحق من الأخ والعم وابن العم وإن كان رضى. وإذا انتقل الوصي من البلد فله أن يرحل بهم جواري كن أو غلمانا وليس لإخوانهم وأعمامهم وجدودهم (منعه قال عيسى). قال ابن القاس، فيمن أعتق أم ولده على أن تركت له ولدها الصغير: إنه يرد إليها بخلا الحرة تصالحه على تسليم الولد إليه فذلك جائز ولا يرد إليها، ورواه عنه أبو زيد. وفي موضع آخر: أن الشرط لازم كالحرة.
ومن سماع أشهب عن مالك: وعن المتوفى عنها زوجها تترك أولادها خمسة أشهر أو سبعة ثم قيل لها: أنت أحق بهم. فقالت: لم أعلم. قال: لها القيام وقد تجهل ذلك. وعن الأم تدع ولدها وتلحق بأهلها فقامت مدة ثم تزوجت ثم ماتت وقامت الجدة في الحضانة؛ فإن كان لذلك/ سنة فأكثر فليس ذلك لها، وإن كان ذلك يسيرا فذلك لها. وإذا تركت الأم ولدها ثم طلبته؛ فإن كان بعذر من مرض وانقطاع لبن فذلك لها، وإلا فليس لها ذلك.
قال ابن نافع: وللجدة أخذهم إذا كان في موضع أبيها. قال عيسى، عن ابن القاسم: وإذا كانت الأم نصرانية فهي أحق بالولد في الموت والطلاق [فإن تزوجت ولها أخت مسلمة أو نصرانية فالأب أحق منهم].
قال سحنون: الجدة والخالة وإن كانت نصرانية أحق بهم. وكذلك ذكر ابن المواز نحوه في أول الباب. [5/ 63]

(5/63)


قال ابن سحنون: كتب شجرة إلى سحنون في الخالة تجب لها الحضانة فيقول الأب: يكون عندي للأدب والتعليم. ويقول: إن ما يعطيها تأكله وتجيع الصبي، وهي تكذبه وتقول: يكون طعامه عندي وإيواؤه إلى. كتب إليه: هي أولى بالحضانة إن لم يكن لها زوج وكانت حاضرة معه، وليؤدبه أبوه عندها وتبعثه إلى المعلم. وإن شكا أكلها لرزقه فليطعمه هو يكون عندها تحضنه.
وكتب إليه في صبي أو صبية في حضانة أمه فتزوجت وليس له قرابة هل يأوي إلى أمه وينفق عليه الحاكم؟ قال: نعم إن لم يجد موضعا. فلا بأس بذلك لرفقها به.
وسأله حبيب عن الود يرضى الأب والأم، على أن يكون الولد عند الأب، وقد طلق الأم ولم يتزوج، فقال: لا بأس بذلك، وهذا خفيف.
وسأله حبيب، عن المطلقة تتزوج ولها ولد أم عارية، فكانت الحضانة للجدة، فأرادت أن تسكن/ بالصبي مع أمه المتزوجة في حجرة، فأبى الأب من ذلك، إلا أن تنفرد. قال: المجدة أن تسكن به مع أمه في حجرة واحدة، وعلى أبيه نفقته.

باب الانتجاع بالولد وذكر انتجاع العبد بولده أو بزوجته وهل للولد أن يظعن عن والديه والخروج إلى بلد يخاف فيه الفتنة
من كتاب محمد، ومن العتبية من سماع ابن القاسم: وإذا هلك عن ابنته ابنة ثمان سنين، وأرادت أمها الرحلة بها إلى موض خوولة الصبية على مسيرة مرحلتين من الماء الذي كان الأب يسكن به، وأبى عمومة الجارية، قال: فذلك [5/ 64]

(5/64)


لهم دون الأم. وقال ابن القاسم في كتاب محمد: وليس لها أن ترحل بهم من الأسكندرية إلى الفسطاط، إلا مثل المرحلة والمرحلتين.
ومن العتبية، قال مالك، فمن له أخت بالأندلس خاف عليك الضيعة، فأراد أن يخرج إليها وبينه وبينها حرب وفساد يخاف فيه الهلاك على دينه، قال: لا أحب له أن يخرج إلى موضع يخاف فيه الهلاك على دينه.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: والأب إذا انتجع من البلد أخذ الولد، وإن كان يرضع؛ ذكرا أو أنثى. قال مالك: وليس له أن يخرج بالولد لطلب الفرض عند أمير المؤمنين ببلد آخر. قال مالك: ومن تزوج فولد له ثم فارقها فله الخروج بولده إلى وطنه إن كان بعيدا، وإن كانوا كبارا، ما دام الأب يليهم، ما لم يكن الموضع قريبا مما لا ينقطع عنه خبرهم إلا أن تريد أمهم اللحوق بهم، / فذلك لها، وتكون أولى بهم. وأما السفر بهم فليس ذلك للأب إلا بإذن أمهم، إلا في الانتجاع.
مالك: وإذا انتجع من المدينة إلى مصر والشام ولا يريد الرجوع فله الخروج بهم، وليس للأم أن ترحل بالولد عن أوليائهم إلى مصر من الاسكندرية، إلا مثل المرحلة أو المرحلتين (قلت) لمحمد: فأقصى ما للأب ينتجع بولده وأقربه، والذي لا ترحل إليه الأم بالولد عن عصبتهم. فقال لي: الموضع الذي لا يكاد يصل خبرهم، وأقرب ذلك ستة برد. قال مالك في المرحلتين. وقال أصبغ: إذا انتجع من الاسكندرية إلى الكربون فله الرحلة بهم. محمد: فهذا قريب قدر بريدين، ولم أسمع من قاله إلا أصبغ، ولم ير أشهب للأم أن ترحل به إلى ثلاثة برد قال أشهب: إذا مات الأب وترك صغيرًا فأراد وليه أن ينتجع من البلد، فله أخذه من أمه وإن لم تتزوج، وإن انتجع إلى أقرب ميل من الفيوم إلى الصعيد، فذلك له. وقاله مالك، فقال له السائل مرحلتين. وأجاز مالك [5/ 65]

(5/65)


للأم أن ترتحل بهم إلى مسافة يوم. وقال أيضا: ما لها أن تضر بأوليائه، ولتطلبهم هي بها، ولا تخرج إلا إلى المكان القريب.
قال مالك: وليس للعبد أن يظعن بالولد إذا طلق أمهم، وللأم أن تنتجع به حيث شاءت، وليس ذلك للعبد إلا أن يكون له ولد حر. قال مالك، في عبد تزوج حرة، وله منها ولد ابن عشر سنين، وهم بالقلزم، فركب به البحر إلى الحال، فهلك الصبي، فقامت الأم عليه في ذلك، فقال: لا شيء على الأب في ذلك، وذكر ظعن العبد بزوجته. قد كتبته في كتاب النكاح/الثاني، في باب نفقة العبد على زوجته. وهل يظعن بها؟
قال مالك، في الرجل يتزوج بغير إذن أبيه، ويريد أن يذهب مع زوجته، ويترك أباه شيخا زمنا والأب كاره لذلك، قال: إذا بلغ الغلام، وليس بسفيه، ولا ضعيف العقل، فجائز له أن يذهب حيث شاء، وإن كان سفيها لا يلي نفسه لم يكن له ذلك.
باب ما يلزم من النفقة على الولد والأبوين
ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم قال مالك: وإذا كانت الأم لها [زوج معسر فعلى الابن نفقتها] ولا حجة للولد إن قال حتى يطلقها الزوج، قال: ولينفق على أبيه وعلى زوجة أبيه دون صغار بنيه.
قال في سماع أشهب في العتبية: إن كان الابن مليا وكان ذلك يسيرا وما أشبهه، وإن كان الأب نكاحا يأتي بامرأة ملية فما ذلك عليه.
قال ابن حبيب: إن مطرفا قال: إذا كانت الأم فقيرة والولد صغار يتامى، فالنفقة عليها في مال الولد، على قدر المواريث، على الذكر مثلا حظ الأنثى، لأن النفقة إنما وجبت في أموالهم؛ لصغرهم، وأما لو ولوا أنفسهم [كانت نفقتها عليهم [5/ 66]

(5/66)


بالسوية]. وقال أصبغ: بل هي عليهم بالسواء في صغرهم وكبرهم. وقال ابن حبيب يقول مطرف؛ وهي مذكورة في كتاب الوصايا.
وأعرف في كتاب أبي الفرج، في الأب يكون له بنون: أنه إن كان كل واحد تلزمه النفقة على انفراده، لزمتهم النفقة أجمعين بالسواء، وإن كان بعضهم لا يلزمه على انفراده شيء فنفقته على باقيهم، وكأن محمدا أشار إلى أن على/ كل واحد بقدر يسره. قال: قال مالك: ولا يجبر السلطان أحدا على أن يحج بابنه ولا على أن يزوجه.
وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم. محمد: قال مالك: إذا بلغ الغلام سفيها أو أعمى، أو به زمانة، أو به بلاء لا يقوى معه على الكسب، فلا تنقطع نفقته عن الأب، قال: وإذا بنى بالبكر زوجها وهي زمنة ثم فارقها فالنفقة باقية على الأب، كالصغيرة تطلق بعد البناء وقبل المحيض، واختلف في نفقة هذه بعد المحيض.
وقال ابن وهب ما في الولد يبلغ أعمى أو مبتلى أو مكسورا فلا نفقة على أبيه، وعلى كل محتلم نفقة نفسه. قال أصبغ: وذلك إذا نزلت به الزمانة بعدالحلم. قال مالك: وللرجل المعسر أن يؤاجرابنه لينفق عليه من إجازته ما لم يعقد عليه سنين يجاوزها احتلامه. قال أصبغ: فإن فعل سقط عنه بما جاوزه الاحتلام. وقال مالك: وإن كان الابن مليا، فليس له أن يؤاجره بحال، ويجبر على أن ينفق. ومن فارق زوجته وله منها صبية فقال ما عندي لها نفقة، ولكن ابعثها تأكل معي. فلينظر، فإن كان ما قال معروفا فذلك له.
ومن كتاب محمد، قال: وإذا رفع الأبوان إلى السلطان في مغيب الابن، ولا له مال حاضر، لم يأمرهما أن يتسلفا عليه بخلاف الزوجة، إذ لا يلزم نفقتها إلا بالحكم. قال ابن القاسم: وإذا ورثت البكر خادما من أمها، لم يلزم الأب أن [5/ 67]

(5/67)


ينفق على الخادم، وإما أنفق عليها أو باعها، قال أشهب: ولا يلزمه نفقة الابن/ من يوم ورثت الخادم، حتى لا يبقى من ثمنها شيء. وقال سحنون مثله، أنه لا يلزمه نفقة عليها، ولا على خادمها، لأنها ملية بالخادم.

باب في انفاق الأب على الولد من عنده ومحاسبته وكيف ان مات الأب وأوصى في ذلك أو لم يوص؟
من كتاب ابن المواز، قال مالك: وإذا أنفق الأب على الولد من عنده وللولد مال عين بيده الآن أو بيد غيره، فله الرجوع فيه، وإن مات الأب قبل أخذه، فأراد الورثة الرجوع عليه بالنفقة منذ كان مال الابن عينا، وهو عنده يمكنه أخذه فلم يفعل، لم يكن للورثة الرجوع عليه وإن كتبه الأب عليه إلا أن يوصي به، وذلك أن من شأن الآباء أن ينفقوا على الأبناء وإن كان لهم أموال، قال: وأما إن كان مال لولد عروضا، أو حيوانا، فللورثة محاسبة الابن بذلك إذا كتبه، وهذا كله في العتبية، من سماع ابن القاسم.
قال ابن القاسم: وهو أحسن ما سمعت. وروى عنه عيسى: إذا كان مال الولد عرضا فأنفق الأب عليه من عنده ثم قال في مرضه: لا تحاسبوه. فذلك نافذ جائز، ولا تكون وصية لوارث لأنه شيء فعله في صحته.
قال ابن المواز: ووجدنا لمالك أيضا أنه قال: يحاسبونه إن كان المال عروضا. ولم يذكر كتبه، ويحسب كل وقت بسعره. وقال أشهب: أرى أن يحاسب في العين؛ وإن أوصى الأب ألا يحاسب/؛ لأني كنت أنفق عليه من مال، لم يصدق. قال أصبغ: أحب إلى أن يحاسب بعد موته حتى يقول في صحته، لا تحاسبوه. أو يقول: إنما كنت أنفق عليه من مالي، لأوفر ماله. وإن كان قوله ذلك في المرض، فذلك جائز، وإن أوصى بذلك، فهو سواء. قال ابن [5/ 68]

(5/68)


القاسم: إن كان مال اليتامى ناضا لم يحاسبوه النفقة، وإن كان عرضا حاسبوه، ولعله لم يمكنه البيع حتى مات.
ومن العتبية وكتاب محمد: قال مالك، فيمن أنفق على ولده، ثم ورث الغلام، فأنفق عليه مدة ثم مات الغلام، فأراد محاسبة الأم أو الجدة: إن لم يكن أم بما أنفق عليه من يوم ورث المال، فأبت هي، قال: ذلك له، ولا يمين عليه إن كان مقلا، وإن كان مليا، فليحلف لها أنه ما أنفقه من عنده. وفي رواية سحنون، قال مالك: لا يمين عليه. ثم رجع مالك، فقال: يحلف.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن كان يأخذ لابنه عطاء قسما، وهو في حجره، ثم هلك الأب، فإنه يحسب في ذلك نفقة الابن في سائر السنين بقدر غلائها، ورخصها، وما كان من فضل رجع به الابن في مال الأب، وفي كتاب الوصايا من معاني هذا الباب.

في نفقة الوصي أو غيره على اليتيم هل يرجع عليه؟ ومن أنفق على أهل غائب
من كتاب ابن المواز والعتبية، من كتاب التفليس، قال مالك: وما أنفق الوصي في ختان اليتيم وعرسه من أمر معروف في غير سرف ولا باطل جاز لمن دعي إليه إجابته، والأكل سنة، وما كان من/ سرف، أو في لعب أو باطل ضمنه، وحسب له العدل. وكذلك في سرف الإنفاق من كل ما يلي على مولى عليه.
من كتاب محمد: وإذا أنفق عليه الولي من مال الولي رجع عليه في ماله، وإن لم يكن كان للصبي مال لم يتبع بشيء. قال مالك: ويوسع عليهم ولا يضيق. وقال ربيعة: قال ربيعة: ويشتري لهم بعض ما يلهون به وذلك مما يشب به، وما [5/ 69]

(5/69)


أنفق الأخ على أخيه اليتيم من ماله، رجع في مال اليتيم وكذلك من أنفق على مريض وطلب له الأطباء، فهو في ماله، وإن لم يكن له مال، لم يتبع بشيء. قال ابن القاسم: ومن أنفق على صغير له مال رجع عليه في ماله، فإن تلف ذلك المال وأفاد مالا ثانيا، لم يتبعه بشيء إلا فيما كان له قبل الانفاق.
قال مالك: وسواء أشهد أنه إنما أنفق ليرجع أو لم يشهد إذا ادعى أنه أنفق عليه، كلف البينة بذلك أو بأنه كان في حوزه وحجره، يكفله ولا يعلم أحد ينفق عليه غيره، ويقول هو: أنفقت عليه لأتبعه. قال: ويحلف أنه أنفق عليه ليتبعه. وإن كان يليه غيره، كلف البينة بالدفع إلى ما كان عليه. وإذا قال الولي في اليتيم لا مال له: أن أنفق عليه، على أن أتبه إن أفاد شيئا، وإلا فهو في حل. ولا أدعه يموت. فلا ينفعه ذلك، ولا اتباع له، ولو أنفق ليتبعه في عروض له، فعجزت عن ذلك لم يتبع عاتقي. ومن أسلف يتيما في عمارة منزله، فإن كان مما يخاف انهدامه أو خرابه رجع عليه، وأما غير ذلك من مرمة أو شراء دابة أو شراء سلعة وحوالة بها يركبها فلا يلزم/ اليتيم، إلا أن يجد شيئا بعينه من ذلك، فليأخذه.

في الانفاق على أهل الغائب أو على عبد له عنده وبماذا يرجع؟ وهل تباع أمة أو صبي بعتقها؟ ونفقة العبد المخدم
من كتاب ابن المواز: ومن أنفق على أهل غائب وولده الذين يلزم نفقتهم وله بينة بذلك وحلف ما أنفق إلا على وجه السلف وصادف ملء الغائب في غيبته، فليتبعه ولو كان معسرا يومئذ لم يلزمه، يريد: وإن أيسر.
قال ابن القاسم: ومن أنفق على صبي على الحسبة، ثم ظهر أن له أبا موسرا، ولم يتبعه بشيء إلا أن يعلم أن الأب تعمد ذلك بهم. قال أشهب، في غير كتاب محمد: لا يتبع الأب وإن تعمد طرحه. قال مالك: ومن غاب وقد أوصى في أمة أنها حرة بعد موته في سفره وله أصل وولد بلا نفقة فلهم بيعها في النفقة. [5/ 70]

(5/70)


قال مالك: ومن ترك خادما عند رجل فأنقق عليها آصعا من تمر فقال: أعطيتك الملكية. وقال المنفق: آخذ بسعر يوم أنفقت، وقد رخص الآن. فله بسعر يوم أنفق. قال ابن القاسم: إن اشترى التمر، فله الثمن الذي نقد، وإن كان التمر من عنده فله الملكية. وكذلك عند العتبية. ومن كتاب محمد قال مالك: ونفقة العبد المخدم بوصية على الموصى له بالخدمة، وكذلك في الجناية على المخدم إذا قتله. قال مالك، في العتبية وكتاب محمد: ومن حبس على أم ولده خادما يخدمها فنفقتها من مال الميت. وقال ابن القاسم، وأشهب:/ على الذي له الخدمة. ولو أوصى بالنفقة على أم الولد وبخدمة الأمة لها لكان نفقتها ونفقة الخادم من الثلث. قال مالك: ولو أوصى لثلاث أمهات أولاده بالنفقة عليهن ثلاث، وأما بعد ذلك فعليهن، ولو وقت لهن في الثلاث سنين نفقة، لم يزدن عليها، وعليهن نفقة الأمة في ثلاث سنين وبعدها.
تم كتاب الاستبراء، والعدة والنفقات. [5/ 71]

(5/71)


صفحة بيضاء
[5/ 72]

(5/72)