النوادر
والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
كتاب الرضاع
ذكر ما تقع به الحرمة من الرضاع وذكر الوجور والسعوط ونحوه وما در من لبن
أو استنزل، والرضاع بعد الحولين، ورضاع الكبير
قال أبو محمد: قال غير واحد من أصحابنا: إن حديث التوقيت في الرضاع مضطرب،
وظاهر القرآن أولى بنا عن اضطراب الحديث، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم
لعائشة: إن عمك، فيلج عليك. وهذا رضاع قديم، لا توقيت فيه، وقد قال عقبة
ابن الحارث للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد تزوج امرأة: إن امرأة ذكرت أنها
أرضعتهما، وهي كاذبة. فقال عليه السلام: كيف وقد زعمت أنها أرضعتكما، دعها
عنك. وهذا قد أدخله البخاري (في كتابه). وهذا من أدل دليل أنه لا توقيت في
الرضاع. [5/ 73]
(5/73)
من كتاب ابن المواز، قال: ويحرم من السعوط
ما وصل إلى الجوف. وروي عن ابن عباس، أنه [لايحرم بالسعوط بالبن في
الحولين]. قال ابن حبيب: وكذلك لو حقن بلبن امرأة؛ لأنه إلى الجوف، وما/
وصل إلى الجوف يحرم عند مالك. قال: والوجور: ما صب في الحلق. واللدود: ما
صب تحت اللسان. قال: وإذا اكتحل الصبي بكحل أميع بلبن، فإن كان كحل بعقاقير
تخرق إلى الجوف مثل الصبر المر، والعتروت والحبة السوداء، فهو يحرم، لأنه
يجري في عروق العين إلى الخيشوم، إلى الحلق، إلى الجوف، ولو كان مما يقيم
لم يحرم، ولا أفطر به الصائم.
قال في كتاب ابن المواز، في الصبي يحقن بلبن، فإن كان يكون من ذلك غذاء حرم
به وإلا فلا. محمد: يعني عندي لو لم يطعم ولم يسق إلا بالحقن لعاش به، فهذا
يحرم.
ومن كتاب ابن سحنون قال: وقال أصحابنا، إنه ما وصل إلى جوف الصبي من غير
مدخل الطعام والشراب مثل الحقنة وغيرها، فإن كان يكون ذلك غذاء له، حرم،
وإلا لم يحرم. قال ابن حبيب: وما خلط من دواء أو طعام بلبن فأطعم صبيا بابن
القاسم لا يحرم به حتى يكون اللبن هو الغالب. وقال مطرف، وابن الماجشون:
يحرم به وإن كان اللبن الغالب.
ومن العتبية، روى أشهب عن مالك في امرأة تشربت شجرة فدرت لبنا أنه يحرم
بذلك. وكره أن يفعل هذا، قيل له: بلغنا أن رجلا تشرها فدر له لبن.
قال: بلغك الباطل، إنما ذكر الله رضاع النساء وقاله سحنون. قال ابن المواز:
وما در من بكر أو معنسة فالحرمة بلبنها واقعة، بخلاف الرجل يدر. ومن كتاب
ابن سحنون، قال ابن القاسم: ولو أن امرأة در من ثدييها ماء، فأرضعت به [5/
74]
(5/74)
صبيا، فلا يحرم، ولا يحرم إلا باللبن الذي
يكون غذاء، ويغني عن الطعام، فأما ما اصفر ونحوه فلا.
قال ابن حبيب: ويحرم ما قرب من الحولين بشهر وشهرين، لتقارب الشهور من
النقص والتمام. وفي المختصر عن مالك: الأيام اليسيرة ونحوها. [قال
عبدالملك، عن مالك: يحرم بعد الحولين مثل الشهر ونحوه]. وقال سحنون. وفي
كتاب أبي الفرج البغدادي عن مالك: مثل اليوم واليومين وما تنقصه الشهور، إذ
لا يتفق أن تكون سالمة من النقصان، ولقوله الله سبحانه كاملين.
[وكذلك في المبسوط لإسماعيل القاضي، عن عبدالملك، أنه إذا جاوزت الحولين
بالشيء القليل يعدو زيادة الشهور نقصانها، فكذلك الحكم]. وقال سحنون، في
موضع آخر من كتابه (الحولين ثم أرضعت، ويتبع ذلك بالأمر) القليل بقدر ما
يكون من حساب تقارب الشهور في النقص والتمام، فإنه يحرم.
قال ابن حبيب: وإذا فطم قبل الحولين ثم أرضعته أجنبية لم يحرم عند ابن
القاسم واصبغ، وقال مطرف وابن الماجشون: يحرم إلى تمام الحولين. قال في
كتاب ابن المواز: وإذا فصل قبل الحولين وتم فصاله، وتمادى على الطعام وعاش
به، فهو فصال لا يحرم بعدم ما أرضع، سواء فصل بعد حول واحد أو أقل أو أكثر.
قال ابن حبيب: وقد أرى بعض العلماء الأخذ برضاعة الكبير في الحجابة خاصة،
لحديث سهلة بنت سهيل من رضاع سالم، وهو كبير. قال ابن المواز: ولو أخذ به
أحد في الحجابة خاصة لم أعبه كل العيب، وتركه أحب إلينا، وليس في الحديث
أنه يحرم، إنما قال: أرضعيه. فذهب ما في وجه أبي حذيفة. [5/ 75]
(5/75)
وفي حديث آخر، فذهب غيرته فليس حجة لمن
أطلق التحريم. وما علمت من أخذ به عاما إلا عائشة رضي الله عنها، وخالفها
أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ورأين ذلك خاصا لسالم./
باب جامع ما يحرم بلبن الفحل وذكر أخت الأخ من نسب أو رضاع وما ضارع ما
يوجب الرضاع من التحريم به لتحريم النسب
وقد حرم الله سبحانه بالرضاع، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ويحرم من
الرضاع ما يحرم من النسب. وحرم لبن الفحل، وقال لعائشة، رضي الله عنها، إنه
عمك، فليلج عليك في أبي القعيس. وعرضت عليه ابنة حمزة: فقال: هي ابنة أخي
من الرضاعة. ومن كتاب ابن المواز، قال: وحرم بلبن الفحل [وقال لعائشة، رضي
الله عنها] فإذا أرضعتك امرأة، فقد صار زوجها أباك من الرضاعة، وأخوه من
نسب أو رضاع عمك، وأبوك من النسب إن كان له أخ من رضاع فهو عمك من الرضاع،
ولو كان لعمك من الرضاع أخ من نسب أو رضاع -يريد محمد- من رضاع آخر، لم يكن
بينك وبينه تحريم. وأخوك من النسب إن كانت له أخت رضاع فهي لك حلال وحلال
لولدك، وهي أخت عمه، وليس بعمته. وكذلك أخو العم لا يحرم، ويحرم عم العم
لأنه عم لأبيها، وجدها لأبيها. وكذلك تحرم عليك خالة الخالة لأنها خالة
أمك، وابنة جديك لأمك. [5/ 76]
(5/76)
قال محمد: وأخوك من الرضاعة يحل لك نكاح
أخته من نسب أو رضاع ما لم ترضعك أمها، وإلا فلك نكاحها ونكاح أمها. قال:
والأختان من الرضاع برضاع أجنبية إن كان لكل واحدة منهما أخ من النسب، فله
نكاح التي أرضعت مع أخيه بلبن الأجنبية، وإن كانت أم الواحد أرضعتها، لم
تجز له/ نكاح الصبية التي أرضعتها أمه مع أخته، ويجوز لأخي تلك الصبية
الأجنبية من النسب نكاح أخت أخيه من الرضاع.
قال: وزوجة أبيك أو ابنك من الرضاع حرام عليك، وأم الأب من الرضاع.
[وبناتها حرام، وبناتها عماتك ولا يجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها من
الرضاع]. ومن طلق امرأته وهي ترضع ابنته فتمت العدة وتزوجت وحملت ثم أرضعت
صبيا، أنه يكون ابن للزوجين، إن كان لبن الأول لم ينقطع قال ابن حبيب:
وكذلك لو مات هذا، أو طلق، ثم تزوجت ثالثا قبل انقطاع لبنها فوطئها ثم
أرضعت صبيا، فهو ابن الثلاثة الأزواج.
ومن كتاب محمد: ومن تزوج بكرا فبنى بها فدوت قبل أن تحمل فأرضعت صبيا فهو
ابن لزوجها. قال مالك: لأن الوطء يدر اللبن ويستنزله.
ومن العتبية، روى أشهب عن مالك: ومن تزوج امرأة، وقد كانت أرضعتها امرأة
أخيه في الحولين بلبن أخيه فإنه يفسخ نكاحها لأنها ابنة أخيه من الرضاع.
وعن امرأة أرضعت أختها بلبن زوجها ثم مات فنكحت غيره فتلك الأخت ربيبة لهذا
الزوج وبنت لامرأته وله أن يرى شعرها، وإذا أرضعت أجنبية ابنا لك فلك أن
تتزوج ابنتها. وقال سحنون، في أخوين ولد لأحدهما جارية وللآخر غلام فأوضع
أحد الطفلين أم الأخوين، قال: لا يتناكحان أبدا. وقال أصبغ في صبية أرضعتها
جدتها لأمها فلا تحل لابن عمها إن كان ابن خالتها، لأن الصبية تصير خالة
للغلام، ولو كان ابن عمها هذا ليس ابن خالتها كانت حلالا له. [5/ 77]
(5/77)
قال أصبغ: ومن بنى/ بزوجته، ثم فارقها،
فتزوجت غيره، فولدت صبية، فهذه الصبية حرام على زوجها الأول، وربيبة له،
وكل ما تلد أو ترضع فيما يستقبل ربائب له وحرام عليه، ويجوز لابن الأول من
غيرها أن ينكح هذه الصبية وسائر بناتها من غير أمه، وكذلك لابنها من الزوج
الثاني أن يتزوج ابنة الأول من غيرها.
ومن كتاب ابن حبيب، قال ابن الماجشون: وإذا أرضعت امرأة صبيا، فكل ولد تقدم
لها، أو يكون لها أبدا بولادة أو رضاع، وكل ولد لفحلها- يريد الفحل الذي
كان الرضاع أولا بلبنه - إخوة له، وحرام عليه، وهو حلال لإخوته، وإن أرضعت
صبية، حرمت على كل ولد لها ولفحلها، أو لم تحرم الصبية على من كان أخ أو
أخت لم ترضع أمهم. قال: ولا بأس أن يتزوج الرجل مع من أرضع مع ابنه لصلبه
إذا أرضعتهما غير امرأته.
قال ابن المواز: وإذا أرضعتك امرأة، فأمهاتها وجداتها وبنات بناتها وبناتها
نفسها يحرمن عليك، وبنات أم التي أرضعنك حرام عليك، وبناتهن حلال لك، وبنات
جدة التي أرضعتك حرام، لأنهن خالات أمك، وبناتهن حلال لك وما تناسل من
أولادهن. وأبوك من الرضاع يحرم عليك أمهاته وجداته؛ ومن أرضعته أم ابنك هذا
فهو أخ له، أو أخت له، وعم لك، أو عمة تحرم عليك، ولا يحرم عليك بناتها،
وإن كان الرضيع صبية حرمت على كل من ولدته أم التي أرضعتها، ولا يحرم على
بني بني جدتها. قال: وخالة الخالة حرام لأنها بنت للجدة، وهي خالة الأم؛
وبناتها/ حلال، وعمة العمة حرام، وبناتها وجميع ولدها حلال، وأخت العم وأخت
العمة، وأخت الخالة حلال.
أبو محمد، يريد محمد: من لعمك وعمتك، وخالك وخالاتك، وأخيك وأخيك من النسب،
من لهم من أخت برضاع، فحلال لك وكذلك إن كان لأخيك لأبيك أخت لأمه فحلال
لك، ولأخيك لأمك من أخت الأب فحلال لك، أو كان لعمك أو لعمتك أو خالتك على
هذا المعنى. [5/ 78]
(5/78)
ومن العتبية، من سماع أصبغ، قال ابن
القاسم، فيمن اشترى أمة، ولها بنت ترضعها، فيطؤها، وهي ترضعها، فهل يهب
الصبية لابن يطؤها؟ قال: لا خير في ذلك.
باب ما يقع من التحريم بالرضاع يحدث بعد النكاح
وما يدخل في ذلك من لبن الفحل
ومن كان ابن المواز: ومن نكح امرأة فمسها، أو تلذذ منها ثم فارها، فبعد
عشرين سنة تزوج رضيعه أرضعتها تلك التي كانت له زوجة؛ لحرمت الرضيعة عليه،
ولو أرضع زوجته المرضعة نساء أهل الأرض لحرمن عليه.
والرضيع إذا زوجه أبوه أو وصيه امرأة، ثم بارا عنه زوجته، وتزوجت رجلا
فأولدها ثم أرضعت الصبي الذي كان تزوجها وهو في الحولين لحرمت على زوجها
هذا لأنها من حلائل أبنائه، إذ صار هذا الصبي ابنا له من الرضاع. وكذلك في
العتبية، عن ابن القاسم.
ومن كتاب محمد: ومن له أربع نسوة إحداهن رضيعة في الحولين ولم يدخل بالكبار
ولا تلذذ بهن فأرضع الثلاثة الصغيرة فقد حرم الكبار وتبقى له الصغيرة، ولو
سنة واحدة من الكبار، أو تلذذ منها، حرمت عليه الصغيرة أيضا وزلو تزوج
كبيرة وثلاثا صغارا فأرضعتهن الكبيرة، فإن كان مس الكبيرة أو تلذذ منها
حرمن أربعتهن، ولو لم يتلذذ منها حرمت هي، واختار واحدة من الأصاغر ولا مهر
للكبيرة لأنه نكاح يفسخ، فعليه قبل البناء، وعليه للتين فارقهما من الصغار
لكل واحدة سدس صداقها لأنه لو فارقهن في كملة فعليه نصف صداق واحدة يقسم
بينهن يقع لكل واحدة سدس صداقها، لأن واحدة يصح نكاحها بالاختيار. وقال ابن
القاسم: ولا شيء على التي نقدت. [5/ 79]
(5/79)
وإذا كانت له زوجة رضيعة، فأرضعتها زوجة له
كبيرة قد مسها، فحرمتها على الزوج أو أرضعتها أم الزوج وأخته فلا شيء
عليها، إلا أن هذه تؤدي، لأن ماءه قد وقع في لبنها. وكذلك من تزوج امرأة
معها صبية ترضع فوطئها في ذلك اللبن فلا تحل الصبية لابنه لأنها أخته. ومن
أصلهم أنه إذا تزوج امرأة، فأرضعت صبيا قبل دخوله بها فإن ذلك الرضيع لا
يكون ابنا له، وإن كانت صبية فهي ربيبة له.
قال أصبغ، عن ابن القاسم: ومن له زوجتان فأرضعت إحداهما أخا له طفلا فلا
يحل للطفل نكاح زوجة أخيه التي لم ترضعه إن فارقها أو مات عنها لأنها امرأة
أبيه من لبن الفحل.
وقال ابن القاسم في ذات زوج أرضعت صبيا بلبنه، وله منها ولد/، ومن غيره
ولد، ولزوجها ولد من غيرها: إن ذلك الصبي الأجنبي يحرم عليه ولدها من هذا
الزوج ومن غيره؛ وتحرم عليه بنات زوجها هذا منها ومن غيرها لأن أب له.
قال أصبغ في صبي أرضعته جارية لجده، يعني: لأبيه بلبن من وطء جده: إن بنات
عمه يحرمن عليه لأنه عم لهن. قال ابن حبيب، وفيمن تزوج رضيعتين ثم تزوج
كبيرة فأرضعتهما قبل بيني بالكبيرة. حرمت الكبيرة، واختار واحدة من
الصغيرتين وفارق الأخرى ولها نصف الصداق؛ لأنه طلاق باختياره وليس كالفسخ.
وقال ابن المواز: لها ربع صداقها، ولو فارقها جميعا لم يكن لهما إلا نصف
الصداق بينهما. وقال ابن القاسم في غير كتاب محمد فيما أعرف: لا شيء لمن
فارق بالفسخ.
قال ابن حبيب: وكذلك المجوسي يسلم عن عشر نسوة لم بين بهن ثم يختار أربعة،
أنه يعطي لكل من فارق نصف صداقها. ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن
تزوج كبيرة فبنى بها ثم تزوج صبية صغيرة فأرضعتها أم الكبيرة فليختر واحدة
منهما ويفارق الأخرى لأنهما صارتا أختين. وقاله أصبغ. [5/ 80]
(5/80)
ومن كتاب ابن المواز: ومن زوج عبده الرضيع
أمه له كبيرة، ثم وطئ السيد الأمة فحملت منه فرضعت، أو درت في حملها فأرضعت
زوجها في الحولين قبل فطامه فإنها تعتق مكانها، وتحرم على سيدها وعلى زوجها
للأبد؛ لأن زوجها صار ابنا لسيدها فصارت من حلائل أبنائه، وهي أم ولد لا
حرمة فيها، وهي للزوج من نساء/ الآباء لو لم يطأها، ولكن أعتقها فاختارت
نفسها ونكحت فولدت أو درت وقد بنى الزوج فأرضعت العبد الذي كان زوجها لحرمت
على زوجها هذا؛ لأنها ابنة وهي من حلائله.
ومن كتاب ابن حبيب: ومن له أمة يطؤها فتزوج رضيعة فأرضعتها أم أمته هذه فلا
يفسخ النكاح ويبقى على صحته، وليوقف على وطء أمته هذه حتى تحرم امرأته، وإن
بلغت الزوجة لم يطأها حتى تحرم الأمة.
قال ابن المواز وابن سحنون قال مالك: وإذا تزوج امرأة ودخل بها ثم وضعت
عنده لأقل من ستة أشهر، فما أرضعت بلبنها فهو ابن للزوج الأول والآخر، وقد
كان الثاني نكاح شبهة. قال ابن سحنون عن مالك، فيمن تزوج صبية صغيرة ترضع
في الحولين فأرضعتها امرأة له: إنها لا تحل للزوج ولا تحرم عليه امرأته
الكبيرة بذلك. وقال ابن نافع: أراهما يحرمان جميعا. والذي قال ابن نافع هو
المعروف من قول مالك وأصحابه، وقد تقدم هذا مبينا.
باب في التحريم بلبن الكافرة والميتة ولبن الزنا والنكاح القاسد والملاعنة
ولبن الملك وما در من لبن أو شبه ذلك ونكاح البنت من غيره
ومن كتاب ابن حبيب، قال: ويحرم بلبن الكوافر، ولبن الزنى. قال: ولبن الحرة
والأمة في الملك والنكاح سواء ولبن المتزوجة وغيرها، من بكر أو ثيب، أو
عجوز درت فذلك سواء، ويحرم لبن الميتة، ولا يحرم بلبن سائر الحيوان ولا
بلبن [5/ 81]
(5/81)
رجل در له لبن، واللبن في وطء / صحيح، أو
فاسد، أو حرام، أو زنى، أو سنبهة، فالولد منها لاحق، والحرمة منها ومن
واطئها الذي ذلك اللبن منه سواء، وكما لا يحل له نكاح ابنته من الزنى، كذلك
لا يحل له نكاح من أرضعته الموطوءة بلبن ذلك الوطء، واللبن لبنه، والولد من
ذلك الوطء ولده وإن لم يلحق به. وقد كان مالك يرى أن كل وطء لا يلحق فيه
الولد فلا تحرم عليه بلبنه. يريد: من قبل فحله، ثم رجع إلى أنه يحرم، وذلك
أصح، وقاله أئمة من العلماء. قال المشيخة السبعة: وما حرمه الحلال، فالحرام
أشد تحريما.
ومن كتاب ابن سحنون: وكل نكاح لا يثبت بحال، فاللبن فيه يحرم البنات بسبب
الولد. ومن وطئ أمته وهي تحت حر أو عبد أو بعد أن يطلقها وهي حامل أو مرضع،
أو كانت أمة للعبد، فإن ذلك اللبن يقع به الحرمة للزوج السيد. قال
عبدالملك: والحرمة به لهما الحق الولد بالزوج أو بعبده فرجع إلى السيد.
وقد قال مالك في المتزوج يطأ المرأة ثم تأتي بولده من عبده لأل من ستة أشهر
فيفسخ نكاحه: إن ذلك اللبن لهما يحرم به عليهما. قال سحنون: وإذا نكح خامسة
أو أخته من الرضاعة وهو يعلم ولا يعذر بجهل وهي لا تعلم أو علم هو أن لها
زوجا حيا وهي لا تعلم فإنه يحرم بلبنها ذلك من جهتها ومن جهته. وقال
عبدالملك: بل يلحقه هو بذلك اللبن حرمة حين لم يلحق به الولد، ولا يحرم
عليه الولد إن كانت ابنته.
وقال سحنون: وهذا خطأ صراح، ما علمت من قاله من أصحابنا معه، وقد أمر/
النبي عليه السلام سودة أن تحتجب من ولد ألحقه بأبيها لما رأى من شبهة
بعتبة، قال: وكذلك من زنى بها غصبا فولدت ثم أرضعت فذلك اللبن يحرم على
الوصي، ولا يحرم عليه بذلك شيء عند عبد الملك. [5/ 82]
(5/82)
ومن كتاب ابن المواز: وإذا أرضعت بلبن
الصبي صبيا فهو لها ابن، ولا يكون ابنا للذي زنى بها، ولو أرضعت به صبية
فتزوجها الذي كان زنى بها لم أقض بفسخه، وأحب إلي أن يجتنبه من غير تحريم،
وأما ابنته من الزنى فلا يتزوجها، وإن كان أجازه ابن الماجشون، وأباه ابن
عبدالحكم، وأصبغ في صبي، ومكروه، بين لقول النبي عليه السلام لسودة في
الولد: احتجبي منه وقد ألحقه بأبيها، وصار لها أخا في الميراث وغيره،
وحجبها عنه لشبهة بعتبة، فكيف يتزوجها عتبة لو كانت جارية؟ وأما لبن الزنى
فلا يحرم، يريد محمد: من قبل الفحل.
وكل لبن من وطء بفساد نكاح مما لا حد فيه، أو وطء لا يجوز بالملك فالحرمة
تقع به من قبل المرأة والرجل، واللبن في ولد الملاعنة من الرجل والمرأة،
وتقع الحرمة بلبن الشرك. ومن تزوج امرأة وبنى بها ثم وضعت لأقل من ستة أشهر
ففرق بينهما، ثم أرضعت صبيا، فهو من الزوج الأول ولهذا الثاني وذكر التحريم
بما در من لبن لأمرأة أو رجل قد ذكرته في الباب الأول.
في الشهادة في الرضاع والإقرار به
من كتاب ابن حبيب: وإذا قال الأب قبل النكاح، [أو قال أحد الزوجين]: إن
فلانا أو فلانة أرضع مع ولدي ثم زوجه إياها، لو كانت صبية فزوجها/ إياه:
إنه يفسخ بذلك. وكذلك يفسخ بقول الأم قبل النكاح، أو قاله أحد الزوجين
اجتمع على هذا مالك وأصحابه. وأما بعد النكاح فلا يقبل إلا أن يتنزه عنها،
إلا في قول الزوج وحده، فإنه يعد على نفسه. قال ابن المواز: إذا قال الأب
أو الأم للخاطب للابنة: هي أختك من الرضاعة ثم رجع، فقال: أردت اعتزاز
الردة أو وهمت. أو قالت ذلك الأم، فلا يقبل منهما ولا يتزوجها ويفسخ إن
فعل. ولو قالته الجارية لخاطبها أنه أخوها من الرضاعة، أو أنها أرضعته، ثم
نكحته، لفسخ قبل البناء وبعده، إذا قامت بينة أنها [5/ 83]
(5/83)
قالت قبل النكاح. ولو قالت أجنبية عند
الخطبة قبل العقد: أرضعتهما. قال مالك: يؤمر بالتنزة عنها [إن وثق بقولها،
وإن كانتا امرأتين ثقتين، فإن كان ذلك في المعارف فاشيا وإلا لم يقض بذلك،
وأمر بالتنزه عنها]، ولا يقبل بعد النكاح قول الأب والأم، وإن كانا عدلين،
ولا قول الجاريتين، ولا امرأتين عدلتين من غير أمر فاش في المعارف، ويؤمر
بالتنزه، وإن كان مع المرأتين أمر فاش في المعارف قضي بالفسخ. وأم الزوج
وأم الزوجة بعد النكاح كالأجنبيتين، قال: والأجنبيتان قبل النكاح وبعده
سواء، وقول أحد الأبوين أو أحد الزوجين قبل النكاح مقبول، ويفسخ به النكاح
وإن لم يفش في المعارف.
ومن العتبية، قال أشهب عن مالك، في بينة شهدت على امرأة تحت رجل أنها كانت
تقول: أخي أخي. فلا أرى هذا شيئا يحرم، ولا يضرها، وهذا شيء لا يعرفه، وقد
يقول/ الرجل للرجل: أخي. على البر والتقرب له. قال ابن حبيب: وذهب مطرف،
وابن الماجشون، وابن نافع، وابن وهب، أنه يفرق بين الزوجين بشهادة امرأتين،
أو رجل وامرأة واحدة في الرضاع، وإن لم يكن فاشيا في الأهلين، وإذا قاموا
حين علموا بالنكاح، ولم يأت عليهم حال يتهمون فيها. وقاله أصبغ، وعليه
جماعة الناس، وأما شهادة المرأة الواحدة فيؤمر بالتنزه عنها، وقد روي للنبي
عليه السلام، في المرأة الواحدة بالتنزه عنها.
ومن العتبية، قال عيسى ابن القاسم، فيمن خطب امرأة، وقالت له أمه: هي أختك
من الرضاعة، فحلفا بطلاق أخرى لئن حلت له ليتزوجها، فليطلق التي تحته ولا
يتزوجها، فإن تحرى فتزوجها لم أقض عليه بفراقها؛ لأنه لا يكون في ذلك
امرأتان. [5/ 84]
(5/84)
باب جامع الرضاع
فيه ذكر الصورة، وذكر الغيلة، وغير ذلك
من كتاب ابن حبيب: روى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن استرضاع
الفاجرة، وأنه عليه السلام قال: اتقوا ارضاع الحمقاء، فإنه يعدي. وقال عمر،
رضي الله عنه: أن اللبن يرع، فمن استرضع فليستحسن.
قال ابن حبيب: والرضاع تحر السنة. وكان عمر، رضي الله عنه بسبب الرضاع.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح استرضاع النصرانية.
قال مالك: لا بأس باسترضاعها إن أمنت ما تغذيه به من خمر وخنزير، وقد يكون
في النصرانية طباع حسنة من عفاف وسخاء ومحاسن أخلاق؛ وليس الطباع في الدين
وهي في الغرائز. وقيل للنبي عليه السلام: ما يذهب عني مذمة الرضاع؛ يعني:
حقه فقال "عبدا ووليدة". وبسط عليه السلام رداءه لأمه من الرضاع، وقال
"سليني ما شئت" فسألته خادما، فأعطاها.
ومن العتبية: أشهب عن مالك في المسلمة ترضع ولد النصراني، قال مالك إما أن
يكون عندهم فأكرهه، وإما أن تعطيه ثديها فلا بأس بذلك. ومن كتاب ابن
المواز: ويكره استرضاع اليهودية والنصرانية من غير تحريم. [5/ 85]
(5/85)
قال ابن حبيب: وإذا تزوجت المطلقة أو
المتوفى عنها [ولها ولد أخت وأحبت رضاعه وكره] ذلك زوجها هذا فذلك له إن
كان للصبي مال، أو وجدوا من يرضعه باطلا إن كان لا مال له، وإن لم يكن ذلك،
أو كان لا يقبل غيرها فلترضعه وإن كره الزوج. وقاله مالك. والمرضع إذا
واجرت نفسها في الرضاع بغير إذن زوجها فله فسخ ذلك، وإن كان بإذنه فأراد
أبوه منع زوجها من الوطء للغيلة فذلك له. قال ابن القاسم. [وقال أصبغ: ليس
ذلك له، إلا أن يشترط في أصل الإجارة، وإلا فلا، إلا أن يكثر ضرر ذلك
بالصبي ويتبين فيمنع لذلك، وبقول ابن القاسم أقول.
قال ابن حبيب: والغيلة: وطء المرضع حملت أو لم تحمل، والعرب تتقيه أن يعود
على الولد من ضرر في جسمه، أو علة وسقم، وقد هم النبي صلى الله عليه وسلم
بالنهي عنه، أو لا ترى ان من حلف ألا يطأ زوجته حتى تفطم ابنه لا يكون
موليا. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم اتقاه. وقد تقدم شيء في ذكر
الغيلة.
تم كتاب الاستبراء والعدة والنفقات والرضاع من النوادر بحمد الله [5/ 86]
(5/86)
|