النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات

بسم الله الرحمن الرحيم

الجزء الرابع من أقضية البيوع
أبواب بيع الخيار

في بيع الخيار وما يجوز من أمده وما لا يجوز
وفي مجاوزة أيام الخيار
من كتاب ابن المواز: قال: وأجل الخيار في السلع بقدر ما يشبه فيها من الاختيار، فالأمة قدر أربعة أيام أو خمسة، ولو وقع في الأمة أو العبد خيار عشرة أيام لم أفسخه، وأفسخه في الشهر، فإن فات وجبت القيمة. وأجاز ابن القاسم بيع العبد بالخيار عشرة أيام. وروى ابن وهب أن مالكًا أجازه في الشهر، وأباه ابن القاسم وأشهب.
قال مالك: الخيار في السلم مثل اليوم واليومين والثلاثة، ولا ينقد، فإن كان بعيدًا، لم يجز، ويصير الكالئ بالكالئ، فإن وقع على ذلك، ثم ترك ذو الخيار خياره، لم يجز، لفساد العقد، فإذا فسخ، فلهما أن يأتنفا بيعًا.
[6/ 385]

(6/385)


مالك: وإن اشترى واستوجب، وقال: إن بدا لي رددت ما بيني وبين شهر. ثم أصيبت السلعة وهي من المبتاع.
ومن الواضحة: قال ابن الماجشون وغيره: أحد الخيار في الثوب لليومين والثلاثة، ولا خيار فيما زاد، وفي الدار الشهر والشهران.
ومن العتبية: سحنون، عن ابن القاسم، في من ابتاع حيوانًا أو غيره، على أنه بالخيار أربعة أشهر، وقبضها، وشرط النقد أو لم يشترط، فمصيبتها من بائعها إذا لم يتم فيها بيع.
قال سحنون: فإن كانت دارًا، وشرط فيها الخيار لأحدهما ثلاث سنين، أو أربعة، أو أجلاً، لا يجوز إليه الخيار، فبنى فيها المبتاع أو غرس، فإن كان الخيار لبائع، فليس البناء فيها فوتًا، وترد إلى بائعها، وليس عليه في البنيان للمبتاع شيء، وليس للمبتاع أخذه إلا منقوصًا، فإن بنى بعد أجل الخيار المشترط، فالبناء فوت، وعليه قيمتها يوم خرج وقت الخيار، وكذلك مبتاع الأمة يشترط النقد في الخيار، فلم يفسخ حتى زالت أيام الخيار، وفاتت بنماء أو نقص، فعليه قيمتها يوم خرجت من أيام الخيار.
وروى ابن سحنون عن أبيه فيمن اشترى سلعة وشرط فيها الخيار سنة أو سنتين، أن البيع فاسد، وضمانها من المشتري من يوم قبضها. وقال: إنه مثل ما قال أصحابنا في من باع سلعة، على أنه متى رد الثمن فهو أحق بسلعته، أو إن رده إلى خمس سنين، أو أقام ما لا يجوز الخيار إليه، أنه بيع فاسد والمشتري ضامن من يوم القبض، وفرق بينه وبين المشتري بالخيار إلى ما يجوز فيه الخيار، واشترط النقد، فقال في هذا: ضمانها من البائع. وإن قبضها المشتري، إلا أن يقبضها بعد أجل الخيار. وقال: لأن الخيار هاهنا صحيح لم يفسد البيع به. قال أبو محمد: ورواية العتبي عنه أحسن.
[6/ 386]

(6/386)


قال مالك: ومن اشترى بالخيار ثلاثًا، فمضت أيام الخيار، ثم رد السلعة، فإن ردها بعد غروب الشمس من آخره، أو من الغد، فله الرد، وإلا فلا، قال أشهب: إن مضت الثلاثة بلياليها، فلا رد له، وإن رد قبل غروب الشمس عن آخرها، فله الرد. وكذلك قال ابن الماجشون في الواضحة، إن بزوالها ينقطع الخيار.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وإن اشترط للخيار يومين، وشرط إن لم يأت به لزمه البيع، فلا يعجبني. قال ابن القاسم: يفسخ البيع وإن فات الأجل الذي يجب به البيع.
ومن العتبية قال سحنون في من ابتاع جارية بالخيار ثلاثًا، أو لم ينقد، وسافر البائع، فمرضت الجارية، ولم يأت المبتاع السلطان، ولا أشهد على ردها حتى ماتت بعد عشرة أيام.
قال ابن القاسم: إذا قبض المبتاع الأمة، والخيار له، ثم أقامت في يديه بعد أيام الخيار، ولم يشهد على قبول ولا رد، فكونها في يديه رضًا.
قال سحنون: وهذا في وخش الرقيق. يريد سحنون إذ لا مواضعة بها بعد زوال الخيار فيها، فضمنها البائع.

فيمن ابتاع أو باع على خيار فلان أو رضاه أو مشورته
من كتاب محمد: قال مالك: وإذا شرط البائع عند البيع، أن يستشير فلانًا، لزم ذلك المبتاع، ثم للبائع أن يمضي البيع، أو يرده قبل نظر فلان، ولمن خلع وكالة وكيل.
[6/ 387]

(6/387)


قال مالك: ومن ابتاع على أن يستأمر، ثم بدا له، فله رده، ولا يستأمر أحدًا.
مالك: وقد أمر رجلاً يبيع له سلعة، وقال: أشترط رضاي، ففعل، فرد ذلك الأمر إليه، فرد البيع، فذلك إليه.
مالك: ومن باع لرجل سلعة على أن يستأمر، ثم لقيه من زاد فيها، فعليه أن يخبر ربها بذلك، وإن كان أقلها عطية، وقد أساء الزائر فيما عمل.
قال مالك: وإن أمره أن يبيع من الذي زاده، فنكل الزائد، فقد لزمه البيع، ولا نكول له.
والوكيل على البيع يبيع على أن يشاور الآمر، فيشاوره، فأجاز بيعه، فأقاله الرسول، فالإقالة باطلة، إلا أن يكون مفوضًا إليه، ويقيله على النظر، فيجوز.
ومن العتبية من سماع أشهب: وإن باع لرجل سلعة بأمره، واستثنى رضاه، فرد ربها الأمر إليه، فأراد رد البيع، فذلك له، ولا حجة للمشتري إن قال: إنما استثنيت رضا صاحبها.
ومن الواضحة: وإذا شرط المتبايعان خيار فلان أو مشورته، فذلك سواء، وله أن يدعه ويختار ما شاء من رد أو إجازة، ولا حجة في ذلك لمبايعة ولا يجوز الخيار لرجل غائب بعيد الغيبة، ثم إن أسقط الخيار لم يجز، لوقوع البيع فاسدًا.
وروى ابن يزيد عن ابن نافع، أن المشورة والخيار سواء، ولا رد للمبتاع إلا نرأي من اشترط.
وذكر ابن المواز في كتاب النكاح: الخيار والمشورة سواء، وله الرد والأخذ دون خيار من اشترط ذلك فيه.
[6/ 388]

(6/388)


ابن حبيب: ومن اشترى لغيره على خيار حاضر أو غائب، ببلد آخر قريب، فليس لهذا أن يجيز البيع دونه.

في النقد في بيع الخيار والضمان فيه
ومن كتاب ابن المواز: ومن شرط النقد في الخيار فالبيع فاسد، فإن هلكت السلعة في أيام الخيار بيد المبتاع، فهي من البائع لأنها في ضمانه في البيع الصحيح على الخيار، فكيف بالفاسد على الخيار؟!
قال: وإن هلكت فيه بعد أيام الخيار، فهي من المبتاع.
وقال مالك فيمن أخذ ثوبًا من البزاز، ونقده الثمن حتى يراه، فإن لم يرضه رده. قال: إن كان قريبًا وطبع على الثمن، أو جعله على يد غيره، فجائز.
قال مالك: ومن باع أمة بالخيار، ثم سأل المبتاع بعد صحة العقد أن ينقده الثمن، لينتفع به، فإن نفذ البيع، وإلا رده، فلا بأس به إن صح، وكان على غير موعد.

في موت من له الخيار أو يغمى عليه وفي الخيار لرجلين
من كتاب ابن المواز: فإن مات من له الخيار وهو مبتاع، فقال بعض ورثته: نأخذ، ورد الباقون، فللبائع إمضاء نصيب من تماسك، أو رد الجميع، فإن شاء المتماسك أخذ نصيب الراد، فذلك له، ولا قول للبائع إذا لم يرض بإنفاذ نصيب المتماسك فقط، وكذلك لو كان الخيار للبائع، فمات، ولا يلزم المبتاع نصيب من أجاز، إلا أن يشاء، وإن كان كبير وصغير له وصيان، فرد الكبير، وأجاز الوصيان، فللوصيين أخذ مصابة الكبير للصغير، إلا أن يشاء الحي من المتبايعين أخذ نصيب الكبير، فذلك له، ولا كلام للوصيين، ويلزمهما نصيب الصغير وحده إن شاء ذلك الحي، وإن رد، أو أخذ الكبير الجميع، فللحي أن
[6/ 389]

(6/389)


يرضى بذلك، أو يسلم إليه حصته فقط، ويرد حصة الصغير، فإن لم يجز له أخذ حصته فقط، فله أخذ الجميع إن شاء.
وإذا أحاط الدين بالميت، فرد غرماؤه البيع، فللورثة أخذ ذلك لأنفسهم من أموالهم، وليس للأوصياء أخذه لأنفسهم، بخلاف الورثة. قال: والمغمى عليه ليس للسلطان في أيام الخيار فيه نظر، ولا للوارث، فإن طال الإغماء بعد أيام الخيار، فله النظر بالرد للضرر، لا بالأخذ. وقال أشهب: له أن يجيز أو يرد، أو يجعل ذلك إن رآه من وارث أو غيره، فإن لم يفعل حتى مضت أيام الخيار، لم يكن له نظر، ورد البيع.
ومن الواضحة: وإذا كان الخيار لرجلين، فلأحدهما الرد ولا حجة للبائع، وكذلك في العيب.
في ضمان ما يباع على الخيار في صحة البيع وفساده
أو في ثوب من ثياب يختاره فيهلك أو يهلك أحدهما
والدعوى في ذلك كله
من كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن اشترى واستوجب، فقال: إن بدا لي رددته ما بيني وبين شهر. ثم أصيبت السلعة، فهي من المبتاع.
قال: ومن ابتاع لرجل ثوبًا، وقد أمره يشتري له ثوبًا، واشترط الخيار حتى يريه صاحبه، فروى ابن القاسم، عن مالك أن الثوب إن هلك من الآمر. وأحب إلينا أن لا يكون على الآمر، وأن يكون على الرسول، إلا أن يكون بين للبائع أن فلانًا أرسله ليبتاع له ثوبًا، فيلزمه البائع، ويحلف الرسول لقد ضاع.
وقال في مبتاع الدابة يركبها يختبر مسيرها، والقوس ينزع فيها، والسيف يختبره فيصاب في ذلك، فلا ضمان عليه، وقد تقدم هذا.
ومن ابتاع ثوبًا من ثوبين يختاره، قد لزمه، فإن كان الثمن واحدًا، والثوبان من جنس واحد، فجائز، وإن هلك أحدهما بيد المبتاع في الخيار، أو دخله عيب،
[6/ 390]

(6/390)


فالهالك أو المعيب بينهما، والسالم بينهما، وعليه نصف ثمن كل ثوب، ولو اختلف الثمن، فألزم نفسه أحدهما على الوجوب، لم يجز، فإن هلكا، فعليه نصف قيمتها، وإن هلك واحد، فعليه نصف قيمته، ويرد الباقي إن لم يفت بشيء، فإن فات، فهو بينهما، وعليه نصف قيمته.
ومن سماع عيسى، عن ابن القاسم، في العتبية ذكر مثله، أنه إن كان البيع فاسدًا في الثوبين على ثمن مختلف قد لزمه أحدهما يختاره، فهو مثل ما ذكرنا في البيع الصحيح.
ومن كتاب ابن المواز: قال: ولو كان السلعتان مما يجوز أن يسلم إحداهما في الأخرى، لم يجز على إلزام إحداهما. قال: وإذا كانا صنفًا واحدًا، والثمن واحد، فأخذهما على أن يختار واحدًا إن شاء، وإن شاء ردهما، فهلكا أو أحدهما، فالجواب كالجواب في أخذ حدهما على الإلزام يختاره، ولو قال المبتاع: إنما ضاع أحدهما بعد أن اخترت الباقي، فالقول قوله، ويحلف ولا شيء عليه في التأليف. وقاله أصبغ.
وروى مثله عيسى، عن ابن القاسم في العتبية، في أخذه أحدهما على الإلزام، ولو لم يختر حتى هلك واحد، فله رد الباقي، وغرم نصيب ثمن الثالث، فإن اختار حبس الباقي، فليس له إلا نصفه، إلا أن يرضى له البائع؛ لأنه لزمه نصف التالف، وهو لم يبعه ثوبًا ونصفًا، وإنما باعه ثوبًا واحدًا، وقال أشهب: هو ضامن للثوبين إذا توارى بهما. قال أشهب في غير كتاب ابن المواز: فإن أخذ الباقي، كان عليه بالثمن، والتالف بالقيمة، وإن رده، فعليه التالف بالأقل من الثمن أو القيمة. قال: ولو كانا عبدين، على أن يختار واحدًا على الإلزام، فهلك واحد، فهو من البائع، والباقي للمبتاع لازم.
[6/ 391]

(6/391)


قال ابن القاسم: ومن اشترى ثوبًا، وأخذ من البائع أربعة أثواب، على أن يختار منهم واحدًا، فضاعت، فإن كان البائع تطوع له بذلك، لم يضمن إلا واحدًا، وإن كان هو سأل البائع ذلك، ضمنها كلها.
قال محمد: لا يعجبني هذا، وذلك سواء، ولا يضمن إلا واحدًا؛ لأن البائع لم يعطه إياها إلا عن رضى إذ سأله.
قال ابن القاسم في عبد بيع على الخيار للمبتاع فهلك، فقال المبتاع: هلك في الخيار. وقال البائع: بل تعدى أيام الخيار. فالقول قول البائع؛ لأن المبتاع يطلب نقض البيع، فعليه البينة. قال أبو محمد: يعني وقد تصادقا اليوم أن أيام الخيار قد مضت، وأما لو قال المبتاع: لم تنقض. لصدق مع يمينه؛ لأن البائع يريد تضمينه.
ومن كتاب ابن حبيب، قال: وما قبضه المشتري على الخيار، فادعى هلاكه، فهو مصدق فيما لا يغاب عليه مع يمينه، لقد ذهب، وإنه ما اختاره حتى ذهب، ويضمنه البائع، وأما ما يغاب عليه، فيضمنه المبتاع بالثمن، إن لم تقم بينة.
ومن اشترى ثوبين بالخيار بثمن واحد، فهلك بيده أحدهما، ضمنه بحصته من الثمن، وإن اشترى منه كل ثوب منهما بثمن سماه دون الآخر، يأخذهما إن شاء أو أحدهما، فضاع أحدهما، فإنه يضمنه بما سمى له من الثمن، وله أخذ الباقي أو رده، وإن كان شرط أن يأخذ أيهما شاء بثمنه، ويرد الآخر، فله أخذ الباقي، كما ذكرنا، وإن هلكا ضمنهما جميعًا بالثمن الذي كان سمى لهما جميعًا، وكذلك لو كانت عشرة أثواب، سمى لكل ثوب ثمنه، على أن يأخذ أيهم شاء، قد لزمه، فضاعت كلها، فإنها تلزمه كلها بما سمى من الثمن، ولا يكون في شيء منها أمينًا.
[6/ 392]

(6/392)


وعاب قول ابن القاسم وقال: لو أخذها كلها بالخيار بغير إيجاب لضمنها عنده، فلما أخذها على واحد، ألزمه بخياره، لم تلزمه جميعًا، ولزمه عنده واحد، ولو لم يضع إلا واحد كان شريكًا في كل واحد بجزء عددها، وهذا غلط، وهو فيها كلها مخير، كما كان في المسألة التي ضمنه فيها.
قال: وسواء أخذها على أن يختار واحدًا قد لزمه، أو على أن يأخذ منها واحدًا هو منه بالخيار أن يأخذه، أو يرد جميعًا، إلا في وجه واحد، أنه إذا أخذها على أن واحدًا لزمه بخيار، فضاع واحد، فإن قال: اخترته، ثم ضاع، لزمه الثمن ورد ما بقي، وإن قال: ضاع قبل يختاره لزمه بالثمن المسمى لغيبته عليه، وقيل له: اختر واحدًا مما بقي إن شئت بثمنه، لا بد لك من ذلك، ولا يكون شريكًا في شيء منها، وإن لم يأخذوا واحدًا منها بخياره على إلزام، ضمن الذاهب، ورد ما بقي إن شاء، وله أن يأخذ منها واحدًا أو يردها.
وقاسها ابن القاسم بمسألة مالك فيمن له قبل رجل دينار فقبض منه ثلاثة يزنها، فيأخذ واحدًا، فضاعت، أنه لا يضمن إلا واحدًا، ولا تشبهها، وهذه فيها أمانة بينة، وفي البيع كلها على الضمان؛ لأنه مخير في كل واحد منها، وبقي في مسألة مالك تمامها، أنه إنما يضمن واحدًا، إذا لم يشك أن فيها وازنًا، فأما إن جهل ذلك، وقال: ضاعت قبل الوزن فلا يضمن شيئًا منها، ولا يكون متقاضيًا لشيء ضمنه، وهو مصدق، ويحلف أنه ما علم أن فيها وازنًا، ولا وزنها حتى ضاعت، إلا أن تكثر الدنانير حتى يعلم أن مثلها لا يحطى أن يكون فيها وازنًا، فيضمن حينئذ واحدًا على ما ذكرنا، وهكذا قال لي من كاشفت من أصحاب مالك في ذلك كله، إلا في وجه واحد، إذا كانت الثياب مختلفة الأثمان، فإن مالكًا يكره أن يأخذ واحدًا على إلزام، وأجازه عبد العزيز، وذلك أبين، إن شاء الله.
[6/ 393]

(6/393)


وإن ابتاع ثوبين، على أنه فيهما بالخيار، فاختار أحدهما بغير محضر البائع، وأشهد على ذلك، ثم ادعى هلاك الباقي، فابن القاسم لا يضمنه، ومن سواه من أصحاب مالك يضمنه، وهو الصواب. هكذا في كتاب ابن حبيب، وإن كان يعني أنه إنما يختار أحدهما، فهو قول ابن القاسم، وإن كان يريد هو فيهما بالخيار، يأخذهما أو يردهما، فليس بقول ابن القاسم.
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: ومن دفع إلى رجل دنانير ثمن سلعة ابتاعها منه، فقال له: زنها، أو قال: خذها حتى تزنها، فإن كانت وفاء، فهي لك، وما زاد فاردده، وما بقي أوفيتكه، فهلكت، فهي من قابضها إذا قبضها على وجه القضاء أو الرهن، ولو كان بمعنى الوديعة، كانت من الدافع.
قال أصبغ: هذا قبضها على القضاء لا شك فيه، ولو لم يكن على القضاء، لكانت رهنًا؛ لأنه سبب ما دفع عليه، وقد قلت لابن القاسم: ولو كان حلف ليوفينه، فدفع إليه ثلاثة، وقال له: زنها، فما وجدت من قائم فخذه، فإن ضاعت قبل يعرف أن بها قائمًا، فهي من الدافع.
فيمن أخذ ثوبًا بالخيار من رجل وثوبًا من آخر
ثم لم يدر ثوب كل واحد
من كتاب ابن المواز ومن العتبية من سماع ابن القاسم، قال مالك: ومن ابتاع ثوبًا بالخيار من رجل، ومن رجل آخر ثوبًا غيره بالخيار، ثم لم يتبين ثوب هذا من ثوب هذا، وادعى كل واحد أجودهما، فإنه يلزمه الثمنين جميعًا، إلا أن يزعم أنه يعرف ثوب كل واحد، فيصدق ويحلف، أو تعرفه بينة غيره، فلا يحلف.
[6/ 394]

(6/394)


ومن كتاب ابن المواز، قال: فإن لم يعرف، وحلف البائعان، فأحب المشتري أن يدفع أرفعها إلى من شاء منهما، ويدفع إلى الآخر ثمن ثوبه الذي راضاه عليه، فذلك له، فإن نكل البائعان عن اليمين، قيل للمبتاع: ادفع الأرفع إليهما، وادفع الأدنى حتى يدعياه بعينه.
ومن العتبية روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، قال: وإن كان أحدهما بعشرة والآخر بخمسة، وادعى كل واحد أجودهما، فإن نص لكل واحد ثوبه، حلف وبرئ إليه منه، وإن قال: هذا ثوبه بعشرة ولا أدري أيهما ثوبه، وهذا ثوبه بخمسة ولا أدري ثوبه. فقد لزمه بخمسة عشر، فإن شاء دفع أرفعهما إلى من شاء وعزم للآخر ما سمى له من الثمن، وإن قال مع جهله بثوب كل واحد: ولا أدري الذي ثوبه بعشرة. قيل له: ادفع إلى كل واحد عشرة، واحبس الثوبين. يريد: ويحلفان. قال ابن حبيب، عن مالك: إن عرف ثوب أحدهما، حلف وصدق، وإن شك وقد قطع الذي بعشرة راضيًا به، وكلا الرجلين يدعيه، فإنهما يحلفان ثم يغرم عشرة وهو ثمنه، ويغرم أيضًا قيمته، فتكون القيمة والعشرة بينهما، إلا أن تكون القيمة أكثر من عشرة، فلا يخرج إلا عشرين، ثمنه مرتين، لكل واحد منهما عشرة، فإن نكل أحدهما، وحلف الآخر كان للذي حلف عشرة، وللآخر الثوب المردود، وكذلك لو رد الثوبين جميعًا، وادعى كل واحد الرفيع، فالجواب على ما ذكرنا. وقاله ابن الماجشون ومطرف عن مالك.

ما يعد من فعل ذي الخيار اختيارًا وجنايته
من الواضحة: وإذا تسوق من له الخيار بالسلعة فذلك رضًا، إلا أن يزعم أنه أراد أن يختبر ثمنها، ليعرف رخصها من غلائها، فيحلف، ويكون على خياره، وإن نكل لزمته وإن حجم الوصيف، أو حلق رأسه على المشط، فهو رضًا. وروى عيسى عن ابن القاسم في العتبية: في الحجامة مثله.
[6/ 395]

(6/395)


قال ابن حبيب: وإذا جعل من خضب يدي الأمة بالحناء، أو ضفر رأسها بالعسل، فهو رضًا، إلا أن تفعل ذلك الجارية بغير أمره، فلا يكون رضًا، وإن جردها للذة أو قومها، أو مس بطنها أو ثدييها، فهو رضًا، وأما تجريد نظر واختيار، فلا يعد رضًا.
ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: وطؤه للأمة في الخيار قطع لخياره، وأما ضمانها بعد ذلك، فأما الرائعة، فمن البائع، لما بقي من عهدة الاستبراء لا للخيار، وأما الوخش فمن المبتاع لزوال الخيار بالوطء.
وإذا انتظر بذات المواضعة التي وطئها، فوضعت لأقل من ستة أشهر، برئ منه المبتاع، فإن لم يقر البائع بالوطء، فالمبتاع مخير في قبولها بولدها، أو ردها، وإن أتت به لستة أشهر، فهو للمبتاع إن لم يكن لها زوج، ولا أقر به البائع، فإن أقر به البائع، دعي له القافة، فإن كانت ذات زوج، فالزوج أحق به، ولا ينفيه إلا بلعان، وينكل إن لم يعذر بالجهل.
قال ابن كنانة: ويعاقب في القبلة. قال: وتزويجه للجارية قطع للخيار فيها، فأما تزويجه للعبد، فابن القاسم يقطع به الخيار، وأشهب لا يقطعه به، وتراه بخلاف الجارية، وأما مواجرته للعبد، أو الأمة، أو السوم بهما، أو طرحه للعبد في صناعة، أو كراء الدار، أو الدابة، أو رهنهما، فقال أشهب: ليس ذلك كله قطعًا بخيار المبتاع بعد أن يحلف في ذلك كله، أنه ما كان منه تركًا لخياره، وقال ابن القاسم: وذلك كله رضًا منه بالبيع، ومن البائع رد له، إن كان له الخيار.
وإن قطع يد الأمة في الخيار، أو فقأ عينها - يريد: عمدًا - والخيار له، فقال أشهب: لا يقطع ذلك خياره، ولا يظن بأحد أن يفعل ذلك رضًا. قال محمد: وتعتق عليه. وقال ابن القاسم: وفي العمد رضًا، وإن كان خطأ، حلف إن اتهم وردها، وغرم ما نقصها، إلا أن يكون عيبًا مفسدًا، فيضمن الثمن كله، كما لو فعله بعبد أجنبي. قال سحنون: يضمن القيمة. قال: وإن كان عمدًا،
[6/ 396]

(6/396)


عتق عليه، وفي الدابة يضمن في المفسد في الخطأ والعمد، وإن لم يكن مفسدًا، حلف في الخطأ، وردها وما نقصها، وتلزمه في العمد.
من المبسوط لإسماعيل القاضي - وهو عندنا رواية -: روى ابن نافع عن مالك أنه سئل عن رجل باع أمة وشرط أحد المتبايعين لها الخيار أيامًا، ثم وطئها أحدهما في أيام الخيار فحملت، قال: إن حملت من الذي ليس له فيها خيار لحق به الولد، وكان عليه قيمته، وتكون الجارية للذي له فيها الخيار إن اختار ردها.
قال أبو محمد: يريد إذا اختارها أخذ قيمة الولد من صاحبه. ورأيت في كتاب نسب إلى سحنون ولم أدره قال فيمن اشترى جارية على أن البائع فيها بالخيار فوطئها المشتري فحملت منه: إنها تكون أم ولد له وتلزمه القيمة ويدرأ عنه الحد بالتهمة. قال أبو محمد: يريد سحنون أن البائع الذي له فيها الخيار إن اختار إجازة البيع أخذ الثمن، وإن اختار رده أخذ القيمة إن كانت أكثر.

فيمن له الخيار في سلعة فيبيعها
ومن الواضحة: ومن ابتاع شيئًا بالخيار، فباعه بربح في أيام الخيار قبل يخبر صاحبه باختياره، فإن قال: بعته بعد أن اخترته، صدق مع يمينه، إن كذبه صاحبه، يريد بعلم يدعيه، وله الربح، وإن قال: بعت قبل أن أختار، فالربح لربه. قاله مالك وأصحابه.
قال ابن المواز: وما ابتعت على خيار، فلا تبعه حتى يعلم البائع، أو يشهد أنك رضيت. يريد: والخيار لك، وإلا فربح ذلك للبائع إن لم تعلمه، قاله ابن القاسم. وإن أقررت أنك بعت قبل يختار؛ لأنه في ضمان البائع، وإن قال: بعد أن اخترت، دين وأحلف.
[6/ 397]

(6/397)


باب ما يجوز من بيع شيء يختاره المبتاع من عدد
وما يباع من آخر قبل اختياره
وكيف إن كانت غنمًا فتوالدت؟
وما يجوز من استثناء البائع لحمار يختاره
أو يكون في بعضه بالخيار
من كتاب ابن المواز: ومن ابتاع مائة شاة، على أن يرد شاة منها بثمنها، فإن سماه، جاز، وإلا فالبيع رديء، وإن استثنى البائع شاة أو عشرة من شرارها، إن ذلك ليتقى، قال أصبغ: للخطر. وقال محمد: إن نزل مضى، والقياس أنه يجوز. وقال محمد في موضع آخر: إنه جائز، كانت قلية أم كثيرة؛ لأنه إنما اشترى من خيارها.
قال محمد: ولا باس بخيار البائع فيما استثنى في أيسرها، ولا يجوز في أكثرها، ويجوز على خيار المبتاع في أيسرها وأكثرها، فأما بغير خيار، فيجوز منهما. ويكون بما سمى شريكًا فيها، وكذلك في الثمرة، ولا يجوز على الخيار في الثمرة، وإن اشترى عشرة من هذه الغنم يختارها، فلم يخترها حتى ابتاع هو وغيره عشرة أخرى يختارها، فلا باس به، وقيل: أما غيره، فلا يعجبني إلا في الغنم الكثيرة جدًا، وإلا فكان الثاني اشترى شرارها بشرط أن يختار عليه البائع أكثرها. وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم في العتبية.
ومن العتبية روى سحنون، عن أشهب في من ابتاع عشرة أكبش في مائة يختارها، ثم أربحه رجل على أن يختارها مكانه، فلا يجوز ذلك إلا بخيار ما لم
[6/ 398]

(6/398)


يجب الأول بعد، ولو قال: اختر أنت، وأنا مشتر لها بخيار، لم يجز، وهو غرر، بخلاف اختيار الورثة لما كان للميت أن يختاره.
وروى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم في من اشترى غنمًا فبها كبش معتل، على أن المبتاع بالخيار فيه عشرة أيام، فإن رضيه حبسه، وإلا رده بحصته من الثمن، فلا يجوز، إذ لا يدري بكم تبقى عليه إن رد الكبش. ويفسخ البيع، وعليه القيمة في فوتها.
ومن كتاب ابن حبيب: ولا بأس أن يقول: بعني عشرة من خيار غنمك. لا يقول: أختارها أنا ولا أنت، فإن اختلفا في من يختارها، دعي لذلك أهل العدل والنظر، يختارها، ولا يجوز شراء عشر شياه من شرارها يتسورها البائع والمبتاع، ولا يجوز أن يشتري رجل من غنم رجل عشرة يختارها، ويشتري الآخر بقيتها وذلك معه، إذ لا يدري الثاني ما يبقى منها للأول، بخلاف الصبرة.
ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: ومن اشترى عشرة يختارها من هذه الغنم، وهي حوامل فلم يختر، حتى ولدت، فله أن يختار عشرة من الأمهات دون الأولاد. محمد: وقد وضعت في ضمان غيره، ولو شرط أنها حوامل، فسد البيع.
قال محمد: ولو نقصتها الولادة، فللمبتاع أن يقبلها، ولو كان الخيار للبائع، وأما في الجواري يشتري عشرة من مائة يختارهن وهن حوامل، فلم يختر حتى وضعن، قال: هذا لا يكون، وله الخيار في أخذ الأمهات، ويفسخ البيع من أجل التفرقة. وقيل: لا يفسخ، والولد للبائع، ويخير المشتري، فإن اختار الأخذ، جبرا أن يجمعا بينهما. يريد محمد: في ملك أو يبيعا ويقسم الثمن على القيم. وأما لو شرط في البيع أنهن حوامل، فسخ البيع، وقيل: إن كان الحمل ظاهرًا بينًا، يعرفه كل أحد، جاز في الجواري والغنم، وقيل: إن كان ذلك على وجه البراءة من الحمل، جاز في الوخش دون المرتفعات.
[6/ 399]

(6/399)


وقال أشهب فيمن اشترى غنمًا، على أنها حوامل، فهو جائز، وإن لم يكن حملهما بينًا، يقول: ضربها الفحل، وأنا أبيع على ذلك أن ذلك في بطونها. ولا بأس بذلك في الأمة الوخش، ولا يجوز ذلك في العلية. وقال في كتبه: إن كانت بينة الحمل، وكان شرط، فلا خير فيه، وإن كان على وجه الخير، فلا باس به. قاله مالك. قال ابن القاسم في الغنم: وليس للبائع جز صوف الغنم قبل خيار المبتاع، فإن فعل، فذلك للمبتاع إن اختاره، وأما ما أكل البائع من لبن أو سمن، فهو له بالضمان.
وروى أصبغ عن ابن القاسم في العتبية مثل ما ذكر عنه ابن المواز في مسألة الغنم والجواري الحوامل، وزاد قال: ولو اشترى عشر شياه من مائة يختارها، على أن المائة تحلب قسطًا قسطًا، فذلك جائز، فإن تأخر اختياره حتى حلبها البائع، فالثمن للبائع بضمانه.

باب في جناية العبد المبيع بالخيار
من كتاب ابن المواز: ومن اشترى عبدًا بالخيار ثلاثًا، فجرح العبد رجلاً في أيام الخيار، فللمبتاع الرد في العمد والخطأ، إن كان الخيار له.
قال عيسى عن ابن القاسم في العتبية: له رده، ولا شيء عليه في الجناية. قال في كتاب ابن المواز: فإن كان الخيار للبائع، فيفترق ذلك، فليس له في العمد أن يلزمه للمشتري، وإن فداه، وأما الخطأ، فله إلزامه.
ومن الواضحة: ومن ابتاع جارية بالخيار، فجنت، أو جنى عليها عمدًا أو خطأ، فالخيار فيها بحاله للمبتاع، إن شاء رد، وكانت المبتاعة بين البائع والجاني أو
[6/ 400]

(6/400)


المجني عليه، فإن جنى هو عليها خطأ، فهو على خياره، فإن حبسها، فبالثمن كله، وإن ردها، رد ما نقصها، وإن كان عمدًا فهو عند أشهب كالخطأ، وعند ابن القاسم هو رضًا، وبه أقول.
قال عيسى عن ابن القاسم في العتبية: إذا ابتاع عبدًا بالخيار فجنى، قال: فله رده.

فيمن ابتاع أباه بالخيار
والنصراني يشتري مسلمًا بالخيار أو يسلم في أيام الخيار
من الواضحة: قال ابن حبيب: ومن ابتاع أباه، أو من يعتق عليه بالخيار، فابن القاسم لا يعتق عليه حتى يختاره، وهو القياس، وأنا أستحسن أن يعتق عليه إن كان الخيار له، وليس للبائع. وقاله من أرضى، فأما إن كان الخيار للبائع، فلم يختلف أنه لا يقطع خياره.
والنصراني يبيع من النصراني عبدًا نصرانيًا بخيار، فأسلم العبد في أيام الخيار، فلا يفسخ البيع، ولكن إن اختار المبتاع أخذه، بيع عليه، وإن رده، بيع على البائع.
ومن كتاب ابن المواز: وإن ابتاع نصراني مسلمًا بالخيار، فليوقف مكانه، فإن اختار البيع، بيع عليه.

باب في التداعي في بيع الخيار
من كتاب ابن المواز: وإذا اختلف المتبايعان، فقال البائع: بعتك على أن الخيار لي دونك، فقال له المبتاع: بل على أن الخيار لي دونك. فقال ابن القاسم وأشهب: يتحالفان، ويثبت البيع. قال محمد ابن المواز: أما إن اتفقا على رد أو
[6/ 401]

(6/401)


إجازة، فلا يحلفا، وإن اختلفا، فمن أراد إمضاء البيع، قُبل قوله مع يمينه، كان بائعًا أو مبتاعًا، ولا يحلف صاحبه؛ لأن اليمين على من يحكم له، وهذا يحكم عليه، وفي اختلافهما في الثمن، كل واحد يحكم له على صاحبه.
وروى أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية في هذا، قال: ينتقص البيع، ولا يقبل دعوى واحد منهما.
وروى أصبغ في العتبية عن ابن القاسم: إذا ادعى كل واحد أن الخيار له، فالبيع لازم، والخيار ساقط. قال أصبغ: ويتحالفان، ولا أبالي من بدأت باليمين، وأحب إليّ أن يبدأ المبتاع؛ لأنه أوكد في الدعوى، فإن حلفا أو نكلا فذلك، وإن حلف واحد ونكل آخر، فالقول قول الحالف، فإن حلف المبتاع أولاً، فله الأخذ، ويخير البائع في أن يحلف، فيسقط أو لا يحلف فيسلم، كما إذا اختلفا في الثمن، فبدأ البائع فحلف، فإنه يتم له حتى يحلف صاحبه، فيسقط، أو لا يحلف، فيؤدي الثمن.
ومن كتاب محمد: وإن باع ثمر حائطه، واستثنى ثلاثة أعذق، وقال: شرطت أن أختارها. وأنكره المبتاع، تحالفا، وفسخ البيع، فإن نكل البائع، وحلف المبتاع، فللبائع ثلاثة أعذق من أوسطه، وكذلك إن قال المبتاع: ثلاثة أريتنيهن. أو قال البائع: شرطت ثلاثة معينة، وأنكر المبتاع الأعذق، فليتحالفا ويتفاسخا.

ما ينهى عنه من بيعتين في بيعة
من كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن باع من رجل أحد ثوبين بدينار قد لزمه فلا خير فيه. قال محمد: ومكروه ذلك أن يختلف الثوبان أو السلعتان، وكانا من صنف واحد أو من صنفين مختلفين، اتفق الثمن أو اختلف، وإذا كان كل واحد بالخيار، فجائز.
[6/ 402]

(6/402)


قال مالك: وقد باع سلعة بدينار نقدًا، أو بطعام نقدًا، لزم ذلك البائع بخيار المشتري، أو لزم ذلك المشتري بخيار البائع في أحد الثمنين، أو رد السلعة، فهو من بيعتين في بيعة، ويدخله مع ذلك في الطعام بيعه قبل قبضه. قال محمد: ولو لم يقل أحدهما لصاحبه: أنت مخير علي. ولم يزد على أن قال: خذها إن شئت بدينار، وإن شئت بهذه الشاة، لم يجز؛ لأن قوله: خذ، قال: قد بعتك، أو هي لك، فقد ألزمه نفسه بغير خيار.
أشهب عن مالك فيمن حبس راويتين زيت لرجل، فأمره وسأله كيف بعت؟ فقال: بخمسة وعشرين على التقاضي، وبأربعة وعشرين نقدًا، فخذ بأيهما شئت. قال: قد أخذت. فلا يجوز. محمد: لأنه إيجاب على البائع بقوله: خذ بأيهما شئت.
قال أشهب عن مالك: وإن قال في عبدين: هذا بخمسين إلى سنة، وهذا بأربعين إلى سنة، خذ أيهما شئت، فلا باس بذلك. قال محمد: رواية أشهب الأولى أصح، وهي رواية ابن وهب، وابن القاسم.
قال مالك في من يبتاع البز من العجم، وقد جعل بينهم وبينه شيئًا يعرفونه، أن الدينار الوازن هو ثلاثون قيراطًا، والناقص أربعة وعشرون، فيبتاع ثوبًا بعشرة قراريط، أو ثوبًا بعشرين، فيبتاع ثيابًا كثيرة، ثم يخير البائع على ما يحسب له، فيقول: على الوازن فيحسب له على ثلاثين، فما بلغ أعطاه ذلك وازنة، فلا أحبه، لأنه باعه على نقدين مختلفين. محمد: كأنه بايعه على أربعة وعشرين، على إن شاء البائع أخذ منها دينارًا ناقصًا، وإن شاء أخذ وازنًا يحسب عليه وبه ثلاثين، فلا يدري بأي الثمنين يلزم المبتاع.
ومن باع عكمًا بألف درهم، على أن كل عشرة دراهم بدينار، فإن كان على أن له الدنانير ثابتة، فجائز، وإن كان يعطيه إما دراهم، وإما دنانير، فلا يجوز.
[6/ 403]

(6/403)


ومن واجر أجيرًا على أنه إن شاء استخاطه، وإن شاء جعله برفو، فلا خير فيه، وإن واجره بخدمة سنة، على أنه إنما اجتاز فيها سفر شهر أو شهرين، خرج معه، فلا بأس بذلك.
محمد: إن كان لخدمته يخرج به، فجائز، وإن كان لغيرها، أو لتجارة، فلا خير فيه أن يقول: إن احتجت، ولكن يوجب الشهرين ويسميهما.
قال مالك: ومن واجر عبدًا هذا الشهر بخمسة، والذي بعده بعشرة، فجائز، ويصير كل شهر بسبعة ونصف، إلا أن يقصد على أنه إن مات العبد، حاسبه على ما سمى، فلا خير فيه، حتى يكونا في كراء واحد. محمد: وهو خطر، وكذلك في الأكرية، كما يفعله بعض الناس، يقول: أكريك شهرًا بدينار، وأحد عشر شهرًا بدرهم، كأنه يقول: إن سكنت شهرًا، ثم تركت أو انهدمت الدار، كان باقي السنة بدرهم، فهو من بيعتين في بيعة.
ومن الواضحة قال مطرف، عن مالك: ومن باع سلعة بدينار نقديًا، وبعشرين درهمًا إلى أجل، لزم ذلك أحد المتبايعين والآخر مخير، لم يجز.
قال مالك: وإن واجبه على تسعة آصع بدينار ناقص، أو عشرة بوازن، فأعطاه تسعة، وأخذ ناقصًا، على أنه إن وجد وازنًا جاء به، وأخذ الناقص وصاعًا، وإلا تمسك بما عنده، فلا خير فيه، وإن قال: إن شئت هذا الثوب أو هذا بدينار، لزمك أحدهما. فإن كان مستويين، فجائز، ولا يجوز إن اختلفا. وهذا في غير الطعام جائز، مما يتساوى في الجنس والجودة، والكيل والوزن، ولا يجوز في الطعام، كان من صنف واحد أو مختلف، اتفق الثمن أو اختلف.
ومن تزوج بمائة دينار، أو بعبد إيجابًا، فذلك فاسد، يفسخ قبل البناء، ويثبت بعده، ولها الأكثر من صداق المثل، أو من المائة، أو قيمة العبد، وقاله ابن الماجشون.
[6/ 404]

(6/404)


فيمن باع على أنه إن جاءه بالثمن إلى شهر وإلا فلا بيع له
ومن كتاب محمد: قال مالك: ومن باع على أنه إن جاءه بالثمن إلى شهر، وإلا فلا بيع بينهما، فأما الرباع وشبهها، فذلك جائز، وأكرهه في الحيوان والعروض، وينفذ البيع، ويبطل الشرط.
وقال ابن القاسم: وذلك والعروض سواء، والشرط باطل، وقد كرهه مالك في الرباع وغيرها، وكذلك قوله: إن جئتني بالثمن اليوم، وإلا فلا بيع لك، فإن جاء من الغد، فالبيع نافذ، وإن هلكت قبل ذلك، فهي من البائع، ولو تأخر النقد جدًا، نقض البيع. وقال ابن عبد الحكم: اختلف فيه قول مالك، وأحب إليّ أن يفسخ البيع.
قال ابن سحنون: قال عبد الملك في من باع سلعة وشرط إن لم يأت بالثمن إلى أجل كذا وكذا، وإلا فلا بيع بينهما: إن البيع جائز، والشرط باطل.

باب ما يلزم به البيع من التساوم
وكيف إن أفات السلعة بعد التساوم قبل الاتفاق؟
ومن قال: من جاءني بمثل ثوبي هذا فله دينار
ومن أعطاني في عبدي هذا عشرة فهو له
من العتبية: روى أشهب، عن مالك فيمن قال لرجل: بعني سلعتك هذه، فيقول: نعم بكذا أو كذا، فيقول: قد أخذتها، فيقول ربها: لم أرد بيعها، وإنما أردت اختبار بيعها، قال: أما من أوقف سلعته في السوق يتسوق بها، فذلك يلزمه، وإن لم يقوما، وأما الذي يعلم أنه لاعب، لا يريد بيعها، فلا يلزمه.
[6/ 405]

(6/405)


وفي موضع آخر من سماع أشهب: وعمن أوقف عبده للبيع، فيقول له رجل: بكم عبدك؟ فيقول: بعشرين دينارًا، فيقول: قد أخذته بكذا، فيبدو للبائع، قال: قد لزمه البيع، وكذلك في العبد يوقف في السوق، فيقول له: بكم هو؟ فيقول: بعشرين، فيقول: ضع لي دينارًا، فيأبى، فيقول: قد أخذته، فليس للبائع رجوع.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك في من سام بسلعته، فما كسبه المشتري حتى يوقف على ثمن، فلم يزده البائع على هذا، ولا قال: إن رضيت فخذ، وإنما قال: هي بكذا، فيقول السائم: أذهب بها وأشاور، فيقول: افعل، فيذهب بها المشتري، ثم يرضى، ويأتي بالثمن، فيبدو للبائع، أو يقول: بعتها ممن زاد عليك، ويقول: إنما بيني وبينك سوم، فالبيع تام إن رضيه المبتاع، وليس من سام بشيء، فقال المبتاع: قد أخذتها، فيبدو للبائع، كمن وقف على ثمن سلعة ودفعها إلى المبتاع، فذلك يلزمه، إلا أن يقيله المبتاع، وإن هلك ذلك بيد المبتاع قبل يرضى به، فهو من البائع.
وقال في كتاب آخر: ومن قال: هو لك بكذا، فقال: قد أخذته، فقال البائع: لا أرضى، فذلك يلزمه، وكذلك لو قال المبتاع أولاً: قد أخذته بكذا، فيقول البائع: هو لك، فيقول المبتاع: لا أرضى، فهذا يلزمه، بخلاف إن تساوما بغير تواجب.
ومن سام بسلعته، فقال: بعشرة، فقال المبتاع: بخمسة، ومضى بها على ذلك، فهلكت، فعليه عشرة.
وفي غير هذا الكتاب في المكتري يقول: بخمسة، ويقول رب الدار: بعشرة، ويسكن على هذا، أنه إنما عليه خمسة، بخلاف الخياط يخيط على مثل هذا، وقد ذكرت هذا في موضع آخر من البيوع.
[6/ 406]

(6/406)


في الرجلين يتفقان فيما يشتريان قبل الشراء
أن يأخذ كل واحد من الصفقة شيئًا بعينه
من العتبية، روى سحنون عن أشهب في رجلين اشتريا ثوبين من رجل، ثوب خز وثوب مروي بمائة دينار، وتراوضا قبل الشراء أن يأخذ هذا الخز بحصته، وهذا المروي بحصته، قال: المراوضة قبل ذلك باطل، ولكل واحد نصف كل ثوب. وذكر مسألة الأرض يشتريانها، وهي بين حائطيها، على أن يأخذ كل واحد منهما نصيبه مما يليه، والأرض مختلفة. قال ابن كنانة: لا يجوز؛ لأن كل واحد منهما قد يقل ما يصيبه ويكثر.
[6/ 407]

(6/407)


أبواب اختلاف المتبايعين

في اختلاف المتبايعين في الثمن والمثمون
من الواضحة: وإذا اختلف المتبايعان تحالفا، وبدئ بيمين البائع، فإن حلف ونكل المبتاع، أو حلف المبتاع ونكل البائع، فالقول قول من حلف، وإن حلفا تفاسخا، وإن نكلا فالقول قول البائع عند مالك، حتى يحلف المبتاع على تكذيبه. وروى سحنون في المدونة عن شريح، إذا نكلا ترادا، مثل إذا حلفا. ومثل هذا ذكر ابن المواز عن ابن القاسم.
قال ابن القاسم في المدونة: إذا حلفا ترادا، إلا أن يرضى المبتاع قبل الفسخ أخذها بما قال البائع. وقال سحنون: بل بتمام التحالف ينفسخ البيع. قال محمد بن عبد الحكم: إذا تحالفا، ثم أراد البائع أن يلزمها المشتري بما ادعى المشتري، فذلك له، وإن شاء فسخ البيع.
ومن كتاب ابن المواز، قال: ولم يختلف قول مالك في اختلافهما في الثمن قبل التفرق. وهو قول أهل المدينة: أن يتحالفا ويترادا. واختلف قوله إذا افترقا، وقبض المبتاع السلعة، فروى عنه ابن وهب أن القول قول المبتاع، إذا بان بها وحازها وضمنها، مع يمينه ما لم يدع ما لا يشبه، مثل أن يقول: أخذت العبد بدينار، أو بدرهم. وما لا يكون ثمنه. قال ابن عبدوس: وبه يأخذ سحنون. قال ابن المواز:
وروى عنه ابن القاسم مثله. روى عنه ابن القاسم أيضًا أنهما يتحالفان بقرب ذلك، ما لم تتغير السلعة في سوق أو بدن أو غيره من الفوت، وبهذا أخذ ابن القاسم. وقال ابن عبد الحكم، ثم رجع إلى الأول، وبه قال سحنون.
[6/ 408]

(6/408)


وروى أشهب، عن مالك، أنهما يتحالفان وإن قبضها وفاتت، ويرد القيمة بدلاً منها، قيمتها يوم قبضها. وبه قال أشهب. وذكر ابن حبيب مثل قول ابن القاسم، وقال هو قول مالك، وما علمت أحدًا اختلف فيه من أصحابه المدنيين والمصريين.
ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: وبلغني عن مالك: إذا طال زمان العبد بيد المبتاع، وتغير من بدن أو سوق، تحالفا، وغرم قيمته يوم البيع، وإن كان بحضرة البيع، مثل عشرة أيام، تحالفا، وردت السلعة، ومن نكل فالقول قول من حلف، ومن كان قوله منهما شبيهًا بالحق، قبل قوله مع يمينه في الوجهين. قال ابن القاسم: وذلك عندي إذا اختلفا في نوعين من الثمن، فقال: هذا بدنانير، وهذا بطعام، أو قال: هذا بحنطة، وهذا بعدس، فليتحالفان إذًا وترد القيمة في فوتها.
قال ابن القاسم في اختلاف المتبايعين، ولم تفت السلعة: فمن نكل منهما، فالقول قول من حلف، وإن نكلا أو حلفا، نقض البيع، وإن فاتت، فنكل المبتاع، حلف البائع، وأخذ ما قال، فإن نكل أيضًا، أخذ ما قال المبتاع بلا يمين. قال: ومعنى قول مالك: القول قول من ادعى منهما ما يشبه. يعني في فوتها بيد المبتاع في سوق أو بدن مما لا يشبه أن يدعي في عبد قائم قد تغير سوقه، أنه ابتاعه بعشرة وقيمته عشرون، أو في عبد قد مات لا يعرف فادعى أن ثمنه دينار أو ثوبًا بينهم، وإذا جاءا جميعًا بما لا يشبه، فعليه القيمة ويصدق المبتاع في صفة السلعة مع يمينه، ولو قال: عبدًا أعمى مقعدًا، لصدق حتى تقوم بينة بخلافه.
قال: وسواء اختلفا في الثمن، والسلعة دار أو حيوان أو عرض أو طعام على جزاف أو كيل، فإذا بان بذلك وضمنه، صدق فيما يشبه من الثمن مع يمينه. يريد محمد: في قول مالك الأول. قال ابن القاسم: وسواء نقد الثمن أو لم ينقد، إذا لم تفت السلعة، وكان بقرب التبايع، تحالفا وترادا، فإن فاتت ما لم يكن لأحدهما فيما بيد الآخر غير اليمين.
[6/ 409]

(6/409)


ومن كتاب ابن المواز والواضحة: وإذا مات المتبايعان، واختلف ورثتهما في الثمن، فإن ورثة كل واحد مكانه، فإن تجاهلا، بدئ هاهنا ورثة المشتري بالثمن، أنهم لم يعلموا مبلغه، ثم يحلف ورثة البائع على مثل ذلك، وترد السلعة، وإن كانت، رد ورثة المبتاع قيمتها من ماله، وإن جهله ورثة أحدهما، فالقول قول من عرفه مع يمينه فيما يشبه.
قال ابن حبيب: فإن جاء بما لا يشبه، كانا مثل إذا تجاهلا في الثمن. وكذلك قال لي مطرف، وابن الماجشون، وأصبغ، في ذلك كله.
قال في كتاب ابن المواز: وإن ادعيا المعرفة تحالفا وترادا، وبدئ بيمين ورثة البائع هاهنا، وذلك ما لم تفت، فإن فاتت بيد المبتاع، صدق ورثته مع يمينهم.
قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز: فإن فاتت بيد المبتاع، وقد نقد بعض الثمن، صدق فيما بقي منه، وكذلك لو قال الذي نفدت هو جميعه، لصدق مع يمينه، إن لم يتبين كذبه، وإن لم تقبض السلعة من البائع، وقد قبض البائع جميع الثمن، وقد فات وقت مبايعتهما، أو حال سوق السلعة، فالقول قول البائع مع يمينه.
وإن قبض بعض الثمن لم يكن عليه من السلعة إلا بقدر ما قبض من الثمن، ويخلف ثم المبتاع، وإلا لزمه بقية السلعة، وغرم بقية الثمن على ما حلف عليه البائع، إلا أن تكون السلعة مما في الشركة فيها ضرر، كالعبد الواحد، أو الدابة فيتحالفان ويتفاسخان، فإن بعد طول الزمان، وإن كانت مما يكال أو
[6/ 410]

(6/410)


يوزن، أو مما يعد ولا يدخله ضرر الشركة إن قسم، فليحلف البائع، وعليه من السلعة بقدر ما انتقد من الثمن الذي ادعى.
وكذلك لو قبض الثمن كله ودفع بعض السلعة، صدق فيما بقي منها مع يمينه، وإن لم ينتقد شيئًا، وقبض المبتاع بعض السلعة، تحالفا، وفسخ ما لم يقبض منها، وعليه من الثمن ما قبض منها على دعواه مع يمينه، ومن نكل، فالقول قول من حلف، فإن نكلا، فهو بمنزله إذا حلفا.
وإذا قبض المبتاع قفيزًا، أو دفع دينارًا، ثم اختلفا، فقال البائع: بعتك قفيزين بدينارين، وقال المبتاع: بل قفيزين بالدينار الذي دفعت، فلتقسم الدينار على قفيزين، فوق منه للقفيز المقبوض بنصف دينار، والبائع يقول: بقي لي من ثمنه نصف آخر، فهو مدع، ويحلف المبتاع، ويتم فيه البيع، إذا فات ذلك بيده بطول الأيام وحوالة الأسواق.
وكذلك لو قال: ما نقدتك هو ثمن ما قبضت، وادعى البائع زيادة في ثمنه، لصدق المبتاع مع يمينه، وأما لو قال: الذي نقدت أكثر من الثمن كان في الزائد مدع، قال: وإذا قال: هو ثمن للقفيز وقد قبض قفيزًا، فقسمنا الدينار المقبوض على القفيزين، فوقع منه أيضًا للقفيز الذي لم يدفعه البائع نصف دينار، فالبائع يقول: بل إنما يقع لهذا النصف دينار نصف قفيز. فيدفع نصف قفيز على قوله، ويحلف، ثم يحلف المبتاع في النصف قفيز الباقي، ويبرأ منه ومن ثمنه، فإن نكل، غرم نصف دينار على دعوى البائع، وأخذ نصف قفيز. يريد محمد: فإن نكل عن اليمين في القفيز الذي قبض، غرم بقية ثمنه، وهو نصف دينار.
وكذلك لو كان إنما أسلم في القفيزين، فتأخر بعض النقد بغير شرط، أو كان على أن يشرع في الأخذ، فأخذ واحدًا، ثم اختلفا، وأما في الكري يقبض بعض
[6/ 411]

(6/411)


الثمن، ويسكن بعض المدة، فباقي المدة كما لم تفت من السلع، ويفسخ بعد التحالف، فيرد حصة ما قبض له، وعلى المكتري فيما سكن ما أقر به مع يمينه.
ولو قال البائع: بعتك قفيزًا دفعته إليك بالدينار الذي قبضت منك. وقال المبتاع: بل ابتعت منك قفيزين، فالبائع مصدق ويحلف.
وروى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم في العتبية في البائع يقبض دينارًا، ويدفع خمس أرادب، ثم يختلفان قبل التفرق فيقول البائع: بعتك بالدينار الذي قبضت الخمسة أرادب التي دفعت. وقال المبتاع: بل ابتعت منك ستة أرادب. فالبائع مصدق مع يمينه، لقبضه الدنانير، وأنكر هذا يحيى بن عمر، وكأنه يرى أن يتحالفا إذا لم يتفرقا ولم تفت. قال يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم: فإن لم يتقابضا شيئًا تحالفا وترادا، وإن قبض المبتاع خمسة أرادب، ولم يدفع الدينار، لزمه خمسة أسداس دينار، بعد أيمانهما، وينفسخ البيع بسدس دينار. قال: وإذا لم يقبض هذا طعامًا، ولا هذا ثمنًا تحالفا وفسخ البيع كله.
قلت: فمن يبدأ في هذا باليمين؟ قال: يحلف المبتاع أنه اشترى ستة أرادب، ثم يحلف البائع ما باعه إلا خمسة، ثم يخير المبتاع بين أخذ خمسة أو يفسخه.
ومن كتاب ابن المواز: ولو قال البائع: بعتك قفيزين بدينارين، وقال المبتاع: بل ثلاثة أقفزة بدينارين، وقد دفع المبتاع دينارًا، وقبض قفيزًا، فليحلفان، ثم يدفع البائع إلى المبتاع نصف قفيز؛ لأن الدينار وقع منه على دعواه نصفه لما دفع إلى المبتاع، فهو مدع فيما بقي من ثمنه، ووقع منه القفيز الذي له بدفع نصف دينار، فله ألا يدفع في النصف دينار الذي قبض إلا حصته على دعواه، وذلك النصف قفيز، فيحلفان، وينفسخ بقية القفيز الذي لم يقبض،
[6/ 412]

(6/412)


ويرد المبتاع من بقية ثمن ما قبض مما لم يقر به؛ لأن البائع يقول: ثمن القفيز الذي قبضت مني دينار، وهو يقول: ثمنه ثلثا دينار، فله حصة مما دفعت إليك، ثلث دينار، ويبقى لك قبلي فيه ثلث دينار.
وهذا منتهى كلام محمد، ولم يذكر أن يغرم المبتاع للبائع شيئًا، واراه يعني أنه يغرم له ثلث دينار؛ لأنه يقول: وقع للقفيز الذي قبضت ثلثا دينار على دعواي، دفعت من ثمنه ثلث دينار؛ لأن الدينار عن ثلاثة أقفزة دفعته، فبقي علي من ثمنه ثلث، والبائع يقول: بل بقي لي من ثمنه نصف دينار، فهو مدع والمبتاع مصدق مع يمينه فيما قبض، وقد حلف.
قال محمد: ولو قال البائع: الدينار الذي قبضت منك، إنم دفعته إلي عن القفيز الذي استوفيت خاصة من القفيزين اللذين بعتك بدينارين. وقال المبتاع: بل دفعته عن الثلاثة أقفزة الذي ابتعت بدينارين. فقد قيل: يصدق البائع، ويقال للمبتاع: إن شئت دفعت دينارًا وأخذت قفيزًا على دعوى البائع، وإلا حلفت، ويفسخ بيع القفيز الباقي بعد أيمانكما.
قال محمد: وأحب إلي أن يجعل الدينار على القفازين بعد أيمانهما، ثم لا يكون على البائع إلا نصف قفيز، حصة النصف دينار الذي قبض على دعواه، كما لو قال المبتاع: إنما نقدتك الدينار عن ما لم تقبض، لم يصدق.
قال ابن حبيب: وإن تصادقا في الثمن، أنه دينار، واختلفا في الكيل، فقال المبتاع: اشتريت منك أربعة أقفزة، وقال البائع: بل ثلاثة، فإن قبض الدينار، صدق مع يمينه، قبض المبتاع الطعام، أو لم يقبض شيئًا، وإن لم ينقد الثمن، وافترقا، حلف المبتاع أنه إنما ابتاع منه أربعة بدينار، وحلف البائع أنه ما باعه إلا ثلاثة، فإن حلفا فالمبتاع مصدق، فيما عليه، فيؤدي ثلاثة أقفزة، ويؤدي المبتاع ثلاثة أرباع دينار.
[6/ 413]

(6/413)


ولو قبض المبتاع الأربعة أقفزة، ثم اختلفا في ثمنها، فالقول قول المشتري مع يمينه، قبض الدينار البائع أو لم يقبضه. وهكذا فسر لي مطرف، عن مالك. وإذا اختلفا في صنفين من الثمن، فقال أحدهما: بعرض كذا، وقال الآخر: بعرض خلافه، أو عين نقدًا، واتفقا أنه إلى أجل واحد، فليتحالفا، قبض السلعة أو لم يقبض، فاتت أو لم تفت، ويرد المبتاع القيمة فيما فات عنده حاله.
ولو تصادقا في نوعه وأجله، واختلفا في عدده، وفاتت السلعة، صدق المبتاع فيما يشبه مع يمينه، فإن لم يأت بما يشبه فقول البائع ويحلف، فإن لم يأت بما يشبه، كان عليه من ذلك الثمن إلى أجله ما شبه، بخلاف اختلافهما في النوع، وهو كاختلافهما في الكيل في السلم قبل الأجل، وأتيا بها لا يتشبه، أنهما يحملان على سلم الناس إلى أصله، ولو اختلفا في النوع تفاسخا.
ومن كتاب ابن المواز في الوكالات قال: وإذا اختلفا في سلم الطعام وغيره في موضع القضاء، فكان الحكم فيه أن يقضيه بموضع عقد البيع مع يمين مدعي ذلك، أرأين إن قال البائع: عقدنا الصفقة بموضع سماه غير موضع الصفقة، وسمى المشتري موضعًا آخر غير موضع الصفقة، فليتحالفا، ويفسخ البيع.
انظر مسألة ابن سحنون في البائع يقول: بعتك بخمر، ويقول المبتاع: بل بدنانير، أنهما يتحالفان، بخلاف أن يدعي أحدهما حلالاً والآخر حرامًا. انظر مسألة ابن سحنون.
وفي كتاب الإقرار باب في الإقرار في البيوع والتداعي، فيه كثير من اختلاف المتبايعين.
[6/ 414]

(6/414)


في اختلاف المتبايعين في قبض الثمن أو قبض السلعة المبيعة
وفي موضع القضاء وفي قبض الدين وقد طال زمانه
من كتاب محمد، والواضحة، قال مالك: وإذا اختلفا في دفع الثمن، فقال البائع: لم أقبض، وقال المبتاع: دفعت. قال في الواضحة: فذلك يختلف بقدر تصرف الحال في السلع، قالا: فما كان كالصرف، مثل الحنطة، والزيت، واللحم، وشبهه، قال محمد: من الفاكهة، والخضر، فإذا تفرقا، صدق المبتاع مع يمينه: لقد دفعت الثمن حين قبضت ذلك.
قال في كتاب محمد: وأما الرقيق، والثياب، والدور، فالبائع مصدق مع يمينه وإن افترقا، ولو اكتال ما بالأسواق مما يعجل ثمنه، ثم اختلفا في قبض الثمن قبل التفرق، فاختلف فيه قول مالك، فروى أشهب عنه فيمن ابتاع رطبًا فقبضه، ثم اختلفا قبل التفرق في قبض الثمن، فالرطاب مصدق ما لم يفترقا، وكذلك الطعام يكتاله في وعائه، وقال عنه ابن القاسم: القول قول المبتاع مع يمينه. وقاله ابن القاسم في كل ما الشأن فيه قبض ثمنه قبل يكتاله، كالحنطة، والزيت، واللحم وشبهه.
قال ابن حبيب: وأما الرقيق والدواب والربع والعقار، فالبائع مصدق وإن تفرقا، ما لم يطل، فإن مضى مثل عام أو عامين، فالقول قول المبتاع، ويحلف، وليس يباع مثل هذا على التقاضي، وأما البز وشبهه من التجارات على التقاضي وعلى الآجال، فإن قام البائع لما لم يطل جدًا، فزعم أنه لم يغرم الثمن حلف، وصدق وإن قام بعد طول، مثل عشر سنين واقل منها مما لا يتبايع ذلك إلى مثله، صدق المبتاع ويحلف. وقال ذلك كله مطرف، وابن الماجشون، عن مالك، وقالا به. وساوى ابن القاسم بين البز والربع وغيره، ما عدا الحنطة، والزيت ونحوه، وجعل القول أيضًا قول البائع في ذلك، وإن بعد عشرين سنة، حتى يجاوز الوقت الذي يجوز البيع اليد، وبالأول أقول.
[6/ 415]

(6/415)


ومن العتبية قال أصبغ، عن ابن القاسم: وإذا طلب البائع الثمن، فقال المشتري: لم أقبض السلعة، وقال البائع: قد قبضتها، فإن أشهد له بالثمن، فليرده، ولا يصدق أنه لم يقبضها، قال أصبغ: ويحلف له البائع إن كان بحرارة البيع والإشهاد، فأما أن يكف حتى يحل أجل الثمن وشبهه، فلا قول له، ولا يمين على البائع.
وذكر ابن سحنون في الأقضية قول ابن أبي ليلى، أن البائع عليه البينة بدفع ما باع. وخالفه سحنون وقال: إذا أشهد المبتاع على نفسه بالثمن، فلا يصدق أنه لم يقبض السلعة.
وقال محمد بن عبد الحكم: إذا شهد شاهدان على رجل أن لفلان عليه مائة دينار من ثمن سلعة اشتراها معه، لم أقبل ذلك، ولم ألزمه إياها حتى يقولا: وقبض السلعة. وكذلك لو قالا: باعه سلعة بمائة دينار. لم يقبض بذلك عليه؛ لأنه ليس في شهادتهما ما يوجب له أنه قبض السلعة.
ومن الواضحة: وإذا تصادقا على عدد الثمن ووزنه، وهو عشرة، فقال البائع: لم أقبض إلا ثمانية، فهو مصدق، ويحلف، كانت السلعة قائمة أو فائتة، ولو أشهد على البيع وقبض الثمن، ثم قال البائع: أشهدت إلي بقبضه ثقة مني بك، ولم توفني جميعه، فاحلف لي، فقال: وفيتكه، ولا أحلف، ولي بينة. فقال مالك وأصحابه: لا يمين عليه. وقال ابن حبيب: إلا أن يأتي بسبب يدل على ما ادعى، وتقع عليه بتهمة، فيحلف.
قال مطرف في من قام على رجل بذكر حق قديم بعد عشرين سنة، أنه يؤخذ به، إلا أن يأتي الغريم بالبراءة منه، ولو مات المطلوب، واقتسم ورثته تركته، والمطالب حاضر لا يقوم، ثم قام بعد ذلك، فلا شيء له، إلا أن يكون له عذر، بأنه لم يعرف ببينته، أو كانوا غيبًا، ولم يجز ذكر حق إلا عند قيامه، أو يكون لهم
[6/ 416]

(6/416)


سلطان يمتنعون به، أو نحو هذا مما يعذر به، فيحلف بالله لما كان تركه القيام إلا للوجه الذي عذر به، ثم يكون على حق، وإن كال زمانه. وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يبطل حق امرئ وإن قدم))، وإن نكل حلف الورثة بالله ما يعلمون له حقًا وبرئوا، فإن نكلوا غرموا، أو من نكل منهم. وقال مثله أصبغ.

في اختلافهما في السلم وغيره من البيوع
من كتاب ابن المواز، قال مالك: وإذا قبض رأس مال السلم، واتفقا في الصفة والأجل، واختلفا في الكيل أو الوزن، فإن كان بقرب مبايعتهما تحالفا وتفاسخا، وإن طال ذلك وتفاوت، فالقول قول من عليه السلم مع يمينه فيما يشبه. قال ابن القاسم: فإن لم يشبه، صدق الطالب فيما يشبه مع يمينه، وإن جاء بما لا يشبه، حملا على سلم الناس يوم تعاقدا، وكذلك إن اختلفا في الصفة والسلم في طعام أو عروض أو حيوان. وكذلك قال ابن حبيب في الكيل والعدد، قال: وكذلك إن قال البائع: في عبد، وقال المبتاع: في عبدين، أو قال هذا في ثوب، وهذا في ثوبين.
قال محمد: قال مالك: وإن اختلفا في النوع تحالفا وترادا، وإن طال ذلك، أو حل الأجل، وكذلك لو اختلفا في ثمن جارية قبضها المبتاع، وحال سوقها في قلة الثمن وكثرته، صدق المبتاع وحلف، فإن أتيا بما لا يشبه، صدق البائع فيما يشبه، فإن لم يأت به، فله قيمتها يوم البيع، ولو اختلفا في صنف ثمنها، ترادا القيمة بعد التحالف.
وقال أشهب: إن لم يعرف كذب واحد منهما في السلم، يريد أتيا بما يشبه، تحالفا وتفاسخا، اختلفا في الجنس أو في القلة والكثرة، أو في الصفة، والنوع واحد. وإن عرف كذب أحدهما، صدق الآخر مع يمينه، أو يحملان على
[6/ 417]

(6/417)


الوسط من سلم الناس، واختلافهما في النوعين، أو في القلة والكثرة، والنوع واحد سواء، يوجب التفاسخ.
ومن العتبية روى عيسى عن ابن القاسم فيمن أسلم مائة دينار إلى أجل، فلما حل، دفع إليه خمسين كساء فقبضها، وقال: بقيت لي خمسين ثوبًا فسطاطي، وكذلك أسلمت إليك فيها، وفي خمسين كساء. وقال البائع: إنما أسلمت إلي في مائة كساء، فإن لم يقبض شيئًا تحالفا وتفاسخا، وإن قبض الخمسين كساء تحالفا، وقسم الثمن عليها. قال عيسى: يريد على قيمة الأكسية والفسطاطي على دعوى البتاع، فيرد ما قابل الفسطاطي من الثمن؛ لأنه لما قبض الأكسية، صار مدعيًا فيما بقي.
وروى أصبغ، عن ابن القاسم في من أسلم في قراطيس طولها عشرون ذراعًا، واختلفا عند الأجل، أيأخذ بذرائع البائع أو بذراع المبتاع؟ قال: يحملان على ذراع وسط، ولا ينظر إلى قولهما. قال أصبغ: هذا أحسن، والقياس الفسخ. وكذلك ذكر عنه ابن المواز.
وفي الواضحة قال: وإذا قال المبتاع: أسلمت إليك بقفيز إلى بلدي. وقال البائع: بل على قفيز بلدي، فالبائع مصدق، وإن تقاررا أنهما لم يسميا قفيز بلد معلوم، فهو على قفيز البلد الذي أسلمت الدراهم فيه، وكذلك إن لم يسميا موضع القضاء، فهو بموضع التبايع، وإن ادعاه أحدهما، فالقول قوله، وإن ادعى كل واحد بلدًا غيره، وتقاررا أن الدراهم دفعت في موضع كذا، فالبائع مصدق فيما يشبه، وإلا صدق المبتاع فيما يشبه، وإن تباعدت المواضع حتى لا يشبه ما قالا جميعًا، تحالفا وتفاسخا. ونحوه في كتاب محمد، وقال: قال هذا ابن القاسم، وقال أيضًا: القول قول البائع، إلا أن يكون قريبًا. وقال أصبغ: يريد: قريبًا من الصفقة، وأما لو بعد ذلك وحل الأجل، فالقول قول البائع.
[6/ 418]

(6/418)


ومن الواضحة: وإذا اختلفا في الصفة، في جيد ووسط، وفي سمراء وبيضاء، وقد قبض الثمن وتفرقا، فالقول قول البائع، وإذا اختلفا في جنسين، تفاسخا بد التحالف، ومن نكل فالقول قول الحالف، وإن حلف فسخ، وإن نكلا، صدق البائع، وهو كمطلوب رد اليمين، فنكل الطالب، وإذا اختلفا في الكيل والوزن أو العدد، واتفقا في الصفة والصنف، فالبائع مصدق فيما يشبه ويحلف، وإلا فالمبتاع فيما يشبه ويحلف، فإن أتيا بما لا يشبه، حملا على الوسط من سلم الناس يومئذ. يريد: يوم العقد.

باب اختلافهما في الأجل وحلوله أو في النقد والأجل
من كتاب ابن المواز، قال مال: وإن اختلفا في الأجل، فالبائع مصدق مع يمينه، إن قبض الثمن، وادعى ما يشبه، واختلافهما في الأجل كاختلافهما في الأثمان، وكذلك في سلعة قائمة يختلفان في الأجل فليتحالفا، وإن قبضت، صدق قابضها مع يمينه. قال مالك في رواية ابن القاسم وابن وهب: وإن قال: بعتكما بالنقد، وقال المبتاع: إلى أجل، تحالفا، وردت، وإن قبضها المبتاع، صدق مع يمينه. وكذلك روى سحنون في العتبية، عن ابن وهب، عن مالك. قال سحنون: والاختلاف في هذا الأصل عن مالك كثير، وهذا أحب إلي.
قال ابن المواز: وقد كان من قول ابن القاسم: إن أقر البائع بشيء من الأجل بعد فوت السلعة عند المشتري، فالقول قول المشتري، وإن لم يقر بشيء
[6/ 419]

(6/419)


من الأجل، وادعى النقد، فالبائع مصدق. هذا فيما قبض وفات. وما لم يقبض ويفت تحالفا وتفاسخا. قال محمد: وقول مالك أحب إلي.
قال مالك: اختلافهما في الأجل كاختلافهما في الثمن، يحلف المبتاع إذا قبض السلعة وفاتت عنده. وقاله ابن عبد الحكم، وعبد الملك، وأصبغ.
وقال أشهب في المكاتب يدعي من الأجل أكثر مما ادعى السيد، فالمكاتب مصدق.
ولو قال من عليه قرض من غير بيع: إنه إلى أجل كذا. وقال الذي أسلفه: حالاً، فهو غير مصدق. محمد: ما لم يقر الطالب بشيء من الأجل في هذا.
ومن الواضحة: قال عبد الملك: روى مطرف، عن مالك: إذا اختلفا في الأجل واتفقا في الثمن، فالبائع مصدق مع يمينه، فاتت السلعة أو لم تفت، فإن أقر بالأجل، واختلفا فيه، فالمبتاع مصدق فيما يشبه مع يمينه، فإن لم يشبه أن تباع تلك السلعة إلى ما ادعى، فالبائع مصدق.
قال ابن القاسم مرة: إن لم يقر البائع بالأجل صدق في قيام السلعة، فإن فاتت، صدق المشتري. وقال مرة: إن ادعى المبتاع أجلاً قريبًا لا يتهم فيه، صدق مع قيام السلعة وفواتها. ثم قال: إن كانت قائمة تحالفا وتفاسخا، تقاررا بالأجل أو لم يتقاررا به. وإن كانت فائتة فالمبتاع مصدق مع يمينه إن تقاررا بالأجل أو لم يتقاررا به. وإن كانت فائتة فالمبتاع مصدق مع يمينه إن تقاررا بالأجل أو اختلفا فيه، وادعى البائع حلوله. فإن لم يقر البائع بأجل، فالقول قوله مع يمينه. وكذلك سمعت ابن الماجشون يقول: يتحالفان ويتفاسخان في قيام السلعة، تقاررا بالأجل أو لم يتقاررا به، إذا ادعى المبتاع، فإن فاتت السلعة فالمبتاع مصدق في
[6/ 420]

(6/420)


الأجل، تقاررا أو لم يتقاررا به، إلا أن يأتي بما يتفاحش فيصدق البائع ويخلف، وذلك كقول ابن القاسم الآخر، إلا في وجه واحد، إذا فاتت ولم يقر البائع بأجل.
قال ابن الماجشون: يصدق المبتاع مع يمينه إن ادعى ما يشبه. وابن القاسم لا يقبل قوله، إذا لم يقر البائع بأجل، وقال ابن عبد الحكم وأصبغ بقول ابن القاسم. ورواه ابن وهب، عن مالك، وبه أقول.
وإذا قال الذي عليه السلم: لم يحل. وقال الطالب: قد حل وفي قربه وبعده، فالذي عليه السلم يصدق، ويحلف إذا قبض الثمن وتفرق، وهو مما يغاب عليه، فإن نكل، فالمبتاع مصدق ويحلف، فإن نكل فالقول قول الذي عليه السلم بلا يمين، فإن اختلفا في ذلك قبل أن يفترقا، ويغيب على الثمن، أو كان الثمن مما لا يغاب عليه، ولم تفت بشيء من الفوت حتى اختلفا، فليتحالفا ويتفاسخا في هذا، أو فيما فسرت لك. وقاله لي كله من كاشفت من أصحاب مالك.
وقال في كتاب البضائع: وإذا اختلفا في السلم في موضع القضاء، فكان الحكم أن يقضيه ببلد السلم، فاختلفا فيه، فقال هذا: تبايعنا ببلد كذا، وقال الآخر: ببلد كذا، فليتحالفا ويتفاسخا.
[6/ 421]

(6/421)


باب في اختلافاهما في أصل البيع
وفيمن أقر على نفسه وعلى غيره ببيع أو دين
من الواضحة: قال مطرف عن مالك فيمن ادعى على رجل أنه باع منه سلعة، فأنكر البائع، فشهدت بينة على البيع، ولا يعرفان الثمن، قال: فالشهادة تامة، ويقال للبائع: قد ثبت البيع، فبكم بعتها؟ فإن سمى ثمنًا، فاعترف به المبتاع وداه، وإن ادعى دونه تحالفا ورده، وإن تمادى البائع على إنكار البيع، سئل المبتاع: بكم الـ ... ؟ فإن سمى ما يشبه حلف وأخذها به، وإن ادعى بخسًا، قيل له: إما أعطيت ما يشبه ثمنها وإلا فدعها. قال ابن حبيب: هذا أحسن ما سمعت فيها.
ومن العتبية من سماع أصبغ: وقال في السلعة في المزايدة تقف على ثمن، فيطلب الصائح الثمن ممن زاده فيها ممن كان حضر المزايدة، فينطر أن يكون زاده شيئًا، فعليه اليمين، لحضرته المزايدة، ولو لم يحضر، لم يلزمه يمين، قيل: فإن لم يحضر، ولكن قال له الصائح: قد أوصيتني إذا وقفت أن أرد ما لك، فإن كان مثله يأمره مثله في تجارته وناصيته، فليحلف، وإلا لم يحلف.
قال أصبغ عن ابن القاسم: وإذا قال لرجل: اشتريت منك سلعتك أنا وفلان، فقال البائع: بل منك وحدك بعت، فلا يلزم المقر إلا نصفها بنصف الثمن.
ولو قال: أنا اشتريتها، فقال البائع: بل منك ومن فلان، فإن طلب ذلك فلان، فهي بينهما، إلا أن يكون للآخر بينة، فإن لم يطلب فلان، فهي كلها لمدعي شرائها. قال أصبغ: ليس له إلا نصفها، إلا أن يسلم له البائع، وقد قال
[6/ 422]

(6/422)


أيضًا: إذا قال: لفلان علي ألف درهم، وعلى فلان وفلان، فالألف كلها عليه، وإن كان كلامًا نسقًا. قال أصبغ: وهذا والأول غلط، وليس عليه إلا ثلثها.
وفرق ابن القاسم بين قوله: لفلان علي، وعلى فلان وفلان ألف. قال: فهذا عليه الثلث، ويبين قوله: لفلان علي ألف، وعلى فلان، ورأى هذا ندمًا بعد إقراره بالألف، فهي تلزمه كلها. وقال أصبغ: وهذا كله واحد، وإقراره منتظم أوله بآخره، كتقديم العتق أو الطلاق في الحلف وتأخيره.
باب اختلافهما في كسة الثمن أو وزنه
من كتاب ابن المواز، قال مالك: وإذا طلب البائع نقدًا كذا، وقال المبتاع: بل نقدًا كذا، قضي بالمتعارف بالبلد في نقد تلك السلعة. والحنطة والزيت قد عرف ما يباع به، والرقيق نقدها على ما عرف. فإن ادعى البائع أنه شرط في الرقيق والوازنة. وقال المبتاع: بل شرطت النقد المعروف، فهو مصدق، قال ابن القاسم: مع يمينه. وكذلك إذا اختلفا بعد محل أجل الثمن حملا على النقد المعروف يوم التبايع.
قال محمد: ولو كان إلى أن يتحالفا ويتفاسخا إذا ادعيا الشرط. قال ابن القاسم: وإن كان النقد في تلك السلعة مختلفًا، فسد البيع، وفيها القيمة إن فاتت. قال أصبغ: إلا أن يكون لها نقد هو الغالب فيها، فيقضى به دون الحاضر. قال مالك: لا ينظر فيه إلى الحاضر من رواية أشهب عن مالك، إلا أن يشترط.
ومن الواضحة: وإذا تصادقا في عدد الثمن ولم ينصا وازنة ولا ناقصة، حكم فيها بالوازنة، وإن جرت الناقصة بينهم على التجاوز، لأن ذلك على التطوع، فأما ما يحكم به، وما هو به اليمين على القضاء، فعلى الوازنة التي ضربت عليها سكة
[6/ 423]

(6/423)


ذلك البلد. والوازنة عندنا بالأندلس التي عليها ضربت سكتنا، دخل عشرة ومائة عددًا في مائة موزونة بالجديدة.
فإن قال البائع: شرطت وازنة، وقال المبتاع: بل شرطت عليك ناقصة كذا. فإن كان البلد لا يجري فيه الوازنة، صدق البائع مع يمينه في قيام السلعة أو فوتها، وإن كان البلد تجري فيه الوازنة وغيرها، وعلى الداخل نظر في تلك السلعة، فإن كان لها نقد معروف، صدق مدعيه مع يمينه من بائع أو مبتاع في قيام السلعة أو فوتها، إن لم يكن لها نقد معروف، أو كان نقدها مختلفًا، تحالفا وتفاسخا، في قيامها، قبضها المبتاع أو لم يقبضها، وإن فاتت بيد المبتاع، صدق مع يمينه. وقاله كله من كاشفت عنه من أصحاب مالك.

باب في اختلافهما فيما يرد لعيب من عرض أو عين فينكره الآخر
أو يدعي أنه كان أكثر من ذلك أو يختلفان في الظروف
وفي الدنانير يختلف فيها أهل النظر
من الواضحة، قال ابن الماجشون: وإذا رد المبتاع الثوب بعيب، أو الطعام بعرض، فقال البائع: لم أبع هذا منك، فهو مصدق مع يمينه، فإن نكل، حلف المبتاع أنه الذي ابتاع منه، ورده، وأما إن رد درهمًا لنقصه أو لغش فيه فهاهنا يحلف الدافع في الوجهين على البت أنه لم يعطه هذا، إن كان صيرفيًا أو بصيرًا، وإن كان على غير ذلك، حلف في الناقص والمغشوش على علمه، ما يعلمه من دراهمه ولا أعطاه إلا جيدًا في علمه، وبرئ. فإن نكل حلف القابض، ورد، فإن نكل حبسه.
قال ابن حبيب: وهذا أحسن ما سمعت من الاختلاف فيه. وكان ابن القاسم يحلفه من الناقص والمغشوش على علمه، كان صيرفيًا أو غيره. وكان ابن
[6/ 424]

(6/424)


كنانة يحلف الصيرفي في المغشوش والناقص على البت، ويحلف غيره في المغشوش على علمه، وفي الناقص على البت، ويجعل النقص كنقصان العدد، ولم يختلفوا في نقصان العدد أنه يحلف على البت في الصيرفي وغيره.
قال ابن حبيب: وذلك مفترق، وقد يعطي الرجل الناقص، ويحسب أنه وازن، فيحلف فيه الصيرفي والبصير على البت، ويحلف غيره على العلم في النقص والمغشوش، إلا أن يكون الدافع قال للقابض: اذهب بها، فما أنكرت أبدلت لك، فالقول هاهنا قول القابض، مع يمينه في المغشوش، والناقص في نقص العدد؛ لأنه أمينه، وقاله مالك وأصحابه.
ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: من رد عبدًا بعيب، فاختلفا في ثمنه، صدق البائع، مع يمينه في قلة الثمن، وكذلك أيضًا لو قال بثوب، فإن جاء بما لا يشبه، صدق المبتاع وحلف، فإن جاء أيضًا بما لا يشبه، فله قيمته سليمًا من العيب يوم البيع.
مالك: من رد عبدًا بعيب، فقال البائع: ليس هذا هو، وقال: المبتاع مدع إلا أن يشتريه على الخيار، فيصدق، وكذلك القمح.
وروى أبو زيد، عن ابن القاسم في من اشترى لرجل سلعة، وقال للبائع: خذ منه، ففعل، ثم وجد البائع في الثمن نقصًا، وقد غاب المشتري له، أو فلس، قال: إن لم يعرفه بذلك متولي الشراء، فعليه بدلها.
ومن رد طعامًا ابتاعه بعيب، فقال البائع: كنت بعتك حملاً بمائة. وقال المبتاع: بل عدلاً، فهو مصدق مع يمينه، والبائع مقر له بالثمن، يدعي زيادة فيما وجب رده، إلا أن يأتي المبتاع بما لا يشبه، أو ينكل عن اليمين، فيصدق البائع مع يمينه، ويرد من الصمن نصف ما قبض.
[6/ 425]

(6/425)


قال محمد: إنما هذا في الجزاف، وأما ما كان على الكيل وعرف كيله، فليرد المبتاع الكيل كله إن نكل، أو جاء بما لا يشبه. قال: ولم يشبه أو كانا لم يتفرقا تحالفا أو تفاسخا، إن كانت السلعة قائمة، وإن كانت قد فاتت، وكان البائع قد قبض الثمن، فالقول قوله مع يمينه.
وحكى ابن حبيب المسألة من أولها، فذكر مثل ما تقدم من الجواب، ثم قال: مثل أن يقول: بعتك مديًا بمائة درهم. وقال المبتاع: بل نصف مدي بمائة وأشبه ما قال البائع دون ما قال المبتاع، فالبائع مصدق، ويرد من المائة خمسين، ولا يقال للمبتاع: ائت بتمام المدي.
قال ابن حبيب: وكذلك لو باعه ثوبًا، أو عبدًا، أو فرسًا، فرده، فقال البائع: بعتك هذا وآخر معه، واتفقا في الثمن، فالمشتري مصدق، فإن لم يأت بما يشبه في الثمن، فالمشتري مصدق، فإن لم يأت بما يشبه، صدق البائع فيما يشبه، فإن اختلفا في الثمن، فالبائع مصدق؛ لأنه في يده، ولو كان الثمن مؤخرًا، كان القول فيه قول المشتري، ويحلف، ويسقط عنه ما ادعاه البائع عليه فوق ما أقر به المشتري. وقاله كله من كاشفت من أصحاب مالك، وهو تفسير قول مالك.
ومن كتاب محمد: ومن ابتاع سمنًا، فوزنه بظروفه، وقبضها لتفرغ، ثم توزن، ففرغها، ثم ردها، فقال البائع: ليست هي، فإن لم تقم بينة، لم تفارقه، ولا السمن حاضر يقران به، فيغادرونه، فالقول قول من يرد الظروف مع يمينه. وقال أشهب: القول قول المبتاع في وزن السمن، ويحلف.
وإذا اختلف أهل النظر في الدنانير أو الدراهم، فقال بعضهم: جياد وبعضهم رديئة، فلا يعطى إلا ما يجمع عليه، ولا شك فيه، وتصير معيبة باختلافهم فيها، فليس له أن يعطيه معيبًا.
[6/ 426]

(6/426)


باب جامع في اختلاف المتبايعين في الثمن والمتمون وغير ذلك
وما لا يتفاسخان فيه من اختلافهما
من الواضحة: وإذا قبض المبتاع السلعة، ونقد عشرة دراهم، ثم جاء البائع يدعي أن الثمن اثنا عشر، وكذبه المبتاع، فليتحالفا ويرد، إلا أن تفوت، فيصدق المبتاع ويحلف.
ولو جاء المشتري إلى البائع، فقال: أعطني السلعة الأخرى، فإنما ابتعت منك سلعتين. وقال البائع: بل الذي قبضت مني فقط، واتفقا في الثمن، فالبائع مصدق إذا تفرقا، ويحلف ولا يتفاسخا في هذا، فاتت أو لم تفت.
ولو قال البائع: بعتك هذه السلعة، واستثنيت لفلان ثلثها. وقال المبتاع: بل ابتعت منك كلها. وقد تفرقا، فالبائع مصدق في عدد السلعة، مع يمينه إذا تفرقا، وأشبه ما قال، وإن لم يشبه، أو كان لم يتفرقا تحالفا وتفاسخا، إن كانت السلعة قائمة، وإن كانت قد فاتت، وكان البائع قد قبض الثمن، فالقول قوله، مع يمينه على كل حال، وإن كان البائع لم يقبض الثمن، وجاء بما لا يشبه، وفاتت السلعة، فحلف البائع ما باعه إلا السلعة الواحدة بالثمن الذي سمى، وحلف المبتاع، لقد ابتاع منه السلعتين بذلك الثمن، ودفع إليه من الثمن ما ينوب هذه السلعة التي قبض، وكانت في يده، وورثتهما بمنزلتهما. وقاله كله من كاشفت من أصحاب مالك، وكله تفسير قول مالك.
[6/ 427]

(6/427)


باب فيمن تسلف درهمًا رديئًا
ومن اقتضى من رجلين دراهم فأخلطها ثم وجد رديئًا
من العتبية قال سحنون: ومن تسلف من رجل درهمًا صفرًا، فأعطاه نضًا في طريق، ثم علم أنه صفر، فإن علم وزن ما فيه من الفضة، ووزن ما فيه من الصفر، فليرد وزن ذلك، ولا يرد مثله فيغش به الناس، وإن لم يعلم وزن ما فيه من ذلك، فعليه قيمة الصفر ورقًا، وقيمة الفضة ذهبًا، وإن قل جزء من الدنانير قيراطًا، أو نصف قيراط، ويقال لهم صرف الدينار، فيأخذ ما يقع لذلك.
وقال مالك فيمن تسلف من رجل دراهم، ومن آخر دراهم، فأخلطها، ثم وجد فيها زيفًا أو نقصًا، ولا يدري لمن هو، قال: فلا يرد عليهما، إلا طيبًا، ويحلفان أنهما ما أعطياه إلا جيادًا.
ومن كتاب ابن سحنون، قال ابن سحنون في من باع سلعة من رجل بعشرين دينارًا وباع من آخر سلعة وعشرة دنانير فقبض منهما الثمن، فأخلطه ثم أصاب فيها عشرين رديئة، فكل واحد منهما يدعي أنه أعطاه جيادًا، قال: إن أخلطها بأمرهما، فعلى صاحب العشرين بدل عشرة؛ لأنه قد تبين فيها كذبه، ويبدلا العشرة الباقية، على صاحب العشرين ثلثاها، وعلى الآخر ثلثها، وإن أخلطها تعديًا منه، ضمن القابض عشرة، وكانت العشرة الأخرى على صاحب العشرين.
[6/ 428]

(6/428)


ومن كتاب آخر قال سحنون فيمن باع سلعة بثلاثين دينارًا من ثلاثة رجال، وقبض منهم الثمن، فأخلطه، فوجد أحدًا وعشرين رديئة، قال: رجع عليهم البائع بثلاثة دنانير، من كل واحد دينار، ويحلفوا في الباقي، فمن حلف برئ، ومن نكل أبدل له تسعة، وإن حلفوا كلهم لزمت البائع، إلا الثلاثة دنانير التي أبدلوا له.
ولو أن لرجل على رجلين ثلاثين دينارًا من بيع أو قرض، على هذا عشرة، وعلى الآخر عشرون، فقبضها منهما، فأخلطها، ثم وجد أحدًا وعشرين رديئة، وتسعة جيادًا، فادعياها جميعًا الدافعان، فليحلف كل واحد منهما أنهما من عنده، فإن حلفا رفع القابض على صاحب العشرة ببدل دينار، وعلى صاحب العشرين ببدل أحد عشر.
ولو باع سلعة بثلاثة دنانير من ثلاث رجال، وأخذ من كل واحد دينارًا، وخلطها، ثم وجد دينارين رديئين، فليحلف كل واحد منهما أن الباقي ديناره ويبرآ، ويلزم البائع، ولو باع منهم ثلاث سلع، سلعة من كل واحد بدرهمين، وقبض الدراهم وأخلطها، فظهر منها قبل اختراقهم أربعة رديئة، وادعى كل واحد أن الدرهمين الجيدين له، وهو لا يعرف لمن هي، فليس له عليهم رجوع، يريد: ويحلفوا، قال: ولو وجد خمسة رديئة، رجع على كل واحد بدرهم؛ لأن كل واحد يقول: الجيد لي، وتكون مصيبة درهمين منه.
[6/ 429]

(6/429)


باب اختلافهما بعد الصفقة فيما لم يذكراه من مسيل ماء
وكنس مرحاض وعين وشجر لم يذكراها وذكر الأرض
وفي ثوب بيع على القطع ولم يذكرا أي نصف يأخذ
من العتبية قال أصبغ: ومن باع أسفل عرصة له، وكان على أسفلها مصب مائها، ولم يذكرا في البيع مجرى الماء، فبنى المبتاع، وأجرى الماء من كوة، ثم سدها بعد أشهر، أو عام أو عامين، وقال: لا تلزمني، ولم تشترط علي، قال: فله إصراف ذلك إن لم يسلم ذلك، إلا أن يكون أمرًا ظاهرًا، يعرف المبتاع أن لا مصرف للماء عنها بكل حال، فهذا على الشرط، ولا حجة له، وإلا لم يلزمه، فإذا كان على غير ذلك، فأقره سنة أو سنتين، لم يلزمه بذلك تسليم، ويحلف: ما كان ذلك فله تسليمًا، ولا على أنه حق للبائع قد رضي به، ثم يصرف عنه، إلا أن يطول زمانه جدًا لمثل حيازة الأشياء، وهو مسلم غير طالب إلا ساكت على التسليم، فلا قيام بعد ذلك.
وروى عيسى، عن ابن القاسم في من باع داره، واستثنى منها بيتًا يسكنه واستثنى على المبتاع الاختلاف إلى الكنيف والاستقاء من البئر، فاحتاجا إلى الكنس، فعليه من الكنس بقدر ما استثنى، إن ثلثًا فثلث، وإن ربعًا فربع، ولا يلتفت إلى كثرة العدد أو قلتهم.
وروى أبو زيد، عن ابن القاسم في من باع نصف شقة - يريد على القطع - من رجل، ولم يسم هو ولا المبتاع النصف الأول والآخر حتى قطعها، فطلب المبتاع أخذ أوله، وأبى البائع، قال: يحلف البائع ما باع إلا على الآخر، ويفسخ البيع، ويرد الثوب مقطوعة، إلا أن تكون لهم سنة إذا قطعوا إنما يبيعوا الأول، فيحملوا عليها.
[6/ 430]

(6/430)


وروى أشهب، عن مالك فيمن اشترى أربعة أعذق بعينها من حائط رجل، ولم يذكرا طريقًا إليها ولا شربها، فللمبتاع على البائع شربها، والطريق إليها، وإن لم يشترطه.
وفي المدونة من اشترى نخلاً ولم يذكر أرضها أو ذكر الأرض ولم يذكر النخل، فالنخل وأرضها داخلة في البيع، وكذلك من ابتاع أرضًا وفيها بئر أو عين لم يسمها، فهي داخلة في البيع، وكذلك في الوصايا والعطايا والرهن.
قال ابن حبيب عن أبي معاوية المدني، عن يزيد بن عياض، أن مروان ابتاع من إبراهيم بن نعيم بن عبد الله نخلاً كانت في موضع دار مروان، أو في بعضها، فقال إبراهيم: بعتها دون البقعة، وقال مروان: ابتعت النخل والبقعة، فجعلا بينهما ابن عمر فقضى على إبراهيم باليمين، أنه إنما باع من النخل دون البقعة، فنكل، فسلم البيع لمروان مع يمينه.
قال ابن حبيب: معنى ذلك أن يقول: بنيت ذلك شرطًا، ويقول المبتاع كذلك، فيقضى بهذا، ولا يتفاسخان في هذا، فأما إذا أقر أن البائع قال: أبيعك النخل أو الشجر، وسكت عن الأرض، فالأرض مع الشجر، أو قال: أبيعك هذه الحديقة، أو هذه الجنان، أو هذا الحيز، فالأرض والشجر قد دخلا في البيع، وكذلك لو قال: أبيعك أرضي هذه، أو الأرض التي لي بموضع كذا، فإن ما فيها من الشجر تبع لها في البيع، كانت الشجر قليلة أو كثيرة، في الوجهين، كل واحد تبع لصاحبتها حتى يتصادق أحدهما أو يختلفا، فيكون الأمر على ما وصفا، وذلك إذا انتقد البائع الثمن. وكذلك قال مطرف، وابن الماجشون، وابن عبد الحكم. قال أصبغ: وقاله ابن القاسم.
[6/ 431]

(6/431)


في تداعيهما في زوال السنة لقطع العهدة أو الشفعة
ودعوى أحدهما في عهدة البيع حلالاً والآخر حرامًا
من الواضحة: وإذا أصاب العبد أو الأمة جنون أو جذام أو برص، فقال المبتاع: أصابه ذلك في السنة، وقال البائع: بل بعد انقضائها، فقال لي بعض العلماء: القول قول المبتاع مع يمينه؛ لأن مدة السنة في العهدة حق له، فمن ادعى زوالها فهو مدع عليه البينة، ومن قال: قد كان كذا، فهو مدع، وهو كقول البائع: قد انقضت السنة، والقائل: لم يكن هو مدعى عليه، وهو كقول المبتاع، لم تنقض.
ومنهم من قال لي: القول قول البائع مع يمينه؛ لأن المبتاع مدع ما يوجب الرد، فهو مدع، وهو يقول: قد أصابه هذا في السنة، فهو مدع، والبائع يقول: لم يصبه ذلك فيها، فهو مدعى عليه، وكلا القولين محتمل، وهذا أقوى عندي إن القول قول البائع أبدًا.
وأما الشفعة يدعي المبتاع أن الزمان الذي تنقطع في مثله الشفعة قد مضى، والشفيع يدفع ذلك، فالقول أبدًا قول الشفيع، حتى تقوم بينة؛ لأنها وجبت له بالعذر، فمن ادعى ما يوجب قطعها فهو مدع.
ومن قول مالك في المتبايعين يدعي أحدهما الحلال والآخر الحرام، أن القول قول مدعي الحلال. قال ابن حبيب: وتحمل عليه اليمين، وإن كان منهما استحلال ما ادعى صاحبه أنهم أشهرا ذلك وأظهرا الحلال، فإن كان مثله متهمًا بمثل ذلك، لزمه اليمين؛ لأن مثل هذا قد كثر عمله من الناس، فإذا كان منهما ينكل عن اليمين، حلف صاحبه، ثم فسخ ذلك، وإن كان مثله لا يتهم، لم يحلف مع البينة التي شهدت على معاملتهما الجائزة، وإن لم تقم بذلك بينة، فليحلف على كل حال.
[6/ 432]

(6/432)


في اختلاف الوليين فيما باعا أو أنكحا
وفيمن باع شيئًا من رجل ثم باعه من آخر
أو زوج رجلاً ثم زوج آخر
من الواضحة: ومن قول مالك في الذين لكل واحد منهما أن يبيع مثل الشريكين المتفاوضين، أو من وكله رجل على بيع سلعته، ثم يبدو لربها فيبيع، فإن باع هذا وهذا، ولم تقبض السلعة، فالمبتاع الأول أحق، إلا أن يقبضها الثاني قبله، فهو أحق؛ لأنه لما لم يكن واحد منهما متعديًا، ولم يعلم به كان من صاحبه، كان أقواهما سببًا أولاهما. وقاله ربيعة وقاله مالك وأصحابه في البيع والنكاح. وإن لم يقبضا السلعة، وادعى كل واحد منهما أنه الأول تحالفا، فمن نكل، فهي لمن حلف، وإن حلفا أو نكلا أو تجاهلا من الأول، فهي بينهما، ثم يخير كل واحد في التمسك بنصفها بنصف الثمن أو يردها ويأخذ جميع الثمن، إلا أن يقر أحد المتبايعين عند استواء حال المشترين، وتجاهل ذلك البائع الآخر، فالقول قول المقر أنه باع أولاً، وإن قال صاحبه أيضًا: بل أنا بعت أولاً، حلفا، فمن نكل منهما، فالقول قول من حلف، وإن حلفا أو نكلا أو تجاهلا جميعًا، رجع الأمر إلى ما قلنا في تجاهل المشترين.
قال: وأما في المرأة إذا لم تعرف العقد الأول فيها، فلا يجوز لها أن تقر لأحدهما أنه الأول. وكان أشهب يجعل القول قولها، ويجعل إقرارها كإقرار أحد البائعين. قال أصبغ: ولا أرى أن تصدق في هذا، لحرمة النكاح، وخوف الاشتباه، فأرى أن يفسخا بالحكم، وتأتنف نكاح من شاءت. قال ابن حبيب: وهو أحب إلي.
[6/ 433]

(6/433)


والبكر التي لا تؤامر في نفسها، ولكن أبوها يزوجها، فوكل الأب من يزوجها، فزوجها كل واحد، فلا يقبل قولها في الأول، وكذلك التي تؤامر في نفسها، مثل أخت الرجل، وابنته الثيب، فيوكل وليها وكيلاً على تزويجها بمؤامرتها. ثم يشهد عليها وليها عند سفره أنها أذنت له أن يزوجها رجلاً ذكره لها فيغيب، فيزوجها لزوجها الوكيل بمؤامرتها، فهذه لا تعلم أيضًا الأول، ولكن التي يزوجها وليها من رجلين بأمرها، واحدًا بعد واحد، تعديًا منه ومنها، فهذه التي الأول أحق بها، وإن بنى الآخر بها إذا عرف الأول، فإن لم يعرف، فهي لمن بنى بها، فإن لم يبن بها واحد منهما، ولم يعرف الأول، ولكل واحد بينة على نكاحه، فليفسخ نكاحهما، إلا أن تقر هذه بالأول، فيقبل قولها، وكذلك يقبل قول الأب في البكر خاصة، إن فلانًا الأول، ولا يجوز في مثل هذا قول غير الأب من الأولياء في بكر ولا ثيب، ولا يتحالف الزوجان في هذا كله، بخلاف البيع.
ومن باع سلعة من رجل، ثم باعها من غيره، فهي للأول إن عرف، وإن قبضها الآخر، فإن جهل الأول، فهي للذي قبضها، فإن لم يقبض ولا عرف الأول بالبينة، فهي لمن أمر له البائع أنه الأول، وإن قبضها أحدهما ولم يعرف الأول بالبينة، فأقر البائع أن الأول الذي لم يقبضها، لم يصدق، ولكن إن كان في الثمن الذي أخذها به القابض، فضل، فذلك الفضل للذي أقر له أنه أول، وإن كانت قيمتها أكثر، غرم له الأكثر.
وقال مالك في من باع من رجل كيلاً من طعام له بمصر، فذهب ليأتي بظرفه، فباعه من آخر كيلاً مثله، فلم يكن ذلك في الطعام، فإن باع من الثاني، وهو يرى أن ذلك فيه كله تحاصا فيه، وإن كان إنما باعه، لينقض بيع الأول، فالأول مبدأ. ثم سئل عن مثل ذلك، فقال: الأول أولى إن كان يعرف، وإلا تحاصا، وبهذا يأخذ أصحابه المدنيون والمصريون، وبه أقول.
[6/ 434]

(6/434)


في اختلاف الآمر والمأمور أو المأمور والمشتري
من كتاب محمد، قال مالك: ومن أمره يبيع عبدًا ولم يسم له الثمن، فقال: بعته بخمسين، وقال المبتاع بأربعين، فليتحالف المبتايعان، فإن نكل الوكيل، لم يحلف الآمر، وفسخ البيع. قال ابن القاسم: إذا نكل الوكيل، حلف المبتاع، وكان له بأربعين. قال محمد: ويضمن المأمور عشرة للآمر.
قال ابن القاسم: وإذا وجد العبد بيد رجل ذكر أنه ابتاعه من الوكيل بثمن نقده إياه. وقال الوكيل: أبق مني إليه وما بعته، فليحلف الوكيل، فإن نكل حلف المشتري، وكان له العبد، وغرم الوكيل الثمن الذي قال المبتاع.
مالك: وإن باع له سلعة بأربعين، وقال: بذاك أمرتني، وقال ربها: أمرتك بخمسين، فإن لم تفت السلعة حلف الآمر وارتجعها، فإن نكل فله الأربعين بغير يمين. قال أصبغ: إن حلف الآمر، فطلب المبتاع يمين الوكيل أنه لم يأمرك بخمسين، فبعتني بأربعين متعمدًا، فإن نكل لزمه تمام الخمسين، وتم البيع للمبتاع؛ لأن بيعه بدون ما أمر رضى، لتحمل النقصان. محمد: لا يحلف الرسول، إلا أن يدعى عليه، أنه تحمل ذلك له، وإذا فاتت، حلف المأمور، ولا يمين على المشتري، ولا غرم، فإن أقر الرسول بما قال الآمر، لزمه غرم ما قال، فإن أعدم، اتبع به دون المشتري، وكذلك إن باع إلى أجل، وقال: إنما أمرتك بالنقد في فوت السلعة وغير فوتها. وإن قال رب الثوب: بعته منك، وقال المأمور: بل أمرتني ببيعه، فالقول قول رب الثوب مع يمينه. وقال أصبغ: معناه: يحلف ما أمره ببيعه، ولباعه منه، وليأخذ ثوبه، فإن فات غرم له قيمته، ما لم يكن أكثر من الثمن الذي ادعاه. قال ابن القاسم: فإن حلف رب الثوب، وقد فات بيد المبتاع، فاختلفا في صفته، فليصفه المأمور ويحلف ويغرم قيمة تلك الصفة، فإن
[6/ 435]

(6/435)


قومت بأقل مما باعها به، قيل للمأمور: إن كنت محقًا أن أمرتك بالبيع، فادفع بقية ما بعته به، ولا يقضى عليه بذلك؛ لأن ربه يقول: بعته منك. وقاله أصبغ، وأعاب قولاً كان لابن القاسم غير هذا.
وإن اشترى المأمور بمالك شعيرًا، وقال: بذلك أمرتني، وقلت أنت: لم آمرك إلا بقمح، فلابن القاسم قولان، قال: يصدق المأمور ويحلف. وقال: أو لا يصدق الآمر ويحلف. وقال هذا أشهب، وأصبغ.
وقال مالك: ومن أمر رجلاً يشتري له غلامًا في ميراث، فاشتراه بثمن غال، فقال الآمر: إنما أمرتك بدون ذلك. فليحلف الآمر، ويلزم المأمور. وقاله ابن القاسم. محمد: لاشترائه إياه بالثمن الغالي، وهو متعد بذلك، وأحب إلينا إن كانت السلعة لم تقبض، أو قبضت ولم يطل أمرها، والدنانير تعرف أنها للآمر ببينة حضرت دفعها، أو يقر بذلك البائع، حلف الآمر وارتجع ماله، وإن لم تعرف بعينها، أو فاتت السلعة، حلف المأمور ولزمت الآمر. وهو قول مالك في بيع المأمور السلعة.
في البائع للثوب يقول قد دفعت إلى المبتاع غير غلطًا
أو يقول المبتاع دفع إلي غيره
من العتبية: من سماع ابن القاسم: وعن البائع للثوب، فيدفعه إلى المبتاع، هو أو من أمره، ثم يدعي أنه غلط به، فإن كان هو دافعه، لم يصدق إلا بما يعرف به صدقه من رقم عليه بأكثر مما باع، أو ببينة، فيحلف مع ذلك، ويرده، وإن كان إنما أمر من دفعه فدفعه غيره، حلف واحدة.
وروى عيسى، عن ابن القاسم في من ابتاع ثيابًا، فبعد أن خرج بها زعم أنه إنما أبدل عليه بعضها، فأمر البائع ببدل ثلاثة منها، وقال المبتاع: بل أكثر.
[6/ 436]

(6/436)


فليحلف البائع أنه ما أبدل إلا ثلاثة، ويأخذ المبيعة إن كانت قائمة، وإن فاتت، فحصتها من الثمن، إلا أن تكون وجه الصفقة فيرد البيع كله.
ومن كتاب محمد: ومن قال لبزاز: أخرج لي ثوبًا مروبًا بدينار، فيعطيه ثوبًا، ثم يوجد الثوب من ثمن أربعة، فيقول: غلطت به، قال مالك: فهذا يحلف ويأخذ ثوبه. وهذه المسألة إذا غلط البائع فدفع أرفع مما باعه أو أدنى، مكتوبة في باب الصانع أو البائع يدفع غير الثوب غلطًا في كتاب تضمين الصانع.

فيمن اشترى سلعة لغيره بماله فأنكر الآمر أن يكون أمره
أو أقر وقال قد دفعت إليك المال فأنكر المأمور
ومن العتبية: قال أصبغ في من اشترى سلعة بعينها بمال، وقال: لفلان اشتريتها بأمره وماله، وكتب ذلك في كتاب الشراء، وقال: أمرتني بشرائها بهذا المال بعينه، فأنكر فلان وطلب المال من البائع، فذلك كله سواء، ولا شيء له على البائع، وله أن يضمن ذلك المبتاع، ويتبعه به في عدمه، وليس يصدقه البائع فيما قال حتى يبيعه على ذلك بتصريح وتصديق بين وإقرار، أو ببينة تشهد على المال بعينه، وإلا فلا.
قال أصبغ: قال ابن القاسم في من اشترى سلعة أو اكترى دابة، ثم قال: ابتعتها لزوجتي وحازت المرأة الدابة أو الدار، ثم طلب منها الثمن أو الكراء، فقالت: دفعته إليك، قال: إن كان نقد، فالقول قولها مع يمينها، وإن لم ينقد، حلف: ما قبض شيئًا، ورجع عليها.
قال عيسى وسحنون: وإن أشهد من دفع الثمن أنه إنما ينقد من ماله، فلا يقبل قول المرأة أنها دفعت الثمن إليه. وهذا الباب مثله في الوكالات، وأبين من ذلك.
[6/ 437]

(6/437)


باب فيمن ابتاعا من رجل طعامًا فنقص حظ أحدهما
من العتبية: روى أشهب، عن مالك في رجلين ابتاعا طعامًا، فحمله الحمالون إليهما، فنقص على أحدهما أربعة أرادب، فكال شريكه قمحه وقد خلطه بالقمح يعرف كيله، فوجد فيه زيادة إردبين، فردهما عليه، قال: فلشريكه أن يحلف ما دخل بيته إلا هذا، فإن نكل حلف هذا. وهو رجل سوء إن حلف، كيف يحلف على ما لا يعلم، ثم قال: لا يحلف إلا المدعى عليه، فإن نكل، غرم بغير رد يمين على الآخر، ثم قال في آخر كلامه: فإن نكل، أيحلفه الآخر؟ قال: نعم، فنظرت في أصل سماع أشهب، فلم أجد فيه قال: نعم.

في مكتري الدار وله فيها نقض وأبواب
فبيعت ولم يذكر ذلك ثم أراد أخذه
من العتبية: روى سحنون، عن ابن القاسم في الدار تباع وفيها مكتر، له فيها نقض وأبواب في بيوت، وهو حاضر للبيع، فأراد أخذه، فقال له المبتاع: قد حضرت البيع، فلم يدع، وقد اشتريت، ووجب لي كل ما فيها، قال: فالنقض والأبواب للمكتري، ولا تنقطع حجته بحضوره؛ لأنه يقول: لم أظن أن ذلك يجب لك.
[6/ 438]

(6/438)


في النجش ومن يعطى في السلعة ليغتر غيره
وفيمن يذكر أنه أعطي في سلعته كذا
لعطاء قديم أو لما لم يصح
وفيمن يسأل غيره أن لا يزيد عليه
من الواضحة نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن النجش. قال ابن حبيب: وذلك أن يدس الرجل من يعطيه عطاء لا يريد الشراء، لكن ليغتر به، فإن فعل، فإن ذلك يفسخ، إلا أن يتماسك بها المبتاع، بذلك الثمن، وإن فاتت، ودى القيمة إن شاء، هذا إن دسه البائع، أو كان الناجش أخذ بسببه من ولده أو عبده أو شريكه وهو من ناحيته، وإن لم يكن دسه، ولا عن أمره، وإن كان أجنبيًا لم يعلم به البائع، وليس من ناحيته، فلا شيء على البائع، ولا يفسخ البيع، والإثم على من فعل ذلك.
ومن العتبية في سماع ابن القاسم: قال مالك: والنجش أن يعطي عطاء في السلعة ليغتر به غيره، وليس من حاجته الشراء، وكذلك في كتاب ابن المواز.
ومن العتبية: روى أشهب، عن مالك فيمن يريد بيع سلعته، فيقول: أعطيت كذا، وهو صادق، فلا باس بذلك إذا كان عطاء جد به السوم، فأما النجش فلا، أو يكون أعطي عطاء قديمًا، فكتم قدمه، والمبتاع يظن أنه حديث. وقد يحول، وأما بحداثة ما أعطي، فلا بأس به. وكذلك في كتاب ابن المواز نحوه عن مالك.
[6/ 439]

(6/439)


ومن كتاب ابن المواز: قال مالك في من قال لرجل: ما أعطيت في سلعتك، فلك زيادة دينار، وقال: أعطاني فلان مائة، فزاده، وأخذها، ثم فلان: لم أعطه إلا تسعين. قال مالك: يلزمه البيع، ولو شاء لتثبت، إلا أن تكون بينة حضرت عطاء فلان دون ذلك، فيرد البيع إن شاء فلان، ولا شيء على البائع، وكذلك القائل في الجارية: أعطيت مائة، فيصدقه، ويزيده، فذلك يلزمه.
قال مال في العتبية: ولا يمين عليهما.
ومن كتاب محمد، قال: ولا بأس أن يقول المبتاع لرجل حاضر: كف عني، لا تزيد علي في هذه السلعة، وأما الأمر العام، فلا، وكره أن يقول: كف عني، ولك نصفها، وتدخله الدلسة، ولا ينبغي أن يجتمع القوم للبيع، فيقولوا: لا تزيدوا علي كذا وكذا.
ومن العتبية والواضحة: قال مالك في عبد بين ثلاثة نفر، قال أحدهما للآخر: إذا تقاومناه فاخرج عنه بربح ليقتدي بك صاحبنا، والعبد بيني وبينك، ففعل، فاقتدى به الآخر، فخرج من العبد، وثبت هذا ببينة أو أقر به، قال: البيع مردود، ولا يجوز. قال ابن حبيب: ولم يأخذ بهذا أصبغ، ولم يره من النجش، وبه أقول؛ لأن صاحبه لم يرد أن يقتدي بزيادته، إنما أمسك عن الزيادة رأسًا ليرخصه على نفسه وعلى صاحبه، فلا بأس بذلك.
[6/ 440]

(6/440)


باب في سوم الرجل على سوم أخيه وفي بيع المزايدة
من الواضحة، قال: ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يبع بعضكم على بيع بعض))، يقول: لا يشتري، وتقول العرب: بعت بمعنى اشتريت، وشريت بمعنى بعت. قال الله تعالى: {وشروه بثمن بخس} [يوسف: 20]، وقال سبحانه: {ولبئس ما شروا به أنفسهم} [البقرة: 102]. قال لبيد:
ويأتيك بالأنباء من لم تبع له ... بتاتًا ولم تضرب له وقت موعد
يقول: من لم تشتر له زادًا.
وقال الحطيئة:
وبعت لذبيان العلاء ممالكا
يقول: اشتريت، وإنما النهي للمشتري دون البائع. ومن جهل فابتاع على بيهع أخيه بعد أن اتفقا، فليستغفر الله، ويعرضها على الأول بالثمن، زادت أو نقصت، فإن أنفق عليها شيئًا زادت به، فليعطه النفقة مع الثمن، وإن نقصت، فإن شاء أخذها، ولا شيء له، أو ترك. وهذا قول مالك ومن لقيت من أصحابه.
[6/ 441]

(6/441)


ومن العتبية قال سحنون: قال ابن القاسم في السائم على سوم أخيه، والخاطب على خطبة أخيه: إنه لا يفسخ، وأرى أن يؤدب. وقال غيره: بل يفسخ ذلك. وفي كتاب النكاح من هذا، وذكر باقيه عن ابن وهب نحو ما ذكر ابن حبيب، وهناك زيادة من هذا المعنى.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: معنى ما نهي عنه من بيع الرجل على بيع أخيه، إنما ذلك إذا ركن، وجعل يشترط وزن الذهب، ويتبرأ من العيوب، ونحوه مما يعلم أن البائع أراد مبايعة السائم، ولو نهي أن يسوم الرجل في أول سوم الآخر، لكان ضررًا على الناس، وهذا مما لم يزل من عمل الناس عندنا.
قال مالك: ولو أركن في البيع إلى يهودي، لم يصلح أن يزيد عليه.
قال مالك: لا بأس ببيع المزايدة في الميراث وغيره، فإذا أوجبه لرجل، ثم يرد عليه، فليس ذلك له.
قال مالك: إذا وقف على عطاء رجل، فطلب زيادة من غيره، فلم يجد، فرجع إليه فنكل، فذلك يلزمه.
ومن الواضحة قال: وبيع المزايدة خارج مما نهي عنه من السوم على سوم أخيه، ومن زاد فلم يرد عليه، لزمه.
واستحب مالك للسلطان فيما يبيع على مفلس أو ميت أن يتأنى فلانًا، عسى بزائد أن يزيد.
واستحب في بيع العقار أن يأمره بالصياح عليه الشهرين والثلاثة، بصفته ونعته، وتسمية ما فيه، فإذا بلغ منتهاه على أحد أن يستأني ثلاثًا قبل الإيجاب، يكون الخيار فيه للسلطان لا للمبتاع، فإن زيد عليه قبله، وإلا ألزمه به، فإذا أوجبه له، ثم جاء زائد، فلا يقبله عليه، وإن ندم المبتاع، فقال: لم أعرفه، ولم أره،
[6/ 442]

(6/442)


ولم أسمع صفته، فلا حجة له، ويلزمه البيع، وهو بيع براءة، ما لم يعلم الإمام أو وكيله والبائعون من الورثة، وما علموه، فعليهم بيانه.
ومن العتبية، روى عيسى عن ابن القاسم في القوم يحضرون بيع المزايدة، فيزيد أحدهم، فيتمادى في المزايدة، ثم يبدو للذي زاده، فليس ذلك له، وقد لزمه البيع، وإن زاد فيه رجلان، فاجتمع عطاؤهما على دينار، فيوجبه لهما، ويبدو لأحدهما أو لهما، فالبيع لهما لازم، وهما فيه شريكان. قال عيسى: لا يعجبني، وأراه للأول، وليس للصائح أن يقبل من المعطي مثل عطاء الذي قبله، وإنما يقبل الزيادة، فهو للأول حتى يزاد، إلا أن يكونا أعطيا جميعًا معًا.
ومن العتبية من سماع أشهب، قال مالك في الرقيق ينادى عليها، ويقول الصائح: إني أعرضها ثلاثًا، فيعرضها يومين، ثم يحبسها أهلها يومًا ويومين، ثم يبيعونها، فينكل من كان أعطى، ويقول: قد جازت أيام الصياح، ولا يلزمنا ذلك. قال: أما يومًا ويومين وشبه ذلك، فيلزمهم. وأما بعد عشرين يومًا وشبه ذلك، فلا يلزمهم ذلك.

باب في تلقي السلع
من كتاب ابن المواز: قال مالك: لا تتلقى السلع لتشترى، وإن لم يرد التجارة حتى يهبط بها إلى سوقها، ولا في أفواه الطرق والسكك، ولا يبتاعها من مرت به وهو بباب داره في البلد الذي جلبت إليه، وأما إن مرت بمن في قرية بقرب البلد الذي يريد إليه، ومن على ستة أميال من المدينة، ومثل العقيق من المدينة، فله أن يشتري منها للأكل وللقنية أو ليلبس أو ليضحي ويهدي ونحوه، وأما للتجارة، فلا.
[6/ 443]

(6/443)


قال ابن القاسم: وهذا في كل سلعة، طعام أو غيره، ونحوه في العتبية.
ومن الواضحة: قال: ولا تتلقى السلع وإن كانت مع مسيرة يوم ويومين، وما بلغ منها الحضر، فلا يشترى منها ما مر على باب داره، لا لتجارة ولا لقوته، إن كان لها سوق قائم، وأما ما ليس له سوق قائم، فإذا دخل بيوت الحاضرة والأزقة، جاز شراؤها، وإن لم تبلغ السوق، ومن منزله في غير الحاضرة، قريبًا منها أو بعيدًا، فله أن يشتري مما قربه للقوت لا للتجارة، ولو كانت على الأيام من البلد الذي تحمل إليه. وهذا قول مالك وأصحابه.
ومن كتاب ابن المواز: وسئل مالك عن خروج أهل مصر إلى الإصطبل مسيرة ميل ونحوه أيام الأضحى، يتلقون الغنم يشترونها، قال: هذا من التلقي، ويكره أن يشتريها من مرت به في نواحي الفسطاط، وكذلك غير الضحايا حتى ترد سوقها.
قال مالك: ومن جاءه طعام أو بز أو غيره، فوصل إليه خبره وصفته عن مسيرة يوم أو يومين، فيخبر بذلك فيشتريه منه رجل، فلا خير فيه، وهو من التلقي.
قال مالك في التجار يشترون الغنم من الريف، فيأتون به، فيصيرون على مثل ميل من الفسطاط، فتكون في المراعي، ويشتد عليهم إدخالها كلها، أو لكون ذلك أرفق بهم، فيبيعونها ثم، فيدخلها المشتري قليلاً قليلاً، قال: أخاف أن هذا من التلقي وأكرهه. قال في العتبية: واراه من التلقي.
ومن العتبية: روى أبو زيد، عن ابن القاسم، في من قدم بقمح من الإسكندرية، فقال حين خرج: إن وجدت بيعًا في الطريق بعت، وإلا بلغت الفسطاط، قال: لا يبيع في الطريق، وليبلغ الفسطاط، إلا أن ينوي قرية فيها
[6/ 444]

(6/444)


سوق، فلا بأس أن يبيعه فيها. قيل: فإذا أراد أن يخزنه في منية موسى، ثم بدا له أن يبيعه، قال: لا بأس بذلك.
قال ابن القاسم: قال مالك في الأجنة التي تكون حول الفسطاط من نخيل وأعناب، يخرج إليها التجار، فيشترونها ويحملونها في السفن إلى الفسطاط ليبيعوها، فلا بأس بذلك.
قال في سماع أشهب في الذين يشترون الثمار من الحوائط، ثم يدخلونها المدينة، فيبيعونها على أيديهم، فرآه من التلقي. وقال أشهب: لا بأس به، وليس من التلقي، والتلقي: أن تلقى الجلاب قبل أن يهبط إلى السوق، فتبتاع منه.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك في قوم خرجوا إلى الغزو في تجارة، فيلقون تجارة ببعض الطريق، فلا أحب أن يشتروا منها للبيع، وإن جلبوا إلى البلد أو غيرها، ولا باس بشرائهم ما يأكلون، وكذلك القرى الذين يمرون بهم، فأما البيع بموضعهم بضرب أو جلب، فلا.
وأما التجار يخرجون إلى الحوائط يشترون منها، ويردون الأسواق، فلا بأس، وما أرسي بالساحل من السفن من التجار، فلا بأس أن يشتري منهم الرجل الطعام وغيره فيبيعه بها، إلا أن تأتي الضرورة والفساد، فيكون من باب الحكرة، فلا يصلح.
قال مالك: ولا تلقى السلع بالجبانة.
قال مالك: ولا يطيب للمتلقي ربح ما تلقى. ولا أحب أن يشترى من لحم ما تلقى. وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم.
[6/ 445]

(6/445)


قال محمد: واختلف قول مالك في شراء المتلقي، فقال عنه ابن القاسم: ينهى، فإن عاد أدب، ولا ينزع منه شيء. وروى عنه ابن وهب أنه ينزع منه، فيباع لأهل السوق، فما ربح فهو بينهم، والوضيعة على المتلقي. قال ابن القاسم: أرى أن يشرك فيها التجار وغيرهم ممن يطلب ذلك، ويكون كأحدهم. وقاله ابن عبد الحكم بالحصص بالثمن الأول. وقال أصبغ بقول مالك الأول: إن عاد أدب، ونفي من السوق، وإنما يشتركون فيما يحضرون فيه بالسوق، فيطلبون الشرك، فيكون كأحدهم.
قال محمد: الصواب في المتلقي أن يرد شراؤه، وترد على بائعها إن وجد، فإن فات أو من يقوم ببيعها عن صاحبها. وما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فهو مردود. قال في الواضحة: ويفسخ شراء المتلقي، وترد السلعة، فإن فات بائعها، فإن كان المتلقي ليس بمعتاد، ترك له، وزجر، وإن كان معتادًا، فإن كان لها سوق، وقوم راتبون فيه لبيعها، فلهم أخذها بالثمن أو يدعوها، وإن لم يكن لها أهل راتبون، عرضت في السوق بثمنها لعامة الناس، فإن ام يوجد من يأخذها بذلك تركت لربها، ويؤدب المعتاد بما يراه الإمام من سجن أو ضرب أو إخراج من السوق. وهذا في العروض. فأما في الطعام كله، فليوقف لكل الناس بالثمن، وإن كان له أهل راتبون.
قالوا: وإذا بلغت السعة موقفها، ثم انقلب بها ولم يبع، أو باع بعضها، فلا بأس أن يشتريها من مرت ببابه، أو من أراد بيعها. وروى عيسى في العتبية عن ابن القاسم نحو ما ذكر ابن حبيب إن كان لها أهل راتبون، فإن لم يكن لها أهل راتبون يبيعونها في حوانيتهم من الناس، وإنما جل شأنها أن جالبها يبيعها من الناس كافة، فلتوقف للناس كافة بالثمن، فإن لم يأخذها أحد إلا بأنقص منه، تركت له. قال: وإن فاتت بيده وكان معتادًا أدب، وإن لم يكن
[6/ 446]

(6/446)


معتادًا، زجر وأمر ألا يعود. قيل: هل يتصدق بالربح؟ قال: ليس بحرام، ولو فعل ذلك احتياطًا، لم أر به بأسًا.
ومن العتبية: قال سحنون، عن ابن القاسم في المتلقي، قال: يعرض على أهل السوق، فإن لم يوجد بالثمن، ردت إليه، لا إلى ربها، ويؤدب إن لم يعذر بجهل. قال: وقال لي غير ابن القاسم: يفسخ البيع في هذا، وفي بيع حاضر لباد، وفي السوم على سوم أخيه، وترد إلى ربها.
وروى أصبغ، عن ابن القاسم، في بيع الحاضر لباد: يفسخ، كان البادي حاضرًا أو غائبًا، وذلك في المتلقي مثل ما روى عنه سحنون.
وفي العتبية من سماع ابن القاسم في أهل السوق يبيعون على أيديهم، يشترون من أهل السوق الطعام مثل أهل الحوانيت ممن يبيع بالأفلس، يشترون من أهل السواحل، فلا بأس به. قال: والذي يتلقى السلع، فيقدم بها المدينة ليبيعها، قال: لا ينبغي ذلك، باع أو أمسك، ولمثل هذا كره المتلقي أن يخرج من المدينة عارف بالسعر، فيشتري على معرفة.

في بيع الحاضر للبادي
من كتاب ابن المواز: قال مالك في النهي عن بيع الحاضر للبادي: هم الأعراب أهل العمود، لا يباع لهم، ولا يشار عليهم. قال محمد: فيما يأتون به للبيع. وكذلك قال في الواضحة، وقال: ولم يرد بذلك أهل القرى الذين يعرفون الأثمان والأسواق.
ومن كتاب ابن المواز: قيل لمالك: فإن كانوا أيام الربيع في القرى، ومن بعد ذلك في الصحراء على الميلين من القرية، وهم عالمون بالسعر، قال: لا يباع لهم.
[6/ 447]

(6/447)


قال مالك: ولا يبيع مدني لمصري، ولا مصري لمدني. قال أصبغ: ويفسخ إن ترك. وقال مالك قبل ذلك: إنما يكره ذلك لمن كان من أهل القرى يشبهون أهل البادية، فأما أهل القرى من أهل الريف، ممن يرى أنه يعرف السوم، فلا بأس به، وأرجو أن يكون خفيفًا. وذكره كله في العتبية، ولكنه قال: فأما أهل المدائن يبيع بعضهم لبعض فأرجو أن يكون خفيفًا.
قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز: وهذا أحب إلينا.
قال مالك: وأهل القرى ممن يشبهون أهل البادية، فلا يباع لهم، ولا يشار عليهم، ولا بأس أن يشترى لهم.
قال مالك في العتبية: إذا قدم البدوي، فأكره أن يخبره الحضري بالسعر، ولا بأس أن يشتري له، بخلاف البيع له.
قال ابن القاسم: وإن باع حضري لباد، فسخ البيع، حضر البادي أو بعث إليه بالسلعة. ولم ير ابن عبد الحكم فسخه. وقول ابن القاسم هو الصواب. وذكر ابن حبيب عن مالك أنه يفسخ. قال ابن حبيب: وكذلك الشراء؛ لأنه يدخل فيه مثل ما له نهي عن البيع. وروى ابن القاسم عن مالك أنه أجازه ولم يره مثل البيع.
قال: ولا يبعث البدوي إلى الحضري بمتاع يبيعه له، ولا يشتري له وهو غائب، ولا يشير عليه في البيع إن قدم، وقاله مالك في المشورة.
ومن العتبية: أصبغ عن ابن القاسم في أهل أبي منا وأهل أبي صير، هل ينهى عن البيع لهم، كما ينهى عن بيع حاضر لباد؟ قال: لا، إنما يراد بهذا أهل القرى، ومن ذكرت أهل مدائن وكور من كور مصر.
[6/ 448]

(6/448)


قال ابن القاسم: إن باع حاضر لباد، فسخ البيع، ويؤدب المعتاد وبزجر. وروى سحنون، قال: لا يفسخ، ويؤدب فاعله. قال: وقال غيره: يفسخ. وروى زونان، عن ابن وهب، قال: يزجر، لا يؤدب وإن كان عالمًا بمكروهه. وقال أشهب، وابن وهب، في الحضري يأتي البادي في باديته، فلا ينبغي أن يخبره بالسعر، ولا يشير عليه. وقال أشهب في البدوي يأتي إلى الحضر بسلعته، فيعرضها على الحضري، فلا يبيعها له. قال ابن القاسم: ولا يشير عليه إن قدم، وله أن يشير له، أو يشير عليه في الشراء ويجهز عليه. وكذلك روى عنه أصبغ: لا بأس أن يشتري لرسوله.

باب في التسعير في الطعام وغيره
وما يحمل الناس على المساواة بين السكك
وجواز النقد الرديء وقطع الدنانير والدراهم
من العتبية: من سماع ابن القاسم، قال مالك في السوق إذا أفسده أهله، وحطوا سعره، أيسعر عليهم؟ فكره التسعير وأنكره.
أشهب عن مالك قال: وصاحب السوق يقول للجزارين: اشتروا على ثلث رطل بسعره من الضأن، وعلى نصف رطل من الإبل، وإلا فاخرجوا من السوق. قال: إذا سعر عليهم قدر ما يرى في شرائهم، فلا بأس به، ولكن أخاف أن يقوموا من السوق.
قيل: إن صاحب الجار أراد أن يسعر على السفن، قال: بئس ما صنع.
قال أصبغ، عن ابن القاسم، عن مالك: لا يقدم على أهل الحوانيت ولا غيرهم شيئًا مما في السوق من طعام وإدام وزيت وزبد وبقل وغيره.
[6/ 449]

(6/449)


قال: ولو باع الناس ثلاثة أرطال بدرهم، فباع واحد منهم أربعة بدرهم، قال: لا يقام الناس لواحد، ولا اثنين، ولا أربعة، ولا خمسة، وإنما يقال الواحد والاثنان إذا كان جل الناس على سعر، فحط هذان منه.
ومن كتاب ابن المواز: لا يمنع الجالب أن يبيع في السوق دون بيع الناس. محمد: يريد صنف سلعته في جودتها فيما قد جرى سعره، وليس عليه أن يبيع الجيد مثل الرديء. وكذلك في العتبية مثله. ومثل هذا التفسير لسحنون.
ومن كتاب محمد والعتبية، ومن سماع ابن القاسم، قال مالك: ولا يسعر على الناس في السوق، ومن حط من السعر، منع وأخرج من السوق، ومن زاد في السعر، لم يؤمر غيره أن يلحق به.
قال في العتبية: ومن طعامه ليس بجيد من أهل السوق، فنزل السعر، فلا يقال لغيره: إما بعت مثله، وإلا فاخرج، وإنما يقال ذلك إن حط من سعر الناس، وأراد الفساد.
ومن كتاب محمد، قال مالك: وإذا حط أهل السوق كلهم إلا واحدًا، فلا يمنع، وإذا حط السعر واحد، فهذا يقال له: الحق بهم، وإلا فاخرج. وكره مالك التسعير وأعابه.
ومن الواضحة: ونهى ابن عمر، والقاسم، وسالم، عن التسعير. وأرخص فيه ابن المسيب. وقال ربيعة، ويحيى بن سعيد: إذا كان الإمام عدلاً، وكان ذلك صلاحًا ونظرًا للمسلمين يقوم بقيمة يقوم عليها أمر التاجر، ولا ينفر منها الجالب.
قال ابن حبيب: وليس ما أجازوه من ذلك في القمح والشعير وشبهه؛ لأنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه لأن الجالب يبيعه، ولا يترك التجار يشترونه ليبيعوه
[6/ 450]

(6/450)


على أيديهم، وأما مثل الزيت، والسمن، والعسل، واللحم، والبقل، والفواكه، وشبهه، ذلك مما يشتريه أهل السوق للبيع على أيديهم، ما عدا البز والقطن وشبهه، فينبغي للعدل إن أراد أن يسعر شيئًا من ذلك أن يجمع وجوه أهل السوق ذلك الشيء، ويحضر غيرهم استظهارًا على صدقهم، فيسألهم كيف يشترون وكيف يبيعون؟ فإن رأى شططًا نازلهم إلى ما فيه لهم وللعامة سدادًا حتى يرضوا به، ثم يتعاهدهم، فمن حط من ذلك قيل له: إما بعت بسعر الناس، وإما دفعت، ويؤدب المعتاد، ويخرجه من السوق، ومن باع أرخص من ذلك، لم يمنعه إن فعله واحد أو اثنان، فأما إن كثروا، فليحمل من بقي على ذلك، أو يخرجوا. قال: ولا يجبرون على التسعير، ولكن على ما ذكرنا. وعلى هذا أجازه من أجازه، ولا يكون التسعير إلا عن رضًا، ومن أكره الناس عليه فقد أخطأ، ويكشف الإمام كل حين عن شرائهم من التجار، فإن حط السعر عن الأول عاودهم في التسعير، وراوضهم إلى ما فيه سدد، ولا يسعر على جلاب شيء ما لم يزد بأرفع من السعر الذي رضي به أهل الحوانيت، فليس لهم الزيادة عليه، فإما باعوا به، وإلا رفعوا. وأما جلاب القمح والشعير وشبهه من الأقوات، فلا تسعير فيه، لا بتراض ولا غيره، ولهم بيعه على أيديهم في السوق. والبزاز كيف شاءوا، فإن رخص بعضهم في السعر، تركوا إن قلوا، وإن كثر المرخصون، قيل لمن بقي: إما أن تبيع مثل أولئك، وإلا فارفعوا، إلا من أغلى لجودة بينة، ولا يفعل مثل هذا بمن أغلى في العروض وما لا يكال ولا يوزن، وإن اتفق في الجنس والصفة، ويفعل ذلك فيما يكال ويوزن، كان يؤكل ويشرب، أو لا يؤكل ولا يشرب.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ولا ينبغي للإمام أن يكره أحدًا على أن يأخذ من النقد ما لا يريد، ولا ينبغي أن ينادي أن تجوز الدراهم كلها،
[6/ 451]

(6/451)


وكذلك دنانير مختلفة النفاق في الصرف، ولا يكره الناس على أخذ المنحط في الصرف، وإن كان جيد الذهب، وليبع كل أحد بما شاء، وكذلك الدنانير القائمة والناقصة، والدراهم كذلك، يترك كل واحد وما اختار وفي ذلك رفق.
وكره مالك أن يأتي بدرهم فيه نقصان، فيقول: أعطني بما فيه. وهذا مجهول، ويمنع الناس من قطع الدنانير والدراهم، وجاء أن ذلك من الفساد، وقيل: إن ذلك معنى قول الله سبحانه: {أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء} [هود: 37]. وكره مالك قطع الدنانير المقطعة.
وسئل مالك عن جواز الدراهم الرديئة، فقال: أما كل بلد مثل مكة يجوز بها كل شيء، فلا بأس، وأما غيرها، فلا أحب ذلك حتى يبين.

باب في احتكار الطعام وغيره
وهل يخرج من أيدي أهله في الغلاء؟
من كتاب ابن المواز: قال مالك: وينهى عن الاحتكار عند قلة تلك السلعة، وعند الخوف عليها. قال مالك: وذلك في الطعام وغيره من السلع، فإذا كان الشيء كثيرًا موجودًا، أجاز شراءه للاحتكار، أو ليخرج به من البلد. قال: وإذا خيف انحطاط سوقه، منع أن يحتكر، أو يخرج من البلد، وإن أمن من ذلك، لم يمنع مما ذكرنا.
قال مالك: ومما يعيبه من مضى، ويرونه ظلمًا، منع التجر إذا لم يكن مضرًا بالناس، ولا بأسواقهم.
[6/ 452]

(6/452)


ومن العتبية: من سماع ابن القاسم، قيل لمالك: أفيحتكر الرجل ما عدا القمح والشعير؟ قال: لا بأس بذلك.
ومن كتاب محمد والعتبية: قال مالك في الطحانين يشترون الطعام من السوق، فيغلوا سعر الناس، قال: فإنه يمنع مما أضر بالناس في ذلك. وكره ابن حبيب عن مالك مثله، وقال: قلت لمطرف وابن الماجشون مثل ما أخبراني بذلك عن مالك إن ذلك ربما رفق بالمساكين، فقالا: إنما ينظر إلى الذي رفقه أعم نفعًا، فيقر ويمنع ما هو أشد ضررًا فماذا ... ضرره أمكن من قدر ما يرفقه بالمساكين، ومنعوا مما يضر بالناس.
وعمن يشتري من الساحل ويبيعونه بنواحي الفسطاط على أيديهم؟ قال: فلا بأس بذلك في الطعام والزيت وغيره، وكذلك في ساحل الجار ليبيعه بها.
ومن الواضحة: كان ابن الماجشون ومطرف لا يريان احتكار الطعام في وقت من الأوقات إلا مضرًا بالناس، ويذكر أن مالكًا كرهه. قال ابن حبيب: فلا يرخص في ذلك إلا لجالب أو زارع. ولم ير مالك بأسًا على هذين أن يحتكرا. قال ابن حبيب: ولا يحتكر غيرهما، وليخرج من يده إلى أهل السوق، يشركون فيه بالثمن، فإن لم يعلم كم ثمنه فسعره يوم احتكره وقد فعل مثله عمر. وكذلك ينبغي في القطنية والحبوب التي هي كالقوت والعلوفة، وكذلك الزيت، والعسل، والسمن، والزبيب، والتين، وشبهه، أضر ذلك بالناس يوم احتكره أو لم يضر.
وأما العروض، فيراعى فيها احتكارها في وقت يضر بالناس ذلك، فيمنع منه، ويكون سبيله مثل ما ذكرنا في الطعام، ولا يمنع من احتكارها في وقت لا يضر.
[6/ 453]

(6/453)


ومن كتاب ابن المواز: قيل لمالك: فإذا كان الغلاء الشديد، وعند الناس طعام مخزون أيباع عليهم؟ قال: ما سمعت، وإن من يشتريه على هذا يمنع، ولا يعرض للجالب، فمن عنده طعام من جلبه أو زرعه، أو ثمر من جنانه، فليبع متى شاء، ويتربص إذا شاء بالمدينة وغيرها.
قال مالك: وإذا كان بالبلد طعام مخزون، واحتيج إليه للغلاء، فلا بأس أن يأمر الإمام بإخراجه إلى السوق فيباع. قال مالك: وإذا احتاج أهل الريف إلى شراء الطعام من مصر، لم يمنعوا من الشراء لطعامهم من الفسطاط إن كان بها كثيرًا، وإن كان يضر ذلك بأهل الفسطاط لقلته، فليمنعوا، وإذا كان بها كثيرًا، وعند أهل الريف ما يغنيهم، فليمنعوا. وسئل مالك عن التربص بالطعام وغيره رجاء الغلاء. قال: ما علمت فيه بنهب، ولا أعلم به بأسًا، يحبس إن شاء، ويبيعه إذا شاء، أو يخرجه إلى بلد آخر.
قيل لمالك فيمن يبتاع الطعام، فيحب غلاءه، قال: ما من أحد يبتاع طعامًا أو غيره إلا ويحب غلاءه، ولكن لا أدري ما يغلو، ولا أحب ذلك.
ومن الواضحة، قال: وينبغي للإمام أن يديم دخول السوق والتردد إليه، ويمنع من يكثر الشراء منه، ولا يدع من يشتري إلا القوت، ويخرج منه من يشتري فضول الطعام، ويقر فيه الجلاب ويمنع الجلابين بيه الطعام في غير سوقه. وإن أراد غير الجلاب بيع الطعام في دورهم بسعر سوق الطعام، فليمنعه، وينبغي في الطعام أن يخرج به إلى البزاز، كما جاء في الحديث.
[6/ 454]

(6/454)


في صفة الكيل وأجر الكيل وذكر المكاييل والموازين
وفيمن يفجر في ذلك وذكر ما يباع وزنًا وكيلاً
من كتاب محمد والعتبية: من سماع ابن القاسم، قال مالك: إذا ملأ رأس المكيال، فهو الوفاء من غير رزم ولا تحريك ولا زلزلة. قال في كتاب محمد: ولكن يصب حتى يملأه، فإذا امتلأ، أرسل يده، ولم يمسك، وكذلك الوزن: أن يعتدل لسان الميزان، وإن سأله المشتري أن يميله له، لم أره من باب المسألة.
ومن العتبية: قال في سماع ابن القاسم: يمسك الكيال على رأسها، ثم يسرح يديه. قال في سماع أشهب: ولا يطفف، ولا يجلب، ولكن يصب حتى يجتبذه، فإذا اجتبذ به، أرسل يديه، ولم يمسك.
قال عنه ابن القاسم: وأجر الكيال على البائع، وذلك أن المبتاع لو لم يجد كيالا، كان على البائع أن يكيل له. قال إخوة يوسف: {فأوف لنا الكيل} [يوسف: 87]، فكان يوسف هو الذي يكيل.
قال مالك في كتاب محمد: أجر المكيال عندنا على المبتاع، والزيت عندنا على البائع.
قال ابن القاسم وابن وهب: قال مالك: أجر الكيال على البائع، ويلزم البائع الوفاء، ولا يوكل ذلك إلى أجيره أو غيره.
[6/ 455]

(6/455)


ومن الواضحة: قال ابن الماجشون: بلغني أن كيل فرعون إنما كان الطفاف مسحًا بالأيدي، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، وأمر بتصبير الكيل، وقال: ((إن البركة في رأسه))، فينبغي أن يكون الكيل في البلد الواحد واحدًا، كيل القفيز، وكيل القسط، ووزن الأرطال، فيكون أمرًا عرفه الناس، واستحب أن يكون القفيز معروفًا بمد النبي صلى الله عليه وسلم وصاعه، وأن يتبايعوا فيما دون القفيز بالصاع والمد.
وينبغي للإمام تفقد المكاييل والموازين في كل حين، وأمر مالك بذلك، وينبغي أن يضرب الناس على الوفاء، وكتب عمر بتعاهد المكيال والميزان.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم، قال مالك فيمن جعل من أهل السوق في مكياله زفتًا: أرى أن يخرج من السوق، فذلك أشد عليه من الضرب. قيل: فأهل الجار يقدمون بالقمح معلوثًا، فيؤمرون بغربلته قبل البيع. قال: ذلك الحق، وأرى أن يؤخذ الناس به.
قال ابن المواز: كره مالك بيع الرطب عددًا بالدراهم، كفعل أهل الذمة.
قال عنه ابن عبد الحكم، في المجلب يباع بالبصرة وزنًا، وبالمدينة كيلاً. قال: لا بأس بذلك.
وروى محمد بن خالد، عن ابن القاسم في العتبية في الوالي يعزل، ويلي آخر، فيزيد في المكيال، فإن كان في ذلك نظر للمسلمين يوافقه حتى لا يكره الناس على البيع، فلا بأس به.
[6/ 456]

(6/456)


باب ما يستحب في البيع من المسامحة والسوم وإقالة النادم
وما يكره من المدح والذم وغبن المسترسل
من الواضحة: وتستحب المسامحة في البيع والشراء، وليس هي ترك المكايسة فيه، إنما هي ترك المواربة والمضاجرة والكزازة، والرضا بالإحسان، ويسير الربح، وحسن الطلب بالثمن، وفي ذلك آثار ورغائب. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صاحب السلعة أحق أن يسوم بها من أن يسام)). وأنه قال: ((البركة في أول السوم، والبركة في المسامحة))، ورغب في إقالة النادم. وروي أنه عليه السلام، قال: غبن المسترسل ظلم.
وسمعت أهل العلم يقولون: له الرد إذا غبن، ويرد القيمة في فوت السلعة، وغيره من الخديعة، ولا يكون الاسترسال في البيع، إنما هو في الشراء، وذلك في ترك المساومة، ويقول: بعني كما تبيع من الناس، فإن قصر به عن ذلك، فقد ظلمه، وكانوا يحبون المكايسة في الشراء وأن تحاصه. ولو أبى أحد المتبايعين من جهله بالبيع، فباع أو اشترى ما يسوى مائة درهم بدرهم، لزمهما.
ويكره المدح والذم في التبايع، ولا يفسخ به البيع، ويأثم فاعله، لشبهه بالخديعة.
ومن المكر والخديعة فيه الإلغاز في اليمين، وقد نهى عن ذلك عمر، والحلف فيه مكروه، وإن لم يلغز، وروي أن البركة ترتفع منه باليمين.
والمواربة في البيع من الخديعة، وقد نهى ابن الزبير عن ذلك.
[6/ 457]

(6/457)


باب جامع لمسائل مختلفة
مسألة من باع عبد غيره ثم اشتراه
من العتبية: روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، في من سام رجلاً بعبد لغيره، فقال: اشتره مني بستين دينارًا، فإني أعطيته فيه عطاء نرجو أن يمضيه لي، فيقول: نعم، قد أخذته. ثم يرجع البائع، فيبتاعه من ربه بخمسين نقدًا، أو يمضيه للآخر بستين نقدًا على السوم الأول. قال: أكرهه، وإن وقع أمضيته إذا كان البيعان بالنقد وانتقدا.
قال ابن المواز: ومن ربح ما لم يضمن أن يبيع لرجل شيئًا بغير أمره، ثم تبتاعه منه بأقل من الثمن، وهو لا يعلم بفعلك، وكذلك بيعك لما ابتعت على خيارك قبل تختار، فربحه البائع. وهذا مذكور في باب بيع الطعام قبل قبضه. واختلف فيمن باع ثوب رجل بغير أمره ثم ورثه هل له نقض بيعه؟

مسألة في بيع المريض وليس في عقله والسكران
والعبد الشديد المرض هل يباع؟
من العتبية: قال عيسى، عن ابن القاسم، في المريض يبيع، وليس في عقله، فأراد المبتاع نقض البيع، وأبى البائع رده. قال: فالبيع له لازم. وقد جرى من بيع السكران في ذكر نكاحه.
ومن الواضحة: ومن الغرر بيع العبد أو غيره من سائر الحيوان مريضًا مرضًا يخاف منه الموت، ويفسخ، وهو من بائعه حتى يقبضه مبتاعه، فيكون منه إن فات بقيمته يوم قبضه. قاله ابن الماجشون.
[6/ 458]

(6/458)


مسألة في شراء أنقاض أرض الصوافي وغيرها
من العتبية: روى أشهب عن مالك، في من ابتاع جميع نقض دار، إلا أن البقعة قطيعة من أمير المؤمنين، على أن العهدة في النقض دون البقعة، قال: ليس بجائز ولا حسن.
ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتنى في أرض الصافية من أرض السلطان ويؤدي إليه الكراء، فيبيع الباني النقض قائمًا، وربما زاد عليهم السلطان في الكراء. فإذا باع النقض ولم يشترط كراء مسمى، ولا يقول: أحول اسمك مكان اسمي، فذلك جائز. قال محمد: وإنما هذا في أرض السلطان التي لا تنزع الأرض ممن بنى فيها وكذلك الغراس فيها. فأما لغيره، فلا يجوز للباني بيع النقض، ولا شيء منه على حال.

من يستوضع من الثمن، هل هو من المسألة؟
من كتاب محمد: قال مالك: ومن اشترى سلعة، هو بها مغتبط، فاستوضع من ثمنها، فلا بأس بذلك، وما هو من المسألة، وهو يستعير منه ثوبه ودابته، ما لم يكن من الإلحاح والتضرع والتبكي، فأكرهه، أو يقول: إن لم تضع لي خاصمتك، فلا خير فيه، وسئل أيضًا عنه مالك، فقال: جائز، وغيره أحسن منه. قال أشهب: فإن باعها المشتري بربح، ثم استوضع بائعه، قال: غير ذلك أصوب. قال أصبغ: ولو بين أنه مغتبط، كان أحب إليّ، وإن لم يفعل، فهو خفيف ما لم يأخذه بأخف أن يضع له، أو يجد عيبًا فيما يعرض له من ذلك.
[6/ 459]

(6/459)


باب الشراء من العبد
قال مالك في الشراء من العبد مثل الخفين وشبهه. فلا يفعل إلا من عبد يشتري ويبيع إلا بإذن أهله، ولا يصدقه أنهم أذنوا، وليرد عليه. وفي موضع آخر: إنه خفف الشراء من العبد الراعي، مثل اللبن والشاة، إذا كان لا يستخفى، ومثله يبيع لأهله.
قال: وعمن قال لرجل اشتر سلعة كذا، فما ربحت فلك، وما خسرت فعلي على المعروف، فجائز، ما لم يكن المأمور ملزمًا بذلك لا يحرج منه. قال مالك: وإذا سأل المشتري البائع معروفه، وهو غريب، فليس ذلك عليه، إلا أن يشترطه عند البيع. وقال في من دعا عبدًا، فدخل معه في شراء ثمرة، على أن لا نقصان عليك، فخسر، قال: فلا خسارة على العبد، وله أمر مثله.
وعن امرأة ورثت سدسًا من ابن ابنها، فباعته مشاعًا، فإن عرفت جميع التركة، فجائز.

باب فيمن أحاط الدين به وفي المريض يحابي في البيع
من الواضحة: ومن أحاط به الدين، فباع بيعًا، فذلك جائز، ما لم يفلس، إلا أن يحابي فيه محاباة بينة، تشبه الهبة، فللغرماء رد البيع، وإن قال المشتري: أنا أتم الثمن. وأبى الغرماء، فذلك لهم، وإنما للمشتري أن يأخذ من السلعة بمقدار ما أعطى من الثمن على العدل، أو يردها كلها إن شاء، لما نقص عليه منها، وكذلك المريض يبيع بمحاباة، فليس للمبتاع أن يكره الورثة على أخذ السلعة، ويتم لهم الثمن، ولكن له من السلعة بمقدار ما أعطى، أو يردها. وقاله لي أصبغ، وغيره.
[6/ 460]

(6/460)


باب في شراء امرئ ما وكل عليه أو أسند إليه وسلفه منه
من الواضحة: وكل من وكل بيع شيء، فلا تشتريه لنفسه. قاله مالك. وقد نهى عنه عمر، وكذلك الوصي، وأجاز ابن القاسم ذلك في الوكيل والوصي في اليسير، ورواه عن مالك في الوصي. وروى عنه مطرف أنه نهى عنه فيما قل أو كثر، قال: ولا أحب أن يتسلف مما أودع، أو كان فيه وصيًا، وإذا اشتراه الوكيل لنفسه، فلربه إن جاء أخذه منه، أو إجازة بيعه بذلك الثمن، وإن فات، فله أن يضمنه قيمته يوم باعه، وكذلك لو باعه بربح، وكذلك الوصي بسلطان، عليه مثل ذلك. وضمانه منه حتى يسترجع من يده، ولا ينبغي أن يتزوج في بنات من أوصى إليه، إلا أن يزوجهن بنيه، فإن فعل، تعقبه الإمام، فإن رأى صوابًا أمضاه، إلا أن يفوت بالبناء، فلا يرد، ويؤخذ بصداق المثل إن كان أكثر مما سمى.

باب في الشيء بين الرجلين يريد أحدهما المقاواة
قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون، وأصبغ، في الشيء لا ينقسم بين الرجلين، فيريد أحدهما المقاواة فيه، أو البيع، قالا: لا يلزم صاحبه المقاواة معه، وعليه أن يبيع معه، وإن رضيا بالمقاواة تقاوياه بينهما بالمزايدة أو بما أحبا بلا قيمة، ولا يقوم بقيمته، ثم يتزايدان عليها، وإذا أمر بالبيع معه، فإذا بلغ، فمن شاء منهما أخذه بذلك، ومن شاء تركه، وإن باع أحدهما نصيبه وحده، مضى ذلك، ولم يكن له أخذه بالثمن، وليعمل مع من صار له إن شاء، كما كان يعمل مع الشريك الأول. يريد إن لم يقم بالشفعة فيما فيه شفعة، ولم يكن بائعه معه، وإن استحق العرض المأخوذ في الدنانير، رجع بالدنانير بكل حال، تجاوز فيه أو لم يتجاوز. قاله مالك وأصحابه.
[6/ 461]

(6/461)


فيمن باع دارًا من رجل
على أنها إن غصبت منك فلا رجوع لك علي
قال ابن حبيب: ومن باع دارًا، وشرط على المشتري أنه إن غصبها سلطان، فلا رجعة لك علي، فهو بيع فاسد وخطر، إذ لعله انطوى من علمه بولد السلطان فيها، على ما لم يعلمه المبتاع، فيخاطر ويفسخ، فإن غصبها السلطان، فهي من المشتري ويرد فيها إلى قيمتها على غرر ما يخشى من ذلك فيها، وما يرضى من السلامة، كما يقوم الزرع الأخضر يستهلك. وقاله ابن القاسم، ومطرف، وابن نافع، وأصبغ.

من باع بيعًا فاسدًا
قال ابن حبيب: ومن باع سلعة بيعًا فاسدًا بفضة، فلا تقوم السلعة في فواتها بفضة، ولكن بالدنانير أو بالدراهم، ويرجع بفضته، فإن فاتت، فمثلها، وإن كان عرضًا بعرض وقد فاتا، تقاصا بالقيمة، قيمة كل عرض يوم قبضه قابضه.

باب من باع سلعة بدنانير
فأخذ فيها دراهم أو عرضًا ثم استحقت
قال ابن حبيب: ومن ابتاع سلعة بدنانير، فدفع فيها دراهم، ثم استحقت السلعة، فليرجع بالدراهم، ولو دفع عرضًا، رجع بالدنانير، إلا أن يكون يهضم له في العرض على التجاوز، لعدم أو صلة إخاء، فليرجع بقيمة العرض يوم أخذ منه.
[6/ 462]

(6/462)


باب في بيع المضغوط
من العتبية من سماع ابن القاسم: قال مالك في بيع أهل الذمة، وهم يلزمون بالخراج، قال: أكره الشراء منهم على هذه الحال، وعلى الضغطة، فأما إن لم يكن على هذه الحال، فذلك جائز. قال ابن القاسم: وليرد عليه ما باع بغير ثمن، إذا كان بيعه على عذاب وما يشبه من الشدة، ولا أرى إن اشترى منهم ذلك على هذا أن يحبسه.

باب في الرجلين يسكنان في دار الإمارة
فيعطي أحدهما الآخر شيئًا على أن يخرج
من كتاب ابن المواز قال مالك في رجلين كانا في منزل من منازل الإمارة، فضاق بهما، فأراد أحدهما يعطي صاحبه شيئًا، على أن يخرج، فلا خير فيه؛ لأنه لا يدري متى يخرج منه، فهو إلى غير أمد.
تم الجزء الرابع من أقضية البيوع وبتمامه كملت كتب البيوع
يليه في الجزء السابع كتاب الجعل والإجارة
كمل الجزء السادس من كتاب النوادر والزيادات
ويليه الجزء السابع أوله كتاب الجعل والإجارة
[6/ 463]

(6/463)