النوادر
والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الثالث من أقضية البيوع
أبواب الاستثناء من الصفقة
باب بيع العبد وله مال وكيف إن باعه واستثنى ماله أو بعضه؟
أو بيع الشجر واستثنى الثمرة أو بعضها في العقد أو بعده
والدعوى في ذلك وجامع القضاء في مال العبد
من الواضحة: ولا يجب للمبتاع في السنة مال العبد إلا باشتراطه، فإن اشترطه،
فهو له، كان عيبًا أو دينًا أو ناضًا، أو عرضًا معلومًا أو مجهولاً، وإن
كان أكثر من ثمنه، كان ثمنه نقدًا أو دينًا أو عرضًا، وهو بيع لا تقع له
حصة من الثمن، وإنما يصير للسيد بالانتزاع، ولو كان في ماله أمة، حل للعبد
وطؤها بغير إذن السيد. قال: ولا يجوز في مال العبد، وثمرة النخل اشتراط
نصفها. وكذلك في حلية السيف. ولا إن قال البائع: أبيعك العبد بنصف ماله.
وكذلك في الثمرة، وحلية السيف. وقاله كله مالك، ومن كاشفت من أصحابه.
[6/ 323]
(6/323)
من كتاب محمد: قال مالك: وإذا لم يشترط في
البيع مال العبد، ولا مأبور الثمرة، فله أن يزيده شيئًا ليلحق المال
والثمرة ببيعه. وقاله ابن القاسم، وأصبغ. قال عيسى في العتبية، عن ابن
القاسم: يجوز، وإن كان ماله عينًا، واشتراه لعين، فأما إن كان عرضًا، فليس
فيه كلام.
محمد: وروي عن مالك أن ذلك لا يجوز بعد العقد، إلا أن يكون مالاً معلومًا،
فيشتريه بعين إن كان عرضًا، أو بعرض إن كان عينًا، وأخذ بهذا ابن وهب، وابن
عبد الحكم، في المال والثمرة.
وقال أبو زيد، عن ابن القاسم: إن كان بحضرة البيع وبقربه، فجائز، وإلا لم
يجز، وقال عنه أصبغ مثله في العتبية، في مال العيب. وقال عنه عيسى مثله في
الثمرة: إنما يجوز بحدثان البيع. وروى أشهب أن مالكًا لم يجزه فيهما، وروى
عنه إجازته، وأجازه أشهب في الثمرة، ولم يجزه في مال العبد، ورواه عن مالك
أيضًا.
ومن ابتاع عبدًا بمائتين سوى مائة، وقال: أردت ماله، فلا قول له، وكذلك
ثمرة النخل المأبورة، وذلك للبائع.
قال مالك: وللسيد أن ينتزع صداق الأمة، وهو لها حتى ينتزعه، وإن باعها، فهو
له، وإن أعتقها، فهو لها، إلا أن يستثنيه، وإن باعها قبل البناء، فهو له،
وإن كان نكاحه تفويضًا، فهو للمبتاع إن لم يبين بها، إلا بعد البيع.
قال مالك: ولا يجوز أن يستثني نصف الثمرة المأبورة، ولا جزءًا منها، ولم
يكن من عمل الناس. قال أشهب: فإن نزل، لم أفسخه، ورأيته جائزًا، والعبد
يستثنى نصف ماله، فذلك جائز، وكذلك بعد الصفقة، ذلك له في المال كله، أو
بعضه. قال عنه سحنون في العتبية: لا بأس باستثناء نصف الثمرة، أو
[6/ 324]
(6/324)
نصف مال العبد في البيع، وقاله أصبغ في
الثمرة. وذكر ابن حبيب، عن ابن الماجشون مثل قول مالك في الثمرة ومال
العبد.
قال أشهب، عن مالك: ولا يجوز بيه أحد الشريكين في العبد حصته فيه، إلا
بماله، وإن باعه مبهمًا، ولم يسمه، لم يجز. وقاله ابن القاسم. قال مالك:
لأنه لا يكون للمبتاع إلا باشتراط. وكذلك روى عيسى، عن ابن القاسم، في
العتبية، قال: وكذلك إن كان نصفه حرًا أو لآخر، فلا يشتريه إلا من يحل في
المال محل بائعه، يقر في يد العب لا يحرك. قاله مالك، وليس للبائع أن
يستثنيه، فإن لم يذكراه عند البائع، فقال البائع: بعته بغير مال. فالبيع
فاسد. قال سحنون: وإن باعه من شريكه، على أنه ماله للبائع، فذلك جائز؛ لأنه
كالمقاسمة، بخلاف إن اشتراه غير شريكه.
أصبغ، عن ابن القاسم: ومن قال: أبيعك عبدي بكذا، وله مائة دينار أوفيكها.
لم يصلح ذلك. يريد: والثمن عين.
ومن كتاب محمد: قال ابن القاسم: ومن باع عبده، واستثنى نصف ماله، لم يجز،
إلا أن يكون ماله غير العين، وهو حاضر يراه، وإنما السنة في الجميع. قال
عنه أصبغ في العتبية: ويجوز إن كان الثمن قرضًا، والمال عينًا. قال أصبغ:
وذلك إذا وقف المشتري على معرفة الذهب، والورق، وأثمانه معروفة، أو العرض
بصفته وعينه، ومخالفًا للعرض الذي يعطى في ثمنه، وأما مجملاً لا يدري ما
هو، فلا يجوز، كان عينًا أو عرضًا، وإن اشتراه بعرض، بخلاف ما لو استثنى
جميع المال. قال: وأجاز ابن القاسم أن يستثني نصف ماله، وهو عرض، والثمن
عرض من صنفه، قال أصبغ: لا يعجبني.
[6/ 325]
(6/325)
قال محمد: قال أشهب: إذا أذن أحد الشريكين
في العبد، في أخذ حصته من ماله، ففعل، وأخذ الآخر بيده حصته، فله أخذها متى
شاء، فإن باعاه، وبقي ماله لهما، فليأخذ الآخر مثل ما أخذ الأول، ثم
يقتسمان ما بقي.
قال أصبغ: لا أحب لأحدهما أن يأخذ شيئًا من ماله وإن أذن له شريكه، وليرده
إن فعل، إلا أن يأخذ شريكه مثله.
وقال في كتاب العتق، عن مالك: وإذا أخذ أحدهما حصته من ماله بإذن شريكه، ثم
باعه بعد ذلك، فثمنه بينهما نصفين، وإن استثنى ماله، كان بينهما نصفين. قال
أصبغ: لأن ما تركه شريكه صار ملكًا للعبد، لو شاء الذي تركه انتزاعه، لم
يكن له ذلك إلا باجتماعهما.
قال: ومن ابتاع عبدًا، على أن ماله مائة دينار يوفيه إياها البائع، لم يجز.
وفي آخر كتاب الاستبراء باب، فيه ذكر الأمة تباع وعليها حلي وثياب،
فيختلفان فيه، أو يستثنى، أو يشترط، وهو يشبه معاني هذا الباب.
في مال العبد المستحق
ومن اشترى عبدًا واشترط ماله
من كتاب محمد: قال ابن القاسم: ومن ابتاع عبدًا، ثم باعه، فاستحق وبيده مال
أفاده عند المشتري الثاني، قال: فماله للمستحق، إلا ما وهب له خاصة،
فلينتزعه منه، وكذلك ما أفاد من عمل يده، أو من ربح مال دفعه إليه السيد،
فذلك له، وما كان من غير ذلك، فهو للمستحق.
ومن مات وبيده عبد بعد أن أفاد عبده مالاً، ثم اعترف مسروقًا، فالمستحق
مخير إن شاء أخذ المال الذي ترك بيد المبتاع مما أفاد عنده لو لم يرجع
مبتاعه بالثمن على بائعه، وإن شاء اتبع الغاصب بقيمته، وكان ما ترك
لمبتاعه.
[6/ 326]
(6/326)
ومن اشترى عبدًا، واستثنى ماله، وله جارية
رهنها البائع، فإن افتكها، فهي للعبد. قال محمد: عليه أن يفتكها من ماله.
ومن اشترى عبدًا، واشترط ماله، وله جارية حامل منه، فجاريته تبع له، وولدها
للبائع؛ لأنه ليس بماله، ولا أفسخ به البيع؛ لأنه لو اشترط ماله، وللعبد
جمل شارد وعبد أبق، فلا بأس بذلك. قال محمد: وأظنها لابن القاسم، من رواية
أبي زيد، وأنا أتوقف عنها.
في الثمرة أو الصبرة تباع ويستثني البائع منها
أو يشتري ذلك بعد الصفقة
وذكر الجائحة في ذلك
من الواضحة: ومن باع ثمرة حائطه، واستثنى ثمر أربع نخلات بأعيانها، جاز
ذلك، قلت أو كثرت.
وذكر الجائحة فيما يستثنى من الثمرة والصبرة مذكور في باب الجوائح.
ومن كتاب ابن المواز، والواضحة: ومن باع ثمرة يابسة، أو صبرة، فله أن
يستثني منها كيلاً قدر الثلث فأقل، ويجوز أن يشتري منها جزءًا شائعًا، كان
أكثر من الثلث أو أقل.
ومن الواضحة: وإن باعه ذلك بثمن إلى أجل، فلا بأس أن يشتري شيئًا منه بنقد،
وله أن يشتري منه مقاصة مثل ما يجوز أن يستثنيه، ولو باعه بنقد، فله أن
يشتري منه مثل ما ذكرنا بنقد، إلا من أهل العينة، ولا يشتريه منه إلى أجل،
فيصير بيع وسلف وإن لم يكونا من أهل العينة، وأما بعرض، فيجوز نقدًا، ولا
يجوز إلى أجل، فيصير الدين بالدين، إلا أن يكون الثمر الأول بنقد، فيجوز
شراؤه منه بعرض نقدًا أو إلى أجل.
[6/ 327]
(6/327)
ومن العتبية: أشهب، عن مالك في من باع
حائطًا فيه أصناف من الثمر، فله أن يشتري من صنف منها مثل ثلث جميع الثمر
الذي باع، كان ما ابتاع من ذلك الصنف أكثر من ذلك الصنف أو أقله، إذا كان
قدر ثلث الجميع.
ومن كتاب ابن المواز: وكره مالك لمن باع ثمرة حائطه جزافًا، أن يستثني من
صنف منها كيلاً مسمى. وقال أشهب: إلا أن يكون ذلك الصنف كثيرًا مأمونًا،
ويكون ما يستثني منه تبعًا لما بقي منه.
وقال ابن القاسم: إذا كان قدر ثلث ذلك الصنف، فجائز. وكذلك في العتبية،
وذكر ما ذكر هاهنا عن أشهب، فذكر أن مالكًا قاله من رواية ابن القاسم، وقال
أصبغ بالذي ذكرناه من قول ابن القاسم.
قال ابن المواز: واتفق ابن القاسم، وأشهب في جواز الاستثناء من الصفقة
والثمرة كيلاً قدر الثلث فأقل، فأما الاستثناء من لحم شاة باعها، يستثني
وزنًا منه، فأشهب يجيز قدر الثلث، وابن القاسم لا يجيز إلا اليسير، مثل
خمسة أرطال أو ستة. قال مالك: ومن باع ثمرة بنقد، فلا يشتري منها شيئًا وإن
قل بدين، ولا يشتري بنقد إن كان باع بتأخير. قال مالك في العتبية: ولا دون
الثلث. وقال سحنون: ولا شيء منه.
قال ابن القاسم: قال مالك: وإن تفرقا، فلا يجوز أن يشتري منه أقل من الثلث
بنقد ولا بغير نقد، وإنما يجوز أن يشتري منه أقل من الثلث إذا لم يتفرقا
بغير نقد. يريد: مقاصة. ومن كتاب محمد: وإن باعه بتأخير، فحل وقبض، فله أن
يشتري منه بنقد، ويتأخر، وبمثل نقده بعينه. قال محمد: إذا انتقد وتفرقا،
[6/ 328]
(6/328)
فله الشراء منه بنقد ويتأخر ما لم يكونا من
أهل العينة. قال أصبغ وابن القاسم: وإن لم ينتقده، فلا يشتري منه إلا من
الثمن مقاصة وكأنه استثناه يوم الصفقة.
ومن كتاب محمد: ومن باع ثمرة حائطه جزافًا، فله أن يبتاع منها رطبًا قدر ما
كان يستثني فقط. وكذلك لا يبتاع منه من حائط غيره إلا قدر ما كان يستثني من
حائطه. محمد: إن كان تمر الحائطين صنفًا واحدًا. قال مالك: ومن حائطه وحائط
غيره سواء، ومن حائطه أحب إلي. قال أصبغ: سواء استثنى رطبًا أو بسرًا أو
تمرًا قدر ثلث خرصه. محمد: وذلك إذا استثنى بعد بيعه فيما لم ينقد ثمنه،
فيحسب ذلك عليه في الثمن. فأما ما انتقد ثمنه كله وتفرقا، فلا بأس بما
ابتاع منه بعد ذلك كيلاً أو جزافًا، الثلث أو أكثر كالأجنبي إن لم يكونا من
أهل العينة.
قال مالك: ومن باع ثمرة حائطه إلى أجل، لم يجز أن يستثني منه شيئًا، ينقد
أقل من الثلث أو أكثر، وإنما يجوز أن يستثني منه الثلث فأقل على المقاصة من
الثمن.
قال ابن القاسم: فيمن باع جديدًا جزافًا بنقد وتفرقا، ثم اشترى منه وزنًا،
فذلك جائز بنقد وإلى أجل ما اشترى منه، إلا من أهل العينة. وإن لم ينقد،
فلا يجوز أن يشتري منه إلا قدر ما يجوز أن يستثنيه قدر الثلث، ويقاصه من
الثمن، وهذا في الطعام وغيره.
قال ابن القاسم في بائع المقتاة يستثني فقوسًا قدر الثلث قفافًا معروفة،
قال أصبغ: بكيل أو عدد، وأجازه ابن القاسم عددًا، وبصفة معلومة. قال: وأحب
إلي قفافًا يملأها؛ لأنه قد لا يجد بتلك الصفة قدر الثلث. قال أصبغ: إذا
كان فيه ذلك ويؤمن، فهو أجله. وأجاز استثناء ثمر نخلات يختارها.
[6/ 329]
(6/329)
قال مالك: وإن استثنى أربع أحمرة، يرسلها
في الحائط تأكل ما سقط، فذلك جائز، ويلزم المبتاع، ولا يرد البيع. قال
مالك: ولا يبيع ثمره على أنه ضامن له في خرصه كذا وكذا صاعًا.
ومن باع حديدًا جزافًا، واستثنى منه وزنًا، فإن لم ينتقد فليشتر منه ما كان
يجوز له أن يستثنيه في البيع، قدر الثلث فدونه، وإن انتقد، فجائز على كل
حال، إلا من أهل العينة.
قال ابن حبيب: ومن باع مقتاة أو مبطخة، فله أن يستثني منها قدرًا معلومًا،
عددًا أو وزنًا، أو عددًا بقفاف أو سلال، قدر الثلث فأدنى، فأما جزافًا،
فذلك جائز. يريد: قل ذلك أو كثر، ما لم يشترط نقد جميع الثمن، فيصير: بيعًا
وسلفًا، ولكن يبيعه بقدر الجزء المبيع، ولا يجوز أن يبيع زيتونًا، ويستثني
منه أقساط زيت، أو عنبًا، ويستثني كيلاً من خله، أو من ربه، ولكن يستثني من
ذلك كله حبًا، على ما تقدم ذكره.
وبعد هذا باب في ضمان الصبرة يشترى بعضها، أو يستثنى بعضها، فيه من هذا
المعنى شيء.
فيمن باع دارًا واستثنى سكناها أو دابة واستثنى ركوبها
أو ابتاع دارًا أو بئرًا وهي مكتراة
والمعمر والمسكن دارًا هل يكريها؟ وهل يبيع ربها مرجعها؟
من العتبية: روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، في من باع دارًا بدين، على
أن يسكنها سنة، قال: لا بأس بالأشهر، وقد خفف مالك السنة،
[6/ 330]
(6/330)
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن مات
وقد أكرى داره، والدين محيط به، فإن بقي من الكراء قريبًا، قال ابن القاسم:
يريد: قدر الأشهر والسنة، جاز أن يباع ويشترط للمكتري سكناه، ومن اكترى
داره سنة أو سنتين، فله أن يكريها من آخر، والمكتري في السنة الأولى لم
تنقض، فذلك جائز بنقد وإلى أجل، ولا يجوز في الرقيق والحيوان، نقد أو لم
ينقد. قال محمد: إن كان من مكتريه بعينه، فجائز بنقد وإلى أجل، ولا يجوز من
غيره.
ومن أسكن دارًا عشر سنين، لم يجز أن يبيعها من غيره، إلا فيما قرب، ولو كان
أرضًا تزرع، جاز ذلك فيها.
وقال: قول أشهب فيما أكراه عشر سنين، من دار، أو أرض، إنه جائز، وهو في
المدونة.
قال أشهب: قيل لمالك: لم لا جاز لمن أسكن داره اثنتي عشرة سنة أن يبيع
مرجعها، كما يجوز أن يكريها هذه المدة؟ قال: أليس يكري عبده سنة، ولا يشتري
العبد بعد سنة؟ قال: ولا يجوز بيع مرجع الدار وإن لم ينقد.
مالك: ومن أسكن داره حياته، فلا يكريها إلا كالسنة ونحوها، إن شرط النقد،
فإن لم يشترط النقد فجائز؛ لأنه متى ما مات، انفسخ الكراء، ورجعت الدار إلى
مرجعها.
ومن باع بعيرًا، واشترط أن ينقل عليه ترابًا ثلاثة أيام، أو يكتريه من
المبتاع فيها بشيء معلوم، فلا خير فيه، فإن مات بيد المبتاع بعدما قبضه،
فهو منه، وعليه قيمته يوم قبضه، وإن مات بيد البائع قبل قبض المبتاع، أو
بعد، وقد رجع إلى البائع بشرطه، فهو من البائع، من مات بيده منهما فهو منه،
وكذلك لو اشترط البائع سفرًا بعيدًا عليه.
[6/ 331]
(6/331)
قال مال في حديث جابر، إذ ابتاع منه النبي
صلى الله عليه وسلم بعيره، واشترط ظهره إلى المدينة، قال: كانا بقربها،
بنخلة أو نحوها.
قال ابن حبيب: قال مطرف: ويجوز من ذلك ما كان مسيرة اليوم واليومين، ما لم
يبعد السفر، ويتغير الحال. رواه أشهب، عن مالك في كتاب ابن المواز. ومن
كتاب ابن المواز: وكره ابن القاسم أن يكري دابته بنقد، على أن يركب إلى
عشرة أيام.
ومن كتاب محمد والعتبية: أصبغ، عن ابن القاسم: ومن باع دابة، وشرط ركوبها
بعد ثلاثة أيام، قال في كتاب محمد: أو أكثر من الفسطاط إلى الإسكندرية
ونحوها من البعد، قال في كتاب محمد: لم يجز، فإن قبضها المبتاع فنفقت بيده
قبل الثلاث، فهي منه، وعليه قيمتها يوم قبضها، ولو أخذها البائع بعد الثلاث
بشرطه، فركبها، فماتت تحته، فهي منه، قال في كتاب محمد: لأن البيع كان
فاسدًا. قال أصبغ في العتبية: البيع فاسد، لطول الركوب، فإذا ردها إلى
البائع، فهي كما لم تقبض، فهي منه. ومن الكتابين: ولو كان صحيحًا، لقرب
الركوب، كان الضمان من المبتاع، ماتت بيده، أو في الركوب بيد البائع. قال
في كتاب محمد: ولا يرجع عليه البائع بما استثنى من ركوبه؛ لأن هذا خفيف،
كمن قال: أبيعكما، على أن تأخذها إلى غد أو بعد غد، فهذا جائز، وضمانها من
المبتاع من يوم العقد، وقد تقدم في باب الصبرة يبيع نصفها، شيء من هذا.
ومن العتبية، وروى أبو زيد، عن ابن القاسم: إن شرط ركوبها يومًا بعد ثلاثة
أيام اليوم الرابع، فنفقت بيد المبتاع في اليوم الثالث، فهي من البائع،
وكذلك لو نفقت في ركوب البائع، فهي في ضمانه ما بقي له فيها شرط. وقاله أبو
زيد.
[6/ 332]
(6/332)
وقال ابن حبيب: وإذا استثنى البائع ركوبها
بديا ما يجوز من الاستثناء فنفقت بيده فهي منه، وكأنه إنما باعها بعد
انقضاء ركوبه، وإن استثنى ركوبها بعد ثلاثة أيام أو أربع. يريد: ما يجوز له
من الاستثناء عنده، فأسلمها إلى المبتاع، فسواء نفقت بيده أو بيد البائع،
فهي في هذا من المبتاع؛ لأنه بيع جائز، ويرجع البائع على المبتاع، إذا لم
يقم استثناؤه بعدد ما استثنى من الثمن؛ لأنه ثمن.
قال مالك: ومن ابتاع سلعة يقبضها إلى يومين، قال مالك: فلا بأس بذلك ممن
شرطه، وكذلك إن كانت دابة في السفر. قال عنه أشهب: لا يصلح في بعيد السفر،
وهو في غير الحيوان أجوز.
ومن العتبية: روى أبو زيد، عن ابن القاسم في من باع بعيرًا، وشرط على
المبتاع قربتين من ماء بئر كذا، فلم يوجد فيها ماء، فإن كان يوجد ماء من
غير تلك البئر يشبه ماءها، أتاه بمثله. وإن كان لا يوجد فللبائع على
المبتاع قيمة البعير. قال أبو محمد: انظر ما معنى هذه المسألة، هل القربتان
مضمونتان أو إنما شرط حملهما على البعير. وإذا لم تكن مضمونة، والبئر غير
مأمون وجود الماء فيها، فما وجه فساد البيع فيه ووجوب القيمة؟ والذي يشبه
أنها إن كانتا مضمونتين فطلبه مثلها يحملها له على البعير أو على غيره. وإن
كانتا على البعير فلم يجد ماء، كان على المبتاع قيمة حملها بحساب ذلك من
قيمة البعير، والبعير صحيح، والله أعلم.
[6/ 333]
(6/333)
ومن العتبية: روى سحنون، عن علي بن زياد،
في من باع دارًا، واستثنى سكناها سنة، ثم انهدمت قبل السنة، أو دابة،
واستثنى ركوبها يومًا أو يومين، فماتت قبل اليوم، هل يرجع بحصة ذلك؟ قال:
لا يرجع بشيء، وهي مصيبة منهما. وروى أصبغ، عن ابن القاسم مثله. وقاله في
شرط ركوبها إلى المكان القريب تهلك فيه؛ لأنه لم يوضع له لذلك من الثمن،
وهو شيء اشترطه لنفسه، كمن باع دابة لا يدفعها إلى غد، فهو جائز، وضمانها
من المبتاع. وقاله أصبغ، إلا في الرجوع بحصة الركوب، فإنه رأى ذلك له إن
كان شيء له قدر، ولم يكن كالساعة والأميال، وفي الدار اليومين والثلاثة،
فهذا لغو، لا رجوع به، فأما اليوم واليومان في الدابة، فله، والضمان من
المبتع، كبائع نصف سلعة من رجل، على أن يبيع له النصف الآخر إلى شهر، فيبيع
في نصفه. ومثله من أوله ذكر ابن الماز، واختار قول ابن القاسم، وقال: ما
وجدت لقول أصبغ معنى، وهذا مذكور بعد هذا في باب ضمان الصبرة يستثنى منها
بعضها.
قال عنه أصبغ في العتبية: ومن باع دابة، وشرط ركوب أخرى إلى موضع بعيد،
فهذا جائز، ولو كان إلى إفريقية. يريد: إلى بلد منها يذكره، فإن نفقت في
الطريق، رجع بحصة ذلك، يقوم جميع الركوب، ويضم إلى الثمن، فيقسم عليه قيمة
الدابة. ويرجع بحصة باقي الركوب من قيمة الدابة ثمنًا، لا في رقبتها، وكذلك
السكنى. وذكر ابن المواز في كتابه مثل ذلك. وقال: لا يرجع في غير الدابة
وإن لم تفت.
[6/ 334]
(6/334)
في بيع الشاة
واستثناء جلدها أو سواقطها أو شيء من لحمها
وفيمن ابتاع جلد شاة أو شيئًا من لحمها
من كتاب محمد، والعتبية، من رواية عيسى، عن ابن القاسم: ومن باع شاة،
واستثنى جلدها. قال في العتبية: حيث يجوز له ذلك، فتموت قبل الذبح، قال:
فلا شيء عليه، ولا يكون ضامنًا للجلد، وإنما اشترى لحمًا. وفي رواية أصبغ
عنه في العتبية أنه ضامن للجلد.
قال عنه عيسى، وأصبغ، في من باع شاة، واستثنى جلدها، فسقط عليها جدار،
فماتت قبل الذبح، فهي من المبتاع، وكذلك كل بيع فاسد، إن كان بيد البائع
فهو منه، وإن قبضه المبتاع، فهو منه، وقاله سحنون.
قال في سماع ابن القاسم، عن مالك في بيع الجلود قبل الذبح. ما هو بحرام
بين، وما يعجبني، وعسى أن يكون خفيفًا. قال: ومن ابتاع شاة بخمسة دراهم
فذبحها، ثم أشرك فيها رجلاً قبل السلخ بدرهم، فلا بأس به، وكذلك في كتاب
محمد.
وروى أصبغ، عن ابن القاسم، أنه أجاز بيعها، كذلك إن بيعت بحالها، وإن كان
إنما تباع أرطالاً، ثم تسلخ وتوزن، فلا خير فيه.
ومن الواضحة: ومن الغرر شراء اللحم المغيب، أن يشتري لحم شاة، كل رطل بكذا،
قاله مالك.
وأما بيع شاة واستثناء جلدها، فخففه مالك في السفر، وكرهه في الحضر، إذ له
هناك قيمة، ولا يبلغ مبلغ شراء اللحم المغيب، ولكن يكرهه، ولا يفسخ إن نزل،
وهو من المبتاع إن ماتت، وقد روي إجازته في الحضر والسفر عن علي بن
[6/ 335]
(6/335)
أبي طالب، وزيد بن ثابت، وشريح، والأوزاعي،
والليث، وابن وهب، وغيرهم، وأما في السفر، فإجازته قوية، وروي أن النبي
عليه السلام فعله في سفر الهجرة.
وأما استثناء الرأس والأكارع فلا يكون في سفر ولا حضر، كمن باع شاة مقطوعة
الأطراف قبل السلخ، ومصيبة المستثني سواقطها من المشتري، ولا شيء عليه
للبائع فيما استثنى.
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: يجوز بيع شاة مذبوحة لم تسلخ ما لم
تكن على الوزن، كلها أو بعضها، فلا يجوز، ولا يجوز بيع شاة مذبوحة بشاة
مذبوحة، وإن لم يكن على الوزن، إلا أن يقدر على تحديهما. قال أصبغ: لا يقدر
على ذلك، ولا يجوز. وقال مثله سحنون، ولم يعجب ابن المواز قول أصبغ. قال
محمد: واتفق قول ابن القاسم، وأشهب، في جواز الاستثناء من الطعام: من
الصبرة، والثمرة كيلاً، قدر الثلث فأقل. فأما الاستثناء وزنًا من لحم شاة
باعها، فأشهب يجيز قدر الثلث. وقال ابن القاسم: لم يبلغ به مالك الثلث،
ولكن مثل خمسة أرطال أو ستة، ولا يستثني الفخذ والجنب من مذبوحة ولا حبة،
كانت بقرة أو شاة.
قال ابن القاسم: ولا يبيع من لحم شاته الحية رطلاً، ولا رطلين، وكذلك لا
يبيع من الثمرة الزهية كيلاً، على أن يأخذه ثمرًا ويجوز أن يستثني منه
كيلاً ثمرًا. وقال أشهب: لا يفعل في الشاة، فإن نزل، وكان يشرع في الذبح،
لم أفسخه، وإن كان يذبح بعد يوم أو يومين، فسخ، وكذلك في ثمرة الحائط، فإن
استثنى ما يجوز في الشاة، فليس للمبتاع استحياؤها، ويعطى مثله، بخلاف
الجلد. محمد: ويدخله اللحم بالحي.
قال ابن القاسم: ومن باع بعيرًا، واستثنى سواقطه، فلا يصلح في الحضر، فإن
نزل لم أفسخه؛ لأن مالكًا قال: ليس بحرام بين.
[6/ 336]
(6/336)
ومن باع بعيرًا، أو شاة من رجل، واستثنى
جلدها، فيموت قبل الذبح، فلا شيء عليه، وإنما اشترى لحمًا، وذكر عيسى، عن
ابن القاسم مثله. قال عنه أصبغ: هو ضامن للجلد.
ومن كتاب ابن حبيب: وروى مطرف، عن مالك، في من باع جزورًا واستثنى رأسها،
أو ارطالاً يسيرة من لحمها: أنه جائز، فإن أخرها المبتاع حتى ماتت أو صحت،
وقد كانت مريضة، قال: إذا بيعت لمرض، أو معلولة، فخيف عليها الموت، فبيعت
لذلك بيسير الثمن، ولولا ذلك بيعت بدنانير كثيرة، وإن أخرها عامدًا رجاء
صحتها، فهو ضامن لما استثنى عليه منها، وإن صحت، وذهب ما كان بها من مرض،
فعلى المبتاع شراء ما استثنى عليه، وإن كانت حين البيع صحيحة، فتربص بها
المبتاع الأسواق، فزاد ثمنها وسمنت، فكره نحرها، فالبائع شريك له بقدر ما
استثنى منها، وإذا ابتاع رجلان شاة، أحدهما رأسها، والآخر بقيتها، فلا بأس
به. فإن استحياها يشتري بقيتها ويعطى صاحب الرأس مثله أو بقيته، فليس ذلك
له، وهما شريكان بقدر الأثمان، وكذلك روى ابن وهب، عن شريح.
قال ابن الماجشون في ثلاثة اشتروا شاة بينهم، فطلب أحدهم الذبح، والآخر
المقاواة، والآخر البيع، فإن كانوا من أهل البيوت ممن يرى أنهم طلبوا
أكلها، فالحكم فيها الذبح، وإن كانوا جزارين، أو تجارًا، فالحكم فيها
البيع، ولا تكون المقاواة إلا عن تراض.
ومن كتاب محمد: قال مالك في القوم ينزلون ببعض المناهل، فيريدون شراء اللحم
منهم، فيمتنعون من الذبح حتى يقاطعهم على السعر خيفة، أن لا يشتروا منهم
بعد الذبح. قال: لا ينبغي ذلك.
[6/ 337]
(6/337)
وبعد هذا باب الصبرة يستثنى منها، فيه
مسائل في بيع الشاة، والاستثناء منها.
فيمن باع ثيابًا واستثنى منها بعضها
قال ابن حبيب في قول مالك فيمن باع بزًا مصنفًا، فاستثنى منه ثيابًا
برقومها، فإن شرط أن يختارها من رقم بعينه، فذلك جائز، وإن لم يشترط رقمًا
بعينه، كان شريكًا في البز كله بقدر ما استثنى. قال ابن حبيب: إذا سمى
عددًا من رقم بعينه، فليختارها من ذلك الرقم، وإن لم يشترط اختيارها، وقد
سمى من ذلك الرقم، فهو شريك بعددها في ذلك الرقم، وإن لم يسم رقمًا يختارها
منه، واشترط اختيارها من جملة الثياب، وهي أصناف، فلا يجوز إن لم يشترط
خيارًا، فهو شريك في جملته بالعدد الذي استثنى، وذلك جائز، وإذا استثنى عدد
أثواب من رقم بعينه، واشترط أن يختارها، فذلك جائز، وإن كانت جل ذلك الرقم،
وإنما يكره ذلك في استثناء الكيل من الجزاف، ففيه لا يجوز أن يجاوز مقدار
ثلثه، فأما في هذا، وفي من باع أنواعًا من الثمر، واشترط كيلاً من نوع من
تلك الأنواع، فقال مالك: فلا يكثر منه، مخافة أن يذهب الكيل ذلك النوع، ولا
بأس أن يستثني أكثر من ثلث ذلك النوع. قال عبد الملك: وسواء كان ذلك النوع
من خيار تلك الأنواع، أو من شرارها. وقاله أصبغ، وغيره.
فيمن باع سلعة من رجل على أن لا نقصان عليه
أو شرط له ذلك بعد البيع أو حطه لمرض فزال
أو لشرد البعير فوجده
من كتاب ابن المواز: ولا خير في أن يبيع من رجل سلعة، على أن لا نقصان عليه
إن خسر، وأما بعد عقد البيع، فلا بأس به، ويلزم البائع، وإذا
[6/ 338]
(6/338)
كان هذا الشرط في العقد، فقال مالك:
فالمبتاع فيها كالأجير لا يضمن هلاكها، ولا شيء له من زيارتها، وذلك للبائع
ومنه وللمبتاع إجارة مثله فيما عني، باع أو لم يبع، تلفت أو بقيت.
وقال ابن حبيب: قال مالك مرة: إنها إجارة، وقال مرة: هو بيع فاسد، وقال:
إنه بيع فاسد. ابن الماجشون، وابن القاسم: وأصبغ، وبه أقول، وهو القياس، إذ
لو وطئها، لم يحد. وقال بقوله الأول، إنها إجارة عبد العزيز بن أبي سلمة.
ولو كانت إجارة لحد في الوطء، وهي في ضمانه من يوم القبض، والقيمة عليه
بفوتها بما يفوت به البيع الفاسد، وعتقه فيها، وهبته نافذة، وعليه القيمة،
ولو قال له ذلك بعد البيع، فلم يختلفوا أنه جائز، قال: وله أن يطأ إن شاء؛
لأن ذلك عدة من البائع، ولو ماتت لزمه جميع الثمن، وكذلك لو أولدها، أو
أعتقها، أو وهبها، وإن باعها بوضيعة، وجب له أن يضع عنه ما وضع. وهذا قول
مطرف، وابن الماجشون، وابن القاسم، وابن عبد الحكم. وشذ أصبغ عنهم، فقال:
فوتها من البائع، وأباح للبائع وطأها، وهذا محال.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: فإن كان ذلك بعد العقد، فهو لازم للبائع،
فإن فاتت، فليس هذا من ناحية الوضيعة. قال: ولا له أن يحملها على وجه
السوق، ولا أن يبيع حتى يرى وجه بيع مثلها، وإن توانى فيها حتى انحط سوقها
كثيرًا، فإن كان ذلك منه على غير حسن النظر، فلا وضيعة له، إلا أن يكون له
عذر في ترك البيع. قال: وإذا رضي المشتري بما وعده من ذلك، لم يحل له
وطؤها، فإن تعدى فوطئ، سقط شرطه، وله جميع الثمن. وقال ابن حبيب: له أن
يطأ.
ومن كتاب محمد قال: وإن باع بغير تعد، ولا توان، فوضع، فقال له البائع: بعت
بأكثر، فإن ذكر أنه باع بما يشبه من الثمن، حلف وصدق، ولو جعل له البائع
أيضًا أنك مصدق فيما تبيع به، فهو كذلك.
[6/ 339]
(6/339)
وقال ابن حبيب، عن ابن الماجشون، وغيره:
إذا ابتاعها بمائة، ثم زالت لها عنده جارحة، ثم باعها بستين، نظر، فإن كان
قيمتها صحيحة يوم باعها تسعين، فقد علمت أن وضيعة الغلاء عشرة لما ذهب
منها، ولما بقي، وقد بقي ثلثا التسعين، فلذلك ثلثا العشرة، فيحط سبعة إلا
ثلث، ولو كانت قيمتها سليمة يوم باعها المبتاع مائة، لم يحط شيء، لأنا قد
علمنا أن الوضيعة لزوال الجارحة.
ومن كتاب محمد: قال أصبغ، عن أشهب، في من باع كرمًا، ثم قال له إذا خاف
الوضيعة: بع، وأنا أرضيك، فإن لم يضع، فلا شيء له، وإن باع بوضيعة، فإن زعم
البائع أنه نوى يوم قال له ذلك شيئًا يرضيه به، فذلك له، وإن قال: لم أنو
شيئًا، أرضاه بما شاء، وحلف أنه لم يرد أكثر منه.
قال أصبغ: وقال ابن وهب: يرضيه بما يشبه من تلك السلعة ووضيعتها، وهذا أحب
إلينا.
ولو باع سلعة بعشرين إلى أجله، ثم استوضعه، فقال: بع ولا نقصان عليك،
فباعها بعشرة نقدًا، فقال البائع: لم أرد بيع النقد، فإنه يحلف، ويقبل
قوله، فإن نكل أو رضي، لم يجز أن يعجل له العشرة حتى يحل الأجل، ثم لا يكون
له غيرها.
وإن باعه بعشرة إلى أجل، فليس للبائع غيرها. قال مالك: ومن باع سلعة بنقد،
فطلب منه الثمن، فقال: أخشى الوضيعة، فقال له: انقدني، وأنا أشهد لك أن
وضعت، فأنا أرد عليك ما وضعت، فلا يعجبني هذا. قال ابن القاسم: يريد: كأنه
ينتفع ببعض ما يأخذ، ثم يرده إليه، ولعله لو لم يفعل لردها عليه بعيب، فصار
ذريعة إلى بيع وسلف.
ومن العتبية: قال سحنون، في من ابتاع بعيرًا فسرق منه، فشكا ذلك إلى
البائع، فحطه خمسة دنانير، أو عبدًا، فمرض، فقال له: أخاف أن يموت.
[6/ 340]
(6/340)
فحطه، أو قال: أخاف الوضيعة، واستغلى،
فحطه، ثم باعه بربح، وأفاق المريض، وأصاب البعير، وجعل فيه جعلاً أو لم
يجعل، أيرجع في الخمسة؟ قال: نعم، ولا شيء عليه من انحطاط، بزوال الأمر
الذي من أجله حطه.
في التفرقة بين الأم وولدها في البيع
وفي المسلم يباع من نصراني أو يملكه
من كتاب ابن حبيب: ومن السنة ألا يفرق بين الوالدة وولدها في البيع، وحد
ذلك: الإثغار، إلا أن يثغر وينفع نفسه، ويستغني عن أمه، ويعرف ما يؤمر به،
وينهى عنه، وذلك أن يبلغ تسع سنين. ومن كتاب ابن المواز، عن مالك: وحد ذلك
الإثغار، ما لم يعجل، وحين يختن، ويؤمر بالصلاة ويؤدب عليها، ويجعل في
المكتب، ويزول عنه أسنان اللبن، وروى عنه ابن غانم، في موضع آخر، أن حده
البلوغ. وقال محمد بن عبد الحكم: وإن بلغ، لم يفرق بينهما.
قال ابن القاسم: وإن وقع البيع بالتفرقة قبل حده، فسخ البيع، إلا أن يبيع
أحدهما من الآخر. قال محمد: أما الفسخ فلا، ولكن إما تقاوما، أو باعا،
وإنما هو من صفوف الولد ليس بحرام، وكذلك شراء النصراني مصحفًا، أو مسلمًا،
فليبع عليه، ولا يفسخ شراؤه، وقاله ابن القاسم، وأصبغ.
قال أصبغ: ووجدت لأصحابنا: إما أن يبيعا، أو يبيع أحدهما من الآخر، أو يفسخ
البيع.
وذكر ابن حبيب أن قول مالك وأصحابه: أن يفسخ في التفرقة، ويعاقبان، وأما
بيع المسلم من نصراني، فإن المتبايعين يعاقبان عندهم. واختلف في فسخ بيعه،
فقال ابن القاسم ومطرف: لا يفسخ، ويباع عليه من مسلم. وقال ابن الماجشون،
والمغيرة: يفسخ فيه، وفي التفرقة، والعقوبة في شراء النصراني للأمة المسلمة
أشد منه من شرائه للعبد المسلم. قال مالك: وكذلك لا يفرق بين الكافرة
وولدها، وكذلك في السبي، ويقبل قولها: إنه ابنها، ولا يتوارثان.
[6/ 341]
(6/341)
قال: وإذا نزل قوم بعهد، ففرقوا بين
الأبناء والأمهات، لم يمنعوا، ولكن يشتري منهم ذلك المسلمون. ومن كتاب ابن
المواز، قال مالك: ولا يفرق بين الأم وولدها في البيع، وإن شرط البائع
أنهما لا يفترقان، لم يجز، أرأيت إن مات، أو فكر، أليس يباع؟
ومن كتاب محمد، وابن حبيب: وإن أعتق الولد، جاز أن يبيع الأم ممن يشترط
عليه أن يكون معها، وأن تكون مؤنته عليك أيها المشتري.
قال ابن حبيب عن مالك: إن لم يكن للولد مال يكفيه حتى يبلغ حد التفرقة.
وقال في كتاب محمد: وأن يكون عليه مؤنته ورضاعه، وعلى أنه إن مات قبل ذلك،
كان له أن يأتي بمثله يمونه. إلى مثل ذلك، وليس لأمه أن ترضى بتركه، وإن
كان حرًا، وإن كانت له جدة تكفله إذا كانت الأم مملوكة. قالا: ولو أعتق
الأم، لباع الولد ممن يشترط عليه أن لا يفرق بينهما، ولا نشترط في هذه
نفقة، ونفقتها على نفسها.
ومن تصدق بالولد على رجل، فدبره رد إلى حضانة الأم مدبرًا، وعليه أجر
رضاعها وقيامها عليه، ويبيع الأم سيدها إن شاء، ممن يشترط عليه ألا يفترقا
على هذا إلى حد التفرقة، فيأخذه الذي دبره.
وإن تصدق بالصغير، على رجل، جبرًا أن يجمعاهما في حوز، فإن جازه المعطي دون
الأم حتى مات المعطى وهو كذلك، فهي حيازة تامة، وقد أساء، ويؤمر بالخروج
بالجمع، فإن أراد المعطى البيع، جبر الآخر أن يبيع معه، ويقتسما الثمن على
القيم، ولمالك قول آخر أن يجبرا أن يجمعاهما في ملك، وهذا أحب
[6/ 342]
(6/342)
إلينا وإلى من لقينا، ولو جاز هذا، جاز في
الوارثين، فقد قال مالك: لا يقتسما وإن شرطا أن لا يفرقا في الحيازة.
قال ابن القاسم: وإذا باع أحدهما وتصدق بالآخر، لم يفسخ بيع ولا صدقة،
وليباعا جميعًا عليهما. قال أصبغ: هذا فيه رجوع عن فسخ البيع. وقال في
الأسدية: يفسخ البيع. ثم نقضه في مسألة أخرى، في من اشترى جارية بالخيار،
ثم باع ولدها في أيام الخيار بغير خيار، فإن كان الخيار للمشتري، فاختار
الشراء، جبر أن يجمعا. وهذه مناقضة، وإن كان الخيار للبائع، منع من إمضاء
البيع. قال محمد: ليس بمناقضة؛ لأن هذين كانا لرجلين.
قال ابن القاسم: وإن باع الولد، فلم يعلم حتى كبر، لم يرد البيع.
وإن اشترى المأذون جارية، واشترى سيده ولدها، جبرا أن يجمعاهما في ملك
أحدهما.
ومن اشترى رمكة ومعها مهر، فوجد به عيبًا، فإن كان مستغنيًا عن أمه، فله
رده وحده، إلا أن يكون أكثر ثمنًا، وفيه الرغبة، فلا يردا إلا جميعًا.
وقال في نصراني له عبد وأمة، وهما زوجان، ولهما ولد صغير، فأسلم الأب وحده،
قال: فيباع الأبوان والولد من مسلم، أو يباع الولد والأم من مسلم، والأب من
مسلم آخر، وحرمت الأمة على زوجها.
ومن اشترى من تجار العدو غلامًا وجارية، فزعما أنهما زوجان، فإن علم ذلك
بائعوها وغيرهم، فنكاحهما ثابت. هكذا وقع في كتاب ابن المواز: بائعوهما
وغيرهم بغير ألف، وفي المدونة: بائعوهما أو غيرهم بألف.
[6/ 343]
(6/343)
وقال ابن القاسم في المرأة تؤسر مع العلج،
فزعما أنهما زوجان، فباعهما الإمام على ذلك، فليس لمن اشتراهما أن يفرق
بينهما.
قال ابن القاسم: قد زوج عبده لأمته، فله بيع كل واحد منهما على حدة، ولا
يكون ذلك طلاقًا.
ومن الواضحة، قال مالك في الأم وولدها: أيهما دبر، فلا يتبع الآخر حتى يبلغ
الولد حد التفرقة. قال أصبغ: وإن دبر الأم، ثم استحدث دينًا يفترق ماله،
فلا يباع الولد حتى يبلغ حد التفرقة، أو يموت السيد، فيباعا جميعًا، وكذلك
لو دبر الولد، فلا يبيع الأم، ولو دبر النصراني ولد أمته، ثم أسلمت الأم لم
يبع الأم للتفرقة، وإذ لا يباع الولد المدبر، ويوقفان، ويعزلان عن ملكه،
وتؤاجر له الأم.
قال مالك: ولا يقسم أخوان ورثا أمة وولدها، فيأخذ كل واحد واحدًا، وإن كانا
في بيت، وشرطا بقاءهما على حد التفرقة، فلا يجوز. قال ابن حبيب: فإن وقع
القسم، فذلك فسخ، وإنما يجوز مثل هذا، ويجمعان في حوز في هبة الأم أو
الولد، أو صدقة أحدهما إذا كان شملهما واحدًا، ودارهما واحدة، وإلا أمر
بالمقاواة أو البيع من واحد. كذلك قال مطرف، وابن الماجشون.
وقالا: فإذا كان الشمل واحدًا، عند الأب والولد، والزوج والزوجة، والإخوة
يكون شملهم واحدًا، ودارهم واحدة، فيجوز ذلك، ولا يكون التفرقة، قالا: وإذا
كان الشمل واحدًا، فرضاع الولد الموهوب على أمه، أحب الواهب أو كره، قبل
غيرها أم لا، ولا أجر رضاع على الموهوب، وهو كمن تصدق بأرض لها سقي، فقد
دخل سقيها معها، وإن لم يذكره، وبقية مؤنة الصبي غير الرضاع على
[6/ 344]
(6/344)
الموهوب، قال: والإشهاد على الصدقة به،
والقيام بمؤنته حوز وقبض له، وإن كان مع أمة ترضعه عند المتصدق عليه؛ لأن
الشمل واحد. كذلك قال لي مطرف، وابن الماجشون.
وقال ابن القاسم: لا تتم الصدقة إلا بقبض الولد، وتكون الأم عند المتصدق
عليه، وكان يقول أيضًا: إذا قال المتصدق: لم تكن صدقتي بالولد، وأنا أريد
أن ترضعه أمة. فذلك له، ويحلف، وعلى المعطى أجر الرضاع، إلا أن يسترجع
غيرها. وقول مطرف، وابن الماجشون أحب إلينا.
قال ابن حبيب: ومن له أمة لها ولد صغير، فله أن يبيع أيهما شاء على إيجاب
العتق فيه؛ لأنه إذا أعتق أحدهما، فليس بتفرقة عند مالك.
ومن كتاب ابن سحنون عن أبيه: كتب إليه شجرة فيمن باع وصيفتين أختين: واحدة
يجب فيها التفرقة، وأخرى صغيرة. عجل عليها الإثغار، قال: إن كانت الكبيرة
وجه الصفقة، وكانتا معتدلتين في القيمة أمر في الصغيرة أن تضم إليها الأم
ببيع أو هبة، فإن لم يفعل، فسخ البيع في الصغيرة بحصتها من الثمن، وجاز في
الكبيرة، وإن كانت الصغيرة فيها الرغبة وكثرة الثمن، أمر المشتري بالجمع
بينهما وبين الأم بشراء أو هبة أو غيرهما، فإن لم يقدر، فسخ بيعهما جميعًا.
[6/ 345]
(6/345)
أبواب بيع المرابحة
باب في بيع المرابحة وما عليه أن يبينه
وما يضرب له الربح مما لا يضرب له
وفيمن باع ما حال سوقه أو وزنه
ورسم عليه أو ابتاعه إلى أجل ولم يبين
من كتاب ابن المواز، وابن سحنون، وغيره، عن مالك قال: يحمل على الثمن في
المرابحة: القصارة، والخياطة، والصبغ، قال في كتاب ابن حبيب: والفتل،
والكماد، والتطرية. قال غيره: والطراز. ويحسب له الربح. قالوا: وأما كراء
الحمولة، ونفقة الرقيق، فيحسب بغير ربح، إلا أن يربحه بعد العلم بذلك.
وأما كراء البيت، والشد، والسمسرة، ونفقة التاجر على نفسه، وركوبه، فلا
يحسب في رأس مال، ولا ربح.
ومن كتاب ابن المواز: وإذا قال: قامت علي بمائة بمؤنتها ونفقتها، أو قال:
منها عشرة في مؤنتها ونفقتها، فإنه يحمل على ما ذكرنا مما يحسب وما لا
يحسب، وما يكون له ربح وما لا يكون. وإذا قال بعد أن باع: إن فيها نفقة كذا
في مصالحها، فإن كان قد سماها في جملة الثمن، فلا يبالي فاتت أو لم تفت،
يرجع الأمر إلى ما ذكرنا أنه يسقط وربحه، أو يثبت ويسقط ربحه، أو يثبت هو
وربحه إن كان ما ذكر من النفقة شيء آخر سوى ما سمى من الثمن وباع عليه، فإن
كانت قائمة، خير في ردها، أو يتفقان على ما أمروا، وإن فاتت، رجع الأمر إلى
ما وصفنا مما يثبت ويسقط.
[6/ 346]
(6/346)
وقال سحنون في كتاب ابنه: إذا باع وأدخل في
الثمن ما ذكرنا إنه لا يحسب في رأس مال ولا ربح ولم يبينه، فهو كالكذب، فإن
لم يفت، فله التماسك بها بجميع الثمن، أو الرد، إلا أن يحط البائع ذلك منه
وربحه فيلزمه، وإن فاتت بحوالة الأسواق فأكثر، وأبى البائع أن يضع ذلك،
وأقام المبتاع على طلب البائع، فعلى المبتاع قيمتها إلا أن ينقص عن الثمن
بعد طرح ما ذكرنا، وطرح ربحه، فلا ينقص، أو يزيد على جميع الثمن الذي باع
به، فلا يزاد.
وأما إن لم يبين كراء الحمولة أو نفقة الرقيق، ولم تفت، فإما أخذها
بالجميع، أو يرد، إلا أن يحمله البائع ربح ذلك، فيلزمه. قال ابن المواز:
فإن فاتت، فقال مالك: يحسب له الكراء ونفقة الرقيق، ولا يحسب له ربح، وعلى
ما في كتاب ابن سحنون: إن أبى ذلك البائع، فعلى المبتاع القيمة، إلا أن
يكون أكثر من الثمن الأول، فلا يزاد، أو أقل من الثمن بعد طرح ربح ما
ذكرنا، فلا ينقص.
ومن العتبية ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: وإذا انحط سوق السلعة الدرهم
والدرهمين، فليبين. قال: وإن حال سوقها، فلا يعجبني أن يبيع مرابحة، إلا أن
يقرب ذلك. محمد: يريد من اختلاف الأسواق. قال مالك: ولا يبيع مساومة وإن
تطاول ذلك حتى يبين. ولعله يظنه من شراء اليوم. وكذلك في كتاب ابن عبدوس:
قال سحنون في كتاب ابنه: فإن لم يبين حوالة السوق، وهي قائمة، خير بين ردها
أو يتماسك، وليس للبائع في هذا أن يلزمها له، فإن فاتت، فلا قيمة فيها ولا
يزداد في ثمن. ثم رجع سحنون، فقال: إلا أن تكون الأسواق حالت بنقص حين باع،
فله القيمة، إلا أن يزيد على التسمية، فلا يزاد، أو ينقص مما رجعت إليه مع
ربح ذلك، فلا ينقص، وأما إن طالت بزيادة قبل يبيعها، فلا شيء له.
[6/ 347]
(6/347)
وقال ابن عبدوس: ليس حوالة السوق نقصانًا
من السلعة، ولا زيادة في الثمن في هذا، وهو غش، فعليه القيمة ما كانت، إلا
أن يجاوز الثمن الأول، فلا يزاد عليه.
وكذلك قال: إذا اشتراها بدين، ولم يبين، مثل إذا كتمه أنها بارت عليه سنة.
قال: وقد قال ابن نافع، عن مالك، أن له أن يردها، فهذا يدل أن رد قيمتها في
الفوت بدلاً منها.
وقال ابن المواز في الذي ظهر أنه ابتاعها بثمن إلى أجل، فإن لم تفت، نقص
البيع، وليس للمشتري حبسها، وإن فاتت، فعليه قيمتها يوم قبضها بلا ربح.
وقال ابن سحنون، عن أبيه: إذا فاتت وقد كان اشتراها بعشرة دنانير دينًا ولم
يبين، قوم الدين، فإن كانت قيمته بالنقد ثمانية، فهي كمسألة الكذب، له
قيمتها ما لم تجاوز عشرة، وربحها، فلا يزاد أو ينقص من ثمانية وما قابلها
من الربح فلا ينقص.
وقال ابن حبيب: إذا ابتاع سلعة، فحال سوقها بنقص بقرب البيع، أو ببعد منه،
فلا بيع مرابحة حتى يبين، فإن لم يبين، فللمبتاع رد البيع، فإن فاتت، رد
القيمة، وإن حال سوقها بزيادة، ولم يطل لبثها عنده، فليس عليه أن يبين، وإن
طال لبثها عنده، فليبين، حال سوقها أو لم يحل، فإن لم يفعل فاتت إلى
القيمة.
قال سحنون في كتاب ابنه: إذا ورث متاعًا، فباعه مرابحة، ولم يبين، فإن لم
تفت، فللمبتاع رده أو الرضا به، وليس للبائع أن تلزمه ذلك بشيء، إذا شاء
رده، وإن فات فعليه القيمة ما لم يجاوز الثمن كله، فلا يأخذ أكثر منه، وإن
كانت أقل، فله الأقل أبدًا.
قال: وأما من اشترى سلعًا بثمن، فرقم على كل سلعة ثمنًا، باع عليه مرابحة،
فإن لم تفت، فله الرد، إلا أن يشاء البائع أن يلزمه ذلك بما يقع عليه لتلك
السلعة من جملة الثمن وربحه بالقيمة، وذلك خير للمشتري، فيلزمه، وإن
[6/ 348]
(6/348)
فاتت، فعليه القيمة، إلا أن تزيد على ما
رقم وربحه، فلا يزاد أو ينقص مما يقع لها بالقيمة وربحها، فلا ينقص.
ومن كتاب ابن حبيب: ومن ورث متاعًا أو وهب له، فلا يجوز أن يرقم عليه
أثمانًا يبيع عليها، وكذلك فيما ابتاع ورقم عليه أكثر من الثمن، واختلف في
بيعها على تلك الرقوم مساومة، فكره، وخفف، وممن خفف في المساومة: إبراهيم
النخعي، وكرهها الحسن، وابن سيرين، وطاووس. وبه نقول، وهو كالخلابة، وأشد
من الغش، وأرى أن يعاقب عليه، فإن فاتت في هذا عند المبتاع، وشاء أن يؤدي
القيمة، فذلك له.
وقد أخذ سلعة في المقاواة بينه وبين شريكه، فله بيعها مرابحة بتلك
المقاواة، وإن لم يبين، إذا صح ذلك، يريد يحمل على الثمن نصف الزيادة فقط،
وهو ما أخذ الشريك.
باب فيمن زاد في الثمن في بيع المرابحة أو نقص منه
وفيمن ابتاع بدنانير ونقد دراهم ولم يبين
أو باع بدراهم مرابحة
من كتاب ابن عبدوس: قال ابن عبدوس: بيع المرابحة على الزيادة في الثمن،
والكذب من باب بيع الشرط المكروه، مثل من باع جارية على أن يتخذها المبتاع
أم ولد، أو يدبرها، أو يسلفه مائة دينار، وهو يشبه البيع الفاسد في بعض
أحكامه.
والبيع الفاسد على وجهين: فبيع يغلب المتبايعان على فسخه، وبيع وقع بشرط
يكره، فإن ترك الشرط مشترطه تم البيع، وإن أبى فسخ، وحكم له بحكم البيع
الفاسد. والبيع الذي يغلبان على فسخه، لفساده، على وجهين: فمنه ما فسد
[6/ 349]
(6/349)
لعقده، وثمنه صحيح، كالبيع عند نداء
الجمعة، والمدبر يباع، والولد يباع دون أمه، وشبه ذلك، فهذا يرد، فإن فات
ومضى بالثمن، إذ لا فساد في ثمنه، ومنه ما يفسد لفساد ثمنه، مثل أن يبيع
السلعة بخمر، أو خنزير، أو بثمن مجهول، أو إلى أجل مجهول، وشبه ذلك، فهذا
يرد، فإذا فات رد إلى القيمة.
وشرط السلف في البيع من بيوع الشرط الذي بتركه يصح، فإن كان السلف من
البائع، فتركه المبتاع، فلا حجة للبائع، وإن حال سوق السلعة، أو تغيرت بيد
المبتاع، زال ما كان له من الرد، ولزمه الأقل من القيمة أو الثمن، وهذا ما
لم يقبض السلف من البائع، فإن قبضه، وغاب عليه، فقد تم الربا، وعليه القيمة
ما بلغت. قاله سحنون.
وكذلك إن كان السلف من المبتاع على هذا المعنى، إلا أن عليه الأكثر من
القيمة أو الثمن في الفوت، وما لم تفت السلعة في بيع الشرط المكروه،
فلمشترطه تركه، ويتم البيع، إلا في مشترط الخيار في البيع إلى أجل بعيد،
فلا يجوز، فإن قال مشترطه: أنا أترك شرطي لم يجز، إذ ليس بترك لشرطه، إنما
هو شرط يثبت لك، ثم اخترت إمضاء البيع، فلا بد من فسخه، إلا أن يفوت، فتكون
فيه القيمة.
قال: فبيع الكذب في المرابحة كبيع الشرط، إذا اشترى بعشرة، وباع على أحد
عشر، فإن أسقط البائع الدينار وربحه تم البيع، إلا أن هذا إن أبى البائع من
ذلك، خير المشتري أن يرضي بالثمن كله أو يرد، كما كان للبائع أن يحط ذلك،
أو لا يحط، وفارق الكذب في الثمن المغيب برضا البائع بحطيطة ما ينوبه، فلا
يلزم المبتاع، ويلزم البيع إن حط عنه الكذب أن العيب قائم بعد الحطيطة، ولا
يبقى بعد حطيطة الكذب شيء يكرهه المبتاع من السلعة، ويصير كالعيب يذهب.
[6/ 350]
(6/350)
قال سحنون: ورواه علي بن زياد، عن مالك، في
مسألة الكذب في المرابحة أتم وأحسن شرحًا، وإذا لم تفت، برئ المبتاع
بالخيار، أن يرد أو يحبس، فإن رد، خير البائع بين أن يرد، أو يحط الكذب
وربحه، فيتم البيع، وإن فاتت، فعليه القيمة ما لم يجاوز الثمن بالكذب
وربحه، فلا يزاد أو ينقص عن الصدق وربحه، فلا ينقص، وكذلك في الذي يدخل
الكراء في الثمن، ويضرب له الربح، على ما ذكرنا قبل هذا، ويصير ثمن الصحة
هاهنا أن يسقط ربح الكراء فقط، وقد تقدم بيانه.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: وإذا ظهر أن البائع زاد في الثمن، قال:
يؤخذ منه الفصل، فيرفع إلى صاحبه، قيل: فالقيمة أعدل؟ قال: القيمة، وهذا
يشبه ما في كتبكم، وأرى أن يؤدب الفاجر المعتاد، ويرد البيع. قال: وإذا ظهر
أنها قامت عليه بأكثر ولم يفت، خير المبتاع في أخذها بما ظهر، والربح عليه،
أو ردها، إلا أن يرضى له البائع بالثمن الأول، وإن فاتت، فعليه القيمة، إلا
أن يزيد على ما ظهر من الثمن وربحه، أو ينقص من الثمن الأول وربحه. وكذلك
ذكر ابن حبيب، عن مالك.
ومن كتاب ابن المواز: قال: ومن اطلع على أن بائعه كذبه في الثمن، فرضي، فلا
يبيع مرابحة حتى يبين، وكذلك عيب يرضى به بعد البيع، أو يزيده في الثمن بعد
البيع، فليبين، ولا توليه، إن كان طعامًا، إلا بالزيادة. قال محمد: لا أحب
فيه التولية بحال.
قال مالك: ومن قال في شاة: اشتريتها بسنة دراهم، وأربح درهمًا، فباعها، ثم
قال: وهمت، وإنما ابتعتها بثمانية، وصار ببينة، فله رد البيع، ولو قال: ما
كنت إلا مازحًا، وما قامت علي إلا بعشرة. وجاء ببينة. قال: ينظر فيها
ساعتئذ، فإن كان مثلها لا يباع بيعة، حلف ما كان إلا لاعبًا، ولم يرد
بيعًا، وإن كان يباع بذلك مثلها، لزمه البيع، وربما كسدت السلع، فيرضى
صاحبها يبيعها بنقصان.
[6/ 351]
(6/351)
ومن ابتاع بدنانير فحسب صرف دراهم، فباع
عليها، ثم فاتت السلعة، فليضرب له الربح على الدنانير، على حساب ربح
الدراهم، إلا أن يجيء ذلك أكثر مما رضي به، ولم يجعل مالك في هذا قيمة، كما
جعل ذلك في مسألة الزيادة في الثمن، وحوالة الأسواق في مثل هذا فوت، إلا
فيما يطال أو يوزن، فلا فوت فيه.
قال مالك: وإذا نقد دراهم عن دنانير، فليبع على ما نقد. محمد: وإن لم يسم
ما وقع به البيع، إذا لم يحابه في الصرف. وقال مالك مثله إذا نقده طعامًا
يكال أو يوزن، والذي عليه أصحابه أن ذلك كالبيع.
وقال ابن القاسم: إذا باع مرابحة، ولم يبين، فإنه يقوم ما نقد من طعام أو
عرض، فإن كانت قيمة ذلك أقل مما ابتاع بع، حسب على الأقل، وإن كانت قيمته
أكثر، حسب على الثمن. وقال أيضًا ابن القاسم: إن شاء أعطاه على ما ابتاع
منه، وإن شاء أعطاه مثل الطعام الذي نقد، وضرب الربح منه على ما ابتاع.
ومن سماع عيسى، عن ابن القاسم: ومن ولى رجلاً سلعة، ثم سأله عن الثمن،
فقال: دينارين، أو قال في توليته: قد وليتك بدينارين، فأعطاه دينارين، ثم
ظهر أنه ابتاعها بدينار، فذلك سواء إن لم يفت، فهو مخير إن شاء حبسها
بدينارين أو ردها، فإن فاتت فكانت قيمتها أقل من دينارين. يريد: إلى دينار،
رد عليه ما جوز القيمة، وإن كانت قيمته دينارين فأكثر، فلا شيء له عليه،
وكذلك الكذب في بيع المرابحة إن قال: أبيعك كما بعت من فلان، ثم يجده قد
كذب.
والقائل: قد وليتك، ولم يذكر الثمن، فلا يلزم ذلك المولى حتى يسمي له
الثمن، ويرضى به، ولو كان قد ألزمه ذلك قبل التسمية، لم يجز.
[6/ 352]
(6/352)
فيمن حدث عنده عيب فباع مرابحة ولم يذكره
أو ذكره ولم يبين حدوثه عنده أو ابتاع سلعة
ثم ظهر على عيب فرضيه ولم يبين ذلك
وكيف إن دلس بعيب وزاد في الثمن
من كتاب ابن سحنون، عن أبيه، قال في الذي ابتاع أمة فزوجها، أو حدث بها
عنده عيب، أو ظهر منها على عيب قديم فرضيه، فلا يبيعها مرابحة، ولا غير
مرابحة حتى يبين ما حدث أنه بعد شرائه أو ما ظهر عليه بعد البيع، فرضيه،
فإن باع ولم يبين العيب في ذلك كله، ولم يفت أو فاتت بحوالة سوق أو عيب
خفيف ولا يفيت ذلك الرد بالعيب، وإن كان ذلك في بيع المرابحة فوت، وله إن
شاء ردها، أو أخذها بجميع الثمن، وإن فاتت بما يفيت الرد بالعيب من عتق
وشبهه، فإن حطه البائع حصة العيب وربحه، فلا حجة له وإن أبى فللبائع القيمة
ما لم ينقص من الثمن بعد إلغاء قيمة العيب وربحه، أو يزيد على ذلك، فلا
يزاد ولا ينقص.
وقال ابن عبدوس: هذا رجل دلس بعيب، فإنما يحط من الثمن قيمة العيب وربحه،
باع مرابحة أو مساومة، وكذلك لو اشتراها ذاهبة الضرس، فباع ولم يبين، وليس
هذا بموضع القيمة.
قالا جميعًا: فأما الكذب إن ذكر في المسائل الأولى العيب ولم يبين أنه
اشتراها على الصحة، فهي كمسألة الكذب، ويفيتها حوالة السوق، فإن لم تفت،
فإما رضيها بالثمن كله، أو رد إلا أن يحطه البائع حصة العيب ورده، فلا رد
له، فإن فاتت بحوالة سوق فأعلا، وأبى البائع أن يحطه ذلك، ولم يرض المبتاع
بالثمن ما لم يجاوز الثمن الأول، فلا يزاد أو ينقص عن الثمن بعد طرح قيمة
العيب وربحه، فلا ينقص.
[6/ 353]
(6/353)
قال ابن حبيب: إن فاتت فعليه قيمتها ما لم
تجاوز الثمن، فلا يزاد عليه. قال ابن سحنون وابن عبدوس: ولو افتضها، ثم باع
مرابحة ولم يبين الافتضاض، فإن لم تفت، وحطه البائع ما ينوب الافتضاض
وربحه، فلا حجة له.
قال ابن عبدوس: بخلاف العيوب؛ لأن من باع جارية، فليس عليه أن يبين أنها
غير بكر. ولا حجة للمبتاع بذلك إذا حطه ما ينوب الافتضاض وربحه، إلا أن
يكون شرط أنها بكر، فتوجد غير بكر، فيكون كتدليس العيوب، كما ذكرنا، وإن لم
يكن ذلك، فالأمر على ما ذكرنا، وإنما حجة المبتاع أن البائع كأنه زاد في
الثمن، فهي بالبيع الفاسد أشبه، وتفيتها حوالة الأسواق، بخلاف التي ترد
بعيب.
قالا: فهذه إذا فاتت بحوالة سوق، قيل للبائع: إن أعطيته ما نقص الافتضاض
وربحه، وإلا فله أن يسترجع الثمن، ويعطيك قيمتها مفتضى يوم قبضها، ما لم
ترد على الثمن الأول، فلا يزاد أو ينقص منه بعد طرح نقص الافتضاض وربحه،
فلا ينقص.
قال ابن عبدوس: ولو كان لها زوج، فكتم الزوج، وزاد في الثمن في بيع
المرابحة، فهذه يجتمع فيها فساد البيع والتدليس بالعيب، فإن لم تفت، فإن
شاء المبتاع رضيها بجميع الثمن، أو ردها، وإن فاتت بحوالة سوق، فذلك في بيع
الكذب في المرابحة يفيت ردها، وليس يفوا في الرد بالعيب.
ولو حطه البائع قيمة العيب وربحه، لم يلزمه إلا أن يشاء، فإن قال: أنا أرضى
بالعيب وأطلبه بالزيادة في الثمن، فذلك له، ويقال للبائع: حط عنه
[6/ 354]
(6/354)
الكذب وربحه، فإن أبى، فليعطه المبتاع
قيمتها معيبة بالزوج وأخذ الثمن، إلا أن تكون القيمة أكثر من الثمن الذي به
باع، فلا يزاد، أو أقل من الثمن الصحيح وربحه بغير حطيطة قيمة العيب، فلا
ينقص، ولأنه لم يفته الرد بالعيب، فلم يفعل فقد رضي به، فلذلك لم يحط للعيب
شيء. وهذه الحجة التي ذكر ابن عبدوس توجب أن يلزمه قيمتها بلا عيب، فكذلك
جرى لابن المواز في مثلها ولغيره.
قال ابن عبدوس: وإن فات بعتق أو كتابة، فقد فات الرد بالعيب والكذب، وقد
لزم البائع حطيطة قيمة العيب وربحه، ثم إن حطه مع ذلك الكذب وربحه، فلا حجة
للمشتري، فإن أبى البائع ذلك، أعطي قيمة سلعته معيبة، إلا أن تزيد على
الثمن الذي باع به بعد إلغاء قيمة العيب وربحه، فلا يزاد، أو أقل من الثمن
الصحيح وربحه بعد إلغاء قيمة العيب منه، فلا ينقص.
فيمن باع مرابحة بعد الولادة أو الغلة
وحوالة السوق ولم يبين
أو باع ثم حطه البائع من الثمن
من كتاب ابن سحنون: ومن ابتاع غنمًا عليها صوف، فجزه وباع مرابحة ولم يبين،
فإن طرح البائع عنه حصة الصوف وربحه، لزمته، وإلا فليرد أو يحبس، فإن فاتت
ولم يحطه البائع ذلك، ولم يرض المبتاع بالثمن الأول، فعليه قيمتها، ما لم
يجاوزه، فلا يزاد حتى ينقض الثمن بعد أن يطرح منه حصة الصوف وربحه، ولا
ينقص. وقد ذكر نحوه عن ابن عبدوس في الباب الذي قبل هذا، وذكرنا في الباب
الأول: من باع ولم يبين حوالة الأسواق.
[6/ 355]
(6/355)
قال سحنون: وإذا ولدت الغنم عنده، فليبين
في المرابحة؛ لأن الأسواق إلى أن تلد تحول، فإن باعها بولدها أو بغير
ولدها، ولم يبين أنها ولدت عنده ولم تفت، فللمبتاع أن يحبس بجميع الثمن أو
يرد، وليس للبائع إذا ردها عليه وقد باعها دون الولد أن يقول له: نعطيك
الولد، ويلزمك البيع؛ لأن أسواقها قد حالت.
فإن فاتت الغنم، وكان سوقها قد حال زيادة، فلا يزاد فيها، ويمضي البيع وإن
حالت بنقص، كانت كمسألة الكذب، وقد ذكرنا اختلافهما في حوالة الأسواق، في
الباب الأول. قال: ولو كانت أمة فولدت فحبس الولد، فباعها مرابحة ولم يبين،
فإن لم تفت، أو فاتت بحوالة سوق أو نقص خفيف، ولم يرض بها بالثمن كله، فله
ردها، وليس للبائع أن يقول: أنا أحط عنك حصة العيب؛ لأن الولد عيب، ولا له
أن يقول له: أنا أرد عليك الولد، ويلزمك البيع. قال سحنون: لأن المشتري
يحتج بحوالة الأسواق، وقوله: لأن الولد عيب، أولاً لأنه لم يجعل حوالة
الأسواق فيها فوت.
قال: وإن رضي المبتاع بعيوبها، جبرا على أن يجمعا بين الولد وأمه في ملك.
قال: وإن فاتت بعتق وشبهه، فإن حطه البائع حصة العيب وربحه، وإلا فعلى
المبتاع قيمتها معيبة، ما لم يجاوز الثمن بعد إلقاء قيمة العيب وربحه، فلا
يزاد، أو ينقص عن ذلك فلا ينقص. هذا الذي ذكره ابن سحنون مرجعه إلى أن حط
عنه حصة العيب وربحه، ولا مدخل للقيمة في هذا نحو ما ذكر ابن عبدوس قبل
هذا. قال ابن سحنون: وإن باعها مع ولدها مرابحة ولم يبين، فله الرد، أو
التماسك، فإن رد، فليس للبائع أن يلزمه إياها؛ لأنه يحتج بأنه حال سوقها
عند البائع، ولم يبين له.
قال: وإن فاتت عند المبتاع بنماء أو نقصان، فإن زادت أسواقها في وقت بيعه،
لم يكن فيها قيمة؛ لأن القيمة أكثر مما باع به، ولا قيمة فيه، ولا حجة
للمبتاع أن الولد عيب؛ لأنه قد أعلمه البائع بالولادة حين باع الولد مع
الأم، وإن
[6/ 356]
(6/356)
حالت الأسواق بنقصان، فهو كما ذكرنا قبل
هذا. وقوله: لما باع الولد معها، فقد بين الولادة، فكيف ذلك وهو لم يبين
أنه عنده ولدت؟ فهو كما لو زوجها فأخبر بالزوج، ولم يذكر أنه عنده حدث،
والذي تقدم من أصل ابن عبدوس أبين.
قال: ومن باع مرابحة، ثم حطه بائعه من الثمن، فإن حط عن مبتاعه ذلك، لزمه
البيع، وإلا كان مخيرًا في الإمساك أو الرد.
قال سحنون: إذا حط مثل ما حط فقط دون حصة ربحه، لزمه البيع. قال ابن
المواز: قال أصبغ: بل حتى يحط عنه ما حط، وما يقابله من الربح. وقاله ابن
القاسم في بعض مجالسه، ورواه عيسى. قال سحنون وابن حبيب: فإن لم يعلم
بالحطيطة حتى فات بيد المبتاع، أو كانت الحطيطة بعد فوتها، قيل للبائع: حط
عنه مثل ما حططت من غير ربح، فإن أبى فله القيمة ما لم تجاوز الثمن الأول،
فلا يزاد، أو أقل من الثمن بعد طرح الحطيطة، فلا ربح، فلا ينقص.
ومن كتاب ابن المواز، قال: ومن باع سلعة مرابحة، أو ولاها، أو أشرك فيها،
ثم وضع له بائعه من الثمن، فيلزمه في الشركة والتولية بعضها، وضع ما وضع
عنه، وأما توليتها كلها، فكبيعها مرابحة إن وضع عنه ذلك، وإلا خير المبتاع
في الرد أو الحبس، ولا شيء له.
قال مالك: ما لم يوضع له الثمن كله. قال ابن القاسم: أو نصفه، فإن فاتت
والوضيعة دينار من أحد عشر، فإن كانت قيمتها أحد عشر فأكثر، فلا شيء
للمبتاع، وإن كان أقل، رجع بذلك ما لم يزد على دينار. قال محمد: وقاله ابن
القاسم في بعض مجالسه، ورواه عيسى، عن ابن القاسم في العتبية، أنها إن لم
تفت، فإنه إن رد دينار الوضيعة، وما يقع له من الربح، وإلا خير المشتري في
حبسها بلا وضيعة، أو ردها.
[6/ 357]
(6/357)
قال ابن القاسم في العتبية، في رواية عيسى،
ومثله عن أصبغ، في كتاب محمد: أنها إن فاتت، قيل للبائع: رد الدينار أو
ربحه، وإلا فلك القيمة، ما لم يكن أكثر من جميع الثمن، فلا يزاد، أو أقل من
الثمن بعد طرح دينار وربحه، ولا ينقص.
قال محمد: وهذا إغراق من أصبغ. والأول أحب إلينا. قال أصبغ: وهو قول مالك.
وقال أشهب من شركاء ثلاثة في سلعة، تقاوموها بينهم، فأخرجوا أحدهم بربح،
فذهب إلى البائع، فوضع له دينارًا، فقام صاحباه، فلهما رد السلعة عليه، إلا
أن يسلم الدينار، فيقسم بينهم أثلاثًا، وله الربح الأول. وقال محمد: فإن
أراد البائع بوضيعة الدينار هذا دون شريكيه، فإن كان هو متولي الشراء منه،
كان ذلك بينه وبين شريكيه، وإن ولي الشراء غيره، كان ذلك له وحده. ابن
حبيب: ومن تجاوز عنه بائعه في عيوب الثمن أو وخره به، فليبين ذلك في بيع
المرابحة.
قال ابن المواز: قال أصبغ: فإن لم يبين، فللمبتاع ردها، فإن فاتت، فالقيمة
كالذي لم يبين تأخير الثمن.
جامع مسائل المرابحة
قال ابن عبدوس، عن ابن القاسم فيمن ابتاع ثوبين جنسًا واحدًا، وصفة واحدة
بعشرين درهمًا، فباع أحدهما مرابحة ولم يبين، فللمبتاع رده، وليس للبائع أن
يلزمه إياه بحصته بالقيمة من الثمن بحجة المبتاع أن الجملة يرغب فيها،
فيزاد في ثمنها، ألا ترى لو استحق جل صفقته، لم يلزمه ما بقي؛ لأنه يقول:
أردت
[6/ 358]
(6/358)
الجملة، وفيها رغبت، فإن فاتت عنده بحوالة
سوق، فله أن يؤدي فيه قيمته يوم قبضه، ما لم يجاوز ثمنه الأول.
ومن العتبية، روى أشهب، عن مالك، في من ابتاع ثوبين في صفقة، فله أن يبيع
أحدهما مرابحة إذا بين ذلك.
وقال مالك في من أبضع في سلعة اشتريت له، ثم باع مرابحة، قال: ما عليه أن
يبين ذلك. وقال سحنون: بل يبين؛ لأن المبتاع يقول: إنما رضيت بنظر البائع
واجتهاده.
وروى ابن القاسم، عن مالك في العتبية مثل ذلك، والقول الأول رواية أشهب.
قال عنه ابن القاسم في العتبية: فأما إن ابتاعها لك نصراني، فلا تبع مرابحة
حتى تبين.
قال عيسى وسحنون: لا يحل له أن يوكل نصرانيًا على بيع ولا ابتياع. قال ابن
المواز: قال أصبغ: فإن لم يبين، فللمبتاع ردها، فإن فاتت، فالقيمة كالذي لم
يبين تأخير الثمن.
قال ابن عبدوس: وقال بعض أصحابنا في من اشترى مالاً يكال ولا يوزن، فباع
بعضه، قال: لا يبع ما بقي، ولا بعضه مرابحة حتى يبين، فإن لم يبين،
فللمشتري أن يرد، فإن فاتت عنده، فالقيمة إن شاء، قال: وكذلك الرجلين
يشتريان البز، فيقتسمانه، فيبيع أحدهما مرابحة ولا يبين، فليرجع الأمر إلى
ما ذكرنا.
[6/ 359]
(6/359)
ومن العتبية روى أصبغ، وعيسى، عن ابن
القاسم مثل ما ذكر ابن عبدوس عن بعض أصحابنا، وزاد: وأما ما كان مما يكال
أو يوزن من طعام أو غيره، فلا بأس أن يبيع ما بقي أو بعضه مرابحة، ولا يبين
أنك بعت منه شيئًا. وقاله أصبغ.
ومن ابتاع بعرض، جاز أن يبيع مرابحة على صفته، ويكون عليه مثله، ولا يجوز
أن يبيع على قيمته.
ومن باع سلعة من رجل بربح دراهم، ثم ابتاعها منه بربح درهمين، فله أن يبيع
مرابحة، ولا يبين.
قال مالك: وإن أقالك من سلعة، فلا تبيع مرابحة على ثمن الإقالة حتى تبين.
قال في الواضحة: إذا أقالك بزيادة أو نقصان، أو اشتريتها بربح، فلا تبيعها
مرابحة على الثمن الآخر حتى تبين. وقاله مالك، وروي عن قتادة.
ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع سلعة بثلثي دينار، فنقد دراهم مثل الصرف
يومئذ، ثم زاد الصرف، فقال: قامت علي بثلثي دينار، فلا بد أن يبين ما نقد،
وإن ابتعت مع آخر عدل بز، فاقتسمتماه، فلا تبع نصيبك حتى تبين، بخلاف ما
يكال أو يوزن.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم، قال مالك في الذي يقدم بمتاع، فيعرضه على
قوم ويريهم برنامجه ويقول: لا أبيعكم مرابحة. قال مالك: لا أحب أن يريهم
البرنامج إذا كان لا يبيعه مرابحة، وهذا يدخله خديعة.
[6/ 360]
(6/360)
وروى أبو زيد، عن ابن القاسم، في من عرضت
متاعًا بقرة نقص، فقال المشتري: ليس معي نقص، فاحبسها بقائمة وأربحك نصفًا،
فذلك جائز، فكأنه بيع مساومة وبيع حادث.
وروى أبو زيد، عن ابن القاسم في من اشترى من عبده جارية، فأراد بيعها
مرابحة، فإن كان العبد يعمل بمال نفسه، فذاك جائز، وإن كان يعمل بمال
السيد، فلا خير فيه.
وروى أصبغ، عن ابن وهب، في من ابتاع ثوبًا بنصف دينار، فنقد فيه دراهم،
وباع مرابحة ولم يبين، فإن نقده دراهم، فله مثلها، وإن كان أعطاه دينارًا
فضربه، فأخذ نصفه ورد نصفه، فله نصف دينار بالغًا ما بلغ. قيل: إنما نقده
دراهم، وقد فات الثوب ونقص الصرف. قال: فله ما نقد، وإن لم يفت الثوب، فهما
على رأس أمرهما.
وروى عيسى، وأصبغ، عن ابن القاسم، في من ابتاع جرار زيت موازنة، فوزنت
بالظروف، ثم أراد بيعها مرابحة قبل وزن الظروف، قال: ذلك جائز مرابحة، أو
مساومة، وقد دخلت في ضمانه، فلا مقدار وزن الظروف يسقط عنه، وعليه لمن
باعها منه الوزن أيضًا، إلا أن يبيعها على تصريفه في الوزن، فيجوز.
قال ابن حبيب: ومن ابتاع بعروض أو طعام، جاز أن يبيع مرابحة، ولا يدخله
السلف إلى غير أجل.
[6/ 361]
(6/361)
أبواب بيه البرنامج والأشياء الغائبة
والديون
باب في البيع على البرنامج والشيء المغيب يوصف
وكيف إن وجد نقصًا أو خلاف الصفة؟ وبيع العكم
من كتاب ابن المواز في الساج أو الثوب المدرج من جرابه: أنه لا يجوز بيعه
حتى ينشر، بخلاف بيع الأعدال على البرنامج.
قال ابن حبيب: لا يباع الساج المدرج في جراب على الصفة، بخلاف بيع الأعدال
على البرنامج، لكثرة الثياب، وعظم المؤنة في فتحها ونظرها.
ومن كتاب ابن المواز: ومن باع ثوبًا مدرجًا في جرابه"، فوصفه له، أو كان
على أن ينشر، فذلك جائز، ونشر بعد البيع أو قبله.
ومن الجزء الأول لابن المواز: قال مالك في الثياب تطوى، وتجعل وجوهها
ظاهرة، وعيوبها داخلة، فينشر للمبتاع منها الثوب أو الثوبين، فيرى عيوبهما،
فيقول: أشتري على هذا، فقال: غيره أحب إلي، وأرجو أن يكون خفيفًا.
وذكر ابن سحنون في رده على الشافعي، أن الصفة تنوب عن ذلك، واحتج بحديث أبي
هريرة، في النهي عن بيع السلع لا ينظرون إليها، ولا يخبرون عنها.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم، قال مالك: وإذا نسب الكتان إلى أسماء عمال
له معروفين، فيشترون على ذلك ولا يفتحونه، فلا أحب ذلك حتى يفتح وينظر إلى
شيء منه. وكذلك في كتاب ابن المواز عن مالك.
[6/ 362]
(6/362)
ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع عكم أخفاف،
فلا بأس أن ينظر فيها إلى خفين أو ثلاثة، وكذلك البز. يريد محمد: وبعد أن
يعلما عددها.
ومن ابتاع عدلي بز مروي على برنامج أو صفة، فأصابه مطر، فالقول قول البائع
مع يمينه، إلا أن يصحبه كالطعام.
ولو قبض طعامًا من سلم على التصديق في الكيل، فينقص عليه أكثر من نقص
الكيل، فلا يصدق إلا ببينة لم تفارقه، وإلا حلف البائع، وإن كان بعث إليه،
أو دفع إليه حلف: لقد باعه على ما قيل له، أو كتب إليه، وكذلك فيما يجد
ناقصًا من الثياب في بيع البرنامج، وإلا رد اليمين على المبتاع، وكذلك من
دفع صبرة في صرف، أو قضاء دين فصرفه البائع أنها مائة دينار، فالدافع مصدق
مع يمينه، إلا أن يأخذها القابض على أن يرد أو يزن، فيصدق مع يمينه، قال
مالك: وكذلك الطعام والثياب.
قول محمد: وفي صرف ليس يعني أنه يجيز فيه التصديق وأراه بما علم على تضمين
القابض على ذلك إن فعل. وقال أشهب وسحنون: لا يجوز التصديق في الصرف، ولا
في تبادل الطعامين. ولابن المواز نحوه في موضع آخر.
ومن العتبية: قال عيسى، عن ابن القاسم، في من وكل ببيع قراطيس، فأراد ربها
بيعها، وقال: باقيها على هذه الصفة أو وصفها له، أو كتب إليه بصفتها وبعثها
إليه، فأتى إلى الوكيل رجل، فأراه منها قنطارًا، أو عرفه أنها بضاعة، وأنها
كانت على ما رأيت فيما قال لي ربها، فاشتراها على هذا، فوجد منها قنطارًا
متغيرًا بعد الصفة التي رأى، فقال الوكيل: ما أعرفه، فطلب يمينه أنه ليس
مما بعت مني. قال: يحلف أني بعتك على ما كتب إلي، ولم أدلس، ولا أعرفه،
قال: وليس عليه غير ذلك؛ لأنه قد صدقه حين ابتاع منه على ما ذكر. وقد قال
مالك،
[6/ 363]
(6/363)
فيمن يبتاع من الرجل ثياب قصب في صندوق
بصفة، فيغيب عليه، ثم يدعي نقصانًا أو خلافًا، إنه لا يصدق، يحلف البائع
أنه ما كتبه، ولقد باعه على ما كتب إليه.
ومن كتاب ابن سحنون، عن أبيه: وسأله حبيب عن من ابتاع جملة غنم مائة أو
مائتين، فحبسها كلها، قال: نعم، لا بد من ذلك، وإلا فهو بيع مكروه، إلا أن
يحبس اثنين أو ثلاثة، ثم يقول للبائع: نشترط عليك إن ما لم أحبس مثل ما
حبست، فيكون كالبيع على الصفة.
فيمن ابتاع خمسين ثوبًا فلم يجد إلا تسعة وأربعين
قال ابن حبيب فيمن ابتاع خمسين ثوبًا، يريد على برنامج، فلم يجد إلا تسعة
وأربعين، فليرجع بجزء من خمسين جزءًا من الثمن، فإن زاده ثوبًا، كان البائع
شريكًا بجزء من اثنين وخمسين، وقالا لي: هذا غلط عم مالك.
باب في بيع الشيء الغائب، وعهدته
والنقد فيه، والإقالة منه، والشرك فيه
وبيع غائب بغائب، وبيع ما فيع عرض وعين
وغير ذلك من ذكر بيع الغائب
من الواضحة، قال: يجوز بيع الأشياء الغائبة على الصفة، وإن بعدت ما لم
تتقاص غيبتها جدًا، ولا نقد بشرط إلا فيما قرب، على مثل يوم ويومين، ولا
يجوز فيما بعد إلا أن يتطوع بعد العقد، فإن تشاحا، وضع الثمن بيد عدل حتى
ينظر ما حال ذلك المبيع، وهذا في غير الرباع والعقار، تلك يجوز شرط النقد
فيها، ولم يختلف، إنما هو مما يحدث بعد الصفقة، ومن مصيبة إن نزلت، ألا
تراه يشتري الصبرة الحاضرة، فيجد في داخلها شيئًا، فيرد ذلك، إلا أن يتأخر
قبضه وانتقاله،
[6/ 364]
(6/364)
فينظر، فإن كان لا يمكن حدوث مثل ذلك في
تلك المدة لقربها، فليرد، وإن أمكن حدوثه بعد الصفقة، ولا يكون قديمًا، فهو
من المبتاع، فإن أمكن هذا وهذا، فهو على أنه محدث حتى يظهر أنه قديم، فكذلك
الغائب في هذا يشترط فيه الصفقة، ولو كانت الصفقة في الغائب على إلزام ما
في الباطن من عيب بالصبرة وشبهها، ما جاز مثل هذا في الحاضر. قال: وكذلك في
العبد الغائب، أو الأمة تشترط فيها الصفقة. قال: وما ظهر من عيب، فاختلفا
في قدمه، فهو أبدًا على أنه حادث، ومن المبتاع حتى يعلم أنه قبل ذلك، وعلى
البائع اليمين أنه ما علمه قبل الصفقة. وقاله ابن الماجشون، وابن القاسم،
وأصبغ.
قال: ولا يجوز شرط الصفقة في طعام غائب بيع على الكيل أو الوزن.
ومن الواضحة، ومن العتبية، من رواية عيسى، عن ابن القاسم: وما بيع من طعام
غائب بعينه، قال ابن حبيب: على الجزاف، فوضع الثمن لذلك، فهلك الثمن، فإن
وجد على الصفة بالثمن من البائع، وإلا فهو من المبتاع، ولو تعدى بائع
الطعام عليه فباعه، فعليه شراء مثله، ومصيبة الثمن منه.
قال ابن حبيب: قال مالك: ولا تصلح فيه الإقامة، ويدخله الدين بالدين، ولا
أن يشترط فيه، ولا أن يبيعها من بائعها بأقل أو بأكثر ولا بمثل، لأنه كدين
لزمه أخذ منه سلعة غائبة، وله بيعها من غير البائع بأكثر وأقل، إذا لم
ينتقد. قال سحنون: إنما لا يجوز أن يبيعها من بائعها، ويصير كدين بدين، على
قول مالك الأول: إنها من المبتاع.
ومن المستخرجة: روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، قال: ولا يجوز التولية في
طعام اشتريته بعينه غائبًا قريب الغيبة، سواء رآه المتولي أو وصف له، أو لم
يره ولم يوصف له.
[6/ 365]
(6/365)
ومن كتاب ابن المواز، قال: وأخذ ابن القاسم
وأشهب بقول مالك الأخير في ضمان الشيء الغائب المبيع: أنه من البائع، إلا
أن يشترط أنه من المبتاع، فيصير منه من يوم الشرط، ولا ينقد فيما شرط أنه
من المبتاع أو من البائع، إلا في الربع والعقار، ولا يصلح أن يقرب لقبض
السلعة الغائبة أجلاً قريبًا أو بعيدًا.
قال ابن القاسم: وضمان الربع والعقار من المبتاع من يوم الصفقة، اشترط ذلك
عليه البائع أو لم يشترطه.
قال ابن القاسم: إنما يشتري الرباع الغائبة بصفة المخبر والرسول، فأما بصفة
ربها فلا، إلا أن يشترط النظر، ولا يصلح النقد حينئذ.
وكذلك هي في العتبية، عن مالك، ولا بأس أن يتطوع بالنقد بعد العقد فيما لا
يصلح فيه النقد.
قال مالك: أو من اشترى دارًا غائبة مذارعة، لم يجز فيها النقد، وكذلك
الحائط على عدد النخل. قال أشهب، عن مالك في العتبية: وضمانها من بائعها.
قال مالك في الدار الغائبة تباع بصفة، فلا ينبغي أن تشترى إلا مذارعة،
وقاله سحنون.
ومن كتاب محمد: قال مالك: وإن اشترى ذلك لك على غير ذرع ولا عدد نخل، ثم
هلك ذلك قبل قبض المبتاع، فهو من البائع إلا أن يكون شرط أنه من المبتاع.
[6/ 366]
(6/366)
قال محمد: ولمالك غير هذا، أن الرباع من
المبتاع، وإن بعدت. وعليه أصحابه أجمع. قال: وإذا بيع الحائط الغائب وفيه
الحيوان والعبد، فالنقد في ذلك جائز، والضمان من المبتاع، فإن بعدت غيبة
ذلك.
وأجاز مالك النقد فيما قرب من غير الرباع، فجعل القرب نحو البريد
والبريدين، ثم رجع، فقال: اليوم ونحوه. ابن القاسم: واليومين.
وكره مالك في رواية ابن وهب النقد في الطعام على نصف يوم، حتى يقرب جدًا.
قال عنه ابن القاسم: وأما الحيوان، فلا ينتقد فيها إلا في مثل البريد
والبريدين. قال عنه ابن عبد الحكم: لا ينقد منه في الحيوان، قرب أم بعد.
وقال أشهب: يجوز النقد في الطعام والحيوان على مثل اليوم واليومين، فإن
بعد، لم ينتقد فيه، كان الثمن دارًا أو حيوانًا، أو ما كان. وقال ابن
القاسم: لا ينقد، وإن كان الثمن دارًا أو عرضًا أو حيوانًا أو سكنى دار،
إلا في الرباع الغائبة.
قالا عن مالك، في الزرع الغائب قد يبس: لا ينقد فيه، وإن شرط ضمانه من
المبتاع، فذلك جائز إن لم ينقد.
قال ابن القاسم: قال مالك: لا ينبني بيع الطعام الغائب على شرط إن أدركته
الصفقة. قال ابن القاسم: وذلك في المخزون في البيوت؛ لأنه لا يدري ما فيه.
قال أصبغ: يريد: في الجزاف، وقاله سحنون. قال سحنون: قال ابن القاسم: بخلاف
الزرع القائم. قال أصبغ: وقد أجاز ابن القاسم النقد في السلع الغائبة على
يوم أو يومين، طعامًا كان أو غيره، وإن كان أبعد من ذلك، فلا خير فيه.
قال ابن القاسم: ولا بأس ببيع عبد بغنم غائبة، ما لم يدخل في ذلك الضمان
ولا حد بالقبضة أجلاً، وكذلك روى عنه عيسى في العتبية، فإن قدم
[6/ 367]
(6/367)
بالغلام قبل، فمات الغلام قبل قدوم الغنم،
فإن جاءت على الصفة، أو جاءت على غير الصفة يرضيها، فله أخذها، وضمان العبد
من الآخر، فإن لم يرضها إذ خالفت الصفة، فالعبد من بائعه. ومسألة الأمة في
المواضعة مثلها في هلاك الثمن، وفيها اختلاف ذكرناه في المواضعة.
قال ابن المواز: قال ابن القاسم: ومن ابتاع سلعة غائبة، على أن يوافيه بها
البائع، فوضع كذا وكذا، لم يجز ذلك. محمد: وهذا من ناحية الضمان. قال أصبغ:
وكذلك على أن يوافي بها هاهنا. محمد: إن كان البائع ضامنًا للسلعة، لم يجز،
وإن كان إنما ضمن حمولته، فذلك جائز.
قال مالك: ولا يجوز بيع السلعة الغائبة، على إن هلكت ضمنها البائع، يأتي
بمثلها.
ومن العتبية، روى أصبغ، عن ابن القاسم، في من اشترى جارية غائبة بالشام،
وشرط ضمانها حتى يعطيه إياها بمصر، فلا خير فيه، ولو كان يقبضها بالشام، لم
يكن به بأس. وقاله أصبغ.
من كتاب محمد: وقال في العبد البعيد الغيبة، إذا أعتقه مبتاعه، جاز عتقه،
ووجب للبائع قبض الثمن، وزال من ضمانه، وذلك كالقبض في هذا، وفي البيع
الفاسد.
قال: ومن رأى عبدًا من عشرين سنة، ثم اشتراه على غير صفة، فذلك جائز، ولا
ينقد، وهو بيع على الصفة التي كان رأى.
قال مالك: ولا خير في أن يبيع دابة عنده في الدار خبرة على صفة. قال محمد:
لأنه يقدر على نظرها. قال: ومن باع بالمدينة غلامًا له بمصر، يعرفه
المبتاع، وكتب إلى وكيله بمصر أن يقبضه، ويدفع الثمن، فذلك جائز. قال ابن
[6/ 368]
(6/368)
القاسم، وأشهب: ومن ابتاع مائة إردب من
طعام غائب بعينه، يخرج إليه يكتاله بثمن إلى أجل، فذلك جائز.
قال مالك: ولا يقبل من سلعة غائبة لا يصلح النقد فيها؛ لأنه دين بدين؛ لأن
الثمن ثبت عليه، لا يزيله إلا أمر يحدث في السلعة، فصار كبائع سلعة غائبة
بدين عليه، فلا يصلح بمثل الثمن، ولا بأقل ولا بأكثر، وأما من غيره، فجائز
إن لم ينتقد، وأجاز مالك أن يقيله من الجارية في المواضعة، وإن أقاله بربح،
فلا ينقده الربح حتى تخرج من الاستبراء.
ومن العتبية، روى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن اشترى من رجل كل مملوك له، ولم
يسمهم، وهم غيب بموضع، والمبتاع يحيط علما كجميعهم، وصغيرهم وكبيرهم، فذلك
جائز، فإن كان على مثل يوم أو يومين، جاز النقد فيهم، وإن بعدوا، لم يجز
النقد فيهم بشرط، وإن تطوع به بعد العقد، جاز. قال: فإن ادعى البائع أن
المبتاع ااشترى ما لا يعرف، وادعى المبتاع أنه بهم عارف، فالمبتاع مصدق
بدعواه الصحة.
ومن سماع ابن القاسم، قال مالك: ولا يصلح شراء الميراث الغائب فيه عين وعرض
بعرض نقدًا، وإن اشتراه على أنه له وحده، أو لم يجده نقص أو زاد، فهو غرر،
وإن شرط إن لم يجده، رجع فأخذ عرضه.
وروى عيسى، وأصبغ، في من باع طعامًا غائبًا أو غنمًا بموضع لا يجوز فيه
النقد، بثمن إلى أجل سنة، على أن السنة من يوم يقبض الغنم، فلا يجوز حتى
يكون الأجل من يوم عقد البيع، كمن نكح بمائة نقدًا ومائة إلى سنة، فالسنة
من يوم العقد، ولا يجوز أن يكون من يوم البناء.
قال أصبغ: وإن كان الأجل في البيع من يوم العقد، وهي بموضع لا يمكن قبضها
إلا بعد هذا الأجل، لم يجز، ويصير كشرط النقد في البعيد الغيبة.
[6/ 369]
(6/369)
قال أصبغ، عن ابن القاسم: وإن ابتاع غنمًا
غائبة بثمن في ذمته، جاز في قريب الغيبة، فإن بعدت الغيبة جدًا لم يجز،
وإذا كان المقبوض أولاً هو المضمون، لم يصلح، وإن كان المعين يقبض أولاً
جاز، وإن بعد ما لم يبعد جدًا، فلا يجوز؛ لأنه حيوان.
وروى عيسى، وأصبغ، عن ابن القاسم، عن مالك، وهي في كتاب ابن المواز، عن
مالك، في من له ذهب بالمدينة توقف عند قاضيها، فابتاع بها زيتًا بالشام، أو
طعامًا. قال في العتبية: فلا خير فيه، ولكن يتواضعان الزيت، ثم يخرج إلى
الذهب، فإن وجدها، تم البيع.
قال في كتاب محمد: وإن شرط ضمان الذهب للبائع، فجائز، ولو كان إلى أجل، كان
أحب إليّ، وكأنه يرى إن لم يضمن الذهب أنه يفسخ.
قال ابن القاسم في الكتابين: إذا قبضت السلعة، فلا يجوز إلا أن يضمن
الدنانير.
قال مالك في العتبية: إذا ابتاعه بالذهب الغائبة، فلا خير فيه، والذي يصلح
أن يتواضعا السلعة، ثم يخرج إلى المال فإن وجده، تم البيع. قال في كتاب
محمد: فإذا لم يجد الذهب وتواضعا الساعة حتى يخرج إلى المال، فإن وجده تم
البيع.
قال في الكتابين: وإن لم يوجد وأراد أن يخلف له مثله، فذلك له وإن كره
البائع، وإن كان العرض لا يخرج من يد بائعه، ولا يتواضعانه، فذلك جائز،
وليخرجا إلى المال، فإن وجداه فلا يجوز قبضه حتى يقبض المبتاع السلعة، وإلا
صار كالنقد في الغائب.
[6/ 370]
(6/370)
ومن كتاب محمد: ومن أكرى إبلا غائبة بكراء
مؤخر إلى البلد، فإما إبلا معينة فجائز، وإما كراء مضمونًا، فكرهه مالك حتى
ينقد أكثره، ثم خففه إذا عربنوهم لما اقتطع الأكريا أموال الناس. وقال
أصبغ: بشرط أو بغير شرط، ما لم يكن الأجل إلى بعد البلوغ، فلا خير فيه.
والقياس: ألا يجوز إلا نقده كله.
في شراء الدين على غائب أو حاضر أو ميت
ومن له دين وامتنع من أخذه في فلس أو موت
من العتبية من سماع ابن القاسم: قال مالك: لا يشترى دين، على غائب مقر أو
منكر، أو حي أو ميت، أو مليء أو معدم.
قال ابن حبيب: ولا بأس بقسمة ما على الرجل الغائب من الدين؛ لأن حالهما فيه
لا يختلف.
ومن كتاب ابن المواز: لا بأس ببيع ما على الرجل الغائب من الدين، إذا كان
قريب العيب، عرف ملاؤه من عدمه. وقال: فإن لم تكن عليه بينة ما لم يجز حتى
يحصر ويقر.
قال ابن حبيب: ويعرف ملاؤه من عدمه. قال محمد: وإن حضر وأنكر، وعليه بينة،
لم يجز بيع ما عليه؛ لأنه خطر وحصوم.
قال مالك: ولا يجوز بيع ما على الميت وإن كان عليه بينة، وإن عرف ما ترك؛
لأنه لا يدرى ما عليه من الدين، وليس ثم ذمة باقية.
ومن ولي سلعة له في ذمة رجل، ولم يجمع بينهما، فالعهدة للمولى على البائع
الأول.
[6/ 371]
(6/371)
قال أصبغ في العتبية: وأما إن ولاه طعامًا
على غائب، فلا يجوز حتى يحضر ويجمع بينهما، ولو ولي سلعة، جاز ذلك فيها.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن مات وعليه طعام لم يحل، فامتنع صاحبه
من أخذه من الورثة حتى يحل، قال: يجبر على أخذه، وقال ابن القاسم: ويجبر
على أخذ العروض في الفلس والموت.
أبواب الضمان في المعينات من الأشياء الحاضرة والغائبة
وفيمن اشترى شيئًا عرفه البائع
ثم قال للبائع: جوزني ما بعت مني
من العتبية، قال سحنون فيمن ابتاع دارًا أو أرضًا أو غير ذلك، وقد عرف ذلك
بيد البائع يملكه ويجوزه، فيسأله بعد البيع أن يجوزه، أذلك عليه؟ قال: إن
كان المبتاع ابتاع ما قد عرفه بيد البائع فلا جوز عليه، وإن دفعه عما اشترى
دافع فهي مصيبة على المبتاع.
في ضمان ما يهلك بعد الصفقة من الأشياء الحاضرة
بيد البائع
وفيما بيع على كيل أو عدد أو على غير كيل فيهلك
وكيف إن تعدى فيه متعد وذكر التداعي في هلاكه
من كتاب محمد: وما اشترى من الحيوان بعينه شراء صحيحًا، ونقد فيه أو لم
ينقد، فهلك بيد البائع، فاختلف فيه قول مالك وروى أشهب أنه من البائع، إلا
أن يدعى المبتاع إلى قبضه، فيكون هو الذي أقره، فيصير الضمان من المبتاع.
وقاله أشهب.
[6/ 372]
(6/372)
وروى عنه ابن القاسم أنه من المبتاع؛ لأنه
إما احتبسه للثمن فهو كالرهن، أو المبتاع تركه فهو كالوديعة. قال ابن
القاسم: ولو كان به عيب قديم، فلم يقبضه حتى مات، فهو من المبتاع، وليرجع
بقيمة العيب. قال: وهو منه، حتى يرد بقضية أو يرضى من البائع، ولو قبضه
المبتاع، ثم قام بعيب فأعلم به البائع، وأشهد عليه أنه غير راض به، وأنه
منه بريء، فأقبل البائع ليأخذه، فوجده قد مات بعد إقالته، أو أصابه عيب،
فهو من المشتري. قال محمد: وأحب إلي أن تثبت الإقالة على البائع بإيجابه
ذلك على نفسه، والمصيبة منه، وإن لم يقبضه، كاستئجار بيع في سلعة حاضرة،
وهذا أقوى من قضاء السلطان. قال مالك: ولو خاصمه في رده، فقضي برده، فلم
يقبضه، حتى مات، فهو من المبتاع حتى يرده بقضية، ويقبضه البائع. ثم رجع
مالك فقال: إذا قضي برده، فهو من البائع وإن لم يقبضه.
قال محمد: ومبتاع الصبرة جزافًا أو على التصديق في الكيل، فذلك من المبتاع،
كالحيوان، ولم يثبت مالك فيها على أمر.
قال: وأما من اشترى طعامًا، فسمي له كيله، أو كان حاضرًا، فهو أبدًا على
الكيل. محمد: والمصيبة هاهنا من البائع حتى يشترط أخذه بكيله أو تصديقه
فيها، كالقائل: كم في طعامك هذا؟ فيقول: خمسين إردبًا، فيقول: قد أخذتها
بكذا. فيرضى له، فهذا على الكيل حتى يشترط تصديقه، ولو اشتراه على الكيل،
ثم أراد تصديقه في كيله، فذلك جائز، ثم إن بدا له أن يرجع إلى الكيل، فليس
ذلك له. وقاله أصبغ.
محمد: وإن لم يسم معرفة كيله، فأراد أن يسلفه له بما يتوخيان من كيله، لم
يجز، وهذا أخذ طعام جزافًا من رجل عن كيل وجب.
[6/ 373]
(6/373)
ومن ابتاع زرعًا قد يبس، كل فدان بكذا، إلا
أنهما يقيسان الأرض بعد حصادها، لمعرفة كم فيه، ولم يحصده حتى هلك، فهو من
المبتاع، وقد كان للمشتري بيعه قبل يحصد، وقبل يقيس فدادينه.
وذكر ابن حبيب مثله عند مالك، وقال: وكذلك من اشترى دارًا على عدد حتى
تزرع، أو حائطًا على عدد نخل، فيهلك ذلك بسيل أو حريق النخل، والمصيبة من
المبتاع، ويعاد الآن ذلك، ويعد النخل على ما هي به، ويلزمه الثمن. وقاله
مطرف، وعبد الملك، وأصبغ. وإذا احتجن البائع الأمة بالثمن، ثم وطئها، فيبرأ
عنه الحد لقول من يرى أنها في ضمانه، والأمة للمبتاع، وعليه قيمة الولد على
البائع إن ولدت. ولو أمكن منها، فأقرها عنده بعد تمام الاستبراء فوطئها
المبتاع، فهو زان، يحد أو يرجم، ولو كان ذلك في الاستبراء، وقد كان البائع
يطؤها قبل البيع، دري عنه الحد ويعاقب، ويفسخ البيع، وتكون له أم ولد.
ابن القاسم: ومن باع ثوبًا، فأراد المبتاع أخذه، فقال المبتاع: هو على عنقي
حتى أبلغ به البيت، فاختلس منه، فالبائع يضمنه إن لم تقم بينة، وذلك سواء
نقد أو لم ينقد، ويضمن الأكثر من قيمته، أو الثمن أو الثوب، وهو كالرهن.
وكذلك روى عنه سحنون في العتبية، وقال: إن قامت بينة، فهو من المبتاع.
قال مالك: ومن باع صبرة طعام على الكيل، فاستهلكها أجنبي قبل الكيل، فعليه
قيمتها على التحري. يشتري بها طعامًا فيكال للبائع.
وقال أشهب: تكون القيمة للبائع، وينفسخ البيع، وليس للمبتاع إلا الثمن، إلا
أن يقر المستهلك بعدد كيل، فإن شاء بائعها أغرمه عدد ما أقر به واستحلفه،
وإلا فالقيمة. ثم يتخير المشتري، فإن شاء أخذ المكيلة التي أقر بها
المستهلك، وإن
[6/ 374]
(6/374)
شاء اشترى له بالقيمة طعامًا فاكتاله، وإن
شاء فسخ البيع، وأخذ الثمن. قال أشهب في أخذ البائع القيمة من المستهلك:
اختلف فيه قوله، فقال: يشتري به طعامًا، فيوفاه المشتري، ومرة قال: لا، إلا
أن يعرف الكيل. قال محمد: وأحب إلينا أن يجعل ما أخذ من المستهلك من طعام،
أو قيمة في طعام يوفي منه المشتري شراءه. كذا قال ابن القاسم.
ومن العتبية: روى عيسى، عن ابن القاسم، في من باع كيلاً من طعام، ثم ادعى
هلاكه قبل أن يقبضه المبتاع، فكذبه المبتاع، فعليه أن يوفيه الكيل الذي باع
منه، إذا لم يعلم هلاكه بالبينة.
وروى سحنون عن ابن القاسم فيمن باع ثوبًا، ثم حبسه بالثمن، ثم ادعى تلافه،
ولا بينة له، قال: فيفسخ البيع، إلا أن تكون قيمته أكثر من الثمن فيغرمه؛
لأنه يتهم لتلفه، وإن كانت أقل، فسخ البيع، وليس برهن، وهو مصدق في تلف
الحيوان، ولو قال قائل: يضمن قيمة الثوب، كانت أقل أو أكثر. لم أعبه، قال
سحنون: ليس هذا بشيء، وينفسخ البيع، ولا قيمة على البيع.
قال في كتاب ابن المواز: وإذا أسلم ثوبًا في طعام، فأحرقه رجل عند بائعه،
فإن ثبت ذلك، فالسلم بحاله، ويتبع الذي عليه الطعام الجاني، فإن لم تقم
بينة، فهو مخير في فسخ البيع، أو يضمن بائع الثوب قيمته، ولو أمكنه منه،
وتركه عنده وديعة، فلا خيار له وهو منه، والطعام عليه، ولو أحرقه بائعه
متعمدًا أو غير متعمد، فعليه قيمته.
ومن العتبية، روى أبو زيد عن ابن القاسم في من ابتاع صبرة، فلم يأت بالثمن
حتى هلكت نار، فهي من المبتاع، وكذلك من باع عشرة فدادين من قمح من زرعه،
فذهب إلى غد ليقيس، فاحترق الزرع، فالمصيبة منهما جميعًا.
[6/ 375]
(6/375)
ومن سماع ابن القاسم: قال مالك في الضأن
يباع صوفها، فتصاب منها الأكبش قبل أن تجز، فهي من البائع، ويوضع عن
المشتري بقدرها، وذلك إذا سرقت، أو أخذها السبع، فأما إن ماتت، فليس له إلا
صوفها، إلا أن تكون صوف الميتة عند الناس لا تشبه الحي، فيوضع عنه.
من العتبية، روى عيسى، عن ابن القاسم، في النواتية يحملون التلاليس - يريد
بالطعام - فيسقط منهم في البحر، أنه من المشتري.
ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع من خياط ثوبًا قد خاط قدر ثلثه، على أن
يتمه، فهلك عنده، فإنه يضمن قيمته يوم باعه من صاحبه، كتضمين الصناع، ولو
قامت بينة بهلاكه، لم يضمن، ويرد من الثمن بقدر ما كان بقي من خياطته بعد
أن نقص ثمنه على قيمته يوم الشراء، وعلى ما بقي من خياطته. ومن كتاب ابن
عبدوس، في تفسير القسم، قال: وإن قطعت يد العبد عند البائع، فاختلف هو
والمبتاع من قلة الثمن وكثرته، خير المشتري بين أخذه بما قال البائع، وإلا
حلف على ما قال، ثم فسخ البيع فيما بقي من العبد بحصته من الثمن، إن بقي
ثلاثة أرباعه، سقط عنه ثلاثة أرباع الثمن، وغرم ربع الثمن. يريد: الذي أقر
به المشتري مع يمينه، فإن مات العبد في يد البائع، صدق المشتري في الثمن
بعد أن يحلف، وصار هو المدعى عليه.
باب في ضمان ما بيع فوزن بظروفه فهلك قبل
تفريغها
وفي ضمان الظروف وفي المكيال يسقط بعد امتلائه
والراوية تنشق قبل تفرغ
من كتاب ابن المواز: وإذا وزنت جرار الزيت، وقبضها المبتاع ليفرغها، فضمان
الزيت من المبتاع، وله بيعه قبل يفرغه؛ لأن ذلك قبضه. قال أصبغ:
[6/ 376]
(6/376)
وكذلك لو ملأ له الظروف فقبضها حتى يفرغها،
ثم يعبرها بالماء، ليعرف ما تسع، فهو قبض والضمان منه. محمد: ولا يضمن
الظروف، إذ لم يقبضها على شراء، ولكن على وجه الكراء، وكان الثمن وقع على
الزيت على عارية الظروف.
وروى عيسى، عن ابن القاسم في روايا زيت توزن بظروفها، ويقبضها المبتاع مثل
ما روى عنه محمد في ضمان الزيت، وذكر مثله ابن حبيب، عن مالك.
ومن كتاب محمد: وإذا سقط المكيال وانكسر بعد امتلائه، وقبل يفرغه في إناء
المبتاع، قال مالك في رواية أشهب: إنه من البائع حتى يصب في إناء المشتري.
قال ابن القاسم: وإذا أمر البائع أجيره بالكيل للمبتاع، فكال واحدًا فصبه
في إناء البائع، ثم كال ثانية، فوقع المطر في يده بعد امتلائه على وعاء
المشتري فانكسرا، فالثاني من البائع، وأما الأول فالأجير يضمنه للمبتاع.
قال أشهب: قال مالك في من اشترى زق سمن، فذهب ليزنه، وانقلب من الميزان
فانشق، فهو من البائع، وكذلك لو تم وزنه، ثم ذهب ليصبه في إناء المشتري،
فمالت يده فأهراق، فهو من البائع، وكذلك في الكيل حتى يستوفيه المشتري.
وكذلك في الواضحة، وما يسقط من المطر بهد وفائه، أو الويبة بعد وفائها،
فيهلك، فذلك من البائع، سواء ولي هو كيله، أو من أمره، أو وليه المشتري
بأمره، فأما لو وليه المشتري بتعد منه، أو أجنبي بتعد منه بغير أمر البائع
لكان ضامنًا بتعديه.
ومن العتبية: روى عيسى، ويحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، في البائع أو أجيره
يكيل مكيلاً، فيصبه في إناء المشتري ثم يكيل ثانية فيسقط منه بعد امتلائه
على إناء المشتري، مثل ما روى ابن المواز، وزاد: وإن بقي شيء من الزيت عند
[6/ 377]
(6/377)
البائع، وفاه صفقته، وإلا رد عليه حصته من
الثمن. قال عنه يحيى: ولو ولي المبتاع الكيل فيما وفاه، وامتلأ سقط من يده
على إناء نفسه فكسره، فما في إنائه فهو منه، وما كان في المكيال فمن البائع
حتى يصبه في إناء المشتري، وليس امتلاء المطر بقبض، وكذلك لو ولي الكيل
أجير لها، لضمن ما في إناء المشتري، ولا يضمن ما في المكيال، إلا أن يكون
فعل به ما هو سبب سقوطه.
وروي عن سحنون، في غير العتبية، أن المشتري إذا وعي الكيل لنفسه، أو وزم
الدراهم، فلما استوى المكيال والميزان، سقط من يده، فالمصيبة من المشتري.
وروى عنه عيسى في من اشترى راوية ماء فتنشق، أو تكون قلالاً، فتنكسر قبل
يصل، فذلك من السقاء، وهو مما يشترى على البلاغ في عرف الناس.
فيمن باع شيئًا من رجل ثم باعه من غيره
وكيف إن تنازعه المشتريان أو كان طعامًا
فنقله البائع أو غيره إلى بلد آخر
من كتاب ابن المواز، قال: ومن أسلم ثوبًا في طعام، ثم باع الثوب بائعه،
ومبتاعه مخير، في تضمينه قيمته ما بلغت، أو الرضا بالثمن الذي باعه به، ولو
أراد أن يترك ذلك، ويفسخ البيع، أو تراضيا بذلك، لم يجز، ولا تجوز الإقالة
إلا برأس المال.
قال مالك: ومن ابتاع قلنسية، فباعها الخياط، فلا خير في أن يرضى ببيعها؛
لأن الخياط لها ضامن حتى يعطيها له، وليعمل له مثلها، ولو لم تفت بيد
المبتاع، لم يتبع له الرضا ببيعها. قال ابن القاسم: وذلك أنها على الخياط
مضمونة بصفة معلومة، ولو كانت خرقة بعينها استعمله إياها، فله الرضا
ببيعها، أو يلزمه قيمتها إن كانت أكثر. قال محمد: هذا إن ثبت بيعه إياها
بعينها.
قال محمد: ويجوز وإن كانت مضمونة عليه أن يرضى مبتاعها بالبيع، ما لم تفت
وينتقد، وذلك إذا أشهد الخياط أن هذه لفلان، وهو مما يجوز بيعه قبل
[6/ 378]
(6/378)
قبضه، وما كراهة مالك في هذه إلا أنه لم
يعلم من بيع الخياط أنها لفلان إلا بعد البيع، ولعله إنما باع غير متاعه أو
لم يبع، فخاف الذريعة إلى الربا، أن يعطي قليلاً ويأخذ كثيرًا، ويدل جواب
مالك أنها عرفت بعينها: أنه قال: إذا لم تفت، فهو مخير. يدل أنها عرفت،
فكان له أخذها وأخذ الثمن، وإن فاتت، لم يجز ذلك.
وقال أشهب: ومن ابتاع طعامًا بعينه على الكيل، فتعدى البائع، فحمله إلى بلد
آخر، فإن شاء أخذ بعينه، وإن شاء فسخ بيعه، وأخذ رأس ماله، وليس له أن
يأخذه بمثله بموضع اشترائه. قال محمد: ليس هذا شيء، وليس له أخذه، وإنما له
مثله بموضع اشترائه، ولو باعه ولم يحمله، لم يكن للمبتاع أن يجيز بيعه،
ويأخذ الثمن وإن كان بعينه، وإنما له أخذه بمثله، بالبلد الذي كان به،
ويصنع هذا بهذا ما شاء، كمن تعدى على طعام رجل، فنقله إلى بلد آخر، فإن وثق
به، وإلا أوقف له، ويبيعه ويوقف له ثمنه، ولا يكلف رد الطعام.
قال ابن القاسم: ومن ابتاع طعامًا غائبًا بنقد، فقدم به وكيل البائع ولم
يعلم، أو كان خرج قبل البيع، فالبيع لازم، فإن شاء قبضه هاهنا، وإلا أخذه
شرواه هناك، ويرده إن شاء. وقاله أصبغ.
ومن العتبية، قال أصبغ: ومن اشترى شاة، ثم ذهب ليأتي بالثمن، فباعها البائع
من غيره، فلقي المشتري الأول الثاني وهي معه، فتنازعاها، فماتت الشاة
بأيديهما، فالضمان منهما إن كان موتها من فعلهما جميعًا، فإن ثبت بيعه من
الأول، غرم له الثاني نصف القيمة، ورجع الثاني على البائع بما دفع إليه،
وإن صحت للناس، غرم الأول نصف القيمة.
[6/ 379]
(6/379)
ورأيت لسحنون في كتاب البيوع الذي نسب إلى
ابنه، أنه إن باعها من الأول بعشرة، ثم باعها من الثاني بعشرين، فالأول قد
قبض نصفها في منازعته للناس، وعليه فيه خمسة، ويخير في النصف الآخر، فإن
شاء ضمن المبتاع نصف قيمته، وإن شاء جاز فيه البيع، وأخذ فيه عشرة من
المبتاع الثاني، ثم يرجع بها مؤديها على بائعه إن كان نقده، وإن شاء ضمن
البائع قيمة النصف ما بلغ، وكان ثمنه له، وإن شاء أخذ من البائع العشرة
التي باع بها النصف، ورجع بفضل القيمة إن زادت على عشرة على المبتاع.
فقول سحنون: إن أجاز البيع أخذ من المشتري العشرة وقد دفعها إلى باعه فليس
بأصلهم، وأصلهم في بيع الغاصب والمتعدي يقبض الثمن، أن رب السلعة إذا أجاز
البيع، فعليه يرجع بالثمن إن قبضه، لا على المشتري. وقوله: إن شاء أخذ
العشرة من البائع، ورجع بالفضل القيمة إن كانت أكثر على المشتري. فليس يعني
أنه أجاز البيع، وأراه أراد أنه يطلب المبتاع بالقيمة، ولا يجيز البيع،
فيأخذ هذا العشرة التي له عند البائع؛ لأنها مال غريمه ثم يرجع بتمام
القيمة عليه؛ لأنه ضمن نصفها في منازعته حتى ماتت بأيديهما.
وبهد هذا باب في اختلاف الوليين فيما باعا، فيه ذكر من باع سلعة من رجل، ثم
باعها من آخر، وزيادة على معنى ما في هذا الباب.
في ضمان الصبرة يشتري بعضها أو يستثني بائعها بعضها
أو في بيع الثمرة أو سكنى دار باعها ثم يهلك ذلك كله
من كتاب ابن المواز: ومن اشترى نصف صبرة، فاكتال منها أقل من نصفها، ثم هلك
باقيها، أن البائع يرجع فيأخذ نصف ما أخذ المبتاع.
ومن باع صبرة جزافًا، واستثنى منها كيلاً سماه، قدر الثلث، فأصيبت الصبرة
أو جلها، فالمصيبة منهما، فإن بقي منها الثلث فأدنى، فهو للبائع، وإن كان
أكثر من الثلث، فللبائع منه ثلثاه وللمبتاع ما بقي.
[6/ 380]
(6/380)
ومن باع دارًا واستثنى سكناها سنة، فانهدمت
في السنة، فهي من المبتاع، ولا يرجع عليه البائع بشيء من ثنياه كالصبرة،
إلا أن يصلحها المبتاع في بقية السنة، ولا يجبر على إصلاحها. قال أصبغ: لا
يعجبني، وليس كالصبرة؛ لأن الصبرة قبض للمبتاع، والسكنى لم يقبض البائع ما
استثنى، وثنيا السكنى لزيادة باع منها فتقوم، فيطرح مسكنه، ويرجع مما معها
وكذلك ركوب الدابة إلا شيء لا بال له، مثل الأيام القلية في الدار، والبريد
في الدابة، فهو لهو وسيع.
قال محمد: قول ابن القاسم أصوب، وما وجدت بقول أصبغ معنى. وهذا الباب قد
تقدم أكثره في أبواب الاستثناء من الصفقة، وأبواب الجوائح.
ومن باع ثمرة واستثنى منها أقل من الثلث، فأجيحت أقل من الثلث، فلا يوضع عن
المبتاع مما استثنى البائع شيء، كما لا يوضع عنه من الثمن. قاله مالك،
كالصبرة، ولو أصيب الثلث فأكثر، يوضع عنه بقدر ما يوضع من الثمن. قاله
مالك، وقاله أصبغ.
وروي عن مالك أنه لا يوضع عن المشتري مما استثناء البائع شيء، وإن ذهب أكثر
من الثلث، ويكون ما استثنى فيما بقي. وبه أخذ ابن عبد الحكم. قال محمد:
ورواية ابن القاسم أحب إلينا؛ لأن الصبرة لا جائحة فيها، وهذا فيه الجائحة،
وما استثنى فهو كالثمن. وقاله أصبغ.
[6/ 381]
(6/381)
باب فيمن اكتال زيتًا ابتاعه
ثم اكتال في جرة من جرة نجسة ولم يعلم وتناكرا في النجسة
من العتبية: روى عيسى، عن ابن القاسم فيمن اشترى من رجل مائة قسط زيت، فكال
له من جرة خمسين، ثم كال له من جرة أخرى قسطًا أو قسطين، فصبه على الأول،
ثم وجد فأرة في الجرة الثانية، فضمان الخمسين الأول من المبتاع، وإنما صب
عليه هذا بأمره، كما لو صب لك حمال زيتًا في جرة بأمرك، وإذا فيها فأر، فلا
شيء عليه.
قال ابن حبيب: إلا أن يكون البائع عالمًا بالنجاسة التي في زيته، فغره حتى
صبه على الآخر، فيضمن الزيتين جميعًا، ويبالغ في عقوبته. قال ابن حبيب: ولو
ظهر فيه بعد أن صار في إناء المشتري فأرة، فقال المشتري: في زيت البائع
كانت. وقال البائع: بل في إنائك كانت، فالقول قول البائع مع يمينه، إلا أن
تقوم بينة أنها كانت في إناء البائع، أو يقوم دليل من انتفاخها وتزلعها
ونحوه مما لا يمكن أن يكون في إناء المشتري وكان صبيبًا أو يابسًا، وإن كان
إناء زيت فرغ منه أشكل فيه الأمر، فقد لزم المشتري. وقاله أصبغ، عن ابن
القاسم.
باب فيمن قلب قوارير للبيع أو قلال خل فسقطت
أو جرب قوسًا أو سيفًا فانكسر
أو سقط في يده على شيء آخر ومن قلب دينارًا فتلف
من كتاب ابن المواز، قال مالك في القوارير وأقداح الخشب تنصب للبيع،
فيقلبها الذي يريد الشراء، فتسقط من يده فتنكسر، فلا ضمان عليه. قال أصبغ:
أخذه بإذنه أو بغير إذنه، إذا رآه فتركه، وإن كان بغير علمه، ضمن.
[6/ 382]
(6/382)
ورو عيسى عن ابن القاسم أنه إذا تناوله
بغير إذنه، ثم جعل يساومه، فسقط من يده، أنه ضامن إذا لم يناوله إياه، أو
يأذن له، ويضمن ما انكسر تحته، وكذلك السيف يهزه فينكسر، والدابة يركبها
ليجربها، فتموت، أو القوس يرمي عنها بغير إذنه، فهو ضامن في هذا، إلا أن
يكون بإذنه.
قال محمد: وما سقط من ذلك عليه مما قلبه، فانكسر الأسفل، ضمنه، ولا يضمن ما
سقط من يده. قيل لابن القاسم: فقلال الخل يرفعها يروزها، فتنكسر؟ فقال: ما
سمعت في هذا شيئًا. قال أصبغ: هي مثل القوارير، إلا أن يخرق ويعنف بجر
المأخذ قبل أن تعلق القلة الكبيرة بأذنها، وبغير الوجه المعروف، وروى أصبغ
عن ابن القاسم أنه ضامن في قلال الخل، بخلاف القوارير. قال أبو زيد، عن ابن
القاسم: ومن لا يعرف إلا بالتناول باليد، كالسيف فيهزه، والقوس ينزع فيها
فتنكسر فلا يضمن. وما كان يجتزأ بعضه، كالبان والدهن يجتزأ شيء منه يشمه،
فإذا أخذه رجل بيده فسقط منه، فانكسر فإنه يضمن. ومثل الخل إنما يذاق
الشيء، فإن رفع القلة بيده، فانكسر ضمن، وضمن ما وقعت عليه.
وقد قال مالك فيمن أعطى دينارًا للصيرفي في دراهم، فنقره. قال في العتبية:
نقرًا خفيفًا أو منخرقًا، فضاع، لضمنه؛ لأنه أخذه على المبايعة، وكذلك لو
غصب من يده، أو اختلس قبل يريه لضمنه، وإنما الذي لا يضمنه من نقره ما
يستور أوجهه بلا بيع، فينقره نقرًا خفيفًا لا خرق فيه ولو أخذه على الصرف،
فاستأذنه، فنقره نقرًا خفيفًا لم يضمن، وإن أخرق ضمن.
[6/ 383]
(6/383)
[6/ 384]
(6/384)
|