النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد وآله

الجزء الثاني
من أقضية البيوع
باب في الدعوى في الرد بالعيب والرضا به
وفيما يحدث بيد المبتاع وفي قدم العيب وحدوثه
ومن ادعى أنه باع بالبراءة فرد عليه من له هو رد
واختلاف أهل النظر في العيب
من العتبية من سماع أشهب: وإذا أبق العبد أو سرق بقرب البيع، وبعد الشهر، فليس بمبتاع أن يحلف البائع أن ذلك لم يكن عنده، إلا أن يأتي بشبهة وما يتهم به، وليس قرب البيع يوجب ذلك، إلا في عبد زنى عند بائعه، فيتهم في هذا. قيل: إنه عبد زنى بالمدينة، وتداولته الأملاك، قال: فلا يحلف فيه.
[6/ 287]

(6/287)


وقد ذكرنا في باب عيب الرقيق مسألة الجارية تبول في الفراش بقرب البيع.
ومن كتاب ابن المواز: وإذا ادعى المبتاع في العبد أن البائع ظهر منه على إباقه أو سرقته، أو أنه جن، أو زنى أو شبه ذلك مما لا يعلم إلا بقوله، فليحلف على علمه عند ابن القاسم. وقال أشهب: لا يحلف أصلاً، ولو جاز هذا لحلفه كل يوم على صنف من هذا، واحتج بقول مالك في الذي أبق بقرب البيع، فأراد أن يحلف البائع، فقال: لا يمين عليه.
قال ابن القاسم: بلغني عن مالك، في عبد أبق عند المبتاع، وقال: أبقت عند بائعي، فإن كان البائع ذكر له أنه لغيره، لم يحلف، وإلا حلف.
قال محمد: إذا ظهر العيب هكذا، حلف البائع، وإلا رد عليه، وليس له يمينه في عيب لم يظهر.
قال: وإذا قال البائع للأمة بعد البيع: إن بها عيب كذا. لما ليس بظاهر، لم ينفعه ذلك إن لم يصدقه المبتاع، وله الرد إذا ظهر عيب، إلا أن يقوم للبائع بينة بالعيب، فيبرأ إن تمسك بها المبتاع.
وقال أشهب: لا تنفعه البينة إن لم يقبلها، إلا بإيقاف السلطان على الرد أو الرضا.
قلت: فإن لم يكن ذلك، ولم يكن قبل المبتاع، ثم أراد الرد، ولم يظهر عيب. قال: ليس له ذلك، إلا أن يثبت البائع على إقراره، أو يظهر العيب، أو تثبت بينة.
قال: وإذا اختلف أهل النظر في العيب، فقال قوم: هو قديم. وقال آخرون فليس قديم، أو قال بعضهم: يرد به. وقال آخرون: ليس بعيب. فهذا تكاذب، ولا يرد بذلك، وكذلك بائع الثوب على جنس يختلف فيه أهل النظر أنه من ذلك الجنس، وإذا تكافئوا في العدالة، لزم المشتري. وذكر ذلك في كتاب الشهادات، فقال: يشهد بهذا رجلان، وبهذا رجلان. قال: ولا يحلف البائع في
[6/ 288]

(6/288)


عيب يخفى مثله: أني ما بعته حين بعته وأنا به عالم، ولكنه يحلف أنه ما باعه وبه هذا العيب في علمه، وفي العيب الظاهر على البت. وقال أشهب: لا يحلف البائع، إلا على العلم في العيب الظاهر أو الخفي؛ لأنه إن لم يكن علم بالظاهر، فهو كالخفي عليه، وإن علمه، فقد تعمد الكذب.
وقال مالك: ويرد بالعيب القديم، ولا يمين على المبتاع، كان خفيًا أو ظاهرًا. محمد: طال مكث السلعة عنده أو لم يطل. قال مالك: إلا أن يدعي البائع أنه أراه ذلك. قال: وإن ادعى البائع أن المبتاع رضي به، أو وطئ، أو تسوق به بغير علمه، فلا يحلفه حتى يدعي أنه بلغه وأخبر به. وكذلك في الواضحة عن مالك، قاله ابن المواز. وقال أشهب: لا يحلفه وإن ادعى إخبار مخبر حتى يدعي أنه تبرأ إليه منه فرضيه. قال أبو زيد، عن ابن القاسم: وإن طلب البائع يمينه في عيب قديم، أنه ما رآه، فلا يمين عليه، إلا في عيب ظاهر لا يشك أنه يراه، كالأعور، ومقطوع اليد والرجل ونحوه، وأما ما سوى هذا، فلا يحلف فيه إذا رده. وفي باب من قام بعيب، والبائع غائب: القول في يمين المبتاع أنه ما وطئ بعد أن علم بالعيب.
ومن سماع يحيى من العتبية، قال ابن القاسم: وإذا قيم بعيب قد ثبت قدمه، قال عنه عيسى بقول أهل النظر، أو ببينة، أو باعتراف، وجب رده. قال عنه يحيى: ولا يقبل فيه يمين البائع إن لم يقر به. قال: ويرد بقول أهل النظر: إنه قديم بلا بينة، وأما عيب يقدم مثله ويحدث، فإن كان ظاهرًا حلف فيه على البت، فإن نكل، حلف المبتاع على البت، ورده، ويحلفا فيما يخفى على العلم.
قال عنه يحيى، وفي كتاب ابن المواز، وابن حبيب: وأما البائع بالبراءة، فلا يحلف في العيب القديم، إلا على العلم، كان ظاهرًا أو خفيًا، فإن نكل رد عليه. قال عنه يحيى: بعد يمين المبتاع على علمه. قال عنه ابن المواز: بلا رد يمين على المبتاع، وذكره عن مالك في باب البراءة، ونحوه في سماع أشهب. قال يحيى،
[6/ 289]

(6/289)


عن ابن القاسم: وكذلك فيما يدث ويقدم، يحلف البائع على البراءة فيه على علمه. قال ابن حبيب: لا يحلف في هذا البائع بالبراءة حتى يثبت قدم العيب، فيحلف له على علمه.
ومن سماع عيسى، عن ابن القاسم: وإذا ظهر على عيب قديم لا يكون قديمًا، لطول لبثه بعد المبتاع، فهو له لازم، ولا يمين على البائع، وإذا كان عيبًا يحدث مثله ويقدم، حلف البائع فيما يخفى على العلم، وفيما لا يخفى على البت، فإن نكل في الوجهين، حلف المبتاع على العلم.
قال في كتاب محمد: يحلف كما يحلف البائع في العلم والبت. قال عنه عيسى: ثم يرده، ولا شيء عليه، أو يحبسه ولا شيء له، فإن نكل لزمه، وإن حدث عنده عيب آخر، فالأيمان كما ذكرنا في العيب الآخر، فإن نكل المبتاع لزمه، وإن حلف رده مع ما نقصه ما حدث عنده، أو إمساكه وأخذ قيمة العيب. وتكلم في العتبية في هذا السؤال الثاني في حدوث عيب عند المبتاع، على أن يمين البائع على العلم، وبين معناه ابن المواز، أن معناه على ما ذكرنا. وذكره أيضًا عن ابن القاسم، عن مالك.
ومن كتاب ابن المواز: وإذا أقام المبتاع شاهدًا أن العيب كان عند البائع، ومثله يخفى، حلف المبتاع هاهنا على البت، كما شهد شاهده، فإن نكل فقال أصبغ: حلف البائع على علمه.
قال محمد: على البت؛ لأنها اليمين التي ردت عليه، فإن نكل، رد عليه فنحا أصيغ أن شاهده سقط بنكوله، وليس كذلك، ولو كان هذا لكان من أقام شاهدًا، بحق على رجل، ولا خلطة بينهما، فنكل أن يحلف مع شاهده، لكان لا يحلف المطلوب، لسقوط الشاهد، ولا خلطة تعلم بينهما.
[6/ 290]

(6/290)


قال في رواية عيسى، وكتاب محمد: وإن ظهر على عيبين، أحدهما قديم، والآخر مثله يقدم ويحدث، فقد وجب رده بالعيب القديم. وكذلك في سماع ابن القاسم، قالوا: ويحلف المبتاع في العيب المشكوك فيه، أنه ما علمه حدث عنده. قال ابن حبيب: في الخفي، وأما في الظاهر، فعلى البت. قال ابن القاسم في سماع عيسى: وإن نكل، حلف البائع على العلم. يريد: في الخفي، ثم يلزم المبتاع هذا العيب. ثم هو مخير في رد العبد بالعبد القديم، ورد ما نقصه العيب الآخر، أو حبسه وأخذ قيمة القديم. فإن نكل البائع لزمه العيبان، ثم للمبتاع حبسه، ولا شيء له، ورده ولا شيء عليه.
قال في كتاب محمد: فإن حدث به مع ذلك عيب ثالث عند المبتاع، فله رده مع ما نقصه هذا الثالث عن العيبين، ويحلف في العيب المشكوك فيه على العلم، وإن شاء أن يحبسه فذلك له، ويرجع بما نقصه القديم، ويحلف البائع في المشكوك فيه على علمه، فإن نكل حلف المبتاع، ورجع عليه بقيمة هذا العيب الآخر أيضًا.
قال ابن حبيب: ومن اشترى جارية، أو دابة، أو سلعة من السلع، وأشهد أنه متى قلب ورضي، ثم وجد عيبًا مثله لا يخفى على التقليب، أنه يلزمه، وليس له رده ولو لم يشهد على نفسه أنه قلب ورضي، رد من الأمرين جميعًا. وكذلك فسر لي مطرف وأصبغ. ومن كتاب محمد وغيره: قال مالك في نخاس ابتاع عبدًا، فأقام بيده ثلاثة أشهر حتى صرع وفصد، ونقص، ثم وجد عيبًا قديمًا. فلا أرى له ردًا، ومن هؤلاء النخاسين من يشتري، فإن وجد ربحًا باع، وإلا خاصم، وأرى أن يلزم هؤلاء فيما علموا أو فيما لم يعلموا.
قال ابن القاسم: وأحب إلي إن كان مثله يخفى ويسقط عنه، أن يحلف ما رآه، ويرده، وإن كان على غير ذلك، لزمه. وأما غير النخاسين، فليردوا فيما خفي وفيما لم يخف. قال محمد: بغير يمين عليهم. وذكر ابن حبيب عن مالك مثل ما
[6/ 291]

(6/291)


هاهنا عنه، أن يلزم النخاسين في الخفي غيره، لبصرهم بالعيوب. وذكر أن ابن القاسم روى مثله، وخالفه.
وقال في الواضحة: وإذا حلف البائع في العيب، ثم وجد المبتاع بينة، فإن كان يعلم بالبينة، أو يرى أنه لا يجهلها فلا قيام له، وإن لم يعلم بها، إما لغيبتها، أو أن مثلها وإن حضرت لا يعلم أن عندها علم، فله القيام بها، وأن أشكل ذلك من علمه بها أو جهله، فليحلف ما علم بها، ثم يقضى له بشهادتهما.
قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: ومن ابتاع حيتانًا، فذهب بها، ثم قال: وجدتها خزنة، فقال له البائع: عندك خزنته، فإن كان من وقت البيع إلى قيامه ما يحدث في مثله، حلف البائع ما باع منه خزنًا في علمه، وبرئ، وإن كان لا يحدث الخزن في مثله، ردها عليه بلا يمين.
ومن العتبية: روى أصبغ، عن ابن القاسم، في الدابة العثور ترد بذلك، إن ثبت أنه كان عند البائع، فإن لم تكن بينة، وهو مما يحدث ويقدم، حلف البائع على علمه، فإن نكل، حلف المبتاع على علمه وردها، وإن كان لا يحدث مثله في فوت البيع، وجب ردها.
ومن كتاب ابن سحنون: قال سحنون في جوابه لحبيب في الأمة المبيعة يظهر بها حمل يمكن أن يكون عند البائع، ويمكن حدوثه عند المبتاع، والمبتاع ينكر، قال: يحلف البائع أنه ما علم بذلك، ويبرأ؛ لأنه مما يخفى من العيوب، قال: ولو باع أمة متعكرة العينين، وقال: هو رمد، ثم أتى المبتاع بعد ذلك، فقال: بعينيها جرب، فقال: يسأل عن ذلك أهل المعرفة، فإن كان جرب لا يحدث مثله في هذه المدة من وقت الشراء، فهو من البائع، وترد عليه، وإن كان مثله يحدث، كان كالعيوب التي يحدث مثلها.
[6/ 292]

(6/292)


ومن كتاب ابن سحنون: وسأل حبيب سحنون عمن باع من رجل عبدًا، فقام فيه بعيب، فزعم البائع أنه باعه إياه بالبراءة من كل عيب، ولم يكن بهذا العيب عالمًا، فأنكر المشتري أن يكون اشتراه بالبراءة، ولم يأت البائع ببينة، فحكمت عليه بالعيب، فأتاني المحكوم عليه، فالبائع منه لا حكم لنا عليه، فقال له: أنت مقر أنك بعت من صاحبك بالبراءة، وقد جحدك ذلك، فكيف ترد علي بعيب أنت تزعم أنه منه بريء؟ وبراءتك أنت منه براءة لي، ولكن صاحبك جحدك، وكيف إن كانت جارية، فردت على الأول، أيحل له وطؤها وهو يزعم أنها للذي ردها عليه بالعيب؟ ولكن يجحده. فقال سحنون: له أن يرد على الذي باع منه أولاً، وله أن يطأ إن لم يرد ردها؛ لأنه بيع لم يتم، ومثل ذلك لو اختلف المتبايعان في الثمن، فتحالفا، ورجعت إلى البائع، أن له الوطء، ويرده بعيب إن وجدها، وهو يعلم أنه محق في دعواه التي جحدها صاحبه، ولكن لما لم يتم ذلك البيع، جاز له ما ذكرنا من الوطء والرد.

في اختلاف المتبايعين في الرد بالعيب في تاريخ البيع
ومبلغ الثمن وكيف إن جهلا الثمن
من العتبية، قال أصبغ: وإذا قام بعيب في عبد لا يحدث في أقل من شهر، فقال: ابتعه مثل عشرة أيام، وقال البائع: منذ سنة أو يأتي به وقد جن أو تجذم، فيقول المبتاع: هو في السنة. ويقول البائع: بعته منذ سنتين. أو يموت فيدعي المبتاع أنه في العهدة مات، أو في الجارية أنها ماتت فيما لا يكون فيه استبراء، أو لم تحض، ويدعي البائع قدم التاريخ، فذلك كله سواء، القول فيه قول البائع؛ لأنه مدعى عليه الرد، أو الضمان لقيمة عيب، سواء انتقد أو لم
[6/ 293]

(6/293)


ينتقد، وأراك نحوت إلى قول ابن القاسم، في مبتاع عبدين، قام في أحدهما بعيب، ومات الآخر، واختلفا في قيمته، أنه إن لم ينتقد، فالقول قول المشتري. وهذا خطأ، بل المدعي في هذا المشتري، نقد أو لم ينقد؛ لأنه ثمن وجد للبائع ادعى هذا أمرًا ينقضه، وكذلك قال أشهب. وذكر ابن حبيب اختلافًا في هذا الأصل كله في تاريخ البيع والعهدة وغيره.
وقد ذكرناه في أبواب اختلاف المتبايعين.
وقال ابن سحنون، عن أبيه، في جوابه لحبيب: إذا اختلف في تاريخ البيع لعيب ظهر، فالمبتاع مدع؛ لأنه يريد نقض البيع. وروى عيسى، عن ابن القاسم في المتبايعين يموت، فيقوم ورثة المبتاع بعيب قديم في العبد حتى هلك منه، وقد جهل الثمن ورثتهما، فإن مجهلة الثمن فوت، ويرجع بقيمة العيب من قيمة وسطه للعبد يوم قبضه، كان العبد قائمًا أو فائتًا. فإذا كان أعلى قيمته خمسين، وأدناها أربعون، جعلت خمسة وأربعين. قال عيسى: لا ينظر إلى وسقط القيمة، ولكن إلى قيمته يوم البيع، فيرجع بقيمة العيب منها، ومجهلة الثمن فوت. وذكر ابن المواز، عن ابن القاسم مثل ما ذكر عيسى في ذلك، وقد قال: إن لم يفت العبد: إنه يرده، ويرجع بقيمته يوم قبضه قيمة وسطه، ثم رجع إلى أن جهل الثمن فوت، وله قيمة العيب من قيمة وسطه، فات أو لم يفت.
من العتبية من سماع أصبغ: قال ابن القاسم في من رد عبدًا بعيب، وقال: قيمته ثلاثون. وقال البائع: عشرون، أو بعتكه بعرض، فالقول قول البائع في الوجهين، إلا أن يأتي بما لا يشبه. قال أصبغ: فيصدق المشتري فيما يشبه، فإن لم يأت بما يشبه ولا تقارب، فله قيمته عينًا يوم قبضه.
[6/ 294]

(6/294)


قال ابن القاسم: ومن باع ثوبًا بنصف دينار، فأحال به غريمًا له، فأخذ من المبتاع دراهم، ثم رده بعيب، فليرجع على بائعه بنصف دينار، لا بالدراهم. وقاله أصبغ اتباعًا، وفيه مغمز.
وروى أشهب، عن مالك، في من ابتاع طفلة، ثم قال بعد شرائه: هذه صغيرة، لا يفرق بينها وبين أمها، فقال له البائع: قد ماتت أمها. قال: أقم البينة. قال مالك: ليس ذلك عليه، ويلزم المبتاع البيع، وكذلك في الواضحة.

في العهدة في العبد يدلس فيه بعيب
فيناله بسببه هلاك أو نقص أو يكون أباقًا فيجني في إباقه
وكيف إن قام بعيب فهو في الخصوم حتى هلك فيه؟
من كتاب محمد، قال ابن القاسم وأشهب: قال مالك: إذا دلس البائع في العبد بإباق، فأبق، لزمه رد الثمن، وإن لم يصدقه البائع بإباقه، فالمبتاع مصدق مع يمينه، ولا بينة عليه، وكذلك في الجمل الشارد، وكذلك إن مات العبد من داء كان في جوفه.
قيل لمالك: فإن دلس له بمرض به، فمات منه، فقال: ومن يعلم أنه مات منه؟ وإن دلس بالسرقة، فسرق من بيت المبتاع، وذلك في ذمة العبد، لا يضمنه البائع.
ومن الواضحة قال: قال مالك: يأخذ جميع الثمن، وليس له في ذمة العبد، ولا في رقبته ولا على بائعه مما سرق شيء؛ لأنه عبده حتى يحكم له برده.
[6/ 295]

(6/295)


وقال ابن الماجشون، عن مالك في المدلس بالإباق: إنه يرد الثمن إذا أبق، كما لو دلس فيه بالسرقة فقطع. وقال ابن دينار: ليس كالسرقة، وإذا هلك في إباقه، فللمبتاع فيه عيب الإباق فقط، إذا لم يعطه الإباق، إلا أن يلحقه الهرب في عطب، كالنهر يقتحمه أو يتردى في مهواة فيهلك بذلك، أو يدخل مدخلاً، فتنهشه حية، ففي هذا يرجع بجميع الثمن، فأما إن مات في إباقه، أو سلم، أو جهل أمره، فليس فيه إلا قيمة العيب، وأخذ ابن الماجشون بقول مالك، وقاله جميع أصحابه، قال: لأنه بالإباق ضمنه حين دلس به.
قال ابن الماجشون: وإن جنى في إباقه، ثم جاء قبل قيام المبتاع، فله أن يرجع بالثمن، ويعامل البائع المجني عليه، ولو جنى قبل إباقه، فالمبتاع مخير، إن شاء افتكه، ورده إلى البائع، وأخذ ثمنه، أو يسلمه، ويرجع بقيمة العيب، وإذا دلس بإباق، فأبق، فهلك، أو بسرقة، فسرق، فقطع، فمات لذلك أو لم يمت، أو يمرض، فتمادى به حتى مات منه، فإن ثبت علم البائع بهذا كله حين البيع، أدى جميع الثمن - وإن لم يعلم بذلك أو علم به فنسيه وقت البيع، فإنما عليه قيمة العيب.
ومسألة الأمة يدلس فيها بحمل تموت، ويقوم وقد ضربها الطلق، أو يراه ثم يقوم، هي في المدونة لأشهب، وحكاها محمد عن ابن القاسم نصًا واحدًا.

في العيب الباطن لا يظهر في الخشب وغيرها
إلا بعد نشر أو كسر أو نحت أو قطع
وفي العيب يظهر بعد لباس الثوب وفي شراء الخشب في الماء
من كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن دلس في الخشب بعيب، منهى كالثياب والجلود فيما علمه ودلس به، ولا يضمن المبتاع ما أحدث فيها من نشر أو نحت أو قطع، وله الرد، ولا شيء عليه، وإن لم يدلس، مما كان من عيب يمكن
[6/ 296]

(6/296)


علمه لو طلب، فلا يرده إلا وما نقصه النشر وشبهه، كالثوب، إلا أن يقطعها قطع التلف، مثل الكوى والأبواب، أو يدخلها تحت البناء، فليس له إلا قيمة العيب. محمد: دلس أو لم يدلس، وكذلك ما يشبه ما ذكرنا. قال مالك: وما كان في مثل هذا من عيب، فلا يمكن أحدًا علمه إلا بعد نشر أو قطع أو نحت، فلا يرد بذلك، ولا شيء على البائع، ويلزم المبتاع، وكذلك ما يشبه هذا مما لا يظهر إلا بعد القطع، وكذلك الفصوص تحك، وخشب النخل يقطع، والخشب التي تخرط منها الأقداح، والصاري ينحت، فتظهر عيوب ذلك، فلا رد في ذلك، ولا قيمة عيب، وكذلك الرانج الجوز الصغير. وذكر محمد بن خالد، عن ابن القاسم في العتبية في الفصوص والجوز مثل ذلك.
قال: وقال ابن نافع: إن وجد عامة الجوز فاسدًا، فله رده، وإن كان يسيرًا لزمه كله بجميع الثمن. وقاله محمد بن خالد، من كتاب محمد، قال: وقد قيل لا يرد من الجوز ما كسر، فوجد فاسدًا، إلا مثل الجوزتين والثلاثة من الرانج والجوز الصغير. فأما الأحمال والكثير منه، فلا يرد، إلا أن يكون كله أو أكثره فاسدًا، فليرده، ويأخذ الثمن، وإن وجد يسيرًا من كثير، فلا شيء له.
قال مالك: فأما البض، ففساده يظهر، ومن البائع إن دلس، قال: وأنكر مالك رد المر من القثاء. قال ابن القاسم: ولا أرى أن يرد. قال محمد: أما إن كان كله أو كثره مرًا، فأرى أن يرد. وقال أشهب: إن كان يوصل إلى علمه بإدخال العود الرقيق فيه، فليرد منه ما بيه من اليسير، مثل الواحدة والاثنتين، وأما الأحمال فلا ترد، إلا أن يكون كله أو جله مرًا ورديئًا.
قال: وكل ما يمكن الاطلاع على عيبه من غير كسر من هذا كله فليرد، ولا شيء على كاسره؛ لأنه لذلك يشترى، وهذا في تدليس البائع، فإن لم يدلس، فليرد معه ما نقصه الكسر إلا ما يرد من فاسد البيض، وقد كسره، فليرجع مما بين القيمتين إن كانت له قيمة بعد الكسر يوم باعه، وإلا رجع بجميع الثمن.
[6/ 297]

(6/297)


وقال مالك، وابن القاسم، في البيض يجده فاسدًا: إن كان بحضرة البيع رده، وإن كان بعد أيام لم يرده، إذ لعله فسد عنده. وفي غير كتاب محمد: ولأن الفساد يسرع إليه.
ومن الواضحة ذكر ابن حبيب، عن مالك في الخشب مثل ما تقدم. قال ابن حبيب: وهذا إذا كان من أصل الخلقة فيها، لم يحدث فيها من عفن وشبهه. وكذلك غير الخشب مما لا يمكن أحدًا علم عيبه إلا بعد قطعه، ومثل الصندل والعود، وأما الرانج، والجوز، واللوز، والقثاء يوجد داخله فاسدًا أو مرًا، فمالك يراه كالخشب. وقال ابن الماجشون: هذا في اليسير، إذ لا يسلم منه، فأما ما كثر فيرد، ولو شرط البائع البراءة منه، لم يجز؛ لأنه خطر، وهو معنى قول مالك. وقاله أصبغ.
وقال مالك وأصحابه في عيب البيض: إنه مما يعرف ويظهر. قال ابن حبيب: وأما ما يحدث بعد الصحة من عفن وسوس، أو في الجلود من سوء صنعة، أو داء، فهذا مما يعلمه بعض الناس، وإن جهله آخرون، وله الرد، فإن دبغ الجلود، ثم ظهر له ذلك، فله أخذ قيمة العيب، أو يردها، ويكون شريكًا مما زادت الصنعة على قيمتها فاسدة غير مدبوغة، ولو باعها منه أولاً على أن يرد منها ما انتتف، لم يجز، إذ لا يدري ما ينتتف؟ وهل هو في خيارها أو شرارها؟ ومثل جلود الفرائين للمبتاع عند دباغها: إنها قد ساست، ولم تقم عنده ما تسوس في مثله، وهو لا يظهر له عند الشراء؛ لأنها يابسة، وربما كانت غير يابسة، والسوس فيها بين الجلد والصوف، فإذا دبغت، انتتفت، فهذا كسائر العيوب، وكذلك جلود البقر تباع مطوية يابسة، فإذا بلت تبين السوس فيها، فذلك من البائع، فهذا عند مالك وأصحابه، بخلاف ما فيه ذلك من أصل الخلقة، ولا يمكن أحدًا معرفته، إلا بعد قطعه، مثل الجدري في الجلود لا يعرف إلا بعد الدباغ، فيصير كالخشب لا يعلم عيبها حتى تشق، فأما ما يحدث في أيدي الناس من سوس وعفن وسوء صنعة، من قلة ملح أو حرارة شمس، أو ماء بحر، فكسائر العيوب. وقاله كله ابن الماجشون، وأصبغ. وقاله أصبغ في لون الحرير لا يعلم فساده حتى
[6/ 298]

(6/298)


يدخل العمل، فإن كان فاسدًا أصليًا ليس لسبب حدث فيه بعد تمامه، وكان لا يعرف حتى يدخل العمل، فلا رد له، ولو كان شيئًا يعرفه بالنظر قبل العمل، لكان له الرد، وكذلك ما كان سببه في الجلود من قلة الملح، أو يسقط في بحر أو نهر، ثم يجفف في الشمس، فتنتتف في الدباغ، فله الرد، ولا يعد بائعها مدلسًا. وإن قل ذلك؛ لأنه يرجو السلامة وترجى له، وقد يقل مكثها في الماء ويكثر، وقد يجزيها قليل الملح، وقد لا يجزي إلا أن يكون قد باع بعضها، فظهر له فيها ذلك، فهو فيما بعدها كالمدلس إن لم يبين، رد الثمن كله، وأخذها فاسدة.
ومن كتاب ابن سحنون، عن أبيه: وعن جلود تشترى يابسة، فتطرح في الماء، فيظهر فيها فساد واختراق، ولا يتبين ذلك للمشتري حتى تجعل في الماء، فيظهر فيها. قال: ينظر في ذلك أهل المعرفة، فإن كان مثل ذلك لا يخفى عن البائع، فهو كالمدلس، وإن كان يخفى مثله، كان كمن لم يدلس، وكان بمنزلة القثاء يجده مرًا ثم رجع بعد ذلك، فقال فيها غير هذا.
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم وأشهب: وليس اللباس في الثوب كالقطع فيه؛ لأنه منتفع، وكطعام أكله، قالا: وإذا وجد به عيبًا قديمًا بعد أن لبسه حتى غسله غسلات، والتدليس في اللباس وغير التدليس سواء، إن كان لباسًا خفيفًا، رده ولا شيء عليه، وإن كان كثيرًا ينقصه، لم يرده إلا وما نقصه أو يحبسه، ويأخذ قيمة العيب، وكذلك افتضاض الأمة؛ لأنه انتفع، فلا يردها إلا بما نقصها ذلك. وذكر في الواضحة، عن مالك في اللباس مثل ما تقدم. وقال عن أصبغ أنه أجاز شراء الخشب في الماء، لا يرى إلا ما ظهر منها. وقال: أمرها على السلامة، وإذا وجد خلافًا على ما ظهر منها، وله الرد، وإذا خرجت، فجعلت ركامًا بعضها فوق بعض، لم يجز شراؤها، كذلك حتى يظهر لمشتريها ما يعرف به ما يشتري.
[6/ 299]

(6/299)


باب في القيام بالعيب في غيبة البائع أو حضرته
وكيف إن أشهد برد العبد ثم هلك بيده؟
وكيف إن استخدم أو ركب الدابة
أو ولدت الأمة؟ وهل يحلف في ذلك؟
من العتبية من سماع عيسى، عن ابن القاسم: ومن قام بعيب في جارية، والبائع غائب، فليقم البينة أنه ابتاع منه بيع الإسلام وعهدته. قال غيره في غير العتبية: وأنه نقده الثمن، فيبيعها عليه الإمام، فإن لم يف ثمنها بماله، اتبعه بما يفي، ولا شيء له في الوطء إن لم تكن بكرًا، قيل: أيحلف أنه ما وطئ بعد علمه بالعيب؟ قال: إن كان ممن يتهم، فيحلف، وإن لم يتهم، لم يحلف.
قال سحنون: قال أشهب، عن مالك، في من رد أمة بعيب: فليس للبائع أن يحلفه أنك ما وطئت بعد العلم به. قال سحنون: جيدة.
ومن سماع ابن القاسم، قال مالك في من قام في عبد بعيب، فلقي بائعه، فأخذه، وأشهد أنه غير راض به، وأنه بريء منه، فأقبل ليأخذ عبده، فوجده قد هلك بعد هذا، أو أبى أن يأخذه، فذهب المشتري ليستأذن عليه، فهلك العبد، قال: هو من المبتاع حتى يرده بقضاء سلطان، أو بأمر يعرفه البائع، ويأخذ عبده.
قال ابن القاسم: إذا قضى له السلطان، فهو من البائع، وإن لم يقبضه. قال عنه ابن المواز: وإلى هذا رجع مالك إذا قضى السلطان.
قال ابن المواز: قال ابن القاسم: ومن ابتاع عبدًا بغير بدله، ثم وجد به عيبًا أو أصابه جنون بعد شهر، فلم يعرف أمره حتى مات عنده بعد ستة
[6/ 300]

(6/300)


أشهر، فليرجع على بائعه بقيمة عيب الجنون؛ لأنه في السنة، فكأنه اشتراه وهو به، وكذلك البرص، ولو كان موته منه، فقيمته على البائع.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: وإذا علم بإباق العبد، والبائع غائب، وأشهد أني رددته، فلا ضمان علي فيه، ثم كتب القاضي في جلب البائع، فلم يقدم حتى مات العبد، فليس له إلا قيمة العيب، وكذلك لو أقام بينة بإباقه، فقال البائع: أنا أجرحهم، فكان في ذلك حتى مات العبد، فهو من المبتاع، وله قيمة العيب.
وفي باب من قام بعيب، وقد حدث عنده عيب مسألة العبد يرد بالعيب، والبائع غائب، والعبد مريض.
واختلف قول مالك في الدابة يسافر بها، ثم يحدث بها عيب في سفره، فروى عنه أشهب، أنه إن حمل عليها بعد علمه بالعيب، لزمته، وقال به أشهب، وابن عبد الحكم.
وروى عنه ابن القاسم، أنه له ردها، وليس عليه في ركوبها إياها بعد علمه شيء، وليس عليه أن يكري غيرها، ويسوقها، وليركب، فإن وصلت بحالها ردها، وإن عجفت، فله ردها مع ما نقصها العجف، ويحبسها، ويأخذ قيمة العيب، وقال به ابن القاسم، وأصبغ.
ومن العتبية، من سماع ابن القاسم، وذكر من قوله: فإن وصلت إلى آخرها من لفظ ابن القاسم، وزاد: وأما الحاضر، فإن ركبها ركوب احتباس لها بعد أن علم بالعيب لزمه، وذلك رضًا، وأما إن ركبها ليردها وشبه ذلك، ولا شيء عليه.
ومن كتاب محمد: ومن ابتاع عبدًا من رجل، فسافر به، ثم وجد به عيوبًا، فأشهد عليها، ثم باعه، ثم قدم فخاصمه، فإن لم يرفع إلى سلطان حتى يقضي له برده وبيعه، فلا شيء عليه.
[6/ 301]

(6/301)


قال محمد: وإن كان في بلد لا سلطان فيه، أو سلطان لا يحكم على غائب أو متناول السلطان يبعد، رأيت أن يشهد على ذلك ويبيع، ويرجع ببقية الثمن.
ومن الواضحة: ومن سافر من اشترى من ثوب يلبسه أو دابة يركبها، أو جارية، أو عرض له ثقل، وعليه في رد ذلك مؤنة، فليقم البينة أنه اشترى بيع الإسلام وعهدته، ثم يبرأ من ذلك العيب، وليحلفه السلطان أنه ما تبرأ منه إليه ثم يبيعه على البائع، وله الفضل، وعليه النقص، يقضى له بذلك، فإن لم يجد بينة، فليس له إلا الرضا به، أو يرده إلى بلد البائع، ثم لا يطأ الأمة، ولا يلبس الثوب، فإن فعل، فذلك رضى بالعيب، وأما العبد، فله أن يستخدمه، أو دابة، فله أن يركبها، وينتفع بها. ثم ذكر مثل ما تقدم عن مالك، وابن القاسم، وإذا وصل بها وقد تغيرت أو لم تتغير. قال عبد الملك: قال: وأما الحاضر، فإن له أن يستخدم الأمة خدمة مثلها بعد قيامه، إلى أن يقضى له بردها، ويستخدم العبد، ويركب الدابة بالمعروف، حتى يقضى لع بالرد؛ لأن عليه النفقة والضمان، وأما الثوب، فلا يلبسه، وأما الأمة، فلا يتلذذ بها شيء، وقاله أصبغ، وغيره من أصحاب مالك. والذي ذكر ابن حبيب من الخدمة خلاف ابن القاسم، وأشهب، وغيره.
[6/ 302]

(6/302)


باب فيمن وجد عيبًا بعد أن باع أو تصدق أو رهن أو واجر
وكيف إن حدث به عيب آخر؟
وهل يقوم على باع بائعه؟
من كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: قال مالك: وكل ما فات به العبد أو غيره من السلع بعد المبتاع، ثم ظهر على عيبه، فله الرجوع بقيمة العيب، إلا في بيعه، أو هبته إياه لثواب، فلا يرجع بشيء، إلا أن يرجع إليه بشراء، أو بميراث، أو صدقة، أو بعيب، أو بغيره، فليرده إن لم يكن علم بالعيب حتى باع. وقال عنه أشهب بلاغًا: إنه يرجع إن باعه بالأقل من قيمة العيب من ثمنه، أو بقيمة رأس المال. قال محمد: قول ابن القاسم أحب إليّ، إلا أن يكون نقص ثمنه من أجل العيب، ولم يعلم به بائعه، أو باعه وكيل له ونحوه، فليرجع بالأقل واختار ابن حبيب رواية أشهب، وذكر القول الآخر من رأي ابن القاسم. قال محمد بن عبد الحكم: إذا باعه، فله الرجوع بقيمة العيب كاملاً وأعاب رواية أشهب، عن مالك، وزعم أن هذا الذي قاله هو من قول مالك في موطئه.
وإذا قال: إذا فات العبد بوجه من وجوه الفوت، فللمشتري الرجوع بقيمة العيب. قال محمد: فالبيع فوت، ولا ينظر إلى الأقل.
ومن كتاب ابن المواز: ولو باعه المشتري له، ولم يعلم بالعيب، ففات عند المشتري الثاني مما وجب له الرجوع بقيمة العيب من ثمنه، فرجع بذلك، فللمشتري الأول حينئذ أن يرجع على بائعه بقيمة ذلك العيب من ثمنه هو، ما لم يكن أكثر من بقية رأس ماله، فإنما له أقل الثلاثة أوجه، وإن كان المشتري الأول مفلسًا، ولم يفت العبد، فليس للمشتري الآخر رده على البائع الأول،
[6/ 303]

(6/303)


وليرده إن شاء على الثاني، ويخاصم غرماءه بثمنه، ثم له ولسائر الغرماء رده على البائع الأول وأخذ ثمنه، يتحاصون فيه، فإن فات عند الآخر، فله ولغرماء بائعه الرجوع على بائع بائعه بقيمة العيب، فيتحاصون فيها، وفيما يصاب له، يضرب فيه الآخر بقيمة العيب. قال محمد: وإن لم يكن له غرماء وهو غريم، فللآخر الرجوع على الأول بما كان يرجع به هذا على البائع منه، إلا أن يرضى الأول أن يعطيه قيمة عيبه الذي كان يلزمه هو، أو بقية رأس ماله البائع الثاني فقط.
ومسألة من باع فدلس بالإباق فباعه المبتاع فأبق عند المبتاع الثاني، واستحق ولم يكن عيب، موعبة في باب العهدة في الدرك.
ومن الواضحة، قال: وإذا باعه بمثل الثمن فأكثر، ثم رجع إليه ببيع، أو ميراث، أو هبة وهو بحاله، فأراد رده بالعيب على بائعه، فإن كان قام عليه قبل يرجع إليه، فقضى عليه ألا يرجع إليه؛ لأنه باعه بالثمن فأكثر، فلا قيام له الآن، فإن لم يكن ذلك، فهو على أمره، يرد أو يحبس، ولو علم بعيب بعد أن آجره، أو رهنه، فإن كان أجل ذلك أيامًا يسيرة، أو شهرًا، أو نحوه، فليؤخر إلى انقضائه، ثم هو على أمره، وإن بعد كالأشهر والسنة، فهو كالفوت، ويرجع بقيمة العيب، إلا أن يشاء أن يفتكه معجلاً من الرهن، أو يراضي صاحب الإجارة على القسم ويرده، فذلك له. وفي المدونة لابن القاسم، وأشهب، اختلاف في هذه المسألة، ليس فيه هذا.
قال ابن حبيب: ومن ابتاع عبدًا، فباع نصفه، ثم ظهر على عيب، فإن باع نصفه بمثل نصف الثمن فأكثر، لم يرجع لذلك النصف بشيء، وإن باعه بأقل، رجع عليه بالأقل من تمام نصف الثمن، أو نصف قيمة العيب، ثم يخبر البائع في النصف الباقي بين أن يسترجعه بنصف الثمن، أو يدعه ويؤدي نصف قيمة
[6/ 304]

(6/304)


العيب، وذكر في كتاب ابن المواز: يخير البائع في النصف الباقي إن رضي مبتاع النصف بالعيب، وإن رد به، فللبائع رد جميعه أو حبسه.
ومن العتبية من رواية عيسى، عن ابن القاسم، وهي في كتاب ابن المواز، عن أصبغ، وهي في الواضحة، قالوا: ولو تصدق بنصفه فقط، فالبائع مخير بين أن يعطيه قيمة العيب كله، أو يعطيه نصف قيمة العيب، ويسترد نصف العبد بنصف ثمنه. قال عيسى في روايته: ولو دخله مع ذلك نقص في بدنه، فلا خيار للبائع، ويلزمه جميع قيمة العيب. قال: وقد قال أيضًا: ليس له خيار، واحتج فقال: إذا أراد هذا النصف الباقي فصار لعله يسوى جميع الثمن، قال: أنا آخذه، وأؤدي نصف قيمة العيب، وإن نقص تركه، وودى جميع العيب، فلا أرى ذلك، وعليه نصف قيمة العيب فقط. قال: ولو باع نصفه فقط، فإن رجع عليه بشيء فيما باع، رجع بجميع قيمة العيب. وإن لم يرجع عليه بشيء لم يرجع إلا بنصف قيمة العيب في النصف الباقي في يديه، مثل إذا باع نصفه، وتصدق بنصفه. قال في العتبية وكتاب ابن المواز: وإذا باع نصفه فليرجع بنصف قيمة العيب في نصف العبد، ولا يرجع للمبيع بشيء. قال في رواية عيسى: إلا أن يرجع إليه. وقال ابن حبيب: يرجع بنصف العيب في الصدقة، وينظر في النصف المبيع، فإن باعه بمثل نصف الثمن فأكثر، لم يرجع فيه بشيء، وإن باعه بأقل رجع بالأقل من تمام نصف الثمن، أو نصف قيمة العيب.
قال ابن القاسم في رواية عيسى: ومن اشترى عبدًا، وبه عيب لم يعلم به، ثم باعه، فحدث به عيب عند الثاني، فللثاني رده مع ما نقص عنده، أو يحسبه
[6/ 305]

(6/305)


ويأخذ قيمة العيب. فإن رجع بقيمة العيب من ثمنه، كان لهذا أن يرجع على بائعه بقيمة العيب من ثمنه لا من الثمن الثاني.
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: وإذا باعه من غير عالم بالعيب، يظنه حدث عنده، فتبرأ منه، ثم علم أنه قديم، فإن باع بأقل من رأس ماله، فليرجع بالأقل من بقية رأس ماله، أو قيمة العيب، فإن لم تعلم أيها المبتاع بالعيب أصلاً حتى بعت، فلتعرف المبتاع بذلك، فيرضى أو يرد، فإن رضي، فلا شيء له، ولا لك على بائعك، وإن رد، فلك أن ترد أو تحبس، ولو فات عند المبتاع منك بغير البيع، فله عليك قيمة العيب من ثمنه يوم شراه منك، ثم تنظر ما بقي بيدك منه، فإن كان مثل رأس مالك، فلا شيء لك على بائعك، وإن كان أقل، غرم لك بقيته أو ما وديت بسبب العيب، ما شاء من ذلك، فإن أبى، فعليه قيمة العيب من ثمنه يوم بيعه منك، وخالف أشهب ابن القاسم فيه إذا رضي المشتري الآخر به، ولم يفت عنده. فقال: ترجع أنت على بائعك بالأقل، وقال ابن القاسم: لا يرجع بشيء.
قال أشهب: وإذا ابتاع رجلان ثوبًا، فاقتسماه، فوجد أحدهما في نصفه عيبًا، فإنما يرد على شريكه، ثم يردان جميعًا على البائع مع ما نقصه القطع إن لم يدلس، أو يأخذا قيمة العيب.
قال ابن وهب: فإن تماسك أحدهما، وأحب الآخر الرد، تقاوما لعل البائع لا يقبله إلا كله. قال محمد: بل لمن شاء منهما الرد، ويغرم نقص القطع، أو يحبس ويأخذ نصف قيمة العيب؛ لأنه باع من كل واحد منهما نصفًا، وعلى أنهما يقتسماه ويقطعاه.
ومن ابتاع سلعة بعشرة، فباعها من رجل برأس ماله، ثم ابتاعها فيه بخمسة عشر، ثم ظهر على عيب قديم، فله الرد على الأول، ويأخذ عشرة، وإن شاء رد
[6/ 306]

(6/306)


على الآخر، وأخذ خمسة عشر، ثم للآخر رده عليه، ويأخذ منه عشرة، ثم للمبتاع الأول رده على بائعه إن شاء، أو حبسه، ولا يكون رده إياه أولاً على بائعه منه أخيرًا يمنعه من رده على الأول.
ومن الواضحة: وإن اشترى عبدًا وبه عيب لم يعلم به، ثم باعه من بائعه، فإن كان الأول مدلسًا، وقد نقص بيد المبتاع نقصًا يفوت به، فإن كان ما باع منه بمثل الثمن فأكثر، ساغ له، ولا شيء على البائع، وإن كان بائعه منه بأقل من الثمن، رجع عليه بالأقل من تمام الثمن أو من قيمة العيب يومئذ، وإن لم يكن نقص عنده، فباعه بدون الثمن، رجع عليه بتمام الثمن، وإن باعه بأكثر، فسائغ له، وإن لم يكن مدلسًا، وكان العبد بحاله، فإن باعه بمثل الثمن، فلا شيء له، وإن كان بأقل، رجع بتمامه، وإن كان بأكثر، فبائعه الأول مخير في حبسه أو رده، فإن رده فالخيار لهذا في مثل ذلك، وإن كان قد تغير بيد مبتاعه بما يفوت به، فسواء باعه بمثل الثمن أو أقل أو أكثر، فالبائع الأول مخير في رده، فإن رده، فلمبتاعه رده عليه مع ما نقصه عنده، أو حبسه، وأخذ قيمة العيب، وإن لم يرده البائع الأول، فإن ابتاعه بمثل الثمن فأكثر، فلا شيء للمبتاع، وإن كان بأدنى غرم له الأقل من قيمة العيب، أو تمام الثمن.
ومن العتبية: من سماع عيسى، من ابن القاسم: ومن ابتاع جارية، فباعها، فقام المشتري الثاني فيها بعيب، وأراد الخصومة، فقال له البائع الأول: أنا أقيلك فيها، فرضي، وثمنها الأول أقل من الثمن. قال: قال مالك: ليس على البائع الأول إلا الثمن الذي قبض. قال ابن القاسم: ثم ليس له أن يرجع على البائع الثاني ببقية رأس ماله. وكذلك في كتاب ابن المواز، وقال: قال أصبغ: وذلك إذا كانت إقالة مبهمة لم يسم لها بشيء.
[6/ 307]

(6/307)


ومن كتاب ابن المواز: وقال أشهب، عن مالك: ومن ابتاع فرسًا يحمل عليه في سبيل الله، ثم علم فيه عيبًا قديمًا، فإن خرج من يديه وقضى، فله قيمة عيبه، وإن كان بيده، فله رده على البائع، وأحب إليّ أن يشتري فرسًا يجعله في مثابته يريد ثمنه.

باب في العيب يوجد ببعض الصفقة أو يستحق
أو يوجد مختلفًا أو نقصانًا والتداعي في ذلك
من العتبية: من سماع ابن القاسم: ومن باع أعدالاً من كتان أو بز فنظر إلى ثوب أو ثوبين، أو رطل أو رطلين، ثم وجد الباقي لا يشبهه، فأما ما هو قريب مما رأى، فلا رد له، وكذلك القمح والتمر في بيت يكون أوله خيرًا من داخله، فأما التغير القريب، فلا حجة له فيه، وأما الأمر الفاسد، فليرد.
قال: ومن اشترى طعامًا جزافًا، أو كيلاً، أو غيره، فيجد أسفله مخالفًا لأوله، فإما أخذه كله، أو رده، إلا أن يسلم إليه البائع السالم بحصته، فيكون المبتاع أيضًا مخيرًا، كما يجتمعان على أخذ السالم. قال سحنون: وهذا إذا أصاب العيب بجله، فأما الشيء اليسير، فإنه يلزمه السالم بحسابه. يريد سحنون: في المكيل لا في الجزاف والعروض، إلا في استحقاق جزء شائع. وقال يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم: وإن كان يسيرًا لا خطب له، فليرده وحده بحصته من الثمن.
[6/ 308]

(6/308)


وكتب شجرة إلى سحنون، في التين يباع في أزيار قد رزم منها، والصير في أزيار، والحوت المالح، فيشتري الرجل من ذلك زيرًا، أو أزيارًا، أو مجارسًا وقد قلب أعلاه فرضيه، فيغيب عليه، ثم يأتي بعد أيام قليلة أو كثيرة، فيزعم أنه وجد أسفله خلافًا لما قلب في أعلاه من التين، أو الصير وغيره من الحوت المالح، ويقول البائع: ما كان أسفله وأعلاه إلا سواء كما رأيت، ويأتي بما يزعم أنه وجده في أسفله، فلا يصدقه البائع، وكذلك سلال العنب يغيب عليها، ثم يأتي في يومه أو من الغد بشيء دنيء، يقول: إنه وجده في أسفل السلال، فيكذبه البائع. وربما اختلفا كذلك في الرمان والبطيخ يباع في قفافه، ويقلب أعلاه.
فقال سحنون: إذا اشتروا على ما رأوا من أعلاه ذلك كذلك، وكذلك تباع هذه الأشياء، ثم يأتون بعد أن غابوا عليها، فيدعوا خلافًا لما رأوا فيهم مدعون، وعليهم البينة أنهم من حين أخذوه لم تفارقهم البينة حتى وجدوا الخلاف، وإلا حلف البائع: ما باع إلا على أن أسفله مثل أعلاه وبرى.
ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع صبرة، أو مائة قفيز، ثم يستحق نصف ذلك، فله رد ما بقي، إلا أن يتماسك به. وقال أشهب: تلزمه ما بقي، وكذلك إن نقصت خمسين، وقد قال مالك في الرقيق يستحق نصفها، يلزمه ما بقي، وهي أولى بالرد، وإلا فلا حجة له في الطعام في استخفاف اليسير منه، أو نقص اليسير.
قال ابن القاسم: وإذا أصاب في المائة قفيز ثلثها، أو ربعها معيبًا، فليس له أخذ السالم بحصته، قال مالك: وكذلك الصبرة في أسفلها خلاف، إلا أن يتفقا على ذلك. وقال عنه أشهب في الصبرة: إن قال أهل الطعام: لا بد من هذا، لم يرد شيء منه حتى تجد اختلافًا بينًا، فيأخذ الجميع أو يرده.
[6/ 309]

(6/309)


وذكر قول ابن القاسم في الشاتين، واحدة غير ذكية، والقلتين، إحداهما خمر، وقول أشهب. وقال أصبغ بقول أشهب، وبقول ابن القاسم يقول محمد.
قال مالك في من ابتاع رقيقًا، فوجد بأحدهم عيبًا، أو وجد مسروقًا، فإن كان وجه الصفقة، وفيه رجاء الفضل، فله رد الجميع. قال ابن القاسم: يعني في كثرة الثمن. قيل: فنصف الثمن؟ قال: لا، حتى يكون أكثر، ويكون ما بقي له تبعًا، وإذا رد القليل، فبحصته من الثمن، لا بما سمى له من الثمن، وكذلك صبرة قمح، وصبرة شعير تباعا في صفقة، كل صبرة بدينار، تستحق التي ليست وجه ذلك، فإن استحقت الوجه، رد الأخرى، وإن فاتت وجهل كيلها، لزمته بحصتها من الثمن، ولو اشتراهما على أن كل قفيز بدرهم، لم يجز. وقال ابن حبيب بخلاف قول ابن القاسم، وأشهب، في التراضي، يأخذ الأدنى بحصته وقد استحق الأرفع، أو رد بعيب، فقال في رقيق في صفقة واحدة يوجد بأحدهم عيب أو يستحق، وهو الذي يرى فيه النماء، والربح، وكثرة الثمن. ومن أجله اشتري الجميع، فرضي المتبايعان بأخذ المبتاع ما بقي بحصته من الثمن: إنه جائز؛ لأنه كان بيعًا قد تم، بخلاف من ابتاع عبدًا وجارية، وهي وجه الصفقة، فهلكت في المواضعة، فلا يجوز الرضا بأخذ العبد بحصته؛ لأنه لم يكن بيعًا يتم إلا بخروجها من الحيضة.
ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع دارين، فاستحق بعض واحدة. فأما أيسرها، فليرجع بحصته، وإن كان أكثرها وهي وجه الصفقة، ردهما، وأما الدنية، فيردها بحصتها. وقد قيل: هما كدار، فإن كان ذلك يسيرًا في الصفقة، لم ينتقض البيع، وهذا قول سحنون.
ومن ابتاع حائطًا، فاستحق نصفه، فله رد جميعه. قال مالك في الدار والحائط: إن استحق من ذلك كثير، تضر به فيما بقي، ويضيق ذلك عن سكناه وعما اشتراه له، فله رد الجميع، وأما نخلات يسيرة، أو من الدار ما لا يضيق عليه، فيلزمه ما بقي. قال: ومثل الثمن والسدس يسير، والثلث كثير، ترد به الدار.
[6/ 310]

(6/310)


قال أشهب: ومن ابتاع عدة رقيق، فوجد بواحد عيبًا، فإن كان ينقص ذلك من ثمن الجملة شيئًا، رد الرأس وحده بحصته، وإن لم ينقص من ثمن الجملة لم يرده، وإن كان ينقص من ثمنه لو انفرد. قال محمد: وأنا أستحسن هذا في الحمل خاصة، وأما غيره من العيوب، فليرده بحصته مما بقي.
ومسألة بيع السفينة من الرقيق كتبتها في باب عيوب الرقيق، وهي من العتبية، وهي في كتاب ابن المواز.
قال: ومن باع جارية بجاريتين، فرد واحدة من الاثنتين بعيب، وقيمتها سواء، فليرجع بنصف قيمة جاريته، فاتت أو لم تفت، لضرر الشركة. وقال أشهب في غير هذا الكتاب: يرجع فيها بعيبها، وإن كان العيب بأرفع الجاريتين، ولم يدخلهما نقص في بدن، فليردهما، ويأخذ جاريته إن لم تفت في سوق أو بدن، فإن فاتت في سوق أو بدن، أخذ قيمتها يوم قبضها الآخر.
قال في الجزء الرابع في القيام بعيب، فقال: قيمتها يوم خرجت من الاستبراء، وإن لم تفت هذه ولا المبيعة، وفاتت الدنية. وقيمة الدنية قيمة مطلقة، لا على الحصة، لانتقاض البيع، ويأخذ جاريته، وإنما يفيت الدنية هاهنا حدوث عيب مفسد لا تغير سوق، وكأنه وجد العيب بها، إذ هو بوجه الصفقة. وأما إن فاتت المتفردة في سوق أو بدن، فليرد المعيبة فقط بقيمتها من قيمة صاحبها: إن فاتت الدابة، فيأخذ تلك الحصة من قيمة المنفردة، وإن لم تفت الدنية، ردها مع المعيبة، ولو وجد العيب بالدنية، ردها بحصتها من قيمة المنفردة، وإن لم تفت المنفردة بشيء، ولو فاتت المعيبة، وهي أرفع الاثنتين، رجع بحصة العيب في قيمة المنفردة، وإن وجد بأحد الجاريتين عيبًا، وماتت الأخرى، فاختلفا في قيمتها، فادعى مبتاعها قليلاً، وقال بائعها: قيمتها الثلثان، فليصفاها، فإن اختلفا في الصفة، فالقول قول البائع مع يمينه، انتقد أو لم ينتقد.
[6/ 311]

(6/311)


وأنكر محمد فرق ابن القاسم بين المنتقد وغيره، وكذلك قال ابن حبيب، وقاله أصبغ في العتبية، وهو قول أشهب.
قال ابن القاسم: ولو وجد بالمنفردة عيبًا فردها، فإن فاتت أرفع الاثنتين بحوالة سوق أو بغيره، أو فاتتا بذلك جميعًا، فله قيمتها يوم قبضها الآخر، وإن فاتت الدنية فقط، رد قيمتها، ما بلغت، لا على الحصة، ورد الرفيعة، وهذه المسألة من أولها قد ذكرتها في كتاب الاستبراء، من رواية عيسى، عن ابن القاسم، في العتبية، وفيها معان زائدة على ما هاهنا وهناك أشبه بذكرها.
ابن القاسم: ولو باع جاريتين بعين، فوجد عيبًا بالدنية، فليردها بحصتها من الثمن، وإن وجده بالرفيعة، وقد فاتت الدنية، رد الرفيعة بحصتها من الثمن، لأن البيع لم ينتقض كله، بخلاف أن لو كان ثمنها سلعة لم تفت، فإنه كان يرد الرفيعة وقيمة الدنية ما بلغت، لانتقاض البيع كله، ويأخذ سلعته. ولو كانت هذه السلعة مما لا ضرر فيها بالقسم، لاحتبس مبتاعها منها قدر حصة الدنية الفائتة، ورد ما بقي، ولو فاتت هذه السلعة، وقد فاتت الدنية، لرد المعيبة الرفيعة وحدها بحصتها من الدنية في قيمة السلعة الفائتة.
ومن ابتاع عبدين في صفقة، فوجد بهما عيبًا، فرضي أحدهما ورد الآخر: فإن رد الأدنى، فذلك له بقيمته من قيمة الأرفع في الثمن يوم البيع على السلامة، وإن رد الأرفع، فليس له حبس الأدنى، كما لو كان الأدنى سالمًا، هذا قول مالك وأصحابه.
ولو ابتاعهما بالخيار، فوجد بهما أو بأحدهما عيبًا قديمًا، أو حدث ذلك في أيام الخيار، فليس له رد أحدهما في أيام الخيار، رفيعًا أو دنيًا، وإنما له ردهما أو حبسهما بجميع الثمن، وكذلك لو وهبا له لثواب، فليس له رد أحدهما، لا الأرفع ولا الأدنى، إلا أن يدخلهما فوت، أو يكون قد أثابه فيصير حينئذ كالبيع بغير
[6/ 312]

(6/312)


خيار، فإن أصابه بالأرفع فشاء رده، ردهما جميعًا، وإن كان بالأدنى، فله رده وحده. قال: ولو أصاب العيب بهما. يريد: في بيع الخيار، فليس له إلا ردهما أو حبسهما، بخلاف البيع بغير خيار، قال: فليس العيب أوجب له فيهما الخيار، بل خياره فيهما قائم.
ومن ابتاع ثوبين بعشرة دنانير، فوجد بالأرفع عيبًا، وفات الأدنى، وهو قدر رفع الصفقة، رد المعيب وحده، وأخذ حصته، وكذلك إن كان الثمن قمحًا أو زيتًا، ولا ما لا ينقصه القسم.
قال مالك: ومن أراد رد عبد اشتراه بعيب، فصولح منه على عبد آخر، فاستحق أحدهما، فذلك كشرائهما في صفقة، قال: وكذلك إن صالح على ثوب.
قال ابن القاسم: وإن ابتاع عبدين بدار، فرد أدناهما بعيب، فليرجع بحصته في قيمة الدار، لا في رقبتها، وكذلك لو باعها بماله عدد ما يصلح فيه القسم، من الثياب، وغيرها، فليرجع في القيمة، ولا يرجع فيها وإن لم تفت.
قال أصبغ: وأرى إن كانت بحدثان البيع وقربه، وقبل تغير الأسواق، أن يرجع فيها بعيبها وينقص منها بقدر ما يرد.
وقال ابن القاسم: يرجع بذلك ثمنًا. قلت لمحمد: لم ولا ضرر على مشتريها؟ قال: فهو ضرر على بائعها إذا صار يرجع إليه من الدار قدر ثمنها، لا يسعه ولا يكفيه.
ومن اشترى مائة عبد، فاستحق منها سدسها شائعًا، فإن كانت لا تنقسم على ذلك الجزء، فهو مخير عند أول الاستحقاق قبل يستحق، بين أن يرد الجميع، أو يتماسك، وإن كانت تحمل القسم، فلا خيار له، ويلزمه ما بقي، كالدار العظيمة تحتمل القسم، يستحق منها جزء يسير سائغ، فيلزمه باقيها.
[6/ 313]

(6/313)


ومن باع عبدًا حاضرًا بعينه، وعبدًا موصوفًا إلى أجل، في صفقة، فاستحق المعين، نظر ما قيمته من قيمة الموصوف إلى أجله وحال بائعه، فيرد حصة المستحق، ويثبت الباقي، وإن كان المستحق وجه الصفقة، انتقض البيع كله.
ومن أسلم ثوبين في فرس، فاستحق أحدهما، فإن كان الأرفع، انتقض السلم، وإن كان الأدنى، مثل أن يكون ربع الصفقة، وفات الأرفع أو لم يفت، قيل له: ادفع ربع قيمة الفرس يوم الصفقة على صفقة إلى مثل أجله، مثل ما لو بايعه بفرس بعينه، ويكون لك الفرس، وكذلك في وجوب العيب. قال: وإن وجد بأرفعها عيبًا، والفرس بعينه، رد المعيب والأدنى، وأخذ فرسه إن لم يفت، أو قيمته إن فات، وإن فات الأدنى، وهو ربع الصفقة، رد الأرفع مع قيمة الأدنى ما بلغت، وأخذ فرسه، إلا أن يفوت، فلا يرد إلا الأرفع، ويأخذ ثلاثة أرباع قيمة الفرس مطلقة يوم البيع، وحوالة الأسواق في الفرس في هذا فوت، ثم لا يرد إلا المعيب وحده، كان الأرفع أو الأدنى. وإن كان العيب بالفرس فرده، أخذ ثوبيه، وما فات منهما، أخذ قيمته ما بلغت، كان هو الأرفع أو الأدنى.
وبعد هذا باب في الشقة أو العرصة توجد أقل من الذرع المشترط أو أكثر.

في العبد يؤخذ في نكاح أو دم أو صلح أو سلم
أو في دين ثم يوجد به عيب أو يستحق
وفي الصلح من عيب يقام به
من كتاب ابن المواز: وإذا نكحت امرأة بعبد بعينه، فظهرت منه على عيب، وحدث عندها عيب آخر، فلها أن تأخذ قيمة عيبه. يريد محمد: من قيمته، أو ترده مع ما نقص عندها، وترجع بقيمته صحيحًا.
ولو استحق بحرية، فلا شيء عليها في العيب الحادث عندها أو ترجع بقيمته سالمًا.
[6/ 314]

(6/314)


ومن العتبية قال سحنون: وإن نكحت بعبد مضمون، فقبضته، فألفته معيبًا، فلترده، فإن فات، ردت قيمته، وترجع بعبد مثله. وكذلك من قبض عبدًا من سلم، فمات بيده، ثم ظهر على عيب، فليرد قيمته، ويرجع بعبد مثله، وقيل أيضًا عن سحنون، ولم أروه: إنه ينظر ما قيمة العيب منه، فإن كان ربعه، رجع عليه بربع عبد، فيكون معه شريكًا في مثله، يريد: إذا مات.
وقال محمد بن عبد الحكم: إذا أسلم إليه مائة دينار في عبد يصفه، فقبضه وأعتقه، أو كانت أمة، فأولدها، ثم وجد بأحدهما عيبًا، أو استحق نصفه بحرية، فإنه يرجع بما نقصه العيب من قيمته، لا من الثمن، بخلاف العبد بعينه الذي ينفسخ فيه البيع برده، وهذا لو رده رجع بمثله، فلينظر إلى قيمته سالمًا، فقيل: مائتين، ثم يقال: ما قيمته وبه العيب؟ فيقال: مائة، فيرجع عليه بمائة دينار.
قال عبد الله: وهذا لا وجه له؛ لأنه إنما يجعله كأنه قبض نصف صفقته، فيرجع بنصف عبد، كما قال سحنون، أو يقول: قبض غير صفقته، فليرد قيمته كما قال ابن القاسم، ويتبعه بعبد، وهذا أشبه الأقاويل بالصواب إن شاء الله.
ومن الواضحة قال: ومن أخذ عبدًا من دين كان له من سلف أو بيع، أو من دية خطأ، ثم وجد به عيبًا، أو استحق، فانظر، فإن كان يشبه أن يكون ثمنًا لما اشتراه به من دين أو دية، فليرجع بجميع ذلك، وإن كان لا يشبه أن يكون ثمنًا له، وإنما أخذه على الهضم البين لعدم أو صلة، فليرجع بقيمة العبد بعينه، أو غيره من السلع إن كان، وفيه اختلاف، وهذا أحب إلي، وقد ذكر عن مالك.
[6/ 315]

(6/315)


ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: ومن ابتاع عبدًا بمائة دينار، فمات عنده، ثم علم فيه بعيب قديم، فصالح منه على مائة درهم قبل علمهما بقيمة العيب، فذلك جائز، وإن لم يعرف، وإن استحق حرًا، رجع بقيمته كله، ولو استحق مسروقًا، لم يرجع عليه بشيء، ورجع مستحقه على بائعه بالثمن.
فيمن ابتاع دارًا أو أرضًا أو شقة
على أن فيها من الزرع كذا وكذا
فوجد أقل أو أكثر أو وجد في الدار حائطًا لجاره
من كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن اشترى دارًا على أن فيها مائة ذراع، فوجد زيادة ذراع، فهو مخير في أن يغرم حصة الزيادة، أو يرد البيع كله، إلا أن يدع له البائع الزيادة.
وإن ابتاع ثوبًا على أن فيه سبعة أذرع، فوجد ثمانية، فذلك للمشتري بزيادته. قال محمد: وله الرد في النقصان.
قال أشهب: وأما الصبرة يبتاعها على كيل سماه، فتزيد، فليرد الزيادة، ويلزمه البيع فيما بقي.
ومن الواضحة ذكر في الثوب مثل ذلك. قال: وهو ثوب بعينه يقلبه، فلما تم البيع قاسه. وقال في النقصان: إن فات بالقطع، فليرجع بقيمة ذلك.
قال: ومن اشترى عرصة على ذرع مسمى، فهي كالشفة في ذلك، في الزيادة والنقصان، وأما الدار ذات البناء والمنازل، فليست كذلك؛ لأن هذه إنما توصف بحدودها، فإن سمى مع ذلك الزرع، فهي كالتحلية والمراوضة، وإن نقص الزرع يسيرًا، فلا قول للمبتاع، إلا أن يتفاحش النقص بما له خطر، فيكون عيبًا يرد به إن شاء، أو يكون اشترط الزرع اشتراطًا، منصوصًا، فيكون له فيما قل من النقص وكثر، مثلما لو قلنا في الشقة والعرصة: إنه عيب، وهو في العرصة والشقة عيب، كان ذلك بشرط، أو تذكر من البائع فقط، كما قال مالك
[6/ 316]

(6/316)


في الجارية التي تزعم أنها عذراء أو طباخة، ولو ذكر في العرصة مع الزرع الحدود، لم يكن كالدار؛ لأن العرص إنما يراد منها الزرع، كما يراد من الدار البناء، وقاله كله أصبغ وغيره.
ومن كتاب آخر/ قال سحنون في الثوب يشتريه على أنه سبعة في ثمان، فإن وجده أكثر من ذلك، فهو للمشتري، ولا كلام فيه للبائع برد ولا زيادة ثمن، وإن أصابه أقل فالمبتاع مخير بين رده أو الرضا به بما يقع عليه من الثمن، وأما إن قال: على أن فيه كذا وكذا ذراعًا، على أن كل ذراع بعشرة، فهذا إن أصاب زيادة، فالمشتري لا يأخذه إلا بزيادة من الثمن بقدر الأذرع كما سمى، وإلا رده، وأما في النقصان، فيلزمه بحصة ما نقص من الثمن، وأما الدار يشتريها على أن فيها ألف ذراع، فأجمل ذلك، أو قال: لكل ذراع من الثمن كذا. فهذا إن وجدها أزيد، فللمشتري أخذها، وإن وجدها أقل، فهي تلزمه بخطاط ما نقص ذلك القياس من الثمن، إلا أن يكون ما نقص منها كثيرًا يضر به، فلا يلزمه ذلك بحصته، إلا أن يشاءه. انظر قول سحنون في الدار: للمشتري أخذها. ولم يفسر، هل بزيادة ما زادت، أو بالثمن الأول، وما أراه يأخذها في الزيادة إلا بغرم حصة الزيادة من الثمن؛ لأنه قال: لأنه يضر به فيما يبقى منها. يريد: الزيادة. قال: إلا أن يكون لا يضره، لسعة الدار، وكثرة طرقها ومرافقها. قال: وليست كالثوب، ولا كالصبرة. وقال في الصبرة: يرد الزيادة، ويحاسب بما نقص، وتلزمه إذا لم ينقص كثيرًا.
ومن العتبية من سماع عيسى: قال ابن القاسم: ومن اشترى دارًا، على أن فيها ألف ذراع، فلم يجد إلا خمسمائة، فهو مخير في أخذها بحصتها من الثمن، أو يرد. وقال عنه أسد: إما يأخذها بجميع الثمن أو يردها. قال عنه عيسى: فإن كان فيها بنيان فانهدم، ثم قاس، فلم يجد إلا خمسمائة، قال: يلزمه بحصتها.
[6/ 317]

(6/317)


قال أصبغ: ومن اشترى دارًا بكل ما فيها، وكل حق هو لها، فهدمها إلا حائطًا أقام جاره ببنة أنه له، فلا حجة للمبتاع بذلك على بائعه، وإن طلب يمينه أنه لم يبعه منه فيما باع، لم يلزمه إلا أن يدعي أنه باعه ذلك الحائط بعينه، والبائع منكر، فليحلف له، فأما قوله: اشتريت جميع الدار، فهذا منها. فلا يمين له بهذا؛ لأنه إنما باع منه كل حق هو لها، فليس هذا من حقوقها.

ذكر ما يفيت السلع وأعواضها في الرد بالعيب والاستحقاق
وكيف إن أخذ بالثمن عرضًا أو دراهم؟
من كتاب ابن المواز: وليس تغير السوق في المعيب يفيت رده، فإذا رد، فتغير السوق في ثمنه إن كان عرضًا، أو عبدًا، أو حيوانًا فوتًا يوجب قيمته، إلا أن يكون عرضًا يكال أو يوزن، فيرد مثله. وكذلك ما يستحق، فتغير السوق في عرضه فوت على ما ذكرنا، وكذلك إن استحقت هبة الثواب، وتغير سوق عرضها، فله قيمته.
قال مالك: ومن باع سلعة بمائة دينار، فاستحقت السلعة، أو ردت بعيب، فليرجع بالمائة، إلا أن يكون ما دفع فيها لا يشبه أن يكون ثمنًا له، مثل ما يساوى خمسين، فهذا يرجع بالعرض، فإن فات فبقيمته. ابن القاسم: لأنه أخذه على التجاوز والهبة أو لعسرته، وإن كان يقارب المائة، فهو بيع مؤتنف، فعليه المائة، وكذلك إن أخذ بها قمحًا كيلاً، فليرد المائة، إلا أن يأخذه على التجاوز في قلبه، فليرد مثله، فات أو لم يفت، ولو باعه بالمائة، على أن يأخذ بالمائة عرضًا سماه، فكأنه لم يبع إلا بالعرض، والمائة لغو، فلا يرجع إلا بالعرض، فإن فات، فبقيمته، وتفيته حوالة الأسواق، إلا فيما يكال أو يوزن، فليرده أو مثله، فإن لم يعرف له كيل أو وزن فقيمته، وكذلك إن كان العوض سكنى دار، أو ركوب دابة، رجع
[6/ 318]

(6/318)


بقيمة ذلك، فإن رد الموزون أو المكيل بعيب، أو استحق وثمنه عيب أو عرض حال سوقه، فليرد قيمته، إلا فيما يكال أو يوزن، فيرد مثله ما لم يكن جزافًا، فيرد قيمته، وإن كان المعيب عرضًا مضمونًا، رجع بمثله، ولم ينقض البيع، ولو استحق ما أخذ في الثمن، أو رده بعيب، رجع بالثمن ما كان، فات أو لم يفت.
قال ابن القاسم في العتبية، عن مالك في من باع سلعة بدنانير، ثم أخذها دراهم، ثم استحقت السلعة، وحال الصرف، فليرجع بالدراهم، بخلاف العرض يأخذه في الثمن، فإن أخذ به عرضًا، فذكر مثل ما ذكر ابن المواز.

باب في مال العبد وغلته
وغلة النخل في الرد بالعيب والبيع الفاسد
من كتاب محمد: ومن رد عبدًا، أو نخلاً بعيب، وقد استثنى مال العبد، والثمرة المأبورة في النخل، فليرد المال والثمرة، وإن كان أكثر ثمنًا، فإن هلك ذلك بجائحة، أو تلف، لم ينقص ذلك من الثمن.
وقال مالك: إذا تلف المال عند المشتري، فلا يضمنه، ويأخذ جميع الثمن، إلا أن يكون أكله، بخلاف الغلة المؤتنفة. قال محمد: ما لم تجذ الثمرة، فإن جذها حتى يفيتها، لرد مثلها، ولو قبض مال العبد، ثم تلف، لرد مثله، وما لم يؤبر يوم البيع، فهو كغلة مؤتنفة.
وقال فيمن ابتاع نخلاً لا تمر فيها بيعًا حرامًا، ففسخ وقد أثمرت، فإن طابت، فهي للمبتاع، جذها أو لم يجذها، وإن لم تطب، ردت مع الأصل، ورجع بما أنفق، وكذلك إن ردت بعيب، وليس فيها تمر يوم الشراء، وهي الآن فيها.
[6/ 319]

(6/319)


قال ابن القاسم: وما جز من صوف كان يوم البيع على الغنم، فليرد مثله أو قيمته في الرد بالعيب، وأما في التفليس، فليحسب ثمنه من قيمة الأجل، ويرد بالعيب ما ولد للأمة بعد الشراء، أو قيمة الولد في الغنم إن أكلته، أو ثمنه إن بعته، وأما في التفليس، فلا شيء لربها من ذلك. أما أخذ الأمهات بجميع الثمن، وإلا فله الحصاص ما لم يكن ولدها معها، لم يبع ولم يتلف، وما أفاد العبد المردود بالعيب من غير كسب يده عند المبتاع أو ماله المشترط، فإنه يرد معه، وإلا فلا رد له، ويرد ما انتزع من ذلك كله، إلا أن يهلك عند المشتري، فلا شيء عليه فيه، وأما خراجه فللمبتاع وإن لم يقبضه حتى يرده بالعيب. لعله يريد: عند المشتري، وهو بيد العبد؛ لأنه قال أول الباب غير هذا.
قال مالك فيمن ابتاع عبدًا له ثلاثة أعبد فاستثناهم، ثم وجد ببعض عبيد العبد عيبًا، فلا رد له بذلك، ولا قيمة عيب؛ لأنه مال العبد، وهو لو هلك ماله في الثلاث لم يرد، ولو نزل بالعب نفسه شيء، رده ولا شيء عليه فيما هلك من ماله، وعبيده في العهدة، ولا في رد نفسه بعيب، ويأخذ جميع الثمن.

في بيع المصراة وردها لذلك
من الواضحة قال ابن حبيب: ومن الغش ما نهى عنه النبي عليه السلام من تصرية الناقة والشاة عند البيع. والتصرية: حبس اللبن في الضرع، وأصله حبس الماء. تقول: صريت وصريته. قال الأغلب:
رأت غلامًا قد صرى في فقرته ... ماء الشباب عنفوان شرته
[6/ 320]

(6/320)


وليست المصراة من الصرار، ولو كان منه لقيل: مصرورة، وتسمى المصراة المحفلة؛ لأن اللبن أحفل في ضرعها، فصارت به مجفلة، ولا تكون حافلاً، والحافل العظيمة الضرع، وهذا أصل لكل من باع شيئًا وزينه بغش، أن للمبتاع رده.
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: قلت لمالك: أتأخذ بحديث المصراة؟ قال: نعم، وإنما اتبع ما سمعت، أو لآخذ في هذا الحديث رأيي. ولم يأخذ به أشهب، وقال: قد جاء ما يضعفه إن الغلة بالضمان، وسألت عنه مالكًا، فكأنه ضعفه. قال أشهب: وهو لو ردها بعيب، وقد أكل لبنها، فلا شيء عليه للبن.
قال محمد: والذي يأخذ في الصاع في المصراة خاصة، وبه أخذ ابن القاسم، وإنما يرد بعد أن تحلب مرتين، فإن حلبها ثالثة، لزمته، وذلك في الذي أصرت، ولم يدر البائع والمبتاع ما حلابها؟ ولو كانت غير مصراة في إبان لبنها، فدرت، فحلبها، فليرد حلابها، ولا يردها إلا أن يكون البائع علم بحلابها فلم يخبره قدره.
وإن اشتراها في غير إبان لبنها، والبائع عالم بوجه حلابها، فلم يذكر، وجاء إبان حلابها. قال أشهب: فللمبتاع ردها، حلبت أو لم تحلب، إذا كانت شاة لبن. وقال ابن القاسم: لا رد له حتى يبتاع في إبان لبنها ويكتمه الحلاب. قال محمد: وأرى أن ينظر في ثمنها، فإن كان في كثرته ما يعلم أن ذلك لا يبلغ،
[6/ 321]

(6/321)


لشحمها ولحمها، ولا للرغبة في نتاج مثلها، فإن ظهر أن الغالب من ذلك أنه اللبن، فليردها إذا كتمه البائع وثبت ذلك.
تم الجزء الثاني من أقضية البيوع
يتلوه الجزء الثالث إن شاء الله
وصلى الله على محمد
[6/ 322]

(6/322)