النوادر
والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد وآله
الجزء الأول من كتاب أقضية البيوع
في عهدة الرقيق في الثلاث والسنة
من كتاب محمد، قال مالك، في عهدة الثلاث والسنة في الرقيق: إنما ذلك
بالمدينة وأعراضها الذين جروا عليها، فبيعهم أبدًا على العهدة، حتى تشترط
البراءة، ولا تلزم بغيرها من البلدان إلا أن تشترط. ولا براءة أيضًا أبدًا
حتى تشترط البراءة، ولا براءة أيضًا إلا بشرط.
قال ابن القاسم: وإذا كتب في الشراء من غير بلد العهدة، وله عهدة المسلمين،
لم ينفعه ذلك، إذا لم تجر فيهم. قال محمد: ومن يعرفها، فيبيع عليها لزمته.
[6/ 215]
(6/215)
قال ابن حبيب: قال المصريون من أصحاب مالك:
لا تلزم عهدة الثلاث أهل بلد حتى يحملهم السلطان عليها. وقال المدنيون
منهم: يقضى بها بكل بلد وإن لم يعرفوها ولا جرت فيهم، وعلى الإمام أن
يجريها، وليحكم بها على من عرفها أو جهلها قبل التقدم بها وبعده، ورووه عن
مالك.
ومن العتبية، روى أشهب، عن مالك وسئل: أيحمل أهل الآفاق على عهدة الثلاث
والسنة؟ قال: يتركون على عادتهم، مثل بيع البراءة عندنا، ولا يعمل بها أهل
مكة. وأما المواضعة فليحملوا عليها.
وفي سماع ابن القاسم: أرى أن يحمل الناس على العهدة. وقال: وددت ذلك، ولكن
لا يعملون بها.
ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم، عن مالك، في من باع نصف النهار،
فليلغ بقية يومه، وليأتنف ثلاثًا بعده. قال: وتؤتنف عهدة السنة بعد الثلاث،
وبعد الاستبراء، والثلاث داخلة في الاستبراء، وكذلك روى عنه أشهب وابن
القاسم في العتبية. محمد: فقال ابن الماجشون: يدخل في السنة الثلاث
والاستبراء.
قال ابن حبيب عن مالك: والسنة من يوم عقد البيع.
[6/ 216]
(6/216)
وروى عيسى، عن ابن القاسم، في العتبية، أن
عهدة الثلاث في بيع الخيار مؤتنفة بعد أيام الخيار. قال محمد: وليس في ذات
الاستبراء عهدة الثلاث، إلا أن تحيض من يومها حيضة بينة، فيحسب فيها بقية
الثلاث.
قال ابن حبيب: وفي المبيعة في أول دمها عهدة الثلاث، كانت لا استبراء فيها
إلا أبعد منها.
في النقد والنفقة في العهدة والاستبراء
وما يحدث في الثلاث، وذكر إباق العبد
وذهاب ماله ونمائه في الثلاث
من كتاب ابن المواز: قال مالك: لا يجوز النقد في الثلاث بشرط، ولا في
الاستبراء. ابن حبيب: لأن الضمان من البائع بعد. قال مالك: والنفقة فيه على
البائع. محمد: قال مالك: وإذا تشاحا في النقد في الثلاث والمواضعة، حبس بيد
أمين، ثم مصيبته ممن يصير له. وكذلك ذكر ابن عبدوس، وابن حبيب.
قال مالك في العتبية: ليس على المبتاع إيقاف الثمن، إلا أن يتطوع.
ومن كتاب ابن المواز: كل ما أصاب العبد في الثلاث، فمن البائع، والمبتاع
مخير، إلا أن يذهب عنه، وكذلك إن أصابه عمى، أو عمش، أو
[6/ 217]
(6/217)
بياض بعينه، وما ذهب قبل الثلاث، فلا رد
له. قال أشهب: أما الحمى، فلا يعلم ذهابها وليتأن به، فإن عاودته بالقرب
رده، وإن كان بعد الثلاث؛ لأن برءه فيها.
ومن العتبية: من سماع عيسى، عن ابن القاسم: وما أحدث العبد في الثلاث، من
زنى، أو سرقة، أو شرب خمر. قال ابن حبيب: أو إباق، فللمبتاع رده بذلك،
وكذلك الأمة في المواضعة. قال ابن حبيب: إلا أن يكون تبرأ من مثل ذلك
فيهما. قال: وقاله كله ابن الماجشون، وأصبغ وابن القاسم، وفرق بين الإباق
والسرقة، وبين الزنا وشرب الخمر فيهما فلا يعجبني.
قال عيسى، عن ابن القاسم: وما نما للعبد في ماله في الثلاث، وقد اشترط
ماله، فنما بربح، أو هبة، أو وصية، فذلك للمبتاع، وإن لم يبع بماله، فذلك
للبائع. قال عنه يحيى بن يحيى: وإن ذهب ماله في الثلاث، قال ابن المواز،
وابن حبيب: وقد اشترطه المبتاع. قال ابن حبيب: وهو عين، أو عرض، أو حيوان،
قالوا: فلا رد له بذلك. قال ابن حبيب: وقاله مالك وأصحابه.
ومن كتاب ابن المواز: وإن أبق العبد في الثلاث، وقد تبرأ منه، في الإباق،
فابن القاسم يراه من المبتاع، حتى يعلم أنه هلك في الثلاث، وكذلك كل ما
أصابه من كسر، أو عور، ثم وجده، فذلك من المبتاع حتى يعلم أنه أصابه
[6/ 218]
(6/218)
ذلك في الثلاث، وهذه رواية ابن القاسم، عن
مالك في العتبية، وروى أشهب، عن مالك في العتبية، وفي كتاب ابن المواز، أن
ذلك كله من البائع حتى يعلم أنه خرج من الثلاث سالمًا، ويرد الثمن إن أبق،
ولكن بعد ن يضرب في ذلك أجل حتى يتبين أمره، فإن وجده مثل رد الثمن، فهو
للمبتاع، وإن وجده بعد رد الثمن، فهو للبائع؛ لأنه بيع قد انتقض. قال عيسى،
عن ابن القاسم: وإن لم يبرأ من الإباق فهو من البائع، مات في إباقه أو لم
يمت.
ومن كتاب ابن سحنون: وسأل حبيب سحنون عن الرأس يصيبه في اليوم الثاني حمى،
فلم يرفقه إلى الحاكم أو ترافقا، فلم يجداه، ثم أتيا في اليوم الثالث وقد
زالت الحمى، وهما مقران بذلك، وقال المبتاع: لا آمن أن تعود. قال: فله رده،
ولو كان ابتاعه جماعة، فأقر اثنان منهم أنه حم في اليوم الثاني، فأنكر ذلك
الثالث، فشهادة الاثنين جائزة على الثالث، إذا لم يجز بشهادتهما منفعة،
لكراهيتهم لشركة المشتري معهم.
[6/ 219]
(6/219)
في العهدة فيما أسلم فيه، أو نكح به، أو
أقيل منه، أو رد بعيب، أو وهب،
ومن ابتاع زوجته، هل فيها عهدة أو مواضعة أو قيام بحمل؟
من كتاب ابن المواز: قيل لمالك فيمن أسلم في عبد، فقبضه، أفيه عهدة الثلاث؟
قال: نعم. قال محمد: لا عهدة فيه، وإن كان ببلد العهدة، إلا أن يشترطها،
وأما إن كانت أمة، ففيها الاستبراء.
وقال ابن القاسم: إذا قبض عبدًا من سلم، فأصابه في السنة جذام، فلا عهدة
فيه، إنما ذلك في البيع. قال مالك: في العبد المنكح به، العهدة. وقال
أيضًا: لا عهدة فيه.
قال ابن حبيب: والعهدة فيما أسلم فيه من الرقيق إذا قبض، كذلك سمعت أهل
العلم، ولا عهدة في سلف الرقيق، ولا في غقالة منها في البيع.
ومن العتبية قال أشهب، عن مالك: ومن رد عبدًا أو أمة بعيب بعد أن أقاما
عنده، فلا عهده فيهما، إلا أن الأمة إن كانت رائعة ترقبت فيها الحيضة، وإن
كانت وخشًا، فهي بالرد، والعبد من البائع، ولو ماتت الرائعة، أو تلفت في
ترقبنا بها الحيضة، كانت من البائع، وكذلك إن كان وطئها المبتاع؛ لأنا
[6/ 220]
(6/220)
إنما أوقفناها لاختبار الحمل، فإن كانت غير
حامل، فهي من البائع، وإن كانت حاملاً، لزمت المبتاع، ورجع بقيمة العيب.
ومن كتاب ابن المواز: ومن اشترى زوجته بعد البراءة وبعهدة الإسلام، ففيها
العهدة، ولا استبراء فيها، ولا مواضعة، ولا يضمنها البائع إلا في العهدة،
فإن نزل بها فيها ما ترد به وردها وقد ثبت، فسخ النكاح، وإن ظهر بها حمل لم
يردها ورجع بقيمة عين الحمل. ولا يحل للمشترى أختها قبل تناهي العهدة إلا
بتحريم يحدثها فيها بلا عهدة ولا استبراء يعني المشتري. قال محمد: لأنه شرط
بيع الإسلام ورفع البراءة. هكذا الأمر. والمبتاع لا يمكنه فيها بيع وهي
حامل منه، فلا معنى لذكره العهدة والاستبراء. ابن القاسم: وليس بيع الخيار
فيها بيعًا أفسخ به النكاح وأحل به الأخت وأعتق به على ذي القرابة؛ لأنه
إنما يقع البيع بعد تمام أيام الخيار.
وقال سحنون في العتبية: ليس في المعتدة وذات الزوج مواضعة، ولا الحمل فيها
عيب، إلا أنه لم يذكر في السؤال شرط العهدة، ووقع الموارثة.
[6/ 221]
(6/221)
في عتق أحد
المتبايعين في العهدة والاستبراء
وفي العبد يعتق ثم يتجذم في السنة
من كتاب ابن المواز: وإذا أعتق المبتاع العبد المبيع في عهدة الثلاث، أو
حنث فيه بعتق، نفذ فيه، وعليه أن يعجل الثمن، ويسقط بقية العهدة ولا يجوز
فيه للبائع عتق وإن لزمه ضمان بعتق؛ لأنه ليس له إسقاط العهدة، وذلك
للمبتاع.
وإذا أعتق أحد المتابعين الأمة في الاستبراء من وطء البائع، لم يعجل عتقه
حتى تحيض، كما ليس له تعجيلها وترك الاستبراء، إلا أن يكون الاستبراء من
غير وطء السيد، فينفذ عتقه ويتعجلها.
ولو أعتقها البائع والمبتاع، أو حنثا فيها بعتق، والاستبراء من وطء البائع
تربصنا بها، فإن ظهر بها حمل، عتقت عليه، وإن حاضت، عتقت على المبتاع، ولو
حدث بها عيب، لم يكن له تعجيل ردها للعتق، فإن كان الاستبراء من غير وطء
للبائع، عجلنا عتق المبتاع فيها، ثم إن ظهر بها حمل عتقت عليه، ويرجع بقيمة
عيب الحمل؛ لأنه لو ظهر بها عيب أو حمل، ولم يكن عتق، كان له الرضا به،
وتعجيل قبضها.
قال ابن القاسم: وإن ابتاع عبدًا فأعتقه، أو أمة فأحبلها، ثم ظهر بها في
السنة جنون، أو جذام، أو برص، فلا يرجع بشيء، وما أحدث من ذلك،
[6/ 222]
(6/222)
فكالرضا بترك العهدة. وقال أصبغ: له الرجوع
بقيمة العيب؛ لأنه كعيب كان عند البائع، وكذلك لو أعتق في عهدة الثلاث،
فليس ذلك بقطع لها، فإن أصابه فيها ما يرد بمثله، رجع بأرشه على البائع،
وكذلك في العتبية قول ابن القاسم هذا، وقول أصبغ، وقال سحنون مثل قول أصبغ.
وقال أصبغ في العتبية: قال ابن كنانة: إذا أعتق العبد، ثم تجذم في السنة،
نُظر، فإن كان له قيمة وإن قلت، رجع بما بين الصحة والداء، وإن لم تكن له
قيمة، رجع بالثمن كله، ونفذ عتقه، فإن مات العبد عن مالك، أخذ البائع منه
مثل الثمن، وورث المبتاع منه ما بقي، وإن كان قد رجع أولاً بما بين الصحة
والداء، فميراثه كله للمشتري، إذا كانت له قيمة ولو درهم واحد يوم رجع
بالعيب.
ومن الواضحة: ذكر ابن الماجشون في العبد يعتق ثم يتجذم في السنة أو تلد
الأمة من السيد، ثم تتجذم في السنة، أنه يرجع بما بين الصحة والداء.
قال ابن حبيب: وكان ابن القاسم يلوذ في هذا، فقال مرة بقول ابن الماجشون،
وقال مرة برد العتق، وقال أيضًا: يرجع بجميع الثمن، ويمضي العتق.
[6/ 223]
(6/223)
في العبد يجني أو
يجنى عليه في الثلاث
من الواضحة: قال مالك: وإذا جني على العبد في الثلاث، فأرشه للبائع، ثم
للمبتاع حبسه بجميع الثمن أو رده.
قال ابن حبيب: وإن جنى العبد جناية خطأ، قيل للبائع: أتفدي الثمن وتسلمه؟
فإن فداه لزم المبتاع العبد، وإن أسلم الثمن إلى المجروح وفيه قدر الأرض
فأكثر فلا كلام للمجروح، وإن كان أقل من الأرش. قيل: للمبتاع إن شئت أن
تجيز شراءك فافده بالأرض، فإن فعل، فالعبد له، ولا يرجع على البائع بشيء،
كما لو فداه وهو رهن أحيا لرهنه، لم يلزم ذلك ربه، ولو كانت جنايته في
الثلاث عمدًا، فللمبتاع رده بذلك، وكذلك الجواب في هذا كله، في بيع الخيار،
إن كان الخيار للبائع، وإن كان للمبتاع فقط، أو لهما، فهو مثل ذلك، إلا في
رد المبتاع إياه، فإن هذا له رده متى شاء، افتكه البائع أو لم يفتكه، وقاله
كله من كاشفت من أصحاب مالك فيه.
فيما يظهر في السنة من الأدواء الثلاثة
من العتبية: روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، في مبتاع الأمة يدعي في
السنة أن بها جنونًا، فرفع ذلك إلى الإمام، فوضعت بيد رجل
[6/ 224]
(6/224)
ليستبرئ ذلك، فلا تظهر للعدول حقيقة جنونها
إلا بعد السنة، فلا ترد بهذا حتى يثبت أن جنونها كان قبل السنة. وكذلك ما
يظهر في السنة من سبب يخاف عاقبته إلى غير ذلك من جنون، أو جذام، أو برص،
ولا يقطع به أهل النظر ويريبهم، فلا يرد بهذا حتى يشهد عدلان أنه جذام أو
برص. قال: ولو شاء فنظرها في السنة من خفة حاجبيها، وغير ذلك مما يظن
الناظر أنه جذام، ولا يقطع به أهل المعرفة ويخافونه؛ لأن بدايته يشك فيها،
فلم يردها بهذا الإمام، ثم يستحكم الأمر فيها بعد السنة بجذام بيِّن. قال:
إن استحق ذلك بها بقرب السنة، فله الرد، وإن طال ذلك بعد السنة، فلا رد له.
ومن الواضحة: قال ابن الماجشون: وإذا ذهب عقل العبد في السنة من ضربة أو
ترد، لم يرد بهذا، وإنما يرد بما يعلم أنه من قبل الجان، إلا أن يعلم أن
عقله ذهب من شيء خالطه مع الضربة، فيكون من البائع. وقاله المدنيون
والمصريون من أصحاب مالك، إلا ابن وهب، فإنه قال: بأي وجه زال عقله في
السنة، من ضربة أو غيرها، فهو من البائع. قال ابن حبيب: فإن ظهر به جذام
[6/ 225]
(6/225)
بيِّن، أو برص ظاهر، في السنة، ثم خفي
وذهب، لرد به؛ لأنه لا يؤمن كالجنون، ولأن مثل هذا له كمون في البدن، ألا
ترى أنه لو ظهر قبل السنة بيوم لرد به.
قال ابن الماجشون: وإن ظهر به في السنة من ذلك ما يشك في حقيقته، ثم انتشر،
واتضح بعد تمام السنة، فإنه يرد مما كان بدوه في السنة، وإن لم يوقن به في
السنة حتى تحقق بعدها. وبهذا قال ابن وهب، وأشهب، وأصبغ. وبه أقول. ولم ير
ابن القاسم، وابن كنانة بذلك ردًا حتى يتحقق قبل تمام السنة.
وفي باب عيوب الرقيق في أبدانهم، ذكر العبد يقال: إن به جذامًا لا يظهر إلا
إلى سنة أو سنتين. وفي باب من قام بعيب في غيبة البائع: مسألة بعضها من
معنى هذا الباب.
وفي باب اختلاف المتبايعين ذكر الدعوة في زوال السنة في العهدة.
في العهدة في الدرك فيما ابتعته
ثم بعته أو وليته أو أشركت فيه من شيء بعينه
أو في ذمة غريمك بشرط أو بغير شرط
من كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن ولى شيئًا له في ذمة رجل، أو أشركه فيه
من طعام أو غيره، أو كان عرضًا أو حيوانًا، فباعه، فعهدة ذلك على من
[6/ 226]
(6/226)
ذلك في ذمته، شرط ذلك أو لم يشترطه؛ لأنه
باع ذلك أو ولاه وأشرك فيه قبل يضمنه. فأما السلعة الحاضرة بعينها يبتاعها،
فقد ضمنها، فإن فعل ذلك فيها بحضرة البيع وقربه، ولم يفترقا، فعهدة ذلك في
الشركة، والتولية على البائع الأول، ولا شيء على المشتري الأول من استحقاق
أو عيب، اشترط ذلك أو لم يشترط. وأما في العيب، فتباعة ذلك على البائع
الثاني، إلا أن يشترط عليه أن عهدتك على الأول، ويكون ذلك عند مواجبة البيع
الأول، وقيل يبين بالسلعة، فيلزم ذلك. قال مالك: وإن تفاوت ذلك، لم ينتفع
بشرط زوال العهدة عن البائع الثاني.
قال أصبغ: وفوات افتراقهما الذي لا ينفع معه اشتراط العهدة في الشركة
والتولية على البائع الأول افتراق الأول والمشتري منه افتراقًا بينًا
وانقطاع ما كانا فيه من مذاكرة البيع.
وفي العتبية: قال فيها مثل ما ذكرنا من ذلك كله، من رواية عيسى، عن ابن
القاسم.
وروى أصبغ، عن ابن القاسم في العتبية في من ولى رجلاً بحضرة البيع، قال:
تباعته على الذي ولاه، إلا أن يشترطها على البائع الأول بقرب البيع الأول،
فيلزم، فإن تباعد لم ينتفع بما شرط، وعهدته على المولي، قال: فإن كان
بالقرب، فشرط العهدة على الأول وهو غائب أو حاضر، فذلك لازم.
[6/ 227]
(6/227)
وروى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، مثل ما
ذكر ابن المواز عن مالك، فيما أسلم فيه يباع أو يشرك فيه أن العهدة فيه على
من ذلك في ذمته.
قال يحيى في كتاب السلم: وإن شرط للبائع الثاني أنها منك حتى أقبضها من
الأول لم يجز ذلك.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: وإن بنت بالسلعة، وافترقتما، فلا تكون
العهدة في البيع والتولية والشركة إلا على الثاني، ولا ينفعه إن شرط شيئًا،
وكان مالك يقول: إن شرطه العهدة على رجل، فسمى رجلاً غائبًا معروفًا، فإن
أقر لزمه، وإلا كانت العهدة على البائع الثاني، وإن لم يكن الغائب معروفًا،
فسخ البيع، ثم رجع مالك، فقال: إن لم يكن بحضرة البيع، فشرطه باطل، حضر
الأول أو غاب، عرف أو جهل، وبهذا أخذ ابن القاسم، وكذلك في العتبية، من
سماع ابن القاسم هذا القول.
وروى عيسى، عن ابن القاسم، في من يقدم ويبيع بشرط العهدة على رجل سماه
معروف، مقر أو منكر، فلا خير فيه، إلا عند مواجبة البيع. وفي سماع أشهب،
قال مالك في ورثة باعوا رقيقًا، فطلب المبتاع أن يكتب على واحد منهم نصيبه،
فأبى، إلا على جميعهم، فإن وجه ما يعرف من ذلك، أن يكتب على جميعهم.
[6/ 228]
(6/228)
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك في المبتاع
إذا أشرك رجلاً أو ولاه عند مواجبة البيع، فشرط الرجل العهدة على المبتاع،
فذلك يلزمه. قال محمد: ولزمه لمغمزًا من الضمان الذي لم يكن يلزمه لولا
الشركة والتولية، وهو لا يجيز الضمان بجعل، ولكني أتقيه استحسانًا، إذ لو
زاده على الثمن، لزمه الضمان؛ لأنه بيع حادث.
جامع القول في العهدة في الدرك في العيب
والاستحقاق على بائعك أو على بائع بائعك
من كتاب ابن المواز: قال لي أبو زيد، عن ابن القاسم: ومن ابتاع عبدًا، ثم
باعه من غير مواجبة شرائه، فاستحق من يد الثاني بحرية أو ملك، أو قام فيه
بعيب كان عند الأول، ومبايعه عديم مفلس، حاضر أو هو غائب، مليء أو معدم،
فأما في العيب، فلا يرجع على الأول، وليرده على بائعه المفلس إن شاء، ويحاص
غرماءه، أما عن الاستحقاق، فليرجع على الأول في غيبة مبايعه أو عدمه؛ لأنه
غريم غريمه، إلا أن يكون عليه دين يحيط به، فيحاص غرماؤه. وروى مثله أصبغ
في الاستحقاق. قال أصبغ: وكذلك في العيب عندي بعد أن يقيم بينة أنه باع بيع
الإسلام من غير براءة، فيعدل على الإتلاف، إلا أن يقيم الأول بينة أنه باع
بالبراءة. قال محمد: لا يعجبني قول أصبغ في العيوب، وإنما نزع فيه إلى قول
ابن كنانة. وفي العتبية مثل ما ذكر ابن المواز من رواية أصبغ وبروايته هذا.
[6/ 229]
(6/229)
قال أصبغ في العتبية عن ابن القاسم: ولو
ثبت أن الأول باع بالبراءة فلا يرد إلا على الثاني، ويحلف الأول أنه ما
علمه. قال عنه عيسى: ولو ادعى الأول أنه باعه بالبراءة، فصدقه مبتاعه
المفلس، فإقراره بذلك قبل التفليس مقبول، وأما بعد التفليس فلا، ويرجع على
الأول أيضًا بقيمة العيب في فوت العبد، أو يرد إن لم يفت. قال عنه يحيى بن
يحيى: يرجع على البائع الثاني في فوته بقيمة العيب من ثمنه، ويرجع الثاني
على الأول أيضًا بقيمة العيب، فإن لم يتبع بشيء، لم يرجع على الأول بشيء،
وإن مات العبد من العيب أراه يريد: وقد دلس الأول به، فليأخذ المشتري الأول
من بائعه ثمنه، فإن كان أكثر مما باعه هو به، رفع إلى المبتاع منه ثمنه،
وحبس الفضل، وإن باعه بأكثر، غرم له ما بقي.
قال سحنون في مسألة التدليس بالإباق: إن لم يكن فيما أخذ من الأول تمام ثمن
المشتري الثاني، أن البائع الثاني يغرم له الأول من تمام ثمنه أو من قيمة
العيب.
قال يحيى، عن ابن القاسم: إن كان الأول عديمًا، لم يتبع الثاني إلا بقيمة
العيب ويتبع المشتري الثاني البائع الأول بالثمن الذي قبض، حتى يستكمل منه
تمام ثمنه.
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: ورواه أصبغ في العتبية عن ابن
القاسم، في من باع عبدًا، دلس فيه في الإباق، فباعه المبتاع ولم يعلم، فأبق
[6/ 230]
(6/230)
عند مبتاعه، فمات، قال في العتبية: أو لم
يمت، قالا: والبائع الثاني عديم. قال في كتاب محمد: فليؤخذ الثمن من البائع
الأول فيدفع منه إلى المشتري الثاني مثل ثمنه، فإن فضل منه شيء، دفع إلى
البائع الثاني.
وقال في العتبية: يؤخذ من الأول قدر ما اشتراه به الثاني فيدفع إلى المشتري
الثاني، ثم إن شاء البائع الثاني أن يتبع الأول بقيمة ماله إن كان له فضل،
وإن شاء ترك، قالا: وإن لم يوجد الأول، لم يرجع على الآخر إلا بقيمة عيب
الإباق من ثمنه، ثم إن وجد الأول أخذ منه الثمن، فأعطى منه المشتري الثاني
بقيمة رأس ماله، وما بقي فللمشتري الأول.
قال في كتاب ابن المواز: فإن لم يكن فيه إلا أقل من ثمن الآخر، فليس له
غيره، ولا يرجع بتمامه على بائعه إن لم يدلس، إلا أن يكون الثمن الأول أقل
من قيمة العيب من الثمن الثاني، فليرجع في بائعه بتمام قيمة عيبه. يريد
محمد: ولم يكن يرجع الأول بقيمة عيبه على بائعه.
قال سحنون في كتاب ابنه: إذا أخذ الثمن من الأول في عدم الثاني، فلم يكن
فيه مثل رأس مال المشتري الثاني، فإنه يرجع على البائع الثاني بالأقل من
تمام ثمنه، أو من قيمة العيب من ثمنه.
وقال ابن القاسم في العتبية: إن لم يكن فيه وفاء، فليس له غيره، يريد ابن
القاسم في معنى ما ذكر ابن المواز، ما لم يكن ذلك أقل من قيمة العيب من
ثمنه، فليرجع بتمام ذلك على الثاني. قال محمد بن يحيى، عن ابن القاسم: إن
كان
[6/ 231]
(6/231)
الأول عديمًا، لم يتبع الثاني، إلا بقيمة
العيب، ويتبع المشتري الثاني البائع الأول بالثمن الذي قبض، حتى يستكمل منه
تمام ثمنه.
وقال أصبغ في باب آخر من كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: إذا كان الثاني
عليمًا، أخذ من الأول الثمن، فدفع منه إلى المشتري الثاني قيمة عيب الإباق
فقط. محمد: بل يؤخذ من الأول ما كان يرجع به عليه الثاني لو عدم قيمة عيب
الإباق للآخر، فإنه يرجع بذلك ما لم يكن ذلك أكثر من الثمن الذي ابتاعه به
الأول. قال ابن القاسم: فإن لم يوجد الأول، قال: فلا يرجع على الثاني إلا
بما بين القيمتين، ثم إن وجد الأول، أخذ منه الثمن، فأتم منه للمشتري
الثاني تمام ثمنه، وما بقي للمشتري الأول.
قال محمد: ولم أر هذا الجواب يصححه أحد، وهو منكسر من غير وجه، والذي يصح
عندنا، أن ليس للثالث إلا قيمة عيب الإباق على بائعه، وليس لبائعه على
الأول إلا ما غرم بسبب الإباق ما لم يكن ذلك أكثر من الثمن الذي اشتراه به
منه. وقد قال ابن القاسم في عبد يتداوله ثلاثة، ثم يتبايعونه بالبراءة، فإن
وجد عيبًا، فإن كان عند الأول، ولم يعلم به الأوسط، والأول عالم به، فليس
على الأوسط إلا يمينه ما علمه، ثم لا يرد عليه، ولا على الأول، إلا أن يعلم
أنهم أرادوا بذلك الغش والتدليس، فيرد عليه، وإلا فلا.
محمد: وهذا أصح من الأول.
[6/ 232]
(6/232)
وفي باب آخر، قال مالك: وإذا قام الثالث
بعيب، كان عند الأول، ولم يبايعوه بالبراءة، والثاني عديم، فلا يرده إلا
على الثالث. محمد: ثم له ولغرمائه رده على الأول، وأخذ ثمنه، والمحاصة فيه،
فإن فات، فللآخر ولغرمائه أخذ قيمة العيب من الأول من ثمنه، فيتحاصوا فيه،
هذا بقيمة العيب من ثمنه، وهؤلاء بعينهم. محمد: إن كان الثاني عديمًا، ولا
دين عليه، وقد فات العبد، فليأخذ الثالث من الأول ما كان يرجع به على
مبايعه، إلا أن يدفع إليه الأول قيمة راس ماله، أو قيمة الغيب الذي كان
يلزم الأول من ثمنه.
في عهدة الدرك في من باع لغيره بوكالة أو وصاية أو تعد
وفي من باع لغيره وبين ذلك وفي يمين الوكيل والوصي
من كتاب ابن المواز: ومن وجد عبده في يد مشتر من غاصب، فإن أجاز البيع،
فالعهدة عليه دون الغاصب، وهذا إن لم يفت، فإن فات حتى يخير في الثمن، أو
في القيمة، فالعهدة على الغاصب وطولب بالقيمة أو بالثمن، ولا عهدة على
الوصي، وبيعه بيع براءة إلا أن يعلم عيبًا، فيكتمه، فيرد عليه،
[6/ 233]
(6/233)
وكذلك الورثة يكتمون عيبًا، قال: ويحلف
منهم في العيوب من يظن به علم ذلك على علمه، وكذلك الوصي ممن يرى أنه علم
ذلك. قال: ولا يتبع الوصي من الثمن إلا بما وجد بيده منه، أو من مال الميت
إن أكل الورثة الثمن، فإن دفع المال إلى الغرماء، فعليهم المرجع، ويباع
عليهم العبد ثانية، وهذا أحب إلينا، واختلف قول مالك في يمين الوكيل، فقال:
يخلق في العيب، وإلا رد عليه، وإن بين أنه لغيره، وقال: إنه علم أنه لغيره
لم يحلف، وإلا حلف إن لم يخبره، قال مالك في عبد أبق عند مبتاعه، وقال لهم:
أبقت عن بائعي، وقال أيضًا: إذا لم يعلمه، حلف إلا المنادين، والنخاسين،
ومن يبيع الميراث في من يزيد، فلا تباعة، ولا عهدة عليهم. قال محمد: أما
هؤلاء فكذلك، وأما الذي أخذ به الوصي والوكيل المفوض إليهم، فعليهم اليمين،
وإن أعلموا أنه لغيرهم، إلا أن يشترط ذو الفضل منهم أن لا يمين عليه، فذلك
له، أتبع فيه مالكًا استحسانًا، وأما الوكيل غير المفوض إليه أرسل ليبيع
شيئًا، فلا يمين عليه إذا أعلمه أنه لغيره؛ لأنه ليس له أن يقبل، ولو أقر
أنه كان يعلم العيب لينقض البيع، ما قبل قوله، فكيف يحلف؟! فإن لم يعلمه
أنه لغيره، فله الرد عليه، وإن باعه بالبراءة، وكان عيبًا يشك في قدمه، فله
يمينه، وإن نكل رد عليه وإن حلف فللمشتري إن شاء يمين ربه أنه ما علم
بالعيب.
[6/ 234]
(6/234)
قال مالك: وإن علم المبتاع بعد البيع أنه
لغيره، فهو مخير: إن شاء تماسك على أن عهدته على الآمر، وإن شاء رد، إلا أن
يرضى الرسول أن يكتبها على نفسه، فلا حجة للمبتاع. محمد: وهذا إذا أثبت أنه
لغيره.
قال ابن القاسم: وإن قام بعيب وأقر أنه أعلمه أنها لفلان، فادعى المبتاع
أنه قال: ليس بيني وبين فلان عمل، فلا يصدق، وليحلف المأمور: ما بعتك إلا
على أن تباعتك على الآمر.
قال مالك في الوكيل يشترط أن لا يمين عليه، ثم يوجد عيب: فأما الرجل الوصي،
فذلك له، وأما غيره، فلا، ويحلف، وإلا رد البيع. قال محمد: وإنما ذلك في
الوكيل المفوض إليه.
ومن العتبية، روى أشهب، عن مالك في الوضي يبيع لمن يلي عليه، ويشترط أن لا
يمين عليه، قال: ذلك له، وإن باه الوصي دار الميت، ثم استحقت، فليس على
الوصي من الثمن شيء وهو في التركة إن طرا للميت شيء.
قال ابن الماجشون، وأصبغ، في المديان يبيع عليه الإمام داره لغرمائه أو
لغريمه، ويهلك الثمن قبل يقبضه الغرماء، ثم تستحق الدار، أن المبتاع يرجع
بالثمن على الغرماء الذين بيعت لهم الدار، ومن كل غريم كان للميت، ولو طرا
[6/ 235]
(6/235)
للميت مال، أخذ من المشتري ثمنه، وحسب ما
تلف من الغرماء، حتى كأنهم قبضوه وأكلوه.
وقال أشهب في كتاب آخر: ورواه عن مالك: لا يرجع على الغرماء بشيء. والقول
الأول رواية ابن القاسم، عن مالك، وقال به.
ومن أخذ من رجل سلمًا على طعام، وقال له: لفلان أخذه، أو اشترى له منه
سلعة، فأخره به، على أنه إن اعترف ودى، وإلا كان لك على الطعام أو الثمن
فأجازه مالك. قال ابن القاسم: ولم يجزه غيره. قال: وإن لم يقل: إن أقر
فلان، وإلا فأنا ضامن. قال: إن كان في قوله: بعثني فلان إليك، أو قال:
أبتاع له منك، فإن أنكر هذا، غرم الرسول رأس المال، وإن كان إنما قال له:
بعثني، ولم يقل: إليك، ولا منك، ضمن القمح، ولو أقر بذلك المرسل لم يبرأ
الرسول، وكان عليهما.
قال ابن القاسم في أخوين بينهما أرض، غاب أحدهما، فباع الحاضر نصيب الغائب،
واشترط أنه إن لم يجز، فنصيبي لك مكانه، فإن كانت مقسومة، لم يجز، إذ لا
يدري ما وقع معه، وإن كانت شائعة، فجائز إن قربت غيبة أخيه ليطلع رأيه مثل
اليوم ونحوه، وإن بعدت، لم يجز، وقد خاطره؛ لأنه ممنوع من القسم. قال محمد:
ذلك جائز؛ لأن المبتاع قد تم أمره، ولا طلب لأحد عليه، كما لو اشترى مصابة
الحاضر، والقاسم يقسم ذلك.
[6/ 236]
(6/236)
ولمن ابتاع لرجل شيئًُا بنسيئة، وقال:
لفلان أسباعه، فلا يبريه ذلك من الثمن، حتى يقول له: وإني لست من الثمن في
شيء، فهذا لا يتبع إلا فلانًا، وإن لم يقل هذا، وقال: لفلان هذا، فليتبع
المأمور، إلا أن يقر فلان، فليتبع أيهما شاء، إلا أنه يقول الآمر: كنت دفعت
الثمن إلى المأمور، فيحلف ويبرأ، ويتبع البائع المأمور.
قال محمد: وإن قال له: فلا بعثني إليك، لتبيعه، فهذا كالشرط المؤكد، ولا
يتبع إلا فلانًا. قال أشهب: ولو قال: بعثني إليك لأشتري منك، أو لتبيعني،
فالثمن على الرسول حتى يبين: إني لست من الثمن في شيء. أو يقول: بعثني إليك
لتبيع منه.
ومن الواضحة: ومن باع عبدًا، وقال: هو لفلان، فإن كان حاضرًا، أو قريبًا،
فالعهدة عليه إن أقر، وإن لم يقر، فعلى البائع، وإن كان رب العبد غائبًا
بعد الغيبة، فالعهدة على متولي البيع، وإن لم يشترط عليه، ولا ينفعه قوله:
إنه لفلان، وكذلك إن نسبة إلى امرأة بالبلد محجوبة لا تبلغها المؤامرة،
فالعهدة عليه، إلا أن يشترط أن عهدتكم على من نسبه إليه، وليس علي منها
شيء، فيبرأ في ذلك كله. وقاله مطرف، وابن الماجشون، وأصبغ.
قال ابن الماجشون: وإن دفعت عبدك إلى غريمك يبيعه، ويستوفي، فيبيعه على أنه
لفلان، ثم يستحق أو تدركه عهدة السنة أو الثلاث، فالعهدة والرجوع
[6/ 237]
(6/237)
على ربه، وهذا وكيل لا شيء عليه إذا أخبر
أنه لفلان، بخلاف بيع السلطان للغرماء، ذلك يرجع فيه على الغرماء في عدم
المطلوب. وساوى أصبغ بينه وبين بيع السلطان، وليس ذلك بشيء.
قال محمد بن عبد الحكم: ليس على القاضي عهدة فيما باعه لغيره، فإن باع
شيئًا ولم يبين أنه لغيره، فاستحق، فقال: بعته لغيره. ولا بينة على ذلك،
فالعهدة على القاضي، وإن قامت بينة أنه باعه لغيره من دين أو وصية. غير أنه
لم يذكر ذلك للمشتري، فالعهدة على القاضي، ويرجع بها القاضي على من باع له،
وكذلك الوصي فيما باع إن بين، وإلا فهي عليه يؤديها، ثم يرجع بذلك على من
باع ذلك عليه إذا صحت عليه البينة.
في بيع البراءة
من كتاب محمد: قال ابن القاسم: الذي آخذ به قول مالك الأول في بيع البراءة:
أن البراءة جائزة في الرقيق. قال ابن القاسم: وبيع البراءة أمر جائز
بالمدينة، قضى به عثمان وغيره، وبيع البراءة إذا شرط يبرأ من جل
[6/ 238]
(6/238)
عيب، قل أو كثر، لا يعلمه البائع، وبيع
السلطان في المغنم والتفليس وغيره بيع براءة وإن لم يشترط، وكذلك بيع
الميراث، إذا علم المبتاع أنه بيع ميراث، وإنما ذلك كله في الرقيق خاصة،
إلا أن يعلموا عيبًا فيكتموه، وقاله كله مالك. ورواه ابن القاسم، وأشهب،
وقاله كله عبد الملك.
قال مالك: وأما الدواب وسائر الحيوان والعروض، فلا ينفع في ذلك شرط
البراءة، ولا يبرأ فيها في بيع الميراث، ولا سلطان ولا غيره، وذلك مردود.
قال سحنون، ومحمد بن المواز: قال أشهب: فإن وقع بيع البراءة في الرقيق غير
الحيوان، لم أفسخه، وإن وقع في العروض، سوى الحيوان، فسخته، إلا أن يطول
ويتباعد، فلا أفسخه، وخالفه ابن القاسم، وقال: لا ينفعه ذلك، وشرطه باطل.
قال محمد: وأرى أشهب إنما قال: لا أفسخه في الحيوان لما روي لمالك في كتاب
محمد: من باع عبدًا أو وليدة أو حيوانًا بالبراءة، فقد برئ. وقد قال في غير
كتاب ابن المواز: إنه ذكر لمالك أن ذلك في كتبه، فقال: امح الحيوان. وقال
في كتاب ابن المواز: قلت له: في كتبك: يجوز بيع الحيوان بالبراءة، قال:
إنما نعني به الرقيق. محمد: وروى عنه أشهب في بعير باعه سلطانه، أيرد؟ قال:
لا، إلا أن يعلم عيبًا فيكتمه، وإن كان لنفسه، فهو كسائر الناس، وإن باعه
في دين ونحوه، فلا يرد. قال محمد: بيع الميراث، وبيع
[6/ 239]
(6/239)
السلطان، وبيع البراءة واحد، لا ينفع في
غير الرقيق من حيوان أو عروض. وروى مثله أشهب، عن مالك. وقال ابن القاسم،
وابن وهب، وأشهب، وعبد الملك، وابن عبد الحكم، وأصبغ: إن بيع الميراث بيع
البراءة، وإن لم يشترط. قال ابن القاسم، وأشهب: وكذلك بيع السلطان، وذلك في
الرقيق.
ومن العتبية، وكتاب ابن المواز: قال ابن القاسم، عن مالك: ولا ينفع البراءة
في الثياب، إلا أن يكون الشيء التافه غير المضر ولا المفسد في الثوب أو قي
العلم، فلا ترد به، وأما الخرق وما هو مضر به، فليرد به، وكذلك الحيوان.
قال ابن القاسم، عن مالك، في من يأتي بثوب مرتفع إلى بصير به، فيقول: اشتر
مني بالبراءة، وانظر لنفسك، فيشتريه منه على ذلك، ثم يجد عيبًا: فإما عيب
كثير، فله الرد، ولا رد له في الخفيف الذي ولا ينقصه كبير نقص.
فقال مالك: في جرار الزيت مدفونة في الأرض، فتباع في تركة الرجل بالبراءة،
ثم يأمر السلطان بالكشف عنها، ثم يوجد فيها عيوب، فلا تنفعه البراءة، وله
ردها.
ومن الواضحة: قال ابن شهاب، وربيعة، ويحيى بن سعيد، وغيرهم: تجوز البراءة
في كل شيء. وقاله مالك مرة: إنه يلزم في الرقيق والحيوان والعروض. ثم
[6/ 240]
(6/240)
رجع إلى أنها لا تكون إلا في الرقيق. وقال
ابن وهب بقوله الأول، ونحن نقول بقوله الآخر فيما باع طوعًا، فأما ما باعه
السلطان، في فلس، أو موت، أو على أصاغر، أو في مغنم، فيأخذ فيه بقوله الأول
أنه بيع براءة في كل شيء، من رقيق، أو حيوان، أو عروض، وإن لم يشترطه.
وقاله مطرف، وابن الماجشون، وأصبغ، وغيرهم. وقول مالك: إن البراءة تنفع في
كل عيب وإن كثر في الرقيق. وقاله أصحابه إلا المغيرة، فإنه قال: ما لم
يجاوز ثلث الثمن، فلا تنفع فيه البراءة حينئذ.
ومن كتاب ابن المواز: وقد كان مالك رجع، وقال: لا تنفع البراءة في ميراث
ولا غيره، في رقيق وغيرها، إلا في عيب خفيف. وقال أيضًا: لا تنفع في
الرقيق، إلا في بيع السلطان في الديون، فأما في بيع الميراث أو غيره، فلا،
إلا فيما حق، فعسى به.
ومن الواضحة: وما بيع من المغنم فوجد به عيبًا، فأرى إن لم يفرغ، ولم يقسم،
أن يقيله ويبيعها ثانية، ويقسم ثمنه، وإن قسمه، لزم مشتريه على بيه
البراءة، وما بيع بإذن الإمام على مفلس أو ميت، لقضاء دين، أو إنفاذ وصية،
أو على أصاغر، فهو بيع براءة، وإن لم يذكر متوليه أنه بيع ميراث أو مفلس،
وأما إن وليه الوصي بنفسه كما ذكرنا، بغير إذن الإمام، أو باعه الورثة وهم
أكابر، ليقضوا دين الميت ووصاياه، فليس بيع براءة حتى يخبر من يليه أنه بيع
براءة أو يذكر الميراث.
[6/ 241]
(6/241)
وما باع الوصي على يديه للأيتام من رقيق
وغيره، فليس بيع براءة، وإن بين أنه لأصاغر من ميراثهم حتى يشترط البراءة.
وقاله أصبغ في ذلك كله.
ومن كتاب محمد، قال مالك: بيع الميراث، وبيع السلطان بيع براءة، إلا أن
يكون المشتري لم يعلم أنه بيع ميراث أو سلطان، فهو مخير في أن يحبسه بلا
عهدة أو يرده. قال في بيع السلطان: وإن علم الإمام عيبًا، فكتمه، فللمبتاع
الرد، وكذلك لو علمه المفلس وقد بيع عليه، فللمبتاع الرد، ولا تباعة على
الإمام، ولا على الغرماء، وذلك على السيد، ولو كان السيد هو الذي باعه
بنفسه، وقضى دينه، ثم أخبر بعيب علمه، فلا سبيل إلى الغرماء، أراه يريد:
ولو قامت بينة بعلمه في هذا. محمد: هذا بيع في السلطان، ثم أقر المفلس بعد
البيع بالعيب، فأما إن كانت بينة أنه كان يعلمه، فإنه يرد، ويؤخذ الثمن من
الغرماء، ويباع لهم ثانية. وقاله ابن القاسم في بيع الوصي إن قامت بينة.
فأما بإقراره، فلا، إن شاء المشتري رده على ربه، ولا يرجع على الغرماء
بشيء. قال ابن حبيب: قال ابن الماجشون: بيع الصفقة في العبد الغائب بيع
براءة، ولا يرد بعيب إلا ما علم وكتم، وكذلك ما وهب من الرقيق للثواب، وهو
أحسن ما سمعت.
[6/ 242]
(6/242)
ومن كتاب ابن المواز: والنقد جائز في بيع
البراءة، إذ لا عهدة فيه إلا في الجارية الرائعة، فلا ينقد فيها بشرط في
الاستبراء، وإن بيعت على البراءة من غير الحمل، إذ لا تجوز البراءة فيها من
حمل لم يظهر، وليتواضعا الثمن حتى تحيض، وتجوز فيها البراءة من حمل ظاهر.
وأما الوخش، فتجوز البراءة فيها من حمل، وإن لم يظهر، وأما وطيئة السيد من
الوخش وغيره، فلا يجوز ذلك فيها بحال.
وبيع البراءة المشترط، وبيع السلطان، وبيع الميراث، يقطع العهدة في الثلاث
والسنة، إلا الجارية الرائعة في ذلك، فهي في ضمان البائع حتى تحيض، وكذلك
ما مسه السيد من الوخش فهو في ضمان حتى تحيض. وهذا كله قول مالك. قال أصبغ،
ومحمد: وشرط البراءة في هاتين يفسد البيع.
قال ابن القاسم وأشهب: وعبد الملك، قالوا: ولا يجوز بيع الرائعة التي يضع
الحمل من ثمنها ما له بال بالبراءة من الحمل، وأما التي لا يضع ذلك من
ثمنها ما له بال، فذلك فيها جائز. محمد: وإن بيعت الرائعة بالبراءة مطلقًا،
ولم يذكر الحمل، فذلك جائز وفيها المواضعة.
ابن القاسم: قال مالك في الجارية تباع بيع السلطان، أو بيع براءة، فتوجد
حاملاً، فإن كانت رائعة حاملاً، لم تنفع فيها البراءة، وقاله ابن الماجشون.
وذكر ابن حبيب، في باب بيع الإماء، في الجارية المسبية تقع في سهم رجل، أو
يشتريها من المقاسم، فله أن يلتذ منها بدون الجماع قبل أن تحيض؛ لأن بيع
المقاسم بيع براءة، ولو ظهر بها حمل، لم يردها عليه به.
[6/ 243]
(6/243)
قال مالك: ومن باع عبدًا بالبراءة فقيم
عليه بعيب قديم، فأنكر أن يكون علم به وليحلف على ذلك. قال في باب آخر: على
علمه في الظاهر والخفي في هذا خاصة، فإن نكل، رد عليه، ولا يمين على
المبتاع.
من كتاب ابن سحنون: وسأله حبيب عن العبد قام فيه المبتاع بأضراس ساقطة،
وقال البائع: تبرأت إليك منها. وأنكر المبتاع، فكلف البائع البينة، فأتى
ببينة تشهد أنه باعه منه بالبراءة من كل عيب، وأنا لا أعرف هذه الأضراس،
فقال البائع: إنما أردت بقولي: برئت منها: إنما أردت البراءة من كل عيب.
قال: لا ينفعه قوله. وقوله: برئت منها، إقرار منه أنه كان يعلمها، وإنما
البراءة مما لا يعلمه البائع. وقال سحنون: البراءة من العيوب كلها في
الرقيق لازمة، إذا كانت حيوانًا لا يعرفها البائع. قال: فإن كان أعور أو
أشل؟ قال: نعم، إذا كان البائع لا يعرفها، وإن كانت فاحشة.
ومن العتبية قال أشهب، عن مالك: إذا باعه بالبراءة، فظهر منه على بياض،
فيأتي البائع اليمين أنه ما علمه، وقال المبتاع: احلف أنك ما رأيته، ولا
علمته، ولا رضيته، فليس على المبتاع يمين في ذلك. قال ابن حبيب: إذا ثبت
أنه قديم، حلف البائع على علمه، خفيًا كان أو ظاهرًا، وكذلك المفلس، ومن
يظن أنه علم ذلك من صغار الورثة ثم يبلغ. فأما عيب يمكن قدمه ويمكن حدوثه،
فلا يحلف فيه البائع في بيع البراءة، خفيًا كان أو ظاهرًا، فأما في بيع
العهدة، فيرد بالعيب القديم، بلا يمين، وأما ما يمكن قدمه وحدوثه، فيحلف في
الخفي على علمه، وفي الظاهر على البت، وهو أصل خفي حسن. وقاله مطرف وابن
[6/ 244]
(6/244)
الماجشون، وأصبغ. ورواه عن ابن القاسم، وهو
مذهب مالك. وكذلك في العتبية، وكتاب محمد، إلا في اليمين فيما يمكن قدمه
وحدوثه، في بيع البراءة. وروى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، أنه يحلف فيه
البائع، فإن نكل، رد عليه، ولا يمين على المبتاع.
ومن العتبية قال أشهب، عن مالك: ومن باع عبدًا بالبراءة على أن لا يمين
عليه، ثم وجد المبتاع به عيبًا قبيحًا، هل يحلف له البائع على علمه؟ قال:
لا يمين عليه كما شرط.
ومن كتاب ابن المواز، والواضحة: وكره مالك أن يبيع الرجل رأسًا بالبراءة،
لم تطل إقامته عنده، ولم يختبره. قال أشهب: فإن وقع ذلك، لم يفسخ، وقاله
أصبغ. وقال عبد الملك نحوه، وقد قال: يبيع الورثة ومنهم الغائب، ومن لم
يطلع، فيبيع بمكنه، فيكون بيع براءة. وقال ابن حبيب في من باع ما لم يختبر،
قال أصبغ: يلزمه، ولا يفسخ.
قال محمد: وكره مالك للذي جاء بجارية من مكة أن يبيعها ولم يختبرها، أن
يبيعها بالبراءة. قال ابن القاسم: لا تنفع البراءة من لم يعلم أنه لم يختبر
العبد، وهو وجه من الغرر.
ومن العتبية قال مالك في من اشترى جارية بالعهدة، ثم باعها بالبراءة، فإني
أكره ذلك، ولكن لا يرد البيع.
[6/ 245]
(6/245)
ومن كتاب محمد، والواضحة، في مقل معناه.
قال مالك وأصحابه: ومن تبرأ من عيب، فمنه فاحش واضح ومنه خفيف، فلا يبرأ من
فاحشة حتى يصف بفاحشة، من ذلك الإباق، والسرقة، والدبرة بالبعير، ومثل من
تبرأ من كي، أو آثار بالجسد، أو من عيوب الفرج، فيجد ذلك متفاحشًا، في ذلك
كله، فله الرد، وكذلك سائر العيوب. وذكر مثله ابن القاسم في كتاب محمد،
قال: وقال أشهب: يفسخ ذلك، ما لم يصف له مبلغ الكي، وقدر كل كية، ويريه من
ذلك ما يجوز له أن ينظر إليه، وكذلك قروح الجسد وحراحه، وكذلك ذكر البراءة
في الدبرة إذا لم يصف قدرها وغدرها، وكذلك كل ما يختلف هكذا، فلا يجوز
البيع إلا على ما ذكرنا. قال محمد: قول ابن القاسم أحب إلي، وقد قال هو،
وابن القاسم، في من تبرأ من الإباق، فوجد إباقه كثيرًا أو بعيدًا، فله
الرد، قالا: وإن تبرأ من عيوب الفرج، جاز ذلك في اليسير، وأما في الفاحش،
فلا.
قال أشهب عن مالك: وإن تبرأ من كل مشش في الدابة، فإن كان معروفًا، تبرأ
منه بعينه، فجائز رواه أشهب عنه. قال ابن حبيب: وإن تبرأ في جبتان من خرقها
فشقت، فوجدت شديدة الخرق لا ينتفع بها. قال ابن الماجشون: إن لم يذكر له
مقدار ذلك، ويرد إياه، أو يصفه، فله الرد.
[6/ 246]
(6/246)
قال محمد: قال أشهب، عن مالك: ولا تنفع
البراءة للبائع من كل عيب علمه، وإن سماه، حتى يخبر أنه بالعبد. محمد:
وكذلك لو أفرد له عيبًا، فلا يبيعه حتى يخبر بأنه به.
ومن الواضحة: وإذا سمى بالدابة عيوبًا، أو بالعبد منها ما بالعبد، ومنها ما
ليس به، لم يبرأ مما به من يفرده، وله الرد، إلا أن يكون المبتاع عالمًا
بذلك العيب، أو يكون عيبًا ظاهرًا، أو يخبره به غير البائع، فيلزمه، ولا
يرد به. قاله مالك وأصحابه، ونحوه في كتاب ابن المواز: قال ابن حبيب: وكذلك
هذا في غير الرقيق، إذا تبرأ من عيوب بالسلعة مع عيوب ليست فيها، فهو مثله،
ولكن لا يبرأ في غير الرقيق مما لا يعلمه.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ومن باع دابة، ثم وضع له بعد ذلك دينارًا
على عيوبها، فوجد عيبًا، فله الرد. قال أصبغ: كما لو باعها بالبراءة، لم
ينفعه.
ابن حبيب: ومن قول مالك، في من باع دابة أو جارية بعشرة دنانير، على أن وضع
دينارًا لعيوبها، فإنه إن وجد عيبًا، رده، وأخذ التسعة، كمن نكح بعشرة
دنانير على أن تركت له دينارًا، على أن لا ينكح عليها، فالنكاح جائز، ولا
شيء عليه. ابن حبيب: فأما لو تم البيع، ثم وضع عنه دينارًا في عيوبها، لم
يجز ذلك في الدابة؛ لأنه خطر، ويرد الدينار، فإن وجد عيبًا، فله الرد، وهو
في الجارية جائز؛ لأنه يلزمه فيها البراءة كمشتري مال العبد بعد الصفقة، أو
يشتري من الصبرة ما له أن يستثنيه في العقد. والذي ذكر ابن حبيب في
[6/ 247]
(6/247)
الجارية آخرًا يرد قوله أولاً في الجارية؛
لقوله: إنه يلزمه ما بعد الصفقة في هذا، كما يلزمه في الصفقة، ورواية محمد
أصح.
ومن العتبية، قال أشهب، عن مالك: ومن ابتاع عبدًا بالبراءة، أو بيع ميراث،
فلا يبيعه بيع الإسلام وعهدته حتى يبين أنه ابتاعه بالبراءة ولو لم يخبره
بذلك في العقد، ثم أخبره، وقام يريد فسخ البيع، فلا يفسخ، وإنما عليه أن
يبين له. قال مالك: ثم للمبتاع رده إن شاء. وكذلك قال في كتاب ابن المواز.
قال في العتبية، في رواية أشهب: إن مالكًا قال لصاحب السوق: لا تدع من
اشترى بيع الإسلام وعهدته أن يبيع بيع براءة، وامنعهم من ذلك، وافسخ ذلك
بينهم، يبتاع أحدهم العبد بيع العهدة، ثم لا يقيم في يده كبير شيء، حتى
يبيع بالبراءة فامنعهم من ذلك.
والمبتاع بالبراءة له أن يبيع بيع العهدة، إذا بين أنه ابتاعه بالبراءة.
ومن ابتاع بالعهدة حتى يبيع بيع براءة إلا من باع في دين عليه، أو بيع
ميراث، أو السلطان ونحوه، فله ذلك، وقد تقدم فيه القول إن فعل.
القول في عيوب الرقيق في أبدانهم
وذكر الحمل والحيض والشهادة على العيب
وذكر عقوبة المدلس
من كتاب محمد، قال: ولا يرد به من العيوب إلا ما يجتمع عليه عدلان من أصل
العلم بتلك السلعة وغيوبها، وقول امرأتين في عيوب الفرج والحمل وشبهه.
[6/ 248]
(6/248)
قال مالك: ويعاقب من دلس. وكذلك ذكر ابن
حبيب وغيره، عن مالك.
قال مالك: ولا يرد من العيوب الخفيفة التي لا تنقص من الثمن، وإن كان عند
النخاسين عيبًا، كالكي الخفيف، ولا يرد إلا بعيب تخاف عاقبته. وكذلك عنه في
الواضحة. قال ابن القاسم في الضرس المنزوعة: خفيف في العبد والأمة، إلا في
الرائعة التي ينقص من ثمنها. وكذلك روى عنه أصبغ، في العتبية.
ومن الواضحة قال: والسن الناقصة عيب في الرائعة، في مقدم الفم ومؤخره،
وليست في الأمة الدنيئة، ولا في العبد عيبًا، إلا أن تكون في مقدم الفم.
وما زاد على سن واحدة، فعيب في العلي والوخش، من ذكر وأنثى. في مقدم الفم
أو مؤخره.
قال ابن حبيب: والسن الزايدة عيب في العلي والوخش، من ذكر وأنثى، قال مالك:
والبخر في الفم عيب في الجارية والعبد، في الوخش والعلي.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك في الشيب في الرأس: ترد به الرائعة، ولا ترد
به غير الرائعة. قال أشهب: وقد قيل ترد بكثيره، ولا ترد بقليله، إلا أن
يكتمه عن علم وعمد. قال ابن عبد الحكم: لا ترد الرائعة إلا بكثيره، وكذلك
في الواضحة، عن مالك، قال ابن المواز: وهذا كله في الشابة.
قال مالك في الواضحة، في التي جعد شعرها أو اسود: فذلك في الرائعة عيب،
وليس في غير الرائعة عيبًا. وأما صهباء الشعر، فلا ترد به، وإن قال
[6/ 249]
(6/249)
المبتاع: لم أكشف عنه، ولا علمت أنها صهباء
الشعر. فلا حجة له، وهو باد لا يخفى، إلا أن يكون سود. وقاله ابن المواز،
وإن كانت رائعة، إلا أن يسود وينقص ذلك من ثمنها. قال في كتاب آخر: نقصًا
بينًا، وإلا لم ترد.
ومن الواضحة قال مالك في الخيلان في الوجه، أو في الجسد تنتشر: فإن نقص ذلك
من ثمن الرائعة، فهو عيب، وإلا ليس عيبًا. قال: وسمعت أهل العلم يقولون:
والقبل، والميل، والصور، والزور، والصدر، والقزر، والعسر، والحبط، كل ذلك
عيب في الأمة والعبد، رفيعين أو وضيعين، إلا أعسر يسر يعمل بيديه جميعًا،
فليس بعيب في عبد ولا أمة. والقبل في العينين أو في إحداهما: أن تميل إحدى
الحدفتين إلى الأخرى في نظرها، والميل في الخد: أن يكون مائلاً عن الآخر
إلى جهة الأذن أو اللحى، والصور: أن يميل العنق عن الصدر إلى أحد الشقين،
والجسد معتدل، والزور في المنكب: أن يميل بكله إلى أحد الشقين، والصدر: أن
يكون في وسط الصدر إشراف كالحربة، والفزر في الظهر أو بين الكتفين: أن يكون
هناك إشراف كالحدبة، ويقال للأحدب: أفزر، والأعسر: أن يبطش بيسراه دون
يمناه، وأما أعسر يسر، فليس بعيب إذا كانت اليمنى في قوتها وبطشها بحال من
لا يعمل باليسرى، وإن نقصت عن ذلك، لعمله باليسرى منها فهو غيب يرد به،
الحبط: أثر الجرح أو القرحة بعد البرد، بخلاف لون الجسد فهو عيب، قال:
والعجرة، والبجرة، والظفرة، والسلعة، عيب في العبد والأمة، رفيعين كانا أو
وضيعين. فالعجرة: العقدة على ظهر الكف، أو الذراع، وفي سائر الجسد.
والبجرة: نفخ كالعجرة، إلا أن
[6/ 250]
(6/250)
البجرة لينة من نفخ ليس زائدًا. والسلعة:
نفخ زائد ناتئ متفاحش أثره. والظفر: لحم نابت في مشفر العين.
ومن كتاب محمد، والعتبية، رواية أصبغ، عن ابن القاسم: والكي الخفيف ليس
بعيب، إلا أن يخالف اللون، فيرد، أو يكون متفاحشًا في منظره، أو يكون
كثيرًا متفرقًا، فليرد بذلك، وإن لم يخالف اللون، ولا تفاحش في العظم،
وكذلك إن كان في موضع مستقبح، مثل الفرج وما والاه، وفي الوجه.
ومن كتاب محمد: والزغر وإن كان في غير العانة عيب. قال محمد: لا ينبت له في
الساقين والجسد. قال ابن القاسم: وهو مما يتقى عاقبته من الداء السوء.
قال ابن المواز: قال ابن القاسم في العبد يقول أهل النظر: نرى به جذامًا لا
يظهر إلى سنة، لا يرد بذلك. قال محمد: لا يعجبني، ألا ترى أن العبد أو
الأمة إذا قيل: إنه سياري، فإنه يرد لما يخاف به من الجذام. قال غيره:
السياري: الذي لا حاجبان له. قال مالك: وليس الزلاء بعيب، إلا أن تكون
ناقصة الخلق، وكذلك في الواضحة، قال ابن حبيب: الزلاء، عيب، إلا أنه لا
يخفى على المبتاع.
قال أشهب، عن مالك: والصغيرة القبل ليس بعيب، إلا أن يتفاحش، فيصير كالنقص.
[6/ 251]
(6/251)
ومن العتبية من سماع ابن القاسم، وهو في
كتاب محمد: إذا كانت الجارية غير مخفوضة، أو العبد أغلف، فإن كان من رقيق
العجم الذين لا يختتنون، لم يرد، ذكرًا كان أو أنثى، رفيقًا أو وضيعًا، وإن
كانوا من رقيق العرب، فيفترق، فأما الوخش، فلا يرد به، ويرد العلي من ذكر
أو أنثى.
قال: وتفسير رقيق العرب: ما طال مكثه بأيديهم، أو ولد عندهم، وأما ما قرب
ملكهم إياه من الجلب، فليس كذلك. قال أصبغ: يريد بالعرب: المسلمين كلهم.
قال في كتاب ابن المواز: وكذلك من اشترى مسلمًا، فوجده أغلف، نظر، هل هو من
رقيق العرب كما ذكرنا؟ وفي رواية محمد بن خالد، عن ابن القاسم في العتبية
قال: هو عيب، ولم يفسر. وروى محمد بن خالد عن ابن القاسم في الجارية يجدها
لم تخفض، فإن كانت فارهة ردت.
قال ابن نافع في العبد المسلم يجده المبتاع غير مختون: إنه يرد بذلك. وقال
في الواضحة في العبد يجده غير مختون، والأمة غير مخفوضة: إن كانا نصرانيين،
فليس بعيب باعهما مسلم أو كافر، وإن كانا مسلمين اشتريا من مسلم، فإن كان
من بلد المسلمين، فهو عيب في الرفيع والوخش، إلا الصغيرين، لم يفت ذلك
فيهما، وإن كانا مجلوبين، أو من رقيق العجم ممن قد أسلم، فيراعى فيهما كما
تقدم من طول الإقامة وقربها.
قال في كتاب ابن المواز والواضحة: وإن اشترى عبدًا نصرانيًا، فوجده
مختونًا، فليس بعيب. قال ابن حبيب: وكذلك الأمة النصرانية يجدها مخفوضة،
وذلك إن كانا من رقيق المسلمين، أو من رقيق العجم الذين عندنا. فأما
المجلوبون، فهو عيب، لما يخاف أن يكونا ممن أغار عليهم العدو، أو أبق إليهم
من رقيقنا. وقد قال ابن القاسم: هو عيب في مثل بلدكم. وقاله أصبغ.
[6/ 252]
(6/252)
ومن كتاب ابن المواز والعتبية: قيل لمالك
في من ابتاع جارية عليه أن يخفضها، قال: إن أراد حبسها، فنعم، وإن كانت
للبيع، فليس ذلك عليه.
قال ابن القاسم: وإن اشترى جارية، فوجدها مفترعة، فإن كانت في الصغر ممن لا
يوطأ مثلها وهي ذات ثمن، فهو عيب يردها به، وإن كان مثلها يوطأ لم ترد،
وليس على البائع أن يخبر هل هي بكر أو ثيب؟ وكذلك قال سحنون في العتبية،
فإن كان مثلها لا يوطأ، فهو عيب في العلية، وإن كان مثلها يوطأ، فليس بعيب
في العلي والوخش.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم، وكتاب محمد، قال مالك في الأمة تباع في
ميراث، فيقول الصائح عليها: إنها تزعم أنها بكر، ولا يشترطون ذلك، فتوجد
مفترعة، فله الرد، إلا أن يكونوا لم يذكروا ذلك أصلاً، وكذلك لو قال إنها
تزعم أنها طباخة خبازة. ثم لم توجد كذلك، فلترد. ومن سماع أشهب: وإن قال:
إنها بكرًا كانت أو ثيبًا، لا علم لي بذلك. فذلك جائز، سيما في الوخش.
وكذلك في كتاب محمد، ولم يقل: سيما في الوخش. وزاد: ثم لا يكون للمتشري
حجة.
قال في العتبية من سماع أشهب: وإن باعها على أنهار بكر، فغاب المبتاع عليها
بكرة، ثم ردها عشية، وقال: لم أجدها بكرًا، فلينظر إليها النساء، فإن رأين
أثرًا قريبًا، حلف البائع، ولزمت المبتاع، وإن لم يكن قريبًا، حلف المبتاع
وردها، وإن نكل، حلف البائع، ولزمت المبتاع. وقال عيسى عن ابن القاسم: ليس
في
[6/ 253]
(6/253)
هذا تحالف، فإن قال النساء: إن ذلك مما
يكون عند المبتاع، لزمته، وإن قلن: قديمًا، ردت بغير يمين.
وذكر ابن المواز، عن أصبغ، عن ابن القاسم مثل رواية عيسى. قال محمد: والذي
أقول كقول مالك، لا بد من اليمين مع شهادة النساء. وشهادتهن في هذا كشهادة
رجل، وليس مثل ما لا يعلمه غيرهن من عيوب الفرج والاستهلال والحيض، وإنما
مسألتك: شهدن لرجل يدعي علم ما شهدن له به على غيره، فلا بد من يمينه.
ومن كتاب ابن المواز: والجارية إذا وجدها قد حدت في خمر، فليردها بذلك.
ومن اشترى صغيرًا، يرضع فوجده أصم، أو أخرس، لم يرد بذلك، إلا أن يعرف ذلك
منه صغيرًا.
وإذا كان بالأمة حمى تذهب عنها ثم تعاودها، فهو عيب ترد به، ما لم تنقطع
انقطاعًا بينًا، ويطول الزمان.
ومن الواضحة قال مالك: وإذا وجدت العبد مؤنثًا يؤتى، أو الأمة مذكرة فحلة
تستذكر النساء، فإذا شهرًا بذلك فهو عيب يرد به، وأما توضيع كلام العبد
وتذكير كلام الأمة وطبعها، فلا يردان بذلك. وهذا خلاف المدونة.
ومن حلق لحية عبده وباعه، فحسب أنه أمرد، فهو عيب يرد به. قال شريح: ويعاقب
بائعه.
[6/ 254]
(6/254)
ومن اشترى صبية، فوجدها تبول في الفراش،
فأما الصغيرة جدًا، فلا رد له بذلك، وإن باعها بعدما كبرت، وإن كان ذلك بها
وقد ترعرعت، وفارقت حد الصغر، فذلك عيب، بيعت حينئذ، أو بعد أن كبرت، وعلى
البائع أن يبين ذلك، وإن انقطع، إذ لا تؤمن عودته.
ومن ابتاع أمة، فألفاها تبول في الفراش، فليس له ردها حتى تقيم بينة أنها
كانت تبول عند البائع؛ لأنه مما يحدث في ليلة فأكثر، ويحلف البائع على
علمه، ولا يحلف بدعوى المبتاع، حتى توضع بيد امرأة أو رجل له زوجة فيذكر
ذلك، ويقبل قول المرأة في رؤيتها، وقول زوجها عنها، فيجب اليمين على البائع
بذلك، وليس ذلك بمعنى الشهادة، ولو جاء المشتري بقوم ينظرون مرقدها
بالغدوات مبلولا، فلا بد من رجلين؛ لأن ذها بمعنى الشهادة، ثم حينئذ يحلف
البائع. قال: والغلام مثل الجارية في مثل هذا، وكذلك قال من كاشفت من أصحاب
مالك. وقال مالك في العتبية من سماع أشهب: توضع على يدي عدل، ويقبل فيها
قول النساء، ويقبل قول الرجال، ينظرون إليها، قيل: أفتراه مما يحدث؟ قال:
يسأل عنه أصحاب الرقيق.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وإذا انقطع البول عن الجارية، فلا يبيعها
حتى يبين؛ لأنه لا تؤمن عودته، وكذلك الجنون، فإن لم يبين، فهو عيب ترد به.
قال أشهب: في البول إذا انقطع انقطاعًا تامًا بينًا، وقضى له السنون
الكثيرة، فما عليه أن يبين، وأما انقطاع لا يؤمن، فلا، وللمبتاع الرد.
قال مالك: ومن ابتاع جارية، وقيل له: هي أعجمية لا تفصح، ولم يسموا له
جنسها، فإذا هو جنس لا يفصح أبدًا، معروفًا بذلك، فقال: أعرف هو ذلك؟ قيل:
نعم، قال: فلم لم يذكره عند الشراء.
[6/ 255]
(6/255)
ومن الواضحة: ومن ابتاع عبدًأ، على أنه
أعجمي، فألفاه فصيحًا، أو على أنه مجلوب، فألفاه مولدًا، فهو عيب يرد به،
رفيعًا كان أو وضيعًا، لرغبة الناس في المجلوب لغير وجه، وقاله أصبغ.
وقال يحيى بن يحيى في العتبية عن ابن القاسم في العبد يبتاعه على أنه
إفرنجي بلغته، ثم يتبين بعد أيام أنه فصيح بالعربية، أو يجده مختونًا، وقد
اشتراه مجلوبًا من أرض العدو، فإذا كان ذلك الذي اشترى عليه الناس، فيه
أرغب أو أثمن فوجده على خلافه، فهو عيب.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ومن ابتاع جارية حدثة، قد بلغ مثلها،
فتأخرت حيضتها شهرين، فذلك عيب ترد به، وكذلك الاستحاضة. قال: وذلك في
تأخير حيضتها مما فيه ضرر. قال ابن القاسم: إذا تأخر حيضها الأربعة أشهر
والخمسة، فله عذر وحجة، وأما ما لا ضرر فيه على المبتاع، فالبيع له لازم.
قال أشهب: إن مضى بعد أيام حيضتها قدر الشهر والشهرين، لم ترد حتى يطول
ذلك. قال: فإن مضى لها ثلاثة أشهر، نظرها النساء، فإن قلن: لا حمل بها، حلت
للمشتري، فإن لم يطأ حتى طال ذلك بعض الطول الذي يظن به أنها ممن لا تحيض،
فهو عيب، وله الرد، وإن كان قد وطئ، فلا رد له.
قال ابن القاسم: إن وجدها لا تحيض، فهو عيب في العلي والوخش والسبي وغيرهم،
إن بلغت ستة عشرة سنة ونحوها. قال ابن عبد الحكم، وأصبغ: وكذلك إذا استمرت
مستحاضة، فهو عيب في العلية والوخش. قال محمد: يعني قول مالك في الاستحاضة:
إذا علم أنها مستحاضة، وأما إن
[6/ 256]
(6/256)
وضعت للاستبراء فحاضت ثم استمرت مستحاضة،
فقد لزمت المبتاع. وقاله أشهب. قال محمد: إذا تبين أن أول الدم حيضة، لا شك
فيه، وأما الدنية، فقد كان من قول ابن القاسم فيها مرة، يسأل عنها، فإن كان
ذلك عيبًا، وينقص من ثمنها، ردت به. وفي باب الاستبراء زيادة في هذه
المسألة لابن حبيب، وفيه ذكر التي تستحاض المرة بعد المرة، أو ترتفع حيضتها
المرة بعد المرة.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم، ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ومن باع
جارية، وقال: هي صغيرة لم تحض، وكانت قصيرة، فطمع المبتاع بنشوزها عند
البلوغ، فلم تقم عنده إلا أيامًا حتى حاضت، قال مالك: إن كان يبلغ مثلها أن
تحيض، حلف البائع ما حاضت عنده، وإن كانت صغيرة، فقد اثتمنه على ما قال،
فلا أرى أن يحلف.
ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع أمة، فادعت الحمل، فليستأن بها، فإن قال
النساء: إنها حامل. ردت بذلك، ولا ينتظر بها الوضع، ثم إن انفش، لم ترد إلى
المبتاع.
ومن كتاب ابن سحنون، من سؤال حبيب: وسأله عن عيب الفم مثل الأضراس الساقطة،
والحفر، والعيب في الفرج، وجري الجوف، هل هذا من العيوب الباطنة التي يحلف
فيها البائع على علمه؟ قال: يسأل عن ذلك أهل الصنعة والمعرفة، فإن قالوا:
هو من العيوب الباطنة فهو كذلك، وإن قالوا: هو من الظاهرة، فهو كما زعموا.
[6/ 257]
(6/257)
ومن العتبية قال ابن القاسم، عن مالك، في
من ابتاع سفينة من رقيق - يريد: وعرف عددهم - فيهم الزنج، والسند، تباع
جملة، فتوجد فيهم أمة حامل، فلا ترد بذلك؛ لأنهم وخش.
وروى أصبغ، عن ابن القاسم، عن مالك، في من اشترى جملة رقيق من السودان
والزنج، فيجد فيهم أمة حاملاً، فإنها تلزمه، ولا رد له؛ لأنه لو اشتراها
وحدها، كان له الرد بذلك. قال ابن المواز: وإن كانت وخشًا في رواية ابن
القاسم، وفي رواية أشهب، عن مالك: لا ترد بالحمل في الوخش.
قال أشهب في كتاب محمد في جملة رقيق يوجد بأحدهم عيب، فإن كان ذلك ينقص من
ثمن الجملة، رده بحصته، وإن لم ينقص لم يرد، وقال: إن كان لو انفرد كان
نقصًا. قال محمد: يستحسن هذا في الحمل خاصة، فأما في غيره، فليرد بحصته.
ومن سماع عبد الملك بن الحسن، عن أشهب، في من ابتاع بقرة على أنها حامل،
قال: إن لم يجدها حاملاً، فله ردها.
ومن اشترى جارية على أنها حامل، فإن كانت مرتفعة بذلك، تبرأ ولا شيء له،
وإن كانت من اللاتي يراد فيهن الحمل، فله ردها إن لم تكن حاملاً.
وروى أصبغ عن ابن القاسم فيمن ابتاع جارية بشرط أنها حامل، قال: البيع فاسد
بهذا الشرط.
ومن الواضحة: ولم يختلف أن الحمل عيب في الجواري، إلا في الوخش، فلم يره
ابن كنانة فيهن عيبًا، وابن القاسم يراه فيهن عيبًا، والذي أرى: إن كان
[6/ 258]
(6/258)
مبتاعها أرادها للبادية فليس بعيب، فإن كان
ارادها للحضر للخدمة فذلك عيب.
وفي باب المواضعة مسألة من تأخير الحيض ذكرتها هناك.
القول في عيوب الرقيق في غير أبدانهم
وجامع ذكر العيوب فيهم وفي العيب يزول قبل أن يقام به
من كتاب ابن المواز، قال مالك: الزنى عيب يرد به العبد والأمة في العلي
والوخش، وذكره ابن حبيب، عن مالك في الزنا، وشرب الخمر. ومن كتاب ابن
المواز: وكذلك لو شربا المسكر وحدا في شربه، وإن لم تظهر رائحته بهما، فهو
عيب في العلي.
قال أشهب عن مالك: وإذا وجد الغلام أو الجارية ولد زنى، فهو عيب في العلي
ممن ينقص ذلك من أثمانهم، ولا يرد بذلك في الوخش، إلا أن يكتمه البائع ذلك
عالمًا به، فيرد بذلك في الوخش. وقال ابن القاسم، وابن وهب، عن مالك، في
الجارية يرد بذلك، ولم يذكرا فارهة ولا غيرها. وكذلك في سماع ابن القاسم في
العتبية. وقال ابن حبيب عن مالك: هو عيب في الرائعة والوخش، وفي العبد
الرضيع.
ومن العتبية من سماع أشهب: قال في الوصيفة المولدة تباع، فسئلت عن أبيها،
فلم تعرفه، فقال المبتاع للبائع: اكتب لي طيبة، فقال: لا أدري وإنما
[6/ 259]
(6/259)
ابتاعها من رجل من اليمامة، قال: وقد شرط
له مولدة، ولا تكون المولدة إلا طيبة، فليحلف أنه لا يدري هي أم لا؛ لأنه
يتهم أن يكون ندم، ثم إن شاء أمسك أو رد، وكذلك في كتاب محمد، وعمن ابتاع
وصيفًا، فألفاه ولد زنى، فإن شرط أنه لطيبة، لم يرده.
ومن ابتاع جارية، ليتخذها، فقيل له: لا يعرف أبوها، فلا رد له وإن كانت ذات
ثمن، وكذلك لو أخبر أن أحد جديها أسود، فلا رد له. وفي الواضحة، عن مالك:
أنه عيب في الرائعة للاتخاذ، لما يتقي أن يخرج ولده أسود، وإن كان أحد
أبويها، أو جديها مجذومًا فهو عيب في الجارية والعبد والعلي والوخش. قال في
كتاب ابن المواز في العبد أحد أبويه مجذوم: إنه عيب؛ لأنه يتقى ويكره
شديدًا إذا ذكر. وقاله أصبغ.
ومن كتاب ابن المواز: والجارية توطأ غصبًا، ثم تباع، فذلك عيب، وعلى الغاصب
نقصان الوطء في البكر والثيب، وإذا ردها المبتاع، فلا شيء عليه لوطئه، إلا
في البكر يطؤها، ثم ترد بعيب، فليرد معها ما نقصها.
ومن العتبية: قال عيسى، عن ابن القاسم: قال مالك: ويرد العبد بالولد يكون
له، أو الزوجة أو الدين عليه.
ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع عبدًا، فوجد له زوجة أو ولدًا، فهو عيب،
وكذلك الجارية، كان الولد صغيرًا أو كبيرًا، قاله ابن القاسم، عن مالك،
وكذلك لو أعتقه المبتاع، لرجع بقيمة العيب، وكذلك في دين عليه.
[6/ 260]
(6/260)
قال في الواضحة: إذا كان للعبد زوجة، فهو
عيب، كانت حرة أو أمة، وكذلك الزوج في الأمة، كان حرًا أو عبدًا، وكذلك إن
وجد لأحدهما ولد حر أو عبد أو وجد له أب وأم، إلا أن يموت من ذكرنا، من
زوج، أو زوجة، أو ولد، أو من كان من الأبوين قبل الرد، فلا رد له. قاله
مالك في هذا، أو فيما يزول من العيوب مما لا تخشى عاقبته. قال ابن حبيب:
إلا أن تكون الأمة رائعة، فالتزويج لها عيب، وإن مات زوجها، وللمبتاع ردها
به، إلا أن يكون المبتاع قد بين ذلك له.
قال أبو محمد: وفي المدونة: إذا ابتاعها في عدة، فلم يعلم حتى خرجت من
العدة، فلا كلام له. قال ابن حبيب: وليس الأخ والأخت في ذلك كالولد
وكالوالدين، لبعد الضرر في ذلك، وإذا قال المبتاع في أمة ابتاعها: قد كان
لها زوج، فمات عنها، أو فارقها، وصدقته الأمة، وصدقه البائع، فقد برئ
البائع من ذلك، ولا يطؤها المشتري أو يزوجها إلا بينة على الطلاق، أو
الوفاة، ثم ليس للمبتاع ردها بذلك، وإن قال: ظننت أن قول المبتاع والأمة في
ذلك مقبول، فلا حجة له في ذلك، وإن كان مثله يجهل ذلك، وقد لزمته بعينها.
ومن كتاب محمد: قال أشهب، عن مالك رواية. ورواه ابن القاسم عنه بلاغًا: إن
كان عيب ذهب قبل القيام به، فلا رد له به، إلا الزوج في الأمة، أو الزوجة
في العبد، تنقطع العصمة بينهما، فله الرد بعد ذلك.
[6/ 261]
(6/261)
قال في رواية أشهب: وكذلك لو ماتت الزوجة
بخلاف الوعك يزول قبل علم المبتاع، وكذلك في العتبية من سماع أشهب.
قال أشهب: والدين على العبد إن سقط، أو قضي عنه قبل علم المبتاع بالعيب،
فلا يرد به، وإذا علم به، قبل يسقط عنه فله الرد، وإن سقط بعد علمه، وكذلك
كل عيب علمه، وكذلك كل عيب إن لم يعلم به حتى ذهب أو استحق برؤه، وأمنت
عودته، إلا بأمر يحدثه الله، فلا رد له، وما لم يستحق برؤه، ولم تؤمن
عودته، استؤني به، فإن استمر برؤه، لم يرد إلا أن تبقى منه بقية مثل دمعة
في العين، أو تكمش في الجسد يخافه.
قال ابن القاسم وأشهب: وكذلك إن كان له ولد، فمات قبل يعلم به، فلا رد له.
قال أشهب: إن كان به جنون أو جذام أو برص، فبرئ قبل أن يعلم به، فإن طال
ذلك حتى تؤمن عودته، فلا رد له، فكذلك في عهدة السنة. قال ابن القاسم: يرد
في الجنون، إذ لا تؤمن عودته، وكما عليه أن يبين عند البيع وإن أمن منه.
قال ابن حبيب، وسحنون: فإن كان زال الدين قبل الرد به، فإن كان أدانه في
فساد، فله الرد به، وإن كان لم يكن أدانه في فساد، فلا رد له.
[6/ 262]
(6/262)
ومن العتبية: روى عيسى، عن ابن القاسم، في
من ابتاع أمة على أنها نصرانية، فوجدها مسلمة، فكرهها، وقال: إنما أردت أن
أزوجها لعبدي النصراني، فإن عرف ذلك من العذر وشبهه، فله ردها بذلك؛ لأن
ذلك يضطره إلى شراء غيرها، وإن لم يُعلم لذلك وجه، فلا رد له. قال أصبغ: أو
ليمين عليه أن لا يملك مسلمة، وقد اشترطه، فله شرطه، وكذلك في كتاب ابن
المواز، وقال عن أصبغ: وذلك إذا اشتراها بشرط، والشرط ضعيف.
ومن كتاب ابن المواز: وإن اشتراها على أنها من جنس، فألفاها من جنس غيره،
قال ابن القاسم: إن كان ذلك أدنى مما شرط، فله الرد. قال: وإن اشترى أمة
على أنها بربرية فوجدها خراسانية، أو على أنها أشبانية فوجدها بربرية، فله
أن يرد، لاستشكال ما بينهما. يعني محمد: ليس إحداهما أفضل من الأخرى بأمر
بين.
ومنه، ومن العتبية، والمواز: أشهب، عن مالك في الصبي يأبق من الكتاب، ثم
بلغ، وكشفنا عنه ولم يبين، قال: يرد به ومثل هذا عادة، وكذلك في كتاب محمد.
وروى عيسى، عن ابن القاسم، في من اشترى مغنية لتخدمه، لا يريد لغنائها، ولم
يزد في ثمنها لذلك، فلا بأس به.
قال سحنون: ينبغي لبائع المغنية أن لا يذكر ذلك، فإذا انعقد البيع، تبرأ
منه.
[6/ 263]
(6/263)
ومن كتاب محمد: ومن ابتاع أمة، فوجدها
مغنية، فلا رد له، إلا أن يشتريها بشرط ذلك، فيفسخ البيع.
قال أشهب: لا تباع ممن يعلم أنها مغنية، وإن تبرأ من ذلك، فليس بشيء؛ لأنه
إخبار بغنائها.
ومن العتبية، قال ابن القاسم، عن مالك: وإذا قالت الأمة: ولدت من الذي
باعني، لم تحرم على المبتاع، إلا أنه عيب. قال ابن القاسم: يريد إذا باعها
هذا فليبين، إذ لا يقدم أهل الورع على هذا. وهذا في كتاب محمد، والواضحة.
ومن العتبية: روى عيسى، عن ابن القاسم: ومن امتنع من بيع عبده بمائة، فقال
له أجنبي: بعه مني بمائة، ولك علي عشرون، ففعل، ثم علم المبتاع، فلا رد له
ولا قيام، إلا أن يكون ابتاعه للعتق. قال: ولو ابتاعه رقبة وقد كتب البائع
على الأجنبي: عشرين. وكتبها الرجل على العبد ثم قام المبتاع، فإن علم
البائع ما كتب الرجل على العبد يوم البيع، سقطت عن الحميل وعن العبد، فإن
لم يعلم، وظن أنه حمل ذلك في ماله، فهي على الحميل بها، ويرجع على العبد،
ويرجع المبتاع على البائع بقيمة عيب الدين.
وإن ادعى المبتاع أنه ابتاعه بماله، فأنكر البائع، فالبائع مصدق مع يمينه
إن لم تقم بينة، وإن قامت بينة أنه قال: إنما ابتاعه بما في يديه؛ لأني
أعتقته، ليستغني بماله، فسكت البائع، ولم يقل: نعم، ولا لا، وباع على هذا،
فالمال بيد العبد تبعًا.
[6/ 264]
(6/264)
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن ابتاع
عبدًا ليعتقه تطوعًا، فأبى البائع إلا بخمسين، فكتب العبد: عشرين. بغير علم
البائع، حتى باعه بأربعين، وأعتقه، قال: لا يجوز ما صنع، ولا يلزم العبد
شيء.
ومن الواضحة: ومن باع جارية لها زوج، أو في عدة وفاة أو طلاق، ولم يبين ذلك
للمبتاع، فوطئها، فإن حملت بعد حيضة من العدة، فالولد له إن جاءت به لستة
أشهر، وهي به أم ولد، ثم لا تحل له أبدًا، وتعتق عليه ساعة حملت، ويرجع على
البائع بعيب ما كتمه، وإن وطئها وزوجها قائم، وهي في عصمته، فإن كان غائبًا
أو معزولاً عنها قدر الاستبراء، وذلك حيضة أو مقدارها، لحق الولد بالمبتاع،
وترد إلى زوجها إذا وضعت، وهي بذلك الولد أم ولد للمبتاع، وإن حلت يومًا من
الزوج، حل له وطؤها، وعتقت من رأس ماله إذا مات، كان زوجها حيًا أو ميتًا،
ولها الخيار في نفسها إن كان زوجها عبدًا، ويجرع المشتري على البائع بقيمة
عيب ما كتمه من الزوج، وإن لم يكن الزوج غائبًا ولا معزولاً، فالولد للزوج،
وترد الأمة على البائع بعيب الزوجية، ولا شيء على المبتاع للوطئ، إلا أن
تكون بكرًا لم يبن بها الزوج، فيرد معها ما نقصها الافتضاض، وإن وطئها في
هذا كله، وهي حامل من زوجها أو من غيره، أو ليست بحامل، فليردها بعيب
الزوج، وإذا وطئها وهي حامل حملاً بينًا، لم يعتق عليه الولد، كان له أب أو
لم يكن.
في عيوب غير الرقيق، وشيء من معاني الغش
من الواضحة، قال: وفرق مالك بين الثياب والدواب في الرد بما خف من العيوب،
فقال: ما وجد في الثوب، من خرق، أو حرق، أو قطع، أو ثقب، فله
[6/ 265]
(6/265)
الرد به وإن قل، بخلاف ما يقل من عيوب
الرقيق، إلا أن يكون ثوبًا يقطع. ومثل ذلك يخرج في تقطيعه، فلا يكون ذلك
فيه حينئذ عيبًا.
ومن العتبية ابن القاسم، عن مالك: العثار في الدابة عيب ترد به، ويرد الفرس
الرهيص، وليس له أن يقول: اركبها يزول إلى يوم أو يومين. وكذلك في كتاب ابن
المواز.
وقال أشهب، عن مالك، في من ابتاع دابة، فوجد جوفها أخضر، فظن أنه من ضرب،
فلا رد له، وقد يقال له: سمينة، فيجدها عجفاء، قيل: أيحلف؟ قال: إن جاء
بوجه، حلف. وذكرها عنه محمد، ولم يذكر اليمين.
قال مالك: ومن ابتاع ناقة، ليحمل عليها، فحمل عليها ثقله، فلم تنهض، فإن لم
تكن عجفاء، ولا زاد فوق طاقتها، فله الرد، وكذلك إن كان ذلك من صعوبة، وإذا
سام بدابة فركبها، فرأى سيرها حسنًا، فابتاعها، ثم مضى بها، فوجدها غليظة،
فلا رد له قال: وإذا أصاب في الدار صدعًا يخاف عليها منه الهدم، فله الرد
به. فإن لم يخف منه ذلك عليها لم يرد. محمد: ويرجع بقيمة ذلك العيب.
وعلم أحد المتابعين بكيل الصبرة دون الآخر، كالعيب إذا بيعت جزافًا، وللذي
لم يعلم نقض البيع وبها، وقاله أشهب.
ومن العتبية، وكتاب محمد، روى أشهب، عن مالك، في من ابتاع سمنًا، فوجده سمن
بقر، فقال: ما أردت إلا سمن غنم، فله أن يرده.
[6/ 266]
(6/266)
ومن ابتاع قلتسية سوداء، فوجدها من ثوب
لبيس، فلا رد له، إلا أن يكون فاسدًا؛ لأنها تعمل من الخلقان وكان ينبغي أن
يبين. وكذلك في كتاب ابن المواز، وزاد: فإن وجد حشوها صوفًا: فأما الرفيعة،
فليردها، وأما الدنية، فلا رد له، وإن جعلوا مع القطن صوفًا تحته، وخلطوا
مع القطن الجديد قديمًا، فهذا من الغش، ولا خير فيه.
ومن العتبية، رواية عيسى، ورواه أصبغ في كتاب ابن المواز، والواضحة، قال
ابن القاسم في الفرايين يزينون وجوه الأفرية، لتحسن، وربما يستر بعض
عيوبها، فلا رد له. ابن المواز: إلا أن يجد عيبًا، فله الرد. وكذلك في
الواضحة عن ابن القاسم نصًا، قال ابن القاسم: فإن لم يكن يعلم بذلك، فله
الرد، وجد عيبًا أو لم يجده، عرف بعيب التتريب أم لا، إذا كان يغيب بعض
العيوب. وقاله أصبغ. وقال في الواضحة: إذا اشتراها من لم يعلم أنها متربة،
فله الرد، وجد عيبًا أو لم يجد، عرف أنها معيبة قبل التتريب أم لا، إذا كان
يغيب بعض العيوب.
ومن الواضحة: ومن اشترى شقة، فوجد أحد جانبيها أطول بذراع، أو أحد كرفيها
أعرض من الطرف الآخر بشبر أو بذراع، فإن اشتراها على ذرع مسمى، فنقص في طول
أو عرض، فهو عيب، وإن لم يكن على ذرع، فليس
[6/ 267]
(6/267)
بعيب؛ لأنه إن قال: وجدت طرفًا أقصر، أو
أضيق. قال البائع: بل وجدت أحدهما أطول أو أعرض، فلا حجة له، إلا أن يتفاوت
ذلك تفاوتًا شديدًا يفسد الثوب إذا قطع قميصًا، فله الرد بعيب الفساد، إذا
كانت لا تصلح إلا للقطع. وأما الملحفة والإزار، فليس ذلك فيها بعيب، وسواء
قاس المشتري جانبها الطويل أو العريض، فظن الطرف الآخر كذلك، أو لم يقس،
وقاله كله أصبغ.
قال أصبغ: ومن ابتاع قميصًا، فوجد بنائقه أدنى رقعة من بدنه وكميه، أو وجد
مقعدة السراويل كذلك، فإن كان متفاوتًا غير متقارب، فله الرد، وإن تقارب
فلا رد له.
قال أصبغ في الجبة تباع، أو الساج وقد قلب، فهو عيب، وكذلك الثوب يلبس أسمر
حينًا، ثم يقصر أو يخرج هدبه، بعد أن بليت وقطعت، والجاهل يظنه جديدًا،
فذلك عيب يرد به، ويؤدب من يفعل ذلك. قال أصبغ: والفرو الطويل الصوف، فيقص
بالمقراض، ويضرب بالقضيب، ليرى أنه خرفان، وهو كباش، فله الرد بذلك، وهذا
من الغش، وعن الفرو يندى بعد فراغه، ثم يمد، فإذا لبس يسيرًا نقص نقصًا
فاحشًا، فهو غش، ويرد به، والفرو الجديد يتقلص إلا أن الممدود منه مجاوز
التقلص المعروف، فيرد بذلك.
وقال في الفرو تكون فيه بقعة منتوفة، فيجعل عليها صوفًا، أو تكون مصوفة لا
جلد لها، فيضرب عليها جلد خشن لا صوف له، فهذا غش يرد به، ولو لم يكن فيه
إلا رقعة واحدة، إن كان فرو له قدر إلا أن يكون يسيرًا جدًا، مثل الثقب
وشبهه، وكذلك لو جعل في مثل هذا من الخروف في فرو القلنيات يستر خفة صوفه،
أو قباحة جلده، ولا بأس أن يجعل في خواصر الفرو، أو كميه جلود مسود؛ لأنه
يرى، وإن عمل فرو من جلود الميتة وحريره، ولا يبين ذلك
[6/ 268]
(6/268)
في بيعه، فلا بأس به، وإن شرط جيزية، وفيه
أندلسية مثلها من الجودة، لم يصلح، وكان له الرد؛ لأن الجيزية يرغب فيها،
وإن شرط أندلسية وفيه جيزية مثلها أو أدنى منها فلا بأس به، وإن لم يشترط
ذلك، فقال المبتاع: قبلت فيه جلودًا جيزية، فظننته كله جيزيًا، فلا رد له
إن لم يكن شرط إلا أن يكون أكثره وظاهره ووجهه جيزيًا، فيشتريه على ذلك،
فله الرد وإن لم يشترط.
وإن اشترى شعيرًا، فزرعه، فلم ينبت، وثبت ذلك، فله الرجوع بقيمة العيب،
يقوم على أنه ينبت، وعلى أنه لا ينبت، فيرجع بما بين ذلك، سواء علم البائع
أنه لا ينبت أو جهله، لا ينصرف إلى غير وجه، وقد جاء الذي علم أنه لا ينبت
فلم يبينه بالإثم والعقوبة، إذ دلس ولم يبين. يريد ابن حبيب: إن لم يشترط
عليه زريعة، ولا بين أنه يشتريه لذلك. ابن حبيب: فلو زارع به أحدًا، فنبت
شعير صاحبه، ولم ينبت هذا، فهذا إذا دلس، رجع عليه صاحبه بنصف مكيلته من
شعير صحيح، وبنصف كراء الأرض الذي أبطل عليه، وإن لم يدلس، رجع عليه بنصف
قيمة العيب، وما نبت في الوجهين، فبينهما. وكذلك قال أصبغ في ذلك كله، وقال
ابن سحنون مثله في ذلك كله، إلا في الكراء، فلم يذكر ذلك، وزاد، فقال: وإن
لم يدلس دفع إلى شريكه مثل نصف زريعة صاحبه صحيحة، ودفع له شريكه مثل نصف
زريعته التي أنبتت، وهذا إذا زال إبان الزراعة. وأما إن علم في إبان
الزراعة، وقد دلس، فعليه أن يخرج قفيزًا آخر صحيحًا، فيزرعه في مكانه، وإن
لم يغره، فعليهما جميعًا، إن شاء أن يخرجا قفيزًا آخر، فيزرعانه أيضًا؛ لأن
الشركة قد لزمت بالتعاقد، وإبان الزراعة لم يفت بعد. ولكن ينبغي إن جاءه
بقفيز ينبت أن يزرعاه جميعًا ويرجع عى صاحبه بنصف قيمة مجمل القفيز الأول.
وقد يتفاوت ذلك. وقال سحنون في كتاب ابنه:
[6/ 269]
(6/269)
إذا باعه منه على أنه زريعة تنبت، وهو يعلم
أنه لا ينبت، رجع عليه بجميع الثمن، وإن لم يعلم رجع عليه بالثمن، ورد عليه
شعيرًا مثله، وذلك إذا ثبت ببينة أن الشعير بعينه زرعه في أرض ثرية، فلم
ينبت. وقد أفردنا بابًا لذكر الغش والخديعة والخلابة، وخلط الدني بالجيد
وشبه ذلك. وعيب الزريعة مذكور في كتاب المزارعة.
وسأله حبيب عمن باع جنانًا في أرض، وفي الجنان قناة شارعة، أتراه عيبًا؟
قال: نعم.
قال مالك في كتاب ابن المواز في طافي الحوت: لا بأس بأكله، ولكن لا يبيعه
حتى يبين، وإلا فهو عيب.
ومن لبس ثوبًا، ثم قصره، فليبين في بيعه، وإلا فهو عيب. وكذلك قال في
الواضحة، إلا أنه قال: لبسه لبسًا بينًا كثيرًا. قال مالك: ويبين لمن اشترى
الرطب المخلل والثياب المعصفرة؛ لأنه غش وعيب.
في خلط الجيد بالرديء من الطعام وغيره وفي خلط اللبن
وفي الحشف يجعل في الطعام أو الماء في اللبن والعصير
من كتاب ابن المواز: ولا يخلط طعام بدونه، ويعاقب فاعله، وكذلك البر
والشعير. قال مالك: وكذلك جميع الطعام والتمر وغيره، وليس الجمع من التمر
مثل ذلك؛ لأن التمر يختلط إذا أخذ.
قال أصبغ، عن ابن القاسم: لا يجوز أن يخلط زيتًا دنيئًا بجيد، وإن كان يبين
ذلك.
[6/ 270]
(6/270)
وقال مالك في من خلط قمحًا بشعير لقوته،
فكره له بيع ما فضل منه وإن قل، وكذلك في التمر والسمن أو العسل، والسمن
يخلط منه جيدًا بدنيء لبيته، ثم يريد أن يبيع منه.
قال ابن القاسم: إذا لم يتعمد خلطه للبيع، فأرجو أن يكون خفيفًا. وقال
مطرف، وابن الماجشون، في الواضحة، مثل قول ابن القاسم، وزادا فقالا: ذلك
إذا كان يسيرًا، يريدان - والله أعلم - مما يخلط مثله للفوت. قالا: وإن
كثر، فلا خير في بيعه.
وروى عيسى عن ابن وهب في العتبية في الذي يبيع الطعام، فيأتيه رجل بطعام
مأكول - أراه يريد: مسوس - ليبدله له، ويخلطه بما يبيع، فلا ينبغي، وهذا
عيب. قال ابن القاسم: يبدله ولا يخلطه.
ومن كتاب ابن المواز، قال أصبغ، عن ابن القاسم: ولا خير في أن يخلط ذهبًا
رديئه بجيده ويذيبها، وهو غش، فإن قدر على تمييزهما فعل، وإن لم يقدر فله
أن يبيعهما إذا بين، وإن لم يبين فهو عيب وغش. وقاله أصبغ.
قال مالك في رب السفينة يبتاع القمح الأسمر المشعر، ثم يشتري أبيض، فيصبه
عليه، ولا يخلطه، فلا أحبه، وليجعل كل شيء على حدته. ومن سماع أشهب، ومن
كتاب ابن المواز: قال مالك في لبن البقر والغنم يخلطان، فيخرج زبدهما معًا
ثم يباع لبنهما، قال: أحب إلي أن يعرف كل واحد على حدته، فإن لم يفعل،
فليبين ذلك في بيعه للبن والزبد.
[6/ 271]
(6/271)
ومن كتاب ابن المواز، والعتبية، قال أصبغ،
عن ابن القاسم في الجزار عنده لحم سمين ومهزول، وقد خلطهما، فيبيعهما بوزن
واحد، قال: والمشتري يرى ما فيه من سمين ومهزول، ولكن لا يعرف وزن هذا من
هذا، قال: أما شراء الأرطال اليسيرة، كشراء الرجل بالدرهم والدرهمين، فذلك
جائز، وأما ما كثر كعشرين رطلاً، وثلاثين رطلاً، فلا خير فيه حتى يعرف وزن
هذا من هذا، وهو خطر، وليمنع الجزار من خلط السمين بالمهزول، وهو غش، ولا
يحل لهم.
قال في العتبية: لا يحل له ذلك، وإن بينه عند البيع، قال في الواضحة مثله
كله. وقال في أول المسألة: وإن كان السلطان لا يغيره، فاشتراه منه مخلوطًا،
فذكر مثل جواب ابن القاسم.
ومن العتبية، في سماع أشهب: ولا بأس ببيع الصبرة من طعام، أو تمر، وفيهما
حشف فيكون داخلها وعلى وجهها، ما لم ير من أعلاها، فيكون داخلها، بخلاف
خارجها. قيل: أرأيت الحشف إذا كان في داخله وخارجه، فقلب ما على وجه الصبرة
فيجعله ناحية ولا يدخله في داخلها. قال: لا يعجبني. وذكره في كتاب محمد،
وقال: هذا تزيين، ولا يعجبني. قال مالك: وما يجعل في التبن أسفل المطمر عند
الخزن، أو في السفينة، فلا بأس بذلك، وليس من الغش.
قال مالك: ولا بأس بخلط الماء باللبن، لاستخراج زبده، فأما بعد ذلك، فلا.
[6/ 272]
(6/272)
قال سحنون في العتبية: ولا بأس أن يصب في
العصير المتخذ للخل الماء، لئلا يصير خمرًا، ويعجل تخليله إذا قصد هذا، ولم
يرد الغش.
جامع في الغش والتدليس وما يصنع بما غش من الأشياء
وفي رد ذلك إذا بيع وفي الذهب الرديء
من الواضحة، قال مطرف وابن الماجشون: ويعاقب من غش ويضرب، أو يخرج من
السوق، إذا كان معتادًا للغش والفجور، ولا يراق ما غش، إلا ما خف، كاللبن
بغشه بالماء، أو يسير الخبز الناقص، فليتصدق به أدبًا له مع تأديبه بما
ذكرنا. وأما الكثير من اللبن والخبز، فلا، ولا ما غش من مسك وزعفران. قال
ابن حبيب: ولا يرد ذلك إليه، وليبع ممن يؤمن أن يغش به من أهل العطر، ومن
يصرفه في وجوه مصارفه. وما كثر من الخبز، فإذا كسر عليه أسلم إليه، وما كثر
من لبن، أو عسل غشه، أو سمن غشه بشحم، فليبع ممن يأتدم به بالبراءة، ممن
يؤمن أن يغش به. وكذلك كل ما غش، وقاله أصحاب مالك. وروى أشهب، عن مالك، في
العتبية، وابن الماجشون في الواضحة.
قال: ولا ينهب متاع الرجل إذا غش، وأرى أن يعاقب من أنهب أو انتهب.
[6/ 273]
(6/273)
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك في من فجر
في السوق: أرى أن يخرج منه، وذلك أشد عليه من الضرب.
وقال في موضع آخر فيمن جعل في مكياله زفتًا، أرى أن يضرب، ويخرج من السوق.
مالك: وما غش من لبن أو غيره، فلا يراق، وليتصدق به، وكذلك الزعفران
والمسك، وإن كان هو غشه. وأما إن ابتاعه مغشوشًا، فلا. قال ابن القاسم:
وهذا في اليسير، فأما الكثير، فلا يتصدق به على من غشه، وليوجع أدبًا، ومن
ابتاع ما ذكرنا من المغشوش، أو أقمحًا مبلولاً، وفات عنده أو أكله، فليرجع
بما بين الصحة والداء؛ لأنه لا يوجد مثله.
وقال أشهب: سواء دلس أو لم يدلس. قال ابن القاسم: إلا أن يوجد مثله، ويحاط
بذلك، فليرد مثله، ويرجع بالثمن. وقال أشهب: إن وجد مثله سواء، فهو مخير في
رد مثله، أو أخذ قيمة الغش. وقال سحنون: لا يرد مثله، وإن وجد مثله.
قال مالك في الزعفران المغشوش: له رده، ولا أرى أن يحرق.
قال: ومن قبض دينارًا من دين، فقطع منه لحاجته، فوجده مغشوشًا، فليرد مثله
في رداءته صحيحًا، ويرجع بديناره. وقاله أصبغ. ورواه أصبغ، عن ابن القاسم
في العتبية، وذلك إذا قطعه قبل أن يعلم برداءته.
ومن العتبية من سماع أشهب، ومن كتاب ابن المواز: قال مالك في جواز الذهب:
أما في مثل مكة، يجوز بها كل شيء، فلا بأس به، وأما في غيرها فلا، حتى
يبين.
[6/ 274]
(6/274)
قال عنه ابن وهب، في الدراهم، يكون في
وجوهها ما يكره، فلا يباع بها شيء، وإن أخذها بعض الناس، وأراه عيبًا.
ومن العتبية، من سماع ابن القاسم، وعن الدراهم النقص يتبايع بها بين الناس،
أتغير؟ قال: أرى أن تترك، وفيها رفق بالناس، تأتي المرأة بغزلها وغير ذلك.
قيل: أفينادي الإمام في الناس بجواز ذهبهم كلها؟ قال: لا ينبغي ذلك، ولا
يكره الناس عليه، وليبع الرجل من النقد بما أحب.
ومن كتاب محمد بن المواز: قال عنه أشهب، في المبتاع فيه الخلل والسقط،
فيكمده ليصفق ويستر خلله، قال: ولا خير في الغش.
قال مالك في الخمر من الخز يبل لها الخبز ويرش عليها لتصفق وتشتد، فذلك من
الغش، ولا خير فيه.
ومن الواضحة قال: ومن الغش تصميغ الديباج، ليصفق ويشتد ولينهوا عن ذلك، وعن
تصويرهم فيه صور الحيوان. وأما ما لا زوج فيه من الشجر وشبهها، فلا بأس
بتصويره، ويعاقب من لم ينته، وكذلك ما يفعله الحذاءون من تغليظ حواشي
النعال قبل حدوها، ليواروا رقتها، وللمبتاع الرد بذلك، ويعاقب فاعله.
ومن العتبية، روى ابن القاسم، وأشهب، عن مالك، قال: ويمنع الجزار من نفخ
اللحم. قال عنه ابن القاسم: وهو يغير طعمه.
[6/ 275]
(6/275)
قال أصبغ، عن ابن القاسم، في بيع أشياء يغش
بها: فأما ما لا وجه له إلا الغش، فلا أحب بيعه، وأما ما فيه نفع سوى ذلك،
فله بيعه ممن لا يدري ما يصنع به، فأما إن علم أنه يبيعه للغش، فلا خير
فيه.
قال ابن القاسم، عن مالك: أكره أن يغش البسر حتى يصير رطبًا، وإنما كرهه من
أجل فساد التمرة، وهو تعجيلها قبل طيبها. قال مالك: ولينهوا عن بيع رطب
يبيعونه ممن يرشه بالخل. وهذا في كتاب ابن المواز مثله، وقال في جامع
البيوع من العتبية، من رواية ابن القاسم، عن مالك: أنه أجاز شراء العنب
المحصرم والرمان الأخضر وشبهه من إنجاص وتفاح وأترج قبل طيبه على القطع.
قال: وإنما كره ذلك هاهنا؛ لأنه يضر بالناس، فأما بالأمصار، ففاكهتهم
كثيرة، ولا أرى به بأسًا.
ومن كتاب محمد: قال مالك في الثياب تطوى وتظهر وجوهها، وتكون وعيوبها
داخلها، فينشر للمبتاع منها ثوبًا أو ثوبين، فيرى عيوبها، فيقول له البائع:
اشتر على هذا. قال: غيره أحب إلي، وأرجو أن يكون خفيفًا.
فيمن ابتاع جنسًا فوجد خلاف الجنس الذي ابتاعه
أو ذكره أحد المتبايعين أو خلاف ما ظن
أو جعل رجل ثوبه في بيع الميراث
من الواضحة قال: ومن الخلابة والخديعة أن نسبت السلعة إلى غير جنسها، أو
يسميها بغير اسمها، فللمبتاع الرد بذلك، ولو أتي أحد المتبايعين من
[6/ 276]
(6/276)
جهله بالبيع، فباع أو ابتاع ما يساوي مائة
درهم بدرهم كان ماضيًا عليهما. وروي عن شريح، في من قال لرجل: بكم هذا
الثوب الهروي؟ فقال البائع: بكذا. فابتاعه منه، ثم تبين أنه غير هروي، ولكن
صُنِعَ صُنْعَ الهروي، فأجاز ذلك عليه شريح. قال ابن حبيب: لأنه لم يبعه
على أنه هروي هراة، إنما هو هروي البيع.
قال مالك في من باع حجرًا بدرهمين، فإذا هو ياقوت رفيع الثمن، فالبيع لازم.
وكذلك في سماع أشهب، من كتاب ابن المواز، وقال: باعه ممن يشتريه، فإنه
يلزم، ولو شاء استبرأ لنفسه قبل البيع. قال ابن حبيب: وذلك إذا قال: من
يشتري مني هذا الحجر؟ لأن الياقوت يسمى حجرًا، وسواء علم المشتري حين
اشتراه أنه حجر أو ياقوت، أو لم يعلم، وكذلك لو ظن المبتاع أنه ياقوت،
فترفع ثمنه، فأخطأ ظنه، فلا رد له. ولو قال البائع: من يشتري مني هذا الحجر
الزجاج؟ فباعه، ثم ظهر أنه ياقوت، فللبائع رده. جهله المبتاع أو علمه، كما
لو سمى ياقوتًا فألفي زجاجًا، فله رده، وأما إن سكت، أو قال: حجرًا. فلا
كلام له إن وجد ياقوتًا. ولو قال المبتاع: بعني هذا الزجاج، ففعل، والبائع
يجهله، فوجد ياقوتًا، فللبائع رده، وكذلك لو قال: بعني هذا الياقوت، فألفاه
زجاجًا، فله رده، بخلاف مسألة شريح؛ لأن ذلك لصبغه يسمى: هروي حتى يقال:
هروي هراة. وكل ما شرحت من ذلك، فقول مالك.
قال مالك في سماع أشهب، في العتبية، وفي كتاب ابن المواز: وقد باع مصلى في
ميراث، ثم قال للمبتاع: هو خز؟ فقال البائع: ما علمت، ولو
[6/ 277]
(6/277)
علمت ما بعت بهذا الثمن. فالبيع لازم، ولو
شاء استبرأ. ثم ذكر المسألة التي ذكرنا في الحجر.
قال في سماع أشهب: وكذلك لو باع ثوبًا مرويًا، ثم قال: لم أعلم أنه مروي،
ظننته كذا. أو قال المشتري: ظننته خزًا. وليس بخز، فهذا مثله.
وروى أبو زيد عن ابن القاسم، فيمن اشترى ياقوتة، وهو يظن أنها ياقوتة، ولا
يعرفها هو ولا بائعها، فوجدها غير ياقوتة، قال: فله الرد، بخلاف الثياب،
وكذلك قرط ذهب يشتري، ولا يشترط البائع أنه ذهب، والمبتاع يظنه ذهبًا،
فوجده نحاسًا، فله رده.
وروى عيسى، عن ابن القاسم في الرقيق يجلب من طرابلس، فيخلط فيها مصري،
رأسًا يبيعه، ويأمر الصائح ببيعه، ولا يذكر أنه له، قال: أرى للمبتاع رده
إذا علم، وكذلك الدواب والحمير يجلب مثل هذا. وقال مالك مثله فيمن خلط
سلعته بتركة ميت تباع: إن المبتاع بالخيار إذا علم.
وكتب شجرة إلى سحنون فيمن اشترى ثوبًا على أنه يحرث، فوجده لا يحرث، فكتب
إليه: له شرطه، قيل لسحنون: فإن اشتراه ولم يشترط شيئًا فوجده لا يحرث،
وإنما اشتراه للحرث فكتب إليه ليس له رده في هذا إلا أن يشترط ذلك.
فيمن قام بعيب وقد حدث عنده عيب آخر
أو أحدث صنعة في السلعة
أو جنى العبد أو مرض والبيع صحيح أو فاسد
من كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: قال مالك: وإذا قام المبتاع بعيب
قديم، وقد حدث عنده عيب خفيف، من حمى، أو رقد، أو نحوه، قال في
[6/ 278]
(6/278)
الواضحة: أو صداع في جسم، أو موضحة، أو
منقلة، أو جائفة، إن برأت، فليس عليه لذلك غرم إن رده، ولا يوجب له أخذ
قيمة العيب القديم إن حبسه.
وقال محمد بن عبد الحكم: إن الحمى والوعك عيب عند أشهب، وبه أقول.
قال ابن المواز: وإن كان أخذ للموضحة عقلاً: فلا شيء عليه إن رد بالعيب،
بخلاف قطع اليدين. قال ابن حبيب: وكذلك ما حدث عنده من شرب خمر أو زنى أو
سرقة، أو إباق، فلا شيء عليه في هذا إن رده، كما ليس له قيمة العيب القديم
إن حبسه، قال مالك في الكتابين: وأما الافتضاض في الإماء، فمن العيوب
المفسدة، لا يردها بالعيب القديم، إلا ما نقصها الافتضاض. قال: ولا شيء
عليه في وطئه إن لم تكن بكرًا.
قال ابن حبيب: قال ابن نافع وابن وهب وأصبغ: إذا وطئها بكرًا كانت أو
ثيبًا، فليس له ردها، وإنما له قيمة العيب، وروي أن عمر بن عبد العزيز،
وعلي بن أبي طالب قضيا بذلك. وقاله أشهب والليث. وبه أقول للذب عن الفروج،
وقد ألزم مالك الغاصب قيمة الأمة إذا غاب عليها، إن شاء ذلك ربها، وألزم
الشريك القيمة بالوطء، والأمة المحللة، والأب يطأ أمة الابن، فلا بد فيها
من القيمة.
ومن كتاب ابن المواز: ومن قام بعيب، وقد حدث عنده عيب مفسد، فأما في الرقيق
فيستوي التدليس فيها وغير التدليس، في أنه لا يردها إلا وما نقصها عنده
العيب، إلا أن يكون ما أصابه من نقص أو فوت عنده بسبب العيب، فيضمن ذلك
البائع في التدليس، ولا يضمن في غير التليس إلا قيمة العيب. قال: ولو اشترى
أمة بكرًا، ولها زوج يعلمه المبتاع، فاقتضها، ثم ردها المبتاع بعيب، دلس به
البائع، فلا شيء على المبتاع في هذا، وهذا كالتقطيع في الثوب.
[6/ 279]
(6/279)
وأما الثياب وشبهها، فيفترق فيها التدليس
من غيره إن قام بعيب، فإن لم يحدث فيها إلا أن قطعت ما يشبه من قمص ونحوها،
فإن لم يدلس البائع، فذلك مثل العبد، وإن دلس فللمبتاع ردها بغير غرم،
للقطع، والجلود كذلك، وليس له حبسها وأخذ قيمة العيب، إذ لا شيء عليه إن
ردها، ولو قطع ذلك ما لا يشبه، فليس على البائع إلا قيمة العيب.
ولو قال البائع: علمت العيب وأنسيته عند البيع، صدق مع يمينه، وكان كمن لم
يدلس. قال مالك: ولا يحلف في هذا، ولا في قوله: لم أعلم بالعيب حتى يختار
المبتاع رد الثياب مقطعة، فليحلف، ويأخذ ما نقصها. وإن تماسك، لم يحلف
البائع، وودى قيمة العيب، وإن خاط الثياب، فله أخذ قيمة العيب، دلس البائع
أو لم يدلس، وله أن يرده مخيطًا، فيقوم مقطوعًا مخيطًا، فتدخل الخياطة في
القيمة، وإن نقص بعد ذلك شيء، غرم المبتاع ما نقص إن لم يدلس البائع، ولا
شيء له إن دلس.
قال سحنون، وابن حبيب: ولو زادت الخياطة، كان بالزيادة شريكًا إن رد. قال
في كتاب محمد: وإنما يؤدى ما نقص بعد يمين البائع أنه ما دلس، فإن نكل، فلا
شيء عليه من النقص. يريد محمد: بغير رد يمين في هذا. وقاله محمد في نكول
البائع فيما بيع بالبراءة. قال أصبغ: وإن طلب المبتاع حبسه، وأخذ قيمة
العيب، فأبى البائع، وقال: أنا أغرم لك الخياطة، ولا آخذ منك نقص القطع.
فليس ذلك له للصنعة التي فيه للمبتاع، فإن صبغه فزاده ذلك، فالتدليس وغيره
في الزيادة سواء. أما أخذ قيمة العيب أو رده وكان شريكًا بالزيادة، ويقوم
الثوب أيضًا معيبًا، ثم يقوم مصبوغًا، فما زاد، فهو به خريط، وإن نقصه
الصبغ، فهو كما قلنا في الخياطة تنقصه، إلا أن يصبغه ما لا يصبغ مثله،
فيصير فوتًا، وليس له إلا قيمة العيب في التدليس وغيره، وقال في من ابتاع
عبدًا، فحدث عنده به عيب، وظهر على عيب قديم، وقد ابتاعه بخمسين دينارًا،
فإن شاء قيمة العيب،
[6/ 280]
(6/280)
قوم العبد يوم الفقة صحيحًا، فإن قيل:
مائة، قيل: ما قيمته يومئذ بالعيب القديم؟ فإن قيل: تسعون، فقد بقي للمبتاع
عشر الثمن، فهو خمسة دنانير لم يقبض لها عوضًا، فإن شاء رجع بها وحبسه، وإن
شاء رده، ورد ما نقصه، فقد علمت أن ثمن ما قبض معيبًا خمسة وأربعون من
ثمنه، فانظر إلى قيمة العبد بالعيبين يوم الصفقة، فإن قيل: ثمانون، فقد نقص
عند المبتاع تسع ما قبض، وقد علمت أن حصة ما قبض من الثمن خمسة وأربعون،
فعليه تسع ذلك، وهو خمسة، فنقص عنه من الثمن، ويرجع بأربعين، ويرجع أيضًا
بخمسة أولى التي لم يقبض لها عوضًا، وهو مرجوع بها في الرد والحبس.
ومن العتبية، من سماع ابن القاسم: ومن ابتاع عبدًا فقام فيه بعيب تعقيفًا
في يديه، والبائع غائب بمكة، فأتى به السلطان وأشهد عليه، ثم قدم البائع
والعبد مريض، قال: فليرد وهو مريض، إلا في المرض المخوف. قال عيسى، عن ابن
القاسم: فإن كان مخوفًا، استؤني به ما لم يتطاول ذلك إلى ما فيه ضرر، فإن
تطاول، أو هلك، رجع عليه بقيمة العيب. وكذلك ذكرها ابن المواز، إلا أنه
قال: وإن كان برؤه قريبًا، رده.
وروى عيسى، عن ابن القاسم، في عبد جنى عند ابن القاسم يريد: خطأ ثم يقوم
فيه بعيب، فهو مخير، إن شاء حمل الجناية، ورد العبد، وإن شاء حبسه، وأخذ
قيمة العيب. وفي باب العيب الباطن ما يشبه هذا الباب، ومسألة الأمة يطؤها
المبتاع في الاستبراء، ثم يظهر بها حمل، في أبواب الاستبراء، وذكر السلعة
تفوت بعيب في بيع فاسد، ثم يظهر منها على عيب، في أبواب البيوع الفاسدة في
الثالث من البيوع.
[6/ 281]
(6/281)
فيمن قام بعيب في الرقيق والحيوان
وقد نقص ذلك في بدنه أو زاد أو ولد له
أو تعلم صنعة وما يفيت الرد
من كتاب محمد والعتبية من رواية عيسى، قال مالك: ومن قام بعيب في عبد أو
أمة، وقد زاد عنده بفراهة أو ثمن، أو تعليم صنعة، أو فصاحة أعجمي، أو نقص
بهزال، فليس ذلك فيها بفوت.
فإما حبس ولا شيء له، أو رد ولا شيء له ولا عليه، وأخذ ثمنه، وكذلك لو
اشترى مريضة أو مصرورة، فصحت وسمنت، فليس بفوت. وأما الدابة السمينة تعجف،
أو تدبر، أو ينقص بدنها، فذلك فوت، فإما رجع بقيمة العيب، أو ردها مع ما
نقصها ذلك.
قال أصبغ: لم يختلف قول مالك في عجف الدواب.
ومن الكتابين: وأما العجفاء تسمن، فقال مالك: ليس بفوت كالرقيق. وقال قبل
ذلك: إنه فوت، وبه أخذ ابن القاسم. قال ابن القاسم: إن ابتاعها عجفاء،
فسمنت سمينة بينة، فله أخذ قيمة العبد وحبسها، أو يردها ولا شيء له في
سمنها، وإن صلحت عنده ولم تسمن ذلك السمن، فلا شيء له إن حبسها. وقد قال
ابن حبيب: إن أحسن ما سمعت أن السمن البين في الرقيق والدواب بعد الهزال
البين والعجف البين فوت، وكذلك الهزال والعجف البين بعد السمن البين فيهما
فوت. وحكي عن مالك أنه كان لا يرى ذلك كله فوتًا في حيوان ولا رقيق، وأن
ابن القاسم يرى العجف والهزال فوتًا فيهن، ولا يراه في السمن، ولم يذكر هذه
الرواية غير ابن حبيب فيما علمت.
[6/ 282]
(6/282)
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك، وابن
القاسم، وأشهب: وأما الصغير يكبر، فليس له إلا قيمة العيب وإن كره البائع.
وقاله ابن القاسم في هرم الكبير، لا خيار لواحد منهما. وقاله مالك في
الهرم، وروي أيضًا عنه في الهرم، أن له أن يرده وما نقصه، أو يأخذ قيمة
العيب. قال أصبغ: بل هو كالصغير يكبر إذا كان هرمًا بينًا.
ومن كتاب البيوع الرابع لابن المواز: وإذا كبر الصغير، فذلك فوت، وله قيمة
العيب، ولو رضي المبتاع أن يرده وقد كبر، فليس له ذلك. وقاله أصبغ، إلا أن
يرضى صاحبه، ولمالك قول في الصغير يكبر، أن له رده، وله حبسه وأخذ قيمة
العيب.
وأما الأمة تلد من غير السيد وقد حدث بها عنده عيب، وظهر على عيب قديم، فله
ردها، ويجبر بالولد ما حدث عنده من عيب غير التزويج وغيره، وإلا حبسها ولا
شيء له. وقاله مالك، وقال أيضًا: لا يجبر بالولد نقص عيب، وله أخذها وقيمة
العيب، أو أخذها وما نقصها العيب عنده، ويرد ولدها، فإنما تقوم وحدها دون
الولد في الرد والحبس، اشتراها حاملاً أو ولدت عنده، ولا شيء عليه في موت
الولد، ولو قتل فأخذ له قيمة، فليردها معها. وكذلك يرد ثمنه إن باعه، ويرد
مع ذلك قيمة العيب الحادث عنده كاملاً.
قال أصبغ: وقد قال لنا أشهب في من ابتاع أمة، فولدت عنده، ثم وجد عيبًا،
فليس له أخذ قيمة العيب، وإما حبس ولا شيء له، أو ردها بولدها. قال محمد:
لأنه اشتراها حاملاً، ولم يحدث عنده عيب، واتفق ابن القاسم، وأشهب، أنها
إذا ماتت هي، أو قتلت، وبقي الولد، أنه يرجع بقيمة العيب، وإن كانت به
حاملاً يوم البيع، وإنما اختلفا إذا حدث عيب آخر وقد ولدت. محمد: فأحب
إلينا في ذلك: إن شاء ردها وولدها وقيمة العيب الحادث عنده، وإن شاء
[6/ 283]
(6/283)
أخذ قيمة العيب بعد أن تقوم لولدها، فذلك
له، إلا أن يقول البائع: أنا أقبلها بولدها، ولا آخذ للعيب شيئًا. فذلك له،
إلا أن يشاء المبتاع أن يحبسه، ولا شيء له، أو يرد بالولد ولا شيء عليه.
قال ابن القاسم: ويرد معها ما أخذ في الولد من ثمن أو قيمة، بخلاف بيع
الولد الحادث، فلا شيء للبائع في ثمنه، إذا أخذ أمته. وقال أصبغ: يرد في
العيب من ثمن الولد قدر قيمته حتى كأنه اشتراه مع أمه مولودًا.
قال محمد: بل يرد جميع ما أخذ فيه. قاله ابن القاسم، وأشهب، وأنكر قول
أصبغ. قال ابن القاسم: وإن مات الولد، ولم يأخذ فيه شيئًا ردها ولا شيء
عليه فيه، وإن ماتت هي أو قتلت، رجع بقيمة العيب يوم الشراء، ولا ينظر إلى
الولد إن كانوا أحياء أو قيمة إن أخذوا له قيمة. قال أشهب: إلا أن يقول:
أنا أقبل ما أخذت في الولد من ثمن أو قيمة، أو الولد إن كانوا أحياء، أو
قيمة الأم إن أخذت لها قيمة، وأرد جميع ثمنك، فذلك له، وإن لم يقبل ذلك
البائع، فعليه قيمة العيب، أو ما بقي من ثمنها بعد أن يحسب على المشتري ما
أخذ فيه من قيمة العيب، أو ما بقي من ثمنها بعد أن يحسب على المشتري ما أخذ
فيه من قيمة أو ثمن، وللقاتل أن يرجع عليه بقيمة عيبها يوم القتل إن لم
يعلم به، ويضم إلى قيمة الأمة ما أخذ في ولدها من ثمن أو قيمة، فإن شجت
موضحة، فأخذ لها عقلاً، فله ردها بالعيب، ولا شيء عليه؛ لأن الموضحة لا
ينقصها، وهذا بخلاف قطع يدها، تلك إن ردها رد معها ما نقصها، ولا ينظر إلى
ما أخذ في يدها، قل أو كثر، كثوبين باع أحدهما، ووجد الآخر عيبًا، ومجهلة
الثمن فوت، وقد ذكرناها في باب الدعوى، في الرد بالعيب موعبة، وما فيها من
القول.
[6/ 284]
(6/284)
قال عيسى بن دينار: إذا حدث عنده عيب، فله
الرجوع بقيمة العيب، ولا حجة للبائع إن قال: رده، ولا غرم عليك فيما نقص
عندك. وهو في كتاب ابن مزين.
وفي العتبية من سماع ابن القاسم: وإذا ابتاع أمة، فزوجها، فولدت، ثم قام
بعيب، فليس بفوت، فإما ردها وولدها، أو حبس ولا شيء له. وقاله ابن القاسم:
قال عنه عيسى: وإن باع الولد، ردها مع ثمن الولد. وكذلك في الواضحة، عن
مالك. وقال: فإن ماتت، وبقي الولد، رجع بقيمة الولد.
وروى عنه موسى بن معاوية، في من ابتاع شاة حاملاً، فولدت عنده، فأكل الولد،
ثم قام بعيب فيها، فله ردها، ويحسب عليه في ثمنها قيمة الولد الذي أكل، أو
يمسكها فيرجع بقيمة العيب إن شاء؛ لأنه ربما كان ثمن الولد أكثر من ثمنها.
قال: ولا يقاص بثمن ما انتفع به من لبن أو صوف؛ لأنه غله ولا يرده، وإن كان
قائمًا بائنًا عنها.
وبعد هذا باب فيه ذكر مال العبد المردود بعيبه وغلته، ومثله الأمة يطؤها
المشتري، فتحمل أو لا تحمل، ثم يظهر أن لها زوجًا، قد تقدمت في باب عيوب
الرقيق في غير أبدانهم.
[6/ 285]
(6/285)
[6/ 286]
(6/286)
|