النوادر
والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات بسم الله الرحمن الرحيم
عونك اللهم
الجزء الثالث
مما يحل ويحرم من البيوع
ذكر أبواب البيوع الفاسدة
من بيع الغرر والخطر
من الواضحة: نهى الرسول عليه السلام عن بيع الغرر، وهذا يشتمل على أشياء
كثيرة. ومن ذلك نهيه عليه السلام عن المضامين والملاقيح وحبل حبلة. فقال
مالك: المضامين ما في بطون الإناث، والملاقيح ما في ظهور الذكور، وحبل
الحبلة بيع نتاج نتاج الناقة.
قال ابن حبيب: المضامين ما في ظهور الفحول، والملاقيح ما في بطون الإناث.
قال الراجز: ملقوحة من بطن ناب حامل
[6/ 149]
(6/149)
قال ابن حبيب: وحبل حبلة: بيع نتاج نتاج
الناقة كما قال عن مالك. وقال مالك في الموطأ: كان يباع الجزور إلى أن ينتج
نتاج الناقة.
قال ابن القاسم: فهو أجل مجهول بيع إليه الجزور. وجعل ذلك أبو الفرج
البغدادي حجة في النهي عن البيع إلى أجل مجهول. وروى ابن وهب عن مالك مثل
ما ذكر ابن حبيب.
قال ابن حبيب: ومن الغرر ما نهى عنه عليه السلام من بيع الحصاة. كان في
الجاهلية تكون حصاة بيد البائع فيقول: إذا سقطت الحصاة وجب البيع بيني
وبينك.
ومن العتبية: أشهب عن مالك: وأكره بيع المقاومة بالحصاة، وأستخف بيع
المقاومة بالسرار.
قال ابن حبيب: ومن الغرر ما نهي عنه من بيع العربان في البيع والكراء،
ويقول: إن تم العقد فهو من الثمن، وإلا كان ذلك باطلاً ولا بأس بالعربان في
غير هذا الشرط. قال: ومعنى العربان أول الشيء وعنفوانه.
[6/ 150]
(6/150)
ومن الغرر بيع الآبق والشارد، وبيع ما في
بطون الإماء والدواب، أو بيعها واستثناء ما في بطونها. ومنه بيع العبد أو
غيره من الحيوان مريضًا مرضًا يخاف منه الموت. قال: ويفسخ البيع، وهو من
بائعه حتى يقبضه مبتاعه، فيكون منه إن فات بقيمته يوم قبضه.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ولا خير في بيع بعير أصابه القلاب على
الصبر به يومين، فإن خاف الموت نحره، وإن عاش فلا بيع له.
قال مالك: ولا خير في بيع الرمكة لعقوق، بشرط أنها عقوق، وكذلك الغنم
والإبل، إلا أن يقول هي عقوق، ولا يشترط ذلك.
قال مالك: ولا ينبغي شراء الإبل المهملة في الرعي، وإن رآها المبتاع؛ لأنه
لا يدري متى تؤخذ، وهي تستصعب. قال ابن القاسم: وأخذها خطر. وكذلك المهارات
والفلاء الصغار بالبراءة وهي كبيع الآبق ومصيبتها من البائع حتى تؤخذ.
ومن العتبية: قال أصبغ عن ابن القاسم: لا يجوز بيع الصعاب من الإبل وما لا
يؤخذ إلا بالأوهاق، ولا يعرف ما فيها من العيوب، وربما عطبت في أخذها. قال
ابن حبيب: بيعت بالبراءة أو غير البراءة.
قال ابن القاسم: في العتبية: وكذلك شراء المهارات والفلاء الصعاب بالبراءة،
ولا يعرف عيوبها ولا ما فيها لصعوبتها، ويقول أبيعك على ما فيها فهو خطر
يضع له من الثمن والآخر يرجو السلامة، كبيع الغائب بغير صفة على أنه ما
[6/ 151]
(6/151)
قد أصابه فمنك، وكبيع الآبق. قال أصبغ: ليس
هذا بنظير، وإنما يكره بيعها للغرر لصعوبة أخذها، وهي من البائع حتى يقبضها
المبتاع. ولولا هذا الخطر لجاز، ولكان بيع الغائب وغيره بالبراءة مما لا
يعلم جائزًا.
وقال ابن حبيب: مثل ذلك في بيع المهارة، وهي من البائع حتى يقبضها المبتاع.
ثم إن فاتت عنده فعليه قيمتها يوم قبضها.
ومن كتاب ابن المواز: ومن ابتاع عبدًا وهو آبق، يريد محمد: عرف بالإباق، أو
غير آبق على أنه إن أبق عنده، فالبائع ضامن، أو كان عبد به مرض أو رمد فشرط
أنه ضامن إن مات من مرضه أو لما جر رمده من بياض وغيره فهذا بيع فاسد، نقد
أو لم ينقد. وضمانه من المبتاع، يريد إن قبضه، وعليه قيمته يوم قبضه. وهذه
المسألة من أولها في العتبية من سماع ابن القاسم من مالك. قال أصبغ: هو من
المبتاع فات بإباق أو غيره، فعليه قيمته يوم البيع على ما هو به آبق أو
مريض، يريد: وقد قبضه يومئذ. وفي أول المسألة، كان يعرف بالإباق أو لا
يعرف.
ومن كتاب ابن سحنون: وكتب شجرة إلى سحنون فيمن اشترى آبقًا وهو عارف بمكانه
أو جاهل به، ونقد ثمنه وأعتقه. فكتب إليه: نقد الثمن غير جائز وينزع من
البائع. فإن ظهر العبد فالعتق فيه جائز ويرجع إلى القيمة فيه يوم ثبت فيه
العتق؛ لأنه كأنه قبضه وفات عنده.
[6/ 152]
(6/152)
وسأله حبيب عمن باع عبدًا وشرط للمبتاع أنه
إن أبق منك إلى سنة، فالثمن مني رد عليك، فقال: هذا شرط يفسد البيع. فإن
أبق الغلام عند المبتاع قبل فسخ البيع، قال: يرد ولا شيء على المبتاع.
وسأله حبيب عن الآبق يجعله الحاكم في السجن ليأتي مولاه فيأخذه، ومولاه
ببلد آخر، فباعه مولاه وهو في السجن وهو بذلك عارف. قال: لا يجوز بيعه لأن
فيه خصومة إذ لو جاء مولاه لم يأخذه إلا ببينة، فباعه قبل أن يستحقه.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ولا أحب بيع السلعة على أنه إن لم يجد
قضاءه ومات فهو من الثمن في حل.
ومن العتبية: أشهب عن مالك: ومن ابتاع سلعة على أنه إن ادعاها مدع، فمالي
رد إلي بغير خصومة. قال: لا يعجبني هذا البيع، وقد شرط شرطًا ليس في كتاب
الله سبحانه.
قال ابن المواز: وكره مالك بيع العشرات ويراه من الغرر.
وقال في المختصر الكبير: ولا يصلح بيع العشرات التي في الديوان بعين ولا
بعرض ولا هبتها للثواب. قال محمد: هي العشرات التي تزاد في الأعطية رواه
ابن القاسم وأشهب عن مالك.
في البيع إلى الأجل المجهول أو البعيد أو على
التقاضي أو حتى يبيع
أو على أن يقبض ببلد آخر أو على أن لا يبيع ولا يهب حتى يقبض
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: لا يجوز البيع إلى أجل مجهول. قال مالك:
وإن باع سلعة على أن لا يأخذ ثمنها حتى يموت البائع، لم يجز، ويفسخ،
[6/ 153]
(6/153)
ويرد في الفوت إلى القيمة. قال: وخير من
ذلك أن يبيع على التقديم، يقول له بعد الوجوب: ما ذكرت، فيلزمه ثم لا رجوع
له فيه. قال: ومن باع سلعة على أن لا يأخذ ثمنها حتى يبيعها أو بعضها، لم
يجز، ويفسخ.
قال مالك: ومن باع ثمر حائطه على أن يوفيه الثمن أو شيئًا سماه منه، إذا جذ
نصف الحائط أو ثلثه، وباقي الثمن إذا جذ آخره، لم أحب هذا، ولا أعرف النصف
من ذلك ولا الثلث. ولكن يؤخره إلى فراغه أو إلى أجل مسمى. وإن شاء نقده
البعض. وأجاز ذلك أشهب. وقال في السؤال: إذا جذ ثلث ثمره، ونقده ثلث الثمن،
وباقي الثمن إذا جذ بقيته تمرًا.
وروى أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية: إذا باع كرمه على أن يقبض عشرين
دينارًا، ثم يأخذ ثلث ما بقي إذا قطف ثلثه، وباقي الثمن إذا قطف بقيته، لم
يجز. ولو قال: إذا قطف جميعه، جاز.
قال مالك: ولا بأس ببيع أهل الأسواق على التقاضي وقد عرفوا قدر ذلك قدر
الشهر أو ما عرفوه بينهم. يريد: مما جرى بينهم حتى يتقاضاه فيعطاه مقطعًا
بعد ذلك. قال مالك: فإن تأخر نقد ما عرف من وجه التقاضي أغرم ذلك.
قال: وكره ابن القاسم البيع إلى أجل بعيد، مثل عشرين سنة أو أكثر. قال: ولا
أفسخه إلا في مثل الثمانين والتسعين. وكذلك النكاح. ولا بأس به إلى عشر
سنين. ولا ينبغي البيع على أن يقضيه حقه بإفريقية. وأرى أن ينقض، يريد
[6/ 154]
(6/154)
والثمن عين، فإن ضربا أجلاً، جاز، ويقتضى
له به حيث ما لقيه في داخل أجله. وأما السلف على ذلك فأكرهه، ولا أفسخه،
وأضرب له فيه أجل مسيرة. وأجازه أشهب. يريد: في السلف.
وإن أسلم في عرض أو طعام إلى أجل، وشرط قبضه ببلد آخر، فليأخذه بالخروج، أو
التوكل بمقدار ما يصل إلى البلد عند محل الدين. وليس له أخذه به بغير
البلد، وإن كان مما لا حمل له لاختلاف السعرين. قال أشهب: إلا أن يتقارب
سعر الموضعين فيما يخف حمله، والموضع بعيد جدًا، فليأخذه بدينه في موضعه،
وإن كره، إذا حل. وإن كان على غير ذلك، لم يأخذه به، إلا أن يتطوع به
المطلوب، فيجبر رب الحق على قبوله؛ لأنه بموضعهما أغلى من الموضع المشترط.
ومن أراد السفر من بلد وعليه دين محله به، فإن كان سفرًا، يحل فيه الحق مثل
رجوعه، منع، وإلا لم يمنع.
قال مالك: ولا بأس بالبيع إلى خروج الحاج وإلى الصدر، يعني أهل بلدهم.
قال مالك: وإن باع غنمه بثمن إلى وقوع الغيث، لم يجز. ومن باع حائطه
بأربعين دينارًا رطبًا على ثلاثة آصع بدينار يأخذ كل يوم ما استجنى، فلا
خير فيه، حتى يسمي ما يأخذ كل يوم.
ولا باس أن يشتري ثلاث جنيات أو أربعة، كل صاع بكذا، وهذا أجل معروف. ولا
بأس أن يشتري ثمر الحائط كله، يأخذه رطبًا، كل صاع بكذا. ولا خير في أن
يشترط أخذه تمرًا، إلا لمن اشتراه جزافًا، فأما على الكيل فلا.
[6/ 155]
(6/155)
قال مالك: ومن ابتاع سلعة على أن لا يبيع
ولا يهب، فلا خير فيه، إلا أن يطرح الشرط البائع. ولا بأس أن يشترط أن لا
يبيع ولا يهب حتى يقضي الثمن. محمد: وهذا في مثل الأجل القصير اليوم
واليومين استحسانًا أيضًا. فأما ما طال أو إلى غير أجل فلا خير فيه، ولأنها
لو كانت أمة لم يطأها. قال مالك فيما إذا كان لا يقدر يهب ولا يبيع، فلم
يملكها ملكًا تامًا.
ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم فيمن باع سفينة وشرط أن لا
يبيعها ولا يهبها حتى يقضيه ثمنها، قال: إن لم تفت فسخ البيع، وإن فاتت أو
هلكت مضى البيع ولم يرد.
ابن المواز: قال ابن القاسم: إذا شرط في جميع السلع أن لا يبيع ولا يهب حتى
يقضي الثمن، فلا خير في هذا البيع.
ومن ابتاع جارية بمائة إلى سنة على أنه إن مات قبل السنة، فالمائة عليه
صدقة، فهو غرر لا يحل.
وكره مالك بيع الدابة إلى أجل على أنها إن نفقت قبله نقده. قال مالك: ولا
أحب أن يبيع السلعة، على أن المبتاع إذا لم يجد قضاءه ومات، فهو في حل من
الثمن. قال ابن القاسم: هذا حرام ويرد. فإن فاتت فعليه قيمتها يوم قبضها.
ومن باع وشرط على المبتاع إن سافر قبل الأجل فحقه حال، فالبيع فاسد. فإن
فاتت بتغيير سوق، ففيها القيمة.
ولا بأس أن يشترط حميلاً إن سافر قبل الأجل.
[6/ 156]
(6/156)
قال مالك: وإن باع عبدًا إلى أجل، وشرط إن
لم يقضه فيه، فهو حر، فإنه لا يباع حتى يحل ويقضيه، وإلا عتق. وإن حل وعليه
دين محيط به، رق، والبائع أحق به من الغرماء.
في بيع الشيء المجهول أو بيع المعلوم بالثمن المجهول
أو على التحكيم أو على نفقة مجهولة
ومن باع نخلاً ولم يذكر كم لها من شرب ماء ولا طريق
من كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم في دار بين أخوين، فابتاع رجل من
أحدهما ما يصير له منها بالقسم، فلا يجوز ذلك.
قال مالك: ومن ابتاع حديدًا يوزن، فأربحه رجل درهمين، على أن لا ينقصه من
الدرهمين إن نقص الحديد، فلا يجوز. إلا على أن يكون له منهما ما نقص
بحسابه.
وكره مالك أن يشتري علفًا، ويقبض بعضه، وينقد من الثمن أكثر من حصته،
ويشترط إن احتاج إلى باقيه أخذه ونقده باقي الثمن. قال: يفسخ.
ومن قال لرجل: بكم سلعتك هذه، قال بخمسين، قال له أحسن. قال: قد حكمتك،
فبعث إليه ثلاثين دينارًا فلم يرض. قال: إن فاتت، فعليه القيمة ما لم تكن
أقل أو أكثر من خمسين.
قال محمد: إنما نجيز هذا الأصل إذا لم يقع وجوب بيع على المبتاع بثمن
معلوم.
قال مالك: ولا يجوز بيع سلعة بقيمتها، ولا بحكم المبتاع، ولا البائع، ولا
بحكم أجنبي، ولا يصلح أن يقول: أبتاع منك مثل ما ابتاع فلان منك، وكذلك
الخياطة والإجارة، حتى يسميا الثمن.
[6/ 157]
(6/157)
ومن قال: بعني عبدك، قال: هو لك بما شئت.
فأعطاه ما سخط. قال ابن القاسم: إن أعطاه القيمة، لزمه ذلك. قال محمد: هذا
إن فات. وإن لم يفت رد؛ لأن هذا الباب لا يجوز إلا في هبة الثواب.
قال أشهب: ومن دفع داره إلى رجل على أن ينفق عليه حياته، فلا أحب ذلك، ولا
أفسخه إن وقع. قال أصبغ: هذا حرام؛ لأن حياته مجهولة، ويفسخ. ولو لم يذكر
الحياة، لجاز. يريد: إذا ذكر أجلاً. قال ابن القاسم عن مالك: لا يجوز إذا
قال: على أن تنفق عليه حياتك، وقد قال في سؤاله: تصدق بداره عليه. قال:
ويرجع بما أنفق على الرجل. والغلة للمبتاع بضمانه.
ومن العتبية: روى عيسى بن دينار عن ابن القاسم: فيمن قال لرجل: بعني كما
تبيع الناس، فلا يجوز في شيء من الأشياء، فإن وقع البيع بذلك، ردت السلعة
إن لم تفت. وإن فاتت رد المثل فيما يقضى بمثله، والقيمة فيما فيه القيمة.
ومن سماع ابن القاسم: ومن باع نخلاً ولها شرب ماء، ولم يبين كم لها منه،
سدسًا أو خمسًا. قال: البيع فاسد، ويرد. قيل: قد حلف البائع بالحرية، إن
أقاله أيخرجه فساده من اليمين. قال: لا، وليرفعه إلى السلطان. قال ابن
القاسم: فيفسخه، ثم لا يحنث هذا.
وروى عنه أشهب فيمن اشترى أربعة أعذق ولم يشترط في طريقها ولا مائها شيئًا،
لا البائع نعته، ولا المبتاع شرطه. قال: فذلك للمبتاع، له طريقه إليها،
وشربه من الماء؛ لأن ذلك له، وإن لم يشترط.
[6/ 158]
(6/158)
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ومن اشترى
من رجل فضل مائه بعد ري نخله، فهو غرر لا يدري ما يفضل، إلا نخل عرف شربها
وأنها لا تنقص، فلا بأس بذلك. وأما الغراس التي لا يعرف شربها، أو تكون
العين ربما قل ماؤها، فذلك غرر.
ولا يصلح أن يشتري ثوبًا على أنه إن لم يكسه، فعلى البائع تمامه.
وقال في برك الحيتان لها مسرب يسرح منه الماء، فيرى المبتاع ما فيها من
الحوت فيشتريها كلها، قال: في كم يأخذها؟ قيل: في خمسة عشر يومًا أو عشرين.
قال: لا ينبغي والحيتان تتوالد.
ومن الواضحة: ولا يجوز البيع بما يخرج السعر، ولا أن يقول له: هي لك بما
أعطيت، وكرهه ربيعة وغيره.
قال ابن الماجشون ومن ابتاع مائة رطل بدينار، فقال المبتاع: إن زدت أحدًا
من الآن على هذا فلي مثل ما تزيده. فرضي. فإن كان شرطًا في البيع، فهو
مفسوخ. وإن كان بعد العقد، فهو وأي ينبغي أن يفي به، ولا يقضى عليه به. ومن
باع أرطال عصفر على أن على المبتاع أن يصبغ له منه ثوبًا يسميه، بثمن
يسميه، يكون مقاصة أو بغير ثمن، لم يجز؛ لأنه كأنه باعه ما يبقى منه بعد
صبغ ثوبه، وهو مجهول.
ومن الواضحة: ومن قال لصياد: أشتري منك ما تخرج شبكتك هذه، في ضربتك هذه،
بدرهم، لم يجز. ولو قال: اضرب لي بشبكتك هذه بدرهم ضربة، كان جائزًا.
قال: ولا خير في شراء الأرض على البذار، لاختلاف ذلك في الأرض، في كرمها
ودناءتها، ولا يجوز إلا على الأذرع، ذرع التكسير، أو ذراع الطول
[6/ 159]
(6/159)
والعرض، في أرض قد عرفها المبتاع، أو وصفت
له، فأما على البذار وحده، فلا يجوز.
فيمن باع سلعة على أنه متى ما رد الثمن
أو قال إلى أجل كذا فهي له أو شرط له ذلك بعد البيع
ومن ارتهن دارًا بدين على أنه إن لم يوفه في الأصل فالدار له بدينه
من العتبية: أشهب عن مالك فيمن باع حائطه من رجل، على أنه متى ما رد الثمن
كان أحق به. ثم رد الثمن بعد سنة، وقد اغتله المبتاع، وبنى فيه وحفر وزرع
فيه قصبًا فاغتله. قال: البيع فاسد، وما اغتل، فهو له بالضمان، ويرد
الحائط، وله على البائع ما أنفق في بنيان جدار أو حفر بئر. قال عنه ابن
القاسم من رواية أصبغ: فما بيع على هذا من أرض وشبهها، والغرس يفيتها،
والهدم وبيعها يفيتها، ويوجب على المشتري الأول قيمتها يوم قبضها، وبيع
الثاني تام. قال ابن القاسم: ولا يفيتها طول زمن وحوالة الأسواق، قال: إلا
مثل عشرين سنة فما فوق ذلك، فلا بد أن تتغير في بعض الوجوه، والتغير ما رآه
فوتًا.
وقال ابن القاسم من كتاب محمد: ومن باع داره وانتقد الثمن، وشرط إن لم يرد
الثمن إلى أجل كذا، فقد وجب له البيع، ثم جاءه البائع بعد ذلك، فثبت له
البيع وأشهد له، قال: صار البيع جائزًا، وقد كان حرامًا. قال محمد: يريد
إذا رضي المشتري، يريد وقد فسخا الأول، أو لعله رآه من بيوع الشرط الذي إن
ترك الشرط مشترطه مضى البيع.
[6/ 160]
(6/160)
ومن العتبية: قال أصبغ في من باع أمة
وانتقد، ثم طلب الإقالة، فقال له المبتاع: إن جئتني بالثمن إلى شهر، أو إلى
سنة، أو متى ما جئتني به، فقد أقلتك. قال: إذا صح العقد، وكان هذا بعده من
غير موعد ولا موالسة، فذلك جائز ولازم في كل شيء، إلا في الفروج، فلا يصح
ذلك، إلا أن يجعل ذلك في الأمة إلى استبرائها فقط مما لا يصل إليها
المشتري، فيجوز، وإلا فذلك لا يصح ولا يلزم، إلا أن يدركها بحرارتها على
نحو هذا. وأما في غير الفروج من السلع فذلك لازم، وإن كان إلى غير أجل، ما
أدركها في يده وملكه، فإن خرجت من ملكه سقط ذلك. وإن وجل فيه أجلاً فليس له
أن يُحدث فيها شيئًا يقطع به ذلك إلى منتهى الأجل.
ومن أرهنته دارك بدين على أنك إن لم توفه إلى سنة فالدار له بدينه، فالبيع
فاسد، ويرد، فإن فاتت الدار بعد السنة، فعليه قيمتها يوم تمام السنة. وقيل:
يوم فاتت في يده. محمد: وأحب إليَّ يوم تمت السنة إن كانت على يديه. وإن
كانت بيد أمين غيره، فقيمتها يوم قبضها منه.
[6/ 161]
(6/161)
فيمن أقال بائعه من سلعة وقال على أنك إن
بعتها
فهي لي بالثمن الأول أو بما تُعطى بها
أو على أنها تبقى لك لا تبيعها أو باع سلعة على ذلك
من العتبية: أشهب عن مالك في من أقال بائعه من حائط اشتراه منه على أنه متى
ما بعته، فهو لي بما تبيعه به، فرضي، ثم باعه بعد مدة، فقام المقيل بشرطه.
قال: ذلك له، ولا يرد البيع، ولكن له أخذه بالثمن الذي باعه به هذا الآخر.
ومن المختصر الكبير: ومن باع داره على أنه متى ما باعها المبتاع، فهو أحق
بها بالثمن، فلا خير في ذلك.
ومن العتبية: روى محمد بن خالد، عن ابن القاسم في من باع أرضه أو جاريته،
ثم استقال مبتاعه، فقال: أخاف أنك إنما أرغبت في الثمن، فقال: لا، فقال:
أنا أقيلك على أنك إن بعتها فهي لي بالثمن الأول، فباعها بأكثر منه، فإن
تبين أنه إنما طلب الإقالة رغبة في الزيادة، فهي للمقيل بالثمن الأول، وإن
كان لغير ذلك، ولكن لأمر حدث له من البيع، فباعها بأكثر، فلا شيء للمقيل.
وقال ابن كنانة: إذا قال أخاف أن تصرفها إلى غيري، فأنا أقيلك على أنك إن
بعتها فأنا أحق بها من غيري، فإن باعها بالقرب، وكان الأمر على ما خاف
المقيل من صرفها إلى غيره، فهو أولى بها، وإن كان بين ذلك تفاوت وطول، فلا
شيء له.
[6/ 162]
(6/162)
وروى سحنون عن ابن القاسم قال: إذا طلبه أن
يقيله، فقال: أخاف إنما تريد تبيعها من غيري بربح، فيقول: بل لنفسي طلبتها،
فيقيله ثم يبيعها، قال: إن علم أنه إنما طلب الإقالة ليبيعها، فبيعه رد،
وإن لم يكن كذلك، وطال الزمان، ثم باع، فذلك نافد. كالذي طلب زوجته وضيعة
صداقها، فقالت: أخاف أن تطلقني، فقال: لا أفعل فوضعته، ثم طلقها، فإن كان
بقرب ذلك، فلها الرجوع، وإن كان بعد طول الزمان مما لا يتهم فيه أن يكون
خدعها، فلا رجوع لها.
فيمن باع أمة على العتق أو على التدبير
أو على أن يهبها المبتاع لولده أو على أن لا يطأها
أو أن لا يخرجها من البلد أو على أن يخرجها
ومن كتاب ابن المواز، والعتبية، قال مالك: من باع أمة على أن يعتقها
المشتري فحبسها يطؤها ويستخدم، ثم أعتقها بعد ذلك، فللبائع أن يرجع عليه
بما وضع له من الثمن، وكذلك إن حبسها حتى مات أو ماتت، فإن كان ذلك بعلم
البائع ورضاه فلا شيء له وقد سقط شرط العتق عن المبتاع، ولو قام عليه حين
علم، فله ردها أو تركها بلا شرط. ابن القاسم: وإن دخلها فوت فله ما نقص من
الثمن للشرط، وكذلك إن فاتت بحوالة سوق.
قال أصبغ في العتبية: وإذا غرم المبتاع ما نقص من القيمة فلا عتق عليه
فيها، وليصنع بها ما شاء. هذا في فواتها بعيب مفسد، أو نقص فاحش، أو زيادة
بينة، فأما بحوالة سوق، أو ما خف من زيادة البدن ونقصه، فالمبتاع مخير، إما
أن يعتق ولا شيء للبائع أو يردها، إلا أن يترك البائع شرطه، فإن فاتت فسخ
البيع ورد إلى القيمة.
[6/ 163]
(6/163)
وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في من
ابتاع عبدًا في مرضه، على أن يوصي بعتقه، ثم مات، فلم يحمله ثلثه. قال:
البيع غير جائز، وما لحقه من العتق بالوصية فوت، ويرد إلى قيمته يوم البيع،
ويعتق منه ما حمل، ويرق ما بقي، وليس للبائع رد ما رق منه.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ولا أحب أن يأخذ من الرجل مالاً على أن
يدبر عبده، فإن نزل مضى التدبير ويرد إلى قيمته يوم قبضه إذا باعه على
الإيجاب أنه مدبر. قال أصبغ: وإن كان على أن يدبره فليس بإيجاب، وإن أدرك
قبل التدبير فسخ بيعه. قال محمد: وجواب مالك على أنه باع عبده ممن يدبره
ولو أخذ مالاً من رجل على أن يدبر عبده، فدبره، فليرد المال وينفد التدبير،
وكذلك ما أخذ على الاتخاذ، ثم اتخذ، كما يرجع عليه لو باعها، يرجع على ذلك
بما وضعه.
قال ابن القاسم: ومن باع من امرأته خادمًا على أن تتصدق بها على ولده، فذلك
جائز، ولا يحكم عليها بالصدقة، فإن لم تفعل، فالبائع مخير أن يجيز البيع
على ذلك أو يرد، وكذلك البيع على العتق.
قال مالك: ومن باع أمة على أن لا يبيع ولا يهب فلا خير فيه، إلا أن يطرح
الشرط البائع، قال: وإن باعها على أن يتخذها أم ولد أو على أن لا يبيعها،
لم يجز، فإن فاتت، فعليه الأكثر من الثمن أو القيمة. قال مالك: وإذا باعها
على أن لا يخرجها من الشام، أو على أن لا يخرجها من بلدها فذلك مكروه ويرد.
قيل: فإن ترك البائع شرطه، قال: ما أحراه. قال ابن القاسم: ذلك له، وله في
فوتها الأكثر كما ذكرنا.
[6/ 164]
(6/164)
ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم في من
ابتاع أمة على أن لا يطأها فإن فعل فهي حرة، أو فعبده حر، أو عليه صدقة أو
صيام، فهو قبيح، ويفسخ. فإن فاتت بما يفيت البيع الفاسد، ففيه القيمة
واليمين تلزمه. وإن وطئها حنث، ورواها أصبغ. قال أصبغ: وهذا إن شرطه في
البيع وحلف به. ولو كان شيئًا حلف به بعد البيع، لزمه، ولم يفسد البيع.
فيمن باع أمة على أن يكفلها أو يكفل ابنها
أو على أن ترضع ابنه أو ابنها
ومن باع صغيرًا على أن عليه رضاعه ونفقته
أو باع شيئًا من الحيوان على ذلك كله
من العتبية: ابن القاسم: قال مالك: في من باع أمة لها ولد صغير، وشرط أن
عليهم رضاعة سنة ونفقته سنة، فذلك جائز إن كان. إن ماتت أمه، أرضعوا أخرى.
قال ابن القاسم: كيف يجوز بيع الأمة دون الولد. قال سحنون: إلا أن يعني أن
الولد حر.
وفي المدونة: ومن باع أمة ولها ولد حر على أنه إن مات الصبي أرضعوا له
غيره. قال سحنون: كيف هذا وهو لا يجيز الإجارة على ذلك؟ إلا أن يكون
للضرورة في هذه المسألة.
وروى عيسى عن ابن القاسم في من باع صبيًا صغيرًأ على أن ينفق عليه البائع
عشر سنين، ثم إن المبتاع أعتق الصبي أو باعه أو مات، قال: ينظر كم قيمة
[6/ 165]
(6/165)
نفقته عشر سنين وكم قيمة الصبي، قيمة ذلك
يوم البيع، فإن كان الصبي نصف القيمة بقدر ما وقع من الثمن على ما بقي من
مدة النفقة، وهو بيع جائز.
ومن باع فصيلاً أو غيره من أولاد البهائم على أن رضاعه على أمه، قال: بلغني
أن المهر لا يقبل غير أمه إذا ماتت، فأرى إن كان من البهائم التي يقبل غير
أمه، فعلى البائع أن يأتي بمن يرضعه مكان أمه، والبيع جائز، ويضمن الرضاع
إلى فطام مثله، وإن كان ممن لا يقبل غير أمه إلا بعناء أو تعب، أو بعد
الخوف عليه من الموت، أو النقصان، فلا خير في هذا البيع.
قال ابن القاسم، عن مالك: ومن باع نصف وصيفه أو نصف دابة على أن عليه
نفقتها سنة، فماتت فله الرجوع بحصة ذلك، وكذلك إن باعها المشتري. وذكرها في
كتاب ابن المواز، فقال: إن كانت النفقة ثابتة، مات العبد أو الدابة أو
باعهما، فذلك جائز.
ومن كتاب ابن المواز: أشهب عن مالك: ومن باع رقبة واشترط نفقتها وكفلها فلا
خير فيه، وكذلك لو باعها بولدها الصغير على أن يكفله البائع خمس سنين، على
أنه إن مات فيها غرم ما بقي فليس بصواب.
مالك: ومن باع أمة على أن ترضع ابنه سنة على إن ماتت أخلف مكانها من يتم
الرضاع فلا يعجبني.
قال مالك: ومن باع ولد أمة رضيع وشرط على نفسه رضاعه سنة ونصف ويسمونه نصف
سنة، فذلك جائز إذا كان إن مات فذلك ثابت عليه حتى يتم له شرطه. محمد: هذا
إذا كان عند المبتاع في هاتين السنتين والبائع يغرم ما شرطه ولم تكن أمه
حية.
[6/ 166]
(6/166)
ومن العتبية، روى ابن القاسم عن مالك في من
باع نصف الوصيفة أو نصف الدابة من رجل وشرط عليه الرجل نفقتها سنة وأن له
عليه إن ماتتا أخذ ذلك منه، أو باعهما، فذلك عليه ثابت، وإن بقيتا إلى ذلك،
فهو حقه استوفاه، قال: لا بأس بذلك، وأنكرها سحنون.
فيمن باع أمة أو نكح بها واستثنى جنينها
أو تقدم عتق الجنين ومن باع دابة أو أمة
على أنها حامل وفي شراء الجنين والآبق والشارد
من العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم في من باع أمة حاملاً، أو استثنى
جنينها، فذلك يفسخ، فإن فاتت بولادة، أو بحوالة سوق، أو بدن، ففيها القيمة
يوم قبضها على غير استثناء. وإن قبض الجنين مستثنيه، رد إلى المبتاع بحدثان
ذلك، فإن فات عنده بشيء من الفوت، أو طول زمن، ترك، وكان له على المبتاع
قيمة الأمة على غير استثناء، وللمبتاع على البائع قيمة الجنين يوم قبضه، ثم
يتقاومان الجنين والأم، أو يباعان من واحد، ما لم يتغير الولد، واستثناؤه
كاشترائه.
وكذلك من اشترى بعيرًا في شراده، وعبدًا في إباقه، فطلبه وقبضه، فإنه يرد،
ما لم يفت بيده، ولا شيء للمبتاع في طلبه إياه، فإن فات، ودى قيمته يوم
قبضه. وقاله مالك كله إلا قبض مستثني الجنين فهو رأيي.
وقال في كتاب ابن المواز: يضمن القيمة في الآبق الذي قبضه وفات عنده، ويطرح
عنه من ذلك ما ودى في جعل طلبه؛ لأنه لم يضمنه إلا بعد القبض.
[6/ 167]
(6/167)
وقال ابن حبيب في مسألة الأمة واستثناء
الجنين نحو ذلك، إلا أنه قال: إلا أن تلد بحدثان البيع ولم تفت بغير ذلك،
فلا تكون الولادة في هذه خاصة فوتًا، ويفسخ البيع ويرد، إلا أن تغيرها
الولادة في بدنها.
قال مالك: ومن باع رمكة حاملاً وشرط أنها عقوق، فلا خير في ذلك، وكأنه وقع
للجنين حصة من الثمن.
ومن العتبية روى عبد الملك بن الحسن عن أشهب في من ابتاع بقرة على أنها
حامل، قال: إن لم يجدها حاملاً، فله ردها، ولو ابتاع جارية على أنها حامل،
فلم تكن حاملاً، فإن كانت مرتفعة، فذلك يبرى، ولا شيء له، وإن كانت وخشًا
يزيد فيها الحمل، فله ردها، إن لم تكن حاملاً.
قال أصبغ عن ابن القاسم: إذا باع الجارية على أنها حامل، فالبيع فاسد.
ومن الواضحة: ومن نكح واستثنى جنينها فسخ النكاح قبل البناء وردت الأمة إن
قبضها ولم تفت، وإن فاتت ففيها قيمتها يوم قبضها، وإن بنى بالمرأة، فلها
صداق المثل يحسب عليها فيه قيمة الأمة في فوتها فتؤدي فضلاً أو يأخذه.
ومن أعتق جنين أمته ثم باعها على أنه حر، فالبيع فاسد، فإن قبضها المبتاع
وفاتت بموت أو عيب مفسد، وقد ولدت أو لم تلد، فعليه قيمتها طرفًا، على أن
جنينها مستثنى، إن لو جاز ذلك والولد حر، ولو ولدت ولم تفت بعيب مفسد، لردت
إلى البائع، والولد حر، وكذلك لو باعها من غير استثناء الجنين، وقد كان
[6/ 168]
(6/168)
أعتق الجنين وأشهد على ذلك، وكتم ذلك
المبتاع، فالجواب سواء، ولو أعتقها المبتاع قبل أن تضع، كانت حرة وولاؤها
له، وولاء الجنين للبائع، وعلى المبتاع قيمتها طرفًا يوم قبضها على ما
ذكرنا. وقال ابن المواز: عتق المبتاع أوجب وولاؤها جميعًا له، وعليه قيمتها
غير مستثناة.
وهذه المسألة في النكاح مستوعبة لابن المواز، وهو يرى أن ولادتها فوت. وابن
حبيب لا يرى ولادة هذه خاصة فوتًا إن ولدت بقرب البيع قبل تغيرها. قال ابن
حبيب: وإذا وهبها المشتري جازت هبته، والجنين حر إذا وضعته، وعلى المبتاع
قيمتها طرفًا.
ولو نكح بها امرأة على أن جنينها حر، وكتمها ذلك، وقد كان أعتقه بمثل ما
ذكرنا في البيع، إلا أنه إن لم يبن بها في النكاح، فسخ قبل البناء، وثبت
بعده، ولها صداق المثل، وتقاصص بالقيمة على أنها طرف بغير ولد إن لزمتها،
فإن كتمها ذلك، فالنكاح ثابت قبل البناء وبعده، وترد إلى ربها، وتعطى الزوج
قيمتها غير مستثناة الولد، فإن فاتت عندها بما ذكرنا في البيع، فالتراجع
فيما بينهما فيما بين القيمتين، وهكذا فسر لي فيها من أولها أصبغ وغيره.
يريد: وعليها هي في فوتها قيمتها مستثناة الولد، فعلى ذلك يكون التراجع.
قال ابن حبيب: من وهب جنين أمته لرجل، فقبض الأمة قبض للجنين، وفيه اختلاف.
فيمن دفع فلوه أو فصيله أو وصيفه
إلى رجل يغذيه أمدًا ثم يكون بينهما
من كتاب ابن المواز: ومن دفع فصيلاً لرجل يغذيه بلبن ناقته إلى أجل مسمى،
أو لم يسم أجلاً، على أنه بينهما، فلا خير فيه، إذ قد يموت الفصيل
[6/ 169]
(6/169)
فيذهب اللبن باطلاً، والجائز من هذا أن
يبيع منه نصف عبده أو نصف دابته على أن يكفله المبتاع مؤنته أو طعامه أجلاً
مسمى أو سنة. فإن مات العبد أو الدابة، أو باع نصفه قبل ذلك، فإن ذلك العلف
ثابت له على الذي باع منه نصفه، ويأخذ ذلك منه إلى أجله كل يوم، كما كان
يعلف ويطعم، فلا بأس به، قاله مالك.
ولو شرط أن لا يبيعه سنة حتى يستوفي شرطه، لم يجز. والناقة ليس كذلك، لا
يجوز أن يشتري لبن ناقته سنة أو أجلاً سماه، أو نصف لبنها. قاله مالك.
وإنما اشترى نصف لبنها سنة. ولا يجوز شراء لبن ناقة واحدة أو شاة واحدة حتى
يكثر عدد ذلك، ويعرف وجه حلابها.
قال أصبغ: وإن وقع جاز إذا عرف وجه حلابها وكان في إبانه، فيمضي شراؤه لنصف
لبن الناقة بنصف الفصيل، إن مات الفصيل أخذه. وإن ماتت هي تحاسبًا، فإن
أرضع نصف ذلك ثم انقطع، أو ماتت، رجع رب الفصيل على رب الناقة بربع قيمة
الفصيل يوم تبايعاه، فأخذه ثمنًا مكان نصف اللبن الذي لم يتم له، ولا يرجع
في الفصيل بعينه.
ومن الواضحة: ومن الغرر أن يعطي الرجل الرجل فلوه أو مهره أو خروفه أو عجله
يغذوه أو ابن أمته قد ماتت أمه ليغذوه سنة أو سنتين، على أنه بينهما بعد
الأجل، فلا يجوز، ويفسخ قبل الأجل وبعده، ويرد المربى إلى ربه، وعليه لمن
رباه أجره في تربيته وقيامه. فإن فات بيده بعد الأجل بما يفوت به البيع
الحرام، فعليه قيمته يوم تمام الأجل. وفي باب قبل هذا ما يشبه معاني هذا
الباب.
[6/ 170]
(6/170)
في البيع الفاسد وعهدة ما فات فيه من السلع
وماذا يفيتها وما يجب لفواتها وذكر الثمرة والغلة
من كتاب ابن المواز، ومنه من كتاب ابن عبدوس، قال: ومن قول مالك أنه يرد
الحرام البين، فات أو لم يفت.
ومن البيوع ما يكره، فإذا فات ترك، كمن أسلم في حائط بعينه وقد أزهى واشترط
أخذه تمرًا، وفي الحب إذا أفرك، على أن يأخذه يابسًا. قال ابن القاسم: وليس
مثل هذا مثل القائل: أشتري هذه السلعة بنقد، وأشتريها منك إلى أجل، هذا
خبيث، وغير ذلك مما يعرف عند نزوله.
ومنها ما يكره لشرط فيه، فإذا تركه مشتركه مضى، فمنه: بيع وسلفة، ومثله بيع
المرابحة إذا كذب فيها، ثم حط الكذب. ومنه بيع الأمة على أن تتخذ، أو على
أن لا يخرجها من البلد، في قول ابن القاسم. وقال أشهب: يفسخ في هذا.
ومنه ما يكره أن يبتدياه، فإذا وقع مضى، كالبيع على أنه إن لم يأت بالثمن
إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما، وغير ذلك. وما فسد من البيع الفاسد لفساد
عقده، أو فساده ثمنه، فإنه يفسخ. قال ابن عبدوس فيما فسد لفساد ثمنه، ففات،
رد إلى قيمته، وما فسد لعقده كبيع يوم الجمعة عند النداء، وبيع الولد دون
أمه، ففات، فإنه يمضي بالثمن، كالنكاح يفسد لعقده.
[6/ 171]
(6/171)
ومن كتاب ابن المواز، قال: والمبتاع يضمن
السلعة في البيع الفاسد من وقت قبضها حتى يفسخ، وترد إلى بائعها، إلا أن
تفوت، فعليه قيمتها يوم قبضها. قال ابن القاسم: ووطؤه للأمة، فوت.
وإن ابتاع طعامًا جزافًا بيعًا فاسدًا، فإن حوالة الأسواق، تفيته، وغير ذلك
من أوجه الفوت. ولو بيع على كيل أو وزن لم يفته شيء، وليرد مثله بموضع
قبضه، وكذلك كل ما يكال أو يوزن من سائر العروض، كالحناء والنوى والخبط
وغيره، فكالعين، لا فوت فيه. وأما الحيوان والثياب وشبه ذلك فيرد قيمته من
الفوت، وكذلك إن كان ثمن سلعة فاستحقت أو ردت بعيب، فإن ما دفعت فيها من
هذا يفيته حوالة السوق وغيره، ويرد قيمته يوم البيع.
وأما إن كان يكال أو يوزن فليرد مثله إن فاتت عينه، وكذلك يفيت السلعة في
الكذب في المرابحة ما يفيتها في البيع الفاسد، ويكون على ما ذكرنا فيما
يكال أو يوزن، وفيما لا يكال ولا يوزن. وأما الأرض والدور والحوائط، فلا
يفيتها حوالة سوق إلا في قول أشهب، فإنه قال: يفيتها حوالة السوق. وقال
أصبغ: طول الزمن في الدور مثل عشرين سنة، فوت. وقال أشهب: وطول الزمن في
العرض فوت.
قال مالك: ومن ابتاع ثمرة لم يبد صلاحها، ثم باعها بعد أن أزهت، فذلك فوت،
وعليه قيمتها يوم بدا صلاحها. قال محمد: بل قيمكتها يوم باعها المشتري.
وكان مالك يقول: يرد عدد المكيلة تمرًا. قال: وإن جذها رطبًا، رد قيمتها
يوم جذها. وإن جذها تمرًا فأكله أو باعه، رد المكيلة. وإن لم يعرفها رد
قيمته. قال مالك: وهي من البائع ما لم تجذ، وإن يبست.
[6/ 172]
(6/172)
ومن ابتاع حليًا بيعًا فاسدًا، فإن كان
جزافًا، فإن حوالة الأسواق تفيته ويرد قيمته. وإن كان على الوزن لم يفت
بحوالة سوق، وليرده أو مثله. وإن كان سيفًا محلى، فضته الأكثر، فلا يفيته
حوالة السوق، ويفيته البيع أو التلف أو قلع فضته ويرد قيمته.
قال محمد: وليس بالقياس، وكل ما فات في البيع الفاسد مما يرد مثله أو
قيمته، فلا بأس أن يأخذ بذلك صنفًا آخر مما يصلح أن يسلم فيه رأس المال وما
اشتراه به. وإن كان طعامًا فله أن يأخذ برأس ماله ما شاء مما يصلح أن يقدم
فيه رأس ماله إذا لم يكن من النوع الذي فسخ عنه.
قال ابن القاسم وأشهب: إذا أسلم في طعام سلمًا فاسدًا، ففسخ فله أن يأخذ
برأس المال صنفًا من الطعام غير ما أسلم فيه نقدًا، وله أن يأخذ نصف رأس
ماله، ويحط ما بقي. قال محمد: ولا يأخذ برأس ماله ورقًا إن كان ذهبًا. قال
أشهب: وذلك في الحرام البين. وأما في المكروه وما لعله أن يجاز، فلا يصلح
مثل هذا فيه حتى يفسخه السلطان أو يتفاسخانه ببينة.
قال محمد: كل ما فيه اختلاف فلا يجوز، إلا بعد حكم السلطان. والأمة تباع
بيعًا فاسدًا، فتفوت في سوق أو بدن، فليس للبائع أن يرضى بها في نقضها، ولا
للمبتاع ردها بزيادتها إلا أن يجتمعا بعد معرفتهما بالقيمة التي لزمت
المبتاع.
وإذا حال سوق السلعة أو تغيرت بيد البائع، وهي حيوان أو عرض، ثم قبضها
المبتاع وماتت عنده، فإنما عليه قيمتها يوم قبضها. قال أشهب: إلا أن
[6/ 173]
(6/173)
يكون نقد ثمنها، ومكن من قبضها فتركها،
فعليه قيمتها يوم مكن من قبضها أو نقد ثمنها.
قال ابن القاسم: وإن أحدث المبتاع في الأمة عتقًا أو تدبيرًا فهو كالقبض
وإن لم يقبض، وعليه قيمتها يومئذ إلا أن يحدث فيها البائع ذلك قبله،
فالسابق بذلك منهما أولى. قال محمد: وإن كان بعد قبض المبتاع لها، قيل
تلزمه القيمة بفوتها بيده.
وقال أشهب: لا عتق للبائع فيها وإن ردت عليه بعد عتقه؛ لأنه أعتق ما هو في
ضمان غيره. وإذا كان في الأمة مواضعة فإنما يلزم المبتاع قيمتها بعد
الاستبراء، وكذلك تعتبر قيمتها في البيع الصحيح ترد فيه بعيب وقد فاتت بعيب
مفسد بيد المبتاع، فإنما يغرم قيمتها يوم خرجت من الاستبراء لأنه من يومئذ
ضمنها وإن لم يقبضها في البيع الصحيح. وأما في الفاسد، فيوم قبضها، وبعد
خروجها من الاستبراء، ولو باعها المبتاع، ثم اشتراها مكانه قبل أن يتفرقا،
أو ردت عغليه بعيب، لم يفتها ذلك عند ابن القاسم في البيع الفاسد الأول،
وهو فوت عند أشهب. وكذلك لو ورثها مكانه لأنه لزمته القيمة ببيعه لها،
وكذلك لو أعتقها أو دبرها فرد ذلك غرماؤه مكانه، لزمته قيمتها. قال ابن
القاسم: وإذا حال سوقها، ثم عاد وذلك عنده أو عند مبتاعها، فذلك فوت.
قال ابن القاسم: ومكتري الدار كراء فاسدًا إن أكراها من غيره مكانه كراء
صحيحًا، فذلك فوت، وعليه كراء مثلها.
[6/ 174]
(6/174)
قال ابن القاسم: ومن ابتاع أرضًا بيعًا
فاسدًا فالغراس يفيتها، ولا يفيتها الزرع. وإن فسخ البيع في إبان الزرع لم
تقلع، وعليه كراء المثل كالزارع بشبهة وإن فسخ بعد الإبان فلا كراء عليه،
ولا يفيتها أن يبيعها بيعًا فاسدًا وينقض البيعان.
وإذا كانت أصولاً فأثمرت عند المبتاع ففسخ البيع وقد طابت الثمرة فهي
للمبتاع جدت أو لم تجد، وإن لم تطب فهي للبائع وعليه للمبتاع ما أنفق.
ومن العتبية، قال أصبغ: ومن ابتاع أرضًا بيعًا فاسدًا، فغرس حولها شجرًا
أحاطت بها، أو عظمت فيها المؤنة، وبقي أكثرها بياضًا فذلك فوت، وتجب فيها
القيمة. وإن كان إنما غرس ناحية منها، وبقي جلها، رد ما بقي منها، وعليه
فيما غرس القيمة، وإن كان إنما غرس يسيرًا لا بال له، رد جميعها، وكان
للغارس على البائع قيمة غرسه.
وذكر ابن حبيب هذه المسألة عن أصبغ فقال: ومن اشترى أرضًا شراء فاسدًا،
فغرس حولها غروسًا، وبقي وسطها، وهو جلها وأكثرها لا شيء فيه، أو غرس
جانبًا منها وبقي سائرها لا شيء فيه، فإن كانت الغروس يسيرة لا خطب لها،
فليس ذلك لها فوت، وترد كلها على بائعها، ويعطى للمبتاع قيمة ما غرس فيها
قائمًا، وإن كانت الغروس لها بال وقدر في المؤنة والنفقة، فذلك فوت في
بيعها، أو يكون على المشتري قيمة جميعها يوم الصفقة، يعني ابن حبيب إن كان
ذلك يوم القبض.
وذكر ابن حبيب عن أصبغ أيضًا في من اشترى أرضًا يزرعها الأخضر أو اليابس
شراء فاسدًا، وحصد الزرع وأفاته، ثم غير على ذلك، فإن كانت الأرض قد فاتت
بطول الزمان أو اختلاف الأسواق أو تغير الحال، فهو فوت لها وللزرع معها،
وترد الأرض إلى القيمة بما كان فيها يوم الصفقة، يعني أصبغ إن كان ذلك
[6/ 175]
(6/175)
يوم القبض لها. قال: وإن كانت الأرض لم تحل
بشيء من ذلك، ولا بغيره من وجوه الفوت، فسخ البيع بهما، فيها وفيما كان
فيها من الزرع، أخضر كان يومئذ أو يابسًا، فإن كان مشتريه حصده رده بكيلته،
وأعطي أجرته في حصاده وعمله. وإن كان باعه، فإنما رد الثمن الذي باعه به
إلى البائع أو قيمته يوم باعه. ولو كان الزرع أصيب وهو قائم قبل حصاده أو
بعد حصاده، قبل أن يصير حبًا بيد مبتاعه كانت مصيبته من البائع، كزرع بيع
ولم يحل بيعه، وكذلك فسر لي أصبغ. وقال: قال أصبغ: وتغير الأسواق في جميع
الأشياء كلها، وفي العرض والدور إذا بيعت بيعًا فاسدًا، فوت، دون الهدم
والبناء والغراس في الأرض، يرد به إلى الفقه، وقد قاله مالك مجملاً: إن
تغير الأسواق فوت.
وروى عيسى عن ابن القاسم في من ابتاع رقيقًا بإفريقية فيقدم بها الفسطاط،
فيوجد البيع حرامًا، فليس يفوت إلا أن تفوت بنماء أو نقص أو تغير سوق، ولا
أرى سوق مصر وسوق القيروان ألا يختلف، فذلك فوت، وإن كان إنما قدم بها من
الإسكندرية، فإن اختلفت الأسواق أو غيرها السفر، فذلك فوت، وإلا فلا، وترد
عليه بالفسطاط، ولو كان طعامًا، لم يرد عليه إلا بالإسكندرية.
قال ابن القاسم في من باع دارًا بيعًا حرامًا، ثم علم البائع بفساد البيع،
فيقوم على المشتري ليفسخه قبل فوتها، فيفوت المبتاع الدار حينئذ بصدقة أو
بيع، أو يكون عبدًا فيعتقه بعد قيام البائع. فأما الصدقة والبيع، فليس
بجائز بعد قيام البائع. وأما العتق فأراه فوتًا لحرمته.
[6/ 176]
(6/176)
في السلعة تفوت في
البيع الفاسد ثم يظهر منها على عيب قديم
من كتاب ابن المواز: وإذا فاتت السلعة في البيع الفاسد بحوالة سوق وشبهه،
ثم ظهر على عيب قديم، فإن شاء ردها بالعيب ولا شيء عليه، وإن شاء حبسها،
ولزمه بقيمتها صحيحة؛ لأنه رضي العيب حين أمكنه ردها بها، فأبى إلا أن يكون
حدث عنده عيب آخر مفسد، فله حبسها بقيمتها يوم قبضها بالعيب القديم، فيكون
ذلك كالثمن، وإن شاء ردها، نظر ما قيمتها يوم القبض بالعيبين، فما نقص ذلك
رددته معها.
وإذا ابتعت عبدًا بيعًا فاسدًا، فأبق عند البائع قبل قبضك إياه، فوديت أنت
في رده جعلاً، وأصابه في الإباق قطع أصابعه، ثم ذهبت عينه بعد أن وصل إليك،
فقد فات رده بفساد البيع، ولزمتك قيمته آبقًا مقطوع الأصابع يوم قبضته.
ويطرح عنك من ذلك ما وديت من جعل رده، لأنك لم تكن ضمنته إلا بعد ذلك، فذلك
على البائع. ولو قبضته بعد غباقه، ولم يعلم بقطع أصابعه حين أخذته، ولم
يحدث به عندك عيب، فلك رده، أو تحبسه بقيمته صحيحًا آبقًا، لأنك على الإباق
أخذته، فتؤدي قيمته بما علمت من العيوب، سالمًا مما لم تعلم به منها قبل أن
يقبضه، فإذا حدث عندك ذهاب عينه، كان لك حبسه بقيمته بكل عيب قديم، علمته
يوم القبض، أو جهلته فعليك قيمته، آبقًا مقطوع الأصابع، أو رده، ورد ما
نقصه العور من تلك القيمة؛ لأنه لا يمكنك رده بعيب لم تكن علمت به، إلا
بغرم تغرمه للعيب الحادث عندك، فلذلك لزمك بقيمته بكل عيب قديم.
[6/ 177]
(6/177)
ومن ابتاع جارية بالخيار، وشرط النقد فيها،
فأصابها في الخيار عيب علم به، ثم قبضها، فحالت في سوقها أو في بدنها، ثم
حدث بها عنده عيب مفسد، ثم ظهر على عيب قديم غير عيب الخيار، فينظر إلى
قيمتها يوم قبضها، بعد أيام الخيار، بعيب الخيار وبالعيب القديم. فإن شاء
ودى ذلك وحبسها. وإن شاء الرد، نظر كم قيمتها بذلك، وبالعيب الحادث عنده.
فما نقص من ذلك رده معها. وفي كتاب ابن المواز في هذا الفصل إشكال ربما ظهر
للمتأمل هذا، وربما ظهر له أنه يقومها إذا أراد الرد بقيمتها بعيب الخيار،
سليمة من العيب القديم. ثم يرد ما نقصها العيب الحادث عنده من تلك القيمة.
وهذا التقويم إنما يكون إذا لم يحدث عنده عيب مفسد. والكلام الأول أشبه بما
قدم من الأصل، وإياه أراد إن شاء الله. وأما إذا حبسها، فليس بمشكل على ما
ذكرنا أن يؤدي قيمتها بالعيب القديم، وعيب الخيار، لحدوث العيب المفسد
عنده. قال: ولو لم يحدث بيد المبتاع فيها غير حوالة الأسواق، فله الرد
بالعيب، فإن تماسك، كانت عليه قيمتها بعيب الخيار، سالمة من العيب القديم؛
لأنه رضيه، إذ لو شاء ردها به.
في بيع الخمر وكيف إن تبايعها مسلم وذمي
ومن أسلم على ربا أو بيع خمر
وذكر معاملة النصارى وملكهم لمسلم
أو لمن يجبر على الإسلام وبيع الحر نفسه
من كتاب ابن المواز: وكره مالك الصرف من الخمار وإن كان نصرانيًا، قال:
والصرف من الباعة أحب إليّ من الصرف من الصيارفة، لكثرة الفساد فيهم، ولا
بأس باقتضاء الدين من الذمي الخمار والمربي، بخلاف المسلم، لما أباح
[6/ 178]
(6/178)
الله تعالى من اقتضاء الجزية منهم. ولا
يستقرض منه بدءًا. وكره مالك أن يبضع من النصراني بضاعة، أو ينيب له على
بيع شيء، أو يشتري له شيئًا يسيرًا من السوق، أو يصرف له دراهم بفلوس، وإن
كان عبده. ولا بأس أن تؤاجره يعمل لك بيديه عملاً. وإذا أرسل المسلم
نصرانيًا يشتري له خمرًا من نصراني ففعل، فإنه يقضى له بالثمن، إذا لم يعلم
أنه لمسلم، وتكسر الخمر. وإذا باع المسلم خمرًا من نصراني، فليؤخذ الثمن من
المسلم فيتصدق به. واختلف قول مالك إذا لم يقبضه، فقال: لا يؤخذ من
النصراني، وقال: يؤخذ منه فيتصدق به، وبهذا أخذ ابن القاسم. قال محمد: لا
يؤخذ منه الثمن، وإن أخذ رد عليه، وأغرم مثل الخمر، فتهراق على المسلم.
وقال ابن القاسم وأشهب: ولو أخذ فيه المسلم جارية، فأحبلها أو أعتقها،
فليقض للنصراني بقيمتها. ويغرم النصراني مثل الخمر فتهراق على المسلم.
وكذلك لو حال سوق الجارية.
قال أشهب: ومن اشترى خمرًا بعشرة دنانير، فباعها بخمسة عشر، فليتصدق بالثمن
كله.
قال ابن حبيب: إذا باع مسلم من مسلم خمرًا، فما كانت الخمر قائمة بيد بائع
أو مبتاع، فلتكسر على البائع، ويرد الثمن، إن قبضه على المبتاع، فإن فاتت
فقد فات الفسخ، وأخذ الثمن يتصدق به سواء قبضه البائع أو لم يقبضه
ويعاقبان.
[6/ 179]
(6/179)
ولو اشترى منه جرارًا على أنها خل، فحملها،
فانكسرت في الطريق، فإذا هي خمر، فهذا لا ثمن عليه ولا قيمة، ويرجع بالثمن
إن دفعه.
وروى مطرف، عن مالك، في مسلم كسر لذمي خمرًا، أنه يعاقب. ولا غرم عليه. ولا
يجعل لما حرم الله ثمنًا ولا قيمة. وقال ابن القاسم: عليه قيمة الخمر، وقد
روى هذا عن مالك في غير الواضحة. قال ابن سحنون: ويقومها حديث عهد بإسلام
منهم. وقال ابن المواز: يقومها المسلمون، ولا تخفى عنهم قيمتها.
قال ابن حبيب: وإن باع نصراني خمرًا من مسلم، فقبضها المسلم ولم تفت فإنها
تكسر. وإن قبض النصراني الثمن ترك له. وإن لم يكن قبضه لم يقض به على
المسلم، وتكسر الخمر على النصراني عقوبة له، وكذلك لو أدركت بيد النصراني
قد أبرزها ولم يقبضها المسلم، لكسرت عليه عقوبة له. وأما إذا فاتت الخمر
بيد المسلم، ولم يدفع الثمن، أخذ منه، وتصدق به، ويعاقبان، وإن كان المسلم
بائعها منه ولم تفت الخمر، كسرت، كانت بيد المسلم أو النصراني، ورد الثمن
على النصراني. وإن فاتت الخمر بيد النصراني قبل يعثر على ذلك، أخذ الثمن من
النصراني إن لم يدفعه أو من المسلم إن قبضه فتصدق به.
قال ابن حبيب: ومن باع كرمه ممن يعصره خمرًا، أو أكراه داره، أو دابته في
شيء من أمر الخمر، فإنه يتصدق بالثمن في ذلك. والوضي إذا أصاب في التركة
خمرًا، فليهرقها ولا يخللها لليتامي.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك في من يبيع عنبه ممن يبيعه في السوق، فإذا
فضل منه شيء عصره مشتريه خمرًا. قال: إذا لم يبعه لذلك، وإنما باعه عنبًا،
فلا بأس بذلك. قال محمد: ولا يعود لبيع مثله.
[6/ 180]
(6/180)
وقال أصبغ: واختلف قول ابن القاسم كاختلاف
قول مالك في نصراني أسلم دينارًا في دينارين فأسلم أحدهما وثبت على أنهما
يردان على رأس المال بإسلام من أسلم منهما. وقيل عن مالك إن أسلم المطلوب
فعليه ديناران. وقيل: إن مالكًا توقف فيه، قال: ولو كان دفع إليه دينارًا
في دراهم إلى أجل، فأسلم الطالب، فلتؤخذ الدراهم من النصراني فيصرف بها
دينارًا، فإن لم يف، لم يكن له غير ذلك. وإن كان فيها فضل، رد الفضل إلى
النصراني، وإن أسلم المطلوب رد الدينار الذي قبض على النصراني.
ومن العتبية: روى عيسى عن ابن القاسم في النصراني يسلف نصرانيًا خمرًا أو
خنازير فأسلم المستلف فعليه قيمة الخمر والخنازير، وإن أسلم الذي أسلف
الخمر والخنازير، قال: أحب إليّ أن يأخذ الخمر والخنازير، فيقتل الخنازير
ويريق الخمر.
وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم في نصراني أسلم إلى نصراني دنانير في خمر
أو خنازير فأسلم الذي عليه ذلك، رد الثمن إلى صاحبه، وإن أسلم الطالب فتوقف
مالك وقال: لا أدري، أخاف أن أظلم الذمي، ولكن أرى أن يؤخذ الخمر منه ويكسر
على المسلم وتؤخذ الخنازير فتقتل وتطرح في مكان لا يصل أحد إلى أكلها. قال:
وإن رضي النصراني برد الدنانير فذلك جائز، قال: وكذلك إذا تسالفا خمرًا أو
خنزيرًا، ثم أسلما جميعًا فليس على المطلوب شيء من ذلك.
ومن كتاب ابن المواز متصل بقول مالك: قال: وإذا باع منه خمرًا بثمن إلى أجل
ثم أسلم فذلك نافذ، وليأخذ الثمن إلى أجله. وكره مالك أن يباع من الكتابيين
من يجبر على الإسلام، وقال: ما أعلم حرامًا. قال: وإذا بيع منهم من يجبر
على الإسلام، بيع على المشتري ما لم يدين بدين. وأجاز بيع صغار
[6/ 181]
(6/181)
الكتابيين منهم. ومن ابتاع من نصراني
عبدًا، فأسلم، ثم وجد به عيبًا، فليرده عليه، وكذلك لو كان عبدًا يجبر على
الإسلام. وكره أن تشترى منهم السلع عندما يلزمون بالخراج على الضغطة. قال
ابن القاسم: وترد على بائعه بغير ثمن إن كان بإكراه أو ضغطة.
قال أشهب: ومن واجر عبده المسلم من نصراني، فسخ ذلك وودب السيد. وإن علم
النصراني بتعدي سيده، ودب، وإلا فلا، ويأخذ السيد ثمن ما عمل من الإجارة،
ويفسخ ما بقي.
وكره مالك أن يكري دابته ممن يركبها من النصارى إلى الكنيسة، ولم يحرمه.
ومن العتبية قال ابن القاسم: قال مالك في بيع الصقالبة والسودان قبل أن
يسلموا من النصارى، قال: ما أعلم حرامًا، ولا يعجبني إن كانوا صغارًا، ولا
يجوز بيعهم منهم، فإن بيعوا منهم فسخ البيع. وإن كانوا كبارًا فلا بأس
ببيعهم منهم؛ لأن الصغار يجبرون على الإسلام والكبار لا يجبرون. قال ابن
القاسم في رواية يحيى بن يحيى: لا يباع منهم صغير ولا كبير، ويجبر الجميع
على الإسلام. وإن ابتاعوهم بيعوا عليهم إلا أن يدينوا بدين فيقروا بأيديهم،
وإن تقدم إليهم ألا يشتروهم، ثم اشتروهم، فهودوهم أو نصروهم، فليعاقب الذين
هودوهم أو نصروهم حتى لا يعودوا إلى مثل ذلك.
قال ابن سحنون: قال سحنون في عبد نصراني اشتراه يهودي من يهودي، قال: يجبر
على بيعه.
ومن العتبية: قال أصبغ فيمن اشترى عبدًأ مجوسيًا من المجوس الذين بالعراق
بين ظهراني المسلمين قد ثبتوا على مجوسيتهم وهم عبيدهم، فهذا لا يجبره
[6/ 182]
(6/182)
الذي اشتراه على الإسلام. وإنما يجبر من
يشتري من السبي من صقالبة وغيرهم من المجوس.
قال ابن وهب من رواية عبد الملك بن الحسن في بيع رقيق اليهود من النصارى أو
رقيق النصارى من اليهود، قال: لا ينبغي ذلك ولا يجوز، وذلك لأن بعضهم لبعض
أعداء، ولا تقبل شهادة بعضهم على بعض، وقاله سحنون.
قال أصبغ: قال ابن القاسم في العبد: هل يباع من أهل دينه من أهل الحرب،
قال: لا أرى ذلك. أخاف أن يكون عورة على المسلمين، ولولا ذلك لم أكرهه،
وقاله أصبغ.
قال ابن المواز: قال ابن القاسم في الربانيين يقدمون بالرقيق هل يشتريهم
الناصرى منهم، قال: أما الصغار فلا، وأما الكبار فنعم.
وفي كتاب الجهاد شيء من ذكر بيع الخمر وإظهارها وكسرها.
ما ينهى عن بيعه من الزبل وجلد الميتة
وشعر الخنزير والكلب والصور والملاهي
والخصيان والصغير والزمن وبيع الطفل وغير ذلك
من كتاب ابن المواز: وكره مالك بيع رجيع بني آدم. قال ابن القاسم: ولا بأس
بأكل ما زبل به. وبلغني أن ابن عمر كرهه. ولا أرى به بأسًا. قال أشهب: أكره
بيع رجيع بني آدم إلا لمن اضطر إليه، والمبتاع أعذر فيه من بائعه.
[6/ 183]
(6/183)
ومن العتبية: عيسى قال ابن القاسم: ومن باع
جلود ميتة مدبوغة وابتاع بالثمن غنمًا، فنمت، ثم تاب، فليتصدق بثمن الجلود
لا بالغنم. قال عيسى: يرد الثمن إلى من ابتاع منه الجلود أو إلى ورثته، فإن
لم يجدهم تصدق بذلك، فإن جاء خير بين الصدقة أو الثمن.
قال أصبغ وأبو زيد: قال ابن القاسم: لا بأس ببيع شعر الخنزير الوحشي كصوف
الميتة. وقال أصبغ: ليس كصوف الميتة بل كالميتة نفسها، لأنه حرام حيًا
وميتًا، وتلك صوفها حل في الحياة.
قال أبو زيد: قال ابن القاسم: ومن باع كلبًا فلم يقبض ثمنه حتى هلك الكلب
بيد المبتاع فمصيبته من البائع. ولا بأس باشتراء كلاب الصيد، ولا يعجبني
بيعها. قال سحنون: نعم، يجوز، ويحج بثمنها، وهي ككلاب الحرث والماشية. ومن
كتاب آخر أن ابن كنانة يجيز بيعها.
قال سحنون: قال ابن القاسم في من باع بوقًا أو كبرًا فليفسخ بيعه ويؤدب
أهله.
قال أبو زيد: قال ابن القاسم: لا بأس بشراء الصبي الصغير لا يحمل السؤال
وإن كان رضيعًا، إلا أن يكون من بلد عمه الفساد من سرقة الأحرار وبيعهم.
وأحب إليّ أن يتورع فيه، ولا أرى أن يمنع بذلك البيع.
[6/ 184]
(6/184)
ومن سماع ابن القاسم: ولا بأس ببيع المحدوم
ومكاتبته. وأعرف لابن المواز أن من أعتق صغيرًا، أن عليه نفقته إلى أن يبلغ
السعي والنفع لنفسه. وكذلك على ملتقطه.
قال أشهب: قال مالك: ترك التجارة في العبيد الخصيان أحب إلي ولا أحرمه.
وشراؤهم معين على خصائهم.
قال محمد: وفي العتبية: قال أشهب عن مالك قال: أما الرجل يشتري الخصي
والاثنين لنفسه فلا بأس به. وأما أن ينفق عنه بهم فلا ينبغي، وقد رغب فيهم
الملوك وأكثر الناس منهم.
قيل: أتكره أن يقول أحدهم للرومي: اخص هذا لأشتريه منك؟ قال: وما بأس هذا؟
قيل: إنهم يقولون: إذا قلت لهم هذا ذهبوا بهم يخصونهم. قال: هم أعلم بذلك
منه.
قيل لابن المواز في بيع الطير يؤكل، قال: أكره أكله، وأما بيعه، فلا أدري،
قد يشتري لغير وجه. وقال ابن الماجشون: إن أكله حرام.
ومن العتبية: أصبغ: قال ابن القاسم في الذي يعمل الدوامات يبيعها من
الصبيان، قال: أكره ذلك.
[6/ 185]
(6/185)
قال أشهب عن مالك: سُئل عن التجارة في عظام
على قدر التمر، يجعل لها وجوه، يتخذها الجواري بنات. قال: لا خير في الصور،
وليس هذا من تجارة الناس.
قال سحنون في كتاب الشرح: لا يحل بيع السم ولا ملكه على حال. والناس
مجتمعون على تحريم بيعه.
في وقت بيع التمر والفواكه على القطع وثمر البحائر
وما بيع من ذلك قبل بدو الصلاح
وما بيع منه على القطع
وبيع ما حضر من الثمار
وذكر السقي في بيع الثمر
من الواضحة: نهى الرسول عليه السلام عن بيع الثمار حتى تزهي وفي حديث آخر
حتى يبدو صلاحها.
قال ابن حبيب: وثمر النخل يكون سبع درجات، طلعًا، ثم إغريضًا، ثم بلحًا، ثم
زهوًا، ثم بسرًا، ثم رطبًا، ثم تمرًا، فأوله الطلع ثم ينقلع الخف عنه
[6/ 186]
(6/186)
ويبيض فيكون إغريضًا ثم يذهب عنه بياض
الإغريض ويعظم حبه وتعلوه خضرة فيكون بلحًا، ثم تعلو الخضرة حمرة وهو
الزهو، ثم تصير صفرة فيكون بسرًا، ثم تعلو الصفرة دكنة وحمرة ويلين
ويستنضج، فيكون رطبًا، ثم ييبس فيكون تمرًا. ونهى النبي صلى الله عليه وسلم
عن بيه الثمار حتى تزهي وحتى يبدو صلاحها، وقال: ((حتى تنجو من العاهة))،
وكله بمعنى واحد. وقول زيد: حتى نطلع الثريا؛ لأنها تطلع أول الصيف في نصف
مايو، وهو وقت تؤمن العاهات على الثمار، ويظهر احمرارها واصفرارها.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وإذا أزهى في الحائط كله نخلة أو دالية بيع
جميعه بذلك ما لم تكن باكورة.
مالك: وإذا كان في الدالية الحبات في العنقود أو العنقودين جاز بيعها،
وكذلك كل ما تتابع طيبه، وأما أن يكون بعض الحائط مستأخرًا جدًا، فهذا يكره
أن يباع معه.
قال مالك: وإذا عجل زهو الحائك، جاز بيعه، وإذا أزهت الحوائط حوله ولم يزه
هو، جاز بيعه. قال ابن القاسم: وأحب إليّ حتى يزهي هو. وقاله مطرف في
الواضحة. قال ابن حبيب: هو أحب إليّ، والأول هو القياس؛ لأنه لو ملك ما
حواليه ما حرفه إليه جاز بيعها بإزهاء بعضها، إلا أن يتفاحش تباعد بعضها من
بعض.
قال ابن المواز: قال مالك في جنان فيه ثلاثمائة شجرة تين، فيها عشرة شتوية،
فلا تباع الشتوية بإزهاء غيرها، وإذا كان في الكرم عنب صيفي وشتوي، فلا
[6/ 187]
(6/187)
يباع الشتوي بإزهاء الصيفي، وكذلك التين
الشتوي والصيفي مثله سواء، وإذا كان في الحائط أصناف من التمر، بيع جميعه
بإزهاء بعض أصنافه، فأما وإن كان نخل ورمان وخوخ وشبهه لم يبع بإزهاء جنس
منه بقية الأجناس، ولكن يباع ذلك الجنس بإزهاء بعضه. ولو كان في شجرة واحدة
منه طيب، لجاز بيع جميع ذلك الصنف بها.
قال أشهب: ولو كان في حائط نخل شجرتا رمان، فلا يباع بإزهاء ثمر النخل، ولا
يباع التين وإن تناهى خلقه ولا جميع ثمر الفواكه حتى يطيب أولها ويؤكل.
قال ابن حبيب: ووقت جواز بيع الزيتون إذا اسود أو نحا ناحية الاسوداد،
وكذلك العنب الأسود إذا نحا ناحية الاسوداد. وأما الأبيض، فأن ينحو ناحية
الطياب، وحد الإزهاء في كل الثمار، إذا نحت ناحية الاحمرار، أو أينعت
للطياب، فما لم يبلغ ذلك أو يقاربه، فلا يباع إلا على القطع.
ومن كتاب محمد: قال مالك: وغذا يبس الزرع وفيه ما لم ييبس ما لا خطب له،
فلا بأس ببيع جميعه. قال ابن شهاب: ومن قول العلماء أن زهو الزرع أن يفرك.
وقال مالك: حتى ييبس. ولا يباع الفول الأخضر وغيره من الحبوب على أن يترك
حتى ييبس. ولا يباع الجلبان إذا تحبب حتى ييبس، وكذلك الفول وغيره من الحب
إلا أن يقطع مكانه، فإن غلبه بعضه فيبس، فابن عبد الحكم ينقض فيه البيع.
وقال غيره: هو كقول مالك في بيع القمح إذا أفرك: إنه لا ينقضه إذا يبس.
[6/ 188]
(6/188)
ومن العتبية: روى يحيى بن يحيى عن ابن
القاسم: وإذا بيع الزرع وقد أفرك، والفول وقد امتلأ حبه وهو أخضر، أو حمص،
أو عدس، فإن عثر عليه قبل أن ييبس فسخ البيع، وإن فات باليبس لم ينقض
للاختلاف فيه. قال في كتاب محمد: وأما شراء الثمرة بعد الزهو جزافًا وتركها
حتى تيبس، فذلك جائز. وإنما يكره ذلك أن لو اشترى منها كيلاً على هذا، فإن
قلت: لم يفسخ. وهذا في باب السلم في ثمر حائط بعينه.
قال ابن حبيب: ومن ابتاع ثمرة بعينها قد حل بيعها على أن يدعها حتى تيبس،
فذلك جائز، أو على أن يجنيها رطبة. وأما على الكيل، فلا يشترط ذلك في كرم
بعينه، أو تين بعينه، وإذا اشترى ثمرة بعينها رطبة فأراد أن يقرها حتى
تيبس، فليس ذلك له حتى يشترط ذلك من أجل السقي أنه على البائع حتى يجذ.
ومن العتبية: قال أصبغ: قلت لأشهب ما صلاح البطيخ الذي يباع به، أهو أن
يؤكل بطيخًا أو فقوسًا؟ قال: هو أن يؤكل فقوسًا. قال أصبغ: فقوسًا بطيخًا
قد انتهى للتطبيخ.
قال ابن حبيب: الطبيخ والبطيخ سواء، والعرب تقدم الباء وتؤخرها. تقول: جبذ
وحذب. والخربز جنس من البطيخ أملس مدور الأرس. والقثاء والخربز
[6/ 189]
(6/189)
والبطيخ قد عرف أنه لا ينعقد في كرة، فإذا
انعقد أوله وبلغ القثاء منه مبلغًا يوجد له طعم، حل بيعه مع ما يثور ويحدث
منه إلى آخره، ولا يباع البطيخ إذا أبلح. ولكن إذا نحا ناحية الاصفرار
واللين للطياب، فيباع ما بلغ هذا الحد وما يتصل بعده، وكذلك الخربز.
وأما الفقوس فكالقثاء فيما ذكرنا. قال: ويباع التين إذا طاب أوله، ما طاب
منه وما لم يطب، وما ظهر وما لم يظهر؛ لأنه إنما يطلع شيئًا بعد شيء وبطنًا
بعد بطن، فكل ما طلع منه تلك السنة، بيع لأوله، إلا ما كان منه من البطن
الأولى التي تطيب في آخر أيار وأول حزيران، فلا يضاف إلى البطن التي تطيب
في تموز وآب، لأن بين ذلك تفاوت، وآخر ذلك البطن مضاف أوله إلى آخره.
قال في كتاب ابن المواز: ويباع الزيتون إذا اسود، وأمنت عليه العاهة.
قال مالك في الثمرة تباع في الأصل: فالسقي على البائع. قال مالك: ولا يجوز
أن يبيع ما تطعم المقتاة شهرًا لأنه يختلف. وكذلك البطيخ والخربز والقثاء.
قال: ولا يباع شيء من ثمر البحائر وشبهها أجل مسمى، ولا بأس أن يباع في أول
منفعته إلى آخر إبانه يستجنى كل ما يخرج منه إلى آخره.
قال مالك في شجرة تطعم بطنين في السنة، فلا يبيع كل بطن إلا وحده.
[6/ 190]
(6/190)
قال مالك: وإذا بدا صلاح الموز جاز بيع
أصله سنة أو أجلاً معلومًا.
ولا تباع البقول حتى تبلغ إبانها الذي تطيب فيه، ويكون ما قطع منه ليس
بفساد.
وقال في الجزر واللفت والفجل والثوم والبصل، إذا استقبل ورقه، وتم، وانتفع
به، ولم يكن ما يقلع منه فساد، جاز بيعه، إذا نظر إلى شيء منه، فإن وجد
شيئًا مخالفًا، رده بحسابه.
قال مالك في البصل المغيب وشبهه يتأخر بيعه عشرين ليلة وفي ذلك ينبت بعضه،
فلا ينبغي بيعه حتى ينبت ويؤمن.
قال: ويباع قصب السكر إذا طاب، وهو أن يكسر فلا يكون فسادًا.
ومن الواضحة وغيرها: وما بيع من ذلك كله قبل بدو صلاحه ممن لا يتعجل قطعه
ويؤخره، فذلك فاسد، وضمان الثمر من البائع. فإن قبضها المبتاع وعرفت
مكيلتها رد مثلها، وإن لم تعرف فقيمتها يوم جناها لا يوم البيع ولا يوم
الزهو وهو مصدق في قيمتها مع يمينه، وفي كيلها إن عرفه، وله أجرته في قيامه
وسقيه إلى يوم جناها، وقاله مالك، ومن لقيت من أصحابه.
وأما الزرع بين الحبوب فلا يباع حتى يشتد وييبس في أكمامه وييبس في سنبله،
فإن بيع وقد أفرك ولم يستغن عن الماء وقد قارب الاستغناء، فليفسخ، ما لم
[6/ 191]
(6/191)
يحصد، فإذا حصد وقبض، لم يفسخ، وليس بحرام.
قاله مالك. وأما إن بيع قبل أن يتحبب ويفرك، فليفسخ أبدًا.
ومن كتاب ابن المواز، ومن العتبية من سماع ابن القاسم: قال مالك في العنب
الحصرم وارمان الأخضر والفرسك وشبهه يباع قبل أن يطيب، يريد على القطع،
قال: أما بمصر وشبهها فلا باس به لأنه لا يضر بهم.
قال عنه أشهب في العنب يشترونه حصرمًا يقطعونه: فلا أحبه حتى يطيب. قال في
العتبية في ذلك كله: لا بأس به على القطع، وإنما كرهت النفس هاهنا لأن ذلك
يضر بالناس، فأما الأمصار ففاكهتهم كثيرة، لا يضر بهم ذلك.
قال ابن حبيب: ولا بأس أن يشتري من الحائط ثلاث جنيات أو أربع، كل صاع بكذا
على الكيل.
ما يجوز من بيع القضب والقرط والقصيل
والورد والياسمين وغيره من غير الطعام
وكيف إن تحبب القصيل بعد البيع
من كتاب ابن الموز، قال مالك: ويجوز بيع القضب، والبقل والعصفر، والورد
والياسمين، والقطن، إذا بدا أول منفعته إلى آخر إبانه، يستجنى كل ما يجن
حتى ينقطع وتوضع فيه العاهة، ولم يحد الثلث فيه.
[6/ 192]
(6/192)
قال ابن القاسم: لا حائجة فيما دون الثلث
منه. محمد: إلا البقل فيوضع فيه دون الثلث. ولا يباع شيء منه أجلاً
معلومًا، ولكن إلى انقطاعه.
قال مالك: وإذا بلغ القرط والقضب أن يرعى ويجنى بلا فساد، جاز بيعه، فإن
كانت خلفته لا تخلف، جاز، شرط خلفته أربع جزات أو خمسًا أو إلى انقطاعه،
فإن لم يخرج نباته على ما كان يعرف، لشيء أصابه، وضع عنه، إن كان مشترط
القضب يريده علفًا ولا يريده حبًا، فإن كان للحب فلا يشترط خلفته. قال
أصبغ: يريد: وإن كانت مأمونة. قال عنه أشهب: لا يباع القضب حتى يعني،
وليشترط، جزتين وثلاثة وأربعة. وإن شرط خلفته ليقتلعه، فجائز، إن كانت لا
تخلف، ثم قال: ما هو عندي بحسن؛ لأنها تأتي مختلفة.
قال ابن حبيب: إنما يجوز في القضب والقرط والقصيل أن يشترط خلفته في بلد
السقي لا في بلد المطر إذ ليست الخلفة فيه بمأمونة، وإذا لم يشترط الخلفة
فإنما له الجزة الأولى، وإذا شرطها، فله ما أخلفت، وإن كانت خلفة بعد خلفة،
فإنما ذلك كبالقول إذا بلغ النفع به إذا قطع جاز حينئذ بيعه وبيع ما يطلع
منه.
[6/ 193]
(6/193)
ومن كتاب محمد: وما غلب فيه الحب مما تشترط
خلفته، انتقض بيع ما فيه ورجع بحصته، وكذلك القرط والقصيل، كان ذلك بتعد من
المشتري أو بتوان منه. قال ابن القاسم: ويقوم ذلك حسب بقائه في اختلاف
أزمنته. قال أصبغ: وإن تقارب في ذلك وفي الأكرية واللبن ينقطع والجوائح.
محمد: مما لا يرغب فيه لدهر دون دهر بالأمر البين، فليحمل على أنه متفق كله
في المحاسبة.
ومن العتبية: من سماع ابن القاسم: وقال في القصيل يباع فيتحبب، قال: يعدل
بالفدادين ويقاس، فإن تحبب منه قدر الثلث أو الثلثين وضع بقدره، وليس ذلك
بالقيمة، وإنما يقدر بالقياس والتحري، قيل: فإن بعضه أجود من بعض، قال:
يقدر ذلك بقدر جودته ورداءته، وكذلك البلح يزهي بعضه.
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم في القصيل: يجاح، إن اشترى منه جزة
واحدة فلا تقويم فيه، وإن اشترط خلفته، فإنه يقوم مثل ما ذكرنا في المقاثي
وشبهها. يريد ابن القاسم: وكذلك ما تحبب في القصيل في تقويمه وحسابه.
قال ابن القاسم: ولو اشترى قصيلاً، فاستغلاه فتوانى في قصله، فليرفعه
البائع إلى الإمام حتى يأمره بقصله، فإن تراخى ذلك حتى تحبب، فلا بيع
بينهما. قال أصبغ: ولو قضى عليه بقصله ثم لم يقصله حتى تحبب أو تحبب وهما
في الخصومة، فذلك سواء، وقد انتقض البيع.
[6/ 194]
(6/194)
قال: وأما من ابتاع عصيرًا بعينه جزافًا
فلم يقبضه حتى صار خمرًا، فالبيع لازم، ويهراق على المشتري.
وقال في الكتان وقد نبت واستقل ولم يتم حبه، وحبه للمبتاع، قال: كل ما لا
يتم إلا بالسقي فلا خير فيه، قيل: إن هذا لا يسقى. قال آخر مثله يسقى، فلا
يجبني حتى يشتد - يريد: ويتم حبه.
قال ابن حبيب: ويباع الورد والياسمين إذا بدا أوله وتفتحت أكمامه وظهر
نوره، حل بيعه، وكان كل ما طلع منه تلك السنة تبعًأ له؛ لأنه يطلع شيئًا
بعد شيء، وبطنًا بعد بطن، وكذلك التين أيضًا.
في بيع الأصول بثمرها والأرض بزرعها
وذكر الإبار في ذلك
وما لا يجوز من استثناء الثمر والزرع واشتراطه
وذكر السقي في الثمرة والمبيعة
ومن كتاب ابن المواز والواضحة: وكل ما لا يجوز بيعه قبل بدو صلاحه من تمر
أو حب أو بقل، فإذا بيع مع أصله من شجر أو أرض جاز ذلك، إلا أن ما أبر منه
لا يدخل في الصفقة إلا بشرط كما جاءت السنة. قال مالك: فإذا أبر أكثر
الحائط فالثمرة للبائع، وإن أبر أقلها فهي كلها للمبتاع، وكذلك سائر الشجر،
فإن أبر النصف، قال في الواضحة: أو قريبًا منه. فإن كان ما أبر على
[6/ 195]
(6/195)
حدته، قال في الواضحة: في نخل دون نخل، فما
أبر للبائع، وما لم يؤبر للمبتاع. وإن لم يكن ما أبر على حدته، قال في كتاب
ابن المواز: لم يجز، إلا أن يكون ذلك للمشتري كله. وقال في الواضحة: إذا
كان ذلك على ما في سائر النخل، فذلك سائغ للبائع.
وقال سحون في العتبية: قال ابن القاسم: إذا أبر نصفها، قيل للبائع: إما أن
تسلم جميع الثمرة، وإلا فسخ البيع، وإن رضي المشتري التماسك بما لم يؤبر
ورد ما أبر، لم يجز. وقال المغيرة في إبار الأقل والأكثر كقول مالك. وإن
كان نصفين، فنصفها للبائع ونصفها للمشتري. وقال ابن دينار: إذا أبر النصف،
فما أبر تبع لما لم يؤبر، وجميع ذلك للمبتاع.
قال في كتاب محمد: قال مالك: وإذا ألقحت الشجر الرمان والأعناب والفواكه،
فذلك فيها كالإبار فيما يؤبر. واللقاح فيها أن يثمر الشجر فيسقط منها ما
يسقط، ويثبت ما يثبت. وليس ذلك أن يورد. ولقاح القمح أن يسنبل ويتحبب. وهذا
في المختصر، وروى عنه أشهب أيضًا: إذا طلع الزرع من الأرض فهو للبائع،
وسقيه على من هو له. وكذلك قال في الواضحة، قال: وما كان حرثًا وبدرًا فهو
للمبتاع.
قال ابن حبيب: وذلك كالطلع إذا لم يتلقح ويؤبر، وكالنوار في الشجر الذي لم
يعقد، وكالتين الذي لم ينقد ولم يعقد. قال: وما كان غير النخل من الثمار قد
[6/ 196]
(6/196)
أنقد واعتقد وتبين ثمره فهو للبائع، إلا أن
يشترطه المبتاع، وإن شك فيه ولم يتبين إنقاده وعقده فهو للمبتاع، والإنقاد:
اعتقاد الثمرة أول ما تعتقد، والإبار من النخل التذكير أول ما تعتقد.
قال: وإذا بيع ما لا يؤبر من النخل، فإن كان حين يقلح طلعه ويظهر إغريضه،
وبلغ مبلغ الإبار في غيره، فتلك كالإبار، والثمرة للبائع، وإن لم تبلغ ذلك
فهي للمبتاع، لا يجوز أن يستثنيها البائع.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن باع نخلاً مأبورة دون ثمرها، فالسقي
عليه حتى يسلم الأص لمشتريه، وإن بيعت الأرض وفيها زرع قد نبت، أو قثاء، أو
بطيخ، فالسقي على البائع.
وقال المخزومي في بائع النخل دون الثمر: إن السقي على مشتري الأصول.
قال مالك: ومن وهب ثمرة حائطه هذه السنة، فلا يبيع الأصل حتى يؤبر الثمرة،
وبمتاع الأرض له شجرها، إلا أن يستثنيها البائع. ومبتاع الشجر له أرضها.
وكذلك في الصدقة والهبة. وبعد هذا باب في الاستثناء من الثمرة وقال العبد
ومن الصبرة، وفي البيوع الأول ذكر بيع حائط بحائط فيها ثمرة.
فيمن ابتاع ثمرًا أو حبًا على الجذ
ثم اشترى الأصل أو الأرض أو ابتاع الأصل
ثم اشترى الثمر أو الحب أو مال العبد بعد شرائه العبد
ومن ابتاع نخلاً مأبورة، فله شراء ثمرها بعد ذلك. واختلف فيه قول مالك، وفي
شراء مال العبد بعد الصفقة. وروى أشهب عنه أنه لم يجزه في الثمرة، ولم
[6/ 197]
(6/197)
يجزه في مال العبد. واختار ابن عبد الحكم
أن لا يجوز فيهما. ولم يجزه المغيرة في الثمرة، ولا في مال العبد، إلا في
صفقة واحدة، وبعد هذا في كتاب آخر في مال العبد وفي مأبور الثمر في شرائه
واستثنائه فيه من مسائل هذا الباب.
وفي المدونة: فيمن باع أرضًا فيها زرع قد نبت، أن ظهوره من الأرض كالإبار.
وروي عن مالك في غير المدونة أن إباره أن يتحبب، فيصير حينئذ للبائع، إلا
أن يشترطه المبتاع. وفي رواية ابن القاسم: ظهوره من الأرض إباره.
قال مالك: ومن اشترى زرعًا أو تمرًا قبل بدو صلاحه على القصل والجد، ثم
اشترى الأرض أو الأصل، فله أن يقر ذلك. ولو عقد البيع الأول على أن يقره ثم
اشترى الأصل، فالبيع الأول فاسد، يرد، ويثبت شراء الأصل. ثم إن شاء شراء
ذلك قبل طيبه، فذلك له. وهكذا ذكر مثله كله في العتبية عن ابن القاسم،
وزاد. قلت: فإن اشتراه على الفساد، ثم ورث الأصل من البائع، فلا بأس أن يقر
ذلك.
ومن الواضحة: وإن اشترى ثمرة أو زرعًا قبل بدو صلاحه على القطع، ثم اشترى
الأرض فأقره فيها، ثم استحقت الأرض قبل استحصاده، أو بعد، فإنه ينفسخ البيع
في الثمرة وإن جدت، وفي الحب وإن حصد، كمن ابتاعه على الجد ثم أخره حتى
طاب. ولو ابتاع الأرض بزرعها في صفقة، ثم استحقت الأرض خاصة قبل استحصاده،
انفسخ فيه البيع، وإن كان بعد استحصاده أو
[6/ 198]
(6/198)
حصاده، تم فيه البيع، وهو للمبتاع. وكذلك
في الثمرة في استحقاق الأصل. وفي الجزء الذي بعد هذا باب في استثناء مال
العبد ومأبور الثمر، وشراء ذلك بعد الصفقة.
باب العرية وشراء ثمرها وسقيها وزكاتها
وحيازتها
قال ابن حبيب: والعرايا فيما ييبس ويدخر، وفيما لا ييبس، مثل الأترنج
والتفاح والسفرجل وشبهه، وثمر البحائر، إلا أن ما يدخر منها يشترى بخرصه،
وما لا يدخر لا يشترى بخرصه رطبًا، كما لا يجوز شراء ما يدخر منها بخرصه
رطبًا, وكذلك إن اعراه من نخل لا يثمر أو عنب لا يتزبب، ولا يشتريه بخرصه
تمرًا أو زبيبًا، نقدًا ولا إلى الجداذ، ويجوز شراء ذلك كله بعين أو عرض.
ومن كتاب محمد: وإنما تشترى ما أعريت بخرصه إلى الجداذ، ما كان له جداذ،
وما كان ييبس كالتمر والزبيب والتين والزيتون واللوز والجوز والفستق
والصنوبر، فأما ما لا يدخر فلا تشتريه إلا بعين أو عرض، لا بالخرص، وقد كان
من قول مالك: لا يشترى مما أعري بخرصه إلا العنب والنخل.
قال أشهب: ويشترى الزيتون بخرصه إلى القطف، إذا كان ييبس ويدخر.
قال أبو الفرج، عن مالك: لا يشترى من العرايا بخرصها إلا أقل من خمسة أوسق،
شك داود في خمسة أوسق.
[6/ 199]
(6/199)
ومن كتاب محمد: ولا تباع العرية بخرصها
نقدًا. قال أصبغ: ويفسخ إن نزل حتى بانتفاء فيها ما يحمل. وإن فاتت رطبه،
رد مثلها إن وجد، وإلا فقيمتها.
قال أصبغ: وإذا اشترى ما أعرى من رطب الفاكهة وقد أزهت بخرصها ويدفعها من
غيرها نقدًا وإلى تناهيها لم يصلح ذلك، فإن لم يفت ذلك رد. وإن قبض وفات
أنفد ولم يرد، وكأنها هي، ضمنها له إلى أخذها. وكذلك في كل عرية ما كانت،
فتدخلها رخصة العرية ورفقها، ولو أجيزت بديًا بغير كراهية لم أره خطأ، وإن
كنت أتقيه. ولو فسخه فاسخ لم أعبه ولرأيته صوابًا.
ومن الواضحة: قال ابن الماجشون: لا يجوز للمعري شراء بعض عريته كانت خمسة
أوسق أو أقل أو أكثر، ولا أعلم مالكًا قاله. وأنكر قول ابن القاسم وإن كانت
أكثر من خمسة أوسق فليشترها بعين أو عرض أو طعام يخالفها نقدًا. ومن دارت
إليه العرية بإرث أو هبة أو بيع، فللمعري شراؤها يخرصها، ولوارثه ولمن دار
الأصل إليه ببيع أو هبة ما كان ذلك للمعري من ذلك إذا كان اشتراها بخرصها
تمرًا إلى الجداذ فله أن يعطيها من حائط غيره. ولا يشترط ذلك في شرائه،
ولكن مضمونًا، وإن تطوع له بتعجيل خرصها قبل الجداذ من غير شرط فذلك جائز.
ومن أعرى نفرًا فله أن يشتري من بعضهم إن كانت مصابته خمسة أوسق فأدنى.
[6/ 200]
(6/200)
قال في كتاب ابن المواز: ومن أعرى نفرًا:
هذا وسقين، وهذا مثل ذلك، حتى أعرى جماعة أكثر من خمسة أوسق، فله شراء
جميعه بالخرص، وقد وقف عنه مالك، ثم أجازه.
ومن الواضحة: وإذا أعرى نفر لرجل، فابن الماجشون لا يجيز لواحد منهم شراء
عريته منه دون شركائه؛ لأن المعرى يدخل الحائط لبعض جده، فلم يدفع مشتري
ذلك ضرر دخوله، فصار كشراء بعض العرية من رجل. وأجاز ابن القاسم لبعضهم
شراء عريته منه.
ومن كتاب ابن المواز: واختلف في زكاة العرية، فقيل على المعرى، وقيل على رب
الحائط، وقاله ابن حبيب. قال ابن المواز: ولم يختلفوا أن السقي فيها على رب
الحائط.
قال سحنون: إن كانت العرية والهبة بيد المعطي، يسقي ذلك ويقوم عليه،
فالزكاة عليه، وإن كانت بيد المعرى والموهوب، يقوم عليها، فالزكاة عليه.
قال أشهب: زكاة العرية على المعرى كالهبة، إلا أن يعريه بعد الزهو. وما روي
عن مالك أنها على رب الحائط، خطرة رمى بها.
قال أبو الفرج: ومن أعرى خمسة أوسق من حائط يعبر عنه، فأجيح الحائط إلا
مقدار خمسة أوسق، كانت الخمسة أوسق للمعرى، قياسًا على قول
[6/ 201]
(6/201)
مالك في من حبس على قوم حائطًا، وعلى قوم
خمسة أوسق منه، فأجيح الحائط إلا مقدار خمسة أوسق، أن أصحاب الخمسة أوسق
مقدمون على من سواهم.
قال ابن حبيب: الزكاة والسقي على المعري، أعراه الحائط أو بعضه أو نخلات
بعينها. قال: وسواء سماها عرية أو هبة، فلها حكم العرايا في ذلك وفي شرائها
بخرصها. وأنكر قول ابن القاسم في التفرقة بين الهبة والعرية؛ لأن الهبة هي
ترجمة العرية، ولا يفرق اللفظ بين ذلك.
قال: وحيازة العرية بوجهين: قبض الأصول، وأن يطلع فيها ثمر قبل موت المعري.
وإن قبضها ولم يطلع فيها ثمر حتى مات المعري، بطلت. وإن طلع الثمر ولم تقبض
الشجر حتى مات المعري، بطلت، قاله مالك.
وقال أشهب في كتاب محمد: إن مات بعد الإبار، فهو حوز لأن المعطى يدحل ويخرج
ولا يمنع، وكمن وهب أرضًا بصحراء، فحوزها أن تسلم إليه، وإن مات ربها قبل
أن تؤبر، فلا شيء للمعرى، إلا أن تكون العرية مما يسلم إلى المعرى، فتحاز،
فإنه إن لم يحزه حتى مات ربه، فلا شيء له، وإن حازه جاز ذلك، وإن لم تؤبر.
قال ابن حبيب: وابيح في العمرى في الدار، والمنحة في الحلوبة، والخدمة في
العبد، شراء ذلك بما يجوز، من عين، أو عرض للمعطي دون الأجنبي، ووجه حيازة
ذلك حوز الرقاب، وأن يصير اللبن في الحلوبة قبل موت المانح، كما قلنا في
العرية في اجتماع الوجهين. وأما في الدار والعبد، فالقبض لهما حيازة.
[6/ 202]
(6/202)
في وضع الجوائح فيما
يبتاع من ثمر أو حب
قال ابن حبيب وغيره: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بوضع الجوائح. وفي بعض
الحديث: توقيت الثلث.
قال غيره: ولو لم يأت توقيت الثلث، واستحال وضع ما لا بال له، إذ لا بد من
سقوط شيء منها انبغى أن يوضع ما له بال. والثلث عدل مما له بال. وحد فيما
بين القلة والكثرة في الأصول.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ويقضى بوضع الجائحة، ولا ينتفع البائع بشرط
البراء من الجائحة.
قال في المختصر: ولا ينجي البائع من الجائحة أن يدعو إلى الإقالة أو يغلو
الثمر فيربح المبتاع.
ومن كتاب محمد، ومن الواضحة، قال ابن حبيب: وهي في ضمان البائع لما بقي
فيها من الاستيضاع والمصلحة، كما يكون في ضمانه ما بقي فيه الكيل والوزن
فيما بيع على ذلك.
قال ابن حبيب: فوضع الجوائح على ثلاثة أوجه: فوجه يوضع فيه قليل ذلك
وكثيره، وذلك في الخضر من جميع البقول وما ناسبها، فيوضع ذلك فيها وإن قل،
إلا التافه الذي لا باله له، فلا يوضع. قال ابن المواز: واختلف فيها
[6/ 203]
(6/203)
عن مالك، وقال علي بن زياد عن مالك في
المدونة: إنه لا يوضع فيها إلا ما بلغ الثلث.
قال ابن حبيب: والوجه الثاني ما يجنى بطنًا بعد بطن من البحائر والموز
والرياحين من الورد والياسمين والخيري وشبهه، وما لا يدخر من الفواكه من
الخوخ، والفرسك، والكمثرى، والسفرجل، والأترنج، والرمان، والقراسي، وما لا
يدخر من التين وهو أول بطن منه، فهذه الأشياء إنما تطيب شيئًا بعد شيء،
وتجنى بطنًا بعد بطن، فهذا يقوم ما جنى وما أجيح وما بقي ينتظر فيجمع. فما
وقع للمجاح من تلك القيم وضع مثله من الثمن كان عشر الثمن أو تسعة أعشاره
إذا كان ذلك من الثمرة في التقدير ثلث جميعها فأكثر، وكذلك قال في كتاب ابن
المواز في كل ما لا يدخر ولا يحبس أوله على آخره كالمقائي والموز والورد
والرمان وشبهه، ويقوم بقدر نفاقه في اختلاف أزمنته. قال أصبغ: فإن تقارب
ذلك، حمل على أنه متفق كله. وقال أشهب: إنما يراعى ما بلغ ثلث الثمن في ذلك
فهو جائحة، وإلا لم يره جائحة، وإن بلغ ثلث الثمرة. قال ابن المواز: وقول
مالك وابن القاسم وابن عبد الحكم وعبد الملك: إنما يراعى ثلث الثمرة، لا
ثلث الثمن في هذا.
قال ابن حبيب: والوجه الثالث مثل ما ييبس ويدخر من الثمار من نخل وعنب وتين
مدخر وزيتون ولوز وجوز وجلوز وفستق، فإذا أجيح ثلثه فأكثر، وضع بقدره من
الثمن لا تقويم فيه. اشتري ذلك وقد حل بيعه، أو بلحًا، على أن يجذ، ثم
أجيح. قال ابن المواز: فأما التين، فقال مالك فيه: يسأل عنه؛ لأنه مما يدخر
ويطعم بطنًا بعد بطنج وقد كان جعله مثل القرط والقضب يشترط خلفته
وكالمقاثي، وهذا أحب إلينا.
[6/ 204]
(6/204)
قال ابن المواز: قال ابن القاسم: والزيتون
كالنخل والعنب في ذلك. قال ابن المواز وابن حبيب: وكذلك ما اشتري جزة واحدة
من قضب وقرط وقصيل، فأما إن اشترى منه جززًا أو شيئًا وخلفته، فكالمقاثي
والورد وشبهه، ينظر، فإن كان البطن المجاح قدر ثلث النبات في النبات وضع
عنه من الثمن بقدره في التقويم. وقال أشهب: إنما أنظر إلى قيمة المجاح لا
إلى كيله، فما بلغ ثلث الثمرة فهو جائحة. قال: وذلك في المقثاة وغيرها، لا
ينظر إلى ثلث النبات.
قال: وإذا اشترى ثمرة حائط فيه اصناف من الثمر، فيجاح صنف منها، فلينظر إلى
قيمته من قيمة الأصناف، فإن كان ثلث قيمة الجميعز وضع عنه. وقال أصبغ: إذا
كانت متفاوتة غير متقاربة وكذلك الحائط فيه أصناف من نخل وكرم ورمان وخوخ
أو حوائط في صفقة، حائط نخل، وحائط رمان وحائط كرم، فيجاح صنف منها فينظر
إلى قيمته من قيمة جميع الأصناف، فإن كان ثلث الجميع وضع عنه.
قال محمد: وهذا خلاف مالك ومن ذكرنا من أصحابه، والذي نأخذ به إن كان
الحائط تمرًا كله أو كرمًا كله، إلا أنه اصناف منه، فلينظر إلى الثلث فأكثر
في المقدار فيكون جائحة. يريد محمد: فيحط ما قابل ذلك الصنف منه من الثمن
بالقيمة.
قال أصبغ في موضع آخر: إنما استعمل قول أشهب في أصناف من الفاكهة في صفقة،
يجاح صنف منها، فينظر في ذلك إلى القيمة، لا إلى المقدار. وإن أجيح بعض صنف
منها، وهي أصناف، نخل، وكرم، ورمان، وغيره،
[6/ 205]
(6/205)
فالقياس أن ينظر، فإن كان جميع ذلك الصنف
لا يبلغ قيمة ثلث قيمة الجميع، فلا جائحة فيه، سواء أجيح كله أو بعضه، وإن
بلغ ثلث القيمة، نظر ما أجيح منه، فإن كان قدر ثلث ثمرته، وضع قدر ثلث قيمة
ذلك، يريد من الثمن، وإن كان أقل من ثلث ثمرته، لم يوضع منه شيء.
وهو كقول ابن القاسم فيمن اكترى دارًا مع ثمرة فيها قد طابت. محمد: وقال
أصبغ بخلاف ذلك. يريد محمد: ما استحسن أولاً أصبغ. وقال: إن كان المجاح ثلث
القيمة، وضع، ولم يراع ثلث الثمرة ورواه عن ابن القاسم، قال: وقاله أشهب
وابن عبد الحكم، وراعى في النخيل المختلفة مبلغ ثلث الثمرة. قال ابن حبيب
في أصناف من الثمر تباع في صفقة واحدة، بعضها أبرع في الثمن من بعض
كالصيحاني والبرني والعجوة، فأجيح صنف منها، فإن كان قدر ثلث جميع الأصناف
في الثمرة، فإنه يوضع بقدر ما يصيبه بالتقويم في تفاضله، وكذلك في أصناف
التين واصناف العنب وغيره مما ييبس ويدخر، وهو أجناس، هذا قول مطرف وابن
الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ.
وكان ابن القاسم لا يفرق بين ما تفاضلت قيمته في ذلك من النوع الواحد ويقول
قولاً مجملاً: إذا بلغت الجائحة ثلث الثمرة كلها وضع عنه، رجع بثلث الثمن
بلا تقويم، والذي قاله ابن حبيب عنه شيء تأوله عليه، وهو قد غلط في تأويله
لأن هذا الذي حكاه بعيد من مذهب ابن القاسم.
[6/ 206]
(6/206)
قال ابن حبيب: وإن كان الزيتون أجناسًا،
فكما قلنا في أجناس التمر وغيره، وما ذكرنا فيه من الاختلاف. وإن كان جنسًا
واحدًا، فلا تقويم فيه. قال: وإذا بلغ منتهى يمكن فيه جمعه كله، فلا جائحة
فيه، مثل ما ييبس من الثمر.
قال: ومن قول مالك في من ابتاع بستانًا، فيه تمر وتين وعنب ورمان وغيره،
وقد حل بيع كل صنف منه، وهو في موضع واحد، أو افترقت أماكنه، وجمعته
الصفقة، فأجيح صنف منها كله أو بعضه، فإن جائحة كل ثمرة منها على حدة لا
تضم إلى غيرها، فإذا بلغت ثلث ذلك النوع حط عنه ثلث حصته من الثمن بالقيمة.
ومن كتاب ابن المواز، والمختصر، والعتبية، قال مالك: ومن اشترى حوائط فأجيح
أحدها، فإن كان ذلك في صفقات شتى روعي بالحائجة ثلث كل صفقة، وإن جمعتهم
صفقة، فلا وضيعة حتى يكون المجاح قدر ثلث جميع الحوائط.
ومن العتبية، قال سحنون: قال ابن القاسم: في الفحل والإسفنارية والورد
والياسمين وشبهه والعصفر وقصب السكر أن ذلك في الجائحة سواء، لا يوضع حتى
تبلغ الثلث. قال: وهو تجوز فيه المساقاة، فكل ما جازت فيه فالجائحة فيه
موضوعة، إذا بلغ الثلث، إلا الموز، فإن المساقاة لا تجوز فيه، ولا توضع فيه
الجائحة حتى تبلغ الثلث.
[6/ 207]
(6/207)
قال: وأما الزعفران والريحان والبقل والقرط
والقضب وقصب السكر، فإن الجوائح توضع في قليله وكثيره، ولا تصلح فيه
المساقاة، وأما الكمون فتجوز فيه المساقاة كالزرع، وإنما يراد حبه لا شجره.
وأما الموز والمقاثي والباذنجان، فهي ثمار، فلا توضع فيها الجائحة حتى تبلغ
الثلث.
وما بيع أخضر من فول وجلبان وما يشبهه، فلا يوضع فيه حتى يبلغ الثلث، ويرد
إلى أصله، هكذا في العتبية قول مختلف في قصب السكر.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: وكل ما بيع قبل طيبه على أن يجد من البلح
والحصرم والجوز والتين والقطاني وغيرها، والفواكه، ففيه الجائحة إذا بلغ
الثلث.
وقال ابن القاسم: لا جائحة في قصب السكر. وقال ابن عبد الحكم: فيه الجائحة،
وقاله أصبغ.
قال أصبغ: قيل لابن القاسم: أفيه جائحة؟ قال: لا، هو لا يباع حتى يتم. قيل:
فإن تم ما بيع، أتوضع فيه الجائحة؟ قال: عسى به. وكأنه لم يوجبها. وقال بعد
ذلك: لا جائحة فيه، والأول أحب إليَّ.
قال ابن عبد الحكم: وإنه إنما يقطع شيئًا بعد شيء، بخلاف الزرع.
ومن الواضحة قال: ومن قول مالك: إن في قصب السكر الجائحة، وإن بيع بعدما
يطيب؛ لأنه يتأخر قطعه لما يزيد من استنضاج وحلاوة، كمدخر
[6/ 208]
(6/208)
التمر، فإذا بلغ الثلث، وضع فيه بلا تقويم،
كالقصيل تباع منه جزة واحدة، إلا أن يكون القصب متفاضلاً، بعضه أعظم من بعض
وأفخر، فيقوم كأصناف التمر يجاح صنف منه. قال: وجائحة القصب غير الحلو
كجائحة الحلو؛ لأنه يجوز بيعه إذا بلغ مبلغ الانتفاع به أو ببعضه، كالبقل،
ثم يستأخر جمعه ليزداد ريا وعظمًا، فإذا بلغ تمامه انقطعت الجائحة فيه كيبس
الثمرة.
قال: وجائحة ورق التوت الذي يباع ليجمع أخضر لعلف دود الحرير كجائحة البلح
وشبهه، الثلث فصاعدًا، وليس كالبقل. وروى أبو زيد في ورق التوت عن ابن
القاسم في العتبية أنه كالبقل يوضع ما قل منه وكثر.
ومن كتاب ابن المواز، قال أشهب: في المقاثي توضع الجائحة فيما قل منها وكثر
كالبقل. قال أصبغ: وهذا خلاف مالك وأصحابه، وليس بشيء.
مالك: ومن اشترى عريته بخرصها ففيها الجائحة كغيره. وقاله ابن القاسم وابن
وهب. وقال أشهب: لا جائحة فيها. وفي الواضحة مثل قول مالك.
وروى أبو زيد في العتبية عن ابن القاسم في من نكح بثمرة أنه لا جائحة فيها،
والمصيبة من المرأة. وقال ابن الماجشون: بل توضع فيها الجائحة كالبيع. ومن
الواضحة، وفي كتاب محمد نحوه.
قال: ولا جائحة فيما بيع بعد يبسه من جميع الثمار، أو بيع قبل يبسه فأجيح
بعد يبسه، ولا فيما بيع بأصله، كان تبعًا للأصل، أو الأصل تبعًا له، أبر أو
لم يؤبر، طاب أو لم يطب، وهذا قول مالك.
[6/ 209]
(6/209)
قال ابن حبيب: إلا أن أصبغ قال: إلا فيما
يعظم خطره من الثمرة ففيها الجائحة بعد أن يقيض الثمن على الأصل وعلى
الثمرة، لأنه زيد من أجلها في الثمرة زيادة عظيمة. وأما كل ثمرة لا يعظم
قدرها، فلا جائحة فيها مع الأصل. وقال في كتاب ابن المواز: إن ذلك كله تبع،
ولا حصة له من الثمن، كمال العبد، ولا جائحة فيه.
ومن العتبية: روى سحنون عن ابن القاسم في من ابتاع زرعًا بعد طيبه ويبسه
بثمن فاسد، فأصابته عاهة قبل أن يحصده فمصيبته من المشتري، وهو قابض له،
بخلاف مشتريه قبل بدو صلاحه على أن يتركه، فيصاب هذا بعد يبسه، فمصيبته من
البائع؛ لأنه لم يكن المبتاع قبض ما اشترى حتى يحصده، يريد لفساد البيع،
ولو كان البيع صحيحًا لم ييبس، لم تكن فيه جائحة.
قال ابن القاسم عن مالك في من اشترى ثمرة، فأجيح، فطلب الوضيعة، فقال له رب
الحائط: أنا أقيلك ولا أضع عنك. قال: يلزمه أن يضع عنه، دعاه إلى الإقالة
أو إلى ربح في بقية الثمرة، إذ لو حبس أكثر من ذلك لم يرجع بشيء، فوضيعة
الجائحة له ثابتة.
قال ابن حبيب: ومن قول مالك: إن كل ثمرة اشترطت في كراء دار أو أرض، وهي
تبع، فلا جائحة فيها، أبرت أو لم تؤبر، طابت أو لم تطب، يبست أو لم تيبس،
فإن لم تكن تبعًا، لم يجز اشتراطها، إلا أن تطيب، ثم تكون فيها
[6/ 210]
(6/210)
الجائحة، وإن كانت مثل نصف الصفقة أو
ثلثها، ففي ذلك الجزء تكون الجائحة، إن بلغت ثلثه فأكثر، وكذلك في كتاب ابن
المواز. وقال: وكذلك الأرض فيها شجر يشترط.
قال ابن القاسم: ومن اشترى رقاب النخل دون الثمرة، ثم اشترى الثمرة بعدها،
فإن كانت مزهية، ففيها الجائحة، وإن لم تزه، فلا جائحة فيها، وكذلك روى عنه
أبو زيد في العتبية.
قال ابن المواز في من اشترى الأصول ثم الثمرة بعد ذلك، فقال ابن القاسم في
الأسدية: لا جائحة فيها، وكذلك روى عنه يحيى بن يحيى، قال: وإن اشترى
الثمرة - يريد: مزهية - ثم الأصل بعدها، ففيها الجائحة.
قال سحنون: هو إذا باع الأصل، ثم باع الثمرة، لم يكن على البائع سقي. ولو
باع الثمرة وحدها، كان عليه السقي، يحتج بهذا في الجائحة. يريد سحنون أن
مشتريها بعد الأصول يصير كالقابض، إذ لم يبق له على البائع سقي ينتظره منه
فتسقط الجائحة فيها.
ومن العتبية: قال أصبغ: قال ابن القاسم: من ابتاع نصف ثمرة الحائط أو
ثلثها، فأجيح أقل من الثلث، فذلك عليها، ولا يوضع من الثمن شيء. وإن بلغ
الثلث، وضع عنه ثلث الثمن، وإن أجيح النصف، وضع عنه النصف، ولو كانت صبرة
ابتاع نصفها، فالمصيبة منهما، ولا جائحة فيها.
ومن كتاب محمد، قال مالط: ومن باع ثمرة واستثنى منها آصعًا أو أوسقًا قدر
الثلث فأقل، فإن أجيح منها قدر الثلث فأكثر، وضع بقدره مما استثنى
[6/ 211]
(6/211)
البائع. رواه ابن القاسم، وأشهب، وعبد
الله. وإن أجيح أقل من الثلث، أخذ البائع مما سلم جميع ما استثنى. وروى عنه
ابن وهب أنه يأخذ ذلك الذي استثنى كاملاً، أجيح ثلثها أو أكثر أو أقل. ولا
جائحة على البائع حتى يستثنى جزءًا شائعًا. وقال به ابن عبد الحكم، وقال
بالأول ابن القاسم وأصبغ. وما استثنى، فكالثمن.
ومن الواضحة: ومن باع ثمر حائطه وقد يبس، واستثنى منه كيلاً ما يجوز له،
فأجيح قدر ثلثها فأكثر، فلا يوضع عنه من الثمن ولا من الكيل المستثنى،
كالصبرة. وإن أجيح منها جميع الثمرة، سقط عن المبتاع ما استثنى البائع
وتكون، والمصيبة منهما جميعًا.
ذكر ما يُعد من الحوادث جائحة ومن شرط رفع الجائحة
من كتاب ابن المواز، قال مالك في الثمرة يصيبها الجيش: إنه جائحة.
قال ابن القاسم: والسارق جائحة. ولم ير أصبغ أن السارق جائحة، وقال: إنما
الجائحة ما لو علم، لم يقدر على دفعه. وهو قول ابن نافع في المدونة. قال
ابن حبيب: ولم ير مطرف وابن الماجشون الجيش وغلبة اللصوص جائحة. وقال ابن
القاسم وابن عبد الحكم وأصبغ: إن ذلك جائحة، وبه أقول، وهو قول عطاء،
والأول قول سهل بن أبي حتمة.
[6/ 212]
(6/212)
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك في الثمرة
يصيبها غبار وتراب حتى تبيض وتصير ملحًا وتتفتت: إنه جائحة. وإن أصابها ريح
كسر أصول النخل، فهو جائحة.
قال مالك: وما جاء من فساد الثمرة من قبل العطش وضع قليله وكثيره في جميع
الثمار. قال ابن القاسم: وإن كان يشرب بمطر أو عيون. وكذلك قال مالك في
الواضحة.
ومن الواضحة: قال ابن الماجشون: عفن الثمرة جائحة. والفغا - وهو يبس الثمرة
- جائحة. تقول: أفغت، إذا يبست. ومن اليبس أيضًا القشام، تقول: استقشمت.
ومنه الجرس، والترز: ضمران الثمرة. والشريان تساقطها. والشمرخة إذا لم يجد
في الشمراخ الماء لم تطب ولم ترطب حسًا. وكل أمر غالب من مطر وسيل وبرد
وطير وجراد وسموم ونار وريح. وقاله مطرف، وابن عبد الحكم، وأصبغ.
[6/ 213]
(6/213)
ومن كتاب محمد: قال مالك: ومن باع ماء يوم
من عين، فنقص ماء ذلك اليوم ثدر الثلث، وضع عنه. وقال ابن القاسم فيه: إنه
يوضع قليله وكثيره إلا ما لا يضره كالبعل.
قال مالك: ومن باع ثمرة وشرط البراءة من الجائحة، لم ينفعه ذلك وقضي عليه
بها. وكذلك في العتبية من سماع ابن القاسم.
تم الكتاب بحمد الله وعونه
وصلى الله على محمد نبيه وسلم
[6/ 214]
(6/214)
|