النوادر
والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات الجزء الثاني من البيوع
في بيع الطعام من بيعه قبل قبضه
وربح ما لم يضمن
من كتاب محمد: قال مالك: ومعنى ما نهى عنه من ربح ما لم يضمن إنما في
الطعام خاصة عند أهل المدينة، وقد خصه النبي عليه السلام بالذكر، في النهي
عن بيعه قبل قبضه.
ومن الواضحة: قال ابن حبيب: وذهب عبد العزيز بن أبي سلمة إلى أن كل مبيع
على كيل، أو وزن، أو عدد، من غير الطعام، لا يجوز بيعه قبل قبضه، كالطعام،
وجعل العلة الكيل والوزن؛ لأن جزاف الطعام يجوز بيعه قبل قبضه. وروي ذلك عن
عثمان، وابن المسيب، والقاسم، وسالم، وربيعة، ويحيى بن سعيد. قال: وروي
النهي عن ربح ما لم يضمن. وقال عن ابن حبيب: ظاهر هذا بيع ما في ملك غيره.
[6/ 31]
(6/31)
ومن كتاب ابن المواز قال: ومن ربح ما لم
يضمن أن يبيع لرجل شيئًا بغير أمره ثم يبتاعه منه وهو لا يعلم بفعلك بأقل
من الثمن. وكذلك بيعك لما ابتعت بخيار، لا تبيعه حتى يعلم البائع أو تشهد
أنك رضيته وإن لم تعلمه، فربح ذلك للبائع. قاله ابن القاسم، إن أقررت أنك
بعت قبل خيار؛ لأنه في ضمان البائع. وإن قلت: بعت بعد أن اخترت صدقت مع
يمينك، ولك الربح.
قال ابن القاسم: ومن باع طعامًا من بيع قبل استيفائه، فقبضه مبتاعه، وغاب
عليه، ولم يقدر عليه ليرده، فإنه يؤخذ الثمن من البيع الآخر، فيبتاع به
طعامًا مثله فيقبضه، فإن نقص عن مقدار طعامه، فله اتباع الغائب بما نقص،
وإن فضل شيء من الثمن، أوقف ذلك للغائب، فيأخذه إن جاء، وإن كان كفافًا برئ
بعضهما من بعض.
ومن الواضحة: وكل ما ارتزقه القضاة، أو الكتاب، أو المؤذنون، أو صاحب سوق
من الطعام، فلا يباع حتى يقبض، وما كان لصلة، أو عطية من غير عمل، فذلك فيه
جائز، وإنما ينهى عن بيع صكوك الجار - وهي عطايا من طعام - فإنما نهي
مبتاعها عن بيعها قبل القبض، ولم ينه من أعطيت له.
ومن العتبية: أشهب، عن مالك، فيما فرض عمر لأزواج النبي صلى الله عليه
وسلم، من الأرزاق من طعام، فلا بأس ببيع مثل هذه الأرزاق قبل قبضها. وكذلك
طعام الجار.
ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب: وللرجل بيع ما وهب له من طعام أورثه قبل
قبضه، وكذلك ما يؤخذ في الأرزاق، فأما ما يأخذ الكتاب في أرزاقهم منه، فلا
يباع حتى يقبض.
[6/ 32]
(6/32)
قال مالك في الواضحة: ولا يبيع طعامًا من
كتابة مكاتبك من غير المكاتب قبل قبضه، إلا أن يكون يسيرًا تافهًا بيع مع
غيره مما كاتبه عليه، فلا بأس به. قال مالك: وكل طعام من بيع ورثته، أو وهب
لك، أو تصدق به عليك، أو أعطيته سلفًا، وأخذته قضاء من سلف، فلا تبعه حتى
تقبضه، وأخفه عندي الهبة والصدقة. وقاله عمر بن عبد العزيز في الميراث.
ومن العتبية: روى عبد الملك بن الحسن، عن ابن القاسم، في من مات وله طعام
من سلم، فلا يجوز لورثته أن يصالحوا فيه على أقل من رأس المال، وأما أقل من
الطعام، فجائز.
ومن الواضحة: وكره مالك أن يقول لغريمه: تعال حتى أشتري طعامًا من فلان، ثم
أقضيكه، لوجهين: وجه كأنه له اشتراه، فكأنه قضاه دراهم واشتراه لنفسه
فيدخله أنه قضاء له قبل قبضه، ولا ينبغي للطالب أن يدله على طعام يبتاعه
لقضائه، أو يسعى له فيه، أو يعينه عليه، أو يجعل له فيه. نهى عنه ابن
المسيب، ويحيى بن سعيد، وربيعة، وابن شهاب، ومالك.
ومن كتاب ابن المواز، قال أشهب، عن مالك: من أسلم في طعام، ثم أسلم إليه في
طعام ينوي أن يقضيه من هذا، فلا خير فيه، وهو الذي نهى عنه سعيد بن المسيب.
ومن المجموعة، قال أشهب في قول ابن المسيب: إذا كان لك قبل رجل طعام من
بيع، ثم بعت أنت طعامًا، صار في ذمتك، ونويت أن تعطيه من الطعام الذي لك من
بيع، فنهى عن ذلك. قال أشهب: لا بأس أن يقضيه منه
[6/ 33]
(6/33)
ما لم يشترط ذلك ولا تضره النية كما لو نوى
أن يشتري طعامًا يوفيه منه، أو مما لم يبد صلاحه من الحب.
قال مالك: لم يكن بالحجاز أعلم بالبيوع في التابعين من ابن المسيب، ومنه
أخذ ربيعة علم البيوع، ولم يكن بالمشرق أعلم بهذا من محمد بن سيرين.
ومن الواضحة: ومن قال لرجل: تقاض طعامي على فلان، ولك ربعه ما تقتضي. لم
يجز، وهو بيع له قبل قبضه، وكل ما ابتعت على كيل أو وزن. وفي المختصر: أو
عدد من إدام، أو بقل، أو شراب - عداء الماء - فلا يباع حتى يقبض. وكذلك
جميع التوابل، والثمار، والقرح والخردل، لأنه طعام. فأما الحرف والحلبة
والبذور والبقول وبزر ثمر البحاير ونحوها، فلا يجرم ذلك فيها. قال مالك:
وزيت الفجل، وزيت السمسم لا يباع حتى يقبض.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن أحلته على طعام من بيع أسلفته إياه، أو
قضيته من قرض، فلا يبيعه المحتال قبل قبضه، إلا أن يأخذ منه مثل رأس مال
المحيل، فذلك كالإقالة، فتجوز، ثم لا تأخذ منه أنت فيه ثمنًا إن كنت أقرضته
إياه، وكذلك لو صار إليه منك بصدقة، أو ميراث، فلا تبيعه قبل قبضه، وإن
أحلت من له عليك طعام من بيع، على طعام لك من قرض، فلا تبيعه قبل قبضه، إلا
أن يأخذ منه مثل رأس ماله، ولو أقرضك إياه رجل استقرضته منه، وأمرته، فقضاه
له عنك، جاز لك أن تعطيه فيه ثمنًا، لأن هذا قرض، وطعام البيع قد قبض.
ومن استقرضك طعامًا، فأحلته على طعام لك من بيع، فقبضه، فأردت بيعه منه،
فقال مالك مرة: أما الشيء اليسير من الكثير فلا بأس به، وكأنه وكيل على
قبضه. وقال قبل ذلك: لا خير فيه، ولم يحد يسيرًا من كثير. ومن لك عليه طعام
من بيع، فابتاع طعامًا، ثم أحضرك حين قبضه، ثم أعطاك إياه بكيله،
[6/ 34]
(6/34)
فذلك جائز، وكذلك لو لم يحضر، فأخذه على
تصديق الكيل، ما لم يكن موعدًا مثل أن يقول اشتراه، وأنا آخذه بكيله. وذلك
كله إن حل، وإلا لم يجز. وقيل عنه: لا يأخذه منه على تصديق الكيل، ولا أن
يحضره فيأخذه بكيله، فقد كرهه، وأجازه ابن القاسم، إلا في الموعد.
وكره مالك بيع طعام إلى أجل على تصديق الكيل للذريعة للربا إن يدان على
هذا، وكذلك لو حضر كيله. قال: وما وجد من نقص بين، أو زيادة بينة، فللبائع
وعليه.
قال ابن عبد الحكم: ومن باع من نصراني طعامًا، فباعه النصراني قبل أن
يقبضه، فلا أرى للبائع أن يكيله حتى يحضر صاحبه، ثم يصنع به بعد ما شاء.
ومن العتبية، من سماع ابن القاسم: ومن كتاب محمد: قال مالك: وإذا وكلك رجل
على بيع طعام، فأراد من لك عليه طعام من بيع أن يبتاع منك من الطعام الذي
بعته لغيرك، لقضيك منه، فلا خير فيه. قال في العتبية: نقدًا، أو إلى أجل،
فنقصك منه، فلا خير فيه، ولكن لو أرسل إليك رسولاً، يبتاع له منك، وأنت لا
تعلم، ففعل، ثم جاء فقضاك، فلا بأس به، ولكن أكرهه للذي قضاك.
قال مالك: وأكره للغريم أن يقول للوكيل على قبض طعام منه: بعني من طعامك
بالوكيل، واقبضه لصاحبك. قال في المجموعة: فلا يعجبني.
[6/ 35]
(6/35)
ومن العتبية: روى عيسى، عن ابن القاسم: ومن
لك عليه طعام من سلم، فحل، فقال له: بعني طعامًا مثله أقضيكه، فإن ابتاعه
منك بمثل رأس مالك، فهي إقالة، وإن كان بأكثر، فهو ربا، وإن كان بأقل، فهو
بيعه قبل استيفائه.
باب قضاء الكفيل واقتضائه وصلحه وتعديه
وغير ذلك من مسائله
وما يدخل ذلك من بيع الطعام قبل قبضه
من كتاب ابن المواز: وإذا قبض الكفيل الطعام، فباعه ولم يؤمر بالقبض، فأتى
الطالب واتبع الغريم، فللغريم أخذ الكفيل بطعامه، فإن صالحه على الثمن أو
أقل منه أو أكثر، فجائز - يريد محمد: لأنه قبضه على الاقتضاء، ولو قبضه على
الرسالة، كان له أخذه بثمنه، أو تضمينه مثل الطعام. قال: ولو كان أكله، أو
كان الطعام حاضرًا، جاز له بيعه منه ومن غيره، بخلاف الطالب يرضى بقبضه، لا
أن يكون وكله على قبضه، فله بيعه، فذلك القبض منه ومن غيره، ولو أغرم
الطالب الكفيل مثل الطعام الذي باعه، فللغريم أخذ الثمن، ويعطيه طعامًا كما
غرم، إن كان جعله رسولاً، وإن قبضه منه مقتضيًا، فليس ذلك له، ولو دفع إلى
الكفيل دنانير ليبتاع له طعامًا، ويقضيه عنه، فطلبه أن يعطيه طعامًا من
عنده، وأعلم بذلك الغريم، فرضي، لم يجز حتى يقبضه منه الغريم، أو يوكل من
يقبضه منه، ثم يقضيه عنه. محمد: وللكفيل شراؤه من غيره، وقضاؤه بغير محضر
الغريم، ولو دفع الكفيل الطعام من عنده بغير أمر الغريم، وحبس الثمن، فأجاز
ذلك الغريم لما علم، فذلك جائز؛ لأنه سلف من الكفيل، باعه منه الآن بذلك
الثمن، وكذلك لو لم يكن قبض الثمن من الغريم، جاز أن يأخذ منه الثمن.
[6/ 36]
(6/36)
ومن الواضحة: ومن تحمل بطعام من بيع، أو
قرض، فأخذ به، فقضاه، فإن اشترى للطالب طعامًا بثمن أخرجه، فليرجع بمثل
الثمن، وإن قضاه طعامًا من عنده، لم يرجع إلا بالطعام. وكذلك في العتبية عن
ابن القاسم.
وإن تحمل بطعام من قرض، جاز للحميل شراؤه لنفسه، وإن صالح منه عن الغريم أو
قضاه عنه وصالح عنه بعرض مخالف لما عليه، أو بدراهم، فذلك جائز، والغريم
مخير: إن شاء دفع ما عليه، وإن شاء دفع إليه ما ودى عنه من دراهم، أو طعام
مخالف له، أو قيمة العرض، ولا يدخله طعام بطعام مؤخر؛ لأنه إنما صار بيعًا
يوم رضي به المطلوب، فحينئذ لا يتأخر كحميل بدينار دفع دراهم، فالمطلوب
مخير، ولا يكون صرفًا مؤخرًا. وقاله كله ابن كنانة، وابن القاسم، ثم رجع
ابن القاسم، فقال: لا يصالح عنه بما يكون فيه مخيرًا عليه، إلا أن يؤدي
عرضًا يرجع إلى القيمة عن مال تحمل به، فيأخذه بالأول، والأول أبين؛ لأنه
لم يعامل المتحمل به على شيء، وهو كمن ودى عن غريم شيئًا، فإن شاء رضي وودى
مثل ما ودى عنه، وإلا ودى ما عليه، ثم لا رجوع للحميل فيما عمل مع الطالب،
إذ ليس في ذلك فساد، ولو اشتراه لنفسه، حمل على ما يحل ويحرم في البيع؛ لأن
الطالب حينئذ بائع غير مقتض. ومن كتاب محمد: ابن القاسم: ومن تحمل لك بطعام
من سلم، على أن يوفيكه الغريم بالفيوم، فلما حل، وكلت الحميل على قبضه،
فجعل يقبضه، وجاء به إلى حلوان، فلقيته بها، وقال لك: خذ قمحك، وادفع إلي
الكراء، فهذا لا يجوز. قال ابن القاسم: وليرد قمحك حتى يأخذ منه بالفيوم.
يريد: لأنه ضمنه بتعديه إلى حلوان. قيل له: فإن هلك الطعام؟ قال: هو من
بائعه.
[6/ 37]
(6/37)
فيمن ابتاع طعامًا جزافًا، أو نصف ثمره، أو
نصف صبرة،
أو استثنى ما باع، أو أسلم في ثمرة بعينها، أو في لبن غنم،
أو ابتاع ثمرة غائبة، هل يبيع شيئًا من ذلك قبل قبضه؟
وكيف إن أسلم في لحم أو رطب، فزال إبانه، أو نقصت الصبرة عما شرط،
أو أداه عرضًا فلم يف له بما شرط من الأقفزة؟
من كتاب محمد: قال مالك: من اشترى نصف ثمرة جزافًا، أو نصف صبرة، فلا بأس
ببيع ذلك قبل أن ينقل، وأحب إلي أن ينقل قبل البيع، لحديث ابن عمر، ولا
أراه حرامًا. وكذلك الصبرة يشتريها، إلا أنها في ضمانه بالعقد، فقد استوفى،
وعلى ذلك من أدركت. قال ابن القاسم في العتبية: وقد كان مالك يقول: إذا
اشترى جزعًا من ثمرة، فلا يبيعه حتى يقبضه. ثم رجع عن ذلك.
ومن كتاب محمد: وإذا ابتاع رجلان صبرة، أو جرة سمن، فأربح أحدهما الآخر في
ذلك قبل القبض، فذلك جائز، إلا أن يشتريا على كيل أو وزن.
قال مالك: ومن باع كرمه، وأسمى سلالا أقل من الثلث، أو من الثمر مائة صاع
يأخذ كل يوم شيئًا معلومًا، فباع المشتري الثمر كله، فعليه ثمر مثله يشتريه
له. ولا يأخذ بذلك صنفًا آخر من الطعام، إلا أن ينقطع أصلها، وله أن يأخذ
ذلك دراهم. أو عرضًا معجلاً.
ومن ابتاع ثمر حائط غائب عنه لم يره، لم يجز أن يبيع منه شيئًا؛ لأنه في
ضمان البائع بعد، حتى يراه المبتاع ويرضاه.
[6/ 38]
(6/38)
ومن باع ثمر حائطه، واستثنى منه كيلاً،
يجوز أن يستثنيه. وقد كره مالك بيعه قبل قبضه، ثم رجع فأجازه. وكذلك وهب
ذلك أو أقرضه، جاز أن يباع قبل القبض.
ومن ابتاع لبن غنم بأعيانها شهرًا، فأراد بيعه قبل أن يحتلبه، فنهى عنه ابن
القاسم، وأجازه أشهب. ويقول ابن القاسم: أخذ محمد، قال: لأنه في ضمان
البائع حتى يقبض، فهو من بيع ما لم يضمن من الطعام.
ومن المجموعة، مالك: ومن أسلم في ثمر حائط بعينه، فأخذ كل يوم كذا وكذا،
فلا يبيع ذلك ولا شيئًا منه حتى يقبضه، كمبتاع صبرة أو بعضها على الكيل،
ولو ابتاع جميع الحائط، أو نصفه، أو عدد نخلات بلا كيل، فله بيع ذلك قبل
يجذه؛ لأنه صار في ضمانه بالبيع، فذلك قبض.
ومن كتاب محمد: ومن أسلم في لحم ضأن، يأخذ كل يوم شيئًا معلومًا، فانقطع
وقته، فقد وجبت المحاسبة، وله أن يأخذ باقي رأس ماله لحم بقر أكثر أو أقل،
أو ما شاء سواه نقدًا. فأما أن يأخذ لحم بقر على ما كان يأخذ كل يوم بوزنه،
فلا يجوز، إلا أن يأخذ جميعه مكانه، وكذلك ما ينقطع مما يسلم فيه من رطب
ونحوه فأخذ بما بقي له شيئًا غيره فلا يجوز فيه التأخير.
وفي الباب الذي بعد هذا ذكر الصنف من الحرث ينقطع إبانه.
وقال: وكذلك إذا أسلم في لحم ضأن، فانقطع وقته، فله أن يأخذ برأس ماله أو
ببقيته لحم بقر، أو معز رطلين برطل، أو معزى حية. وكذلك يأخذهما فيما زال
وقته من العنب زبيبًا أو عنبًا مشتويًا رطلاً برطلين بعد العلم بما بقي من
الثمر - يريد محمد - على قول من يرى أن ليس لهما إلا المحاسبة فيما ليس من
حائط بعينه من الثمر. محمد: وقال مالك مرة: يتأخر الذي بقي له إلى إبان
قابل. ثم قال: لا بأس أن يأخذ بقية رأس ماله. قال ابن القاسم: له أن يؤخر،
وله أن يتعجل بقية رأس ماله، وفسخه أحب إليَّ.
[6/ 39]
(6/39)
قال أشهب: لا يجوز فيه التأخير، وليس له أن
يأخذ إلا بقية رأس ماله. قال ابن حبيب: أما إذا أسلم فيما له إبان، فانقطع
وليس من شيء بعينه، فروي عن مالك، أن له أن يتأخر، أو يتعجل باقي رأس ماله.
وقال بعض أصحابه - وقاله أصبغ -: من شاء المحاسبة، فذلك له، إلا أن يجتمعا
على التأخير. قال ابن حبيب: وفي التأخير مغمز؛ لأنه إذا ملك تعجل ما له،
صار التأخير دينًا من دين، والقول بالتأخير عن اجتماعهما، أو بغير اجتماع
استحسان من قائله من أصحاب مالك، ولا أحب أن يأخذ ببقيته طعامًا إن طلب
المحاسبة، لأن فيه مغمزًا من أخذ طعام نقدًا من طعام مؤخر. محمد: وأما
الحائط بعينه يسلم فيه فيفرغ قبل يقبض، فليس له إلا رأس ماله، أو يأخذ به
ما يتفقان عليه نقدًا، لا يجوز تأخيره. قال ابن حبيب: لم يختلف في هذا. قال
محمد: وكذلك صبرة يشتري منها كيلاً، فلا يجد فيها تمامه، أو المسكن ينهدم
قبل المدة في الكراء وشبهه.
قال مالك: وإن أسلم في عنب، فانقطع، فأراد أن يأخذ شتويًا، فلا يصلح إلا أن
يأخذ جملة قبل أن يفارقه.
ومن العتبية، روى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن ابتاع مائة إردب من طعام
بعينه، ونقد الثمن، فلم يجد فيه إلا ثمانين، فله أن يأخذ بثمن العشرين
ثمرًا، أو غيره، أو عرضًا، ولا يؤخره فيصير دينًا بدين.
ومن كتاب ابن سحنون: من سؤال حبيب، ومن عرض قمحًا، أو زيتًا بشيء في يده
منه، فيواجبه على أقفزة معلومة، ثم يقول: ما عندي من شيء، أو هو لغيري.
وأبى أن يبيع، قال: إن أقام بينة أنه لا شيء عنده منه، أو أنه لغيره، وإلا
لزمه أن يأتي بالأقفزة التي باع منه.
[6/ 40]
(6/40)
في توكيلك من له عليك طعام على شرائه وقبضه
أو وكلت من لك عليه طعام على قبضه
أو على التوكيل على قبضه، أو وكلت غائبًا
من كتاب ابن المواز: ومن له عليك طعام من بيع قد حل، فأعطيته دراهم ليشتري
بها مثل ما عليك، لم يجز، إلا أن يكون مثل رأس المال، لا أنقص ولا أزيد في
الطعام، وفي العرض مثل رأس المال فأقل، ولا يجوز أكثر، فإن أخذ في هذا أو
هذا ما ذكرنا أنه لا يجوز، وزعم أنه ابتاع به مثل الذي له وقبضه، وإن كانت
له بينة أنه ابتاع ذلك باسمك، ثم قبضه وفات بعد ذلك بينكما، وإن لم يكن إلا
قوله، لم يجز، ورد ما أخذ، وطالب بحقه، إلا أن يأخذ ما ذكرنا أنه يجوز.
قال أشهب: إن دفع إليه من الطعام مثل رأس المال أو أقل، ليشتري لنفسه، فزعم
أنه فعل وقبض حقه، أجزت ذلك، وإن زعم أنه بقي له شيء يكون أكثر من رأس ماله
لم يصدق، ونقضت ذلك بينهما. قال في المجموعة: لأنه إن أعطاه ما بقي طعامًا،
أو دراهم يبتاع بها ما بقي له، فقد صار بيعًا ويدخله الربا في الزيادة على
رأس ماله إن أخذ أكثر.
ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب: ولا يجوز أن توكل الذي لك عليه الطعام أن
يوكل من يقضيه منه، فإن فعل، فأشهد على وكيله، فجائز، فإن أمره ببيعه، لم
أحب ذلك، فإن نزل لم أفسخه. قال أشهب في المجموعة: ولا يوكله يقبضه له من
نفسه، وإن أشهد الذي عليه الطعام بذلك القبض، فلا يعجبني.
[6/ 41]
(6/41)
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ولا تطلب
غريمك أن يكيل طعامك، ويعزله ويبيعه لك، ولو اشتراه لك من غيره فاستوفاه،
فلا بأس أن تبيعه من غيره - يريد: وكل على أن يسلم في طعام.
قال أشهب: وإن قلت له: وكل فلانا على قبضه منك، فإذا قبضه فبعه أنت، فهذا
أخف، وتركه أحب إلي، ولو قلت له: قد وكلت أنا فلانًا، فأعلمه، فإذا قبضه
فمره ببيعه، أو بعه أنت. فذلك جائز، وإن لم يكن على ذلك إشهاد، يريد محمد
في القبض والبيع. قال: والإشهاد أحب إلينا، ومن لك عليه دراهم، فأعطاك
عرضًا أو طعامًا، لتبيع وتستوفي، فجائز، وأكره الدنانير والفلوس يعطيكها،
تبيع وتستوفي.
فيمن له طعام من بيع فأخذ فيه صنفًا آخر
أو دقيقًا من قمح، أو يأخذ أقل من الكيل أو أكثر
أو أخذ ما لا يحيى من الطير صنفًا منه أو من غيره
أو انقطع إبانه وفي تعجل الطعام بغير البلد
من كتاب محمد: قال: وكره مالك أن يأخذ من قمح، أو سلت، أو شعير، من بيع إن
حل دقيقًا. قال أشهب: وأراه كرهه للاختلاف، إن ابن أبي سلمة وغيره يجيز
الدقيق بالقمح متفاضلاً، ويتأول أن طحينه صنعة، ومكحول لا يجيزه بحال.
قال ابن الماجشون في الواضحة: إنما يجيزه مالك في المبادلة فيما قل ويكرهه
فيما كثر. وقد ذكرنا هذا في باب بيع الطعام بالطعام.
ومن كتاب محمد: قال مالك: ولا يأخذ من قمح شعيرًا أقل كيلاً وإن حل، ولو
أخذت خمسين شعيرًا من مائة قمحًا، على أن تبقى لك خمسون قمحًا، ثم تركت له
القمح، جاز إن صح أصل القبض، وكذلك قمحًا من شعير، وسمراء من بيضاء، وإن
أخذت مكانك خمسين شعيرًا، وخمسين قمحًا، جاز. وكذلك
[6/ 42]
(6/42)
سمراء وبيضاء من أحدهما ما لم ينقص الكيل
ولو كفًا واحدًا. قال مالك: ومن اشترى زيتًا أو زبيبًا - يريد: على كيل أو
وزن، قال في المجموعة عن مالك: تينًا أو بطيخًا، كيلاً أو وزنًا، فأراد أن
يأخذ مكان التين عنبًا أو بطيخًا قبل قبضه، لم يجز.
قال أشهب، عن مالك: ولو دفع الثمن في التين، ثم قال: زن لي بنصفه عنبًا أو
بطيخًا، وبنصفه تينًا، فأرجو أن يكون خفيفًا. قال محمد: لا خير فيه، وهو
سواء، ومحمل هذا: أنه دفع الثمن من غير إيجاب.
وروى ابن وهب، وابن القاسم، عن مالك، فيمن ابتاع بدينار قمحًا، ثم سأله أن
يعطيه بنصفه عدسًا، قال: لا يجوز.
قال مالك: ومن اشترى بدرهم زيتًا، فلم تسعه بطته، فأراد أن يأخذ بما بقي له
طعامًا، أو يرتجعه ثمنًا، فلا يعجبني.
قال في باب الإقالة: إذا ابتاع بدرهمين زيتًا، فقبض بدرهم، وأقال من درهم،
فإن لم يتفرقا، فذلك جائز. قال أشهب: ومن اشترى عشرة أرادب من صبرة بعينها،
فلما اكتال خمسة منها، تراضيا على أن يعطيه ما بقي من صبرة أخرى أدنى منها،
أو أجودها، أو شعيرًا مثل المكيلة مكانه، فذلك جائز. وروي نحوه عن مالك
أيضًا.
ومن العتبية: عيسى، عن ابن القاسم: ومن له مائة أردب قمح من بيع، فأخذ
بتسعين قمحًا، وعشرة شعيرًا أو دقيقًا، فإن حل الأجل، فذلك جائز.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ومن لك عليه طعام من بيع، فلا تأخذه قبل
الأجل أزيد كيلاً، وتؤدي للزيادة شيئًا، أو لا تؤدي، أو أقل كيلاً، ويأخذ
[6/ 43]
(6/43)
شيئًا أو لا تأخذ، وإن حل الأجل، جاز أن
تؤدي في الزيادة ثمنًا نقدًا، أو إلى أجل إن اتفقت الصفة، وإن كان أجود
صفة، أو أردأ، لم يجز لك شراء الزيادة، إلا أن تكون بغير شرط مثل أن تقضيه
جميع كيله شعيرًا بغير شرط، ثم تشتري منه فضله ذلك ما لم تتعاملا على ذلك،
ولو أخذ أجود صفة وأقل كيلاً أو وزنًا، لم يجز بحال.
قال: وإن أسلمت فيما لا يستحيا من الطير، فلك أن تأخذ بعد محل الأجل صنفًا
آخر مما لا يحيى تحريًا، ولا تأخذ مما يستحيا فيدخله بيع اللحم بالحيوان،
ولا تأخذ غير الطير، فيكون بيع الطعام قبل قبضه، ولا تأخذ ما لا يستحيا مما
يستحيا وإن حل، ولك أخذ صنف آخر مما يستحيا، أكثر أو أقل، حل الأجل أو لم
يحل، أو عرضًا أو حيوانًا غير الطير، أو طعامًا، وتأخذ لحم الطير بعضه من
بعض ما يستحيا، وما لا يستحيا؛ لأنه لحم كله، ولك أن تأخذ من صنف من الحوت:
من سلم صنفًا آخر منه بعد الأجل تحريًا، مثلاً بمثل. فإن انقطع إبان ذلك
الصنف، جاز أن يأخذ بقية رأس مالك، أو تأخذ به ما شئت، أو صنفًا من الحوت
أكثر منه وأقل. ومن أسلم في لحم ضأن، يأخذ كل يوم وزنًا معلومًا، فله أن
يأخذ في يومه لحم بقر، ولا يتعجل منه في ذلك اليوم أكثر مما شرط.
ومن الواضحة، قال: وإذا شرط أن يأخذ كل يوم من اللحم كذا، وأخذ يومًا أكثر
من الشرط، وودى ثمن الزائد، فإن كان ما أخذ مثل صنف شرطه، فجائز، وإن كان
بخلاف الصفة من سمن اللحم، أو عظم في الحيتان، أو صنفًا من اللحم غير ما له
عليه، لم يجز أن يشتري منه زيادة في الوزن، ولو جاء بمثل الوزن دون الصفة،
أو خلاف الجنس، ويعطيه معه عرضًا أو عينًا، لم يجز، ولا يأخذ أكثر وزنًا
وأدنى صفة، ويأخذ ثمنًا، ولو سأله أن يعجل له شرطه ليومين أو ثلاثة، جاز ما
لم يعطه أدنى صفة أو أعلى، فلا يجوز.
[6/ 44]
(6/44)
ومن العتبية: قال سحنون، عن ابن القاسم:
وإذا أسلم في مائة طير أحياء، مما لا يستحيا فأخذ عند الأجل من صنفها دون
عددها، فذلك جائز، وإن أخذ من غير صنفها أقل عددًا، فلا خير فيه، إلا أن
يأخذ دونها في العدد من غير صنفها من الطير مما لا يستحيا على التحري، أن
يكون مثل المائة، وأكره الحي منه بالمذبوح، ويجوز الحي منه بالحي، على
التحري في المماثلة.
وروى أصبغ، عن ابن القاسم، فيمن أسلم في عشرة أرطال لحم، فأعطاه جزرة فيها
خمسون، فإن كان على صفة، فالبقية أفضال جائزة. قال أصبغ: والجزرة مذبوحة
مسلوخة، وقد حل ما عليه، ولا يجوز إن كانت حية.
ومن كتاب محمد: قال مالك: ومن لك أو يؤخره فلا يجوز هذا، ومن لك عليه سمراء
من قمح البحيرة - محمد: من قرض أو بيع - جاز أن تأخذ منه بيضاء من قمح
البحيرة، وليس بمصر سمراء، وإنما تفترق السمراء والبيضاء بالمدينة. محمد:
إنما هو جائز في القرض، فأما من بيع، فلا تأخذ قبل الأجل أجود ولا أدنى.
ولو أسلم في صفة من قمح مصر، فاستغلاه، فجعلها له أجود من صفته إلى أجل، أو
أوجب له بقية من غلته، أو بيضاء من سمراء، فذلك جائز، بعد أن تكون مصرية
كلها. قال أصبغ: لا يعجبنا هذا من قول ابن القاسم. محمد: بل ذلك جائز إذا
كانت للصفة، وإنما فضله بالجودة.
[6/ 45]
(6/45)
في الإقالة والشركة
والتولية في الطعام من بيع
من الواضحة: قال: الإقالة والشركة والتولية في الطعام مستخرجة برخصة الرسول
عليه السلام، من نهيه عن بيعه قبل قبضه، كما أخرج بيع العرية من بيع التمر
قبل بدو صلاحه، والحوالة من نهيه عن بيع الدين بالدين. قال: وكل ما بيع من
الطعام بعرض، يرجع فيه إلى القيمة، لا إلى المثل، لم تجز فيه الشركة ولا
التولية، لا بالقيمة ولا بالمثل، وتجوز فيه الإقالة، والعرض قائم، فإن فات،
لم تجز الإقالة، وإن كان عرضًا يكال، أو يوزن، جازت فيه الإقالة، والشركة
والتولية مثل ما يجوز في العين.
ومن المجموعة: قال أشهب: إذا كان رأس مال الطعام عرضًا يكال ويوزن، فهلك
العرض، فالإقالة بعد هلاكه جائزة إن كان المثل حاضرًا عندك، ولا يجوز أخذك
أرفع منه أو أدنى في وزن أو صفة، ولا يؤخره به، ولم يجز ابن القاسم الإقالة
بعد هلاك ذلك، وإنما اختاره في الإقالة من طعام قبضه، ثم أفلت منه بعد
هلاكه. قال أشهب: ولو كان رأس المال عرضًا يوزن أو يكال، إلا أنه جزاف، فلا
تجوز بعد غيبته عليه إقالة، ولا تولية، ولا شركة، إلا أن يوقن أنه بعينه،
لا زيادة فيه ولا نقصان، فيجوز ذلك كله فيه.
قال ابن القاسم، عن مالك: ولا تشترك في طعام ابتعته وهو غائب عنك، إلا أن
يكون حاضرًا.
[6/ 46]
(6/46)
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ولا تقيل
من طعام غائب ابتعته، ويدخله الدين بالدين، ولا توليه لأحد. وقاله كله مالك
في الواضحة، قال: ولا يشرك فيه.
ومن العتبية: روى أبو زيد، عن ابن القاسم، في من باع ثوبين بعشرة أرادب قمح
إلى شهر، ثم أقاله بعد الشهر من خمسة، ورد أحد الثوبين، فإن استوت قيمة
الثوبين، جاز، وإلا لم يجز. وقال سحنون في المجموعة: أخاذ أن يكون بيع
الطعام قبل استيفائه؛ لأنه قد يدخله الغلط في التقويم، وقد كره ابن القاسم
بيع أحد الثوبين مرابحة، وقد ابتاعهما في صفقة.
وروى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن أسلم في قمح، فاستقال منه بعد محله، فقال
له البائع: خذ بعضه فبعه، فما وضعت فيه وديته إليك مع بقية قمحك، فهو جائز،
كما لو دفع إليه جميعه، وضمن له ما اتضع في جميعه.
ومن الواضحة: فما اشتريت من طعام بعينه غائبًا بعيد الغيبة، فلا تجوز فيه
الشركة ولا التولية ولا الإقالة، ويدخله الدين بالدين مع بيعه قبل قبضه،
وإن كان حاضرًا بعينه وقد ابتعته بثمن مؤجل، لم يجز فيه الشركة ولا
التولية، لا نقدًا ولا إلى أجل بعينه.
ومن كتاب محمد: وإذا أقلت من طعام، ورأس المال عرض بعينه، ثم وجد قد تلف،
بطلت الإقالة، ثم لا يجوز أن يتاقيلا قبل قبض الطعام، وكذلك لو كان بعينه
مما يكال أو يوزن، فلا يؤتى بمثله، وتبطل الإقالة كالبيع، أن لو هلك قبل
الكيل بطل البيع.
قال مالك: وإن ابتعت طعامًا بعينه، على الكيل بثمن مؤجل، فلك أن توليه أو
بعضه وتشرك فيه إذا أخرته بالثمن إلى أجله.
[6/ 47]
(6/47)
وقال ابن القاسم في بعض مجالسه: لا تجوز
فيه التولية. قال أشهب: لا يجوز فيه إلا الإقالة وحدها. قال أشهب: كمن له
طعام من إجارة، أو ابتاعه بعرض، فلا يصلح فيه إلا الإقالة، فإن فات العرض،
أو تغير بزيادة أو نقص، أو تم عمل الأجير كله، لم تجز الإقالة فيه أيضًا.
قال ابن حبيب: لأن الأعمال من الناس تختلف. قال أشهب: فإن عمل بعض العمل،
جاز أن يقيله مما بقي، إذا أحيط بمعرفته، وإن لم يعمل شيئًا، جازت الإقالة
من الجميع.
قال ابن حبيب فيمن ابتاع طعامًا حاضرًا بعينه، على كيل أو وزن أو عدد بثمن
مؤجل، فلا تجوز فيه الإقالة قبل قبضه. قال في كتاب الشركة: ولا تجوز فيه
الشركة، ولا التولية لا بنقد ولا إلى أجل بعينه، بخلاف ما في الذمة مما
ينقد ثمنه، لأنه لا يجوز له تعجل الثمن، فيصير بيعًا والذمتان لا بد أن
تختلفا في الملأ، ويختلف منهما القضاء. وقاله ابن الماجشون، وأشهب. وذكره
ابن عبدوس، عن أشهب.
قال ابن حبيب: وإن كان الطعام من إجارة أو كراء، لم يجز فيه شرط ولا تولية،
انقضت المدة أو لم تنقض، عمل أو لم يعمل. ثم ذكر في الإقالة مثل ما ذكر ابن
المواز، عن أشهب. وقال أشهب: مثله كله في المجموعة.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: وإن أشركته في طعام ابتعته، على أن أشركك
في طعام ابتاعه، لم يجز ذلك.
ومن المجموعة: ابن نافع، عن مالك: وإذا كان لرجلين لكل واحد منهما قمح على
رجل على حدة، من بيع، فقال كل واحد منهما للآخر: ولني نصف طعامك وأوليك نصف
طعامي لم يجز. قال أشهب: إذا أسلم رجلين في طعام فولى أحدهما رجلين أو
أشركهما أو وهبه لهما أو ورثاه فلكل واحد منهما أن يقيل
[6/ 48]
(6/48)
البائع من جميع ما صار له لا من فضل ما صار
له أو يقيلاه جميعًا فذلك جائز. وكذلك رجل له طعام من بيع فولى رجلاً نصفه
أو ثلثه فلكل واحد منهما أن يقيل من جميع حظه منه لا من بعضه أو يقيلاه
جميعًا فيجوز.
وروى عيسى عن ابن القاسم في العتبية فيمن أسلم في طعام دينارًا فأشرك في
نصفه فأحب إلي يأتي بدينار فيقبض هذا المشرك نصفه ويرد نصفه وكذلك في
الواضحة قال: ولكل واحد من الرجلين أن يولي صاحبه مصابته أو يشرك معه فيها،
ثم لا يقيل أحد منهم البائع إلا من جميع نصيبه.
ومن كتاب ابن المواز: وإن أسلم في طعام من أصناف مختلفة، وعروض في صفقة، لم
يجز أن يقيله من صنف من الطعام ولا الثياب، ولا بأس أن يولي صنفًا منه، أو
جزءًا شائعًا إذا قبض الثمن على ذلك بالعدل، لا ينظر إلى ما سميا لكل صنف،
وله بيع الثياب وحدها مرابحة، ولو وليته صنفًا من الطعام على ما سميتما
أولاً من الثمن، لم يجز حتى يعلم عند الإقالة أنه الذي يصيبه بالعدل، فإن
تعقب بعد الإقالة على القيمة، فوجد ذلك عدلاً في القيمة لم يجز حتى يعرف في
الإقالة، وإن سميتما للعرض ثمنًا، فلك بيع العرض بما بلغ من الثمن بربح
وغير ربح، من غير غريمك.
أشهب عن مالك: ومن أسلم في أصناف من الطعام في صفقة، وأسعارها مختلفة، فله
أن يولي صنفًا منها.
قال مالك في المجموعة: من أسلم إلى رجل في طعام من صنف واحد صفقة إلى أجل
واحد، فله أن يقيله من صفقة، ويأخذ في الأخرى طعامًا.
ومن كتاب محمد والواضحة: ومن أسلم غنمًا في طعام، فحل، فلم يجد عنده إلا
بعضه، فلا يجوز أن يقيل من بعضه. قال ابن حبيب: فإما أن يقيل من
[6/ 49]
(6/49)
جميعه، أو يقبض جميعه، وله أن يقبض ما وجد،
ويؤخره بباقيه، أو يضعه عنه إن شاء.
قال ابن حبيب: ولو كان رأس المال يعرف من ثياب، أو رقيق، أو حيوان، جاز أن
يقيله من بعضه، ويصير بيع وإجارة، وذلك جائز.
ومن كتاب محمد، قال مالك: ون ابتاع طعامًا بعشرين دينارًا، فذهب ليأتي
بأوعيته، ثم استقاله من عشرة، فذلك له جائز. قال محمد: لعله لم يغب على
الثمن إلا قدر ما يتناول أوعيته أو لم ينقد، وإنما يجوز عند مالك وأصحابه
أن تقيل من بعضه، إذا لم ينقد، أو لم يغب على الثمن. قال: ومن أسلم في
طعام، فلا تجوز الإقالة من بعضه، وله أن يولي بعضه ويشرك فيه. قال ابن
القاسم: إن قبض بعض طعامه عند محله، لم يجز أن يولي ما بقي منه، أو ما أخذ
منه أو بعضه، ولا يجوز أن يوليه ما قبض مع ما بقي، ولا يشرك فيهما. هكذا
وقع في كتاب محمد: لا يجوز أن يولي ما بقي منه، أو ما أخذ، وأرى الألف
غلطًا، وإنما هو: وما أخذ. وكذلك روى عيسى، عن ابن القاسم، في العتبية: لا
بأس أن يولي ما بقي، ولا يجوز أن يولي ما بقي مع ما قبض. وكذلك في الواضحة.
قال أصبغ في كتاب محمد: لا يجوز أن يولي ما لم يقبض خاصة. ومن كتاب ابن
المواز: وما أسلمت فيه من طعام أو غيره، فقبضت بعضه، فلا يجوز أن تقيل مما
بقي، ولو رددت عليه ما اقتضيت، وأقالك من الجميع، فهو حرام، وبيع الطعام
قبل قبضه، وكأنه أقالك مما بقي، على أن وليته ما قبضت. قال مالك: إلا أن
يكون ما قبضت يسيرًا، كخمس أرادب أو عشرة من مائة، فأرجو أن يكون خفيفًا.
[6/ 50]
(6/50)
قال ابن القاسم في العتبية: وأنا أكرهه في
القليل والكثير. قال أشهب في المجموعة: وقول مالك فيه استحسان، وإذا نقدت
بعض الثمن في طعام أو عرض، ثم تفرقتما، جاز أن تقيله مما نقد، لا من بعضه،
أو تقيله مما لم ينقد، ومن بعضه، ومما نقد ومما لم ينقد. وكذلك روى عيسى،
عن ابن القاسم نحوه في العتبية.
محمد: قال مالك: وإن لم يقبض منه الطعام حتى أقاله، ثم فارقه قبل قبض رأس
ماله، فليس له إلا طلب رأس المال، ولا حجة له في فسخ الإقالة بتأخير الثمن.
قال محمد: ولم يأخذ بهذه الرواية أحد من أصحابه. وقد روي فيه أن الإقالة
فاسدة، وكذلك في التولية، إلا أن يتأخر، مثل دخول البيت فهو خفيف، وإلا
فليرجع بالطعام، إلا أن يقيله ثانية، وكذلك في العرض في ذمة، يقيل منه، أو
يوليه، أو يبيعه من غيره، فلا يتأخر رأس المال إلا مثل البيت من السوق. قال
ابن القاسم: فأرجو أن يكون خفيفًا. وأما بيع دين على رجل، فيجوز تأخير رأس
المال فيه يومين وثلاثة. وذكر سحنون هذه الرواية التي أنكر محمد عن أشهب،
أن الإقالة جائزة وإن تأخر الثمن شهرًا.
قال محمد: قال ابن القاسم: وإن وكلت من يدفع إليه رأس المال في الإقالة في
الطعام، ودخلت، ووكل هو من يقبض وذهب، فإن دفع الوكيل مكانه، جاز، وإن
تأخر، لم يجز، وكذلك إن كان الثمن عرضًا. قال محمد: إن كان عرضًا بعينه
حاضرًا، فلا بأس بذلك.
ومن المجموعة: قال سحنون في مسألة ابن القاسم، في إقالة المرسض من طعام من
بيع، ولم يدع غيره في تخيير الورثة. قال سحنون: الإقالة لا تكون إلا ناجزة،
وفعل المريض موقوف. قال أبو بكر بن اللباد: لعل ابن القاسم يعن أن
[6/ 51]
(6/51)
المريض مات مكانه. قال أبو محمد: ولو قيل
بفسخ الإقالة ما لم يمت، فإذا مات صار ضرورة، كمن أقال وهرب، فقد قالوا:
تصح الإقالة، وأعرف لبعض أصحابنا أنه إن أقال في مرضه الذي عليه الطعام،
وليس له إلا ثمنه، ثم مات، فإنه يبدأ بدينه فيقضى، وهو الطعام، فما بقي كان
له ثلثه إن لم يجز الورثة.
ومن كتاب محمد: قال مالك: ومن أسلم في طعام، وأخذ به رهنًا، أو حميلاً،
فولاه رجلاً على إسقاط الحميل أو الرهن، فلا خير فيه، ولو أسقطه المبتاع
قبل ذلك، جازت التولية إذا تبين له أنه كان وأنه أسقطه.
ومن اشترى قمحًا بعشرة، ثم استزاده البائع، فزاده درهمًا، فلا يوليه إلا
بأحد عشر، بعد أن يبين الزيادة. قال محمد في كتاب المرابحة: لا ينبغي
التولية فيه بحال.
في إقالتك من الرطب أو من بعضه بعد أن أثمر
وأخذك ذلك في تفليس
وشرائك الطعام ممن بعت منه طعامًا أو إقالتك له
من العتبية من سماع أشهب: ومن باع من رجل ثمر حائطه رطبًا بمائة دينار
وعشرين دينارًا، ثم قضاه بخمسة عشر دينارًا من الحائط منها رطبًا أو تمرًا،
ثم ابتاع ما بقي في الحائط - وهو تمر - جزافًا في رؤوس النخل بسبعين من
ثمنه، فلا بأس به، ولو كان ما بقي رطبًا، لم يجز، لتأخيره، فيصير الدين
بالدين. وقال عنه أشهب أيضًا: إنه كره أن يشتري منه ذلك بعد أن يبس في رؤوس
النخل بجميع الثمن أو بعضه، وخاف أن يدخله الرطب بالثمن وإن كان ثمره
بعينه، وكذلك لو باعه بمائة دينار إلى الجذاذ، ثم اشتراه إلى يومين، أو عند
الجذاذ، وهو تمر بعشرين ومائة، فقد قال: لا خير فيه. قال: ولو أخذه منه وقد
[6/ 52]
(6/52)
أثمر في التمر فقط، فلا خير فيه، قال: ولو
أخذه عند تفليس الغريم لجاز؛ لأن الحكم أوجبه له، كما لو كان عبدًا ابتاع
ففلس. وقد أبقى فرضي باتباعه، فإن وجده أخذه، وإلا رجع فحاصص الغرماء. قال
في كتاب ابن المواز: لأنه في ضمان المبتاع حتى يقبضه. وهذه المسألة في كتاب
ابن المواز مثل ما ذكرنا. وذكر كراهية مالك أن يقيله منه بعد أن صار تمرًا.
قال محمد: وذكر عنه غير هذا، وهذا أحب إلينا.
محمد: قال مالك: وإن بعت من رجل طعامًا بعشرة دنانير إلى أجل، ثم ابتعت منه
في ذلك الطعام بدينارين نقدًا، لم يجز، ويصير الطعام ودينارين بعشرة مؤجلة،
ولا تأخذ منه بالدينارين قصاصًا، فيصير بيعًا وسلفًا.
قال مالك: ولا بأس أن تبتاع منه مثل المكيلة والصفة بمثل الثمر فأكثر نقدًا
أو مقاصة. وأجاز مالك أن يأخذ أقل كيلاً بمثل الثمن، ثم قال: إني لأتقيه.
وقال ابن القاسم: لا يعجبني. وكذلك مثل الكيل أدنى في الجودة، ولا تأخذ أقل
من كيله بحسابه، ولا بجميع الثمن.
وإن بعت منه سمراء، فأقلته، وأخذت سمراء مثل الكيل وأدنى صفة، قال ابن
القاسم: أرجو أن يكون سهلاً، وفيه مغمز. قال أصبغ: جائز. وقد خففه مالك.
وأجازه أشهب. وإن كان أقل كيلاً. وكذلك قال أشهب في المجموعة، وقال: والترك
أحب إليَّ؛ لأنه يتقى فيه ما لا يتقى في الذهب والورق.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ويجوز أن يأخذ طعامه الذي باع بربح ثوب أو
دينارين، وإن غاب عليه المبتاع، قال: وإن باع طعامًا بثمن مؤجل، ثم تقايلا
بزيادة من أحدهما، فإن لم يفترقا، فلا بأس بالزيادة ممن كانت، إذا كان قد
اكتال المبتاع الطعام ما لم تكن زيادة المبتاع عينًا، أو من الثمن ما كان
الثمن. قال مالك: فلا خير فيه. قال: وإن كان بعد التفرق بالكيل، فلا تجوز
الزيادة من المبتاع بحال، وإن كانت الزيادة من البائع، فجائز إذا كانت
إقالة من بيع الطعام.
[6/ 53]
(6/53)
وفي هذا المعنى في الإقالة بزيادة في طعام
أو عرض باب ما يشبهه من الآجال، في غير هذا الكتاب، وهناك باب في شرائك
لطعام ممن بعت منه طعامًا.
ومن الواضحة: ومن باع من رجل طعامًا كيلاً بدينار إلى أجل، فاستقال منه
البائع قبل يوفيه إياه بدينار يدفعه إلى ذلك الأجل، أو بأقل أو أكثر، فلا
يجوز، ولو كان المبتاع هو المستقيل بالدينار جاز، وكأنه وهبه الطعام،
والدينار باق عليه إلى أجله، فأما بدينار يخالف سكتة أو بأقل من دينار أو
بأكثر، فلا يجوز.
في بيع الطعام من القرض قبل قبضه
أو كان من غصب أو تعد
وما لا يجوز فيه الاقتضاء
من كتاب محمد: وإذا كان لك طعام من قرض، فلك بيعه قبل محله وبعد محله ممن
هو عليه، ومن غيره، إذا تعجلت ثمنه، ولا تأخذ فيه من غريمك طعامًا يخالفه
قبل محل الأجل، وذلك جائز بعد محل الأجل، ما لم يكن بغير البلد، ولا تأخذ
فيه طعامًا من أجنبي، وإن حل الأجل إلا أن يقبضه هو من غريمك قبل أن
يفارقك، ولك بيعه من غريمك قبل الأجل بالبلد أو بغيره، بما شئت من ثمن
نقدًا عدا الطعام، وإذا حل، فلك بيعه منه بالبلد بما شئت من الطعام، فإن
كان من صنفه، فلا تأخذ إلا مثل مكيلته، ولك أن تأخذ دقيقًا إذا حل، وإن كان
أقل من الكيل، فهو مكروه. قال ابن القاسم: يجوز من ذلك ما يجوز في
المبادلة. وأجاز أشهب في القرض إذا حل، أن يأخذ طعامًا ما أدنى صفة وأقل
كيلاً من طعامك، ما لم تكن المحمولة أنقى نقاء من سمرائك. وأجاز أخذ الدقيق
أقل كيلاً ما لم يكن الدقيق أجود من دقيق قمحك. ويجوز مثل كيله أجود أو
أردأ، ولا يجوز أكثر من كيله وإن كان أجود منه أو مثله. واتفق مالك، وابن
القاسم، وأشهب،
[6/ 54]
(6/54)
أنه لا يأخذ من القرض قبل الأجل سمراء من
محمولة، ولا محمولة من سمراء مثل المكيلة، ولا قمحًا من شعير، ولا صيحانيًا
من عجوة، ولا جنسًا غيره من الطعام والإدام.
وفي المدونة أن ابن القاسم أجاز أخذ سمراء من بيضاء، ثم رجع. قال أصبغ: ولك
من القرض أخذ سمراء من سمراء أجود جودة قبل الأجل، ولا يجوز أدنى. ولا يجوز
في البيع أخذ أجود ولا أدنى قبل الأجل.
قال مالك: ومن له إردب من قرض، فباعه قبل الأجل بدينار إلا درهمًا، انتقده،
ونقد الدرهم، لم يجز. وأجازه ابن القاسم، وإن كثرت الدراهم. ومن عليه طعام
من غصب أو تعد، فهو كالقرض في بيعه قبل قبضه.
وفي الباب الأول ذكر بيع الهبات والميراث والأرزاق والصلات من الطعام قبل
قبضه.
قال ابن القاسم: ومن باع تمرًا عنده وديعة، فربه مخير في أخذ التمر، أو
يغرمه مثل طعامه، كان باعه بطعام أو غيره. قال أشهب: إن باعه بتمر أزيد، لم
يجز لربه الرضا بالتمر؛ لأنه طعام بطعام، فيه خيار، وإن باعه بتمر لنفسه،
خير ربه بين الرضا بالتمر، أو بمثل القمح. محمد: صواب. فإن باعه بتمر
لنفسه، فليشتر بالتمر قمحًا، فإن كان القمح أكثر من قمحه، فذلك لرب القمح.
أشهب: وإن باعه بثمن غير الطعام لنفسه أو لربه، فالخيار لربه في الرضا
بذلك، أو يأخذ مثل قمحه.
قال مالك: والمأمور بتقاضي حق فيتقاضى فيه طعامًا. وقال: صاحبي مخير، فإن
لم يعلم بفساده، فلا بأس به، وإن تعمد ذلك بمعرفة، لم يجز. قال ابن القاسم:
يرد الطعام، جهل أو علم.
ومن العتبية: روى عيسى، عن ابن القاسم، قال: ومن أقرض ويبة قمح، فلا بأس أن
يأخذ نصفها قمحًا، ونصفها دقيقًا أو تمرًا أو شعيرًا، وله أن يأخذ
[6/ 55]
(6/55)
بالنصف إن شاء ما يجوز فيه التفاضل مع
القمح أزيد كيلاً، فأما ما لا يجوز معه فيه التفاضل، فلا يأخذ إلا مثل ما
بقي له من الكيل. وإذا أقرضه ويبة محمولة، فلا يأخذ نصفها سمراء، ونصفها
شعيرًا، أو شيئًا ما من الأشياء في صفقة واحدة، ولو قبض أولاً في نصفها
سمراء أو شعيرًا أو دقيقًا، ثم انصرف عنه، ثم عاد إليه، فأخذ بالباقي
زيتًا، أو عرضًا، أو طعامًا، فذلك جائز إذا لم يكن ذلك في مرة واحدة. ومن
أقرض رجلاً قمحًا، فقضاه نصفه دقيقًا ونصفه شعيرًا، فإن كان الدقيق أوضع من
القمح فذلك جائز، وإن كان أرفع، لم يجز، ولو قضاك في نصف القمح تمرًا، على
أن أعطاك بنصفه شعيرًا أو سلتًا، فلا خير فيه إن كان في مجلس واحد، ولو أخذ
بنصفه تمرًا، ثم تقاضاه بعد ذلك فأعطاه بنصفه شعيرًا، فذلك جائز إذا صح.
في بيع الأشياء بعضها ببعض نقدًا
وسَلَمِ بعضها في بعض من جنس واحد
وبيع الشيء بما يخرج منه أو ينبت منه أو يعمل منه
وما في ذلك من ذكر المزابنة
من كتاب محمد: وكل شيء عدا الطعام - يريد: المدخر - من صنف واحد، والذهب
والورق والفلوس، فيجوز فيه التفاضل يدًا بيد، كيلاً ووزنًا وعددًا، ولا
يجوز فيه كيل بجزاف، ولا جزاف بجزاف حتى تبين الفضل. قال: ولا يسلم شيء في
مثله، ولو أنه الحصباء، وزيادة شيء منه أو من غيره، أو منفعة ما، ولا بأس
أن يسلم شيء فيما يخالفه خلافًا بينًا. قال مالك: لا خير في التبن في
القصب. وجعله صنفًا واحدًا. وقال: هو كله علف. وقد قيل: هما نوعان. محمد:
وهما أشد تباعدًا من رقيق ثياب الكتان وغليظها، وأجاز مالك القصب بالنوى
إلى أجل.
قال: والحديد جيده، ورديئه صنف حتى يعمل سيوفًا وسكاكين وأعمدة وغير ذلك،
وكذلك النحاس، فيصير أصنافًا باختلاف المنافع، لا بالوزن.
[6/ 56]
(6/56)
محمد: والسيوف صنف، إلا المرتفع منها،
المرتفع الحديد، فذلك صنف، ولا خير في السيف بأرطال من حديد إلى أجل، ولا
في أرطال نحاس في قدر نحاس إلى أجل، ولا بأس بنحاس بثور نحاس يدًا بيد.
محمد: موازنة وإن تفاضل، ولا يصلح جزافًا حتى يتبين الفضل بأمر بيِّن، ولا
خير في فلوس بنحاس صحيح أو مكسور على حال، وتدخله المزابنة، وقد اختلف فيه
قوله، وهذا أحب إلينا.
والكتان كله صنف، جيده ورديئه، حتى ينسج فيصير الرقيق صنفًا والغليظ صنفًا،
وكذلك القطن. قال في الواضحة: وكذلك الحرير كله صنف. محمد: وكره مالك ثوب
صوف بصوف، يدًا بيد، أو إلى أجل قريب لا يعمل في مثله ثوب للمزابنة. وكره
جلدًا بعشرة أحذية مقطعة، كان من جلده أو من جلد غيره، وكذلك الكرسف بغزله
يدًا بيد، وكتان منقوض بمغزول. محمد: وهذا فيما تقارب، وأما لو دفع رطلي
صوف في ثوب صوف أو رطلي صوف بعشرة أرطال مغزولة - يريد: نقدًا - أو جلدًا
كثيرًا بزوج أو زوجي حذاء يدًا بيد لجاز.
قال مالك: ولا بأس بثوب مروي بثوب مخيط مروي. قيل له: إنه كأنه يقول: أعطني
من الثوب قميصًا والزائد لك، وما نقص فعليك. قال: إن أراد هذا، فلا خير
فيه. محمد: إن لم يعرفا قياس الثوب الغير المخيط، فلا خير فيه، وكأنه ضمن
له قميصًا طوله كذا من شقته.
ومن الواضحة قال: ولا يباع شيء بما يتولد منه إلى أجل، مثل صوف في ثياب
صوف، أو كتان أو قطن في ثيابه، أو جلود في فرو. ولا يباع لوز الحرير
بمغزوله أو بمعموله إلى أجل، ولو عجلت الثياب فيما تولدت منه، لجاز، وهو
يجوز كله يدًا بيد، أيهما كان بالآخر، ولا خير في جلد بقري بأزواج نعال
مسماة، ولا خير في ثوب وشي بظهائر، لا نقدًا ولا مؤجلاً للمزابنة، وإذ لا
صنعة فيه تخرجه
[6/ 57]
(6/57)
إلى إجازته، بخلاف صوف بثوب صوف، يدًا بيد،
أو كتان بثوب كتان، أو جلود بأحذية معمولة، هذا جائز نقدًا، ولأن فيه صنعة
بينة، ولا يتأخر ما قابلها إلى أجل يعمل فيه، فيدخله المزابنة.
والحديد كله صنف، ذكيره ولينه، فلا يجوز متفاضلاً ولا مكسورًا بمعمول إلى
أجل، وكذلك الصفر، نحاسه وشبهه، والآنك قصديره ورصاصه، لا يجوز الأجل فيه
تفاضلاً ولا مكسورًا بمعمول، ولا بأس بذلك كله نقدًا.
ومن كتاب ابن المواز: وكره مالك القرظ الأخضر باليابس، إلا أن يتبين الفضل
بالكثرة البينة، أو لم يتبين، ولا خير فيه إلى أجل. وقال في النوى والخبط
وغيره يباع جزافًا بمكيل من نوع واحد، فلا ينبغي أن يتبين الفضل جدًا ما
خلا الطعام.
ولا بأس برطل كتان مغزول، من صنف واخح، يدًا بيد، وكذلك منقوض بمنقوش، ولا
خير في رطل غزل كتان رقيق أسمر، برطل كتان مغزول رقيق أبيض، إلى أجل، ويجوز
يدًا بيد، ولا خير في كرسف بغزله إلى أجل. قال محمد: وإن كان يدًا بيد
دخلته المزابنة، إلا على الوزن منهما، فيجوز وإن تفاضل، وأما إلى أجل،
فيدخله سلف جر منفعة، وإن كان مثلاً بمثل. قال: وكل شيء يباع وزنًا بجزاف،
من صنف، أو كيل، أو عدد، بجزاف منه أو جزاف بجزاف، فهو من المزابنة، كان
ذلك من الطعام والإدام وأصنافه، أو غير الطعام من جميع الأشياء، من الثياب،
والحناء، والكتان، والكتم، والنحاس، والعلف، وغيره. قال ابن القاسم: ولو
كان ترابًا، فلا يصلح حتى يتبين الفضل بأمر بيِّن، فيكون مثله وشبه ذلك.
وهذا في غير العين والطعام، إلا طعامًا يجوز فيه التفاضل، فهو فيه
[6/ 58]
(6/58)
جائز على ما ذكرنا. قال: وإذا قال: زن، أو:
كل، أو: عد سعلتك هذه، وأنا أضمن لك منه كذا وكذا، فما زاد لي، وما نقض
فعلي، لم يجز، وكذلك في الثوب يضمن له كذا وكذا قميصًا، أو ظهائر فلا نش
على هذا. وكذلك حب البان بالسليخة. قال مالك: إنما يكره حب البان بالسليخة،
وأما بالبان المطيب وقد طيب ونشي، فجائز للصنعة التي فيه.
قال: ولا خير في القصب بعسله ولا بربه، ولو برد وطبخ وصار صنعة، جاز بعسله
وبقصبه، ويكون كالبان المطيب بالسليخة، والخل بالتمر، ولا شيء في الجلجلان
بالزنبق المطيب، نقدًا ولا مؤجلاً، بخلاف مطيب البان. قال مالك: والأدهان
صنف، الزنبق، والراذقي، والكادي والخيري، فلا يجوز فيه التفاصل إلى أجل.
قال: والمطيبة منها مثل الزنبق، والورد، وشبهه، كلها نصف لا يكون فيه
التفاضل إلى أجل؛ لتقارب منافعه، ويجوز يدًا بيد. وروى أشهب أن مالكًا نهى
عن التمر بالنوى إلى أجل. قال عنه ابن القاسم: ولا يدًا بيد. وقيل: لا بأس
به، وأجازه ابن القاسم نقدًا، وإلى أجل. وقاله أصبغ. محمد: ما لم يكن التمر
حشفًا لا يراد منه إلا النوى.
قال ابن القاسم: ولا خير في عصفر في ثوب معصفر إلى أجل، ولو كان الثوب
معجلاً في عصفر، لجاز، ولا يقضي من ثمن حب اشتراه شيئًا بنبت من ذلك الحب
في ذلك الأجل إلى ذرعه. قال مالك: وما هو بحرام بيِّن. ولا بأس بتمر بنخل،
يدًا بيد، وإلى أجل، إذا وصف النخل، ولم يكن فيها تمرة يوم يأخذها لا طلع
ولا غيره.
[6/ 59]
(6/59)
وقد تقدم في باب بيع الشيء بما يتولد منه
من الطعام فيه من معاني هذا الباب.
ومن الواضحة: وإذا تباينت الأصناف في الثياب والعروض، وتباعدت، جاز سلم شيء
في غير صنفه. قال: فثياب القطن صنف وإن اختلفت جودتها وأثمانها وبلدانها،
أو كانت هذه عمائم، وهذه أردية أو شقق، لتقارب منافعها، إلا ما كان من وشي
القطن، واليوسفي والصنعاني، والسعيدي، ومثل ثياب القصب والحبر والمشطب
والمسير وشبهه، فلا بأس ببياض القطن بثياب منه متفاضلاً إلى أجل، وكذلك
ثياب القصب بثياب وشي القطن، لاختلاف المنافع والجمال.
وما اختلف أيضًا في الرداءة الجودة، والغلظ والرقة، فتباين وتباعد في بيعه
وجماله، فهو صنفان، يجوز فيه التفاضل إلى أجل، وكذلك ثياب الكتان صنف على
ما ذكرنا، إلا أن تختلف اختلافًا شديدًا، بالرقة والغلظ، والرداءة والجودة،
فيجوز فيها التفاضل إلى أجل.
وثياب الحرير كلها صنف وإن اختلفت الأثمان، والجودة والصنف من أردية
وأخمرة، ومقانع وشقق ولفائف، وكذلك ثياب القز، وثياب السفيق، إلا ثياب وشي
الحرير، أو ثياب الخز، فلا بأس بها ببياض ثياب الحرير، واحدًا باثنين إلى
أجل، وثياب الخز صنف، إلا أن تختلف في الغلظ والرقة، والرداءة والجودة،
وتتباعد، فيجوز التفاضل فيها إلى أجل، وثياب الصوف والمرعز كلها صنف، فإن
اختلفت بالبلدان والأثمان، لا يجوز كساء مرعز بكساء صوف إلى أجل.
وكذلك بالجباب ولا يجوز ساج طرازي بكرديين، ولا قرمص بطرازيين، أو افساساري
بمصريين إلى أجل حتى تختلف أنواع صنعتها، مثل الطيقان
[6/ 60]
(6/60)
الطرازية بالجيب المرعزية، ومثل القطف
بالبسط، والأكسية بالرقم كله، يجوز متفاضلاً إلى أجل، وكذلك ثياب الصوف
تتباين في الرقة والغلظ، فيجوز فيها ذلك، وأما صنف في خلافه، مثل ثوب قطن
في ثياب كتان أو صوف أو وشي أو خز أو حرير، واحد باثنين من الصنف الآخر إلى
أجل، فجائز، وإن اتفق ذلك في الجمال والرقة والنفع لاختلاف الأصول. والخشب
صنف وإن اختلفت أصوله، إلا أن تختلف المنافع والمصارف مثل الألواح بخشب
الجوائز وشبهها فيجوز ذلك متفاضلاً.
والأدهان الطيبة إذا كانت مختلفة الأصول والصنعة، جاز فيها التفاضل في
الأجل، كاللبان بالزنبق، والزنبق بالمقتت متفاضلاً إلى أجل، وما استوى في
طيبه واشتبه، لم يجز ذلك فيه كاللبان البرمكي بمثله، أو بالطريد، أو الزنبق
بالزنبق من بلد أو من بلدين، فلا يجوز حتى يختلف في طيبه اختلافًا شديدًا،
كالبرمكي بالثليث، أو الطريد بالخميس، والزنبق العراقي المطيب بالمربد من
المصري، فأما بالرأس من المصري، فلا يجوز؛ لأنه معتدل في طيبه أو عشبته،
فأما المقتت من الأدهان، فتشابه الطيب ليس له تباين يجوز به المثل بالمثلين
إلى أجل.
والحناء صنف على اختلاف بلدانها، وكذلك الزعفران والمسك والكافور، كل واحد
منه صنف على اختلاف بلدانه، كالمسك الصعدي بالسندي، والكافور الرياحي
بالمصعد فلا يجوز، وأما مسك بكافور، أو حناء بزعفران، فجائز فيه التفاضل
إلى أجل. قال: والماء العذب والشريب صنف، لا يصلح متفاضلاً إلى أجل، ولا
بأس بعذب أو شريب في أجاج إلى أجل متفاضلاً، والتراب الأسود بالأبيض صنفان،
وكذلك الجير بالتراب الأبيض. قال: والعُمُدُ بالصخر، والكدان بالرخام،
والجندل بالحجارة، أو بالجص، والرخام بالعمد، فهذا كله مختلف، يجوز فيه
التساوي والتفاضل، نقدًا أو إلى أجل. قول ابن حبيب: الرخام
[6/ 61]
(6/61)
بالعمد يعني رخامًا لا يكون منه العمد، وما
استوت منافعه ومصارفه، لم يجز ذلك فيه، كالجندل بالحجارة.
من العتبية: روى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن باع كبشًا بصوف إلى أجل، فإن
كان قريبًا لا يكون فيه للكبش صوف، فلا بأس به، وإن كان بعيدًا يكون له فيه
صوف، فلا خير فيه. قال مالك: ولا يصلح بيع نخل بتمر إلى أجل يكون فيه للنخل
تمره، ولا خير في البطيخ بزريعته إلى أجل يكون فيه من الزريعة بطيخ، لا
تبالي أيها أخرت، البطيخ أو زريعته. قال عنه محمد بن خالد: لا بأس بكراث
نقدًا بحب الكراث إلى أجل، ولا خير في حب الكراث نقدًا بكراث إلى أجل، ولا
بأس بحب الكراث بمثله متفاضلاً، يدًا بيد، وبيعه قبل قبضه.
قال عيسى: قال ابن القاسم: ولا بأس بالقصب بالسكر.
جامع ما ينبغي في السلم من صفة وأجل
وتعجيل نقد وغيره ووجوه ما يجوز منه وما لا يجوز
من كتاب ابن المواز، قال مالك: ولا بد من صفة معلومة في السلم، وأجل معلوم.
قال مالك: فإن وصف القمح في السلم، ولم يذكر سمراء من بيضاء، فإن كان بمصر،
فهو على البيضاء، وبالشام على السمراء، وإن كان بالحجاز، لم يجز حتى يسمى
سمراء من محمولة.
وقال مالك أيضًا: في مصر لا يجوز حتى يسمى سمراء وبيضاء مع الصفة. محمد:
وهذا أحب إلينا. وقاله ابن عبد الحكم، إنه يفسخ. وقال أصبغ: لا يفسخ إن
نزل، والبيضاء قمح مصر الغالب فيها، ولا يكاد يكون بها السمراء إلا ما
أصابته عاهة. قال ابن حبيب: ذلك جائز في كل بلد إذا سُمي
[6/ 62]
(6/62)
جيدًا أو وسطًا، إلا بالحجاز بالمدينة
ومكة، فلا يجوز حتى يسمى سمراء أو بيضاء، لاجتماع الصنفين هناك، تحمل إليهم
البيضاء من مصر، والمحمولة من الشام، فإن ذكر هناك سمراء أو بيضاء، أو لم
يذكر الصفة، لم أبلغ به الفسخ، وله وسط مما سمى، وأما البلد الذي ليس فيه
الصنفان، وإن كان في ذلك البلد من قمحه يجتمع أسمر وأبيض، وينبت فيه
مختلطًا، فيجربه أن يصف، فيقول: جيدًا نقيًا، أو وسطًا نقيًا، أو معلوثًا
وسطًا، فإن لم يضف النقاء والفلث وسمى جيدًا أو سطًا أجزأه، ويجمع بالوسط
يكون في جودته ونقائه، وإن سميا نقيًا، أو معلوثًا، ولم يذكر الوسط أو
الجودة، لم يجز، وإن سمى سمراء أو بيضاء في موضع الصنفين، فلا حتى يذكر
الجودة أو الوسط.
(ع) أراه يعني في موضع ينبت فيه الصنفان لا في موضع يحمل إليه قال وكذلك من
أسلم في قمح، وسكت عن الصفة، فيفسخ هذا كله، وإذا شرط جيدًا، فله الجيد
المعروف العام، ليس له الخاص حتى يشترطه، وكذلك إن ذكر وسطًا، فله الوسط
العام في الحب والنقاء، وكذلك في الشعير، وإن لم يذكر فيه أبيض من أصفر،
وذكر جيدًا وسطًا أو معلوثًا وسطًا، أجزأه، وإن ذكر مع ذلك أبيض أو أصفر،
كان أحسن، فإن لم يذكر جيدًا أو وسطًا، لم يجز.
وكان ابن القاسم لا يجزئ عنده ذكر جيدًا أو وسطًا، حتى يذكر النقاء، وسمراء
أو بيضاء يعني بالحجاز، وأبيض أو أصفر في الشعير، وإلا فسخه، والأول قول من
أرضى من أصحاب مالك، وقاله أشهب وأصبغ.
[6/ 63]
(6/63)
ومن العتبية روى أبو زيد، عن ابن القاسم،
فيمن ابتاع من رجل مائة إردب قمح إلى الحصاد، ولم يسم قديمًا ولا جديدًا،
فأراد أن يعطيه عند الحصاد قمحًا قديمًا، قال: إذا كان على ضفته، فلا بأس
به. يريد: يلزمه قبضه وإن أبى.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ومن أسلم في زيت، فلم يذكر جيدًا من رديء،
ولكن ذكر أصله، فإن كان تختلف صفته عند الناس، لم يجز، قيل لابن القاسم:
أيأخذ من غيره، ويطبع عليه حتى يأخذ صفته؟ قال: لا يصلح. قال أصبغ: إذا كان
مضمونًا لم يصلح ذلك فيه، وإن كان بعينه غائبًا، فجائز ما لم يشترط خلف
مثله. ومن الواضحة، قال: وليذكر في الزيت مع ذكر الصفة زيت الماء، وزيت
المعصرة، وإن كان يجتمع في ذلك البلد زيت بلدان، ذكر من أي بلد، ويذكر
جيدًا أو رديئًا أو وسطًا، وإلا لم يجز، وكذلك السمن بصفة بقري أو غنمي،
وجيدًا أو وسطًا أو رديئًا، وإلا لم يجز، ويصف بذلك العسل، مع ذكر خاثر أو
رقيق، وإلا فسخ، وإن كان في البلد عسل بلدان شتى، فليذكر عسل أي بلد، وإلا
لم يحتج إلى ذلك.
ولا يجزئه في التمر ذكر جيد أو رديء؛ لكثرة أجناسه، فلا بد أن يسمي الجنس،
ثم يذكر جيدًا أو رديئًا أو وسطًا، وإلا لم يجز، وكذلك في التين اليابس
بالأندلس؛ لأنه أجناس، وليذكر معه منثورًا أو مكتلاً أو محملاً، فإن وقع
على غير ذلك، فسخ.
وأما الزبيب، فلا يعرف عندنا بأجناسه، لكن ببلدانه، فيحتاج بقرطبة أن يذكر
من أي بلد هو، وأن يقول: أحمر أو أسود، شمسي أو دخاني. ويذكر جيدًا أو
وسطًا. وأما بغير قرطبة، فيستغنى عن ذكر البلد؛ لأنه إنما يصف زبيب البلد
الذي أسلم فيه، وما وقع فيه على غير هذا فسخ.
[6/ 64]
(6/64)
ولا بد في الجوز من ذكر جيد أو وسط، ويذكر
مع ذلك، صغيرًا أو كبيرًا، أو رقيق البشرة أو غليظها، ويسلم فيه عددًا أو
كيلاً، وما وقع فيه على غير هذا فسخ. ولا يسلم في غير الجوز من يابس
الفاكهة على العدد لصغره، وليذكر جيدًا أو رديئًا أو وسطًا، ويسلم في
التفاح، والرمان، والسفرجل، عددًا، أو كيلاً ولا يجوز وزنًا، ويذكر مقداره
وأجناسه، وجيدًا أو وسطًا أو رديئًا، ولا يسلم في البيض على كيل أو وزن،
لكن عددًا، ويذكر القدر من صغير أو كبير أو وسط، ويسلم في البطيخ والقثاء
وشبهه، عددًا أو وزنًا، أو أحمالاً مع الصفة، وأن يؤخذ في إبانه، وليذكر في
اللحم، الجنس والسمانة، ويجزئه قوله: سمينًا. ويكون له السمن المعروف عند
الناس لا الخاص. وإن قال: وسطًا من السمانة فحسن، وإن لم يذكر من أين يأخذ،
من جنب أو فخذ، فجائز، وإن ذكره، فحسن. وذكر مثله في كتاب ابن المواز، قال:
وهذا رأي أهل العراق، وذلك باطل، ولكن يذكر السمانة والنحر، وضأنًا أو
معزًا. قال أصبغ: وإن ذكر وسطًا من السمانة، فحسن، وإن قال: سمينًا، فجائز،
وله السمن المعروف، كقوله في الطعام: جيدًا. فله الجيد المعروف العام، وإن
أعطى في اللحم من البطن، لزمه إذا كان بقدر، وقد عرف الناس وجوه ذلك كله،
وكأنه رأى أن يعطي بقدر البطن من لحم الشاة.
ومن الواضحة: وإن أسلم في الحيتان، ولذلك إبان، فليشترط أخذه في الإبان،
ويذكر الجنس والقدر، من صغر أو كبر، مع ذكر الوزن.
وكذلك السلم في الدجاج الحية والمذبوحة، ويذكر السمن والهزال، والصغر
والكبر. وكذلك الإوز والحمام، ويذكر العدد في الأحياء، ويذكر في سائر الطير
مثل ما ذكرنا.
ومن كتاب محمد: ولا يسلم في فداين بقل أو قرظ أو قصب، وإن وصف طولها
وعرضها، وجودتها ورداءتها، وغزرها وخفتها. قال في الواضحة: إذ لا يحاط
بذلك، وكذلك القصيل، ولا ينبغي في ذلك كله إلا على أحمال،
[6/ 65]
(6/65)
أو حزم، وصفة معلومة. قال ابن المواز: وقال
أشهب: ذلك جائز كله، ومن لم يجزه؛ لأن الجيد منه مختلف، والوسط مختلف، لزمه
ذلك في الحبوب، ولا مقال له في ذلك.
ومن الواضحة: ولا يكون السلم إلا إلى أجل معلوم. وكره الأجل القريب،
كالثلاثة أيام، أو خمسة، وأجازه ابن المسيب، وإن نزل لم أفسخه.
ومن كتاب محمد: قال مالك: ولا خير في السلم إلى يوم أو يومين، كان في طعام
أو ثياب أو حيوان. قال ابن القاسم: وكرهه ابن المسيب، وربيعة، والليث. قال
محمد: فإن نزل، فلو فسخ كان أحب إلي، ولم أصرح به لاختلاف قول مالك فيه.
وروى عنه ابن القاسم، وابن وهب، في السلم في الطعام، قال عنه ابن وهب: وفي
الثياب والحيوان إلى يومين أو ثلاثة: إنه جائز. قال عنه ابن وهب: وغيره
أحسن منه. وقال أصبغ: إن نزل، لم أفسخه، وليس بمكروه بين. وقال مالك في
حناط أعطى على أربعة آصع، على أن يعطي مدًا كل يوم، قال: لا بأس به. وكذلك
في العتبية. محمد: وقال ابن عبد الحكم: بُعدُ الأجل في السلم أحب إلينا من
اليوم واليومين، وكل لا بأس به. قال محمد: ولو كان على أن يوفيه ذلك بقرية
أخرى لجاز، وإن كان حالاً لاختلاف سعر البلدين، فلم يقصد الخطر.
وقال مالك فيمن أسلم في طعام حالاً: يؤخذ بالريف، مسيرة يومين أو أكثر.
قال ابن القاسم: البلدان آجال، لا بأس أن يسلم إليه فيه، على أن يوفيه إياه
بموضع كذا، غير بلد التبايع.
قال أصبغ: يريد وإن قرب الأجل، يومًا أو يومين، أو حالاً لا أجل فيه إلا
قبضه بالبلد الآخر، فذلك كالأجل البعيد ببلد التبايع.
[6/ 66]
(6/66)
ومن سلف، ولم يذكر موضع القضاء، لم يضره
ذلك، وهذا مما لا يحتاج إلى ذكره وليوفه بموضع التبايع في سوق تلك السلعة،
فإن لم يكن لها سوق، فحيث ما وفاه من البلد أجزأه. وقال سحنون: يوفيه ذلك
بداره إن لم يكن لها سوق.
ومن العتبية من سماع ابن القاسم: ومن أسلم في طعام إلى أجل يوفيه إياه، على
أن على البائع حملانه من الريف إلى الفسطاط، فذلك جائز.
قال عيسى عن ابن القاسم: وإذا أسلم فيه على أن يوفيه إياه بموضع سماه، ثم
أعطاه دينارًا يتكارى به عليه إلى موضع آخر، فإن كان يقبضه منه بموضع شرط،
ثم يتكارى له عليه إلى موضع، فجائز؛ لأنه يصير بعد في ضمان المبتاع، وإن لم
يقبضه منه بموضع شرط، لم يجز.
روى سحنون، عن ابن القاسم، فيمن أسلم في مائة دينار، في مائة إردب قمحًا،
ومائة كبش موصوفة، يأخذ كل يوم إردبًا أو كبشًا، فذلك جائز. وقاله مالك في
الحنطة، قال: وإن أسلم فيها إلى خمسة أيام، يأخذها، قال: إن وقع لم أفسخه
وأنا أتقيه. قال: وإن مرض المسلم إليه أو أفلس، فذلك ضامن عليه، وإن كان
رأس المال في هذا إلى أجل، ولم يقدموه، فلا بأس به، وليس من الدين بالدين.
قال: وإذا مرض الجزار، أو مات، أو أفلس، فبخلاف ذلك، فإن مرض مرضًا بينًا،
أو جاء عذر بيِّن، فسخ ما بقي. وقال غيره: لا يجوز في مسائلك في الطعام
والغنم، إلا لمن كان ذلك عنده، وإلا فلا خير فيه.
محمد: قال مالك: وكل ما أسلمت فيه إلى أجل، يحتاج فيه إلى ذلك الشيء،
فأخلفك عن وقته، فليس لك فسخ البيع، وكذلك الضحايا يخلفك فيها
[6/ 67]
(6/67)
حتى تزول أيام النحر، وكذلك الراء كله، إلا
كراء الحاج وحده، إذ إن زالت أيام الحج، ولم يأت المكتري إلى السلطان
يكتري، له فسخ ما بينهما.
وقال في كتاب ابن المواز: من البيوع: وإذا باع على أن يوفيه حقه بأفريقية،
ولم يضرب أجلاً، ولعله على خروج، وقد عرف مبلغه ومسيره، أو أسلم إليه على
هذا، فأما السلم فأكرهه، ولا أفسخه، وأضرب له أجلاً قدر مسيرة، وأجازه أشهب
بدءًا، وأما البيع فمنقوض - يريد في قوله: يوفيه بإفريقية: أنه ببلد منها
قد عرفاه.
قال ابن القاسم: ومن أسلم في قراطيس طولها عشرون ذراعًا، فقال المشتري:
يأخذ بذراعي. وقال البائع: بل بذراعي، فليحملا على ذراع وسط. وكذلك روى
أصبغ، عن ابن القاسم في العتبية. قال أصبغ: هذا حسن، والقياس: الفسخ.
ومن كتاب محمد: ولا بأس أن يسلم إلى أهل الصناعات، وليس ذلك عندهم. قال
مالك: والسلم إلى الحائك في الثياب هو وغيره سواء، إذا كان بصفة معلومة،
جاز.
وأجاز ابن القاسم في مسألة سلم الحمير في صغار البغال، قال: إن كان إلى مثل
خمسة أيام، فجائز. قال مالك: ومن أسلم في جز صوف، فسمى ما يأخذ من الفحول،
ومن الخصية والإناث، فلا يشتري حتى يقرب جزازه، وإن كان مضمونًا إلى أجل،
فليسم الوزن والصفة.
قال ابن القاسم: وإذا تأخر رأس مال السلم إلى محل الأجل، وهو عين، لم يجز.
ثم رجع فقال: لا يفسد السلم بذلك، إلا أن يشترط ذلك. وقاله أشهب. قال ابن
القاسم: وإن أسلم عشرة دنانير في سلعة، فنقد خمسة، وتأخرت خمسة إلى محل
الأجل، فليدفع خمسة، ويأخذ سلعته. قال ابن
[6/ 68]
(6/68)
القاسم: ما لم يكن بشرط في الصفقة، فإن لم
يكن بشرط، وطال التأخير بتعمد أو شغل، فالسلم تام. وقال ابن وهب: إن تعمد
الغيبة، فالسلم تام، وإن لم يتعمد، فسد السلم. قال ابن حبيب: نحو ما تقدم
أنه لا يفسد إلا بالشرط. وزاد: إذا مطله برأس المال، أو ببعضه والتوى به
حتى حل الأجل، فالبائع مخير، إن شاء أخذ منه بقية رأس المال، وأعطاع طعامه،
أو يعطيه حصة ما نقده فقط، إن كان نقده بعضًا، وإن لم يلتو المشتري بالثمن،
وإنما ذلك بسبب البائع، فالطعام كله لازم له، وليأخذ ما بقي له، وكذلك من
باع طعامًا بثمن مؤجل، فلم يقبض المشتري بعض الطعام حتى حل الأجل، فإن كان
البائع مطله به، لم يلزم المبتاع إلا ثمن ما قبض، وإن أمطله البائع، فلم
يقبض، فليؤد بقية الثمن، ويأخذ جميع الطعام.
قال ابن المواز: كره مالك ترك الطعام عند بائعه بثمن مؤجل. قال مالك في
العتبية: وإن اكتاله. قال محمد: ولا يفسخ بذلك. قال ابن القاسم: ولا يجوز
أن يتواضعا الثمن في البيع المضمون. يريد: حتى يقبض السلعة.
قال ابن حبيب: وأما السلم فيما يشرع في أخذه، ويتصل، مثل اللحم والرطب
والفاكهة، فيجوز تأخير الثمن إلى أجل بشرط، وإن كان بين القبض والعقد أجل،
لم يجز تأخير الثمن.
وفي باب السلم في ثمر حائط بعينه من هذا، وبقية القول فيه.
في الشراء نم ثمر حائط بعينه والسلم فيه
وشراء لبن غنم بأعيانها والسلم فيه
من كتاب محمد: وأجاز مالك الشراء من ثمر حائط بعينه بعد زهوه، ليأخذ ذلك
رطبًا، وإن ضرب للثمن أجلاً، وهو يشرع في أخذه إلى عشرة أيام أو
[6/ 69]
(6/69)
عشرين، واشترط أخذه تمرًا لم يجز، فإن نزل
وفات لم يرد، وكذلك في زرع قد أفرط، يأخذه حبًا يابسًا. قاله مالك. وكذلك
في الواضحة.
قال محمد: قال ابن وهب: كره مالك أن يسلم فيه وقد أرطب. قال: ولا يدري كيف
تأتي الثمرة. وقد تأتي أقل مما اشترى، وكرهه في رواية أشهب، فإذا زها، قال:
وقد تعاد الثمرة، ولا يدري كيف تأتي، وكذلك في زبيب كرم بعينه أو تين، وإن
وقع ذلك لم يرد. ومن البيوع ما لا يرد إذا وقع. قال أشهب: لا يرد، وإن كان
بسرًا.
وقال مالك: أكره السلم في ثمر حائط بعينه، وقد أزهى على أن يأخذه ثمرًا،
فإن وقع، لم يرد، وأما شراء ثمرته جزافًا بعد أن طابت ليتركها حتى تيبس،
فذلك جائز، بخلاف الكيل، ولا ينبغي أن يشتري ثمرة حائط على الكيل، على أن
يأخذه ثمرًا. وكره مالك شراء لبن شاة أو شاتين، أو الناقة جزافًا، واستخفه
على الكيل. قال مالك: وإنما يشتري منه على الكيل، أو يقدم فيه ما يعلم أنه
يجده مأمونًا، وإلا لم ينبغ، وأما جزافًا فلا، إلا في غنم لها عدد، ولكن إن
وقع، لم يفسخ، وإن كان ابن القاسم لا يجيزه. وقد قاله كله مالك.
قال أشهب عن مالك: ولا يسلم في لبنها إلا في إبانه، ويشترط كيلاً، لا يأخذه
قبل انقطاعه، ويشرع في الأخذ إلى أيام يسيرة. يريد: ويستثني ما يأخذ كل
يوم. وقاله ابن القاسم وغيره في موضع آخر. قال: وتكون الغنم حينئذ ملبنة،
لها عدد، ولا يصلح ذلك في الشاة والشاتين، والبقرة والناقة. قال أشهب: إلا
أن يشتري من ذلك يسيرًا على الكيل، مثل الربع وشبهه، مما الغالب أن ذلك منه
مأمون. وأجازه ابن القاسم في الشاة والشاتين على الكيل في الإبان، ويشرع
فيه. وروى أشهب عن مالك نحوه.
[6/ 70]
(6/70)
قال أبو زيد في العتبية، عن ابن القاسم:
إذا استوقن أنها تحلب مثل ما شرط، أخذه كل يوم. وروي عن مالك، أنه أجاز
شراء لبن شاة شهرًا، إذا كان شيئًا معروفًا. وروي عنه أنه كرهه. قال أصبغ:
فإن وقع، لم أفسخه، إذا كان في الإبان، وعرف حلابها، وفيها يومئذ لبن،
والغرر فيه وفي العدد سواء، وهو في الواحدة أثقل.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: من اكترى بقرة أو ناقة، للحرث أو للسقي
أشهرًا، ويشترط حلابها، فذلك جائز إن كان في الإبان، وعرف وجه حلابها.
قال أصبغ: لا أفسخه في الشراء والكراء، إلا أن لا يعرف وجه حلابها، فيفسخ.
ولا يصلح السلم في سمن غنم بأعيانها، ولا في جبنها، ولا في أقطها وزبدها،
كما لا يصلح شراء ما يخرج من لبن بعينه. قال أشهب: إلا في الجبن والحالوم،
فإني أستخفه؛ لأن وجه ذلك معروف، وإن بولغ في عمله أو يوتر عنه.
ومن العتبية روى أشهب، عن مالك في شراء لبن غنم شهرًا، أنه جائز، فإن ماتت
شاة، أو أصابها ما نقض لبنها، وضع عنه، وإن نقضت كما ينقض لبن الغنم فيما
عرف، لم يوضع لذلك شيء إذا نقص نقصان مثلها.
من سماع ابن القاسم: ومن اشترى من رجل ثمرة، على أنه إذا أدخلها بيته فهي
له كذا وكذا صاعًا بدينار، ولم ينقد شيئًا، فلا بأس بذلك.
[6/ 71]
(6/71)
في السلم في صوف غنم معينة أو في جلودها
أو في زيت أو دقيق من حب بعينه أو من حب أو بذر بعينه
أو عمل شيء من شيء بعينه أو عمل رجل بعينه
أو طحين شيء ببعض ما يخرج منه أو شراء ما يخرج منه
من كتاب محمد: وقال مالك في السلم في صوف غنم بأعيانها: إن كان في إبان
جزازها فجائز، وكذلك إن باعها واستثنى جزازها، فجائز في إبان جزازها، وإلا
فلا، وإن قل ما يسلم فيه من الصوف، ويجوز أن يتأخر الجزاز إلى عشرة أيام
وخمسة عشر.
قيل: أفيشتري جلود غنم أو بقر بأعيانها أحياء؟ قال مالك: إن كان ذلك، وكان
متقاربًا، فجائز، وإن جعله بالخيار حتى يفرغ منها وينظر إليها، فإن لم
ينقد، فجائز. قال عنه ابن القاسم: ما هو بحرام بيِّن، وما يعجبني. وقال ابن
القاسم: يفسخ، إلا أن يفوت الجلد، فلا يفسخ. قال مالك: وإن باعه الجلد، على
أنه إن سلم، فلا يعجبني، وإن لم ينقده، ولا بأس بالسلم في زيت زيلون بعينه،
أو جلجلان بعينه، على الكيل، وبالنقد فيه إن كان خروجه معروفًا مأمونًا،
كما يعرف حال القمح، يسلم في دقيقه، وإلا لم يجز النقد، وأما شراء زيته
جزافًا، فلا يجوز بحال، وكذلك لو باعه جلجلانه، وشرط كسبه، وكان باعه ما
يخرج منه.
وكذلك شراء زرع يابس بالتين، على أن على البائع تهذيبه، فأما قمح على أن
على البائع طحينه، فكرهه مالك، ثم أجازه واستخفه ابن القاسم.
قال مالك: ولا يشترى زيت هذا الحب جزافًا، ولا بأس به على الكيل.
[6/ 72]
(6/72)
قال مالك: وليس حب الفجل بزيته، واللبان
بالسليخة مثل الدقيق بالحنطة؛ لأن الدقيق قد عرف كيف يأتي. قال مالك: ولا
بأس بالسمراء من حب زرع بعينه يابس على الكيل، وهو يتهذب إلى خمسة عشر
يومًا، وينقد الثمن، وكذلك من طعام في سفينة حتى يفرغ، ولو ترك النقد في
طعام السفينة، كان أحب إليَّ.
قال مالك: ويجوز شراؤه وهو زرع جزافًا أو كيلاً، ما لم يشترط في الجزاف
تهذيبه، ولو كان أندرًا أو جريشًا م يجز شراء حبه جزافًا، ويجوز على الكيل
إن كان في الأندر وفاء مما شرط، ولا يجوز طحين قمح بشيء من دقيقه ولا من
نخالته، ولا بدقيق عن حب غيره بعينه، ولا طحينه بنخالته، وكذلك الزيت في
عصر الزيتون، وشراء ذلك جائز، ولا خير في بيع خل من هذا التمر بعينه، أو من
عنب، أو من زبيب بعينه، ولا بيع ثمر، ويشترط منه خلا، ولا خير في السلم في
طوب مطبوخ من هذا الطين، أو من هذا الطوب النيء، ولا في تودة من هذه
الحجارة.
وإن ابتاع ثوبًا بقي من نسيجه ذراع، على أن يتمه له، لم يجز. قال ابن
القاسم: إلا أن يبقى مثل الأصبعين، ولا بأس أن يشتري منه تور نحاس، على أن
يعمله له إذا أراه بنحاس ووصف ما يعمل، وكذلك ظهارة على أن يعملها له
قلنسوة، والحذاء، على أن يجذى له، والثوب، على أن يخيطه له، ويشرع في ذلك.
قال: ويجوز له أن يبيعه قبل قبضه. قال محمد: بل لا يصلح بيعه قبل قبضه؛
لأنه شيء بعينه لا يصلح الضمان فيه. قال: وفرق بين الثوب يشتريه، على أن
يتم له نسيجه، والتور النحاس يعمله له: أن النحاس إن جاء خلاف ما شرط،
كسرة، فأعاده له، والثوب لا يمكن ذلك فيه، ولا يدري كيف يجيبه، ولا يجوز أن
يسلم في عمل رجل بعينه، أو عمل شيء من شيء بعينه، مثل نحاس يصنعه قمقمًا،
أو ظهارة قلنسوة، ويضرب فيه أجلاً، يكون عليه مضمونًا، ولا يصلح،
[6/ 73]
(6/73)
نقده أو لم ينقده، إلا أن لا يكون مضمونًا
ويشرع في العمل، أو في مثل يسير الأيام، وإلا لم يجز، إلا أن يسلم إليه
سلمًا مضمونًا، لا يشترط عمل أحد بعينه، ولا من شيء بعينه، وينقده إلى يوم
أو يومين، ويضرب للعمل أجلاً قريبًا أو بعيدًا، فذلك جائز، وكره أشهب شراء
الثوب، على أن على البائع قصارته وأجازه في الخياطة.
ذكر ما يجوز فيه بيع الجزاف وما لا يجوز
ومن اشترى من صبرة باعها شيئًا
من كتاب ابن المواز، قال مالك: لا يباع جزافًا إلا ما يكال ويوزن، فلا بأس
ببيعه جزافًا، إلا في الدنانير والدراهم والفلوس، وكبار الحيتان، ولا يباع
ما كثر من الدقيق والثياب جزافًا. قال: وما عرف كيله أو وزنه، فلا يباع
جزافًا، فإن باعه وهو يعلم كيله، فالمبتاع مخير في رده أو حبسه. قال مالك
في كتاب ابن المواز، وابن حبيب: ولو قال البائع: إني أعرف كيله، فيقول
المبتاع: رضيت أخذه جزافًا بكذا، فلا يجوز، وقاله مالك.
قال ابن حبيب: قال ابن المسيب: إذا علمت كيل طعامك، ثم اكتلت منه صدرًا،
فلا تبع ما بقي جزافًا. قال ابن حبيب: وذلك إذا عرفت قدر ما بقي في
التقدير، فأما إن جهلته لكثرة ما اكتلت منه، فذلك جائز.
وفي العتبية من سماع ابن القاسم، فيمن ابتاع طعامًا كيلاً، فأقام عنده، أو
حمله إلى بلد، أو باع بعضه، أيبيع باقيه جزافًا، ولا يدري ما حدث فيه من
نقص أو سرقة؟ قال: فلا ينتغى ذلك، إلا أن يخرج منه كيلاً كثيرًا وينساه، أو
جزافًا كثيرًا، ولا يدري ما بقي منه، فله بيع باقيته جزافًا، فأما أن يخرج
إردبًا أو إردبين، ثم ينسى مبلغه، أو يخرج قدر ذلك جزافًا، فلا يبيع ما بقي
جزافًا حتى يتبين، وهو كمن يعلم كيل الصبرة، لقلة ما خرج منها.
[6/ 74]
(6/74)
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: لا يجوز أن
يباع ما يعلم أحد المتبايعين عدده من جميع الأشياء، لا قثاء ولا غيره، وهو
كالعيب يرد به إن شاء. قال ابن حبيب: لا يباع ما يعرف أحدهما عدده أو وزنه
أو كيله جزافًا، إلا في القثاء والبطيخ والأثرج، وما تختلف مقاديره، فلا
بأس بذلك - يريد ابن حبيب: لأن العدد لا يؤدي فيه إلى تعريف اختلاف
مقاديره.
ومن العتبية، ابن القاسم، عن مالك: ولا تباع كبار الحيتان جزافًا في أحمال
ولا صبر حتى تعد. ويباع صغار الحيتان جزافًا، مثل صغار الخشب، فأما إذا صار
صغار الحيتان في ظروف، فلا يعرف عدد الظروف، بخلاف البطيخ والقثاء في
أحماله، وإن كان عظيمًا، ولا بأس بشرائهما مصبرين.
قال مالك في كتاب ابن المواز: ولا بأس ببيع القمح في غرائره، والزيت في
زقاقه جزافًا. قال محمد: يعد العلم بعدد الغرائر الزقاق، وكذلك المسك في
جماجمه، وبعد أن تريه من ذلك شيئًا.
قال ابن القاسم، عن مالك في العتبية، وكتاب ابن المواز: ولا يباع القمح في
أندره جزافًا قبل يدرس.
قال يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم: ولا بأس ببيع صغير الخشب، أو صغير
الحيتان جزافًا، ولا يجوز في كبيرها إلا العدد، فإن صار صغارها في ظروف،
كقلال الصبر في سفينة أو في بيت فلا يجوز إلا عددًا.
ومن الواضحة، وكتاب ابن المواز: ولا يجوز بيع ما يعد عددًا جزافًا، من
الدقيق، والثياب، والحيوان، والبزور، وسائر العروض التي لا تكال ولا توزن،
وقد يكون شيئًا مما يباع عددًا يباع جزافًا، كالجوز، والبيض، ورطب الفاكهة
من الرمان، والفرسك، والقثاء، والتين، والموز، والأترنج، والبطيخ، وصغار
الحيتان.
[6/ 75]
(6/75)
قال ابن القاسم في كتاب ابن المواز: وإنما
ذلك في كل شيء له بال منه، وكذلك صغار العصافير، وأما كبار الحيتان والطير،
فلا.
قال ابن حبيب: وإنما ذلك فيما يشق عدده مما صغر وكبر مما ذكرنا فما يشق
عدده، وأما ما عظم مما سمينا، مثل الأترنج وشبهه مما حزر وحدد مما إذا نظره
الناظر أحاط بعدده أو بجله، فلا يباع جزافًا حتى يكثر جدًا، ويعمى أمره،
ومن ذلك البطيخ، والطير المذبوح، وكبار الحيتان، وضبه ذلك. وأما الطير حيًا
في الأقفاص، فلا يباع جزافًا، قل أو كثر، حتى يعد؛ لأنه يمرح ويلوذ، ويدخل
بعضه في بعض، فيعمى أمره.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: ولا بأس ببيع برج الحمام بما فيه جزافًا،
ولا أعرف شراءه أجلاً مسمى. قال ابن القاسم: إذا باع جميع ما فيه، أو باعه
بما فيه، ونظر إليه، فجائز، وإن لم يعرف عدده. قال أصبغ: وبعد أن يحيط به
بصره وحزره، فرب كبير قليل العمارة، وصغير عامر. وكذلك في العتبية، وقاله
أصبغ، عن ابن القاسم.
ومن كتاب ابن المواز، قال: وما علمت في شيء يباع وزنًا، يجوز بيعه كيلاً.
قال ابن القاسم: ولا يباع القمح بوزن، إلا أن يكون عرف وجه وزنه، ولا
بمكيال غير جار، إلا بموضع لا مكيال فيه من الصحارى، وكذلك سائر الحبوب،
ولا يبدل المكيل منها وزنًا بوزن. قال مالك: وما يعد أو يوزن فلا يباع بعضه
ببعضه كيلاً، مثل الدنانير والدراهم والفلوس، ولا ينبغي في الفلوس جزاف،
ولا كيل، ولا وزن، ولكنه عدد. قيل لمالك: فما يكثر عليهم كيله مما ابتاعه
على الكيل، ومن تمر، أو زبيب، أو دقيق، أو بصل، فيكيل وسقًا، فيزنه، فيعلم
ما فيه ثم يأخذه وزنًا؟ قال: إن لم يحتلف، فلا بأس به. ورواه ابن وهب وأشهب
عن مالك.
[6/ 76]
(6/76)
قيل له: إنا نبتاع العصفر وزنًا، وقد نهى
صاحب السوق أن يباع إلا كيلاً؟ قال: إنما كان يباع كيلاً، وهو الصواب.
قال ابن القاسم: ومن ابتاع غرارة مملوءة طعامًا جزافًا بدينار، فذلك جائز،
فإن قال: فرغها، واملأها لي بدينار. لم يجز، وكذلك الصبرة يقول: أعطني بقدر
كيلها بكذا وكذا. ولا يعرف كم كيلها. قال ابن حبيب: وكذلك قارورة مملوءة
دهنًا، يجوز أن يشتريها جزافًا، ولا يجوز أن يقول: املأها لي من هذا الدهن
بكذا.
ومن العتبية روى أبو زيد أنه كره بيع التمر عددًا. قال: وكره مالك بيع
الرطب عددًا وأراه مثل التمر.
وقال ابن وهب: إذا أحاط بصره به، صغيره وكبيره، فلا بأس به. قال ابن
القاسم: لا بأس به في اليسير، مما لا يمكن فيه الكيل، وعن هذه النعال
السبتية التي يجعل فيها الخفاف، تشترى جلودها موازنة، قال: لا يجوز ذلك.
ولو جاز هذا، جاز بيع الثياب موازنة.
ومن كتاب ابن المواز: ولا يسلم بمكيال قد أبطل. قال أشهب: إلا أن يعرف قدره
من المحدث الجاري. قال مالك: ومن ابتاع بمكيال، ثم زيد فيه، كان كيلهم
التطفيف، ثم صار بالتصبير، فله بالمكيال القديم.
قال مالك: ومن باع ويبة وحفنة، فليسم أي حفنة، وأرجو أن يكون خفيفًا. وقال:
هو جائز بموضع لا مكيال فيه، والمكيال أحب إليَّ، وقيل: هو جائز كمن باع
بذراع لم يسمه، فله وسط من ذلك وكذلك الحفنة. محمد: والحفنة أشد منه. وكره
سحنون الحفنة.
[6/ 77]
(6/77)
ومن العتبية، روى عيسى، عن ابن القاسم،
فيمن اشترى مكتلاً مملوءًا طعامًا بدينار، ثم قال: فرغه واملأه لي ثانية
بدينار، فإن كان بموضع مكيال لم أحبه، وكذلك لو جاء بغرارة يملؤها له
بدينار، وقاله مالك.
قال أبو زيد، عن ابن القاسم: وإن وجد عنده سلا مملوءًا تينًا، وقال: أنا
آخذه منك، وأملؤه ثانية من التبن بدرهم، فهو خفيف، بخلاف غرارة القمح، ألا
تراه لا يسلم في غرائر قمح، ويجوز أن يسلم في سلال تبن.
وقال سحنون فيمن باع ثلاثة أحمال زبيب، وقال للمبتاع: إن فيها ثمانية أرطال
تين أستثنيها. فقبض المبتاع الأحمال، فوجد فيها أحد عشر رطلاً من التين،
فلينظروا إلى الثلاثة الأرطال الزائدة في التين، كم هي من الزبيب بعد طرح
الثمانية أرطال سدسها أو ثلثها، فيوضع قدرها عن المبتاع من الثمن.
ومن كتاب ابن المواز، وابن حبيب - وهي في العتبية، من رواية عيسى، عن ابن
القاسم: وإذا أراد رجلان شراء صبرة جزافًا، فأبى أحدهما إلا كيلاً، فاشترى
خمسة أرادب بخمسة دنانير، الآخر ما بقي بخمسة، فإن كان المكيل منها قدر
الثلث فأدنى، جاز ذلك، وإلا لم يجز، وليست بشركة، وإنما باع من الأول خمسة،
وباع من الآخر ما بقي بعد كيل له أن يستثنيه. قال في العتبية: وليست
كالغنم، يكون له مائة فيبيع عشرة من خيارها، ثم يبيع باقيها من رجل، هذا لا
يجوز، مثل خيار الأول، ويجوز أن يستثني من الصبرة القليل. والضأن لا يدري
ما يبقى منها، والطعام صنف واحد، ليس لما يأخذ منه كيلاً فضل على ما بقي من
الجزاف. وقال مثله ابن حبيب في الصبرة، أو تمر النخلة يبيع منها من رجل
كيلاً، ومن آخر باقيها، فإن كان الكيل الذي باع يجوز استثناؤه لقلته، فذلك
جائز.
[6/ 78]
(6/78)
ومن العتبية، من سماع ابن القاسم: ومن باع
تمرًا جزافًا، ولم يقبض ثمنه، ثم ابتاع منه كيلاً، فإن كان أكثر من الثلث،
لم يجز، نقد أو لم ينقد، وإن اشترى إلى أجل، فلا يجوز أن يشتري منه دون
الثلث بنقد.
قال سحنون: ولا شيئًا منه بنقد. قال مالك: وإن تفرقا، فلا يجوز أن يشتري
منه أقل من الثلث بنقد، ولا بغير نقد، وإنما يجوز له أن يشتري منه أقل من
الثلث إذا لم يتفرقا بغير نقد.
ومن الواضحة: ومن الغرر بيع العنب وغيره من خضر الفواكه بالقمح موازنة، كما
لو قال: أعطني بوزن هذه الحجر قمحًا، أو عنبًا بكذا. وكذلك بيع العنب
والتين بشيء من الطعام كيلاً بكيل، أو كيلاً بكيلين، إن كان بقصعة أو بشيء
لا يعرف مقداره من الكيل الجاري، فلا ينبغي إلا بموضع ليس به مكيال جار.
في البيع على التصديق في الكيل والوزن
أو قال زن فما نقص أوفيتك
وفي إدخال الظرف في الوزن
من الواضحة: وقد استثقل القاسم بن محمد وغيره بيع الطعام على التصديق في
الكيل. وأجازه كثير من التابعين. قال مالك: وإنما كرهوه إذا بيع بالتأخير،
والذريعة فيه أبين.
ومن كتاب محمد، والواضحة: ومن ابتاع طعامًا سمي له كيله، أو كان حاضرًا
كيله، فهو أبدًا على الكيل حتى يشترط فيه التصديق، ولو ابتاعه على الكيل،
جاز أن يدعاه على التصديق، ثم لا رجوع للمشتري إلى الكيل بعد ذلك. وقاله
أصبغ.
[6/ 79]
(6/79)
ومن الواضحة: وإذا ابتاعه على التصديق،
فألفاه ناقصًا أكثر من نقص الكيل، مما لا يكون غلطًا ومعه بينة، لم يغب
عليه دونهم، فله الرجوع بحصة ذلك ثمنًا، فإن لم يجد بينة، حلف البائع، فإن
نكل حلف المبتاع، ورجع بما ذكرنا، وما بيع على التصديق مما يكال أو يوزن،
فهو كالطعام، ولا يجوز بيع طعام كيلاً أو جزافًا، بشيء من الطعام على
التصديق مما يجوز فيه التفاضل، ولا يجوز لأنه طعام بطعام غير ناجز؛ لأنه
يجيز كيله بعد التفرق، ومن ابتاع طعامًا على التصديق، فلا يبعه على الكيل،
ولا على التصديق قبل أن يكيله هو، أو يغيب عليه، ويدخله بيعه قبل قبضه، إذ
لا يتم فيه البيع إلا بكيله، أو الغيبة عليه. وقاله مالك، وابن كنانة في
المسألتين. وأجازه فيهما ابن القاسم، وابن الماجشون، وأصبغ.
ومن العتبية، ابن القاسم، عن مالك فيمن ابتاع زقًا فيه سمن بقمح جزافًا،
وزعم بائع الزق أن فيه عشرة أقساط، فكره مالك أن يأخذ بقول صاحبه. وأجازه
ابن القاسم. وأخذ سحنون فيه بقول مالك. وقاله المخزومي.
ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب: ومن اشترى صبرة، على أن فيها كيلاً مسمى،
فوجدها تزيد، فليرد الزيادة، ويلزمه البيع في الباقي.
واستخف مالك شراء الزيت والسمن في الزقاق وزنًا، ويدخل الزقاق في الوزن،
وربما يريد المبتاع حملها كذلك إلى بلد آخر، وذلك أن الناس عرفوا وجه ذلك،
ووزنها، والتفريغ. ووزن الظروف أصح، ولو علم أن القلال في التقارب كالزقاق
لأجزت ذلك، ولكن بعض الفخار أغلظ من بعض، فلا أحبه.
ومن كتاب ابن المواز، عن ابن القاسم، ومن العتبية، من رواية عيسى، عن ابن
القاسم: ومن لقي رجلاً في سفر، فابتاع منه دهنًا معه، ونقده الثمن، ودفع
إليه الدهن وقال له: وزنه كذا وكذا، فإن صدقه، فذلك جائز. وإن قال
[6/ 80]
(6/80)
له: زنه، وأنت مصدق، وما نقص فعلي، فإن كان
يزنه إلى قريب من موضع عقد البيع مثل الميل ونحوه، كان ما يزيده من عصير
الدهن الذي باعه فجائز، وإن كان يتأخر وزنه أيامًا، قال في كتاب محمد: أو
إلى بلد يبلغها، يريد: وهو عنده. وقال في العتبية: إلى غاية سفره، لم يجز؛
لأنه ضمنه، وضمن له نقصًا لا يدري مبلغه، نقده الثمن أو لم ينقده. قال ابن
القاسم: أإن كان ما يتم له من الدهن ليس من عصيره ولا من صفته، لم يجز، وإن
وزنه بحضرته وقربه؛ لأنه التزم نقصًا لا يدري مبلغه يوفيه من صنف غيره. قال
في كتاب محمد: وإن لم يقل: فما نقص عليَّ. ولكن قال: يحط بحسابه. وكان يزنه
عن قرب، وذلك جائز إذا شرط ذلك في أصل العقدة، أو جعلاه بعد العقدة، غير
أنه لا ينقده إلا قدر ما لا يشكان فيه، فذلك جائز، إذا كان الوزن قريبًا من
شروط النقد، ولو اتزنه بموضعه، وشرط ضمانه وحملانه على البائع إلى بلد آخر،
لم يجز وفسخ. قيل: فأين يرده على البائع بموضع الصفقة، أو بموضع القبض؟
قال: بموضع قبضه، فإن مات وكان مما يرد مثله، فليرد مثله هناك، وإن كان مما
يرجع إلى القيمة فيه، فقيمته حيث يقدر عليه ويحكم له. وقال ابن القاسم:
قيمته حيث قبضه منه. قال في العتبية: فإن وقع على أن يزنه ببلد آخر، فإنه
يفسخ، فإن فات الدهن، رد مثله بموضع قبضه، إن عرف مثله، وإلا فقيمته بموضع
قبضه. يريد: يأخذ منه تلك القيمة حيث ما لقيه.
في بيع كيل مع جزاف
وبيع صبرتين على سعر متفق أو مختلف
والبيع مع صبرة صفقة صفقة بعد صفقة على الكيل
من العتبية، من سماع ابن القاسم: ولا خير في شراء صبرة طعام جزافًا بمائة
دينار، على أن يعطيه من صبرة أخرى شعيرًا خمسين إردبًا بخمسين دينارًا.
[6/ 81]
(6/81)
قال عنه أشهب: ولا خير في شراء صبرة، كل
قفيز بدينار، على أن يزيده في الجملة ثلاثة أقفزة.
قال عيسى: قال ابن القاسم: ولا خير في صبرة قمح وعشرة أرادب شعير بدينار.
قاله مالك؛ لأنه خطار ولا يشترى شيء كيلاً مع جزاف من غيره. قال عنه أصبغ:
لا يباع كيل وجزاف من طعام واحد، أو من صنفين، وهو أشر، اتفق السعر أو
اختلف، ولا إن كان الكيل قليلاً، مثل إردب أو ويبة، فإني أكرهه، ولا يباع
جزاف كيلاً وعروض معه ما كان من شيء لا يباع مع الجزاف، وذلك إذا أخذ جميع
ما في الصبرة كيلاً مع العروض؛ لأنه لا يدري ما يبلغه. وكذلك في كتاب ابن
المواز عنه، وزاد: إلا أن يسمي ما يأخذ من الكيل. فأما أن يأخذ الصبرة كلها
كيلاً، ومع ذلك غيره، فلا يصلح ذلك، وكذلك لا يصلح عدد وجزاف على هذا.
قال أصبغ: أنا أقوله خوف الذريعة للمزابنة استحسانًا واتباعًا، وليس
بالبين، ولا أعلم من قاله قبله. وقد أجازه أشهب. قال أصبغ: قلت له: فطعام
واجد في الجودة، وهو صبرتان ابتاعهما في صفقة إيجابًا بسعرين، هذه ثلاثة
أرادب بدينار، وهذه إردبان بدينار؟ قال: لا خير فيه، إلا أن يسمي بكم من
دينار يأخذ من كل واحدة. قال أصبغ: وهذا إغراق، وأرجو أن يكون خفيفًا.
ومن العتبية، وكتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: ولا يباع طعامان مختلفان
على كيل متفق أو مختلف في صفقة، مثل قمح وتمر، ولا من جنس واحد، والصفة
مختلفة، مثل قمح وشعير، أو قمح جيد ورديء، اتفق الكيل أو اختلف، اتفق السعر
أو اختلف، إلا أن يسمي كم يأخذ من كل صبرة من دينار في ذلك كله. قال في
كتاب محمد: أو يشتريها جزافًا، فيجوز، اختلفا أو اختلف الثمن.
[6/ 82]
(6/82)
ومن كتاب محمد: ولا خير في أن يباع من شيء
واحد كيل وجزاف في صفقة، ولا من صنفين، هذا بكيل أو وزن، وهذا جزاف، كان
طعامًا أو أحدهما، أو كانا غير الطعام. قال مالك: ولا أن تشتري صبرة قمح
جزافًا بمائة، على أن يعطيه من صبرة أخرى شعيرًا كيلاً، لم يجز.
قال مالك: ولا يباع الدقيق والثياب جزافًا، ولا يباع دقيق وثياب في صفقة،
لا على جزاف ولا عدد، حتى يعلم عدد كل صنف، وإن سمى لكل رأس أو ثوب ثمنًا،
اتفق الثمن أو اختلف، ولا يصلح هذا أيضًا في سلعتين مختلفتين تشتريان في
صفقة، على أن تكون واحدة بوزن أو عدد، والأخرى جزافًا، ولا يشتري سلعتين
مختلفتين، على العدد قبل يعلم عدد كل صنف، كما لا يصلح بيع جاريتين بثمنين
مختلفين، يأخذ إحداهما، قد لزمته.
محمد: ومثل أن يبتاع كذلك، هذا كل ثوب بكذا، وهذه الغنم كل شاة بكذا،
استوجب جملتها قبل يعلم عددها، ولو اشترى منها مائة ثوب، أو اشترى مائة كبش
من الكباش بكذا، جاز ذلك إذا استوت، ولا بأس بشراء صبرتين من جنس واحد،
وهما صنف واحد جودة، وجنسًا كل قفيز بكذا بسعر واحد، وكيل واحد صفقة واحدة.
وقاله أصبغ. ومن كتاب محمد، قال: ولا يجوز ذلك إن اختلف السعر.
ومسألة بيع دراهم سود وبيض مختلطة بسعر متفق أو مختلف في اختصار الصرف.
ومن العتبية، روى أبو زيد، عن ابن القاسم، فيمن باع من رجل مائة فدان من
زرعه، كل فدان بدينارين، من ناحية منه عرفاها، وتم البيع، وواعده ليقيس له
في غد، ثم ابتاع منه في غد مائة أخرى، كل فدان بثلاثة دنانير قبل يقيس
الأولى، فقاس، فلم يجز في زرعه إلا مائة وسبعين فدانًا، قال: مائة منها
[6/ 83]
(6/83)
تحسب بدينار كل فدان، وما بقي حسبه، كل
فدان بثلاثة دنانير، ويصير النقصان في الصفقة الأخرى، وكذلك إن باع مائة
قفيز من قمح عنده بمائة دينار، ثم باع منه أو من غيره قبل الكيل مائة أخرى
بخمسين، فلم يوجد فيها مائتان، فيبدأ بالمائة الأولى، وما بقي فلصاحب
الثانية بسعرها، ولا يتحاصان فغي النقصان.
باب فيمن له قبل رجل صوف
فأخذ منه كباشًا مصوفة أو جززًا جزافًا
قال في العتبية: روى أبو زيد عن ابن القاسم فيمن له قبل رجل مائتا رطل صوف
قد حلت، وأخذ منه بها سبعة أكبش مصوفة، وسبعة مجزوزة، فإن عرف قدر ما على
المصوفة من الصوف، حتى لا يفوته التقدير إلا باليسير: رطل أو نحوه، فلا بأس
به، وإن كان لا يعرف، وفي جهله بذلك عبن كثير، فلا خير فيه. قيل: فإن أخذ
منه بصوفه جززًا من غير وزن، قال: إن تحرى ذلك حتى لا يزيد أو ينقص إلا
يسيرًا فلا بأس به، وإن لم يعلم إلا بتغابن كثير فلا خير فيه.
تم الكتاب بحمد الله وعونه
وصلى الله على محمد نبيه
[6/ 84]
(6/84)
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد وآله
الجزء الثاني مما يحل ويحرم من البيوع
ما ينهى عنه من بيع العينة
وما يتهم فيه أهلها وما أشبه هذا من بيوع النقود
ومن قال لرجل اشتر سلعة كذا وبعها مني بدين أو بنقد
من كتاب ابن المواز، قال محمد: ومن قول مالك وأصحابه: أنه إنما تكره العينة
في البيع إلى أجل، فأما في بيع النقود، فلا، إلا لمن عرف بالعينة المكروهة،
فإذا كانت البيعة الأولى إلى أجل، والثانية إما بنقد وإما إلى أجل فاتهم
فيها كل أد، فإن خرج ذلك إلى شيء مكروه، فلا نجزه، وإذا كانت البيعة الأولى
نقدًا، فلا يتهم في الثانية إلا أهل العينة خاصة.
قال أصبغ: وإذا كان أحدهما من أهل العينة، فاعمل على أنها جميعًا من أهلها.
ومن كتاب ابن المواز، والمجموعة: قال ابن القاسم: قال مالك: ومن باع سلعة
بثمن نقدًا، فقبضه، قال في كتاب ابن المواز: ثم ابتاعها منه بأكثر منه
نقدًا. وقال في المجموعة والواضحة ثم استقال منها بزيادة من البائع نقدًا
أو إلى أجل، قالوا عن مالك: فذلك جائز، إلا من أهل العينة. وقال في كتاب
ابن
[6/ 85]
(6/85)
المواز: فيتهمون أن يريد سلف عشرة بخمسة
عشر فيخاف من إظهار ذلك، فيقول: خذ سلعتي بعشرة، تنقد ثمنها، وأرد عليك -
إلى أيام - خمسة عشر، ولا يتهم بهذا غيرهم. قال أصبغ: وإن كان أحدهما يعرف
بها، حملا على أنهما من أهل العينة.
قال أشهب في المجموعة: وأما بأقل من الثمن، فلا تهمة فيه في بيع النقد بين
أهل العينة أو غيرهم.
ومن كتاب محمد، قال مالك: ومن باع سلعة بنقد، فانتقد، ثم ابتاعها البائع
بأكثر من الثمن إلى أجل، فلا أحبه مخافة العينة، إذا لم يكن بين ذلك طول
زمان، ولا تحول أسواق، أو تغيير السلعة، إلا أن تتبين براءته، مثل أن يسافر
عليها سفرًا بعيدًا، أو يلبس الثوب فيبليه فهذا جائز. محمد: وإن كانا من
أهل العينة، قال: وأما إن كان البيع الأول إلى أجل، والثاني بنقد، وقد
تغيرت هكذا، فمذكور في بيع الآجال.
قال ابن القاسم وأشهب: إذا باعها بنقد، جاز أن يبتاعها بأكثر إلى أجل قبل
أن ينقد، أو بعد أن نقد. محمد: يريد: ما لم يكونا من أهل العينة.
ومن كتاب محمد والمجموعة: قال ابن وهب، عن مالك، فيمن باع سلعة بدينارين
نقدًا، وانتقد دينارًا، ثم ابتاعها منه البائع بثلاثة دنانير، يقاصه
بدينار، ويبقي دينارين إلى أجل، فكرهه ورآه كمن أعطاه دينارًا في دينارين
إذا لم يتفاضلا حتى اشتراها منه. وكرهه ربيعة.
ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم، وأشهب: إذا ابتاعها على النقد، وهو
ليس من أهل العينة، جاز بيعه إياها بمثل الثمن فأقل وأكثر، وإن لم ينقده
أصلاً بنقد، وإلى أجل، كان طعامًا أو غيره إلا في طعام على كيل أو وزن،
وإلا فذلك جائز من صاحبها، وينقد صاحبها الثمن الأول، ولا يؤخر شيئًا منه
[6/ 86]
(6/86)
بشرط، فإن ذلك لا يصلح. وكذلك لو كان ثوبًا
في بيته بعينه، باعه على الصفة، وانتقد ثمنه. ثم ابتاعه من مشتريه قبل
يقبضه بأكثر من الثمن نقدًا أو إلى أجل، فجائز، إذا علم أن الثوب قائم في
الصفة الثانية، وهذا من بيوع النقود ويجوز إلا من أهل العينة، إلا أن يطول
الزمان بعد قبضها، وأما بيعها من غير صاحبها على ما وصفت لك، فجائز، إلا أن
يكون وعده أن يبتاعها له، فيكون استيجابها للآمر، وينقد المأمور من عنده،
ويدفعها المأمور إلى الآمر بأكثر من الثمن، فيصير من أهل العينة، وإن لم
يكونا كانا منهم، وصار قد أسلفه ذهبًا في أكثر منها.
قال ابن القاسم: ومن ابتاع دارًا بخمسين دينارًا نقدًا، فبنى فيها أشياء،
ثم باعها من البائع بأكثر من الثمن إلى أجل، فإن لم يكونا من أهل العينة،
فجائز. مالك: ومن سأل رجلاً أن يبيع منه شيئًا إلى أجل، فقال: ما عندي،
ولكن أشتريه لك. فيراوضه على الربح، ثم يبتاعه، ثم يبيعه منه إلى أجل. قال
مالك: هذه العينة المكروهة. وكذلك إن قال: ابتع لي سلعة كذا، وأربحك فيها
كذا إلى أجل كذا فهو مكروه. فكأنه دفع ذهبًا في أكثر منها. قال مالك: ولو
قال: ما عندي. فذهب عنه، ثم ابتاع هذا ذلك من أجله على غير موعد، ثم لقيه،
أو عاد إليه فباعه منه فلا بأس به إن لم يكن غير هذا. محمد: إذا لم يكن
وجوب، فأنا أكره المواعدة والعادة، وروى عنه ابن نافع في المجموعة كراهيته.
ومن كتاب محمد، قال مالك: وأكره أن يقول: ارجع إليَّ. أو يقول: أنا أشتريه
لك، فعد إليَّ. قيل لمالك: فإن قال: اشتره منه حتى أبتاعه منك بربح إلى
أجل، ولم يتراوضا على ربح - محمد: يريد ولا قطعًا سومًا - ثم عاد إليه،
فباعه منه إلى أجل، فهو مكروه، ولا أفسخه إن نزل.
[6/ 87]
(6/87)
ومن كتاب ابن حبيب، قيل: فإن راوضه على
الربح حتى يشتريها له، أو قال: اشتر سلعة كذا، وأنا أربحك فيها كذا. أو
قال: أربحك. ولم يسم الربح، فهذا كله لا يجوز، ولو انصرف عنه على غير موعد،
ثم اشترى شيئًا فباعه منه، فذلك سائغ، فإن كان فيه موعد، أو تعريض، أو
تصريح، مثل أن يقول: اشتر متاعه، وأشتريه منك. ولم يسميا الربح، فهذا يكره،
فإن نزل، لم يفسخ.
ومن كتاب ابن المواز: وإن قال: اشتر هذا الثوب بعشرة، وهو لي بأحد عشر. قال
مالك: يكره هذا، وليس من بيوع الناس. قال محمد: وإن كان بالنقد كله، وهما
حاضران، فجائز، وإن كان دخله تأخير، دخله الزيادة في السلف، فلا يجوز.
قال مالك: ولو قال: اشتره، ولك دينار، فذلك جائز، وضمانه من الآمر. محمد:
إن كان كله نقدًا، جاز، وإن دخله الأجل، فلا خير فيه، وإن نزل، فلس له إلا
رأس ماله وجعل مثله. ولا يفسخ، فات أو لم يفت.
قال أشهب فيمن قال لرجل: أعندك متاع كذا تبيعه مني إلى أجل؟ قال: نعم.
فباعه منه، ثم ذهب فاشتراه من السوق، قال: ليس عليه إلا الثمن الذي اشتراه
به. قال مالك: ومن راوض رجلاً أن يبدل منه جملاً ببكرين، فأبى رب الجمل،
فقال رجل لرب البكرين: زده، وهو لي بخمسة عشر. قال: إن كان نقدًا، فهو
خفيف، ولا خير فيه إلى أجل.
قال مالك: وإن قال: ابتع لي هذا الثوب، وأنا أبتاعه منك بربح كذا، فأما
بالنقد، فذلك جائز، وذلك جعل إذا استوجبه له، ولا خير فيه إلى أجل.
قال مالك: وإن قال: ابتعه لي، وأنا أبتاعه منك بنقد. أو لم يقل لي، قال: لا
يعجبني ذلك وكرهته. قال محمد: إن قال ابتعه لي فما ابتاعه به لزم
[6/ 88]
(6/88)
الآمر ولا يجوز له أن يلزمه نفسه بأقل
نقدًا، ولا بأكثر تأخيرًا، فإن دفع إليه العشرة ليدفع عنه الخمسة عشر إلى
أجل، ردت العشرة، وبقيت الخمسة عشر على الآمر إلى أجل.
ومن العتبية من سماع سحنون، من ابن القاسم، ومثله في الواضحة، قال مالك
فيمن قال لرجل: ابتع لي هذه السلعة بعشرة دراهم، وهي لي باثني عشر. فإن
استوجبها الآمر بالثمن نقدًا، فلا بأس به، والزيادة على العشرة جعل، قال
ابن القاسم: وذلك إن لم ينقد الثمن من عنده، أو نقده بغير شرط، فإن نقده
بشرط، رُدَّ إلى جُعل مثله بغير سلف، ما لم يكن أكثر من الدرهمين، كالبيع
والسلف، وإن قال اشترها لي إيجابًا على الآمر بعشرة، يريد ينقدها عنه
المأمور، على أن يكون على الآمر باثني عشر إلى أجل، ففعل، فهو زيادة في
السلف، فإن لم تفت السلعة، فسخ البيع، وإن فاتت، لزمت البائع بعشرة نقدًا،
وسقط ما زاد؛ لأنه ضمنها حين، قال: لي. وقال ابن حبيب: إذا وقع لزمت السلعة
الآمر، ويؤمر أن يقضيه العشرة المعجلة التي نقد عنه، ويعطى جعل مثله. قال
ابن حبيب: وإن قال اشترها لنفسك بعشرة نقدًا، وأنا أشتريها منك باثني عشر
نقدًا أو إلى أجل، لم يجز. فإن نزل، فسخ الشراء الثاني، لمواطأته على وجوب
بيعها قبل وجوبها للبائع، فدخلها بيع ما ليس عندك. قال: وإن قال: اشتره
لنفسك بخمسة عشر إلى أجل، على أنها لي بعشرة نقدًا، فالبيع الثاني حرام،
ويرد، فإن فاتت، ففيها القيمة يوم قبضها الثاني مما بلغت، كبيع حرام، ويرد،
فإن فاتت، ففيها القيمة يوم قبضها الثاني مما بلغت، كبيع كران؛ لأن وجوبها
كان للمأمور، ومنه ضمانها، وإنما فسخ للمواطأة كما ذكرنا. وهذا أحسن ما
سمعنا، وقد كان من ابن القاسم فيها وفي التي قبلها اختلاف.
[6/ 89]
(6/89)
قال ابن القاسم في العتبية: وإن قال:
اشترها لي بخمسة عشر إلى أجل، على أن أدفع إليك عشرة نقدًا، لم يجز، ولزمت
الآمر خمسة عشر إلى أجل، ولم يتعجل منه شيئًا. وإن قال: اشترها بعشرة
نقدًا، وأنا أشتريها منك باثني عشر إلى سنة، لزمه اثنا عشر إلى سنة؛ لأن
مبتاعها ضمنها قبل أن يبيعها منه. وقاله مالك، وأحب إليَّ أن يتورع عن
الزائد على العشرة، وأما في الحكم، فيقضى له باثني عشر. قال مالك: وإن قال
اشترها بخمسة عشر إلى أجل، وأنا أشتريها منك بعشرة، وأحب إليَّ أن لو رد
فيه الخمسة، فإن أبى لم أجزه؛ لأن المأمور ضمنها وابتاعها لنفسه، كما ألزم
مالك في المسألة الأولى البيع للآمر باثني عشر إلى أجل؛ لأن العقد كان
للمأمور.
وهذه المسائل كلها في المجموعة على ما في العتبية.
وقال في المجموعة ابن القاسم عن مالك: وإن قال: اشتر لي هذا المتاع، وأنا
أبتاعه منك بربح، يسميه إلى أجل، فهو مكروه. قال عن مالك: ومن قال لرجل:
اشتر الجمل بعشرين إلى أجل، وأنا أشتريه منك بخمسة وعشرين إلى أجل، فكرهه،
إلا أن يكون استجابة له، فلا بأس به إلى الأجل نفسه.
قال عنه ابن وهب: على أن أشتري منك بخمسة وعشرين، فأنركه، وقال: ليس بحسن.
[6/ 90]
(6/90)
فيمن باع سلعة بثمن مؤجل فتغيرت
هل يبتاعها بأقل منه نقدًا؟
ومن ابتاع من أهل العينة سلعة
ثم استوضع على أن ينقد بعض الثمن
أو أسلم في شيء ثم وهبه رأس المال
من كتاب محمد، قال مالك: ومن باع سلعة بثمن إلى أجل، ثم ابتاعها بأقل منه
نقدًا بعد أن سافر على الدابة سفرًا بعيدًا، فرجع وقد أنقصها أو دبرت، أو
لبس الثوب فأبلاه، فما كان مثل هذا فلا بأس به، وكذلك بالثمن إلى سنة
فجائز، وبأكثر منه نقدًا فجائز، إلا من أهل العينة. يريد محمد: والبيعة
الأولى بنقد. قال ابن القاسم، عن مالك في الدابة أو البعير يبتاعها بثمن
إلى أجل، فيسافر عليها المبتاع إلى مثل الحج، وبعيد السفر، فيأتي وقد
أنقصها، فيبتاعها منه بأقل من الثمن نقدًا، فلا يتهم في هذا أحد، ولا بأس
به. وقد روى عنه أشهب، قال: وإذا حدث بها عور أو قطع أو عرج، حتى يعلم
أنهما لم يعملا على فسخ، قال: لا يصلح هذا، ولا يؤتمن عليه أحد. وبرواية
أشهب أخذ سحنون في العتبية.
ومن المجموعة، ذكر رواية ابن القاسم، وأشهب، واختيار سحنون، قال: وقال ابن
القاسم: إذا عميت، أو قطعت يدها أو رجلها، أو جاء عيب يذهب بحل ثمنها، فذلك
جائز، كقول مالك في البعير الذي حج عليه، فأنقصه وأدبره.
ومن كتاب ابن المواز، قال محمد: قال مالك: ومن ابتاع طعامًا أو غيره بثمن
إلى أجل، وهو ممن يعين، ثم جاء يستوضعه، وشكا الوضيعة، فوضع له، فلا خير
فيه؛ لأن هذا في أهل العينة يتراوضون على ربح للعشرة اثني عشر، فإذا باعه
فنقص ذلك عن تقديرهما، حطه حتى يرجع إلى ما تراوضا عليه. وقد كرهه
[6/ 91]
(6/91)
ابن هرمز. قال مالك: ولو باعه - وهو ممن
يعين راوية زيت بعشرين، على أن ينقده عشرة، وعشرة إلى أجل، فلا خير فيه إن
كان مبتاعها يريد بيعها، وكأنه لم يرد بيع ما طلب هذا منه فقط، فيقول: خذها
فبع منها ما تنقدني، وذلك عشرة وباقيها لك بعشرة إلى أجل. وكرهه ربيعة
وغيره.
قال مالك: وكذلك لو نقده قبل يقبضها؛ لأنه من ثمنها ينقده؛ لأنه يجعل ما
باع به مكان ما نقد. قال في المجموعة: وهذا إذا كان أصله على العينة، وهو
يتسلف له ما ينقده، ويرده من ثمنها، وإن لم يكن البائع من أهل العينة، فلا
بأس بذلك كله.
قال في العتبية ابن القاسم عن مالك: وكذلك على أن ينقده من الثمن دينارًا
واحدًا، فهو مكروه.
وقال في الواضحة عن مالك: وهذا فيما يشتريه لبيعه لحاجته إلى ثمنه، فأما من
يشتري لحاجته من ثوب يلبسه ودابة يركبها، أو خادم يخدمه، فلا بأس بذلك كله.
قال في كتاب ابن المواز: ولو كان يريد أكل السلعة أو لبسها، لم يكن به بأس.
قال ابن القاسم: وكذلك في العروض والحيوان بيع على نقد بعض الثمن فلا خير
فيه. وقاله مالك في أهل العينة، ولا بأس به في غيرهم.
قال أصبغ من العتبية بإثر هذا: وكذلك قال أشهب فيمن باع داره بثمن إلى أجل،
وشرط أنها بيده رهنًا إلى ذلك الأجل، وذلك أنها تباع عند الأجل، فإن نقصت
عن الثمن، ضمن تمامه للمبتاع، وإن زادت أخذ الزيادة، فكأنه
[6/ 92]
(6/92)
ضمن النقص لتكون له الزيادة، فضارع القمار،
فإن وقع، فسخ، وإن بيعت، فالزيادة والنقصان لرب الدار، وعليه كمبتاع سلعة
على ألا نقصان عليه، فهو كالأجير.
ومن كتاب محمد: ومن أسلم عينًا، أو ما لا يعرف بعينه، من طعام أو عرض في
سلعة، ثم رد إليه رأس المال أو بعضه، وبقي السلم بحاله، فإن لم يفترقا فلا
بأس به، وإن تفرقا لم يصلح، حل الأجل أو لم يحل، ولو كان رأس المال مما
يعرف بعينه، جاز، وإن تغير عن حاله ما لم يكن ما أسلم فيه طعامًا.
فيمن باع سلعة بثمن مؤجل
ثم اشتراها من هو بسببه بأقل منه نقدًا
أو من كان جالسًا معهما ثم ابتاعها منه بائعها
من العتبية من سماع عيسى من ابن القاسم: ومن باع سلعة من رجل بثمن مؤجل، ثم
أمر البائع رجلاً أن يبتاع له سلعة بنقد دفعه إليه، فابتاعها له المأمور من
المشتري بأقل من الثمن الذي ابتاعها به، وقد علم المأمور أو لم يعلم، فإن
لم تفت السلعة، فسخ البيع، يريد: الثاني. وإن فاتت، فليس عليه إلا رأس
المال، وكذلك إن لم يعلم المبتاع الأول بوكالة المأمور.
ومن كتاب ابن المواز، قال مالك: وإذا كان من أهل العينة، فباع سلعة بثمن
إلى أجل، فقبضها المبتاع، فباعها من رجل معهما في المجلس، فابتاعها منه
بائعها مكانه، فهو كالمحلل بينهما، فلا خير فيه. قال: وقال ابن دينار: وهذا
مما يضرب عليه عندنا، ولا يختلف عندنا في كراهيته.
وإذا باع المقارض سلعة بثمن إلى أجل، جاز لرب المال سراؤها بأقل منه نقدًا.
[6/ 93]
(6/93)
ومن المجموعة: قال ابن القاسم: ومن باع
سلعة بعشرة إلى أجل، فاشتراها عبده المأذون بخمسة نقدًا، فإن كان يتجر بمال
السيد، لم يجز، وإن كان يتجر بماله نفسه، فجائز.
وقال أشهب: لا أحبه، وإن تجر بمال نفسه، للذريعة، وكذلك شراء سيده لما باعه
عبده المأذون، فإن وقع، لم أفسخه في الوجهين، وكذلك شراء الولد البالغ في
ولاية أبيه، ما باعه أبوه بدين إلى أجل بأقل منه نقدًا فلا أفسخه إن وقع،
ولكن إن اشتراها العبد أو الابن بمال البائع، أو اشتراها السيد لعبده الذي
باعها، فهذا يفسخ، وإن اشتراها بائعها لولده الصغير، أو لأجنبي وكله
يشتريها له، كرهته، فإن ترك، لم أفسخه إذا صح. قال مالك: ولا يلي بيعها
لمبتاعها منه يسأله ذلك. قال أشهب: لا خير فيه، فإن فعل وكان بيعًا صحيحًا
بعد قبض المبتاع لها، لم يفسخ، وإن كان قبل يقبضها فسخ، إلا أن يبيعها
بعشرة فأكثر نقدًا، فلا يفسخ. وقال ابن القاسم: هذا جائز.
باب فيمن باع سلعة بثمن إلى أجل
ثم اشتراها بأقل منه نقدًا وفاتت أو تعدى عليها
أو باعها تعديًا من آخر بأقل من الثمن نقدًا
أو أخذ من ثمن الطعام طعامًا
من المجموعة: قال سحنون: ومن باع سلعة بعشرة دنانير إلى أجل، ثم ابتاعها
بخمسة نقدًا، فإن لم تفت السلعة، ردت إلى المبتاع الأول، وصحت الصفقة
الأولى. قال غيره: يفسخ البيعان جميعًا، إلا أن يصح أنهما لم يتعاملا على
العينة، وإنما وجدها تباع فابتاعها بأقل من الثمن، فهذا يفسخ البيع الثاني،
ويصح الأول.
[6/ 94]
(6/94)
قال ابن المواز: انظر في بيوع الآجال إذا
باع سلعة بثمن إلى أجل، ثم اشتراها، فانظر من يبتدئ بإخراج ذهبه. فإن وجدت
المتأخر من أحد الثمنين أكثر بدرهم، أو ثوب، أو انتفاع، فلا خير فيه، وإن
كان أقل أو مثله، فلا بأس به، فإذا وقع المكروه، مثل أن يبتاعها بثمن
نقدًا، أقل مما باعها به إلى أجل، وفاتت بيد الذي رجعت إليه، لم يكن لمبتدئ
إخراج ذهبه إلا مثل ما دفع لا أكثر منه. فإن دفع كل واحد ذهبه، رجع إلى كل
واحد مثل ما دفع.
قال ابن عبدوس: قال غيره: إذا اشترى بخمسة نقدًا، ففاتت عنده، فلا يرد عليه
المشتري الأول إلا خمسة، ولو تعدى عليها البائع الأول بعد قبض المشتري لها،
فباعها، أو وهبها، أو أفسدها، قال: فعليه قيمتها، يأخذها منه المتعدى عليه،
وإن شاء الثمن الذي بيعت به إن بيعت، فإذا حل الأجل، رد الثمن الذي كان
ابتاعها به، بخلاف المسألة الأولى؛ لأنهما في الأولى تعاملا فاتهما، وفي
الآخرة لم يتعاملا على هذا، فلا يتهمان.
روى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم في العتبية فيمن باع سلعة بخمسة إلى أجل،
ثم تعدى فباعها من آخر بعشرة نقدًا، فالمبتاع الأول أحق بها، ما لم تفت،
فإن فاتت خير بين أخذ العشرة أو قيمة السلعة، فأي ذلك أخذ، لم يرد إذا حل
الأجل، إلا ما قبض، وليس عليه تعجيله قبل الأجل. قال سحنون: إلا أن يأخذ في
القيمة أكثر من خمسين، فلا يرد إلا خمسين. قال سحنون عن ابن القاسم: فإن لم
تفت السلعة، وشاء المشتري أخذ ما بيعت به، فذلك له. وذكر في فوتها كرواية
يحيى، إلا أنه قال: القياس أن يأخذ القيمة، ويغرم خمسين، ولكنهما يتهمان،
فلا يغرم إلا ما أخذه إلا أن يجاوز الخمسين. قال عنه سحنون: وإن باعها
بطعام نقدًا، أو أراد أخذ الطعام، فذلك له. وكذلك في المجموعة عن ابن
القاسم، وسحنون، مثل ما ذكر في العتبية عنهما، وزاد عن سحنون: وهذا
[6/ 95]
(6/95)
إن كانت القيمة أقل من الثمن، فتصير إقالة
من الثاني، ولا يكون لأحدهما على الآخر شيء. من المجموعة: روى ابن وهب، عن
مالك، فيمن باع طعامًا بثمن إلى أجل، وأخذ فيه بعد الأجل زيتًا. قال: يرد
الزيت، ويأخذ ثمن القمح. وذكر رواية ابن القاسم: إذا أخذ منه بدينار تمرًا،
وقد ذكرنا ذلك موعبًا في باب الأخذ من ثمن الطعام طعامًا.
فيمن باع سلعة بثمن إلى أجل
ثم اشتراها بدنانير نقدًا أو إلى أجل
أو بدنانير إلى أبعد منه أو إليه
من كتاب ابن المواز: ومن باع سلعة بعشرة إلى شهر، ثم ابتاعها بخمسة نقدًا،
أو بخمسة إلى شهرين، فهذا أجازه ابن القاسم. وكرهه عبد الملك، وإنما يدخله:
أسلفني وأسلفك. فليس في هذا عنده كبير تهمة ولا كراهية، وإنما التهمة في
الزيادة في السلف أو البيع والسلف، وكذلك بأربعة نقدًا، وستة إلى شهرين،
فأما بأربعة نقدًا، وبخمسة إلى شهرين، فلا يجوز؛ لأنه ينقد أربعة أو أقل،
ويأخذ في الأجل عشرة، خمسة في الأربعة أربى فيها بدينار، وخمسة يردها بعد
الأجل، فإن كانت بأربعة نقدًا، وسبعة إلى شهرين، لم يجز؛ لأنه ينقد أربعة،
ويأخذ في الأجل عشرة، أربعة قضاء لأربعة، وستة يرد فيها سبعة بعد الأجل.
ومن العتبية: روى عيسى، عن ابن القاسم، قال: فإن اشتراها بخمسة نقدًا، أو
ستة إلى ذلك الشهر، فذلك جائز، ويصير مقاصة بستة، ويأخذ أربعة من خمسة
نقدها. ومن المجموعة، قال ابن القاسم، وعبد الملك: ولو ابتاعها بعشرة إلى
شهر، وبعشرة أخرى إلى شهرين، فذلك جائز؛ لأن العشرة الأولى مقاصة، ورد
البائع العشرة باطلاً، وإن اشتراها بتسعة إلى شهر، وبدينار إلى
[6/ 96]
(6/96)
أبعد منه، فذلك جائز؛ لأنه إنما يأخذ عند
الأجل دينارًا، ثم يرده بعد ذلك، ولو اتهم أن يكون هذا سلفًا، لما انتفع به
من لباس الثوب؛ لاتهم إذا اشتراه بمثل الثمن إلى أبعد من الأجل، وهذا لا
تهمة فيه، وإن ابتاعها بستة فأكثر إلى تسعة نقدًا، وبخمسة إلى أبعد من
الأجل، لم يجز؛ لأن الستة ترجع إليه من العشرة، ويأخذ أربعة، فيرد فيها
خمسة. قالا: وإن ابتاعها بعشرة نقدًا، وبخمسة إلى أبعد من الأجل، فذلك
جائز.
فيمن باع سلعة بنقد ودين
ثم ابتاعها بثمن نقدًا أو إلى أجل وبنقد ودين
من المجموعة: قال ابن القاسم، وأشهب: ومن باع سلعة بخمسة نقدًا، أو بخمسة
إلى شهر، ثم ابتاعها بستة نقدًا، أو إلى دون الشهر، لم يجز ذلك، وكذلك بما
هو أقل من عشرة، وأكثر من خمسة، فلا يجوز. وكذلك في كتاب ابن المواز. وقال
في كتابه وفي المجموعة عنهما: فأما بخمسة نقدًا فأقل، فجائز، وكذلك بعشرة
نقدًا. قال: وإن أخذها بستة نقدًا، أو بخمسة إلى شهر، فإن كان من أهل
العينة، فلا خير فيه؛ لأن التهمة لم تدخل إلا فيما انتقد البائع لما قبض
الخمسة، ورد ستة، فلا يتهم في النقود إلا أهل العينة، والخمسة بالخمسة
مقاصة في الأجل. قال عيسى، عن ابن القاسم في العتبية: وإن ابتاعها بخمسة
نقدًا، وستة إلى شهر، لم يجز إلا أن يكون في المجلس، ولم يغب على الدنانير،
فذلك جائز؛ لأنه خمسة بخمسة إلى الأجل مقاصة، ويرد هذا الدينار السادس.
قال ابن المواز: ولو ابتاعها بأحد عشر، أو بأكثر نقدًا، لم يتهم فيها إلا
أهل العيبة؛ لأن خمسة ترجع إليه من الأحد عشر في الأجل، وتصير الستة
الباقية قد ردها من خمسة كان انتقدها في الصفقة، وهذا لأهل العينة مكروه،
لغيرهم. قال: وإنما ينظر في الأجل بعد الصفقة الثانية، ماذا يجر إليه في
المستقبل، ولا
[6/ 97]
(6/97)
ينظر فيما يقع من المنفعة لما مضى، لكن
فيما يستقبل إلا أهل العينة خاصة، فينظر في أول معاملتهما على ما آلت،
وفيما يستقبل إلى ماذا تؤول.
ومن المجموعة، قال ابن القاسم، وأشهب: ولا يجوز أن يشتريها بأحد عشر إلى
أبعد من الشهر، وأما بعشرة، أو بأكثر نقدًا أو إلى أجل دون الشهر، أو إلى
الشهر، فجائز، إن لم يكونا من أهل العينة، فإن كانا من أهل العينة، فيتهمان
فيما جاوز العشرة نقدًا. قال ابن القاسم: فأما بعشرة إلى الشهر، فلا بأس به
من أهل العينة وغيرهم، وأما بأحد عشر، أو بعشرة نقدًا، أو إلى دون الشهر،
فلا يصلح من أهل العينة، وكذلك بأحد عشر إلى الشهر، قال: فإن ابتاعها بستة
فأكثر إلى عشرة إلى أبعد من الشهر، فجائز من أهل العينة وغيرهم. قال أشهب:
وكذلك لو كان مكان العين طعامًا في الصفقة الأولى والثانية. ابن القاسم، عن
مالك، فيمن باع سلعته بسلعة نقدًا، وبخمسة إلى شهر، ثم اشتراها بسبعة
نقدًا، أو بثمانية إلى شهرين، خمسة منها قصاصًا عند الشهر، فإنما يتهم في
هذا أهل العينة.
قال ابن القاسم وعبد الملك: ومن باع سلعة بخمسة نقدًا، أو بخمسة إلى شهر،
ثم ابتاعها بخمسة نقدًا، وبخمسة إلى الشهر، فذلك جائز، وأما بستة نقدًا،
وبخمسة أو ستة أو سبعة أو ثمانية أو تسعة إلى شهر، فلا خير فيه من أهل
العينة. قال ابن القاسم: وكذلك بأكثر من خمسة نقدًا، أو تسعة وستة إلى
الأجل فلا، وكذلك بعشرة فأكثر نقدًا، أو إلى دون الأجل، وبخمسة إلى الأجل،
أو بخمسة نقدًا، وبخمسة إلى الأجل، وبخمسة إلى أبعد منه، فلا خير فيه.
يريد: من أهل العينة. قال عبد الملك: ومن ابتاعها بستة نقدًا، وبخمسة إلى
شهرين، لم يجز؛ لأنه رد الخمسة التي قبض، ودينارًا سلفًا يقبضه عند الأجل،
يأخذ أربعة يردها خمسة.
[6/ 98]
(6/98)
باب فيمن باع سلعة بعشرة إلى شهر
ثم ابتاعها وثوبًا معها بدنانير
أو ابتاعها بثوب ودنانير وفي ذلك نقد ومؤجل
من كتاب ابن المواز: من باع سلعة بعشرة دنانير إلى شهر، ثم ابتاعها وثوبًا
معها نقدًا، فلا يجوز ذلك بعشرة، ولا بأقل ولا بأكثر نقدًا، ويدخله بأكثر
بيع وسلف. وأما بمثل الثمن أو بأقل، فيدخله ذهب في أكثر منها؛ لأنه إن دفع
أحد عشر، فعشرة سلف، يأخذها عند الشهر، والدينار ثمن الثوب الذي قبض مع
سلعته. وأما تسعة فهي سلف يرجع إليه فيها ثوب نقدًا، وعشرة إلى شهر، وكذلك
بعشرة يصير الثوب زيادة، والعشرة ترجع إليه، وأما إن ابتاعه، وثوبًا معه
إلى أبعد من الأجل، فلا بأس به بالثمن وبأقل، ولا يجوز بأكثر؛ لأنه بيع
وسلف وذهب في أكثر منها؛ لأن ثوبه يرجع إليه، وأخذ ثوبًا آخر، وعشرة أخذها
عند الأجل سلفًا، يرد فيها أحد عشر، فدينار منها ثمن للثوب، وعشرة قضاء
للعشرة، وأما إلى الأجل نفسه، فيجوز مثل الثمن أو أقل أو أكثر، في جميع
مسائلك؛ لأنه يرجع إلى المقاصة، فلا يدخله سلف وبيع، ولا انتفاع، وأما إن
ابتاعه بثوب دفعه، دنانير نقدًا، فإن كانت الدنانير أقل من الثمن، لم يجز،
وأما بمثل أو بأكثر، فجائز، ولا يتهم في أن يدفع ثوبًا وعشرة، ويأخذ عند
الأجل عشرة.
قال عبد الملك في المجموعة: إذا اشتراها بثوب نقدًا، أو بمثل الثمن نقدًا،
لم يجز، ويصير الثوب بالثوب بيعًا، والثمن بمثله سلفًا، ويدخله أيضًا إن
كان الثوب الذي يعطي أدنى الزيادة في السلف، وكذلك إن كان الثوب الذي يعطي
إلى أجل دخله ذلك كله، وذكر أن ابن القاسم يجيز هذا، كما ذكر ابن المواز.
قال ابن القاسم: وكذلك إن كانت السلعة والعشرة إلى أجل دون الأجل، فذلك
جائز، وإن اشتراه بثوب نقدًا، وبخمسة إلى الأجل، فهو جائز، وإن كانت الخمسة
نقدًا فهو بيع وسلف.
[6/ 99]
(6/99)
ومن كتاب ابن المواز: وإن اشتراها بثوب
نقدًا، أو بعشرة دنانير، أو أقل أو أكثر إلى أبعد من الأجل، لم يجز، فإن
أعطى فيها ثوبًا نقدًا، أو تسعة إلى أبعد من الأجل، فهو يأخذ عشرة عند
الأجل بدينار ثمن الثوب الذي كان دفع، وتسعة سلفًا يردها إلى الأجل الثاني،
فهو بيع وسلف، ولو كان بثوب نقدًا، وبعشرة فأكثر إلى أبعد من الأجل، كان
الزيادة في السلف، فالدنانير سلف يأخذها أو أكثر منها مع ثوب عجله يوم
ارتجع سلعته.
فيمن باع ثوبين بخمسة نقدًا وخمسة إلى شهر
ثم ابتاعها بعين وثوب نقدًا أو إلى الأجل أو إلى أبعد منه
أو ابتاع أحدهما وثوبًا معه بعين أو عرض
من المجموعة: قال ابن القاسم، وعبد الملك فيمن باع سلعتين بخمسة نقدًا،
وبخمسة إلى شهر، ثم ابتاعهما بخمسة نقدًا فأكثر إلى تسعة، وبثوب نقدًا، فلا
خير فيه، وهو بيع وسلف، فالخمسة التي رد سلفًا، وإن كان أكثر منها، فهو
زيادة منفعة فيه أيضًا، والثوب الذي أعطاه بيعًا بالخمسة المؤخرة، فأما
بعشرة نقدًا مع ثوب، فلا بأس به، إلا من أهل العينة، وإن اشتراهما بخمسة
إلى الشهر، وبثوب نقدًا، أو إلى الشهر، فلا بأس به، وإن كان بستة إلى الأجل
مع الثوب، فلا خير فيه؛ لأن خمسة من الستة مقاصة في الأجل، والدينار السادس
رده من الخمسة التي قبض، فهو سلف، والأربعة ثمن للثوب الذي أعطى. قال عبد
الملك: وكذلك بأكثر من خمسة إلى التسعة إلى الأجل. قالا: وإن اشتراهما
بثوب، وبعشرة إلى الأجل، لم يجز، وهو زيادة في السلف؛ لأن خمسة بخمسة في
الأجل قصاصًا، ورد في الخمسة التي قبض خمسة وثوبًا، فإن اشتراهما بثوب
نقدًا، وبخمسة إلى أبعد من الأجل لم يجز؛ لأنه بيع وسلف. قال عبد الملك:
وكذلك بثوب نقدًا، وبأكثر من خمسة إلى تسعة إلى أبعد من الأجل. قالا: وإن
[6/ 100]
(6/100)
كان بثوب وبعشرة إلى أبعد من الأجل. قال
عبد الملك: وأكثر من عشرة لم يجز، وهو ربا؛ لأنه قبض عشرة متفاوتة، رد منها
عشرة وثوبًا. قال: وإن ابتاع أحدهما وثوبًا معه بتسعة أو بعشرة وثوب نقدًا
أو إلى الشهر، أو أبعد منه، لم يجز لأنه بيع وسلف، باع ثوبًا كان أعطاه،
وثوبًا يعطيه الآن بثوب أخذه، وما زاد من المال سلفًا، وما فضل عنه داخل في
ثمن المبيع.
فيمن باع ثوبين بثمن مؤجل أو بعه نقد
ثم ابتاع أحدهما بنقد أو بنقد ودين أو بنقد وثوب
من المجموعة: قال ابن القاسم، وأشهب، وعبد الملك، فيمن باع من رجل ثوبين
بعشرة إلى شهر، ثم ابتاع أحدهما بتسعة نقدًا، أو إلى أجل دون الأجل، لم
يجز، وهو بيع وسلف، ولا يجوز أن يبتاع أحدهما إلى أبعد من الأجل بمثل
الثمن، ولا بأقل منه ولا بأكثر. فأما بأقل، فهو بيع وسلف. قال أشهب: وبيع
عرض، وذهب بذهب. قال أشهب: وإن لم يكن في ثمن سلعته زيادة ولا نقصان، وذلك
ذريعة، وإذا رد في وجه، فهو مردود بكل حال. قالوا: وأما مثل الثمن فأكثر،
فهو سلف جر منفعة، رد السلف وانتفع بثوب أرباه، أو ثوب مع زيادة زادها.
وأما إلى الأجل نفسه، فيجوز مثل الثمن وأقل وأكثر، فيكون مقاصة. قال ابن
القاسم: فإن ابتاعه بدراهم نقدًا فإن كانت كثيرة ترتفع معها التهمة، فجائز.
وقال هو وعبد المالك: وإن ابتاعها بثوب وبعشرة نقدًا، أو إلى أجل، فلا بأس
به؛ لأنه أعطى ثوبين وعشرة، ويأخذ عشرة، وإن ابتاعه إلى أبعد من الأجل
بثوب، وبمثل الثمن أو أقل منه، لم يجز، وهو زيادة في السلف. قال ابن
القاسم: هذا بمثل الثمن، فأما بأقل منه إلى أبعد من الأجل، فبيع وسلف، وإن
ابتاعه بثوب وبتسعة نقدًا، فهو بيع وسلف، تسعة سلف، ودينار ثمن ثوبيه، وأما
بثوب - يريد نقدًا - أو بتسعة إلى الأجل، فجائز؛ لأنها مقاصة، ويصير
الدينار الباقي ثمنًا للثوبين.
[6/ 101]
(6/101)
قال ابن القاسم وعبد الملك: ومن باع ثوبين
بخمسة نقدًا، وخمسة إلى شهر، ثم ابتاع أحدهما بعشرة نقدًا، أو بعشرة وثوب
نقدًا، فذلك جائز. قال عبد الملك: فإن كان الثوب الذي يعطي مع العشرة إلى
الأجل، فلا بأس به، لا تهمة فيه لأحد ما لم يكن م صنف الثوب الذي استرد،
فلا يجوز، ويصير قد أخذ ثوبًا، يعطي ثوبًا من جنسه، وثوبًا أعطاه قبله،
وأخذ خمسة ردها، ويعطي خمسة يأخذها. قال عبد الملك: فإن ابتاع أحدهما بتسعة
نقدًا أو إلى أجل، أو إلى أبعد منه، فلا خير فيه، وهو بيع وسلف، ودين بدين؛
لأن له عليه خمسة إلى أجل، باعه منه بها أو ببعضها ثوبًا إلى أجل وإلى أبعد
منه، فهو الدين بالدين، فأما بيع وسلف، فقد رد الخمسة التي أخذ، وأعطاه
أربعة سلفًا يأخذها في الأجل، يأخذ دينارًا ثمنًا لثوب من الأولين، وثمنًا
للثوب الذي يعطي.
ومن كتاب ابن المواز، قال: وإذا اشترى أحدهما بخمسة نقدًا، فجائز. وكذلك
بأقل من خمسة نقدًا؛ لأنه أربح أحد ثوبيه، ورد أربعة من الخمسة التي انتقد،
وبقي منها دينار، فهو مع الخمسة الباقية ثمن لثوبه الآخر، وإن أخذ أحدهما
بستة نقدًا إلى أقل من عشرة، لم يجز؛ لأنه بيع وسلف وزيادة في السلف، ولا
يجوز أن يشتري أحدهما إلى أبعد من الأجل بمثل الثمن، ولا بأقل ولا بأكثر؛
لأنه بأكثر أو بأقل، سلف جر منفعة؛ لأن البائع أخذ عند الصفقة خمسة، وعند
الأجل خمسة، ثم يرد بعد الأجل عشرة أو أكثر مع ثوب كان خرج من عنده، وأما
بأقل من عشرة أو بخمسة أو بأقل إلى أبعد من الأجل، فيدخله بيع وسلف، لأن
البائع أخذ خمسة نقدًا، وخمسة عند الأجل، وأعطى ثوبًا نقدًا وتسعة بأقل
منها بعدما حل الأجل، فهي قضاء لما حاذاها من العشرة التي أخذ، والثوب الذي
كان أعطى ثمنًا لبقية العشرة.
[6/ 102]
(6/102)
في الرجلين يبيعان ثوبين من رجل بثمن إلى
أجل
ثم يشتري أحدهما أحد الثوبين
من كتاب ابن المواز، وذكره ابن عبدوس، عن ابن القاسم، وعبد الملك: وإذا باع
رجلان ثوبين بعشرة إلى أجل، ثم ابتاع أحدهما أحد الثوبين، فلا خير فيه بمثل
الثمن، ولا بأقل منه ولا بأكثر، لا نقدًا ولا إلى أجل، دون الأجل ولا إلى
أبعد منه، ويدخله في ذلك كله: بيع وسلف لأنه ارتجع نصف ثوب كان له، وأخذ
نصفًا لم يكن له بنصف ما بقي له في الثوب الباقي، فصار بيعًا، فإن نقده
الآن أربعة، فهي سلف ترجع إليه عند الأجل مع زيادة؛ لأنه يأخذ خمسة عند
الأجل، منها أربعة سلف، ودينار زيادة، فهي ثمن نصف ثوبه الذي أخذ فيه نصف
ثوب شريكه ثمنًا، وكذلك بخمسة نقدًا، فهي سلف يرتجعها، وبيع نصف ثوب بنصف
ثوب، وأما بأكثر من خمسة نقدًا، فإن خمسة منها سلف، والزائد مع نصف ثوبه
ثمن لنصف ثوب أخذه، وأما إلى أبعد من الأجل بخمسة أو أقل، فيدخله بيع وسلف،
ويدخله أكثر من خمسة الزيادة في السلف.
ورأيت في كتاب ابن الماجشون: أنه إنما يدخله بيع وسلف؛ لأنه استقر أمره على
أنه خرج من عنده نصف ثوب، وأخذ نصف ثوب شريكه، ويأخذ خمسة في الأجل، وهي
حصة من العشرة يأخذها سلفًا، يردها بعد الأجل، ويزيد معها دينارًا فأكثر،
فهو مع نصف ثوبه ثمن للنصف الذي أخذ.
قال في المجموعة خاصة: وإن اشترى أحدهما أحد الثوبين بخمسة إلى الأجل، فلا
بأس به؛ لأن الخمسة مقاصة ويصيران قد تبايعا نصف ثوب بنصف ثوب، وكذلك
بعشرة، أو بخمسة عشر إلى الأجل؛ لأن خمسة بخمسة مقاصة، ويعطي عشرة أو خمسة
مع نصف ثوب بنصف ثوب أخذه.
ومن كتاب ابن المواز: ولو باعا ثوبيهما بخمسة نقدًا، أو بخمسة إلى شهر، ثم
ابتاع أحد الرجلين أحد الثوبين بخمسة نقدًا، فهذا بيع وسلف، فأما بخمسة
نقدًا، وبخمسة إلى الأجل، فذلك جائز، وكذلك بخمسة نقدًا، وبدينارين ونصف
[6/ 103]
(6/103)
فأكثر إلى الأجل، فذلك جائز؛ لأنه لا يرتجع
مما دفع شيئًا. قال ابن القاسم في كتاب الأسكندراني، وقال عبد الملك: لا
يجوز أن يبتاعه بخمسة نقدًا، وبدينارين ونصف إلى الأجل، أو إلى أبعد منه؛
لأنه بيع وسلف؛ لأنه قبض أولا دينارين ونصفًا، فردها مع دينارين ونصف مع
نصف الثوب الذي كان باع بنصف الثوب الذي أخذ، ونصفه الآخر قد عاد إليه، فإن
كانت الديناران ونصف الأخرى إلى الأجل، فهي قصاص، وإن كانت إلى أبعد منه.
قال عبد الملك: فقد صارت إلى أبعد من الأجل، ونصف الثوب الذي بيد المشتري
ثمنًا لنصف الثوب الذي أخذ البائع الأول، وأعطى خمسة نقدًا، فنصفها ردها
سلفًا، وهي حصته من الخمسة النقد، ورد معها دينارين ونصفًا يقبضهما إلى
شهر، فهو بيع وسلف. وقال ابن القاسم: رد الدينارين ونصفًا التي كان أخذ،
فهي سلف، ورد معها مثلها، يرد إليه إلى شهر، ثم يردها إلى شهرين، فهي ونصف
الثوب الذي بيد المشتري ثمن لنصف الثوب الذي بيد البائع، والديناران وصنف
التي ردها، ولم ترجع إليه هي السلف.
قال في كتاب ابن المواز: وإن اشتراه بخمسة نقدًا، وبأقل من دينارين ونصف
إلى الأجل، لم يجز؛ لأنه إذا بقي له على المشتري من الدينارين ونصف التي
تبقى له من الثمن الأول شيء يرجع إليه، كان ذلك كالسلف؛ لأنه إنما انتقد في
بضاعته دينارين ونصفًا أول الصفقة، وبقيت له ديناران ونصف، فإذا دفع أكثر
من دينارين ونصف، وأوجب على نفسه دينارين ونصفًا فأكثر إلى الأجل بعينه،
فلا بأس به، لأن الزيادة كلها من عند البائع، فلم يرتجع بما يعطي من الذهب
ذهبًا؛ لأنه يرد ما انتقد ويزيده بغير شيء يرتجعه من المبتاع، بل يسقط عنه
ما وجب له عليه، أو يزيده ونصف ثوب باعه بنصف ثوب أخذه، ولو كان رجع إليه
من الدنانير شيء، كان سلفًا، ولم يحل، فإذا لم يجد كل واحد منهما يخرج
ذهبًا، فلا بأس به.
[6/ 104]
(6/104)
فيمن باع سلعة بدنانير إلى أجل
ثم ابتاعها بدنانير مخالفة لها أو بدراهم أو بعرض أو بعين وعرض
أو باعها بطعام ثم ابتاعها بخلافه من طعام أو عرض
من المجموعة: قال ابن القاسم وعبد الملك: ومن باع سلعة بمائة دينار قائمة
إلى شهر، ثم ابتاعها بمائة مثاقيل نقدًا، فلا خير فيه. وأما بمائة مثاقيل
إلى ذلك الشهر، فلا بأس به، ولا يتهم على مثل هذا أحد، وكذلك إلى أبعد من
الأجل. وقد قال ابن القاسم في المدونة: إن باعها بمائة محمدية إلى شهر، ثم
اشتراها بمائة يزيدية إلى ذلك الشهر، فلا خير فيه.
قالا: وإن باعها بعشرة هاشمية إلى شهر، ثم ابتاعها بعشرة عتق نقدًا، أو إلى
الأجل، فجائز، ولا يجوز إلى أبعد منه؛ لأنه الزيادة في السلف. قال ابن
القاسم: وإن كانت الهاشمية أكثر عددًا، فإن كانت بزيادتها تكون مثل العتق
المؤخرة أو أكثر، فلا بأس، وإن لم تكن مثلها، فلا خير فيه، وإلا فإن باعها
بمائة عتق بخروبة خروبة إلى شهر، ثم اشتراها بمائة هاشمية رديئة وازنة،
يريد: نقدًا، فإن كان بعشرة قائمة إلى شهر، ثم اشتراها بعشرة مجموعة نقدًا،
تكون مثل الأجل أو أكثر، فباعها بمائة هاشمية، ثم اشتراها بتسعة وتسعي عتق،
هي خير الساعة من المائة المؤخرة، فلا بأس به؛ لأن هذه البيوع إنما يحرم
منها ما قامت فيه التهمة، وإلا حمل على أنه بيع حادث.
ومن كتاب ابن المواز: ومن باع سلعة بعشرة دنانير عتق إلى أجل، بنقص خروبة،
ثم ابتاعها بعشرة هاشمية وازنة نقدًا، أنه لا يصلح.
ومن المجموعة قال ابن القاسم: وإن باعها بعشرة هاشمية وازنة إلى شهر، ثم
اشتراها بعشرة خروبة خروبة إلى ذلك الشهر، فلا بأس به، ولا يتهم أن يعطي
عشرة قائمة في أنقص منها إلى الأجل، زاد عددها أو نقص.
[6/ 105]
(6/105)
قال عبد الملك: وإن باعها بعشرة هاشمية نقص
إلى شهر، ثم ابتاعها بأكثر عددًا أو وزنًا إلى شهر، فجائز، كان أدنى أو
أكثر عددًا، أو أجود عينًا، ولا يتهم أن يعطي قليلاً في كثير إلى الأجل
نفسه، قالا: وإن باعها بدينار إلى أجل، ثم ابتاعها بدينار ناقص وبدرهمين
نقدًا، أو بعرض مع الدنانير، أو اشتراها بدراهم أو تبر نقدًا، فإن كان ذلك
مثل الدنانير المؤخرة فأكثر، فجائز، وإن كان أقل أو ما فيه شك، فلا خير
فيه.
قال ابن القاسم: وإن باعها بعشرة دنانير، ثم اشتراها بألف درهم نقدًا، أو
بما ترتفع به التهمة، فذلك جائز، وكذلك في بيعه بدراهم، واشترائه بدنانير.
وقال أشهب: لا يجوز، كان ما يعطي من ذهب أو فضة، نقدًا أو إلى أجل؛ لأنه
صرف مؤخر. قال ابن القاسم: وإن بعت ثوبًا بعشرة دنانير إلى شهر، ثم ابتعته
بدينار نقدًا، وبثوب قيمته مائة دينار، لم يجز؛ لأنه بيع وسلف، قيل له:
والتهمة مرتفعة، قال: لم ترتفع، ويدخله مع ذلك عرض وذهب بذهب، ولو ابتعته
بثوب من صنفه، أو من غير صنفه، قيمته ألف دينار، إلى أبعد من الأجل، لم
يجز، وهو دين بدين، وكذلك إلى الأجل بعينه، أو إلى دونه، وأما نقدًا،
فجائز، ولو بعته بطعام مؤجل، ثم ابتعته بدنانير نقدًا، فجائز، فأما بدينار
إلى أجل دون الأجل أو أبعد منه أو إليه، فلا يجوز؛ لأنه دين بدين، إلا أن
يكون على أن ينقده إلى يوم أو يومين، فيجوز، وكذلك لو بعته بدنانير، ثم
ابتعته بطعام.
قال عبد الملك: وإن بعته ثوبًا بعشرة إلى أجل، ثم اشتريته منه بتسعة وثوب
إلى الأجل، من غير جنس ثوبك، لم يجز، ويصير لك عليه دينار، وله هو عليك ثوب
مؤخر. قال ابن القاسم: وإن بعته عبدًا بعشرة أرادب حنطة إلى سنة، ثم
اشتريته بمائة إردب زبيب، فإن علم أن هذا الزبيب أضعاف قيمة الطعام في زمنه
حتى تزول التهمة، فجائز، ولو باعه منه بثياب إلى أجل، ثم ابتاعه بثياب
نقدًا، فإن كان لا تسلم هذه في تلك، لم يجز، إلا أن يكون ما يعطيه أكثر من
قيمة المؤخرة مما ترتفع فيه التهمة، فيجوز، وأما بما يجوز أن يسلم فيه،
فجائز بكل حال، وإن أقرضته ألف درهم إلى سنة، ثم بعت منه عبدًا بعشرة
دنانير نقدًا،
[6/ 106]
(6/106)
وإلى دون السنة، ثم ابتعت منه العبد بالألف
درهم التي لك عليه، لم يجز؛ لأن هذا أخذ عشرة دنانير في ألف درهم فسخها
عنه، والعبد لغو.
قال في كتاب ابن المواز: ومن لك عليه ثمانون دينارًا حالة، فبعث منه جارية
بمائة إلى سنة، ثم لفيته، فقاضيته الثمانين، فأعطاك الجارية بها، فلا خير
فيه، لرجوع جاريتك إليك، وصارت الثمانون الحالة في مائة مؤخرة.
فيمن باع طعامًا إلى أجل ثم استقال منه بزيادة من أحدهما
وشرائك الطعام ممن بعت منه طعامًا
من العتبية، من سماع ابن القاسم: ومن ابتاع طعامًا بثمن مؤجل، ثم استقاله
البائع على أن يغرم المبتاع عينًا أو عرضًا، فلا بأس به إذا كان قد اكتال
المبتاع الطعام ولم يفترقا وإن ندم المبتاع فرد الطعام على البائع، وإن
ندم، وزاده عليه طعامًا أو عرضًا، ولم يفترقا، وقد اكتال الطعام، فذلك
جائز، وإن تفرقا، فلا خير فيه.
ع: هذا إن كان البيع الأول قد تناقدا فيه الثمن وكانا من أهل العينة.
ومن ابتاع طعامًا فقبضه ونقله، ثم أقاله من بعضه، فهو مكروه. وروى عيسى، عن
ابن القاسم، فيمن باع طعامًا بثمن مؤجلاً أو نقدًا، فلم يكتله حتى أقال
أحدهما الآخر، بائع أو مبتاع بزيادة، فإذا لم يكله، لم تجز على الزيادة من
أحدهما، بائع أو مبتاع، كانت الزيادة نقدًا أو إلى أجل، نقده أو لم ينقده،
افترقا أو لم يفترقا؛ لأنه بيع الطعام قبل قبضه، وإنما تجوز فيه الإقالة
برأس ماله، لا نفع فيه ولا زيادة ولا تأخير. قال: وإن اكتاله ولم يفترقا،
ولم يغب عليه المبتاع، والبيع بالنقد ولم ينتقد، فلا تجوز الزيادة من
المبتاع في شيء من الأشياء مؤخرًا؛ لأنه إن
[6/ 107]
(6/107)
كان الثمن ذهبًا فزاده ذهبًا مؤجلاً، فهو
بيع وسلف، وإن زاده عرضًا نقدًا، فهو دين بدين، وإن كان ورقًا، فهو صرف
مؤخر. قال: وإن زاده ورقًا نقدًا، فجائز، وكذلك إن زاده شيئًا معجلاً يقبض
عرضًا أو حيوانًا وطعامًا من صنف طعامه، أو من غير صنفه أو ذهبًا - يعني من
جنس الثمن - فلا بأس به، وإن كان قد نقده ثمن طعامه واكتاله، فهو بيع حادث
يبتدئان فيه مما في غيره. قال: وإن كان البيع بثمن إلى أجل، وقد اكتاله ولم
يفترقا، ولم يغب عليه المبتاع، فلا بأس بالزيادة من المبتاع في تقايلهما،
كانت الزيادة عرضًا أو حيوانًا أو طعامًا من جنسه، أو من غير جنسه، كل ذلك
نقدًا، ما لم تكن الزيادة من الثمن الذي عليه، فلا تجوز نقدًا، وتجوز إلى
الأجل بعينه في مثل عين الثمن وسكته، ولا يزيده ورقًا نقدًا ولا مؤجلاً،
ويدخله ذهب بوزن إلى أجل، وطعام معجل، وإن كان الثمن ورقًا، فهو على مجرى
الذهب أيضًا بورق، ولا يزيده عرضًا ولا طعامًا ولا حيوانًا مؤجلاً، ويدخله
الذهب أيضًا بورق، ولا يزيده عرضًا ولا طعامًا ولا حيوانًا مؤجلاً، فيصير
دينًا في دين. قال: وإن افترقا وغاب عليه المبتاع، فلا تجوز الإقالة على أن
يزيده المبتاع شيئًا من الأشياء، لا عينًا ولا عرضًا ولا طعامًا، من صنفه
ولا من غير صنفه، ولا غير ذلك نقدًا ولا إلى أجل، وهو الزيادة في السلف،
وإن كان البائع هو المستقيل بزيادة منه ولم ينتقد، وقد اكتال الطعام، فسواء
تفرقا أو لم يتفرقا، كان الثمن نقدًا أو مؤجلاً، فلا بأس أن يزيده البائع
ما شاء عينًا ذهبًا أو ورقًا أو عرضًا أو حيوانًا، نقدًا أو مؤجلاً، إلا أن
يزيده طعامًا من جنس طعامه مما لا يجوز معه فيه التفاضل، فلا يجوز نقدًا
ولا إلى أجل؛ لأنه طعام بجنسه مع أحدها ذهب، فإن زاده طعامًا من غير صنفه،
جاز نقدًا، ولم يجز مؤجلاً. قال: وإذا أراد البائع أن يشتري ذلك الطعام أو
بعضه، فإن كان الثمن إلى أجل، وقد اكتاله المبتاع ولم يفترقا، فلا بأس به
أن
[6/ 108]
(6/108)
يشتري البائع جميع الطعام أو بعضه بمثل
الثمن أو أكثر، نقدًا أو مقاصة، ولا يجوز أن يشتريه كله بأقل من الثمن
نقدًا؛ لأنه يعطي قليلاً في كثير، ولا بأس به مقاصة من الثمن إن لم يفترقا،
ولا يجوز أن يشتري بعضه ببعض الثمن نقدًا وإن لم يتفرقا لأنه بيع وسلف ولا
بأس ينقص الثمن مقاصة، ولا بأس أن يشتري بعضه بمثل الثمن فأكثر، نقدًا أو
مقاصة؛ لأنه لا تهمة فيه، وهذا كله إن لم يفترقا. قال: فإن تفرقا، وغاب
المبتاع على الطعام، لم يجز للبائع شراء بعضه ببعض الثمن نقدًا ولا مقاصة
فيصير في الوجهين بيع وسلف وفي النقد سلف دنانير وفي المقاصة سلف طعام.
قال: ولا بأس أن يشتري منه مثل كيله في صنفه بمثل الثمن فأكثر نقدًا أو
مقاصة، ولا يشتري منه أقل من الكيل بمثل الثمن كله أو أكثر مقاصة لأنه
اقتضى من الطعام طعامًا. قاله مالك استثقالاً في هذا، وهو سهل، ولو أجازه
مجيز لم أخطئه، ولا بأس أن يشتري منه أقل من كيل بمثل الثمر، أو أكثر
نقدًا، ولا خير في أن يشتري منه أكثر من كيله ولا مثل كيله وزيادة شيء منه
معه مثل الثمن، ولا بأكثر ولا بأقل نقدًا؛ لأنه زيادة في السلف إن كان بمثل
الثمن فأقل، رجعت إليه سلعته، وأعطى عشرة أو أقل نقدًا بعشرة إلى شهر وسلعة
يعجلها، وإن كان بأكثر، دخله بيع وسلف. قال: وإن كان الثمن مقاصة، لم يجز؛
لأنه زيادة في السلف، كان بالثمن أو بأكثر، ويدخله أيضًا في الأكثر الأخذ
من ثمن الطعام طعامًا، وإن لم يفترقا، فلا يجوز أيضًا أن يشتري منه أكثر
منه، ولا طعامه وزيادة شيء معه بمثل الثمن ولا بأكثر، ولا بأس به مقاصة
بمثل الثمن أو بأكثر، كانت الزيادة على الثمن معجلة أو مؤخرة، إذ لا تهمة
فيه ما لم تكن الزيادة المؤخرة طعامًا، وإن كان من غير صنفه فيصير طعامًا
بطعام إلى أجل، وإن كان نقدًا، جاز ما لم يكن من صنفه، وإذا كان اشتراه
وزيادة معه من صنفه، أو من غير صنفه بأدنى من ثمنه، لم يجز، ولا بثمنه
نقدًا، وإن لم يفترقا،
[6/ 109]
(6/109)
ولا بأس به مقاصة؛ لأنه إنما ابتاع ذلك
ببعض الثمن، وأبقى بقية إلى أجله، ولا يتهم إذا لم يغب عليه، وهو كالعرض
لأن العرض وإن غاب عليه إذا كان مما يعرف بعينه يجوز للبائع شراؤه وعرضًا
معه ببعض الثمن أو جميعه مقاصة، ويبقى ما بقي إلى أجله، ولا تدخله الزيادة
في السلف؛ لأنه عرض بعينه، وإنما يدخل ذلك إذا رد عرضًا من صنف عرضه،
وعرضًا معه والطعام، فلا يعرف بعينه، فهو تدخله الزيادة في السلف لذلك.
قال عيسى، عن ابن القاسم، فيمن باع ألف إردب بمائة دينار إلى سنة، ثم اشترى
منه بعد ذلك مثل المكيلة فأقل بمثل الثمن نقدًا، فذلك جائز، ولو حل الأجل،
فأخذ منه من صنفه مما قل من كيله، فكرهه مالك، وقال في موضع آخر: لا بأس
به.
ومن سماع أصبغ، من ابن القاسم: ومن باع عشرة أمداد قمح بدينار إلى شهر، ثم
اشترى منه - يريد البائع - عشرين مديًا بدينار نقده إياه، وأخذ منه عشرة
أرادب مع العشرة أرادب التي عنده، فلا يجوز؛ لأنه زيادة في السلف، صار
دينارًا بدينار، وزيادة عشرة أرادب، والأرادب الأولى لغو.
باب فيمن باع سلعته بثمن نقدًا أو إلى أجل
ثم أقاله منها بزيادة أو أشركه فيها
من العتبية من رواية عيسى عن ابن القاسم، ومن المجموعة عن ابن القاسم، وعن
أشهب، وعبد الملك، هذه المسألة بوجوهها إلى آخرها، وربما زاد بعضهم على
بعض، واللفظ للعتبية، والمعنى واحد: ومن ابتاع عرضًا يوزن أو يكال، أو لا
يوزن ولا يكال بدنانير نقدًا، ثم استقال منه قبل ينقد فيه بزيادة
[6/ 110]
(6/110)
دينارين أو ثلاثة من المبتاع، فجائز أن
يزيده ما شاء معجلاً. قال ابن المواز: قبل التفرق من مجلس الإقالة، ولا
يجوز مؤخرًا؛ لأنه في زيادة الذهب مؤخرًا يدخله بيع وسلف وفي زيادته إياه
الورق، يدخله الصرف مؤخرًا وفي زيادته العرض دين في دين.
قال ابن القاسم في المجموعة وفي كتاب ابن المواز: ويجوز بزيادة دراهم
نقدًا، إن كانت أقل من صرف دينار. قال: ولو كان البيع الأول بدنانير إلى
أجل، لم يجز أن يزيده المبتاع أقل من صرف دينار. قال: ولو كان البيع
بدنانير إلى أجل، لم يجز أن يزيده المبتاع ذهبًا نقدًا أو إلى أجل دون
الأجل، ولا أبعد منه، ويدخله بيع وسلف، وبيع ذهب بذهب وعرض، ولا يزيده
ذهبًا مخالفة لها إلى أجلها، إلا أن يزيده إلى الأجل نفسه مثل عين الثمن
وجودته. وكذلك في كتاب ابن المواز، وزاد: قال مالك: ولو زاد من غير نوع
الثمن، فما كان نقدًا فجائز، وإن تأخر لم يجز. قالوا: ولا يزيده ورقًا
نقدًا، ولا إلى دون الأجل، ولا إلى أبعد منه. وإن كان الثمن ورقًا، دخله في
زيادة الورق مثل ما قلنا في الثمن يكون ذهبًا، فيزيده ذهبًا، ولا بأس أن
يزيده عرضًا نقدًا، ولا يجوز مؤخرًا، وإن كان الثمن عرضًا، فلا يزيده عرضًا
من جنس ما له عليه نقدًا، ولا إلى أجل دون الأجل، ولا إلى أبعد منه، ويجوز
إلى الأجل نفسه، ويجوز أن يزيده عرضًا مخالفًا لما عليه نقدًا. قال: وإن
كانت الزيادة من البائع، والثمن دنانير إلى أجل، فلا بأس أن يزيده ذهبًا أو
ورقًا أو عرضًا، معجلاً ذلك أو مؤخرًا إلى أقرب من الأجل، أو أبعد منه، إلا
أن يكون العرض الذي يزيده من صنف ما استقال منه، فلا يجوز أن يتأخر ما
يزيده، ويجوز معجلاً، ولو كانت مثلها صفة وعددًا، لم يجز تأخيرها، ويصيران
أسلفه عروضًا إلى أجل، على أن زاده الدنانير التي عليه.
[6/ 111]
(6/111)
قال ابن القاسم: ومن باع عكم قراطيس بدينار
نقدًا، ثم تقايلا بزيادة عشرة دراهم إلى أجل، فإن كانت من عند المبتاع، لم
يجز، ويجوز من عند البائع، إن لم يكونا من أهل العينة. وروى يحيى بن يحيى،
عن ابن القاسم، فيمن اشترى عبدًا بمائة دينار إلى شهر، وله على البائع
مثلها إلى الشهر أو حالة، فأقاله البائع على أن وضع عنه المبتاع المائة
الدينار، فذلك جائز، وكأنه قضاه إياها في ثمن العبد، ووهبه لعبد، وذلك إذا
تكافأ المالان، وكذلك لو كان عليه أكثر من مائة، فترك له ذلك على هذه
الإقالة، فذلك جائز. فأما إن اختلف أجل المالين، وهما متساويان أو
متفاضلان، لم يجز أن يقيله على أن يفسخ عنه المبتاع دينه الذي له عليه،
ويدخله في اختلاف الأجلين ذهب بمثلها إلى أجل، وزيادة عبد، فلا يجوز في
هذا، إلا أن يكون دين المبتاع حالاً، أو إلى أجل ثمن العبد.
ومن سماع ابن القاسم: ومن باع سلعة بخمسة عشر دينارًا نقدًا، فنقد عشرة،
ومطله بالخمسة، فقال له البائع: أقلني، ولك ربح ثلاثة دنانير، وأخرني
شهرين، فإن كانا من أهل العينة، لم يجز، وإن لم يكونا من أهلها، فجائز.
ومن كتاب ابن المواز: ومن باع سلعة بثمن مؤجل، ثم أشركه المبتاع بعد ذلك في
نصفها، فإن نقده نصف الثمن، لم يجز، وإن تأخر إلى أجله، فجائز. محمد: وهذا
في غير الطعام، وفي غير ما يكال أو يوزن من العروض.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم وعلي عن مالك فيمن باع سلعة بدنانير نقدًا،
أو بعرض مؤجل، فأقال مبتاعه على أن ردها مع دنانير عجلها له، وترك الدنانير
التي كان قبض، فذلك جائز، لأنه اشترى ما عليه بما عجل من سلعة. ومن قال عنه
ابن نافه، فيمن باع جارية بتسعين دينارًا إلى أجل، ثم قال له البائع: أنا
شريكك فيها بالثلث، فبعها، فإنما يجوز هذا لو كان باعها بالنقد. فأما
والبيع دين، فلا يصلح. قلت: أكرهته لأنه دين بدين؟ قال: إنه لا يريد جنسها،
[6/ 112]
(6/112)
فهو يقول له: بع هذا الثلث بخمسة وعشرين،
فيأخذها ويدع له ثلاثين. قيل: إنه يقول له: بعها، وأنا معك فإنك صاحب رقيق،
قال: لا خير فيه، وكأنه سلف بزيادة.
فيمن أسلم في سلعة ثم تقايلا بزيادة من أحدهما
أو باع عروضًا بثمن مؤجل ثم أقال منها أو من بعضها
وقد فاتت على رد مثلها وزيادة من أحدهما وابتاع منه مثل العروض
من المجموعة: قال ابن القاسم، وأشهب، وعبد الملك: إن أسلفت عشرة دنانير في
عرض غير طعام، ثم أقالك على أن أعطاك تسعة دنانير في عرض غير الطعام، أو
عشرة، فأعطيته شيئًا غير الذهب والفضة نقدًا، أو إلى أجل، فذلك جائز. قال
عبد الملك: وإن زاده المبتاع ثوبًا من صنف ما له عليه، أو من غير صنفه، وقد
حل الأجل، فهو جائز. قال ابن القاسم، وأشهب: ولا يزيده ذهبًا من غير الذهب
التي يأخذ منه نقدًا؛ لأنه بيع ذهب وعرض بذهب، ولا مؤجلاً، فيصير: بيع
وسلف، ولا بأس بأن يزيده ورقًا نقدًا - يريد دراهم يسيرة - وقد اختلف فيه.
وبعد هذا قول آخر لعبد الملك في هذا الباب.
قال أشهب وعبد الملك: وإن حلت السلعة فلا بأس أن تأخذ ذهبك، وتزيده ورقًا
نقدًا. قال عبد الملك: ما لم تكن كثيرة، فيصير صرفًا وبيعًا. قال ابن
القاسم وأشهب: وإن تأخرت الفضة، لم يجز. قالوا: وإن زاده البائع بعد التفرق
شيئًا، لم يجز وهو الربا.
قال ابن القاسم، وأشهب: وإن كان رأس مالك عرضًا أسلمته في عرض خلافه،
فأقالك من عرضك بعينه، وزادك قبل الأجل شيئًا، فجائز ما لم
[6/ 113]
(6/113)
يزدك من صنف ما عليه نقدًا فلا يجوز، ويجوز
إلى أجله، لا إلى أبعد منه، ويجوز أن يزيد بعد الأجل ما شئت نقدًا، ولا
يجوز فيه تأخير.
قال أشهب: وإن أسلمت طعامًا في سلعة، أو دفعته في كراء إلى أجل، ثم أقلته
وزيادة تعطيها له من غير الطعام والإدام نقدًا أو إلى أجل، فلا بأس به، ولا
يجوز أن يزيده طعامًا أو إدامًا نقدًا ولا مؤجلاً، وهو إذا زاده طعامًا من
صنفه نقدًا، فهو طعام بطعام وزيادة، وإن زاده من غير صنفه دخله التأخير
فيما قارن أحد الطعامين، وأما إن حل العرض أو الكراء، فتجوز زيادتك الطعام
من غير صنفه نقدًا، ولا يجوز إلى أجل.
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم فيمن باع ثوبًا بدينارين إلى أجل، ثم
ابتاع منه قبل الأجل ثوبًا من صنفه، ومثله في جودته بدينار نقدًا، إنه
جائز. بخلاف ما لا يعرف بعينه، مما يقضى بمثله في الاستهلاك. محمد: وهو
عنده مبايعة طارئة في الثياب والحيوان، ولا يعجبنا، وقوله في العشرة
الأثواب التي أسلمها في عروض أصح. قال فيها: إذا رد إليه خمسة من صنفها،
ولا بقية ما أسلم فيه، فلا يجوز، وجعل ما رد من ثمنها كالسلف، وكذلك ينبغي
في مسألة الثوب.
قال ابن القاسم: وإن أسلمت عشرة دنانير وثوبًا في عبد إلى أجل، فحل وقد هلك
الثوب، وأعسر بالعبد، فأقاله على أن رد العشرة، ومثل الثوب، فجائز، وإن كان
دون الصفة، ولا يجوز أرفع ولا مخالف للصفة، وإن كان أدنى منه أضعافًا،
وكذلك في رواية عيسى في العتبية.
[6/ 114]
(6/114)
قال ابن المواز: أما هذه فجيدة، ولم يجزه
أصبغ، ورأى الثوب بالثوب بيعًا، والمال سلفًا. قال أصبغ: ولو كانت ثيابًا
كلها، وأخذ بعضها من صنفها، وبالبعض شيئًا آخر، لم يجز أيضًا.
قال محمد: إذا جعل ما رد من صنفها سلفًا، فلم أنكر على ابن القاسم إذ جعل
كل شيء سلفًا في المسألة الأولى؟ قال محمد: ولو رد الدنانير وثوبًا من غير
صنف المبيع كان بيعًا وسلفًا، ولو كان رأس المال دنانير أو قمحًا فرد مثلها
لجاز.
قال ابن القاسم في العتبية، في رواية عيسى، فيمن أسلم عشرة دنانير وعرضًا
في عبد إلى أجل، فلما حل الأجل، أخذ منه عشرين دينارًا والعبد، لم يجز؛
لأنه بيع وسلف.
ومن كتاب محمد: وإن باع عشرة أثواب بأعيانها بثمن مؤجل، فأقاله من نصفها،
جاز إن حل أجل الثمن، وإن لم يحل، لم يجز أن يعجل له باقي الثمن، فيصير
بيعًا وسلفًا، وإن أعطاه بالنصف الذي أقاله منها ثيابًا من صنفها مع نصف
الثمن، لم يجز وإن حل الأجل؛ لأن ما رد من صنفها سلف، والباقي في بيع.
ومن أسلم دينارًا في ثوب، ونقده، ثم استقاله، دافع الدينار في مجلسهما على
أن زاد للبائع درهمين نقدًا، فذلك جائز، وإن كثرت الدراهم مثل خمسة فأكثر،
فأجازه ابن القاسم، واختلف فيه قول مالك، وكرهه أشهب إذا كثرت الدراهم،
أجاز في الدرهمين أن يشتري ثوبًا بدينار إلا درهمين يتعجل الدينار
والدرهمين، ويتأخر الثوب. قال محمد: ثم رجع مالك إلى كراهيته، وبذلك أخذ
ابن القاسم. قال أصبغ: وإن كثرت الدراهم لم أفسخه إن نزل.
ومن أسلم عشرة دنانير في ثياب إلى أجل، ثم ندم المبتاع فاستقال على رد خمسة
دراهم للبائع، وأخذ دنانيره، قال مالك: ليس بحسن. قال ابن القاسم:
[6/ 115]
(6/115)
لا بأس به. قال محمد: لا بأس به بعد محل
الأجل، ولا خير فيه قبل محله، ويصير يأخذ ذهبًا، ويدفع دراهم وعرضًا
مؤجلاً.
ومن المجموعة قال ابن القاسم، وأشهب، وعبد الملك: وإن بعت ثوبًا بثمن إلى
أجل، ثم أقلت منه وقد فات، ليرد مثله وزيادة شيء من الأشياء نقدًا، فلا
يجوز، وهو الزيادة في السلف، وكذلك إن زادك دينارًا إلى محل أجل الثمن، وإن
رد عليك من غير صنف عرضك، جاز على أن يزيدك، وعلى أن تأخذ بباقي الثمن عند
أجله، لا يتعجله ولا يؤخره، فإن أقاله ولم يجد سلعته، فأخذ خيرًا منها من
صنفها، لم يجز، ويجوز أن يأخذ أدنى، وكذلك أدنى وأقل عددًا. قال أشهب: أو
مثلها في الجودة وأقل عددًا.
وذكر عن عبد الملك في باب آخر، فيمن باع عشرة أثواب بثمن مؤجل، فلا يأخذ
منه من صنفها خمسة عشر، ولا تسعة، وكأنه باع الأولى بما أخذ فيها، وهذا غير
ما ذكر عنه هاهنا.
قال ابن القاسم: وإن كانت أجود صفة، أو أدنى، واختلف العدد، ولا خير في
أجود من الصفة، أقل عددًا أو أكثر، وإن كانت أدنى صفة، فجائز مثل العدد
فأقل.
قال ابن القاسم وعبد الملك: وإن رد مثل ثيابه فأدنى، على أن أعطاه البائع
دينارًا نقدًا فجائز، وإن رد أكثر عددًا من ثيابه، وأخذ منه دينارًا، لم
يجز، وهو بيع وسلف، فالزائد على العدد بيعًا، ومثل الثياب سلفًا، ولا يجوز
أن يكون أرفع منها في مثل العدد ولا أدنى وأكثر عددًا، وهو بيع وسلف،
والزيادة في السلف.
[6/ 116]
(6/116)
فيمن باع سلعة بثمن إلى أجل أو أسلم فيها
ثم تقايلا
على أن باع أحدهما من الآخر سلعة أخرى بنقد أو دين
من المجموعة قال غيره فيمن أسلم دنانير في عرض، ثم استقال منه، على أن باعه
البائع دابته بذهب أو بوزن أو بعرض، فلا يجوز ذلك، ولو ندم البائع فاستقال،
على أن يبيع دابته من المشتري، فلا يجوز، لأنه بيع وسلف، أسلفه الذهب
الأول، على أن أعطاه دابته بورق أو ذهب أو عرض، وصار أن أعطاه الذهب الأول
والدابة الآن بذهب يأخذها وما معها، وذلك ذهب بذهب، مع كل ذهب سلعته، وهذا
إذا افترقا، فإن لم يفترقا، فندم المبتاع فاستقال البائع على أن يبيعه
دابته بذهب أو ورق أو عرض من غير صنف العرض الذي أسلف فيه، فهذا جائز، وإن
كان من صنفه، لم يجز، إلا أن يكون قد حل، أو يكون إلى أجل بعينه، فلا بأس
به، وإن ندم البائع، ولم يفترقا فاستقال مبتاعه على أن يبيعه البائع دابته
بذهب مثل الذهب الذي أخذ وأكثر، فلا بأس به إن كان مقاصة؛ لأنه رجل اشترى
دابة بأثواب له ويفضل ذهب أعطاها إن كانت أكثر من رأس المال، وإن كانت أقل،
فجائز؛ لأنه باع ثيابه بدابة، ويفضل ذهب يأخذها، وإن لم يكن مقاصة، أو كانت
ذهبًا مخالفة لرأس المال، فلا خير فيه.
وإن ابتاع الدابة بورق من البائع على الإقالة كما ذكرنا، لم يجز؛ لأنه صرف
تأخر فيه عوض، إلا أن يكون حل الأجل، فلا بأس به بالورق، وأما بالعرض،
فجائز نقدًا وإلى أجل، إلا أن يكون العرض المؤخر من صنف الدابة، ولا يجوز،
وإن كان مكان الدابة عرض من صنف ما عليه، لم يجز شراؤه للمشتري بشيء، إلا
أن يحل الأجل، أو يكون إلى الأجل بعينه، فيجوز؛ لأنه باع بعض ثيابه، ولا
يشتري العرض الذي قام مقام الدابة، إلا بما جاز له شراء الدابة، ولا بأس أن
يشتريه بعرض مخالف له إلى الأجل؛ لأنه ليس يبيع، إما يقاص ذلك
[6/ 117]
(6/117)
العرض، وباع منه بقية ماله عليه إلى أجل،
وعرض إلى أجل بذهب مثل ذهبه التي أعطى قبل يفارق، فإن افترقا، لم يجز، كان
العرض نقدًا أو إلى أجل.
قال ابن القاسم، وأشهب، وعبد الملك، فيمن باع سلعة بعشرة إلى أجل، فندم
المبتاع فاستقال، فلم يقله البائع حتى باع منه المشتري سلعة، دفعها إليه
بثمن نقدًا، أو إلى أجل دونه، أو أبعد منه، فذلك له جائز؛ لأنك أيها البائع
ابتعت منه الآن ثوبك الأول وثوبًا آخر بدنانير عليه، وبدنانير أخرى يدفعها
نقدًا، أو إلى أجل، والعرض كله من عندك، والذهب كلها من عندك، وليست من
رجلين. قال أشهب: سواء انتفع بعرضك أو لم ينتفع. قال ابن القاسم: وتجوز
الأول، فتجوز زيادته، ذهبًا أو ورقًا نقدًا أو مؤجلاً، ولو كان على أن باعه
المبتاع ثوبه بعشرة دراهم نقدًا، أو إلى أجل، فذلك جائز لأن الدراهم
والدنانير من عند البائع والعرضين من عند المبتاع الأول.
وأما إن كان على أن باعه منه بعرض نقدًا أو إلى أجل، فجائز، ما لم يكن
العرض الذي يأخذ منه مؤجلاً من صنف الثوبين اللذين يعطيه، أو من صنف
أحدهما، فيصير سلفًا جر منفعة، وبيع وسلف؛ لأن أحد الثوبين المأخوذين الآن
سلف يرد مثله، والباقي بيع، ويدخله عرض بعرض مثله وزيادة، لمسألة الحمل
نقدًا بحمل مثله وزيادة دراهم.
وقال ابن القاسم: إن شرط عليه رد الثوب الذي يعطيه الآن لم يجز، ويصير قد
فسخ دنانير في ثوب أخذه ولباس ثوب آخر آجلاً، وهو دين في دين، قالوا: فإن
أقاله على أن باعه البائع الأول ثوبه بدنانير نقدًا، أو إلى أجل دون الأجل،
أو
[6/ 118]
(6/118)
أبعد منه، فلا يجوز، إلا إلى الأجل نفسه،
لأنك بعت منه ثوبك، بدنانير لك عليه بثوب أخذته وبدينار نقدًا، أو إلى أجل،
فهو ذهب، نقدًا أو مؤجلاً بذهب مؤجله مع كل ذهب عرض نقدًا. قال أشهب:
ويدخله في انتقادك الدينار بيع وسلف، وضع وتعجل.
قال ابن القاسم: إن كان في الثوب الذي أعطيت فضلاً عن الذي كنت بعت منه،
فكأنك أعطيته ذلك الفضل على أن عجل لك دينارًا من دينك، فهو: ضع وتعجل،
قالوا: وإن كان بدينار إلى أبعد من الأجل، فهو بيع وسلف تبايعتما الثوبين
على أن وخرته بدينار من دينك. قال ابن القاسم: وسلف جر منفعة، أسلفه
الدينار ووخره عنه بفضل ثوبه الذي أخذ منه على ثوبه الذي أعطاه الآن. قال
أشهب: وإن لم يكن بين الثوبين فضل، أو كان الثوب الذي يدفعه الآن البائع
أفضل فهو ذريعة، وباب من أبواب الربا. قال ابن القاسم، وعبد الملك: وإن كان
بدينار ناقص، فهو أبين لحرامه. قال عبد الملك: ولا يجوز بدينار نقدًا، وهو:
ضع وتعجل. قال ابن القاسم، وأشهب: وأما بدينار إلى أجل، فهو جائز، لا تهمة
فيه إن كان في مثل ما لك عليه في الورق والوجه. قال أشهب: فإن كان الدينار
ليس من صنف دينك، لم يجز، وصار تبايعكما عوضًا في فضل ما بين الذهبين، وإن
ابتاع منك ثوبك بدينارين أو ثلاثة إلى الأجل، على أن أولته في الثوب الأول،
فجائز إن كانت الثلاثة دنانير من صنف دينك. قال ابن القاسم: وكأنك بعته
ثوبك هذا بثلاثة دنانير إلى الأجل، ورد إليك سلعتك. قال ابن القاسم: ولا
يجوز على أن يأخذ منه ورقًا - نقد أو لا - إلى أجل، وهو عرض وذهب مؤخر بعرض
ودراهم، ويدخله مع ذلك في تأخير الدراهم: دين بدين، وأما على أن يبيعه منه
بثوب نقدًا من صنفه، أو من غير صنفه، فلا بأس به، وأما إلى أجل، فلا يجوز
وهو فسخ دين في دين، ويدخله
[6/ 119]
(6/119)
أيضًا إن كان من صنفه: بيع وسلف، الثوب
الآخر سلفًا، والثوب الأول أخذه بدينار بيعًا.
قال ابن القاسم، وعبد الملك: وإن قال المشتري: لا أقيلك أيها البائع حتى
تعطيني دينارًا نقدًا في ثوب إلى شهر، لم يجز، وهو دين في دين، فسخ دينًا
لم يحل مع دينار نقده فيما لم يتعجل جميعه. وفي باب الإقالة في الإقالة منه
على بيع سلعة من أحدهما.
في الإقالة من الكراء أو من بعضه أو من الإجارة
وكيف إن كان في ذلك زيادة من أحدهما أو تأخير
من كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: ومن اكترى دارًا سنة، ونقد الثمن، ثم
استقال على أن وخره بالثمن، فلا يعجبني، ثم رجع فأجازه، وقال: ذلك بخلاف
الحمولة؛ لأن تلك مضمونة في ذمته. قال محمد: ما لم يسكن فتحرم الإقالة.
قال مالك في الأجير تظهر منه خيانة، فيريد مباراته، فإن صح ذلك فهو واسع،
وكذلك في كراء الحمولة، وأما إن لم يكن العذر من مرض، أو شيء نقم عليه، ولا
وجه، فلا ينبغي إن كان نقد الثمن، ولو واجره بدينار، فعمل له، ثم لم يتفقا،
فأقاله مما بقي، ورد ذلك دراهم، فكرهه مالك، ثم أجازه. وبرجوعه أخذ ابن
القاسم، إذا كان عذر من مرض أو سفر أو غيره. وأجاز مالك في الطحان والخياط
وشبهه، يقيل مما بقي، ويرد حصته، وكرهه في بائع اللحم والرطب وشبهه.
قيل لابن القاسم في المجموعة: ما الفرق بين هذا في الصائغ واللحم والرطب،
وفي الكراء في الحمولة، والدرر في الإقالة مما بقي؟ قال: هو سواء في
[6/ 120]
(6/120)
القياس. وفرق بينهم مالك بقدر ما يتبين من
الأعذار، وما لا تهمة فيه، وإن جاء في الرطب واللحم ما يشبه ما تقدم من عذر
بين، فلا بأس به، ومكر في الدار، بخلاف ذلك.
ومن كتاب ابن المواز: وإن أقاله من كراء مضمون بعد أن سار، وزاده الكري على
ما بقي له نقدًا، فجائز. وقال أصبغ: كمن باع سلعة بدينار، فطال زمانها،
وتغيرت تغيرًا شديدًا، من إخلاق ثوب، وإدبار دابة، ثم اشتراها بأقل من
الثمن نقدًا، وكذلك لو أعطاه الكري في جميع رأس المال وأضعافه نقدًا،
فجائز، أو أقاله على أن باع منه المكتري دابة بدنانير نقدًا، فجائز، ولا
يجوز إلى أجل. محمد: يريد: في الكراء المضمون، وإن كان على أن يبيع منه
الكري سائره نقدًا أو إلى أجل، فلا يجوز، ويدخله ذهب بذهب، وسلعة وكراء،
إلا أن تكون دنانير مقاصة، فيجوز.
ومن المجموعة قال علي عن مالك: ومن تكارى إلى بلد على حمل متاع، ثم استقال
من بعضه، فإن نقد، فأكرهه، فإن لم ينقد، فجائز، وإن استقاله بعد أن سار بعض
الطريق بربح أو وضيعة، فجائز. قال ابن القاسم: وذلك إن سار كثيرًا لا
يتهمان في بعده. وقال أشهب: إذا زاده المكتري بعد أن سار عينًا أو عرضًا،
وقد كان نقده أو لم ينقده، فجائز إذا كان شرط له ما نقده، أو كان لم ينقد،
وذلك حال، وإن كانت الزيادة من رب الأجل، فذلك جائز نقدًا، وإن لم يكن
انتقد، فلا يجوز تأخير الزيادة؛ لأنه دين في دين وإن نقد، لم تجز زيادته
نقدًا ولا إلى أجل، ولا أن يأخذ أكثر مما ينوب بقية المسافة، ولا بأس أن
يقيله على أن يرد عليه حصة بقية المسافة - يريد: وقد عرفا قدر ما مضى -
قال: عليّ يدخله في قول مالك: بيع وسلف. كالمقيل من بعض ما سلف فيه بعد
الغيبة على رأس المال. وكرهه مالك في الأجير.
[6/ 121]
(6/121)
قال علي، عن مالك: ومن تكارى دابة، ثم ندم
الكري فاستقال بغرم يغرمه، فإن كان انتقد، لم يجز، وإن كان لم ينتقد، فجائز
إن نقده الزيادة، ولا يجوز إن أخرها، وإن استقال المكتري بغرم يغرمه فجائز،
وإن أخره لم يجز.
قال مالك: ومن لك عليه دنانير حالة من كراء أو بيع، فأقالك على أن تغرم له
دينارًا فأكثر مؤخرًا، لم يجز، وهو إقالة وسلف. قال أشهب: وإن أكريت بطعام
نقدته، ثم استقلت من ذلك بزيادة تنقدها من غير الطعام والإدام أو إلى
الأجل، فجائز.
وباقي هذه المسألة قد تقدم في باب من أسلم في سلعة، ثم تقايلا.
قال: وإن استقالك مكريك بزيادة شيء ما، فلا يجوز؛ لأنه ربًا، ولو كان رأس
مالك مما يعرف بعينه، من حيوان، أو عرض، فرده، جازت الزيادة منه ما كانت،
ولا يجوز تأخيرها. وفي باب الدين بالدين إذا أقاله من كراء دار، على أن
يؤخره بالثمن.
فيمن باع سلعة بثمن إلى أجل ثم استقال من بعضها
وفي الإقالة على تأخير أو سلف
من المجموعة: ومن باع طعامًا بثمن مؤجل، فأقيل من نصفه قبل التفرق، فإن كان
على تعجيل باقي الثمن، لم يجز، ويدخله، تعجل دين على بيع وعرض، وذهب نقدًا
بذهب إلى أجل، وإن لم يعجل باقي الثمن لم يدخله ذلك، إذا لم يغب على
الطعام، فيتهم على سلف بانتفاع.
قال عبد الملك: ومن باع ثيابًا بثمن مؤجل، ثم أقيل من نصفها، فجائز ما لم
يشترط تأخير باقي الثمن عن أجله، فيصير: بيع وسلف. قال: ولو كان
[6/ 122]
(6/122)
هذا بعد محل الأجل، لجاز. هذا قول عبد
الملك، قال: لأن ما رجع إليه هو شيؤه بعينه، ووخره بعين لو شاء تعجله، ولا
يرجى تغير سوقه. قال سحنون: وهذا لا يجيزه أحد من أصحابنا غيره.
قال ابن القاسم: قال مالك: ولو أخذ منه جميع السلعة المبيعة بعد الأجل ببعض
الثمن، أو سلعة غيرها، على أن أخره بباقي الثمن، فهو بيع وسلف.
قال ابن القاسم: وإن باعه عبدين بدنانير إلى أجل، ثم أقاله من أحدهما فلا
يجوز حتى يسمي كم للذي أقاله منه من الثمن اتفقت قيمتها أو اختلفت.
قال ابن القاسم، وابن وهب: قال مالك فيمن باع دابة وانتقد، ثم أقاله
المبتاع على أن وخره بالثمن، فذلك جائز، ولو قال له المبتاع: لا أقيلك إلا
على أن تسلفني مائة دينار إلى سنة، لم يجز. وبعد هذا في الكتاب جواب عن
سؤال سقط بعضه من الأم، فأتممناه على ما كتبنا.
وقال ابن القاسم: عن مالك، فيمن باع سلعة بمائة دينار إلى سنة، ثم استقال
منها على أن أسلف هو للمبتاع بمائة دينار إلى سنة، فلا خير فيه. وأجازه
أشهب إلى الأجل بعينه، فأما حالاً، أو إلى أجل قبل الأجل وبعده، فلا يجوز.
قال أبو محمد: كأن أشهب حمله على أن السلعة بالمائة التي أعطاه الآن بيعًا،
وإذا حل الأجل، كانت المائة التي أخذ منه هي ثمن سلعته الذي كان له عليه،
وما لفظا به من ذكر السلف لغو، وفي العتبية، من رواية عيسى عن ابن القاسم،
قال فيها: أما إلى الأجل نفسه، فناس يكرهونه، وناس يجيزونه، وكرهه مالك،
وأنا أتقيه ولا أحرمه.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن البيع والسلف، أن يبيع سلعة بثمن
نقدًا، فلم ينتقد حتى استقاله المبتاع، على أن يردها ببعض الثمن، ويؤخره
[6/ 123]
(6/123)
بما بقي. محمد: أو يردها بالثمن كله على أن
يزيده المبتاع شيئًا مؤجلاً، أو منفعة بتأخير، ويدخله الدين بالدين.
في البيع والسلف وما يقارن السلف من العقود
ومن باع سلعة من رجل على أن باعه الآخر سلعة
من الواضحة: قال ابن حبيب: ولا يجوز أن يقارن السلف بيع، ولا صرف، ولا
نكاح، ولا قراض، ولا شركة، ولا إجارة ولا غيرها، ولا يكون إلا مجردًا.
ومن باع وأسلف، فإن لم يقبض السلف ويغيب عليه، فتركه مشترطه جاز البيع،
وإلا فسخ، وإن غاب على السلف، تم الربا، ونقض البيع، وردت السلعة، فإن فاتت
فقيمتها ما بلغت، وإن قبضت السلعة وفاتت، ولم يقبض السلف: فإن كان البائع
قابض السلف، فعلى المبتاع الأكثر من القيمة أو الثمن، وإن كان المبتاع قابض
السلف، فعليه الأقل. وقال سحنون: مثل ما ذكرنا عن ابن حبيب سواء. وقال أصغ
في غير كتاب ابن حبيب: إذا كان السلف من المبتاع، وفاتت، فعليه القيمة ما
بلغت، إلا أن يجاوز الثمن، والسلف، فلا يزاد، وإن كان من عند البائع، فعلى
المبتاع الأقل ما بلغ.
قال ابن حبيب: والإجارة مع السلف كالبيع. وأما الشركة مع السلف، فله ربح ما
أسلفه فيها؛ لأنه ضمنه، وأما مع القراض، فالربح والوضيعة لرب المال وعليه،
والعامل أجير، وقد قيل: له قراض مثله، وأما مع النكاح، فكالبيع إن غيب على
السلف، فسخ النكاح، فإن فات بالبناء، فلها صداق مثلها، وإن لم يقبض، وترك
السلف، مضى النكاح، وإن دخل بها، فلم يقبض السلف، فلها صداق المثل، فإن
كانت هي أسلفته، فلها الأقل من المسمى وصداق المثل، وإن كان هو أسلفها فلها
الأكثر.
[6/ 124]
(6/124)
وروى يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم في
العتبية فيمن باع من رجل عبدًا بعشرة دنانير إلى شهر، وبثوب نقدًا، على أن
أسلف المشتري لبائع العبد عشرة دنانير إلى أجل ثمن العبد، أو خمسة، فإن كان
شرط في أصل البيع، وعلى أن يتقايلا، فلا بأس به وإن قبح اللفظ، وإن اختلفت
الآجال، لم يجز البيع، ويفسخ إذا لم يفت العبد، فإن فات، رد إلى قيمته يوم
قبضه، ولو كان على أن أسلفه المبتاع مائة درهم إلى شهر، والصرف عشرة
بدينار، فلم يذكر لها في رواية يحيى جوابًا. قال أبو بكر بن محمد: لا يجوز.
قال أبو محمد: ويتبين لي أنه إن دفعها إليه المشتري، وشرط أنها تكون قصاصًا
بالعشرة الدنانير، فهو جائز، وإن قبح اللفظ، وصار بائع العبد بثوب ودراهم
نقدًا.
وروى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن قال لرجل: بعني بغلك بكذا، على أبيعك فرسي
بكذا، فإن كان الثمنان حالين، أو إلى أجل واحد، فلا بأس به، اتفق عدد الثمن
أو اختلف، فإن اتفق، فهو مقاصة، ويصير: بيع فرس ببغل، وإن اختلف الثمنان في
العدد، فهو فرس ببغل مع أحدهما زيادة، وإن كان أحد الثمنين نقدًا، والآخر
إلى أجل، إن اختلفت آجالها لم يجز، وصار بيعًا سلفًا، من مخرج الذهب أولاً.
وفي البابين اللذين قبل هذا الباب شيء من معنى البيع والسلف.
[6/ 125]
(6/125)
ذكر السلف وجرائره وما يجوز منه والشروط
فيه
وما يقارنه من نفع وذكر هدية المديان
وما يجوز له في الاقتضاء من الزيادة
من الواضحة قال: وأحب لمن استقرض دنانير أو دراهم أن يتسلفها بمعيار، ليرد
مثلها، ولا يتسلفها عددًا، فيختلف العدد في وزنه، فيرد أزيد مما عليه أو
أنقص.
ومن كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم فيمن قال لرجل: أسلفك هذه الحنطة في
حنطة مثلها بشرط، فلا خير فيه، وإن كان النفع للقابض. قال أشهب: أكره
الكلام في ذلك أن يقول: أسلفك هذا في مثله، خوفًا أن يكون أمرهما على غير
المعروف، ولو أسلفه إياه على أن يعطيه من جنسه أقل منه وأدنى صفة، لم يجز
ذلك، وأما يدا بيد، فجائز على المعروف من صاحب الفضل، إلا في الطعام، وأما
في الدنانير والدراهم، فيجوز بدل ناقصة بوازنة، يدًا بيد، إذا استوى العدد،
ولا يجوز إن اختلف. قال مالك: ومن ذبح شاة وسلخها، وأسلفها جزازًا وزنًا،
على أن يأخذ منه كل يوم رطلين، لم ينبغ ذلك، وإن لم يكن في ذلك شرط إذا
تصنعا لذلك، ومن وخر غريمًا بدين من بيع، أو قرض غيره، فذلك سلف، وإن كان
رفقًا بالمديان، فذلك جائز.
ومن قال لرجل خارج إلى مصر: أسلفك مالاً، لتقضينه بمصر، فلا ينبغي ذلك، ولو
كان المسلف هو السائل له ذلك، فذلك جائز.
وأما في الطعام، فلا يجوز أن يتسلف منه، على أن يوفيه ببلد آخر. محمد:
وكذلك كل ما كان له حمل أو كراء.
[6/ 126]
(6/126)
ومن سأل رجلاً أن يحمل له بضاعة، فقال:
حلفت ألا أحمل بضاعة، إلا ما إن شئت تسلفته أو تركته، فلا خير فيه، وإن
أودعه وديعة، فلم يقبلها، فقال: فخذها مني سلفًا، فكره ذلك مالك.
ومن خشي على قمحه الفساد، فأسلفه ليضمنه له، لم ينبغ ذلك.
ومن الواضحة، قال: ولا يجوز سلف الطعام السائس، ولا العفن، ولا المبلول،
ولا الرطب، ولا قديم ليأخذ به جديدًا، وإن كان القديم صحيحًا؛ لأن كل سلف
كانت منفعته للمسلف لم يحل. قال: ولو نزلت حلجة وسنة شديدة بالناس، فسألوا
رب الطعام العفن أو السائس وغيره مما ذكرنا أن يسلفهم إياه لما لهم فيه من
المعونة، فذلك جائز، إذا كانت المنفعة فيه لهم دونه.
ومن كتاب ابن المواز: ولا بأس أن تؤخر من لك عليه حق بالحق بعد محله، على
أن يرهنك رهنًا، وإن كان هذا قبل الأجل، لم يجز، وكذلك لو قال: أسلفني عشرة
إلى محل حقك، وأرهنك بالدينين رهنًا. لم يجز، وهو سلف جر منفعة، ولا بأس
بذلك بعد محل الحق الأول، وقد كان قال: إن كان عديمًا، فلا خير فيه. محمد:
وهذا غلط، وذلك أنه يملك هذا الرهن، وفيه وفاء للحق. قلت: فإن كان الرهن
ليس له، أو دفع حميلاً بالحقين؟ قال: جائز؛ لأنه سلف مبتدأ، وقال في كتاب
الرهون: لا يجوز إلا أن يكون الرهن له. وأما إذا كان عديمًا وعليه دين محيط
لم يجز وإن كان الرهن له.
ومن له على رجل عشرة دنانير حلت، ولا شيء عنده، فقال لغريمه: اسلفني خمسة،
ونجم علي الخمسة عشرة، نصف دينار من كل شهر، فلا بأس به.
ومن قال لرجل: أعني بغلامك أو بثورك في حرثي يومًا أو يومين، وأعينك بغلامي
أو بثوري، فلا بأس به، ورآه من وجه الرفق، وكان هو الذي يطلب.
[6/ 127]
(6/127)
قال: وإن أعطيته عبدك النجار يعمل له اليوم
بعبده الخياط يخيط لك غدًا، فجائز.
قال مالك: ومن أقام شاهدًا بدين، فأراد أن يحلف، ثم سأل المطلوب أن يعفيه
من اليمين، ويؤخره سنة، فليس بحسن، أرأيت إن قال: أسلفك؟ وكذلك لو رد
اليمين، فقال المطلوب: لا تحلفني، وأخرني سنة، وأنا أقر لك. فلا خير فيه،
وهو سلف جر منفعة، والإقرار على هذا باطل، ويرجعان إلى الخصومة.
ومن قال لرجل: أقرضني اليوم دينارًا، وغدًا دينارًا، وأقضيك إلى شهرين
دينارين، فجائز إن كان النفع للمستقرض، ولو قال: أسلفني دينارًا، وإلى شهر
دينارًا، على أن أرد عليك دينارين يوم تعطيني الدينار. لم يجز، وإن كانت
المنفعة للمستقرض، وكأنه أسلفه دينارًا، على أن يراطله إلى شهر بدينار،
فصار بيعًا وسلفًا.
وسئل مالك فيمن لزم رجلاً بدينار، فقال له غيره: وخره، وأنا أسلفك عشرة
دنانير، فكره ذلك.
قال ابن القاسم: قال مالك فيمن نزل بغريمه للقاضي، فيقيم يأكل عنده، قال:
إن من ذلك ما عسى أن يكون خفيفًا، ولعله لولا دينه لم يقم.
قال مالك: ومن باع من مديانه بيعًا، أو صنع له معروفًا أو هدية، وهو قريب
أو بعيد، غني أو فقير، فإن تبين أنه فعل شيئًا من ذلك لمكان الدين، لم
يصلح، وما كان لغير الدين فجائز، وما أشكل فلا يقربه، وإذا كان غشيانك إياه
ليلا يرهقه في دينك، فلا خير فيه، وإن كان ممن لا يخاف، فلا بأس. ثم قال:
دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.
[6/ 128]
(6/128)
ومن قال لغريمه: هل لك أن تخرج بهذا المتاع
تبيعه؟ فإن كان يكلفه الخروج بسبب دينك، فلا خير فيه، فإن فعل، فلو أعطاه
شيئًا يصلح به ذلك، وإن لم يخرج لمكان دينك، فلا بأس به.
ومن العتبية: قال ابن القاسم، عن مالك، فيمن ابتاع كذا وكذا رطلاً بدينار
إلى أجل، فيزن له، فبقي عنده رطلان، فيدعهما له، فلا بأس، بما قل مثل هذا،
وإن كثر، فلا يعجبني. وقال سحنون: لا بأس به كان قليلاً أو كثيرًا.
ومن الواضحة، قال: ولا يقبل للمديان هدية، ولا ركوب دابة، إلا أن يكون من
خاصة أهلك ممن يكون ذلك بينكما قبل الدين، وإن خفت أن يكون بعض ذلك للدين،
فلا نقربه، وقد أمر ابن عباس أن يحاسب بما تقدم له من هدية في دينه، ورد
عمر هدية أبي وله عليه دين، فعاتبه وقبلها، وقال: إنما الربا على من أراد
أن يربي.
ولا تنتفع بما رهنك بشرط، ولا بغير شرط، وإن كان مصحفًا فلا تقرأ فيه، ولو
كان من بيع وشرط في أصله النفع بالرهن أجلاً ذكره، جاز، وإن لم يشترطه، لم
يجز نفعه به، كان الدين حالاً أو مؤجلاً، أذن له ربه أو لم يأذن، ونحو هذا
في كتاب ابن المواز، في كتاب الرهون وغيره.
قال ابن حبيب: ولم يختلف في إجازة القضاء في القرض أجود صفة وعينًا في
العين والطعام، وقد تسلف النبي صلى الله عليه وسلم بكرًا، فقضى حملاً
خيارًا رباعيًا.
وأما الزيادة في العدد في العين، والطعام في القضاء، فكرهه مالك، واستخف
رجحان الميزان. قال ابن حبيب: وأجازه غيره من أصحابه، إذا كان من أهل
[6/ 129]
(6/129)
الصحة من غير وأى ولا عادة، ويكون عند
القضاء أو بعده، لا يجوز قبل القضاء أن يقبل منه شيئًا، ويتهم أن يكف عن
تقاضيه، أو يمد له في الأجل.
قال ابن المواز: خفف مالك يسير الرجحان، ولم يجز ما كثر، ولا زيادة العدد
في العين والطعام، وأجاز أشهب زيادة العدد في العين والطعام، واحتج بحديث
رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في بعير تسلفه ببعيرين.
ولمثل هذا باب في كتاب الصرف فيه هذا المعنى.
ومن العتبية قال أصبغ في قوم يقتسمون ماء بالقلد، فتسلف أحدهم من صاحبه في
الشتاء أقلادًا، فيطلبه في الصيف، فيأبى أن يعطيه إلا في الشتاء كما أخذه،
لرخصه حينئذ وغلائه في الصيف، قال عليه أن يعطيه حين يطلبه به إن كان
حالاً، وللمتسلف قضاؤه أيضًا أي وقت شاء، ولا يأبى الآخر أخذه إذا بذله له.
وفي باب مبايعتك لمن لك عليه دين ذكر سلفك لمن لك عليه دين ليقضيك.
فيمن له دين هل يضع منه ويتعجل أو يأخذ أفضل أو أكثر
أو يأخذ ببعضه غيره على تعجيل أو تأخير؟
من المجموعة، قال ابن القاسم، عن مالك: قال: ومن له دنانير دينًا، فلا يأخذ
قبل الأجل بعضها، وبباقيها عرضًا، فيصير بيع وسلف وعرض، وذهب
[6/ 130]
(6/130)
بذهب، وإن كانت قيمة العرض دون ما أخذه به،
دخله مع ذلك: ضع وتعجل، ولو أخذنا بجميعه عرضًا قبل الأجل يسواه، فذلك
جائز، ولك أن تأخذ بعضه قبل الأجل عينًا وببعضه عرضًا، ثم إذا حل أخذت
ببقيته عينًا أو عرضًا، لا يتأخر العرض. قال أشهب: لا تتعجل من دينك شيئًا
على وضيعة باقيه أو بيعه، فإن تعجلت بعضه، ولم تضع شيئًا منه ولا بعته أو
بعت منه، أو وضعت ولم تتعجل، ثم أراد أن يفعل ما ذكر، فذلك جائز إن صح من
غير مؤانسة ولا موعد، كمن أسلف بعد تمام البيع، أو أسلف إن كان السلف
سابقًا للبيع.
ابن نافع، عن مالك: ومن له مائة دينار حالة، من ثمن طعام على رجل، فأخذ منه
تسعين، ووخره بعشرة، ثم أخذ منه بها قبل الأجل عرضًا أكثر من قيمتها، فذلك
جائز، ولا يأخذ منه من صنفه طعامًا أقل منه.
قال مالك في كتاب ابن المواز: ولو أخذ منه تسعين من مائة حالة، ووخره
بعشرة، وكتب له بذلك كتابًا، فلا يصلح أن يضع له منها على تعجلها بعد أن
وجب التأخير، ولو كان ذلك عند المراوضة قبل الوجوب، لجاز، ولكن إن أخذ منه
عرضًا، فجائز.
مالك: ومن قال لغريمه: عجل لي ديني، وأحطك منه، فقال: لا يجوز هذا، ولكن خذ
عرضًا بما رضيت تعجله. قال: ذلك جائز، وهذا غلط في اللفظ، ولا يأخذ ببعضه
قبل الأجل عرضًا مؤخرًا، ولا يأخذ بعضه عينًا وبعضه مؤخرًا، ولا عرضًا
معجلاً.
[6/ 131]
(6/131)
مالك: ومن أسلم في عبدين، فأخذ قبل الأجل
عبدًا مثل شرطه، أو أرفع، وعرضًا ببقية حقه، فكرهه مالك، وأجازه ابن
القاسم. وقال أصبغ: لا يجوز، وهو: ضع وتعجل، وقول مالك أصوب.
قال محمد: قول ابن القاسم غلط. وروى أشهب، عن مالك أنه لا يجوز، ولو أخذ
قبل الأجل عبدًا أدنى أو أرفع، لم يجز.
ومن المجموعة، قال أشهب: وإذا كان لك عرض من بيع إلى أجل، فعجله لك، فإن لم
يكن أجود ولا أردأ، فجائز، وإن كان مثله ولكن لم يعجله حتى أعطيته شيئًا،
أو أعطاك شيئًا، ولم يقع بخطوة ولا كلمة، فلا يجوز، لأنه منك وضيعة على
تعجل حق، ومنه طرح ضمان بزيادة. قال هو وأشهب: ولا يأخذ أجود، أقل عددًا أو
أكثر. ولا أدنى وأقل عددًا أو أكثر. قال ابن القاسم: ولا يأخذ ما لا يجوز
أن يسلمه فيه قبل محله، إذا كان من بيع. قال عبد الملك: وإذا حل وليس بذهب
ولا فضة، جاز أخذك أرفع أو أدنى، أو أكثر أو أقل، من صنفه ومن غير صنفه
نقدًا.
قال ابن القاسم: ويجوز أن تؤدي إليه بزيادة الفضة شيئًا، أو تأخذ منه
لدناءتها، وكذلك في العدد، وتكون الزيادة نقدًا منك أو منه، وهي عين أو
عرض، إلا أن يزيدك من مثل رأس المال، فلا يجوز، ولا يتأخر ما يزيدك؛ لأنه
دين بدين، وإن كان من صنف دينك، فهو بيع وسلف، فإن أخرت أنت ما زدته، فذلك
جائز. ورواه علي، عن مالك، في المسألة كلها. قال ابن القاسم، وأشهب، وعلي:
ما لم تكن زيادتك من صنف ما تأخذ منه في عرضك، فيصير بعض ما قضي سلف في عرض
من صنفه. قال ابن القاسم: وإن كان الذي لك عليه
[6/ 132]
(6/132)
من قرض، فلك أن تأخذ قبل الأجل أجود صفة في
مثل العدد، ولا تأخذ أردأ، بخلاف أن لو كان من بيع؛ لأن له أن يعجل لك
العرض، وقد عجله أجود، وليس له تعجيل البيع.
وقال أشهب: لا يجوز في البيع، ولا في القرض أن يأخذ قبل الأجل أجود ولا
أبدأ؛ لأنه العرض بالعرض من صنفه، أو ضع وتعجل أو ازدد وتعجل. واختلف قوله
في أخذه من الذهب القرض أردأ أو أجود، وحوزها قبل الأجل من الطعام في مثل
كيله وجنسه أجود صفة، فكرهه، وأجازه ثم قال: ولا خير في أن يأخذ من الطعام
قبل الأجل أكثر كيلاً من صنفه؛ لأنه الفضل في الطعام.
قال ابن القاسم، وأشهب: ومن لك عليه دين إلى أجل، من عرض أو حيوان، فلقيته
بغير البلد، فلا بأس أن تأخذه منه إذا رضيتما وحل الأجل، وكان من صنفه، لا
أرفع ولا أدنى. قال أشهب: لأنه في الأرفع زيادة برفع الضمان، وفي الأدنى:
ضع وتعجل. قال ابن القاسم: وإن لم يحل، فلا تأخذ منه بغير البلد، لا مثل،
ولا أدنى، ولا أرفع، وكذلك هذا كله في كتاب ابن المواز. وزاد: قال ابن
القاسم: ويدخله في أخذ مثله قبل الأجل بغير البلد ما يدخل في أرفع وأدنى.
قال ابن عبدوس: وقال سحنون: ذلك جائز إن كان مثل الصفة، حل الأجل أو لم
يحل.
ومن كتاب محمد: ولا يجوز أن يعطيك بغير البلد، من عرض، أو طعام من قرض أو
بيع قبل الأجل، وإن كان مثل دينك سواء، ويجوز في البلد قبل الأجل مثله،
ويجوز في القرض أجود منه. قال يحيى بن عمر: قال أصبغ: ومن لك عليه طعام من
قرض، فقضاك بغير البلد مثله، وقد حل، فذلك جائز ولا يجوز أدنى
[6/ 133]
(6/133)
ولا أجود وإن لم يحل فلا يجوز مثله ولا
أدنى ولا أجود بغير البلد، وكذلك إن كان من بيع في القضاء بغير البلد، مثل
ما قلنا في القرض فيما حل، وفيما لم يحل.
ومن كتاب ابن المواز، قال ابن القاسم: وأخذك لبعض ما أسلمت فيه قبل الأجل،
مع عوض يخالفه كأخذك من مائة دينار خمسين دينارًا، وعرضًا قبل الأجل، ويفسخ
ذلك كله، ويبقى الحق إلى أجله إن علم ذلك قبل محله. قال أصبغ: وإن لم يعلم
حتى حل نقدت الوضيعة؛ لأنه لا أجل له يرد إليه، وليس له إلا ما أخذ، وقد
أتم. قال محمد: هذا غلط، وخلاف لمالك، وابن القاسم، بل الوضيعة باطل قاله
مالك.
ومسألة الخلع على وضيعة الدين وتعجله، في كتاب الخلع.
وإن أسلمت في عرض أو حيوان، فلا تأخذ قبل الأجل أدنى صفة، أو أقل وزنًا؛
لأنه ضع وتعجل، ولا أرفع، ويجوز ذلك كله بعد الأجل، وإذا كان دينك دنانير
أو دراهم، من بيع أو قرض، أو كان طعامًا أو عرضًا من قرض خاصة، فيجوز أن
يأخذ قبل الأجل أرفع صفة، ولا يجوز أدنى صفة، ولك أن تأخذ قبل الأجل أكثر
عددًا، إن كان ذلك من بيع، فأعطاك ذلك البائع، ولا يجوز إن كان من قرض، إلا
أن يأخذ أجود صفة، من غير وأي ولا عادة، ولا يأخذ قبل الأجل أقل ولا أدنى
في عين أو غيره من بيع أو قرض.
وروى أشهب، عن مالك: إلا أن لا يبقى في الأجل في البيع إلا يوم أو يومان،
فيلزم المبتاع قبوله.
مالك: ومن لك عليه أربعة عشر دينارًا ونصف، فقضاك الدنانير قبل الأجل،
وأعطاك بالنصف دراهم، فلا يجوز ويجوز أن يعطيك به عرضًا، وإن
[6/ 134]
(6/134)
أعطاك دينارًا، ورددت عليه في نصفه دراهم،
قال: أحب إلي أن يرد إليه عرضًا. وأجازه ابن القاسم في القرض، ومن لك عليه
نصف دينار، فأعطاك قبل الأجل دينارًا، وأعطيته بنصفه دراهم، لم يجز، وأما
عرضًا، فقد أجازه مالك، ولسنا نجيزه، ويدخله: بيع وسلف، وضع وتعجل، تعجل حق
سلف. وكذلك قال ابن القاسم.
وهذا الباب يتعلق منه بغير باب من البيوع والأكرية، قد جرى ذكره في مواضعه.
من له دين على رجل، ما الذي يجوز له بيعه به
منه أو من غيره؟
أو يأخذ منه فيه والاقتضاء في الدين
ما لا يجوز أن يسلم فيه أصله في بيع أو قرض أو حوالة
من كتاب ابن المواز: وما أسلمت فيه من عرض، فلك بيعه من غير بائعك بما شئت
من ذهب أو ورق أو طعام أو غيره، من خلاف العرض، وتنتقد وتحيل عليه، حل أو
لم يحل، ولا يجوز أن تبيعه من بائعك، إلا بما يجوز أن تسلم فيه رأس مالك،
وما ابتعته بعينه، جاز أن تبيعه من أجنبي بنقد، أو إلى أجل، بخلاف ما في
الذمة، وما أسلمت فيه ورقًا، فلا تبعه من بائعك بذهب، وما أسلمت فيه ذهبًا،
فلا تبعه من بائعك بورق وإن قلت، ويجوز أن تبيعه منه بمثل ما نقدت في صفته،
وفي وزنه فأقل.
وإن أسلمت عرضًا أو طعامًا في غير الطعام، فلك بيع ذلك من بائعك بذهب أو
ورق، بما يجوز أن تسلم فيه ما دفعت، إذا تعجلت ذلك، حل الأجل أو لم يحل،
ويجوز أن تبيعه بمثل رأس مالك فأقل، ما لم يكن أجود جودة منه، وإن نقدت
ذهبًا، جاز بيعك بذهب أقل عددًا، ما لم يكن أجود عيونًا،
[6/ 135]
(6/135)
وكذلك الورق، والعروض، وكذلك الطعام إن
أخذت مثله في صفته وكيله. وكره ابن القاسم أن يأخذ أقل كيلاً. وأجازه أشهب
وغيره، كالذهب يأخذ أقل منه.
ومن المجموعة: قال ابن القاسم، وأشهب: وإن كان له طعام من قرض، فله أن يأخذ
به عند الأجل طعامًا يخالف جنسه أزيد كيلاً نقدًا، وله أن يأخذ منه فيه ما
يجوز أن يأخذه في المبادلة يدًا بيد، اثنان بواحد إن شئتما، وذهبا من ورق
وورقًا من ذهب، ولا يأخذ من جنس من التمر جنسًا آخر، إلا في مثل المكيلة.
قال أشهب في هذا: يجوز إذا لم تجر بينكما فيه عادة ولا وأي، فأما إن جرت
فيه عادة أو وأي، فلا تأخذ إلا مثل ما أسلفته بعينه من تمر أو غيره، أو
أدنى منه في جنسه من التمر الذي لك عليه، فإن كان أردأ منه في غير جنسه من
التمر، فلا أحبه؛ لأنه ربما رغب فيه وكان أفضل. قال أشهب: ولا تأخذ في ثمن
كرسف بعته كرسفًا أكثر من وزنه، وأدنى من صفته، أو أقل وزنًا وأجود صفة.
قال أشهب: ومن أسلم في سلعة غير الطعام عينًا أو طعامًا أو عرضًا لا يعرف
بعينه، أو مما يعرف بعينه، ثم باعها من الذي هي عليه قبل يفارقه، فيجوز
بيعها منه بما شاء نقدًا قبل التفرق، وكذلك إن نقد فيها دنانير، وأخذ
دراهم، أو دنانير أكثر من دنانيره، ولا يجوز بعد التفرق أن يأخذ إلا ما
يجوز أن يعطي فيه رأس ماله، ولا يأخذ من ذهبه ذهبًا أقل وزنًا وأجود صفة،
ولا أكثر وزنًا وأدنى صفة، ولا من ثمن الطعام طعامًا من صنفه أكثر كيلاً
وأردأ عينًا، ولا أقل كيلاً وأجود عينًا، ويجوز أدنى صفة وكيلاً، أو
مساويًا له في أحدهما، أو أدنى منه في الآخر، وإن لقيته بغير البلد، فأخذت
منه دنانير مثل رأس مالك عددًا أو وزنًا، فذلك جائز.
قال أشهب: ومن لك عليه عروض، فلك بيعها من غيره، حلت أو لم تحل بمثلها صفة
ومقدارًا. وقال ابن القاسم: إذا كان النفع في هذا لآخذه، جاز وإلا لم يجز.
[6/ 136]
(6/136)
ومن الواضحة: وإذا أحالك من لك عليه عرض
على عرض مثله من بيع، لم يجز لك أن تصالح المحال عليه إلا بما كان يجوز لك
أن تصالح عليه من أحالك بمثل رأس ماله فأقل، فإن كان رأس ماله خمسة عشر،
ورأس مالك عشرة، فلا تصالحه إلا بعشرة فأقل، ولو كان رأس مال غريمك بما
أقالك ورقًا، ورأس مالك ذهبًا، لم يجز أن يأخذ منه ذهبًا ولا ورقًا، ولكن
يأخذ منه ما يجوز، لا أن تأخذه من غريمك، ويكون ذلك مما يجوز لغريمك أن
يأخذه من غريمه، وإلا لم يجز. وهذا الباب متعلق بغير باب قد تقدم ذكره.
جامع مسائل الدين أو فسخه في دين
من كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم، وأشهب: قال مالك: من كان شراؤه بدين
إلى أجل، جاز لك أن تشتريه بدين لك على رجل آخر. قال: ومن لك عليه دين، لم
يجز لك أن تفسخه عليه في دين، ولا يجوز لك أن تشتري منه ما يتأخر قبضه من
تمره وشيء غائب، أو بيع فيه خيار أو مواضعة، أو كراء، أو إجارة.
ولا بأس أن تشتري ذلك منه بدين لك على غيره، إلا الإجارة والكراء، فأجازه
أشهب، وكرهه ابن القاسم، وروى كل واحد منهما قوله عن مالك. وفي المدونة في
كتاب الحوالة، عن ابن القاسم مثل ما ذكر هاهنا عن أشهب.
ولو اكترى منه على أن يحمله على من ليس له عنده دين، فهو جائز؛ لأنها
حمالة. قال مالك: ولو شرط في الكراء النقد، ثم أحاله على دين له حال أو
مؤجل، كان جائزًا، أو لو لم يشترط النقد، لم يجز.
[6/ 137]
(6/137)
قال مالك: ولا تأخذ بدينك من الغريم طعامًا
بقريته، تبعث من يقبضه. قيل: فإن كان على ستة أميال. فكرهه، حل الدين أو لم
يحل. قال: ولا ثوبًا يصبغه لك أو يخيطه، أو حنطة يطحنها، أو يكري منه به
أرضًا قد رويت وإن حل. قال مالك: ولو كان طعامًا قليلاً أخذ منه بدينار، لم
يصلح له أن يؤخره إلا قدر ما يجوز له في مثلها، إلى أن يأتي بحمال أو مكتال
يأخذه فيه. وقاله ابن القاسم، وأشهب.
قال أشهب: وكذلك لو كان مما يكال أيامًا أو شهرًا، يقم في ذلك ما ذكرنا، لم
يكن بذلك بأس إذا شرع فيه. قال: وإذا بعت الدين من غير من هو لك عليه، جاز
أن تؤخره بالثمن اليوم واليومين فقط، ولا تؤخر الغريم إن بعته منه، إلا مثل
ذهابه إلى البيت، فأما أن تفارقه، ثم تطلبه به، فلا يجوز. قال أشهب: فإن
تفرقا، فسخ البيع إن عملاً على ذلك، أو كانا من أهل العينة، فإن لم يكونا
كذلك فليلح عليه حتى يأخذ منه الثمن. قلت: فإذا لم يجز إن اكترى منه بدين
عليه داره أو عبده، فهل يجوز لي أن أستحمله به عملاً؟ قال مالك: أما العمل
اليسير والدين لم يحل، فذلك جائز، وإن حل، لم يجز في يسير ولا كثير. وقال
مالك فيمن لك عليه درهمان، فاستحطته بدرهم، فلا تقارضه به بعد فراغه، ولكن
ادفعه إليه، ثم يقضيكه في دينك. وكره مالك في رواية ابن وهب تستعمله في دين
لم يحل به عملا قبل الأجل، وقال: أخاف أن يمرض أو يغيب، فيتأخر عليه حتى
يحل الأجل فيصير دينًا بدين.
قال مالك: ومن ابتاع خمسين إردبًا بخمسين درهمًا، يأخذ كل شهر عشرة أرادب،
ونقده الآن عشرة دراهم، على أنه كلما أخذ عشرة أرادب، نقده عشرة دراهم.
قال: هذا دين بدين.
[6/ 138]
(6/138)
قال مالك: من ابتاع طعامًا إلى أجل بعشرة
دنانير، فنقده ثمانية دنانير، وتأخر ديناران إلى محل الأجل، فلا خير فيه.
محمد: ولا يفسخ إلا أن يتعاملا عليه.
ومن العتبية: وكره مالك أن يشتري الطعام بثمن إلى أجل، ثم يقره عند بائعه
وإن كان اكتاله، وأخاف أن يؤخره حتى يحل الحق، ولو كان بالنقد لجاز.
قال ابن القاسم: يخاف أن يضمنه له إلى الأجل، فيكون النقد والكيل معًا. قال
في رواية عيسى: ولا يفسخ إن نزل وإن لم يكتله حتى يحل الأجل، وقاله ابن
المواز.
قال: ومن لك عليه مائة دينار، فأخذت بها منه مائة إردب، فاكتلت نصفها،
وتأخر ما بقي حتى طال، فليرد كل شيء، ويرجع إلى دنانيره.
ومن كتاب محمد: وإذا كان رأس مال السلم حليًا مكسورًا، فيقبضه، ثم استحق أو
وجده رديئًا، فله مثله، ولا ينقض السلم، بخلاف المصوغ، قاله ابن القاسم،
وأشهب، ولو عرف وزن المصوغ، فهو كالموزون المكيل يستحق من طعام أو عرض أنه
ينتقض السلم.
ومن وليته طعامًا أو عرضًا في ذمة رجل، فلا يجوز أن يؤخره بالثمن يومًا ولا
أقل منه، وهذا كالصرف. قال محمد: أما في الطعام، وفي كل ما عامل به صاحبه،
فكما قال، وأما في غير الطعام، يبيعه من غير من هو عليه، فيجوز أن يؤخره
بالثمن يومًا أو يومين.
قال: ولا يجوز للمرأة أن تضع مهرها عن زوجها، على أن يحج بها، ذلك دين
بدين، وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم.
[6/ 139]
(6/139)
قال ابن القاسم: إن أسلمت في وقت، ثم زدته
ليجعله أكثر مما وصفته، فجائز إن كان ذلك إلى الأجل بعينه، كقول مالك في
الثوب يزيد في طوله، كان حائكًا أو غيره، وأما في أصفق وأدق، فلا يجوز.
قال مالك فيمن استعمل مساويًا على قدر وصفه، ثم زدته في الثمن، ليجعل لك
أكثر منها، فذلك جائز، إذا لم يزد في الأجل. محمد: ولم ينقص منه.
ومن اكترى دارًا سنة، لم يجز، سكن أو لم يسكن. ثم رجع فقال: إن لم يسكن،
فلا بأس به، بخلاف الحمولة؛ لأن تلك مضمونة. وقد ذكرت فسخ الكراء والإجارة
في غيره في كتاب الإجارات والأكرية.
باب في مبايعتك لمن لك عليه دين أو تقرضه قرضًا
من العتبية، قال مالك فيمن لك عليه طعام من قرض، فسألك أن تبيعه طعامًا
يقضيكه، من قرضك. فأما بنقد، فجائز، وأما بدين، فلا يجوز، لأنك ترده إليه،
وتصير تطلبه بثمن مكان طعام كان قرضًا، وأما بنقد، فهو كبيع الطعام من قرض
قبل قبضه، فذلك جائز.
ومن كتاب ابن المواز: قال مالك: ومن عليه طعام من بيع، فقال للطالب: ما
عندي طعام، ولكن بعني حمارك، وأنا أقضيك طعامك. فأما بنقد فجائز، إذا لم
يعطه دون شرطه من الطعام أو أرفع، وإن كان بيع الحمار إلى أجل، فلا يجوز.
قال أصبغ: ويفسخ، فإن مات الحمار، تعجلت قيمته.
من الواضحة: روى ابن القاسم، وابن وهب، عن مالك، في القائل: بعني حمارك
لأقضيك طعامك: أنه كرهه، ولم يذكر بنقد، ولو قال: بعني طعامًا
[6/ 140]
(6/140)
لأقضيك، لم يجز، وهو بيع الطعام قبل قبضه.
وقاله أشهب. وإن كانت الدنانير التي يعطيه الآن أكثر من رأس ماله، فهو
الربا.
قال عيسى، عن ابن القاسم: إن ابتاعه بمثل رأس المال نقدًا، فجائز، وأما
بأكثر، فهو الربا، وأما بأقل، فهو بيع الطعام قبل قبضه.
ومن كتاب ابن المواز: ومن تحمل له رجل، فقال للحميل: بعني سلعتك أقضيها
فلانًا، فتسقط حمالتك، فلا يعجبني، وأخاف أن يكون من الدين بالدين، وبابًا
من أبواب الربا. ومن العتبية: قال عيسى، عن ابن القاسم: إن كان اشتراها كما
يشتري الناس، ولا يدري أيبيعها في قضائه، أم لا؟ فلا بأس به.
ومن كتاب ابن المواز: مالك: ومن عليه مائة دينار دين، فلما حلت سأل الطالب
أن يبيع منه سلعة بمائة وخمسين إلى أجل. قال في المجموعة: تسوى مائة
بالنقد، فهذا لا يجوز، وهذا كراء الجاهلية، ورواه ابن القاسم، وأشهب، عن
مالك. وقال مالك فيمن يقدم عليه البز من مصر، فيبيع بدين، فيقضي البعض، ثم
يقدم شيء آخر، فيبيع منهم، قال: لم أرهم يرون بهذا بأسًا، وليس مثل الأول،
وإنما يكره هذا من أهل العينة.
قيل: إن قومًا يبيعون الغزل بالدينارين والثلاثة من الحاكة، فيأتي أحدهم
بدينار مما عليه، ثم يبتاع منه أيضًا غزلاً آخر، فهو هكذا يقضيه ويبقى
عليه، فلم ير به بأسًا. قال محمد: وقول مالك الأول، كراهيته أحب إليّ. قاله
ابن القاسم.
قال مالك: ومن لك عليه دين، قد حل أو قرب حلوله بما يتهم أن يكون يستعين
بما يأخذ منك في قضاء دينه، فلا تبيعه شيئًا إلى أبعد من أجل حقك، وأما
بنقد فجائز.
[6/ 141]
(6/141)
قال أشهب: قال مالك فيمن عليه خمسة وعشرون
دينارًا من قرض، فقضى منها عشرين، لم يجد غيرها، فباعه الطالب عرضًا بخمسة
إلى ستة، ثم وقع في نفسه أنه يقضي من ثمنه، قال: لا يأخذها، وأصل بيعه لا
خير فيه، باعه وله عليه دين. قيل: إنه سلف حال، قال: ذلك سواء من بيع أو
قرض، ولكن إن ترك الخمسة إلى السنة، فأرجو أنه جائز. قول محمد: صواب إلا
قوله: إن ترك الخمسة إلى السنة فجائز. فهذا لا يعجبني؛ لأنه إن باعه العرض،
على أن يؤخره بالخمسة، فهو بيع وسلف، وإن باعه على أن يعجل له من ثمنه، فلا
خير فيه؛ لأنه يعطيه ثمن سلعته.
وقال مالك فيمن له حريف بالريف، يبتاع منه بالمال العظيم، ثم يقضيه عند
حصاده، ثم يأخذ منه أيضًا. قد عوده ذلك، ولولا أنه يعطيه ذهبه عندما يقضيه،
لم يعطه طعامه، قال: لا يعجبني هذا، وإذا قبض الرجل من أهل القرية طعامه
وخزنه، ثم ابتاعوه منه بنقد، فإن لم يكن بحدثان ذلك، ولم يبق له عندهم شيء،
فلا بأس به.
ومن العتبية: روى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن باع طعامًا بثمن إلى أجل، ثم
أراد أن يسلم إلى المبتاع عرضًا في طعام، فإن لم يقرب الأجل، فذلك جائز،
وإن كان على أن يرهنه بالأول والثاني رهنًا، فلا يجوز.
قال ابن القاسم، عن مالك: ومن وجب لأجيره عليه عشرة دراهم، فسأله بها
ثوبًا، فقال: أشتريه لك إن شئت. فكرهه، قال: والصواب من ذلك أن يشتريه
لنفسه، ثم يبيعه منه بعد ذلك.
[6/ 142]
(6/142)
ومن المجموعة قال ابن القاسم، عن مالك: ومن
الناس من يجوز له أن يبيع ممن له عليه دين قد قرب حلوله مثل البزازين
والسقاطين ممن يبتاع على التقاضي، فهو يبيعه ويقبض منه، وقد يأتيه متاع آخر
يبيعه منه وقد حل الأول، أو قرب حلوله، فهو جائز، وليس هؤلاء من أهل
العينة. قال: وأما من يسلف في الحبوب، فإذا حل أجله أسلم إليه في طعام إلى
أجل، ولو منعوهم أخذوا من غيرهم، وهم عدماء، ولهم ما بقي بديونهم، ولا
يبيعونه، فلا خير في هذا.
قال غيره: ومن حل عليه دين لرجل، فقال له: لا أقضيك إلا أن تسلفني دراهم أو
طعامًا، أو كانت له دنانير مرهونة عند غيره في عشرة دراهم، فقال له أسلفني
عشرة دراهم أفتكها وأقضيكها، فقال: لا يسلفه إلا من جنس ذهبه الذي يسأله
ولا يعده سلفًا، وهو شيء أخذه مما عليه، وإذا كان مخالفًا لما لع عليه، فهو
سلف جر منفعة.
قال علي، عن مالك: ومن لك عليه عرض من بيع، فقال لك: أسلفني ذهبًا أبتاع لك
عرضًا وأوفيكه، فلا ينبغي، وكأنه فسخ العرض في دنانير.
فيمن تسلف من رجل شيئًا أو قبضه منه
في دين أو صرف ثم يبيعه منه أو يصرفه منه أو يسلمه إليه
أو أسلمت إليه ذهبًا فردها إليك قضاء من دينك
من كتاب ابن المواز: ومن تسلف من رجل دراهم حالة، أو إلى أجل، فلا بأس أن
يشتري منه بها سلعة بعينها، ولا يجوز أن يصرف بها منه دنانير؛ لأنه يفارقه،
ثم يطلبه بالدراهم، ولكن إن فعل فليس له غير الدنانير؛ لأن دراهمه رجعت
إليه، وإن كانت حالة، جاز أن يسلمها إليه في طعام إلى أجل. قاله
[6/ 143]
(6/143)
مالك، قال في كتاب آخر: وكذلك يجوز أن
يشتري بها منه طعامًا نقدًا.
قال: وإن أخذت منه الدراهم إلى أجل فلا يسلمها إليه في شيء مؤجل ولا بأس أن
يشتري بها منه طعامًا نقدًا.
محمد: قال مالك: ومن لك عليه ذهب قد حل، فأسلمت إليه ذهبًا في سلعة إلى
أجل، فردها إليك قضاء من دينك، الأول فإن لم يكن شرط ولا وأي ولا عادة، فلا
يجوز إن كان بحدثانه.
ومن أسلمت إليه دنانير في طعام، ثم ابتعت منه طعامًا بدنانير إلى مثل أجلك
أو أبعد، فقد كرهه مالك. قال محمد: الذي أعرف من قول مالك، وابن القاسم،
أنه إن قارب الأجل فمكروه، وأما قبل الأجل، بما يعلم أنه لا يستعين بما أخذ
في القضاء، فلا بأس به. قال مالك: وإذا قرب الأجل، فلا خير في أن يشتري
المشتري من الذي عليه الطعام أو غير الطعام طعامًا أو سلعة ما كانت إلى أجل
أبعد من أجل دينه، وأما إلى الأجل بعينه أو بالنقد، فجائز.
قال مالك: ومن قضاك طعامًا من سلم، ثم ابتاعه منك بنقد، أو تأخير، فإن كان
بغير حضرة القضاء وبين ذلك تفاوت يعلم به صحة أمرهما، فهو جائز.
ومن المجموعة: قال أشهب: ومن صرف من رجل دينارًا بدراهم، ثم استقرضها منه،
ودفعها إليه، لم يجز، وعليه رد ديناره، ولا يجوز أن يعطيه فيه دراهم.
وقد ذكرنا في الصرف ذكر من يصرف منه ورقًا، ثم يصرفها منه بذهب.
[6/ 144]
(6/144)
ومن غير المجموعة: وإن أقرضك رجل دراهم إلى
أجل، فابتعت بها منه شيئًا نقدًا، فذلك جائز، ولا يجوز إلى أجل، وإن
أقرضكها حالة، جاز شراؤك بها منه شيئًا نقدًا أو إلى أجل، كآجال السلم،
فذلك جائز.
قال ابن حبيب: وإن أقرضك طعامًا حالاً، ثم بعته منه بثمن نقدًا أو مؤخرًا،
لم يجز، ولو أقرضكه إلى أجل، جاز أن تبيعه منه بثمن حال - يريد: مثل آجال
السلم - ولا يجوز بدين.
باب ذكر الحوالة والمقاصة في الديون
من المجموعة، قال ابن القاسم: إذا كان عليك طعام، ولك في ذمة رجل طعام،
وأحدهما من بيع، والآخر من قرض، فإن حلا، فجائز أن تحيله على غريمك، فإن لم
يحلا أو حل أحدهما، فلا يجوز، حل البيع أو القرض.
وقال أشهب: هما كالقرضين يحيل بما حل منهما فيما حل وفيما لم يحل، وإن كانا
من بيع، لم يجز، وإن حلا، إلا أن يتفق رأس ماليهما، فيجوز، ويشبه التولية.
ومن كتاب ابن المواز، قال: وإذا أحلت بدين عليك على دين لك، فإن لم يكونا
طعامًا من بيع، واتفقت الصفة والجنس والمقدار، وكان الذي يحتال قد حل حقه،
فهذا جائز، وإن اختلفا في الصنف، أو في الجودة والصنف، وأحدهما طعام أو عين
أو عرض، كانا أو أحدهما من بيع أو قرض، فلا يصلح ذلك، وإن حلا إلا أن يقبضه
قبل أن يفترقا، فيجوز إلا في الطعام من بيع، فلا يصلح أن يقضيه، إلا من
صاحبه، وكذلك إن كان هذا ذهب وهذا ورق، فلا تحيله به وإن حلا، إلا أن يقبضه
مكانه قبل افتراق الثلاثة، وقبل طول المجلس، وإذا كان طعامين متفقي الجنس
والصفة والكيل، وهما من قرض، أو أحدهما من قرض،
[6/ 145]
(6/145)
والآخر من بيع، فلا بأس أن يحيل ما قد حل
منهما، كان السلف أو البيع فيما لم يحل. ولم يجزه ابن القاسم حتى يحلا.
ورواه عن مالك. قال ابن حبيب: والأول قول جميع أصحاب مالك إنه جائز إذا حل
ما يحيل به، إلا ابن القاسم، واختلف فيه قول أصبغ.
ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب، عن مالك، في الرجلين لكل واحد منهما على
صاحبه عشرة دنانير، وآجالهما مختلفة، ولم يحلا: لم يجز أن يتقاصا وأجازه
ابن القاسم إذا اتفق الحقان في الجنس والصفة، كانا ذهبين أو فضتين أو عرضين
ما كانا، إلا الطعام من بيع، كان أجلهما متفقًا أو مختلفًا، حلا أو لم
يحلا، أو حل أحدهما، فإن اختلفا في الجنس والصفة، فلا يتقاصا وإن حل
أحدهما، إلا أن يحلا، أو يكون أجلهما متفقًا، وإن لم يحلا فيجوز، ما خلا
الصرف مثل أن يكون هذا ذهبًا وهذا فضة فلا يتقاصا قبل أن يحلا، وإن اتفق
أجلاهما. قوله في العرضين المختلفي الجنس لا يتقاصا وإن حل أحدهما، هكذا
وقع في كتاب محمد. وقال في المدونة: تجوز المقاصة في عرضين بحلول أحدهما.
ومن كتاب محمد: قال: وإذا كانا عرضين نوعًا واحدًا، أو أحدهما أجود صفة،
فإن اتفقت أجلاهما، فجائز، وإن لم يحلا كانا أو أحدهما من بيع أو قرض، وإن
اختلفت أجلاهما وأحدهما من بيع، والآخر من قرض، فإن كان آخرهما محلاً
للبيع، لم تصلح المقاصة، كان الأرفع أو الأدنى؛ لأنه في الأرفع: ضع وتعجل،
وفي الأدنى زاده لطرح الضمان، وإن كان آخرهما حلولاً هو القرض، وهو الأدنى،
فلا بأس أن يتقاصا؛ لأنه إذا عجل القرض وأجبر صاحبه على أخذه، ولا يجبر في
البيع، وإن كان الأرفع آخرهما حلولاً، لم يجز؛ لأنه وضع
[6/ 146]
(6/146)
له من الجودة، ليتعجل، وهذا إذا اتفقا في
العدد والوزن، وإنما اختلافهما في الجودة وحدها، ولو اختلفا في العدد، وهما
جنس واحد، لم تنبغ المقاصة، كانا من قرض أو بيع أو أحدهما، ولأنه لا يجوز
في القرض زيادة العدد وإن حلا - يريد في قول ابن القاسم في زيادة العدد في
القرض - ولو كانا ذهبين، وهما من قرض أو بيع أو أحدهما، فإن كان أولهما
حلولا أرفع في الجودة أو العين أو الأرجح، فلا بأس أن يتقاصا، وإن كان هو
الأدنى، فلا خير فيه.
وقال ابن حبيب: إذا كان أحد الذهبين ناقصة، والآخر وازنة، لم تجز المقاصة
حتى تحل الوازنة. ومن كتاب ابن المواز: ولو اختلفا في العدد، وهما من قرض،
لم تجز المقاصة وإن حلا، وإن كانا من ثمن سلعة، فكان أولها حلولاً أكثرها،
فذلك جائز، وكذلك إن كان أحدهما من قرض، والقرض أكثرهما وأولهما حلولاً،
وإن كانا طعامين، وهما من قرض، والكيل والجنس واحد، وأحدهما أجود. وقد حلا،
فالمقاصة جائزة، وإن لم يحلا، وأولهما حلولاً أجودهما، فجائز، وإن كان
أدناهما، لم تجز، وإن كان أحدهما من بيع، لم يجز المقاصة، وإن اتفقا في
الجودة حتى يحلا.
ومن كتاب ابن المواز: قال أشهب: إن حل أجل السلم، جازت المقاصة. وقال ابن
حبيب: إذا اتفقت أجلاهما، جازت المقاصة وإن لم يحلا. قاله جميع أصحاب مالك،
إلا ابن القاسم. ومن كتاب ابن المواز: وإن كانا من بيع، لم يجز، وإن حلا.
قال أشهب: إلا أن ينفق رأس ماليهما في عينه ووزنه، وإن كانا من قرض،
وأحدهما سمراء، والآخر محمولة، فلا يتقاصا حتى يحلا، أو يكونا حالين، وكذلك
نقي ومعلوث، وإن اتفق الكيل والجنس والصفة جاز، وإن لم يحلا وحل أحدهما،
والأجل متفق أو مختلف، وأما هذا ذهب وهذا فضة، فلا يتقاصا حتى يحلا.
[6/ 147]
(6/147)
وروى عنه ابن نافع: إذا كان لكل واحد منهما
على صاحبه ذهب، والأجل مختلف، فلا يتقاصا حتى يحلا، قيل: فإن اتفق أجلاهما،
فسكت. قال ابن نافع: لا يعجبني.
تم الكتاب بحمد الله وعونه
يتلوه في الجزء الثامن بعون الله وتأييده وتوفيقه
الجزء الثالث مما يحل ويحرم من البيوع
أوله: أبواب البيوع الفاسدة
[6/ 148]
(6/148)
|